الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بِمَكَانِ غَصْبٍ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَصْبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، وَالرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فِي الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَأَفْعَالٌ نَحْوُ الْوُضُوءِ مِنْ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْمَاءِ لَا لِلْإِنَاءِ، وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ يَعُودُ لِخَارِجٍ، إذْ الْإِنَاءُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِيهِ بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ.
[تَتِمَّةٌ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَغَشَّاهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ]
تَتِمَّةٌ: (قَالَ)" الشِّيشْنِيُّ " فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": لَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَغَشَّاهُ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ لَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِعَيْنِهَا حُرِّمَ هَذَا، وَإِنْ قُلْنَا: التَّحْرِيمُ لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ لَمْ يُحَرَّمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا.
(وَكَذَا) إنَاءٌ (مُضَبَّبٌ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (لِصَدْعٍ) أَيْ: كَسْرٍ فَلَا يُبَاحُ اتِّخَاذًا، وَلَا اسْتِعْمَالًا، (لَا) إنْ ضُبِّبَ (لِ) ضَبَّةٍ (يَسِيرَةٍ عُرْفًا) - أَيْ: فِي عُرْفِ النَّاسِ - لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهَا (مِنْ فِضَّةٍ) لَا ذَهَبٍ (لِ) حَاجَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ (غَيْرِ زِينَةٍ) : بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ لَا تَنْدَفِعُ بِغَيْرِهِ كَأَنْ انْكَسَرَ إنَاءٌ نَحْوُ خَشَبٍ فَضُبِّبَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْرُمُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ حَرُمَتْ مُطْلَقًا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَحَيْثُ كَانَ لِحَاجَةٍ فَتُبَاحُ (وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهَا) - أَيْ: الْفِضَّةُ - كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ.
(وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ: ضَبَّةُ الْفِضَّةِ الْمُبَاحَةُ (فِي نَحْوِ شُرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ) إلَى الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْفِضَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْآنِيَةِ، فَإِنْ احْتَاجَ
إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ يَنْدَفِقُ لَوْ شُرِبَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا وَنَحْوِهِ: لَمْ يُكْرَهْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
(وَلَا يُكْرَهُ طُهْرٌ مِنْ إنَاءِ نُحَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَصَفَرٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ، لَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ:«أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَفْنَةٍ، وَمِنْ تَوْرِ حِجَارَةٍ، وَمِنْ إدَاوَةٍ، وَمِنْ قِرْبَةٍ» ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا لِفِعْلِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا قِيَاسًا، لِأَنَّهُ مِثْلُهَا.
(وَ) لَا يُكْرَهُ طُهْرٌ (مِنْ إنَاءٍ بَعْضُهُ نَجِسٌ) إذَا لَمْ يُبَاشَرُ النَّجَسُ، (وَلَا مِمَّا بَاتَ مَكْشُوفًا) ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، (وَلَا نُنَجِّسُ) مَعْشَرَ الْحَنَابِلَةِ شَيْئًا كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا (بِظَنٍّ) ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْوِسْوَاس، (وَإِنْ) - أَيْ: وَلَوْ - (حَرُمَ أَكْلٌ) مَعَ وُجُودِ اشْتِبَاهِ مُذَكًّى بِمَيْتَةٍ، (وَصَلَاةٌ مَعَ) وُجُودِ (اشْتِبَاهِ) مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ (بِضِدِّهِ) لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفَرْطِ حَاجَةِ الِاسْتِعْمَالِ، (فَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كَافِرٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ (وَثِيَابِهِ) - أَيْ: الْكَافِرِ - (وَلَوْ وَلِيَتْ عَوْرَتَهُ) كَسَرَاوِيلَ، (وَلَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ) كَوَثَنِيٍّ، وَدُرْزِيٍّ، وَنُصَيْرِي، وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (طَاهِرٌ مُبَاحٌ، وَكَذَا) آنِيَةٌ وَثِيَابٌ (مُلَابِسُ نَجَاسَةٍ كَثِيرًا، كَمُدْمِنِ خَمْرٍ) طَاهِرٌ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَقُومُ إلَّا بِآنِيَةٍ «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ.
وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ، وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ.
(وَتُكْرَهُ صَلَاةٌ فِي ثَوْبِ نَحْوِ مُرْضِعَةٍ) كَكَاسِحِ كَنِيفٍ (وَحَائِضٍ وَصَبِيٍّ) لِكَثْرَةِ مُلَابَسَتِهِ النَّجَاسَةَ فِي غَالِبِ الْأَحْيَانِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِلِاسْتِعْمَالِ.
(وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا صَبَغَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ) ، قِيلَ لِأَحْمَدَ عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَذَا، وَلَا
يُبْحَثُ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْتَ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ. انْتَهَى، وَيَطْهُرُ بِغُسْلِهِ، وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ
(وَكَذَا) لَا يَجِبُ غَسْلُ (لَحْمٍ يُشْتَرَى) مِنْ الْقَصَّابِ (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنَّهُ) أَيْ: غَسْلُ لَحْمٍ اُشْتُرِيَ (بِدْعَةٌ) لَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ " وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ» .
(وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ مَأْكُولٍ بِذَكَاةٍ) بَلْ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ فِي النَّزْعِ.
(وَلَا) يَطْهُرُ (بِدَبْغٍ جِلْدُ) حَيَوَانٍ كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، ثُمَّ (تَنَجَّسَ بِمَوْتٍ)، مَأْكُولًا كَانَ أَوْ لَا: كَالشَّاةِ وَالْهِرِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ قَالَ:«أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْقِيتَ غَيْرُ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ، وَقَالَ: مَا أُصْلِحُ إسْنَادَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أَصَحُّهَا. قَالَ " فِي الْمُطَوَّلِ ": وَالْمَوْتُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ، قَالَ السَّيِّدُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ.
(فَإِنْ دُبِغَ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الطَّاهِرَةِ فِي الْحَيَاةِ (حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لَا بَيْعُهُ فِي يَابِسٍ) ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أَعْطَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: أَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ، فَانْتَفَعُوا بِهِ» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مَيِّتَةً، وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ، وَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا، وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعُدِّي النَّجَاسَةِ، (كَمُنْخُلٍ مِنْ شَعْرِ) حَيَوَانٍ (نَجَسٍ)، كَبَغْلٍ: فَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي يَابِسٍ، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ.
(وَلَا يَحْصُلُ دَبْغٌ بِنَجِسٍ) كَالِاسْتِجْمَارِ، (وَلَا) بِغَيْرِ (مُنَشِّفٍ لِرُطُوبَةِ مُنَقٍّ لِخَبَثٍ) بِحَيْثُ لَوْ تَقَعُ بَعْدَهُ
فِي الْمَاءِ فَسَدَ، كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ، (وَلَا بِتَشْمِيسِ) الْجِلْدِ، (وَ) لَا (بِرِيحٍ وَتُرَابٍ) لِمَا سَبَقَ
(وَجَعْلُ مُصْرَانٍ وَتْرًا دِبَاغٌ)(وَكَذَا) جَعْلُ (كَرِشٍ) وَتْرًا دِبَاغٌ، لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِيهِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ، فَلَوْ وَقَعَ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ كَفَى، لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمَطَرَ يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ.
(وَكُرِهَ خَرَزٌ بِنَحْوِ شَعْرِ خِنْزِيرٍ) ، كَشَعْرِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ التَّنْجِيسِ بِهَا غَالِبًا، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خَرَزَبِهِ رَطْبًا لِتَنْجِيسِهِ.
(وَلَا) يَجُوزُ دَبْغُ جِلْدِ (آدَمِيٍّ) ، وَلَا الْخَرَزُ بِشَعْرِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، (فَ) لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ (يَحْرُمُ) ذَلِكَ، (لِحُرْمَتِهِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] .
(وَكُرِهَ انْتِفَاعٌ بِ) شَيْءٍ (نَجِسٍ) بِشَرْطِ أَنْ (لَا يَتَعَدَّى) تَنَجُّسُهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِتَجْوِيزِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَةِ لِعِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ مَعَ الْمُلَابَسَةِ لِذَلِكَ عَادَةً.
