الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِانْتِفَاعَ. (وَمُسْتَأْجِرٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ) كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ، وَقَادِرٌ عَلَى مَنْعِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ دُخُولِهِ.
(وَكُرِهَ أَنْ يُتِمَّ مُسَافِرٌ) صَلَّى إمَامًا (بِمُقِيمٍ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهَا، نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ نَفْلٌ.
فَيَلْزَمُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ، وَأَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ، فَلَوْ تَابَعَهُ الْمُقِيمُ، وَكَانَ نَوَى الْإِتْمَامَ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ، لَزِمَهُ، فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ فَرْضًا.
وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ (قَصْرُهُ) الصَّلَاةَ (بِهِ)، أَيْ: بِالْمُقِيمِ، وَيُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَسْبُوقٍ.
[فَصْلٌ إمَامَةُ الْفَاسِق]
(فَصْلٌ)(وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالِاعْتِقَادِ أَوْ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَوْ كَانَ مَسْتُورًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَوْطَهُ وَسَيْفَهُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذَا: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ لِمَعْنًى فِي دِينِهِ، فَأَشْبَهَ الْكَافِرَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى شَرَائِطَ. (وَإِنْ) صَلَّى (ب) فَاسِقٍ (مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ بِالتَّوْبَةِ، (أَوْ) صَلَّى الْفَاسِقُ إمَامًا (فِي نَفْلٍ) ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، (إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذُّرًا خَلْفَ غَيْرِهِ)، أَيْ: الْفَاسِقِ بِأَنْ تَعَذَّرَ أُخْرَى خَلْفَ عَدْلٍ لِلضَّرُورَةِ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
الْجُمُعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا.
قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، فَلَا تَضُرُّ صَلَاتِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ظُهْرًا أَرْبَعًا.
(وَإِنْ خَافَ) إنْ لَمْ يَصِلْ خَلْفَ فَاسِقٍ (أَذًى، صَلَّى خَلْفَهُ،) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ» . . . إلَى آخِرِهِ، (وَأَعَادَ) نَصًّا. (فَإِنْ وَافَقَهُ)، أَيْ: الْفَاسِقَ (فِي فِعْلٍ مُنْفَرِدًا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، (أَوْ) وَافَقَهُ فِي الْأَفْعَالِ (فِي جَمَاعَةٍ خَلْفَهُ بِإِمَامٍ) عَدْلٍ، (لَمْ يُعِدْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِفَاسِقٍ.
(وَمَنْ صَلَّى بِأُجْرَةٍ لَا جُعْلٍ، لَمْ يُصَلِّ خَلْفَهُ) ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسَمِعْت أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنْ إمَامٍ قَالَ: أُصَلِّي بِكُمْ رَمَضَانَ بِكَذَا وَكَذَا؟ ؟ قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا؟
(وَيَتَّجِهُ) : صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ ظَاهِرُهُ الصَّلَاحُ، ل (أَنَّ الْأَصْلَ هُنَا)، أَيْ: فِي الْإِمَامَةِ (الْعَدَالَةُ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَتَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِأَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ، إذْ لَوْ اعْتَبَرْنَا الْعَدَالَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَضَاقَ بِنَا الْمَجَالُ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَحِينَئِذٍ (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (خَلْفَ إمَامٍ لَا يَعْرِفُهُ) أَيْ: يَجْهَلُ عَدَالَتَهُ وَفِسْقَهُ، إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الِائْتِمَامَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ السَّلَامَةُ، (فَإِنْ عَلِمَ فِسْقَهُ بَعْدَ) فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، (أَعَادَ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ".
(وَالِاسْتِحْبَابُ) أَنْ يُصَلِّيَ (خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُهُ) عَدْلًا لِيَتَحَقَّقَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ سَكْرَانَ) ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ لِنَفْسِهِ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِهِ، (فَإِنْ سَكِرَ فِي أَثْنَائِهَا) ، أَيْ الصَّلَاةِ، (بَطَلَتْ) لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ.
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ أَخْرَسَ وَلَوْ بِمِثْلِهِ نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ رُكْنًا، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ وَالتَّحْرِيمَةُ وَغَيْرُهُمَا، فَلَا يَأْتِي بِهِ وَلَا بِبَدَلِهِ، بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْبَدَلِ.
و (لَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ (كَافِرٍ) ، وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِبِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ كُفْرَهُ أَوْ جَهِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا.
(وَإِنْ قَالَ) إمَامٌ (مَجْهُولٌ حَالُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ: هُوَ كَافِرٌ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (أَوْ) قَالَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ: هُوَ (فَاسِقٌ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَإِنَّمَا صَلَّى تَهَزِّيًّا، أَعَادَ مَأْمُومٌ) صَلَاتَهُ كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ، لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ.
(وَإِنْ عُلِمَ لَهُ)، أَيْ: لِلْإِمَامِ (حَالَا رِدَّةٍ وَإِسْلَامٍ، أَوْ) حَالَا (عَدَالَةٍ وَفِسْقٍ، أَوْ) حَالَا (إفَاقَةٍ وَجُنُونٍ، وَأَمَّ) فِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَيْنِ (وَلَمْ يَدْرِ مَأْمُومٌ فِي أَيِّهِمَا) ، أَيْ الْحَالَيْنِ (ائْتَمَّ) بِهِ، (فَإِنْ عَلِمَ) مَأْمُومٌ (قَبْلَ صَلَاةٍ) ائْتَمَّ بِهِ فِيهَا (إسْلَامَهُ، أَوْ) عَلِمَ قَبْلَهَا (إفَاقَتَهُ، وَشَكَّ) مَأْمُومٌ (فِي رِدَّتِهِ أَوْ جُنُونِهِ، لَمْ يُعِدْ) مَأْمُومٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْإِفَاقَةِ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ بِهِ إسْلَامَهُ أَوْ إفَاقَتَهُ، وَصَلَّى خَلْفَهُ، (أَعَادَ) مَا صَلَّاهُ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِالْوُجُوبِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا يَبْرَأُ بِهِ، فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَإِنْ)(صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُ كُفْرَهُ) قَبْلَ ذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ: أَوْ) يَعْرِفُ (فِسْقَهُ) ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَقَالَ) مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ (بَعْدَ صَلَاةٍ: كُنْت أَسْلَمْت، أَوْ) كُنْت (تُبْت وَفَعَلْت مَا يَجِبُ لِصَلَاةٍ)(أَعَادَ) مَأْمُومٌ، لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ.
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ مُسْتَمِرٌّ) كَرُعَافٍ وَسَلَسٍ، وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، أَوْ دُودُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ خَلَلًا غَيْرَ مَجْبُورٍ بِبَدَلٍ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ.
(أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ (عَاجِزٍ عَنْ نَحْوِ رُكُوعٍ) كَرَفْعٍ مِنْهُ (أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قَوْلٍ وَاجِبٍ أَوْ شَرْطٍ) كَاسْتِقْبَالٍ، وَاجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ، وَعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ (إلَّا بِمِثْلِهِ) فِي الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ أَوْ الْوَاجِبِ أَوْ الشَّرْطِ، (وَكَذَا) لِعَاجِزٍ (عَنْ قِيَامٍ) لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْفَرْضِ إلَّا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ رُكْنِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بِهِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ. (إلَّا الرَّاتِبَ بِمَسْجِدٍ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِعِلَّةٍ (الْمَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ وَيَجْلِسُونَ) أَيْ: الْمَأْمُومُونَ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْقِيَامِ (خَلْفَهُ) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ.
(وَتَصِحُّ) صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ (قِيَامًا) ، لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَمْ يَأْمُرْ عليه الصلاة والسلام مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ قَائِمًا بِالْإِعَادَةِ.
(وَمِثْلُهُ
الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) إذَا مَرِضَ وَرُجِيَ زَوَالُ عِلَّتِهِ وَصَلَّى جَالِسًا، فَيُصَلُّونَ خَلْفَهُ جُلُوسًا، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ.
قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا» ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا، فَيُتِمُّهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ» وَرَوَاهُ أَيْضًا أَنَسٌ، وَصَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
وَإِنْ ابْتَدَأَ إمَامٌ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ (اعْتَلَّ، ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: وَلَوْ غَيْرَ إمَامِ حَيٍّ)، أَيْ: رَاتِبٍ حَصَلَ لَهُ عِلَّةٌ (فِي أَثْنَائِهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (فَجَلَسَ) عَجْزًا، (أَتَمُّوا) خَلْفَهُ (قِيَامًا وُجُوبًا) ، لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، فَإِذَا بَدَأَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَزِمَهُ فِي جَمِيعِهَا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَنْ أَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ.
قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (أَنَّهُ لَوْ صَلَّى) إمَامٌ (رَاتِبٌ بِغَيْرِ مَسْجِدِهِ لَا يَثْبُتُ مَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَصَلَّى جَالِسًا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ جُلُوسًا؛ لِأَنَّ إمَامَ الْحَيِّ لَا غِنَاءَ لَهُمْ عَنْهُ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ رَاتِبَ أَعْرَابٍ)، أَيْ: سُكَّانِ بَادِيَةٍ كَانُوا أَوْ عَجَمًا (لَا مَسْجِدَ لَهُمْ) حُكْمُهُ (كَرَاتِبِ مَسْجِدٍ) فِيمَا مَرَّ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مُحْدِثٍ) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ يَعْلَمُ ذَلِكَ (وَلَا) إمَامَةُ (نَجِسٍ)، أَيْ: مَنْ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا (يَعْلَمُ ذَلِكَ)، أَيْ: حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، أَشْبَهَ الْمُتَلَاعِبَ. (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (دَعْوَى عِلْمِهِ) إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ بِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، لِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ.
(فَإِنْ جَهِلَ) إمَامٌ حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ (مَعَ) جَهْلِ (مَأْمُومِينَ كُلِّهِمْ) بِذَلِكَ، (خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) وَهُوَ ابْنُ قُنْدُسٍ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي " حَوَاشِي الْفُرُوعِ " بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إنْ قَرَأَ (حَتَّى انْقَضَتْ) الصَّلَاةُ، (صَحَّتْ لِمَأْمُومٍ وَحْدَهُ)، أَيْ: دُونَ إمَامِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْمَأْمُومُ (يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ)، لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: " إذَا صَلَّى
الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَتَمَّتْ لِلْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ " رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيِّ، وَلِمَا رُوِيَ " أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجَرْفِ، فَأَهْرَقَ الْمَاءَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ تُعِدْ النَّاسُ " وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ:" إذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ، فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، آمُرُهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُعِيدَ، وَلَا آمُرُهُمْ أَنْ يُعِيدُوا " رَوَاهُمَا الْأَثْرَمِ.
وَهَذَا فِي مَحَلِّ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ، فَكَانَ مَعْذُورًا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ. (وَمَعَ عِلْمِ مَأْمُومٍ وَاحِدٍ فَقَطْ) بِأَنَّ إمَامَهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا حِينَ الصَّلَاةِ (وَادِّعَائِهِ)، أَيْ: الْعِلْمَ بِذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، (لَا يَلْزَمُ رُجُوعُ) بَقِيَّةِ الْمَأْمُومِينَ (لِقَوْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسَقَ بِتَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَهَا، وَالْفَاسِقُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، (إلَّا إنْ) جَهِلَ إمَامٌ وَمَأْمُومُونَ و (كَانُوا بِجُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ وَهُمْ بِإِمَامٍ) مُحْدِثٍ أَوْ نَجِسٍ أَرْبَعُونَ، فَيُعِيدُ الْكُلُّ (أَوْ) كَانُوا (بِمَأْمُومٍ كَذَلِكَ)، أَيْ: مُحْدِثٍ، أَوْ نَجِسٍ (أَرْبَعُونَ فَيُعِيدُ الْكُلُّ) ،
أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ أَوْ النَّجِسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ
(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ (نِسْيَانَ) الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَنَّ الْحَدَثَ أَوْ النَّجَسَ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا (كَجَهْلٍ)، أَيْ: فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ، مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي النِّسْيَانِ وَفِي الْإِنْصَافِ ": فِي هَذِهِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَطَعُوا بِهِ.
(وَيَضُرُّ) فِي الصَّلَاةِ (تَرْكُ بَقِيَّةِ شُرُوطٍ) كَنِيَّةٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَطَهَارَةِ حَدَثٍ وَنَحْوِهَا، (وَ) كَذَلِكَ يَضُرُّ تَرْكُ بَعْضٍ مِنْ (جَمِيعِ أَرْكَانِ) الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام وَنَحْوِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَالِاسْتِنْجَاءِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَنَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (عَلَيْهِ فِيمَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ)، أَيْ: قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ (يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ) ، لِتَعَمُّدِهِمْ تَرْكَ رُكْنٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ. (وَكَذَا) نَصَّ الْإِمَامُ (فِيمَنْ تَرَكَ التَّحْرِيمَةَ) أَنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ.
