الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَسُنَّ دُعَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا بَأْسَ) بِالدُّعَاءِ (لِمُعَيَّنٍ كَالسُّلْطَانِ، وَسُنَّ دُعَاءٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ) .
قَالَ أَحْمَدُ، أَوْ غَيْرُهُ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ؛ وَلِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ: " أَرْفَعُ النَّاسِ دَرَجَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إمَامٌ عَادِلٌ " قَالَ أَحْمَدُ: إنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ. (وَإِذَا فَرَغَتْ الْخُطْبَةُ نَزَلَ مُسْرِعًا) مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ تَقْبُحُ، بِخِلَافِ صُعُودِهِ، فَيَكُونُ عَلَى تُؤَدَةٍ (عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) كَمَا يَقُومُ إلَيْهَا مَنْ لَيْسَ بِخَطِيبٍ إذَنْ.
[فَصْلٌ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ]
(فَصْلٌ)(وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ) إجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
قَالَ عُمَرُ: " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. (يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ) فِيهِمَا جَهْرًا، لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ إلَّا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ» فَيَقْرَأُ: سُورَةَ (" الْجُمُعَةِ " بِ) رَكْعَةٍ (أُولَى) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، (وَ) سُورَةَ: (" الْمُنَافِقِينَ " بِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) " لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (أَوْ) " يَقْرَأُ: (" سَبِّحْ ") فِي الْأُولَى، (ثُمَّ:" الْغَاشِيَةَ ") فِي الثَّانِيَةِ "؛ (فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِهِمَا)، أَيْ: بِالصِّفَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ
(وَ) يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ (فِي فَجْرِهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ أُولَى: (" الم السَّجْدَةَ "، وَبِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ: " هَلْ أَتَى ") نَصَّ عَلَيْهِ " لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ.
فَإِنْ سَهَا عَنْ السَّجْدَةِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
قَالَ الْقَاضِي: كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا، لَا يَلْزَمُ بَقِيَّةُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَثَّ وَالتَّرْغِيبَ وُجِدَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ أَكْثَرَ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ".
(وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُمَا) نَصًّا لِئَلَّا يُظَنّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ أَوْ الْوُجُوبُ (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) تُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ (كُلِّ سُنَّةٍ) غَيْرِ رَاتِبَةٍ (خِيفَ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا) خُصُوصًا إذَا كَانَ مُدَاوِمُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ (أَوْ) تَرْكُ مُدَاوَمَةِ سُنَّةٍ خِيفَ (إنْكَارُهَا، كَجَهْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) فَإِنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانَا لِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وُجُوبَ الْإِخْفَاتِ بِهَا. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ (يَجْهَرُ) الْمُصَلِّي (بِالْبَسْمَلَةِ) أَحْيَانَا تَأَلُّفًا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (وَ) يَجْهَرُ (بِالتَّعَوُّذِ وَالْفَاتِحَةِ فِي) صَلَاةِ (الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْقُنُوتِ فِي الْوَتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ (أَحْيَانًا) ، فَلَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ)، أَيْ: فِعْلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا (الْمَنْصُوصُ عَنْ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) ، وَيَكُونُ قَصْدُهُ بِذَلِكَ (تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ وَلِلتَّأْلِيفِ) وَاسْتِعْطَافِ الْقُلُوبِ وَعَدَمِ النَّفْرَةِ، فَإِنَّ الْمُخَالِفَ فِي فَرْعٍ إذَا رَأَى شَخْصًا مُثَابِرًا عَلَى فِعْلٍ لَا يَرَاهُ، رُبَّمَا يَصِيرُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْمُو ذَلِكَ الشَّيْءُ وَيُزَادُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى النَّفْرَةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ، فَيَنْشَأُ مِنْهَا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَهُوَ اتِّجَاهٌ وَجِيهٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ سَجْدَةً
غَيْرَهَا) ، أَيْ: غَيْرَ الم السَّجْدَةِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَمُّدَ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِ الم تَنْزِيلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ".
(وَ) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (فِي عِشَاءِ لَيْلَتِهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ (بِسُورَةِ: الْجُمُعَةِ وَ) زَادَ (فِي الرِّعَايَةِ " وَ: " الْمُنَافِقِينَ ") ، لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ.