وَسُئِلَ الْفَضْلُ عَنْ غَسْلِ الصَّائِغِ الْفِضَّةَ بِالْخَمْرِ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ: هَذَا غِشٌّ، لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِهِ
(لَكِنْ يَحْرُمُ افْتِرَاشُ جِلْدِ سَبُعٍ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ إذَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ الْهِرِّ خِلْقَةً، وَاللُّبْسُ كَالِافْتِرَاشِ، لِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ «أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَقَوْلُهُمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلِفًا فِي نَجَاسَتِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ، (خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ) ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَبُو الْخَطَّابِ (دَبْغًا فِي) إبَاحَةِ (انْتِفَاعٍ بِ) جِلْدٍ (نَجِسٍ فِي يَابِسٍ، وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ) إذَا لَمْ تَتَعَدَّ نَجَاسَتُهُ
(وَإِنْفَحَّةٌ) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ
الْجَدْيِ الرَّضِيعِ أَصْفَرُ فَيُعْصَرُ فِي اللَّبَنِ، فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ - (مَيْتَةٍ وَجِلْدَتِهَا) - أَيْ: جَلْدَةِ الْإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ (وَعَظْمٍ وَقَرْنٍ وَظُفُرٍ وَعَصَبٍ، وَحَافِرٍ وَأُصُولِ نَحْوِ شَعْرٍ) كَوَبَرٍ (وَ) أُصُولُ (رِيشٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ نُتِفَ أَوْ قُصَّ (نَجَسٌ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْإِنْفَحَّةُ لَاقَتْ وِعَاءً نَجِسًا فَنَجُسَتْ، (وَكَذَا) فِي النَّجَاسَةِ (لَبَنُ مَيْتَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ.
وَ (لَا) يَنْجُسُ (صُوفٌ وَشَعْرٌ وَرِيشٌ وَوَبَرٌ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ فِي حَيَاةٍ كَهِرِّ وَ) مَا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ، (وَفَأْرٍ) وَمَأْكُولِ لَحْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] الْآيَةُ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَحَرَّمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " نَتْفَ ذَلِكَ لِإِيلَامِهِ.
(وَلَا) يَنْجَسُ (بَاطِنُ بَيْضَةِ مَأْكُولٍ) : كَدَجَاجٍ، بِمَوْتِهِ، (صَلُبَ قِشْرُهَا) ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْوَلَدَ، وَكَرَاهَةُ. عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ تُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ اسْتِقْذَارًا لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُبْ قِشْرُهَا فَنَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا جُزْءُ مَيْتَةٍ (كَصَلْقِهَا فِي نَجَاسَةٍ) فَلَا يَنْجَسُ، وَيَطْهُرُ ظَاهِرُهَا بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ لَهَا قُوَّةً تَمْنَعُ سَرَيَانَ النَّجَاسَةِ إلَى دَاخِلِهَا، (وَكَعَظْمِ نَحْوِ سَمَكٍ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَكُلُّهَا تُؤْكَلُ سِوَى حَيَّةٍ وَضُفْدَعٍ وَتِمْسَاحٍ. (وَيَتَنَجَّسُ ظَاهِرُهَا) أَيْ: الْبَيْضَةِ الَّتِي صَلُبَ قِشْرُهَا (بِرُطُوبَةِ) مَا لَاصَقَهَا مِنْ جَوْفِ الْمَيْتَةِ (وَمَا أُبِينَ مِنْ) حَيَوَانٍ (حَيٍّ: كَظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَيَدٍ) وَأَلْيَة وَحَافِرٍ وَجِلْدٍ (فَ) هُوَ (كَمَيْتَةٍ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً) ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَا يُقْطَعُ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَيَتَّجِهُ غَيْرُ طَرِيدَةِ صَيْدٍ) فَإِنَّ مَا أُبِينَ مِنْهَا طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ، وَمُنْفَصِلٌ مِنْ مَأْكُولٍ ذَكِيٍّ وَلَمْ تَزْهَقْ رُوحُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.