الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ الشَّهِيدُ يَجِبُ بَقَاءُ دَمِهِ عَلَيْهِ]
ِ) لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِدِمَائِهِمْ. (فَإِنْ خَالَطَتْهُ)، أَيْ: دَمَ الشَّهِيدِ (نَجَاسَةٌ؛ غُسِلَ) الدَّمُ (مَعَهَا) - أَيْ: النَّجَاسَةِ - لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ، وَمِنْهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ، مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَمِنْهُ إبْقَاءُ دَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ.
(وَ) يَجِبُ (دَفْنُهُ)، أَيْ: الشَّهِيدِ (بِثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا) فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ:(وَلَوْ) كَانَتْ (حَرِيرًا)، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ. (وَيَتَّجِهُ) : لَا بَأْسَ بِدَفْنِهِ فِي الثِّيَابِ الْحَرِيرِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا، (إنْ كَانَ لُبْسُهُ) إيَّاهَا (فِي حَالٍ يُبَاحُ) كَإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بَعْدَ نَزْعٍ لَأْمَةِ حَرْبٍ، وَنَحْوِ فَرْوٍ وَخُفٍّ) نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«أُمِرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
فَإِنْ سُلِبَ ثِيَابُهُ؛ كُفِّنَ فِي غَيْرِهَا.
(وَيَتَّجِهُ) : نَزْعُ مَا عَلَى الشَّهِيدِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْفَرْوَ وَالْجُلُودِ (وُجُوبًا) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يُزَادُ فِي ثِيَابِهِ)، أَيْ: الشَّهِيدِ (وَلَا يُنْقَصُ) مِنْهَا (وَلَوْ لَمْ يَحْصُلُ الْمَسْنُونُ) بِهَا لِنَقْصِهَا أَوْ زِيَادَتِهَا، (فَإِنْ كَانَ) الشَّهِيدُ (قَدْ سَلَبَهَا) أَيْ: الثِّيَابَ (دُفِنَ) بَعْدَ تَكْفِينِهِ (بِغَيْرِهَا) بِلَا خِلَافٍ. (وَيَتَّجِهُ) : تَكْفِينُهُ بِغَيْرِهَا (نَدْبًا، وَسِتْرُ عَوْرَتِهِ وُجُوبًا) قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " وَشَرْحِهِ: كُفِّنَ بِغَيْرِهَا وُجُوبًا كَغَيْرِهِ.
انْتَهَى.
وَهُوَ أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(وَإِنْ سَقَطَ) حَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ (مِنْ شَاهِقٍ)، أَيْ: مَكَان مُرْتَفَعٍ كَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ، (أَوْ) سَقَطَ مِنْ (دَابَّةٍ لَا بِفِعْلِ عَدُوٍّ) ، فَمَاتَ (أَوْ مَاتَ بِرَفْسَةِ) دَابَّةٍ، (أَوْ) مَاتَ (حَتْفَ أَنْفِهِ)، أَيْ: لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ، (أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ) قَتْلٍ (بِهِ) ، فَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرٌ؛ لَمْ يُغَسَّلْ، (أَوْ عَادَ سِلَاحُهُ عَلَيْهِ) فَقُتِلَ، فَكَغَيْرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ مُبَاشَرَةً، وَلَا تَسَبُّبًا، أَشْبَهَ مَنْ مَاتَ مَرِيضًا، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ
بِالشَّكِّ فِي مَسْقَطِهِ. (أَوْ حُمِلَ) بَعْدَ جُرْحِهِ (فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَطَسَ أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا؛ فَ) هُوَ (كَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَظَاهِرُهُ: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ بَعْدَ حَمْلِهِ، فَأَمَّا إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ جُرْحِهِ، وَهُوَ فِي الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ مَاتَ فِيهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، فَلَا يُغَسَّلُ، إلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهُ فِيهَا؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسَّلَ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَقَامَ فِيهَا إلَى اللَّيْلِ، أَيْ: فَحُكْمُهُ (كَشَهِيدٍ مَطْعُونٍ وَمَبْطُونٍ وَغَرِيقٍ وَشَرِيقٍ وَحَرِيقٍ وَصَاحِبِ هَدْمٍ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالسُّلِّ) بِضَمِّ السِّين وَكَسْرِهَا (وَاللَّقْوَةِ) : دَاءٌ فِي الْوَجْهِ (وَصَابِرٍ بِطَاعُونٍ، وَمُتَرَدٍّ بِشَاهِقٍ) لَا بِفِعْلِ كُفَّارٍ (وَدَابَّةٍ وَمَيِّتٍ بِسَبِيلِ اللَّهِ، وَمُرَابِطٍ وَطَالِبِ شَهَادَةٍ بِصِدْقِ نِيَّةٍ، وَمَجْنُونٍ وَنُفَسَاءَ وَلَدِيغٍ وَفَرِيسِ سَبُعٍ) ، وَمَنْ بَاتَ عَلَى طَهَارَةٍ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَطَالِبُ عِلْمٍ) مُعَلِّمًا كَانَ أَوْ مُتَعَلِّمًا؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ.
