الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ) سُنَّ (تُوَلِّيهِ وُضُوءَهُ بِنَفْسِهِ بِلَا مُعَاوَنَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَكِلُ طَهُورَهُ إلَى أَحَدٍ، وَلَا صَدَقَتَهُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا إلَى أَحَدٍ يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَالزِّيَادَةُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ) لِيَسْتَيْقِنَ تَعْمِيمَهُ.
[بَابُ الْوُضُوءِ]
(بَابُ الْوُضُوءِ) بِضَمِّ الْوَاوِ: فِعْلُ الْمُتَوَضِّئِ، مِنْ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ: النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ، لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْمُتَوَضِّئَ وَيُحَسِّنُهُ، وَبِفَتْحِهَا: الْمَاءُ يُتَوَضَّأُ بِهِ: (اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ) الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ، (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) ، (ك) كَوْنِهِ (بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ وَتَرْتِيبٍ وَمُوَالَاةٍ) وَتَأْتِي مُفَصَّلَةً.
وَالْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا أَنَّهَا أَسْرَعُ مَا يَتَحَرَّكُ فِي الْبَدَنِ لِلْمُخَالَفَةِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا ظَاهِرًا تَنْبِيهًا عَلَى طَهَارَتِهَا الْبَاطِنَةِ وَرَتَّبَ غَسْلَهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ فِي الْمُخَالَفَةِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَفِيهِ الْفَمُ وَالْأَنْفُ، فَابْتُدِئَ بِالْمَضْمَضَةِ، لِأَنَّ اللِّسَانَ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ وَأَشَدُّهَا حَرَكَةً، إذْ غَيْرُهُ رُبَّمَا سَلِمَ، وَهُوَ كَثِيرُ الْعَطْبِ قَلِيلُ السَّلَامَةِ غَالِبًا، ثُمَّ بِالْأَنْفِ، لِيَتُوبَ عَمَّا يَشُمُّ بِهِ، ثُمَّ بِالْوَجْهِ لِيَتُوبَ عَمَّا نَظَرَ، ثُمَّ بِالْيَدَيْنِ لِيَتُوبَ عَنْ الْبَطْشِ، ثُمَّ خَصَّ الرَّأْسَ بِالْمَسْحِ لِأَنَّهُ مُجَاوِزٌ لِمَا تَقَعُ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ، ثُمَّ بِالْأُذُنِ لِأَجْلِ السَّمَاعِ، ثُمَّ بِالرِّجْلِ لِأَجْلِ الْمَشْيِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
(وَفُرِضَ) الْوُضُوءُ (مَعَ الصَّلَاةِ) لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. (وَيَجِبُ بِحَدَثٍ عِنْدَ إرَادَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ) ، كَطَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَحْوِهِمَا، (وَيَحِلُّ) الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ (جَمِيعَ بَدَنٍ كَجَنَابَةٍ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ
وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَابْنُ عَقِيلٍ. (فَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ) حَتَّى غَيْرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، (وَلَا بِعُضْوٍ غَسَلَهُ) بِالْوُضُوءِ حَتَّى يُتِمَّ وُضُوءَهُ، (وَلَوْ قُلْنَا بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ) بِغَسْلِهِ، كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ، (فَإِنَّمَا هُوَ) - أَيْ: الْقَوْلُ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ - (لِعَدَمِ تَأَثُّرِ مَاءٍ) طَهُورٍ قَلِيلٍ (بِغَمْسِهِ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ، فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَلِعَدَمِ وُجُوبِ إعَادَةِ غَسْلِهِ.
