الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ، وَوُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَقْلَفَ بِدَارِنَا لَا بِدَارِ حَرْبٍ.
وَلَا عَلَامَةَ.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ يُسْتَدَلُّ بِثِيَابٍ وَخِتَانٍ.
[فَرْعٌ سُوءُ الظَّنِّ بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ]
(فَرْعٌ: يَحْرُمُ سُوءُ) الـ (ظَّنِّ) بِاَللَّهِ تَعَالَى وَ (بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ) ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِالْأَخِ الْمُسْلِمِ) وَيَجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، (وَحُسْنُ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ حَسَنٌ) .
وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ بِرِيبَةٍ. (وَلَا حَرَجَ بِظَنِّ السُّوءِ لِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ) . وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» - مَحْمُولٌ عَلَى الظَّنِّ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَمْ يُعَضِّدْهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ.
وَحَدِيثُ «احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» ، الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَاسُ فِي حِفْظِ الْمَالِ، كَغَلْقِ الْبَابِ خَوْفَ السُّرَّاقِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي.
[فَصْلٌ تَكْفِينُ مَنْ يُغَسِّلُ]
(فَصْلٌ)(وَتَكْفِينُ مَنْ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ.
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (وَيَجِبُ لِحَقِّهِ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ (لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ، لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، (فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِدُونِهِ)، أَيْ: لَوْ وَصَّى بِثَوْبٍ لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، لَمْ تُسْمَعْ وَصِيَّتُهُ لِتَضَمُّنِهَا إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (مِنْ مَلْبُوسٍ مِثْلَهُ فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) .
لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَحْسِينِهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلِأَنَّهُ لَا إجْحَافَ فِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ.
وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ، (مَا لَمْ يُوصِ بِدُونِهِ) .
أَيْ: مَلْبُوسِ مِثْلِهِ فَتُتْبَعُ وَصِيَّتُهُ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ مِمَّا زَادَ.
(وَيُكْرَهُ) أَنْ يُكَفَّنَ فِي (أَعْلَى) مِنْ
مَلْبُوسِ مِثْلِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ التَّغَالِي فِي الْكَفَنِ. (وَيَتَّجِهُ) كَرَاهَةُ تَكْفِينِهِ بِالْأَعْلَى (إنْ كَانَ مِنْ تَرِكَتِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إجْحَافًا عَلَى الْوَرَثَةِ، أَمَّا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ أَوْ رَضُوا كُلُّهُمْ صَرِيحًا؛ فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) يَتَّجِهُ:(أَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ)، أَيْ: الْمَيِّتَ (غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَرُمَ) تَكْفِينُهُ بِأَعْلَى مِنْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةٌ بِهِ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِفَاسِقٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
(وَتَجِبُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزٍ) مِنْ أُجْرَةِ مُغَسِّلٍ وَحَمَّالٍ وَحَفَّارٍ وَنَحْوِهِ (بِمَعْرُوفٍ) لِمِثْلِهِ، وَ (لَا) يَجِبُ (حَنُوطٌ وَطِيبٌ) كَحَالِ الْحَيَاةِ، (بَلْ يُسَنُّ) لِلْخَبَرِ وَيَأْتِي. (وَلَا بَأْسَ بِ) جَعْلِ (مِسْكٍ فِيهِ) - أَيْ: الْكَفَنِ - نَصًّا. (وَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ) مَا جَرَتْ (عَادَةٌ) بِإِخْرَاجِهِ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ (مِنْ طِيبٍ وَحَوَائِجَ، وَفَوْقَ أُجْرَةِ حَمَّالٍ وَحَفَّارٍ، أَوْ أَعْطَى قَارِئًا بَيْنَ يَدَيْ جِنَازَةٍ؛ فَمُتَبَرِّعٌ) إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ، (وَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ فَمِنْ نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ ".
وَكَذَا مَا يُعْطَى لِمَنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مَعَ الْجِنَازَةِ بِالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا يُصْرَفُ فِي طَعَامٍ وَنَحْوِهِ لَيَالِي جَمْعٌ، وَمَا يُصْنَعُ فِي أَيَّامِهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُسْتَحْدَثَةِ
خُصُوصًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
(وَيُقَدَّمُ مَا وَجَبَ لِلْمَيِّتِ) مِنْ ثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ. وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ بِمَعْرُوفٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (عَلَى دَيْنٍ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةِ وَارِثٍ وَنَحْوِ كَفَّارَةٍ) كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سُتْرَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي الْحَيَاةِ.
فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَلِأَنَّ حَمْزَةَ وَمُصْعَبًا لَمْ يُوجَدْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثَوْبٌ، فَكُفِّنَ فِيهِ.
وَلِأَنَّ لِبَاسَ الْمُفْلِسِ يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ.
فَكَذَا كَفَنُ الْمَيِّتِ، وَلَا يُنْتَقَلُ لِوَارِثٍ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ.
(فَإِنْ عُدِمَ مَالُهُ) - أَيْ الْمَيِّتِ - بِأَنْ لَمْ يَخْلُفْ تِرْكَةً. أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ. (فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) - أَيْ الْمَيِّتِ - حَالَ حَيَاتِهِ (بِقَدْرِهَا) - أَيْ: النَّفَقَةِ - فَمَنْ لَهُ أَخَوَانِ تَلْزَمُهُمَا نَفَقَتُهُ.
فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ (إلَّا الزَّوْجُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مِنْ الْكَفَنِ وَمُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ.
وَلَوْ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فِي النِّكَاحِ وَجَبَتْ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ.
وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ وَالْبَيْنُونَةِ.
وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ.
فَأَشْبَهَتْ الْأَجْنَبِيَّةَ.
وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالْمِلْكِ لَا بِالِانْتِفَاعِ.
وَلِذَلِكَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبِقِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ؛ فَعَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا مِنْ أَقَارِبِهَا أَوْ مُعْتَقِيهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً.
(ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ: وَجَبَ كَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا.
لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّهَا.
فَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَلَوْ ذِمِّيًّا فَلَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ عِصْمَتَهُمْ.
فَلَا نُؤْذِيهِمْ لِلْإِرْفَاقِ بِهِمْ. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ.
فَكَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (عَلَى مُسْلِمٍ عَالِمٍ بِهِ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - كَكِسْوَةِ الْحَيِّ. (وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُ وَرَثَةٍ: لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّتَهُمْ قَبُولُهُ) .
لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ
بَعْضُهُمْ؛ (لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ)، أَيْ: الْوَرَثَةِ، (سَلْبُهُ)، أَيْ: الْكَفَنِ الَّذِي تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ (مِنْهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ، (بَعْدَ دَفْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إسْقَاطَ لِحَقِّ أَحَدٍ فِي تَبْقِيَتِهِ.
(وَمَنْ نُبِشَ وَسُرِقَ كَفَنُهُ؛ كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ) نَصًّا (ثَانِيًا وَثَالِثًا فَقَطْ، وَلَوْ قُسِّمَتْ) تِرْكَتُهُ كَمَا لَوْ قُسِّمَتْ قَبْلَ تَكْفِينِهِ الْأَوَّلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ لِلْكَفَنِ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ (مَا لَمْ تُصْرَفْ) تِرْكَتُهُ (فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) ، فَإِنْ صُرِفَتْ فِي ذَلِكَ، أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ (فَيُتْرَكُ) الْمَيِّتُ (بِحَالِهِ حَيْثُ لَا مُتَبَرِّعَ) ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُتَبَرِّعٌ فَعَلَ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، (وَإِنْ أُكِلَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ وَنَحْوُهُ، (أَوْ بَلِيَ) بِأَنْ صَارَ تُرَابًا (وَبَقِيَ كَفَنُهُ فَمَا)، أَيْ: الْكَفَنُ الَّذِي (مِنْ مَالِهِ تِرْكَةٌ) يُقَسَّمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، (وَمَا تَبَرَّعَ بِهِ) مِنْ وَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، (فَ) هُوَ (لِمُتَبَرِّعٍ) ؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ إبَاحَةٍ.
بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ لِلْوَرَثَةِ فَكَفَّنُوهُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُمْ. (وَمِمَّا فَضَلَ مِمَّا جُنِيَ) مِنْ أَجْلِ تَكْفِينٍ بَعْدَ صَرْفِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ فَهُوَ لِرَبِّهِ إنْ عَلِمَ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، (فَإِنْ جُهِلَ) رَبُّهُ أَوْ اخْتَلَطَ مَا جُبِيَ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مَا لِكُلِّ إنْسَانٍ؛ (فَفِي كَفَنٍ آخَرَ) يُصْرَفُ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا بُذِلَ لَهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) صَرْفُهُ فِي كَفَنٍ آخَرَ؛ (تَصَدَّقَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا بَذَلَهُ فِيهِ. (وَلَا يُجْبَى كَفَنٌ، لِعَدَمِ) يُكَفَّنُ بِهِ مَيِّتٌ (إنْ سُتِرَ) .
