الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خَاتِمَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِمَا كَفَرَ إبْلِيسُ]
ُ، فَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا أَنَّهُ كَفَرَ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَا بِجُحُودِهِ، وَقِيلَ كَفَرَ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الشِّفَاهِيِّ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَإِنَّهُ سبحانه وتعالى خَاطَبَهُ بِذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " فِي الِاسْتِعَاذَةِ لَهُ. وَقَالَ جُمْهُورُ النَّاسِ: كَفَرَ إبْلِيسُ؛ لِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَعَانَدَ وَطَعَنَ وَأَصَرَّ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي تَمَرُّدِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12]
فَكَأَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ لِآدَمَ تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحِكْمَتِهِ، وَعَنْ هَذَا الْكِبْرِ عَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إنَّمَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ، وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ، وَالِاسْتِكْبَارُ كُفْرٌ، وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ: كُفْرٌ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. .
[بَابُ الْآذَانِ]
(بَابُ الْآذَانِ) لُغَةً: الْإِعْلَامُ، قَالَ تَعَالَى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]
أَيْ: أَعْلِمْهُمْ بِهِ، يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا وَأَذِينًا كَعَلِيمٍ إذَا أَعْلَمَ بِهِ، فَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْإِذْنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ. وَشَرْعًا:(إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتٍ لِصَلَاةٍ، أَوْ:) إعْلَامٌ (بِقُرْبِهِ) - أَيْ: وَقْتِهَا - (لِفَجْرٍ) فَقَطْ (وَالْإِقَامَةُ) : مَصْدَرُ أَقَامَ، وَحَقِيقَتُهُ: إقَامَةُ الْقَاعِدِ، فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ. وَشَرْعًا:(إعْلَامٌ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا) - أَيْ: الصَّلَاةِ - (بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِيهِمَا) أَيْ: الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَيُطْلَقَانِ عَلَى نَفْسِ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ، (وَهُوَ) - أَيْ: الْأَذَانُ - (أَفْضَلُ مِنْهَا) - أَيْ: الْإِقَامَةِ - لِأَنَّهُ أَكْثَرُ
أَلْفَاظًا، وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَ) الْآذَانُ أَفْضَلُ أَيْضًا (مِنْ إقَامَةٍ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ؛ إذْ الْإِرْشَادُ: الْإِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَالْمَغْفِرَةُ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَفْرِ، وَهُوَ: السَّتْرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْفَى.
وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْآذَانَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ، قَالَ عُمَرُ ": لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْتُ " وَيَشْهَدُ لِفَضْلِ الْآذَانِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَوْلُهُ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ: مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعَلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُوقِدُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي، وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا، بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ: أَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إنَّهَا لِرُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ فَلِيُؤَذِّنْ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّهَا) - أَيْ: الْإِمَامَةَ - (أَفْضَلُ مِنْ إقَامَةٍ) لِحَدِيثِ «اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ» وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: بَيْنَ الْآذَانِ وَالْإِمَامَةِ - (أَفْضَلُ) ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ: مَا صَلَحَ لَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ.
(وَسُنَّ أَذَانٌ فِي يُمْنَى أُذُنَيْ مَوْلُودٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (حِينَ يُولَدُ، وَإِقَامَةٌ بِيُسْرَاهُمَا) لِأَنَّهُ، «صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ: التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ.
وَلِيَكُونَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَقْرَعُ سَمْعَهُ حِينَ خُرُوجِهِ إلَى الدُّنْيَا، كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُضَرُّ عِنْدَ سَمَاعِ الْآذَانِ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ رَزِينٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ»
وَالْمُرَادُ: أُذُنُهُ الْيُمْنَى، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ".
وَمِمَّا جُرِّبَ أَنَّ الْأَذَانَ فِي أُذُنِ الْمَحْزُونِ يَصْرِفُ حُزْنَهُ، وَإِذَا أُذِّنَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ رَجَعَ، وَإِذَا أُذِّنَ فِي أُذُنِ مَنْ خُلُقُهُ سَيِّئٌ حَسُنَ خُلُقُهُ، وَمِمَّا جُرِّبَ لِحَرْقِ الْجِنِّ أَوْ يُؤَذِّنُ فِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ سَبْعًا، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ سَبْعًا، وَيَقْرَأُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَآخِرَ الْحَشْرِ وَالصَّافَّاتِ، وَإِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ سَبْعًا عَلَى مَاءٍ، وَرَشَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْرُوعِ فَإِنَّهُ يُفِيقُ
(وَهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِحَدِيثِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ.
وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْجِهَادِ، (لِ) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ) دُونَ الْمَنْذُورَةِ وَغَيْرِهِمَا، (الْمُؤَدَّاةِ) لَا الْمَقْضِيَّاتِ، (وَالْجُمُعَةِ) : عَطْفٌ عَلَى الْخَمْسِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِمَزِيَّتِهَا وَفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرَضَا فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَالْقِيَامُ إلَيْهَا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا.
(عَلَى رِجَالٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا الْوَاحِدِ، وَلَا النِّسَاءِ، وَلَا الْخَنَاثَى (أَحْرَارٍ) لَا أَرِقَّاءَ وَمُبَعَّضِينَ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ مُلَّاكِهِمْ، (حَضَرٍ) فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ.
(وَسُنَّا) - أَيْ الْأَذَانَ (وَ) الْإِقَامَةَ (سَفَرًا)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) سُنَّا (لِمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ
يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَالشَّظِيَّةُ بِالشِّينِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: الْقِطْعَةُ الْمُرْتَفِعَةُ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ
(وَ) سُنَّا أَيْضًا (لِمَقْضِيَّتِهِ) مِنْ الْخَمْسِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: تَنَحُّوا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(بِرَفْعِ صَوْتٍ) فِي الْكُلِّ (إنْ لَمْ يَخَفْ نَحْوَ لَبْسٍ) ، كَمَا لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ، وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالْأَذَانِ فِي بَيْتِهِ الْبَعِيدِ عَنْ الْمَسْجِدِ، لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَنْ يَقْصِدُ الْمَسْجِدَ إذَا سَمِعَهُ، وَقَصَدَ الصَّلَاةَ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ.
(وَلَوْ تَرَكُوهُمَا)، أَيْ: تَرَكَ الْمَذْكُورُونَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَصَلُّوا بِدُونِهِمَا (لَمْ يُكْرَهْ)
نَصًّا
(وَيُؤَذَّنُ فِي) صَلَاةِ (جَمْعٍ) حَيْثُ جَازَ، (وَ) فِي (قَضَاءِ فَوَائِتَ لِ) الصَّلَاةِ (الْأُولَى) فَقَطْ، (وَيُقِيمُ لِلْكُلِّ)، أَيْ: لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بِمُفْرَدِهَا.
(وَكُرِهَ) أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ (لِخَنَاثَى وَنِسَاءٍ وَلَوْ) كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُمَا (بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) ، لِأَنَّهُمَا وَظِيفَةُ الرِّجَالِ، فَفِيهِ نَوْعُ تَشَبُّهٍ بِهِمْ، (وَلَا يُشْرَعَانِ) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (لِكُلِّ مَنْ بِالْمَسْجِدِ، وَتَحْصُلُ
الْفَضِيلَةُ لَهُمْ بِمُتَابَعَةِ مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.
(وَيَكْفِي) فِي الْمِصْرِ (مُؤَذِّنٌ) وَاحِدٌ، (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى الزِّيَادَةِ نَصًّا، وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَرْبَعَةٍ، لِفِعْلِ عُثْمَانَ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، (وَيُزَادُ) مَعَ الْحَاجَةِ لِأَكْثَرَ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ (بِقَدْرِهَا) أَيْ: الْحَاجَةِ: كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ، أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِمَكَانٍ وَاحِدٍ.
(وَيُقِيمُ) الصَّلَاةَ (مَنْ يَكْفِي) فِي الْإِقَامَةِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا.
(وَلَا يَلْزَمُ رَقِيقًا فَرْضُ كِفَايَةٍ)، لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فِي الْجُمْلَةِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّقِيقَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ (نَحْوِ أَذَانٍ) وَإِقَامَةٍ، (وَ) صَلَاةِ (عِيدٍ، لَا نَحْوِ غُسْلِ مَيِّتٍ) وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ (وَدَفْنِهِ) ، وَرَدِّ سَلَامٍ وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ (مَعَ عَدَمِ حُرٍّ يَقُومُ بِهِ) ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعَيُّنِ أَخْذِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " فِيمَا يُوهَمُ) مِنْ عِبَارَتِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الرَّقِيقِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا يُنَادِي) بِأَذَانٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِجِنَازَةٍ وَتَرَاوِيحَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ (بَلْ) يُنَادَى (نَدْبًا لِعِيدٍ) : الصَّلَاةَ جَامِعَةً، أَوْ: الصَّلَاةَ، قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ «لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُنَادَى لِصَلَاةِ (كُسُوفٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَ) يُنَادَى لِصَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ) بِأَنْ يُقَالَ: (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) بِنَصَبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " بِنَصَبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا، (أَوْ) يُقَالُ:(الصَّلَاةَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ بِهِ، وَبِالرَّفْعِ
عَلَى الثَّانِي.