(وَتَجِبُ فِيهِ تَسْمِيَةٌ، وَهِيَ) قَوْلُ: (بِسْمِ اللَّهِ) فِي الْوُضُوءِ، (لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا كَالرَّحْمَنِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي التَّسْمِيَةِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ. وَمَحَلُّهَا اللِّسَانُ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ النِّيَّةِ، (وَتَسْقُطُ سَهْوًا) نَصَّا لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» ، وَكَوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، كَمَا تَجِبُ (فِي غُسْلٍ) وَتَيَمُّمٍ، وَتَسْقُطُ فِي الثَّلَاثَةِ سَهْوًا نَصًّا، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَغَايَرُ أَفْعَالُهَا، فَكَانَ مِنْ وَاجِبَاتِهَا مَا يَسْقُطُ سَهْوًا كَالصَّلَاةِ (وَيَتَّجِهُ وَ) تَسْقُطُ أَيْضًا (جَهْلًا كَمَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: مُقْتَضَى قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ سُقُوطُهَا جَهْلًا، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ، وَالظَّاهِرُ إجْزَاؤُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا كَالزَّكَاةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (إنْ ذَكَرَهَا) - أَيْ: التَّسْمِيَةَ - (فِي الْأَثْنَاءِ)، أَيْ: أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ، (ابْتَدَأَ وَلَا يَبْنِي) عَلَى مَا غَسَلَهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا
عَلَى جَمِيعِهِ فَوَجَبَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ - حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي أَثْنَائِهِ سَمَّى وَبَنَى (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ اسْتِيثَاقِهِ وَعَدَمُ بِنَائِهِ (إلَّا مَعَ ضِيقِ وَقْتٍ) عَنْ فِعْلِ مَكْتُوبَةٍ، (أَوْ قِلَّةِ مَاءٍ) فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ بِنَائِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ طَهُورِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا عُفِيَ عَنْهَا مَعَ السَّهْوِ فِي جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ فَفِي بَعْضِهَا مَعَ سَهْوٍ انْضَمَّ إلَيْهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، أَوْ قِلَّةُ الْمَاءِ أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتَكْفِي إشَارَةُ أَخْرَسَ وَنَحْوِهِ) كَمُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ (بِهَا) - أَيْ: بِالتَّسْمِيَةِ - بِرَأْسِهِ أَوْ بِطَرْفِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ (وَيَتَّجِهُ: احْتِمَالُ الصِّحَّةِ) - أَيْ: صِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَخْرَسِ - (لَوْ سَمَّى بِقَلْبِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْ النُّطْقِ، وَلَوْ (تَرَكَ الْإِشَارَةَ عَمْدًا) لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِهَا بِقَلْبِهِ قَامَ مَقَامَ نُطْقِهِ، لَكِنَّ نُصُوصَهُمْ طَافِحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْإِشَارَةِ مِنْهُ، فَمُقْتَضَاهَا عَدَمُ الصِّحَّةِ بِدُونِهَا.
(وَفُرُوضُهُ) - أَيْ: الْوُضُوءِ - جَمْعُ: فَرْضٍ وَهُوَ: مَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ) الْفَرْضُ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا وَكَذَا كُلُّ فَرْضِ عِبَادَةٍ) كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِ الْحَجِّ، فَلَا تَسْقُطُ سَهْوًا وَلَا جَهْلًا:(سِتَّةٌ) - خَبَرُ فُرُوضِهِ -:
(أَحَدُهَا: غَسْلُ الْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6](وَمِنْهُ) أَيْ: الْوَجْهِ (دَاخِلُ فَمٍ وَأَنْفٌ) ، لِدُخُولِهِمَا فِي حَدِّهِ، وَكَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ غَسْلِهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَفِطْرِ الصَّائِمِ بِعَوْدِ الْقَيْءِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا وَأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَيْهِمَا.
(وَ) الثَّانِي: (غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ){وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَكَلِمَةُ إلَى: تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] وَفِعْلُهُ أَيْضًا صلى الله عليه وسلم يُبَيِّنُهُ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ» .
(وَ) الثَّالِثُ: (مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ (وَمِنْهُ) - أَيْ: الرَّأْسِ - (الْأُذُنَانِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مَرْفُوعًا «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» فَيَجِبُ مَسْحُهُمَا.
(وَ) الرَّابِعُ: (غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وَهُوَ وَاضِحٌ عَلَى النَّصْبِ، وَأَمَّا الْجَرُّ: فَقِيلَ بِالْجِوَارِ، وَالْوَاوُ تَأْبَاهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمَسْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ غَسْلٌ وَمَسْحٌ، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ. وَصِحَاحُ الْأَحَادِيثِ تَبْلُغُ التَّوَاتُرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ الْأَرْجُلُ فِي مَظِنَّةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَذْمُومٌ، عَطَفَهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ قِيلَ: إلَى الْكَعْبَيْنِ، دَفْعًا لِظَنِّ ظَانٍّ أَنَّهَا مَمْسُوحَةٌ، لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ غَايَةٌ فِي الشَّرْعِ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ " أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ " لَأَنْ تُقْطَعَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ الْقَدَمَيْنِ " وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ، وَأَمَّا لَابِسُهُ فَغَسْلُهُمَا لَيْسَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي حَقِّهِ.
