الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتِمَّةٌ: مَنْ عَزَمَ عَلَى إقَامَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رُسْتَاقٍ يَنْتَقِلُ فِيهِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَا يَعْزِمُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا مُدَّةً تُبْطِلُ حُكْمُ السَّفَرِ، فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ، «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ عَشْرًا بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ وَمِنًى يَقْصُرُ» وَتَقَدَّمَ
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]
(فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (الْجَمْعُ بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ) بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا، (وَ) بَيْنَ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا)، أَيْ: إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ (جَائِزٌ) ؛ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، (وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) ، فَيُسَنُّ بِشَرْطِهِ فَفِي عَرَفَةَ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِوَقْتِ الظُّهْرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِوَقْتِ الْعِشَاءِ.
أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ نَوَى إقَامَةً بِمَكَّةَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَلَا يَجْمَعُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) غَيْرُ (خَائِفٍ فَوْتَ جَمَاعَةٍ بِتَرْكِهِ) أَيْ: الْجَمْعِ، فَيُسَنُّ لَهُ الْجَمْعُ حِينَئِذٍ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، عَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْفَرْعِ " بِ: قِيلَ؛ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِهِ. (وَيُحْتَمَلُ
وُجُوبُهُ) ، أَيْ: الْجَمْعِ (لِمَنْ لَمْ يَبْقَ وُضُوءُهُ لِوَقْتِ) صَلَاةٍ (ثَانِيَةٍ، وَلَا يَجِدُ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ) ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إذْ لَا يُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَوَجَدَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ اسْتَعْمَلَهُ، وَإِلَّا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.
وَأَمَّا فِعْلُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ خَشْيَةَ عَدَمِ مُطَهِّرٍ؛ فَلَا قَائِلَ بِهِ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " بَعْدَ عَدِّهِ الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ: فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَإِنَّمَا يُبَاحُ) الْجَمْعُ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ.
إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ (بِسَفَرٍ جَازَ فِيهِ قَصْرُ) رُبَاعِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ، وَيَبْلُغَ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ، لِمَا رَوَى مُعَاذٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ سَائِرًا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِيرِ. (فَلَا جَمْعَ لِمَكِّيٍّ بِعَرَفَةَ) وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ وَاَلَّذِي يَنْوِي
الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَمْعُ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ سَفَرَ قَصْرٍ. (إنْ لَمْ يُخَلِّفْهُ)، أَيْ: الْمَكِّيَّ عُذْرٌ (غَيْرُهُ)، أَيْ: غَيْرُ السَّفَرِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ عُذْرٌ غَيْرُهُ؛ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ.
(وَ) الثَّانِيَةُ: (لِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ)، أَيْ: الْجَمْعِ (مَشَقَّةٌ) وَضَعْفٌ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ:«مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ نَوْعُ مَرَضٍ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ مِنْ السَّفَرِ «وَاحْتَجَمَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» . (وَ) الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: لِ (مُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ نَجَاسَةٍ)، أَيْ: مَشَقَّةِ تَطْهِيرِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ كَمَرِيضٍ.
(وَ) الرَّابِعَةُ: ل (نَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ) كَذِي سَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فِي الِاسْتِحَاضَةِ: وَإِنْ قَوِيت عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ، ثُمَّ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ. ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ فَافْعَلِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَيُقَاسُ عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّلَسِ وَنَحْوُهُ. (وَ) الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: لِ (عَاجِزٍ عَنْ طَهَارَةٍ) بِمَاءٍ (أَوْ تَيَمُّمٍ) بِتُرَابٍ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ.
وَالْحَالَةُ السَّادِسَةُ: الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَاجِزٌ عَنْ (مَعْرِفَةِ وَقْتٍ كَأَعْمَى) وَمَطْمُورٍ، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. (وَ) الْحَالَةُ السَّابِعَةُ:(لِعُذْرٍ) يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ، كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَالْحَالَةُ الثَّامِنَةُ: ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ شُغْلٍ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ) ؛ كَمَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا بِمَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا. (وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ)، مِنْهُمْ: صَاحِبُ " الْوَجِيزِ ": (النُّعَاسَ)
وَفِعْلُ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، لِعُمُومِ حَدِيثِ «خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» بَلْ تَرْكُ الْجَمْعِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، إذْ السُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ مُفَرَّقَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ السَّابِقَةَ تُبِيحُ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ.
ثُمَّ أَشَارَ لِلْأَعْذَارِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعِشَاءَيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ فَقَالَ: (وَيَخْتَصُّ جَمْعٌ) بَيْنَ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَجَلِيدٍ وَوَحَلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ) ظَاهِرَةٍ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً، وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ شَدِيدَةً بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَارِدَةً. (وَمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِالْجَمْعِ لِذَلِكَ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ. وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَأَمَرَ عُمَرُ مُنَادِيهِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَنَادَى: الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ» وَالْوَحَلُ أَعْظَمُ مَشَقَّةً مِنْ الْبَرَدِ؛ فَيَكُونُ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ إلَّا الْوَحَلُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْعُذْرِ وَالنَّسْخِ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ، فَإِنْ بَلَّ الْمَطَرُ النَّعْلَ فَقَطْ، أَوْ الْبَدَنَ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَشَقَّةٌ؛ فَلَا، وَلَهُ الْجَمْعُ لِمَا سَبَقَ. (وَلَوْ صَلَّى بِبَيْتِهِ، أَوْ) صَلَّى (بِمَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ وَنَحْوِهِ) كَمُجَاوِرٍ بِالْمَسْجِدِ؛ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا لِكُلِّ فَرْدِ مِنْ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا كَالسَّفَرِ.
(وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ يَجْمَعُ (فِعْلُ الْأَرْفَقِ)(مِنْ تَأْخِيرِ) الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ، أَوْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ (أَوْ تَقْدِيمٍ)، أَيْ: تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَقْتَ الظُّهْرِ، أَوْ الْعِشَاءِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ، (حَتَّى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) ، فَيُفْعَلُ فِيهِمَا الْأَرْفَقُ أَيْضًا مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، (خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ:" لِلْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ قَوْلَيْهِمَا: سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، لَكِنَّ صَاحِبَ: " الْمُنْتَهَى " قَالَ: إنْ عُدِمَ - يَعْنِي: الْأَرْفَقُ - فَلَا وَهْمَ فِي عِبَارَتِهِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ " فَهِيَ صَرِيحَةٌ بِالْمُخَالَفَةِ، فَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْإِقْنَاعِ مُوَافِقَةٌ لِعِبَارَاتِ مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحَقُّ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، لِتَفَرُّدِهِ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ.
وَقَوْلُ " الْمُنْتَهَى " إنْ عُدِمَ؛ تَبِعَ فِيهِ الْمُنَقِّحَ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ " وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي جَمْعِ عَرَفَةَ التَّقْدِيمُ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ فِيهِ أَرْفَقُ، وَفِي جَمْعِ مُزْدَلِفَةَ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيمُ فِيهِ أَرْفَقَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَاقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ،
(فَإِنْ اسْتَوَيَا)، أَيْ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْأَرْفَقِيَّةِ، (فَتَأْخِيرٌ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ) ؛ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ مُطْلَقًا أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَشُرِطَ لِصِحَّةِ جَمْعٍ مُطْلَقًا) تَقْدِيمًا كَانَ أَوْ تَأْخِيرًا (تَرْتِيبٌ) بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، (وَلَا يَسْقُطُ) التَّرْتِيبُ (بِنِسْيَانٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالتَّرْتِيبِ فِي الْفَوَائِتِ، فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ.