أَيْ: أَمْكَنَ سَتْرُهُ (بِحَشِيشٍ وَنَحْوِهِ) كَوَرَقِ شَجَرٍ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِلَا إهَانَةٍ. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ (مَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ؛ سَتَرَ عَوْرَتَهُ) لِتَقَدُّمِهَا عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، (ثُمَّ) إنْ بَقِيَ شَيْءٌ سُتِرَ بِهِ (رَأْسُهُ) وَمَا يَلِيَهُ، (وَجُعِلَ عَلَى بَاقِيهِ حَشِيشٌ
أَوْ وَرَقٌ) .
لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُصْعَبًا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ، فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ. وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ، وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَإِنْ وُجِدَ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ (فَقَطْ وَ) ثَمَّ جَمَاعَةٌ (مَوْتَى؛ جُمِعَ فِيهِ مِنْهُمْ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِفَادَاتِ " فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزًا مِنْ عُشْبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ هَذَا.
(وَكُرِهَ) التَّكْفِينُ بِثَوْبٍ (رَقِيقٍ يَحْكِي الْهَيْئَةَ) لِرِقَّتِهِ نَصًّا، وَلَا يُجْزِئُ مَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ. (وَ) كُرِهَ كَفَنٌ (مِنْ شَعْرٍ وَ) مِنْ (صُوفٍ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ السَّلَفِ (وَ) كُرِهَ كَفَنٌ (مُزَعْفَرٌ وَمُعَصْفَرٌ وَمَنْقُوشٌ وَلَوْ لِأُنْثَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ.
(وَحَرُمَ بِجِلْدٍ) ، «لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَزْعِ الْجُلُودِ عَنْ الشُّهَدَاءِ» . (وَكَذَا) يَحْرُمُ تَكْفِينٌ (بِحَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ) وَمُفَضَّضٍ (وَلَوْ لِأُنْثَى بِلَا ضَرُورَةٍ) ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ، بِأَنْ عُدِمَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ: جَازَ التَّكْفِينُ بِنَحْوِ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ، وَالْأُنْثَى إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا ذَلِكَ حَالَ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ زِينَةٍ وَشَهْوَةٍ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا.
(وَسُنَّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ، وَ) كَوْنُهَا (مِنْ قُطْنٍ وَجَدِيدٍ أَفْضَلُ)، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: كُفِّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، جُدُدٍ يَمَانِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ:" وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ ". (وَكُرِهَ) تَكْفِينُ رَجُلٍ
(فِي أَكْثَرَ) مِنْ ثَلَاثٍ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا مَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. (وَ) كُرِهَ (تَعْمِيمُهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ.
صَوَّبَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ "(تُبْسَطُ)، أَيْ: الثَّلَاثُ لَفَائِفَ (عَلَى بَعْضِهَا) وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى لِيُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً (بَعْدَ تَبْخِيرِهَا) بِعُودٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثًا، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ بَعْدَ رَشِّهَا بِنَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ، وَلِتَعْلَقَ رَائِحَةُ الْبَخُورِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا. (وَتُجْعَلُ) اللِّفَافَةُ (الظَّاهِرَةُ) وَهِيَ السُّفْلَى مِنْ الثَّلَاثِ (أَحْسَنَهَا كَعَادَةِ حَيٍّ) ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْحَيِّ جَعْلُ الظَّاهِرِ مِنْ ثِيَابِهِ أَفْخَرَهَا، فَكَذَا الْمَيِّتُ. (وَ) يُجْعَلُ (الْحَنُوطُ، وَهُوَ: أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ) ، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ طِيبِ الْمَيِّتِ (فِيمَا بَيْنَهَا)، أَيْ: يَذَرُ بَيْنَ اللَّفَائِفِ، (ثُمَّ يُوضَعُ) الْمَيِّتُ (عَلَيْهَا)، أَيْ: اللَّفَائِفِ مَبْسُوطَةً (مُسْتَلْقِيًا) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِدْرَاجِهِ فِيهَا، وَيَجِبُ سَتْرُهُ حَالَ حَمْلِهِ بِثَوْبٍ، وَيُوضَعُ مُتَوَجِّهًا نَدْبًا، (وَيَحُطُّ مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ)، أَيْ: فِيهِ حَنُوطٌ (بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَيُشَدُّ فَوْقَهُ)، أَيْ: الْقُطْنِ (خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ كَالتُّبَّانِ) ، وَهُوَ السَّرَاوِيلُ بِلَا أَكْمَامٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التُّبَّانُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: سِرْوَالٌ صَغِيرٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ، يَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ (تَجْمَعُ) الْخِرْقَةُ (أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ) - أَيْ: الْمَيِّتِ - لِرَدِّ الْخَارِجِ، وَإِخْفَاءِ مَا ظَهَرَ مِنْ الرَّوَائِحِ، (وَيُجْعَلُ الْبَاقِي) مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ (عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ) كَعَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَلَى أُذُنَيْهِ، (وَ) يُجْعَلُ مِنْهُ عَلَى (مَوَاضِعِ سُجُودِهِ) جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا، وَكَذَا مَغَابِنُهُ كَطَيِّ رُكْبَتَيْهِ، وَتَحْتَ إبِطَيْهِ وَسُرَّتِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَتَبَّعُ مَغَابِنَ الْمَيِّتِ وَمَرَافِقَهُ بِالْمِسْكِ (وَ) بِطِيبِ (رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِنْ طُيِّبَ) الْمَيِّتُ (كُلُّهُ فَحَسَنٌ) ؛ لِأَنَّ أَنَسًا طُلِيَ بِالْمِسْكِ، وَطَلَى ابْنُ عُمَرَ
مَيِّتًا بِالْمِسْكِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ لِدَفْعِ الْهَوَامِّ. (وَكُرِهَ) تَطْيِيبٌ (دَاخِلَ عَيْنَيْهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا، (كَ) مَا يُكْرَهُ تَطْيِيبُهُ (بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ غَيْرُ جَارِيَةٍ بِالتَّطَيُّبِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لِغِذَاءٍ أَوْ زِينَةٍ، (وَ) كُرِهَ (طَلْيُهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (بِمَا يُمْسِكُهُ كَصَبِرٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَتُسَكَّنُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ (مَا لَمْ يُنْقَلْ) الْمَيِّتُ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ، فَيُبَاحُ لِلْحَاجَةِ، (ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُ) اللِّفَافَةِ (الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ) لِلْمَيِّتِ (عَلَى شِقٍّ أَيْمَنَ، ثُمَّ) يُرَدُّ (طَرَفُهَا الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ) كَعَادَةِ الْحَيِّ، (ثُمَّ) يُرَدُّ لِفَافَةٌ (ثَانِيَةٌ) كَذَلِكَ، (ثُمَّ) يُرَدُّ " (ثَالِثَةٌ كَذَلِكَ) فَيُدْرِجُهُ فِيهَا إدْرَاجًا، (وَيُجْعَلُ أَكْثَرُ فَاضِلٍ) مِنْ اللَّفَائِفِ (مِمَّا عِنْدَ رَأْسِهِ) لِشَرَفِهِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، (ثُمَّ يَعْقِدُهَا إنْ خِيفَ انْتِشَارٌ، وَتُحَلُّ) الْعُقَدُ (بِقَبْرٍ)، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدْخَلْتُمْ الْمَيِّتَ اللَّحْدَ فَحُلُّوا الْعُقَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَلِأَمْنِ انْتِشَارِهَا، فَإِنْ نَسِيَ الْمُلْحِدُ أَنْ يَحِلَّهَا نُبِشَ، وَلَوْ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَحُلَّتْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ. (وَكُرِهَ تَخْرِيقُهَا)، أَيْ: اللَّفَائِفِ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ وَتَقْبِيحٌ لِلْكَفَنِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَحْسِينِهِ. قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: (وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ، خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي) .
وَ (لَا) يُكْرَهُ (تَكْفِينُهُ)، أَيْ: الرَّجُلِ (فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ الْمَيِّتَ يُؤَزَّرُ، وَيُقَمَّصُ وَيُلَفُّ بِالثَّالِثَةِ. (وَيُجْعَلُ نَدْبًا مِئْزَرٌ مِمَّا يَلِي جَسَدَهُ) ، ثُمَّ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ، ثُمَّ يُلَفُّ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