(وَمِنْ أَغْرَبِهَا)، أَيْ: الشَّهَادَةِ: (مَوْتُ غَرِيبٍ) ، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» : (وَأَغْرَبُ مِنْهُ) مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: (عَاشِقُ عَفٍّ وَكَتْمٍ) أَشَارَ إلَى الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ: «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ، مَاتَ شَهِيدًا» ، وَهَذَا الْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ كِتْمَانَ الْعَاشِقِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُطَالِبِ الْمُفْضِيَةِ إلَى بُلُوغِ الْمَأْرَبِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَذَاعَ سِرَّهُ كَثُرَتْ عُذَّالُهُ، وَبَاءَ بِالْحِرْمَانِ،
فَيَنْبَغِي لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَدَرَّعَ مِنْ الصَّبْرِ جِلْبَابًا، وَيَلْبَسَ مِنْ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ ثِيَابًا، وَيَكُونَ عِشْقُهُ لِلَّهِ، لَا يَشُوبَهُ بِشَهْوَةٍ حَيَوَانِيَّةٍ.
وَ (لَا) يَلْزَمُ كِتْمَانُهُ (عَنْ مَعْشُوقِهِ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلَا يَخْلُو مَعَهُ، لِئَلَّا يَتَلَاعَبَ بِهِ الشَّيْطَانُ فَيُوقِعَهُ فِي غَضَبِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ.
(وَسَقَطَ) - بِتَثْلِيثِ السِّينِ - (لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَأَكْثَرَ (كَمَوْلُودٍ حَيًّا) ، يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا، لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مَرْفُوعًا «وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ:«وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَذَكَرُهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ
؛ وَلِأَنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ وَ (لَا) يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لَوْ سَقَطَ (قَبْلَهَا)، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، (وَلَوْ بَانَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ) إذْ الْمُعْتَبَرُ نَفْخُ الرُّوحِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَسُنَّ تَسْمِيَتُهُ)، أَيْ: الطِّفْلِ (وَإِنْ) وُلِدَ (لِدُونِ ذَلِكَ)، أَيْ: الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَيُسَمَّى لِيُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاسْمِهِ. (وَمَعَ جَهْلِ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ يُسَمَّى بِصَالِحٍ
لَهُمَا كَطَلْحَةَ وَهِبَةِ اللَّهِ) .
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. (وَسَقَطَ مِنْ كَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا، (كَمُسْلِمٍ) يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا وُلِدَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ.
وَإِلَّا فَلَا.
وَيُصَلَّى عَلَى طِفْلٍ مِنْ كَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا.
أَوْ سَبْيِهِ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا.
وَكَذَا مَجْنُونٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ.
(وَعَلَى غَاسِلٍ سَتْرُ شَرٍّ) رَآهُ؛ لِأَنَّ فِي إظْهَارِهِ إذَاعَةً لِلْفَاحِشَةِ، وَفِي الْخَبَرِ مَرْفُوعًا:«لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَيْبَهُ؛ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. (كَطَبِيبٍ فِي سَتْرِ عَيْبٍ) رَآهُ بِجَسَدٍ مَطْبُوبٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهُ.
فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ، وَمِثْلُهُ الْجَرَائِحِيُّ. (وَسُنَّ) لِلْغَاسِلِ (إظْهَارُ خَيْرٍ) رَآهُ مِنْ الْمَيِّتِ لِيُتَرَحَّمَ عَلَيْهِ (قَالَ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ: إلَّا عَلَى مَشْهُورٍ بِبِدْعَةٍ أَوْ فُجُورٍ وَنَحْوِهِ) .
كَكَذِبٍ، (فَيُسَنُّ إظْهَارُ شَرِّهِ وَسَتْرُ خَيْرِهِ) لِيَرْتَدِعَ نَظِيرُهُ. (وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ، وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ وَلَا نَشْهَدُ) بِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ (إلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) كَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ، وَكَحَاتِمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ فِي النَّارِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ:(أَوْ تَتَّفِقُ الْأُمَّةِ عَلَى الثَّنَاءِ) عَلَيْهِ: كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، (أَوْ) تَتَّفِقُ الْأُمَّةِ عَلَى (الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ) كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، وَالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الْأَكْثَرُ، وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ دِيَانَةً، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَالُ الْمَيِّتِ مُوَافِقَةً لِقَوْلِهِمْ.
وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ عَلَامَةً مُسْتَقِلَّةً.
انْتَهَى.