(وَ) شُرِطَ (لِجَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: (نِيَّةٌ)، أَيْ: الْجَمْعِ (عِنْدَ إحْرَامِهَا)، أَيْ: الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ. (وَ) الثَّانِي: (أَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَلَوْ سَهْوًا وَنَحْوَهُ) كَالْجَهْلِ، فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا سَهْوًا أَوْ جَهْلًا؛ بَطَلَ الْجَمْعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُتَابَعَةُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْبِيرٍ عِيدًا وَغَيْرَهُ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى (فَيَبْطُلُ) جَمْعٌ (بِرَاتِبَةٍ) صَلَّاهَا (بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ. (وَ) الثَّالِثُ: (وُجُودُ عُذْرٍ) مُبِيحٍ لِلْجَمْعِ (عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَ) عِنْدَ (سَلَامِ أُولَى) ، لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَسَلَامِهَا، وَافْتِتَاحُ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ. (وَ) الرَّابِعُ:(اسْتِمْرَارُهُ فِي غَيْرِ جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَبَرَدٍ، (لِفَرَاغِ ثَانِيَةٍ) مِنْ مَجْمُوعَتَيْنِ، (فَلَوْ أَحْرَمَ بِأُولَى) نَاوِيًا الْجَمْعَ (لِمَطَرٍ، فَانْقَطَعَ) الْمَطَرُ (وَلَمْ يَعُدْ؛ فَإِنْ حَصَلَ وَحَلَّ؛ صَحَّ) الْجَمْعُ،
لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ الْمَطَرِ، وَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ. (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحَلَّ؛ (بَطَلَ) الْجَمْعُ؛ وَلَوْ خَلَّفَهُ مَرَضٌ أَوْ نَحْوُهُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِ، فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا. (وَيَتَّجِهُ: كَوَحَلٍ) فِي صِحَّةِ الْجَمْعِ حُدُوثُ (نَحْوِ ثَلْجٍ) كَبَرَدٍ (وَرِيحٍ) بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ مَشَقَّةَ ذَلِكَ كَمَشَقَّةِ الْوَحَلِ وَأَبْلَغُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ بِأُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ أَرْسَتْ بِهِ السَّفِينَةُ عَلَى وَطَنِهِ؛ (بَطَلَ جَمْعٌ وَقَصْرٌ) ، لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ (وَلَوْ خَلَّفَهُ نَحْوُ مَرَضٍ) ؛ كَثَلْجٍ (وَمَطَرٍ) وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الْمُتَجَدِّدَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، فَلَا يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، (وَيُتِمُّهَا)، أَيْ: الْأُولَى (وَتَصِحُّ فَرْضًا) ، لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا، وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا (وَ) إنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ (بِثَانِيَةٍ؛ بَطَلَ جَمْعٌ وَقَصْرٌ فِي حَقِّهَا)، أَيْ: الثَّانِيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُتِمُّهَا)، أَيْ: الثَّانِيَةَ (نَفْلًا) لَكِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا دُخُولَ وَقْتِهَا فَبَانَ عَدَمُهُ، وَالْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُمَا؛ فَلَا إعَادَةَ. (وَمَرِضَ فِي جَمْعٍ كَسَفَرٍ إذَا بَرِئَ) الْمَرِيضُ (بِأُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ؛ أَتَمَّهَا وَصَحَّتْ فَرْضًا، (أَوْ) بَرِئَ (بِثَانِيَةٍ) ؛
صَحَّتْ نَفْلًا، لِوُقُوعِ الْأُولَى مَوْقِعَهَا.
وَإِنْ بَرِئَ بَعْدَهُمَا؛ أَجْزَأَتَا.
(وَشُرِطَ لِجَمْعٍ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ) وَهُوَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: (نِيَّةٌ)، أَيْ: الْجَمْعِ (بِوَقْتِ أُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ مُبِيحِهِ، (مَا لَمْ يَضِقْ) ، وَقْتُ الْأُولَى (فَعَلَهَا) ، فَإِنْ ضَاقَ، عَنْهُ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْجَمْعُ لِفَوَاتِ فَائِدَتِهِ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، (وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا) إلَى أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ، وَيُنَافِيَ تَأْخِيرُهَا الرُّخْصَةَ، وَهِيَ: الْجَمْعُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) ضَعِيفٍ: إنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ جَمْعٍ ثَانِيَةٍ بِوَقْتِ أُولَى إنْ كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ (غَيْرِ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ بِوَقْتٍ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ نَوْمِهِ وَنَحْوِهِ حَتَّى ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ فِعْلِهَا فَلَهُ فِعْلُهَا، مَجْمُوعَةً؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِذَلِكَ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَا يَسَعُ التَّكْبِيرَةَ لِلْإِحْرَامِ، وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا؛ نَعَمْ قَيَّدَ الْمَجْدُ بِبَقَاءِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا.