الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمْ يُوجَدْ عَارِفٌ بِهِ (فَلَا إعَادَةَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَسُنَّ لِمُسَافِرٍ نَامَ) عَنْ الصَّلَاةِ (حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا انْتِقَالٌ مِنْ مَكَانِ نَوْمِهِ) ، لِحُضُورِ الشَّيْطَانِ لَهُ فِيهِ (لِيَقْضِيَ) الصَّلَاةَ (فِي غَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي نَامَ فِيهِ " لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ".
[بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ]
ِ السَّتْرُ: بِفَتْحِ السِّينِ: مَصْدَرُ سَتَرَهُ، أَيْ: غَطَّاهُ، وَبِكَسْرِهَا: مَا يُسْتَرُ بِهِ. وَالْعَوْرَةُ لُغَةً: النُّقْصَانُ، وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ، وَمِنْهُ كَلِمَةٌ عَوْرَاءُ، أَيْ: قَبِيحَةٌ (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَيْهِ (مِنْ أَعْلَى وَ) مِنْ (جَوَانِبَ لَا مِنْ أَسْفَلَ) ، فَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا مِنْهُ، وَلَوْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي
عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ تَحْتِهِ لَرَأَى عَوْرَتَهُ (بِمَا) - أَيْ: سَاتِرٍ - (لَا يَصِفُ لَوْنَ بَشَرَةٍ) مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ (حَتَّى عَنْ نَفْسِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ -: (مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَكْشُوفِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى سَتْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]
وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» وَحَدِيثِ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ وَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِمَا: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا خَالِيًا أَوْ فِي قَمِيصٍ، وَلَمْ يُزَرِّرْهُ، وَلَمْ يَشْدُدْ عَلَيْهِ وَسَطَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَرَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ مِنْهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ رَآهَا غَيْرُهُ. وَهِيَ - أَيْ: الْعَوْرَةُ - شَرْعًا: (سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ)، أَيْ: قُبُلُهُ أَوْ دُبُرُهُ (وَكُلُّ مَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ إذَا نُظِرَ إلَيْهِ) أَيْ: مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ (وَيَجِبُ سَتْرُهَا) - أَيْ: الْعَوْرَةِ - (حَتَّى خَارِجَهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (وَ) حَتَّى (فِي ظُلْمَةٍ، وَ) حَتَّى فِي (خَلْوَةٍ)، لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا، قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَلَوْ بِنَحْوِ نَبَاتٍ) كَوَرَقٍ وَخُوصٍ مَظْفُورٍ
؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهَا، وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ
بِسَتْرِهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِسَاتِرٍ، فَيَكْفِي أَيُّ سَاتِرٍ كَانَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ (وَ) يَكْفِي فِي سِتْرِهَا أَيْضًا (مُتَّصِلٌ بِهِ كَيْدِهِ وَلِحْيَتِهِ) ، فَإِذَا كَانَ جَيْبُهُ وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَضَمَّهُ بِيَدِهِ، أَوْ غَطَّتْهُ لِحْيَتُهُ فَمَنَعَتْ رُؤْيَةَ عَوْرَتِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ، لِحُصُولِ السَّتْرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ خَرْقٌ مُحَاذِيًا لِفَخِذِهِ وَنَحْوِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَ (لَا) يَلْزَمُهُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ (بِنَحْوِ بَارِيَةٍ)، وَهِيَ: مَا يُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ الْحَصِيرِ مِنْ قَصَبٍ (وَحَصِيرٍ) ، وَنَحْوِهِمَا (مِمَّا يَضُرُّهُ) إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ (وَلَا) يَلْزَمُهُ أَيْضًا سَتْرُ عَوْرَتِهِ (بِحَفِيرَةٍ وَطِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ، وَفِي الْحَفِيرَةِ حَرَجٌ
(وَيُبَاحُ كَشْفُهَا) - أَيْ: الْعَوْرَةِ - (لِنَحْوِ تَدَاوٍ وَتَخَلٍّ وَخِتَانٍ وَمَعْرِفَةِ بُلُوغٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَعَيْبٍ) وَوِلَادَةٍ، وَيَجُوزُ نَظَرُ الْغَيْرِ إلَيْهَا حِينَئِذٍ كَحَلْقِ عَانَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ (وَ) يُبَاحُ كَشْفُهَا (لِمُبَاحٍ) كَزَوْجٍ وَسَيِّدٍ (وَمُبَاحَةٍ) كَزَوْجَةٍ وَأَمَةٍ مُبَاحَةٍ لَا مُزَوَّجَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا كَمُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِهِ
(وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُ عَوْرَتِهِ حَيْثُ جَازَ كَشْفُهَا) لِتَدَاوٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، لَكِنْ يُكْرَهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَنْكِحَةِ (وَعَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى) حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ (بَلَغَا) - أَيْ: اسْتَكْمَلَا - (عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ: مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.
وَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يَرْفَعُهُ «أَسْفَلُ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ.
(وَ) عَوْرَةُ (أَمَةٍ مُطْلَقًا) - أَيْ: مُدَبَّرَةً كَانَتْ أَوْ مُكَاتَبَةً - (وَأُمَّ وَلَدٍ وَمُبَعَّضَةً) - أَيْ: بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا رَقِيقٌ - مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحُرَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِالرَّجُلِ.
(وَ) عَوْرَةُ (حُرَّةٍ مُمَيِّزَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ) قَارَبَتْ الْبُلُوغَ: (مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ»
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّلَاةِ.
(وَسُنَّ اسْتِتَارُهَا)، أَيْ: الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ، وَالْحُرَّةِ الْمُرَاهِقَةِ وَالْمُمَيِّزَةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (كَحُرَّةٍ بَالِغَةٍ) احْتِيَاطًا.
(وَعَوْرَةُ ابْنِ سَبْعِ) سِنِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ خُنْثَى (إلَى عَشْرِ) سِنِينَ: (الْفَرْجَانِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَالِغِ
(وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى ظُفْرُ) هَا (وَشَعْرُ) هَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا إزَارٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ.
(إلَّا وَجْهَهَا) ، لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كَشْفُ وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ.
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
(قَالَ جُمُوعٌ: وَكَفَّيْهَا) ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْعُمْدَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَخَالَفَهُمَا ابْنُ مَسْعُودٍ.
(وَفِي النَّظَرِ) إلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ (تَفْصِيلٌ يَأْتِي) فِي النِّكَاحِ مُسْتَوْفًى.
(وَسُنَّ صَلَاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ سِيَّمَا إمَامٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَبَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ، وَتَتَعَلَّقُ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ (فِي ثَوْبَيْنِ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ إزَارٍ وَسَرَاوِيلَ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: (مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ) بِعِمَامَةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَذَلِكَ يُصَلِّي، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحْيُونَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدُهُمْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ، وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ: تَسَرْوَلُوا وَاتَّزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» .
(وَلَا تُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَسْتُرُ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ) مِنْ الْعَوْرَةِ، وَأَحَدِ الْعَاتِقَيْنِ فِي الْفَرْضِ (وَالْقَمِيصُ أَوْلَى مِنْ رِدَاءٍ مَعَ اقْتِصَارٍ عَلَى ثَوْبٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ ثُمَّ الرِّدَاءُ ثُمَّ الْمِئْزَرُ أَوْ السَّرَاوِيلُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَسُنَّ أَنْ يُزَرَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (جَيْبُ قَمِيصٍ وَاسِعٍ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ) ، لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْهُ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَالْمُرَادُ: إنْ أَمْكَنَ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرَ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ خَلْوَةٍ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيُجْزِئُ) مَنْ لَمْ يَزُرَّ جَيْبَهُ شَدُّ وَسَطِهِ عَلَيْهِ بِمَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، أَوْ (سَدُّهُ) - أَيْ: الْجَيْبِ - (بِلِحْيَتِهِ) لِوُجُودِ السِّتْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَأَعْرَى الْعَاتِقَيْنِ فِي نَفْلٍ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَلِذَلِكَ يُسَامَحُ فِيهِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَالِاسْتِقْبَالِ فِي السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلِأَنَّ عَادَةَ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ وَخَلَوَاتِهِ تَخْفِيفُ اللِّبَاسِ، وَغَالِبُ نَفْلِهِ يَقَعُ فِيهِ فَسُومِحَ فِيهِ لِذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ لَا يَتَّسِعُ لِذَلِكَ مَعَ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ.