(وَيُثَابُ مَنْ)، أَيْ: مُصَلٍّ (جَهِلَ الْبُطْلَانَ)، أَيْ: بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا أَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، أَوْ خَلْفَ كَافِرٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الطَّهَارَةُ وَلَا الْوَقْتُ، كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ، وَمُلَاحَظَةِ مَعَانِي الْأَذْكَارِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ، (وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي
غَيْرِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا مَا يَقِفُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ، فَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَوْ عَمِلَهُ عَالِمًا بِهِ، حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ.
(وَإِنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا) مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَطُمَأْنِينَةٍ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، أَعَادَ هُوَ وَمَأْمُومٌ (أَوْ) تَرَكَ إمَامٌ (شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ) كَسَتْرِ أَحَدِ الْعَاتِقَيْنِ فِي فَرْضٍ (بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ) لِمُجْتَهِدٍ، أَعَادَا، (أَوْ) تَرَكَ إمَامٌ (رُكْنًا) عِنْدَهُ وَحْدَهُ، (أَوْ) تَرَكَ (شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ عَالِمًا) بِأَنَّهُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ، (أَعَادَا) أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ، أَمَّا الْإِمَامُ، فَلِتَرْكِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ، فَلِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ.
وَقَوْلُهُ عَالِمًا: لَا مَفْهُومَ لَهُ إلَّا إذَا نَسِيَ حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ كَمَا مَرَّ، إذْ الشُّرُوطُ لَا تَسْقُطُ سَهْوًا وَلَا عَمْدًا كَالْأَرْكَانِ.
(وَ) إنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا أَوْ وَاجِبًا (عِنْدَ مَأْمُومٍ وَحْدَهُ) كَحَنَفِيٍّ صَلَّى بِحَنْبَلِيٍّ وَكَشَفَ عَاتِقَيْهِ، أَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ، (لَمْ يُعِيدَا) أَيْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ إمَامٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَتَّجِهُ: وَالْمُرَادُ) بِقَوْلِهِمْ: الِاعْتِبَارُ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ: (فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَرْكَانِ صَلَاةٍ) ، كَتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا، (وَشُرُوطِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ: كَتَرْكِ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَاهُ شَرْطًا (بَعْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِ إمَامَةٍ) مِنْ عَدَالَةٍ وَغَسْلِ رِجْلَيْنِ، إذْ هُمَا شَرْطَانِ لِصِحَّةِ الْإِمَامَةِ،
وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَ الْغَيْرِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ شَرْطًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، بَلْ يَكْتَفُونَ بِالْمَسْحِ، فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ حَالُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ.
(وَإِنْ اعْتَقَدَهُ) أَيْ: الْمَتْرُوكَ مِنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وَاجِبٍ (مَأْمُومٌ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ) أَيْ: بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ، وَلَا وَاجِبٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، (أَعَادَ) مَأْمُومٌ وَحْدَهُ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ، (كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُهُ خُنْثَى، وَيَجْهَلُ إشْكَالَهُ فَبَانَ رَجُلًا) ، فَيُعِيدُ صَلَاتَهُ لِتَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ يَعْتَقِدُ فَسَادَهَا، وَكَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّهُ مُحْدِثًا فَبَانَ مُتَطَهِّرًا.
(وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (خَلْفَ مَنْ خَالَفَ) مَأْمُومَهُ (فِي فَرْعٍ لَمْ يَفْسُقْ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ) ، كَالصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِلَا شُهُودٍ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ، كَمُعْتَزِلَةٍ، أَوْ فَرْعٍ فَسَقَ بِهِ، كَمَنْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا يُسْكِرُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَهُ، لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، لِفِسْقِهِ.
وَالنَّبِيذُ: هُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ، وَنَقِيعُ التِّينِ وَالتَّمْرِ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَالذُّرَةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يَغْلِ بِنَفْسِهِ وَيَشْتَدَّ، أَوْ يَمْضِي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ إجْمَاعًا، وَإِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ، أَوْ مَضَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَوْ لَمْ يَغْلِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَإِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يُسْكِرُ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ.
(وَلَا إنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ) .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " السِّرِّ الْمَصُونِ ": رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ يَعْمَلُونَ عَمَلَ الْعَوَامّ، فَإِذَا صَلَّى الْحَنْبَلِيُّ فِي مَسْجِدِ شَافِعِيٍّ، تَعَصَّبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَإِذَا صَلَّى الشَّافِعِيُّ فِي مَسْجِدِ حَنْبَلِيٍّ، وَجَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ، تَعَصَّبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَالْعَصَبِيَّةُ فِيهَا مُجَرَّدُ أَهْوَاءٍ يَمْنَعُ مِنْهَا الْعِلْمُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْصِمُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا الْعَجْزُ وَلَا أَقُولُ: الْعَوَامُّ،
بَلْ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ أَيْدِي الْحَنَابِلَةِ مَبْسُوطَةً فِي أَيَّامِ ابْنِ يُوسُفَ، وَكَانُوا يَسْتَطِيلُونَ بِالْبَغْيِ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُرُوعِ حَتَّى مَا يُمَكِّنُونَهُمْ مِنْ الْجَهْرِ وَالْقُنُوتِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ النَّظَّامِ، وَمَاتَ ابْنُ يُوسُفَ، وَزَالَتْ شَوْكَةُ الْحَنَابِلَةِ، اسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ اسْتِطَالَةَ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ، فَاسْتَعْدُوا عَلَيْهِمْ بِالسِّجْنِ، وَآذَوْا الْعَوَامَّ بِالسِّعَايَاتِ وَالْفُقَهَاءَ بِالنَّبْذِ بِالتَّجْسِيمِ.
قَالَ: فَتَدَبَّرْتُ أَمَرَ الْفَرِيقَيْنِ، فَإِذَا هُمْ لَمْ تَعْمَلْ بِهِمْ آدَابُ الْعِلْمِ، وَهَلْ هَذِهِ إلَّا أَفْعَالُ الْأَجْنَادِ يَصُولُونَ فِي دَوْلَتِهِمْ، وَيَلْزَمُونَ الْمَسَاجِدَ فِي بَطَالَتِهِمْ.
(وَمَنْ أَنْكَرَ) شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، (فَلِجَهْلِهِ بِمَقَامِ الْمُجْتَهِدِينَ) وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ أَسْهَرُوا أَجْفَانَهُمْ، وَبَذَلُوا جُهْدَهُمْ وَنَفَائِسَ أَوْقَاتِهِمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَهُمْ مَأْجُورُونَ لَا مَحَالَةَ أَخْطَئُوا أَوْ أَصَابُوا، وَمُتَّبِعُهُمْ نَاجٍ لِأَنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَجَعَلَهُ شَرْعًا مُقَرَّرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، كَمَا جَعَلَ الْحِلَّ فِي الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ حُكْمَيْنِ ثَابِتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلْفَرِيقَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَيُّ شَيْءٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ.
(وَحُرِّمَ قَوْلٌ بِإِيجَابِ تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ) مِنْ الْأَئِمَّةِ (بِعَيْنِهِ) بِأَنْ تُلْتَزَمَ أَقْوَالُهُ فَقَطْ، (بَلْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ:(إنْ تَابَ) قَائِلُ ذَلِكَ، (وَإِلَّا قُتِلَ) .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَجُلٌ وَاحِدٌ اتَّخَذَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَلِّدُهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ بِحَيْثُ لَمْ يُسْقِطْ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَسْقَطَ أَقْوَالَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ، فَلْيُكَذِّبْنَا الْمُقَلِّدُونَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ الْوَخِيمَةَ فِي الْقُرُونِ الْفَضِيلَةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ
الْمَذْمُومِ عَلَى لِسَانِهِ صلى الله عليه وسلم. (لَكِنْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: يَتَعَيَّنُ الْآنَ تَقْلِيدُ أَحَدِ) الْأَئِمَّةِ: (الْأَرْبَعَةِ) : مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، (لِعَدَمِ حِفْظِ مَذَاهِبِ غَيْرِهِمْ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَرَدَّ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَخَطَّأَهُ مِنْ نَحْوِ خَمْسِينَ وَجْهًا، مِنْهَا: مَا الَّذِي خَصَّ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ أَهْلِ أَعْصَارِهِمْ؛ قِيلَ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ؟ فَإِنَّ هَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَ الْمَذَاهِبَ وَأَدَوَاتِهَا وَرَاجِحَهَا، فَمَا لِلْأَعْمَى وَنَقْدُ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بَابٌ آخَرُ مِنْ الْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَيُقَالُ ثَانِيًا: فَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ، وَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِك بِلَا شَكٍّ فَهَلَّا قَلَّدْتَهُمْ وَتَرَكْتَهُ.
بَلْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَمْثَالُهُمْ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ بِلَا شَكٍّ، فَلِمَ تَرَكْت تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ الْأَفْضَلِ الْأَجْمَعِ لِأَدَوَاتِ الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَرَغِبْت عَنْ أَقْوَالِهِ وَمَذْهَبِهِ إلَى مَنْ دُونَهُ؟ وَأَطَالَ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَمُحَصَّلُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى أَحَدٍ قَوْلُ إمَامٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، جَازَ لَهُ تَقْلِيدُهُ.
(وَمَنْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَشُرْبِ يَسِيرِ نَبِيذٍ، فَإِنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ فَسَقَ) بِالْمُدَاوَمَةِ، (وَلَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ) لِفِسْقِهِ (وَإِنْ لَمْ يُدَاوِمْ) عَلَيْهِ، (فَقَالَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ:(هُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا بَأْسَ بِهَا) أَيْ: بِالصَّلَاةِ (خَلْفَهُ) ، لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَحْصُلُ بِالصَّغِيرَةِ،
بَلْ بِالْمُدَاوَمَةِ، قَالَ تَعَالَى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] .
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ امْرَأَةٍ) بِرِجَالٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» وَلِأَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ لِلرِّجَالِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَؤُمَّهُمْ كَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ خُنْثَى مُشْكِلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ رَجُلًا.
(وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا إمَامَةُ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ (بِرِجَالٍ) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً
(أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ خُنْثَى ب (خَنَاثَى) ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَهُمْ رِجَالٌ (مُطْلَقًا)، أَيْ: فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى بِالنِّسَاءِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَإِمَامَتُهَا بِالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ، لَكِنْ تَقِفُ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى.
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ مُمَيِّزٍ بِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ)، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ:" وَلَا يَؤُمَّنَّ الْغُلَامُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ " وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَا يَؤُمَّنَّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ " رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ.
وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ حَالُ كَمَالٍ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْإِمَامُ
ضَامِنٌ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ.
(وَتَصِحُّ) إمَامَةُ صَبِيٍّ لِبَالِغٍ (فِي نَفْلٍ) ، كَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ وَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُتَنَفِّلًا.
(وَ) تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ (فِي فَرْضٍ بِمِثْلِهِ)، أَيْ: صَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا.
(وَلَا) تَصِحُّ (إمَامَةُ أُمِّيٍّ) نِسْبَةً إلَى الْأُمِّ، كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ، وَأَصْلُهُ لُغَةً: مَنْ لَا يَكْتُبُ، (وَهُوَ) عُرْفًا:(مَنْ لَا يُحْسِنُ)، أَيْ: يَحْفَظُ (الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا مَا) أَيْ: حَرْفًا (لَا يُدْغَمُ) كَإِدْغَامِ هَاءِ لِلَّهِ فِي رَاءِ رَبِّ، وَهُوَ: الْأَرَتُّ:
بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ. (أَوْ يُبْدِلُ مِنْهَا حَرْفًا) لَا يُبْدَلُ، وَهُوَ: الْأَلْثَغِيُّ، لِحَدِيثِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَؤُمَّ النَّاسَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ. (إلَّا ضَادَ الْمَغْضُوبِ وَضَادَ الضَّالِّينَ
بِظَاءٍ) فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمَنْ لَا يُبْدِلُهَا ظَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ أُمِّيًّا بِهَذَا الْإِبْدَالِ، سَوَاءٌ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى، أَوْ لَا. قَالَ فِي " حَاشِيَتِهِ " وَالْمُرَادُ بِمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ النُّطْقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْرَجِهِ، لَا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَعْنَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ الْآخَرِ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، لَا مَعَ
الْعَجْزِ عَنْهُ. (أَوْ يَلْحَنُ) عَطْفٌ عَلَى يُبْدِلُ (فِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى)، أَيْ: يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (عَجْزًا عَنْ إصْلَاحِهِ) كَكَسْرِ كَافِ إيَّاكَ، وَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْت أَوْ كَسْرِهَا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ (إلَّا بِمِثْلِهِ) ، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ عَاجِزٍ عَنْ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ
الْأَوَّلِ بِعَاجِزٍ عَنْ نِصْفِهَا الْأَخِيرِ، وَلَا عَكْسُهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، لَكِنْ أَحْسَنَ بِقَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا اقْتِدَاءُ قَادِرٍ عَلَى الْأَقْوَالِ بِعَاجِزٍ عَنْهَا.
و (لَا) يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ (مَنْ يُبْدِلُ مِنْهَا حَرْفًا)، أَيْ: الْفَاتِحَةِ (بِمَنْ يُبْدِلُ) حَرْفًا (غَيْرَهُ) ، لِعَدَمِ
الْمُسَاوَاةِ
(أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ (مَنْ لَا يُحْسِنُ) الْفَاتِحَةَ وَلَا يُحْسِنُ (قُرْآنًا غَيْرَهَا بِمَنْ يُحْسِنُهُ)، أَيْ: يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ.
(وَإِنْ تَعَمَّدَ) غَيْرُ الْأُمِّيِّ إدْغَامَ مَا لَا يُدْغَمُ، أَوْ إبْدَالَ مَا لَا يُبْدَلُ، أَوْ اللَّحْنَ الْمُحِيلَ لِلْمَعْنَى (أَوْ قَدَرَ) أُمِّيٌّ (عَلَى إصْلَاحِهِ) ، فَتَرَكَهُ (أَوْ زَادَ) مَنْ يُبْدِلُ أَوْ يُدْغِمُ أَوْ يَلْحَنُ كَذَلِكَ (عَلَى فَرْضِ قِرَاءَةٍ) بِأَنْ زَادَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ (عَاجِزٌ عَنْ إصْلَاحِهِ عَمْدًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكَلَامِ،
وَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ.
(وَإِنْ أَحَالَهُ) ، أَيْ أَحَالَ اللَّحْنُ الْمَعْنَى (فِيمَا زَادَ) عَلَى فَرْضِ الْقِرَاءَةِ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ لِآفَةٍ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (وَ) إنْ أَحَالَهُ (عَمْدًا، بَطَلَتْ) جَعْلًا لَهُ كَالْمَعْدُومِ.
(وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ حِلٍّ) أَيْ: حِلِّ اللَّحْنِ الْمُحِيلِ الْمَعْنَى، لِإِدْخَالِهِ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. (وَإِنْ أَحَالَهُ)، أَيْ: الْمَعْنَى (فِي فَرْضِ قِرَاءَةٍ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) وَمَضَى فِيهَا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
و (لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ أَحَالَهُ (عَجْزًا) لِأَنَّ الْعَاجِزَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ.
وَإِنْ ذَكَرَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَحَنَ فِي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى (وَلَمْ يُصِحَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مَا أَحَالَهُ) ، أَيْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَوْرًا بِلَفْظٍ صَحِيحٍ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِتَعَمُّدِهِ إحَالَةَ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ، وَحَيْثُ أَتَى بِهِ فَوْرًا، تَمَّمَ صَلَاتَهُ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وُجُوبًا، وَسَلَّمَ.
(وَمِنْ) اللَّحْنِ (الْمُحِيلِ) لِلْمَعْنَى (فَتْحُ هَمْزَةِ اهْدِنَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْدَى الْهَدِيَّةَ، لَا مِنْ طَلَبَ الْهِدَايَةَ. (وَ) مِنْهُ (ضَمُّ تَاءِ: أَنْعَمْت، وَكَسْرُهَا، وَ) مِنْهُ (كَسْرُ كَافِ إيَّاكَ) ، وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ.
(وَلَا يَلْزَمُ) مَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ (بَحْثٌ عَنْ كَوْنِ إمَامٍ قَارِئًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا قَارِئًا.
(فَإِنْ قَالَ) إمَامٌ (بَعْدَ سَلَامٍ سَهَوْت) عَنْ الْفَاتِحَةِ، (أَوْ) قَالَ (نَسِيت أَنْ أَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ، لَزِمَهُ)، أَيْ: الْإِمَامَ (مَعَ مَأْمُومٍ الْإِعَادَةُ) ، لِحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
وَإِنْ أَسَرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ سَهْوًا، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ.
(وَإِنْ أُقِيمَتْ) الصَّلَاةُ (وَهُوَ بِمَسْجِدٍ، وَالْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ) لِلْإِمَامَةِ،