الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]
(فَصْلٌ) تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ: مَا لَا يَسْقُطُ عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، وَلَا جَهْلًا، وَهِيَ: الْأَرْكَانُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا، فَشُبِّهَتْ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ.
وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهَا فُرُوضًا، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ.
الثَّانِي: مَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا، وَيَسْقُطُ سَهْوًا، وَجَهْلًا، وَيُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَسَمَّوْهُ وَاجِبًا اصْطِلَاحًا.
الثَّالِثُ: مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ وَلَوْ عَمْدًا، وَهُوَ السُّنَنُ. (أَرْكَانُ صَلَاةٍ، وَتُسَمَّى فُرُوضًا مَا كَانَ فِيهَا) احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ، (وَلَا تَسْقُطَ عَمْدًا) ، خَرَجَ السُّنَنُ، (أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) ، خَرَجَ الْوَاجِبَاتُ (وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ)، رُكْنًا بِالِاسْتِقْرَاءِ:(أَحَدُهَا: قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضٍ)، وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] «وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» . إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَخُصَّ بِالْفَرْضِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:«كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا» . الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَالْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي الْجَمِيعِ)، أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، (سِوَى خَائِفٍ بِهِ)، أَيْ: بِالْقِيَامِ، كَمَنْ بِمَكَانٍ لَهُ حَائِطٌ يَسْتُرُهُ جَالِسًا لَا قَائِمًا، وَيَخَافُ بِقِيَامِهِ لِصًّا أَوْ عَدُوًّا، فَيُصَلِّي جَالِسًا لِلْعُذْرِ، (وَ) سِوَى (عُرْيَانٍ) لَا يَجِدُ سُتْرَةً؛ فَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا، وَيَنْضَمُّ (وَ) سِوَى مَرِيضٍ يُمْكِنُهُ قِيَامٌ، لَكِنْ لَا تُمْكِنُهُ مُدَاوَاتُهُ قَائِمًا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ (لِمُدَاوَاةٍ) ، وَيُصَلِّي جَالِسًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَ) كَذَا يُعْفَى عَنْ قِيَامٍ
مَعَ (قِصَرِ سَقْفٍ لِعَاجِزٍ عَنْ خُرُوجٍ) لِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، بِمَكَانٍ قَصِيرِ السَّقْفِ. (وَ) كَذَا يُصَلِّي جَالِسًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ (خَلْفَ إمَامٍ حَيٍّ) أَيْ: رَاتِبٍ، (عَاجِزٍ) عَنْ الْقِيَامِ (بِشَرْطِهِ) ، وَهُوَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ. (وَحَدُّ قِيَامٍ: مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا) ، أَيْ: أَنْ لَا يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ، (فَلَا يَضُرُّ) فِي الْقِيَامِ (خَفْضُ رَأْسٍ) عَلَى هَيْئَةِ الْإِطْرَاقِ (وَانْحِنَاءٌ قَلِيلًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى قَائِمًا. (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ كُرِهَ، وَأَجْزَأَ) ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. (وَالرُّكْنُ مِنْهُ) أَيْ: الْقِيَامِ، (الِانْتِصَابُ بِقَدْرِ تَكْبِيرِ إحْرَامٍ، وَقِرَاءَةِ فَاتِحَةٍ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَفِيمَا بَعْدَهَا بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَبَدَلِهَا مِنْ الذِّكْرِ، وَقَفَ بِقَدْرِهَا. (وَقُعُودُ) ، أَوْ اضْطِجَاعُ (عَاجِزٍ) عَنْ الْقِيَامِ، أَوْ عَنْهُ وَعَنْ الْقُعُودِ رُكْنٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقِيَامِ. (وَ) كَذَلِكَ الْقُعُودُ لِ (مُتَنَفِّلٍ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ) لِقِيَامِ الْقُعُودِ مَقَامَ الرُّكْنِ.
وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، فَالرُّكْنُ مِنْ الْقِيَامِ بِقَدْرِ التَّحْرِيمَةِ.
وَ (الثَّانِي: تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا:«إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَسَدِّدُوا الْفُرَجَ، وَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِهَا. وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
(وَمَرَّ) ذِكْرُ (شُرُوطِهَا) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِشَرْطٍ بَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ:«إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَ (الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، أَوْ) قِرَاءَةُ (مَا قَامَ مَقَامَهَا) مِنْ الذِّكْرِ (لِعَاجِزٍ عَنْهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِإِمَامٍ، وَمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ
لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْهُ لِلْخَبَرِ.
قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ إنَّمَا تَقُومُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً، احْتِرَازًا عَنْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا، وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ.
وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": لَكِنْ لَمْ أَجِدْ مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مَنْ اسْتَثْنَاهُ، نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى.
وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَشْيَاخِ وَالْأَخْبَارِ خِلَافُهُ، لِلْمَشَقَّةِ.
(الرَّابِعُ: الرُّكُوعُ، وَهُوَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ) الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا} [الحج: 77] ، وَحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ؛ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّاةَ فِي الْحَدِيثِ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، فَإِنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ، لَسَقَطَتْ عَنْ الْأَعْرَابِيِّ لِجَهْلِهِ بِهَا.
وَ (الْخَامِسُ: الرَّفْعُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الرُّكُوعِ لِلْخَبَرِ، (لَا مَا)، أَيْ: رُكُوعًا (بَعْدَ) رُكُوعٍ، (أَوَّلٍ مِنْهُمَا)، أَيْ: مِنْ الرُّكُوعَيْنِ (فِي
صَلَاةِ كُسُوفٍ) ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: لَا مَا بَعْدَ إلَى آخِرِهِ، حَتَّى يَذْكُرُ الِاعْتِدَالَ، لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الرَّفْعَ، وَالِاعْتِدَالَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رُكْنٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَيْضًا، وَغَيْرُهُ سُنَّةٌ. (وَإِذَا رَفَعَ) مِنْ الرُّكُوعِ، (وَشَكَّ: هَلْ أَتَى مِنْهُ بِقَدْرِ إجْزَاءِ، أَمْ لَا؟ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، فَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ،) لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.
وَ (السَّادِسُ: الِاعْتِدَالُ) بَعْدَ الرُّكُوعِ الرُّكْنِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» . (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ: الِاعْتِدَالِ (عَوْدُهُ)، أَيْ: الْمُصَلِّي (لِهَيْئَتِهِ الْمُجْزِئَةَ) أَيْ: الَّتِي تُجْزِئُهُ مِنْ الْقِيَامِ (قَبْلَ رُكُوعٍ) فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ مُنْحَنِيًا يَسِيرًا حَالَ اعْتِدَالِهِ، وَاطْمِئْنَانِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قَائِمًا.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ حَدَّ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا، وَالْكَمَالُ مِنْهُ الِاسْتِقَامَةُ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَحَلِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِطُولِ اعْتِدَالٍ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ الْأَنْمَاطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُطِيلُ الِاعْتِدَالَ، وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَوَّلَهُ قَرِيبَ قِيَامِهِ، وَرُكُوعِهِ» . (وَيَتَّجِهُ الْمُرَادُ بِطُولِهِ)، أَيْ: الْقِيَامِ (نَحْوُ قُرْبِ قِيَامِهِ)، أَيْ: وَرُكُوعِهِ فَقَطْ، (لَا مُطْلَقًا)، أَيْ: فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَأَدْخَلَ فِي " الْإِقْنَاعِ " الرَّفْعَ فِي الِاعْتِدَالِ) لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ
(السَّابِعُ: السُّجُودُ) إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَمَرَّ أَكْمَلُهُ، وَأَقَلُّهُ، مَعَ ذِكْرِ رُكُوعٍ) فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ.
وَ (الثَّامِنُ: الرَّفْعُ مِنْهُ)، أَيْ: السُّجُودِ.
وَ (التَّاسِعُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» . (وَشُرِطَ فِي نَحْوِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَفْعٍ مِنْهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَهُ) .
فَلَوْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ أَوْ رَفَعَ خَوْفًا مِنْ شَيْءٍ، لَمْ يُجْزِئُهُ.
وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَقْصِدَهُ)، أَيْ: الْمَذْكُورَ، مِنْ نَحْوِ رُكُوعٍ إلَى آخِرِهِ، (اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَصْحَبِ حُكْمُهَا) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ ذَلِكَ وُجُوبًا.
وَ (الْعَاشِرُ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي كُلِّ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) مِنْ الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُ، وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ؛ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَهِيَ) أَيْ: الطُّمَأْنِينَةُ: (السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا، وَطُمَأْنِينَةً، أَيْ: سَكَنَ. (وَمَا فِيهِ) ذِكْرٌ (وَاجِبٌ) وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَنْ هَذَا السُّكُونِ، كَذِكْرٍ وَاجِبٍ مِنْ عَالِمِ ذَلِكَ، فَوَاجِبٌ.
وَلَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ، كَمَا لَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا، أَوْ مَعَ مَسْنُونٍ. (فَ) الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ (بِقَدْرِ إتْيَانِهِ) بِهِ (لِذَاكِرٍ) إذَا ذَكَرَهُ
قَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ ": وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ لِذَاكِرِهِ، وَلِنَاسِيهِ بِقَدْرِ أَدْنَى سُكُونِهِ.
وَكَذَا لِمَأْمُومٍ بَعْدَ انْتِصَابِهِ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ فِيهِ.
قَالَ شَارِحُهُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَمْ أَجِدْهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَلَا " الْمُبْدِعِ " وَلَا " الْإِنْصَافِ " وَلَا غَيْرِهَا، مِمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، وَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَخْتَلِفُ بِالذَّاكِرِ وَالنَّاسِي، بَلْ فِي كَلَامِ " الْإِنْصَافِ " مَا يُخَالِفُهَا، فَإِنَّهُ حَكَى فِي الطُّمَأْنِينَةِ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هِيَ السُّكُونُ وَإِنْ قَلَّ، وَقَالَ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي: بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ": وَتَبِعَهُ فِي " الْحَاوِي الْكَبِيرِ " وَهُوَ الْأَقْوَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ.
ثُمَّ قَالَ
فِي " الْإِنْصَافِ ": وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ: إذَا نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي رُكُوعِهِ، أَوْ سُجُودِهِ، أَوْ التَّحْمِيدَ فِي اعْتِدَالِهِ، وَسُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ فِي جُلُوسِهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ لِعُجْمَةٍ أَوْ خَرَسٍ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ، وَقُلْنَا هُوَ سُنَّةٌ، وَاطْمَأَنَّ قَدْرًا لَا يَتَّسِعُ لَهُ؛ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى الثَّانِي
وَ (الْحَادِيَ عَشَرَ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ) لِحَدِيثِ: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» الْخَبَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِتَشَهُّدٍ " رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. (بَعْدَ) الْإِتْيَانِ بِ (أَقَلِّ مُجْزِئٍ مِنْ) التَّشَهُّدِ (الْأَوَّلِ) ، وَتَقَدَّمَ.
(وَالرُّكْنُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَ (الثَّانِي عَشَرَ: الْجُلُوسُ لَهُ)، أَيْ: التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، (وَ) الْجُلُوسُ (لِلتَّسْلِيمَتَيْنِ) «لِمُدَاوَمَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجُلُوسِ لِذَلِكَ وَقَوْلِهِ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَإِنْ زَحَمَ) مُصَلٍّ (عَنْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، أَتَى بِهِ) .
أَيْ: بِالتَّشَهُّدِ (قَائِمًا، وَأَجْزَأَهُ) إتْيَانُهُ بِهِ قَائِمًا لِلْعَجْزِ، عَنْ الْقُعُودِ (وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يُجْزِئُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ قَائِمًا، إنْ زَحَمَ (فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) ، لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي رُكْنٌ، بِخِلَافِهِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الرُّكْنِ، فَلَا يُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
و (الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّسْلِيمَتَانِ) لِحَدِيثِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْتِمُ صَلَاتَهُ بِالتَّسْلِيمِ» ، وَثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلِأَنَّهُمَا نُطْقٌ مَشْرُوعٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَكَانَ رُكْنًا كَالطَّرَفِ الْآخَرِ. (فَلَا يَخْرُجُ مِنْ) صَلَاةِ (فَرْضٍ) . (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ نَذْرًا) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(إلَّا بِهِمَا)، أَيْ: التَّسْلِيمَتَيْنِ، (سِوَى) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ) ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَشُكْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَأْتِي (وَيَخْرُجُ مِنْ نَفْلٍ بِ) تَسْلِيمَةٍ (وَاحِدَةٍ، وَ) التَّسْلِيمَةُ (الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ) ، وَيَأْتِي.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ الْقَاضِي: الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ فِي الْجِنَازَةِ، وَالنَّافِلَةِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