(وَشُرِطَ فِي فَرْضِ رَجُلٍ بَالِغٍ مَعَ سَتْرِ عَوْرَتِهِ سَتْرُ جَمِيعِ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ بِلِبَاسٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَاتِقِ: مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَقَوْلُهُ: بِلِبَاسٍ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثَّوْبِ الَّذِي سَتَرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ سَتَرَ بِهِ عَاتِقَهُ أَجْزَأَهُ
(وَلَا) يُجْزِئُ سَتْرٌ (بِحَبْلٍ)
وَشَبَكَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى لِبَاسًا (وَلَوْ وَصَفَ) اللِّبَاسُ (الْبَشَرَةَ) لِرِقَّتِهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَهُوَ يَعُمُّ مَا يَصِفُ، وَمَا لَا يَصِفُ.
(وَسُنَّ صَلَاةُ حُرَّةٍ) بَالِغَةٍ (فِي دِرْعٍ، وَهُوَ: الْقَمِيصُ، وَخِمَارٍ، وَهُوَ: غِطَاءُ رَأْسِهَا) الَّذِي يُدَارُ تَحْتَ حَلْقِهَا (وَمِلْحَفَةٍ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ - (وَهِيَ: الْجِلْبَابُ) ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْخِمَارِ وَالْإِزَارِ وَالدِّرْعِ، فَتُسْبِلُ الْإِزَارَ فَتُجَلْبَبُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا وَجَدَتْهَا: الْخِمَارُ وَالْإِزَارُ وَالدِّرْعُ " وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْفَى عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ (وَلَا تَضُمُّ ثِيَابَهَا)، قَالَ السَّامِرِيُّ:(حَالَ قِيَامِهَا)
(وَتُكْرَهُ) صَلَاتُهَا (فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلَّى بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَيُغَطِّي الْفَمَ، وَقَدْ " نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ عَنْهُ "(وَيُجْزِئُ) امْرَأَةً (سَتْرُ عَوْرَتِهَا)، قَالَ أَحْمَدُ: اتَّفَقَ عَامَّتُهُمْ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَسْتَرُ
(وَإِذَا انْكَشَفَ لَا عَمْدًا) فِي صَلَاةٍ (مِنْ عَوْرَةِ) ذَكَرٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى (يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ عُرْفًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِيهِ شَرْعًا فَرَجَعَ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْحِرْزِ، فَإِنْ فَحَشَ وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْفُحْشُ فِي كُلِّ عُضْوٍ بِحَسَبِهِ، إذْ يَفْحُشُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا (فِي النَّظَرِ) - مُتَعَلِّقٌ بِ يَفْحُشُ - أَيْ: لَوْ نُظِرَ إلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الِانْكِشَافُ زَمَنًا (طَوِيلًا) لَمْ تَبْطُلْ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: «انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ يُعَلِّمُهُمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ، فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ، فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ،
فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا فَمَا فَرِحْتُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ وَفِي لَفْظٍ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَنْكَرَهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إذْ ثِيَابُ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ خَرْقٍ، وَثِيَابُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ فَتْقٍ.
(أَوْ) انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ (كَثِيرٌ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ، (فَمَنْ كَشَفَتْ رِيحٌ كُلَّ عَوْرَتِهِ، فَسَتَرَهَا سَرِيعًا بِلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْعَوْرَةِ، وَكَذَا لَوْ فَحَشَ، وَطَالَ الزَّمَنُ، وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ.