(الثَّانِي) .
(وَكُرِهَ) النِّدَاءُ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ بِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
(وَلَيْسَا) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (بِشَرْطٍ لِصَلَاةٍ فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِدُونِهِمَا مَعَ حُرْمَةٍ) عَلَى تَارِكِهِمَا (حَيْثُ فُرِضَا) ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ " صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي " الْإِقْنَاعِ " تَبِعَا " لِلْخِرَقِيِّ " وَغَيْرِهِ: فَتَصِحُّ بِدُونِهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ.
(وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ - لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْعِيدِ، فَيُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَإِذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا، وَلَوْ وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ نَصًّا
(وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى آذَانِهِ أَجْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ مَعْنًى وَحُكْمًا.
وَ (لَا) يَحْرُمُ أَخْذُ (جَعَالَةٍ عَلَيْهِمَا) - أَيْ: الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ - كَأَخْذِ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَوْلَى (فَإِنْ عُدِمَ مُتَطَوِّعٌ) بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (جَازَ رِزْقُ) إمَامٍ (مِنْ بَيْتِ مَالِ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ وَالرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ
وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ وَلَوْ مُحَرَّمًا، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ: لَلْأَبَدَانِ كَالْأَقْوَاتِ، وَبَاطِنَةٌ: لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ، كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ.
(لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةً إلَيْهِمَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْمُتَطَوِّعَ لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ شَيْئًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ ".
(وَلَا يَصِحَّانِ) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (إلَّا بِوَقْتٍ) أَيْ: بَعْدَ دُخُولِهِ، لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي وَقْتٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ.
(وَ) يَصِحُّ الْأَذَانُ (لِفَجْرٍ مِنْ بَعْدِ نِصْفِ لَيْلٍ) ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَهُ قَدْ ذَهَبَ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ، وَيَدْخُلُ وَقْتُ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيُعْتَدُّ بِالْأَذَانِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ بِرَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ، وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ حَتَّى يَتَهَيَّئُوا لَهَا فَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ الْوَقْتِ.
تَنْبِيهٌ: وَاللَّيْلُ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ طُلُوعَهَا، كَمَا أَنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَبَرَ نِصْفُهُ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ غُرُوبُهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ أَذَانِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَثِيرًا، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ ذَا وَيَرْقَى ذَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْمُوعُ مَا رُوِيَ فِي تَقَدُّمِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ إنَّمَا هُوَ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ فَخِلَافُ السُّنَّةِ إنْ سُلِّمَ جَوَازُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ".
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَجْعَلَ أَذَانَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي اللَّيَالِي كُلِّهَا، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ، وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ.
وَلَا يَصِحَّانِ إلَّا (مُرَتَّبَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا ذِكْرٌ مُعْتَدٌّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ (مُتَوَالِيَيْنِ عُرْفًا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مُوَالَاةٍ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مَنْوِيَّيْنِ (مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا أَكْثَرَ) ، فَلَوْ أَتَى وَاحِدٌ بِالْبَعْضِ، وَكَمَّلَ آخَرُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَالصَّلَاةِ
(وَشُرِطَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - فِي الْمُؤَذِّنِ شُرُوطٌ: (كَوْنُهُ ذَكَرًا) : فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْحِكَايَةِ، وَكَوْنُهُ (عَاقِلًا) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَكَوْنُهُ (مُسْلِمًا) : فَلَا يَعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَكَوْنُهُ (مُمَيِّزًا) ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ " كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ".
(نَاطِقًا) ، لِيَحْصُلَ الْإِعْلَامُ بِهِ، (نَاوِيًا)، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (عَدْلًا وَلَوْ ظَاهِرًا) : فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ،؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ " وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": أَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
(وَبَصِيرٌ أَوْلَى) بِالْأَذَانِ مِنْ أَعْمَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَنْ يَقِينٍ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى فَرُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ، وَمِثْلُهُ عَارِفٌ بِالْوَقْتِ مَعَ جَاهِلٍ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ أَذَانِ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّ «ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُقَالَ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَرَفْعُ صَوْتٍ) بِأَذَانٍ (رُكْنٌ لِيَحْصُلَ سَمَاعٌ) ؛ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ لِلْإِعْلَامِ (مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِحَاضِرٍ) فَبِقَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، (وَتُكْرَهُ زِيَادَةٌ) فِي رَفْعِ صَوْتِهِ (فَوْقَ
طَاقَتِهِ) خَشْيَةَ الضَّرَرِ، (وَإِنْ خَافَتَ بِبَعْضِهِ) - أَيْ: الْأَذَانِ - (وَجَهَرَ بِبَعْضٍ) مِنْهُ (فَلَا بَأْسَ) ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْجَمَاعَةُ رُكْنٌ.