(وَ) الْخَامِسُ: (تَرْتِيبٌ بَيْنَ أَعْضَاءِ وُضُوءٍ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَدْخَلَ الْمَمْسُوحَ بَيْنَ الْمَغْسُولَاتِ، وَلَا يُعْلَمُ لِهَذَا فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّرْتِيبِ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْوَاجِبِ، «وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَتَّبَ الْوُضُوءَ، وَقَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرًا فِيهِ، كَالصَّلَاةِ يَجِبُ فِيهَا الرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ. (فَإِنْ نَكَّسَ) وُضُوءَهُ، فَبَدَأَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ قَبْلَ وَجْهِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يُحْسَبُ بِمَا غَسَلَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَبْلَهُ لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ، وَإِنْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ وَخَتَمَ بِوَجْهِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا غَسْلُ وَجْهِهِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ مَنْكُوسًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ صَحَّ وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُتَقَارِبًا، يَحْصُلُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ غَسْلُ عُضْوٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ:" مَا أُبَالِي إذَا تَمَّمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ " قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى، لَانَ مَخْرَجَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاحِدٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: أَحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ، فَقَالَ: لَا حَتَّى يَكُونَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى " (أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ دَفْعَةً) وَاحِدَةً (لَمْ يَصِحَّ إلَّا غَسْلُ وَجْهِهِ) وَكَذَا لَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ التَّرْتِيبُ، لَا عَدَمُ التَّنْكِيسِ، وَلَمْ يُوجَدْ التَّرْتِيبُ.
(وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٌ كَثِيرٍ) رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ (نَاوِيًا) رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ (لَمْ يَصِحَّ) وُضُوءُهُ، وَلَوْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرًا يَسَعُ التَّرْتِيبَ، أَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْجَارِي أَرْبَعُ جَرْيَاتٍ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، (حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتِّبًا) نَصًّا، فَيُخْرِجُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُمَا قَبْلَ انْفِصَالِهِ.
(وَ) السَّادِسُ: (مُوَالَاةٌ) مَصْدَرُ وَالَى الشَّيْءَ يُوَالِيهِ إذَا تَابَعَهُ
(وَهِيَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا قَبْلَهُ) ، فَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ حَتَّى يَجِفَّ الْوَجْهُ، وَلَا مَسْحَ الرَّأْسِ حَتَّى تَجِفَّ الْيَدَانِ، وَلَا غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى يَجِفَّ الرَّأْسُ لَوْ كَانَ مَغْسُولًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ مَسْحَ الرَّأْسِ حَتَّى يَجِفَّ الْوَجْهُ دُونَ الْيَدَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيُتِمُّهُ صَحِيحًا (بِزَمَنٍ مُعْتَدِلِ) الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ (وَيَتَّجِهُ الِاعْتِبَارُ فِي) الزَّمَنِ (الْمُعْتَدِلِ) كَوْنُ اعْتِدَالِهِ (بِمَا بَيْنَ لَيْلٍ وَنَهَارٍ) ، بِأَنْ لَا يَزِيدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي حُلُولِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ نُقْطَةٍ مِنْ بُرْجِ الْحَمَلِ، وَأَوَّلُ نُقْطَةٍ مِنْ بُرْجِ الْمِيزَانِ، فَيَكُونُ اللَّيْلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً وَالنَّهَارُ كَذَلِكَ، ثُمَّ فِي بَاقِي أَيَّامِ الْبُرْجَيْنِ، وَقُبَيْلَ دُخُولِهِمَا يَقْرُبُ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ الزَّمَانُ فِي ذَيْنِكَ الْبُرْجَيْنِ وَقَبْلِهِمَا إلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ أَقْرَبُ فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيُقَدَّرُ مَمْسُوحٌ) مِنْ رَأْسٍ وَجَبِيرَةٍ (مَغْسُولًا) فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ مَثَلًا وَجَفَّ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، فَالْمُوَالَاةُ بِحَالِهَا مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ أَمَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ (مَغْسُولًا) لَجَفَّ، انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ، (أَوْ قُدِّرَ) زَمَنٌ (مُعْتَدِلٌ مِنْ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُعْتَدِلِ - مِنْ زَمَنٍ حَارٍّ أَوْ بَارِدٍ (وَيَضُرُّ) - أَيْ: تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ - (إنْ جَفَّ عُضْوٌ) أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، أَوْ بَقِيَّتُهُ (لِاشْتِغَالٍ بِتَحْصِيلِ مَاءٍ) يُتِمُّ بِهِ وُضُوءَهُ، (أَوْ) جَفَّ ذَلِكَ ل (إسْرَافٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّهَارَةِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّمَنُ مُعْتَدِلًا أَوْ لَا (أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ) لَيْسَتْ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ، (أَوْ) إزَالَةِ (وَسَخٍ وَنَحْوِهِ) ، كَجَبِيرَةٍ حَلَّهَا (لِغَيْرِ طَهَارَةٍ) ، بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا لَمْ يُؤَثِّرْ،