(وَمَنْ صَلَّى فِي غَصْبٍ) - أَيْ: مَغْصُوبًا - عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَمِثْلُهُ مَسْرُوقٌ وَنَحْوُهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (بَعْضُهُ) مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: وَلَوْ لَمْ يَرَ الْعَوْرَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَتْبَعُ بَعْضًا (أَوْ) صَلَّى فِيمَا (ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ أَوْ بَعْضُهُ) - أَيْ: بَعْضُ ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ حَرَامٌ - أَوْ الَّذِي نَوَى الِانْتِقَادَ مِنْهُ غَصْبٌ لَمْ تَصِحَّ إنْ كَانَ عَالِمًا ذَاكِرًا، وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ - إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ، وَبَذَلَهُ مِنْ الْحَرَامِ (ثَوْبًا) كَانَ الْمَغْصُوبُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (وَلَوْ) كَانَ الثَّوْبُ (لِلْكَعْبَةِ) لَمْ تَصِحَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ (أَوْ بُقْعَةٍ) مَغْصُوبَةٍ لَمْ تَصِحَّ، وَيَلْحَقُ بِهِ لَوْ صَلَّى فِي سَابَاطٍ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ، أَوْ غَصَبَ رَاحِلَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَوْحًا فَجَعَلَهُ سَفِينَةً
(وَلَوْ كَانَ عَلَى مُصَلٍّ) فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ ثَوْبٌ (مُبَاحٌ غَيْرُهُ) - أَيْ: غَيْرُ الْمَغْصُوبِ - سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ أَوْ فَوْقَهُ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ الْمَغْصُوبُ لَكَانَ سَاتِرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يُتَبَيَّنْ سَاتِرًا
(وَ) صَلَّى (فِي) مَنْسُوجٍ بِ (ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ) فِي (حَرِيرٍ) كُلِّهِ (أَوْ غَالِبُهُ) حَرِيرٌ (حَيْثُ حَرُمَ) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ بِأَنْ كَانَ
عَلَى ذَكَرٍ، (وَلَوْ) كَانَ الذَّكَرُ (صَبِيًّا) ، وَلَمْ يَكُنْ الْحَرِيرُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ
(أَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ)، أَيْ: بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَوْ عَلَى حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ (عَالِمًا) بِأَنَّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ حَجَّ (بِهِ) مُحَرَّمٌ (ذَاكِرًا لَهُ وَقْتَ عِبَادَةٍ لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَحْمَدَ «مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَقِيَامُهُ وَقُعُودُهُ وَمَسِيرُهُ بِمُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ مُتَقَرِّبًا بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ، وَلَا مَأْمُورًا بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ عَالِمًا ذَاكِرًا (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ وَحَجُّهُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا.
(وَيَتَّجِهُ لَوْ تَابَ) مَنْ تَلَبَّسَ (فِي حَجٍّ) بِمَالٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ عَلَى رَاحِلَةٍ مَغْصُوبَةٍ، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْمَغْصُوبِ (قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ) - أَيْ: الدَّفْعِ - (إنْ عَادَ) إلَى عَرَفَةَ (فَوَقَفَ) بِهَا (مَعَ) بَقَاءِ وَقْتِ وُقُوفٍ (وَتَجْدِيدِ إحْرَامٍ: الصِّحَّةُ)، أَيْ: صِحَّةُ حَجِّهِ (لِتَلَبُّسِهِ بِالْمُبَاحِ حَالَ فِعْلِ الْأَرْكَانِ) ، بِشَرْطِ بَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَزْرُوعَةً) بِلَا غَصْبٍ أَوْ ضَرَرٍ جَازَ (أَوْ) صَلَّى (عَلَى مُصَلَّاهُ) - أَيْ: الْغَيْرِ - (بِلَا غَصْبٍ أَوْ ضَرَرٍ جَازَ وَصَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِرِضَاهُ بِذَلِكَ عُرْفًا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِكَافِرٍ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِصَلَاةِ مُسْلِمٍ فِي أَرْضِهِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
(وَإِنْ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ) غَصَبَهُ (فَكَغَصْبٍ) لِمَكَانِ غَيْرِهِ لِصَلَاتِهِ فِيهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ": وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ، وَأَمَّا الْغَيْرُ فَصَلَاتُهُ فِيهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَاصِبٍ لَهُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِمَسَاجِدِ حَرِيمِ النَّهْرِ؛ إذْ الْمُصَلِّي فِيهِ غَيْرُ غَاصِبٍ لِلْبُقْعَةِ؛ إذْ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لَوْ لَمْ تُبْنَ، كَمَا كَانَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُغَيَّرَ (لَا إنْ مَنَعَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدَ (غَيْرُهُ) بِأَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَأَبْقَاهُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَيْسَ
كَغَصْبِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ، وَكَذَا لَوْ زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ.