(وَإِنْ نَكَّسَ) الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ: بِأَنْ قَدَّمَ بَعْضَ الْجُمَلِ عَلَى بَعْضٍ بَطَلَا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، (أَوْ سَكَتَ فِي الْأَثْنَاءِ طَوِيلًا عُرْفًا) وَلَوْ بِسَبَبِ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ، (أَوْ تَكَلُّمٍ) فِي أَثْنَائِهِمَا بِكَلَامٍ كَثِيرٍ بَطَلَا، لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ، أَوْ تَكَلَّمَ (بِ) كَلَامٍ (مُحَرَّمٍ: كَسَبٍّ وَقَذْفٍ) (بَطَلَا) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّهُ سَامِعُهُ مُتَلَاعِبًا، أَشْبَهَ الْمُسْتَهْزِئَ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ.
(وَكُرِهَ سُكُوتٌ يَسِيرٌ) فِي الْأَثْنَاءِ لِإِيهَامِهِ عَدَمَ الْمُوَالَاةِ.
(وَ) كُرِهَ (كَلَامٌ) مُطْلَقًا (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ.
(وَلَهُ رَدُّ سَلَامٍ فِيهِمَا) - أَيْ: فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ - وَلَا يَبْطُلَانِ بِهِ، وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ إذْنٌ غَيْرُ مَسْنُونٍ.
(وَسُنَّ كَوْنُهُ) - أَيْ: الْمُؤَذِّنِ - (صَيِّتًا)، أَيْ: رَفِيعَ الصَّوْتِ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» وَ " اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِلْأَذَانِ لِكَوْنِهِ صَيِّتًا " وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ (أَمِينًا)، أَيْ: عَدْلًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسَحُورِهِمْ: الْمُؤَذِّنُونَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَفِيهِ كَلَامٌ.
وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُؤْمَنُ بِأَذَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَعْلُو لِلْأَذَانِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَاتِ.
(بَالِغًا) ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (بَصِيرًا) لِيُؤْمَنَ خَطَؤُهُ (عَالِمًا بِالْوَقْتِ) لِيَتَحَرَّاهُ فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمُؤَذِّنُ (عَبْدًا) فَلَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَسُنَّ كَوْنُهُ (وَاقِفًا) غَيْرَ مَاشٍ، (قَائِمًا فِيهِمَا) ،
أَيْ: الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلَالٍ قُمْ فَأَذِّنْ» وَكَانَ مُؤَذِّنُو رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا، وَالْإِقَامَةُ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ (فَيُكْرَهَانِ) - أَيْ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ - (قَاعِدًا) - أَيْ: مِنْ قَاعِدٍ - (وَمَاشِيًا) أَيْ: مِنْ مَاشٍ - (لِغَيْرِ مُسَافِرٍ وَمَعْذُورٍ) لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَكَذَا رَاكِبًا وَمُضْطَجِعًا.
وَصَحَّا مِنْ نَحْوِ قَاعِدٍ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِآكَدَ مِنْ الْخُطْبَةِ.
(مُتَطَهِّرًا) مِنْ الْحَدَثَيْنِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ.
وَالْإِقَامَةُ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاةِ، (فَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ) لَا مُحْدِثٍ نَصًّا، (وَ) تُكْرَهُ (إقَامَةُ مُحْدِثٍ) ، لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ.
وَسُنَّ كَوْنُ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (عَلَى عُلُوٍّ) أَيْ: مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ " كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ فَيَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُكَ وَأَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ، قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَسُنَّ كَوْنُهُ (رَافِعًا وَجْهَهُ) إلَى السَّمَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى، فِي أَذَانِهِ كُلِّهِ، وَسُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ (جَاعِلًا سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) ، لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ " إنَّ بِلَالًا وَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ سَعْدٍ الْقُرَظِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَل أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَسُنَّ كَوْنُهُ أَيْضًا (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِفِعْلِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ كُرِهَ.