(وَلَا يُبْطِلُهَا) - أَيْ: الصَّلَاةَ - (لُبْسُ عِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا) كَعِمَامَةِ حَرِيرٍ وَخَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ غَصْبٍ (أَوْ خُفٍّ حَرِيرٍ) وَتِكَّةٍ (أَوْ وَضْعُ ثَوْبِ نَحْوِ غَصْبٍ بِنَحْوِ كُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا، وَيَصِحُّ الْأَذَانُ وَالصَّوْمُ وَالْوُضُوءُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ بِغَصْبٍ، وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا قَبْلَهُ، وَعِبَادَةُ مَنْ تَقَوَّى عَلَيْهَا بِمُحَرَّمٍ.
(وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِلَا إعَادَةٍ فَمَنْ حُبِسَ بِغَصْبٍ) بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حُبِسَ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِخْلَاصِ نَفْسِهِ، وَفِعْلُ الْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَحْبُوسُ هُوَ الْغَاصِبَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رَفْعِ يَدِ نَفْسِهِ عَنْهَا، أَوْ اسْتِئْذَانِ رَبِّهَا فِي صَلَاتِهِ فِيهَا
(وَكَذَا) مِمَّنْ حُبِسَ (بِ) بُقْعَةٍ (نَجِسَةٍ) وَيَرْكَعُ (وَيَسْجُدُ) بِيَابِسَةٍ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، وَمُجْمَعٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ، وَعَدَمِ سُقُوطِهِ، بِخِلَافِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ (وَيُومِئُ بِرَطْبَةٍ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ) تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَلَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ) عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الصَّلَاةِ (غَيْرَهُمَا) - أَيْ: الْقَدَمَيْنِ - لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ إبَاحَةُ الْبُقْعَةِ وَطَهَارَتُهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَالْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ.
(وَيَتَّجِهُ كَغَصْبٍ إكْرَاهٌ دَامَ لِآخِرِ وَقْتِ) الصَّلَاةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا كُلُّ مُكْرَهٍ عَلَى الْكَوْنِ بِالْمَكَانِ النَّجِسِ وَالْغَصْبُ بِحَيْثُ يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ الْخُرُوجِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَحْبُوسِ مِنْ أَنَّهُ تَصِحُّ
صَلَاتُهُ فِيهِ
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ إنْ سَجَدَ) الْمَحْبُوسُ بِمَحِلٍّ نَجِسٍ (بِرَطْبَةٍ تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيُصَلِّي) عَاجِزٌ عَنْ سُتْرَةٍ مُبَاحَةٍ (عُرْيَانًا مَعَ) ثَوْبِ (غَصْبٍ) ، لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِكُلِّ حَالٍ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا، لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً مَغْصُوبًا
(وَ) يُصَلِّي (فِي) ثَوْبٍ (حَرِيرٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ وَلَوْ مُعَارًا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي لُبْسِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَالْحَكَّةِ، وَضَرُورَةِ الْبُرْدِ، وَعَدَمِ سُتْرَةٍ غَيْرِهِ، فَقَدْ زَالَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِيهِ (وَلَا إعَادَةَ) عَلَى مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ غَصْبٍ أَوْ فِي حَرِيرٍ لِعَدَمِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
(وَ) يُصَلِّي (فِي) ثَوْبٍ (نَجِسٍ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ مَعَ عَجْزٍ عَنْ تَطْهِيرِهِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ آكَدُ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِوُجُوبِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِ، (وَيُعِيدُ) مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ لِعَدَمٍ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ حَالَتَيْ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا، وَالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ الْحَالَةِ الْأُخْرَى، وَقَدْ قَدَّمَ حَالَةَ التَّزَاحُمِ آكَدُهَا، فَإِذَا زَالَ التَّزَاحُمُ بِوُجُودِهِ ثَوْبًا طَاهِرًا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، اسْتِدْرَاكًا لِلْخَلَلِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ مَعْذُورًا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ بِمَكَانٍ نَجِسٍ، فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ.
(وَيُصَلِّي) مَنْ عِنْدَهُ ثَوْبَانِ نَجِسَانِ (فِي أَقَلِّ الثَّوْبَيْنِ نَجَاسَةً) ، وَإِنْ كَانَ طَرَفُ الثَّوْبِ نَجِسًا، وَأَمْكَنَهُ السِّتْرُ بِالطَّاهِرِ مِنْهُ لَزِمَهُ
(وَلَا