وَسُنَّ كَوْنُهُ (يَلْتَفِتُ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ (فِي أَذَانٍ يَمِينًا لِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ،
وَشِمَالًا لِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) فِي الْأَذَانِ لَا الْإِقَامَةِ، (وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا:" حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَ (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (وَالْمَجْدُ وَجَمْعٌ)، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْإِفَادَاتِ " وَ " وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ " وَالْمُنَوِّرُ وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ:(إلَّا) إنْ أَذَّنَ (بِمَنَارَةٍ) وَنَحْوِهَا فَيُزِيلُ قَدَمَيْهِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ كِبَرِ الْبَلَدِ.
(وَ) سُنَّ أَيْضًا (أَنْ يَقُولَهُمَا) - أَيْ: الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ - رَجُلٌ (وَاحِدٌ)، أَيْ: أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ يَتَوَلَّى الْأَذَانَ؛ لِمَا فِي «حَدِيثِ أَبِي الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ، قَالَ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يُقِيمُ أَخُو صُدَاءَ، فَإِنَّهُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَكَالْخُطْبَتَيْنِ (بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ) بِأَنْ يُقِيمَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ، «لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ بِالْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا، كَذَا اسْتَنْبَطَهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ " كُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَكَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ.
(مَا لَمْ يَشُقَّ) ذَلِكَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ، كَمَنْ أَذَّنَ فِي مَنَارَةٍ، أَوْ مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ الْمَسْجِدِ فَيُقِيمُ فِيهِ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ إنْ أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ عِنْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ.
(وَ) سُنَّ أَيْضًا (أَنْ يَجْلِسَ) مُؤَذِّنٌ (بَعْدَ أَذَانِ مَغْرِبٍ جِلْسَةً خَفِيفَةً)
بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ، (ثُمَّ يُقِيمَ) - أَيْ: الصَّلَاةَ - (بِمَوْضِعِ أَذَانٍ وَ) سُنَّ (أَنْ تُؤَخَّرَ إقَامَةٌ) عَنْ أَذَانٍ (بِقَدْرِ فَرَاغٍ) مِنْ قَضَاءِ (حَاجَةٍ وَوُضُوءٍ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَفَرَاغِ) آكِلٍ مِنْ (أَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَشَارِبٍ مِنْ شُرْبٍ، لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «يَا بِلَالُ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلِيَتَمَكَّنَ نَحْوُ الْآكِلِ مِنْ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ.
(وَ) سُنَّ (أَنْ يُحْرِمَ إمَامٌ) بِالصَّلَاةِ (عَقِبَ فَرَاغِ إقَامَةٍ) لَا قَبْلَهُ نَصًّا
(وَكُرِهَ أَذَانُ مُلَحِّنٍ) بِأَنْ يُطْرِبَ فِيهِ، يُقَالُ: لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا أَطْرَبَ بِهَا وَغَرَّدَ، قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٌ أَكْرَهُهُ، كَالتَّطَرُّبِ، وَيَصِحُّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ.
(وَ) كُرِهَ أَذَانُ (مَلْحُونٍ) لَحْنًا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى كَرَفْعِ تَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ نَصْبِهَا، أَوْ حَاءِ الْفَلَاحِ.
وَكُرِهَ الْأَذَانُ أَيْضًا مِنْ (ذِي لُثْغَةٍ فَاحِشَةٍ) كَالْمَلْحُونِ، وَأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ تَفْحُشْ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُبْدِلُ الشِّينَ سِينًا، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْفَصِيحَ أَكْمَلُ.
(وَيَبْطُلُ) الْأَذَانُ (إنْ أُحِيلَ مَعْنَى) بِاللَّحْنِ أَوْ اللُّثْغَةِ (نَحْوُ) مَدِّ هَمْزَةِ " اللَّهُ " أَوْ " أَكْبَرُ " أَوْ بَائِهِ، أَوْ يَقُولُ:(اللَّهُ وَأَكْبَرُ) ، أَوْ يُبَدَّلُ قَافًا أَوْ هَمْزَةً؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ، قُلْنَا: كَيْفَ يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْإِفْرَادِ، وَفِيهِ إسْقَاطُ الْهَاءِ مِنْ كَلِمَةِ اللَّهُ
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُومَ إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ بَلْ يَصْبِرُ قَلِيلًا) إلَى أَنْ يَفْرَغَ، أَوْ يُقَارِبَ الْفَرَاغَ، (لِأَنَّ فِي التَّحَرُّكِ عِنْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ تَشَبُّهًا بِالشَّيْطَانِ) حَيْثُ يَفِرُّ عِنْدَ سَمَاعِهِ، كَمَا فِي الْخَبَرِ، قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ.
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَرَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، فَحِينَ