(وَحَرُمَ إقَامَتُهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، (وَ) إقَامَةِ صَلَاةِ (عِيدٍ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ) وَاحِدٍ (مِنْ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يُفْعَلَانِ فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ إلَّا كَذَلِكَ، وَقَالَ:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (إلَّا لِحَاجَةٍ كَضِيقِ) مَسْجِدِ الْبَلَدِ عَنْ أَهْلِهِ، (وَ) كَ (بُعْدٍ) بِأَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ وَاسِعًا وَتَتَبَاعَدُ أَقْطَارُهُ، فَيَشُقُّ عَلَى مَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ الْمَجِيءُ إلَيْهِ (وَخَوْفِ فِتْنَةٍ) ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ عَدَاوَةٌ.
فَتُخْشَى إثَارَةُ الْفِتْنَةِ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ بِالْأَمْصَارِ الْعَظِيمَةِ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا.
وَأَمَّا كَوْنُهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُمْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ؛ فَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُؤْثِرُونَ سَمَاعَ خُطْبَتِهِ وَشُهُودَ جُمُعَتِهِ.
وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ. (وَحَرُمَ) إقَامَتُهَا (بِ) مَوْضِعٍ (ثَالِثٍ إنْ حَصَلَ غِنًى) بِإِقَامَتِهَا (بِمَوْضِعَيْنِ) ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، (وَكَذَا مَا زَادَ)، أَيْ: إذَا حَصَلَ الْغِنَى بِثَلَاثٍ، لَمْ تَجُزْ الرَّابِعَةُ، أَوْ بِأَرْبَعٍ، لَمْ تَجُزْ الْخَامِسَةُ، وَهَكَذَا، (فَإِنْ عُدِمَتْ) الْحَاجَةُ وَتَعَدَّدَتْ.
(صَحَّ) مِنْ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ (مَا بَاشَرَهَا) الْإِمَامُ، (أَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ) وَلَوْ مَسْبُوقَةً؛ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ غَيْرِهَا افْتِئَاتًا عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتًا لِجُمُعَتِهِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إذْنُهُ شَرْطٌ أَوْ لَا، (فَإِنْ اسْتَوَتَا)، أَيْ: الْجُمُعَتَانِ أَوْ الْعِيدَانِ (فِي
إذْنِ) إمَامٍ (أَوْ عَدَمِهِ) فِي إقَامَتِهِمَا، (فَ) الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا (السَّابِقَةُ بِالْإِحْرَامِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ حَصَلَ بِهَا، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، أَوْ مَكَان يَخْتَصُّ بِهِ جُنْدُ السُّلْطَانِ، أَوْ قَصَبَةِ الْبَلَدِ وَغَيْرِهَا. (فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا) ، بِأَنْ أَحْرَمَ إمَامَاهُمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، بَطَلَتَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، وَلَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَتُرَجَّحُ بِهَا. (وَوَجَبَتْ إعَادَتُهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ (إنْ أَمْكَنَ) اجْتِمَاعُهُمْ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُهُ، وَلَمْ تَقُمْ صَحِيحَةٌ، فَوَجَبَ تَدَارُكُهَا. (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إقَامَتُهَا لِفَقْدِ شَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهَا، (فَ) إنَّهُمْ يُصَلُّونَ (ظُهْرًا) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ. (وَإِنْ جَهِلَ كَيْفَ وَقَعَتَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ إحْدَاهُمَا وَلَا مَعِيَّتَهُمَا (صَلَّوْا ظُهْرًا) ؛ لِاحْتِمَالِ سَبْقِ إحْدَاهُمَا، فَتَصِحُّ وَلَا تُعَادُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَتْ جُمَعٌ فِي بَلَدٍ، وَجُهِلَ الْحَالُ أَوْ السَّابِقَةُ. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا (الصِّحَّةَ مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ التَّعَدُّدُ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدَيْنِ، فَقَالَ: صَلِّ.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي جَامِعِ قَلْعَةِ دِمَشْقَ: أَجَائِزَةٌ مَعَ كَوْنِ فِي الْبَلَدِ خُطْبَةٌ أُخْرَى مَعَ وُجُودِ سُورِهَا وَغَلْقِ أَبْوَابِهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا جُمُعَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا مَدِينَةٌ أُخْرَى كَمِصْرِ وَالْقَاهِرَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَمَدِينَةٍ أُخْرَى، فَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْمَدِينَةِ الْكَبِيرَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ تَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلِهَذَا لَمَّا بُنِيَتْ بَغْدَادُ وَلَهَا جَانِبَانِ، أَقَامُوا فِيهَا جُمُعَةً فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَجُمُعَةً فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ
(وَإِذَا وَقَعَ عِيدٌ) فِي (يَوْمِهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ، (سَقَطَتْ) الْجُمُعَةُ (عَمَّنْ حَضَرَهُ)، أَيْ: الْعِيدَ (خَاصَّةً مَعَ الْإِمَامِ) ذَلِكَ الْيَوْمَ " لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى الْعِيدَ وَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ
فَلْيُجَمِّعْ» رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. (سُقُوطُ حُضُورٍ لَا) سُقُوطُ (وُجُوبٍ) ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ (كَمَرِيضٍ) لَا كَمُسَافِرٍ، فَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ، وَصَحَّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ، أَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ الْإِمَامِ، فَيَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، أُقِيمَتْ وَإِلَّا، صَلَّوْا ظُهْرًا لِتَحَقُّقِ عُذْرِهِمْ، (إلَّا الْإِمَامَ) ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ، أَجْزَأَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» . (وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: عَدَمُ سُقُوطِهَا عَنْ إمَامٍ أَوْ (مُصَلٍّ) صَلَاةَ الْعِيدِ (مُنْفَرِدًا) ، فَيَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ) لِلْجُمُعَةِ، وَلَوْ مِمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ، (أَقَامَهَا) لِعَدَمِ الْمَانِعِ، (وَإِلَّا) يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِلْعُذْرِ. (وَكَذَا يَسْقُطُ عِيدٌ بِهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ، عَمَّنْ حَضَرَهَا مَعَ الْإِمَامِ سُقُوطَ حُضُورٍ، (فَيُعْتَبَرُ عَزْمٌ عَلَيْهَا) أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِجَوَازِ تَرْكِ الْعَدَدِ اكْتِفَاءً بِهَا.
(وَلَوْ فُعِلَتْ) الْجُمُعَةُ (قَبْلَ الزَّوَالِ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": أَوْ بَعْدَهُ.
وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: " اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: عِيدَانِ قَدْ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمْ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، فَلَمْ يَزِدْ
عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ. فَيُرْوَى أَنَّ فِعْلَهُ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ " فَمَا صَلَّاهُ الْجُمُعَةَ فَتَسْقُط بِهِ الْعِيدُ وَالظُّهْرُ.
(وَأَقَلُّ السُّنَّةِ) الرَّاتِبَةِ (بَعْدَهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ: (رَكْعَتَانِ) " «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَأَكْثَرُهَا)، أَيْ: السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ: (سِتُّ) رَكَعَاتٍ نَصًّا، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَلَا رَاتِبَةَ لَهَا قَبْلَهَا) نَصًّا، (بَلْ) يُسَنُّ صَلَاةُ (أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا» وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.
(وَسُنَّ قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْكَهْفِ بِيَوْمِهَا)، أَيْ: الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَ) سُنَّ قِرَاءَتُهَا أَيْضًا فِي (لَيْلَتِهَا)، لِحَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ» وَفِي شُعَبِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سُورَةُ الْكَهْفِ فِي التَّوْرَاةِ تُدْعَى الْحَائِلَةَ تَحُولُ بَيْنَ قَارِئِهَا وَبَيْنَ النَّارِ» وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَقْتٍ، فَظَاهِرُهُ: لَا أَفْضَلِيَّةَ فِي وَقْتٍ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا: لَا عَدَدَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي مَرَّةٌ فِي يَوْمِهَا، وَمَرَّةٌ فِي لَيْلَتِهَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فِي أَحَدِهِمَا: فَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهَا نَهَارًا.
قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى ذَكَرَ فِيهَا أَهْوَالَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَالْجُمُعَةُ تُشْبِهُهَا، لِمَا فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ، وَقِيَامِ الْخَطِيبِ؛ وَلِأَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا قُرِئَتْ فِي نَهَارِهَا تَذَكَّرَ بِهَا، وَإِذَا قُرِئَتْ فِي لَيْلَتِهَا تَذَكَّرَ بِهَا لَيْلَةً لَيْسَ بَعْدَهَا إلَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ. (وَ) سُنَّ (كَثْرَةُ دُعَاءٍ رَجَاءَ إصَابَةِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ)، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأَفْضَلُهُ)، أَيْ: الدُّعَاءِ (بَعْدَ الْعَصْرِ)" وَأَرْجَاهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَفِي أَوَّلِهِ أَنَّ النَّهَارَ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً. وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ
، لَكِنْ لَمْ يَحْكِ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْمُبْدِعِ " هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْإِمَامِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، بَلْ ذَكَرَا قَوْلَ الْإِمَامِ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ، وَهِيَ: اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا فِي " فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ: إنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ. (وَأَرْجَاهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ) ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا، فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ افْتَرَقُوا، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. (فَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُنْتَظِرًا صَلَاةَ مَغْرِبٍ) ، فَإِنَّ مَنْ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ.
وَفِي الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ
فِي الْبَابِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ، وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرَتْ لِمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
(وَ) سُنَّ (إكْثَارُ صَلَاةٍ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم) ، فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْلَتَهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَقَدْ رُوِيَ الْحَثُّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَ) سُنَّ (تَنَظُّفٌ بِقَصِّ شَارِبٍ وَتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَقَطْعِ رَوَائِحَ كَرِيهَةٍ بِسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ وَتَطَيُّبٌ) بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (وَلَوْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، قَالَ:«لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ. ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَقَوْلُهُ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ، أَيْ: مَا خَفِيَ رِيحُهُ وَظَهَرَ لَوْنُهُ لِتَأَكُّدِ الطِّيبِ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ. (وَ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا (لُبْسُ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ) ، لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، (وَأَفْضَلُهَا: الْبَيَاضُ) ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ".
(وَ) سُنَّ أَيْضًا (تَبْكِيرُ غَيْرِ إمَامٍ وَ) غَيْرِ (مُعْتَكِفٍ وَ) غَيْرِ (أَجِيرٍ) إلَى الْجُمُعَةِ.
وَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ (مَاشِيًا) بِسَكِينَةٍ، لِحَدِيثِ «وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ» . (بَعْدَ فَجْرٍ) .
لِحَدِيثِ «مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ
الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» . الْحَدِيثَ، (قَائِلًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وَأَقْرَبِ مَنْ تَوَسَّلَ إلَيْكَ، وَأَفْضَلِ مَنْ سَأَلَكَ وَرَغِبَ إلَيْكَ. . .) إلَى آخِرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي آدَابِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ. (وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَبُعْدٍ وَكِبَرٍ، (وَ) بِرُكُوبِهِ عِنْدَ (عَوْدٍ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ.
(وَيَجِبُ سَعْيٌ) لِلْجُمُعَةِ (بِنِدَاءٍ ثَانٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ.
وَخُصَّ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، بِخِلَافِ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ سُنَّةُ عُثْمَانَ وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ. (إلَّا بَعِيدَ مَنْزِلٍ) عَنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، (فَ) يَجِبُ سَعْيُهُ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) إذَا سَعَى فِيهِ إلَيْهَا، وَالْمُرَادُ: بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ.
ذَكَرَهُ فِي " الْخِلَافِ " وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ، وَإِلَّا، فَلَا فَائِدَةَ لِسَعْيِهِ. (وَتَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا إذَنْ)، أَيْ: حِينَ وُجُوبِ السَّعْيِ، وَيَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ (إلَى انْقِضَائِهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ. (وَسُنَّ اشْتِغَالٌ بِذِكْرِ) اللَّهِ تَعَالَى، تَحْصِيلًا لِلْأَجْرِ (وَأَفْضَلُهُ)، أَيْ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ: (الْقُرْآنُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْحَسَنَاتِ بِتِلَاوَةِ حُرُوفِهِ. (وَ) سُنَّ اشْتِغَالُهُ بِ (صَلَاةٍ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ) لِلْخُطْبَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْأَجْرِ (فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ) نَافِلَةٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ (غَيْرِ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ.
وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، أَوْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهَا. (وَيُخَفِّفُ مَا) كَانَ (ابْتَدَأَهُ) مِنْ نَفْلٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ
فَرَاغِهِ، (وَلَوْ) كَانَ (نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى ثِنْتَيْنِ) .
لِيَسْتَمِعَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ.
(وَكُرِهَ لِغَيْرِ إمَامٍ تَخَطِّي الرِّقَابِ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِرَجُلٍ رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ.
وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْمُؤَذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ (إلَّا إنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ)، أَيْ: بِتَخَطِّي الرِّقَابِ، فَيُبَاحُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِمْ حَقَّهُمْ بِتَأَخُّرِهِمْ عَنْهَا. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (إيثَارُهُ) غَيْرَهُ (بِمَكَانٍ أَفْضَلَ) وَيَجْلِسُ فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ عَنْ الْخَيْرِ.
وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ (قَبُولُهُ) وَلَا رَدُّهُ.
قَالَ مُسْنَدِي: رَأَيْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِكَ، فَرَجَعَ إلَيْهِ. (وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ)، أَيْ: الْمُؤْثَرِ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (سَبْقُهُ إلَيْهِ)، أَيْ: الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ، أَشْبَهَ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَآثَرَ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَسَّعَ لِشَخْصٍ فِي طَرِيقٍ، فَمَرَّ غَيْرُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا، وَالْمَسْجِدُ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ. (وَالْعَائِدُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ لِعَارِضٍ) لَحِقَهُ كَتَطَهُّرٍ (أَحَقُّ بِمَكَانِهِ) الَّذِي كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ.
فَلَوْ جَلَسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَلَهُ إقَامَتُهُ، مَا لَمْ يَكُنْ الْقَائِمُ لِعَارِضٍ صَبِيًّا، فَيُؤَخَّرُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْعَائِدُ إلَى مَكَانِهِ قَرِيبًا بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْهُ لِعَارِضٍ إلَّا بِالتَّخَطِّي، جَازَ، كَمَنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ. (وَكَذَا جَالِسٌ لِإِفْتَاءٍ أَوْ إقْرَاءٍ) قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ قَرِيبًا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»
وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِمَا إذَا عَادَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهِ. (وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ) إنْسَانٌ (غَيْرَهُ) مِنْ مَكَان سَبَقَهُ إلَيْهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ. (وَلَوْ) كَانَ (عَبْدَهُ) الْكَبِيرَ (أَوْ) كَانَ (وَلَدَهُ) الْكَبِيرَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا» لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَاسْتَوَى فِيهِ السَّيِّدُ وَالْوَالِدُ وَغَيْرُهُمَا (أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا) كَالتَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيسِ وَالتَّحْدِيثِ (فِيهِ) ، وَكَذَلِكَ الْجُلُوسُ لِلْمُذَاكَرَةِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، إذَا جَلَسَ إنْسَانٌ مَوْضِعَ حَلْقَتِهِ، حَرُمَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ (إلَّا الصَّغِيرَ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَيُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالتَّقَدُّمِ لِلْفَضْلِ. (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ) ، أَيْ: صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَقَامَ مُكَلَّفًا وَجَلَسَ مَكَانَهُ، لِشَبَهِهِ بِالْغَاصِبِ. (وَيَتَّجِهُ: بَلْ) قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ (تَقْتَضِي الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْ مِنْهُ مَا)، أَيْ: مَكَانًا (يَمْلِكُهُ) ، بَلْ صَلَّى فِي مَكَان هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ أَحَقُّ مِنْهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ حَقِّهِ، (أَشْبَهَ مَا لَوْ مَنَعَ الْمَسْجِدَ غَيْرَهُ) مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ.
فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) لَهُ أَنْ (يُقِيمَ مَنْ جَلَسَ بِمَوْضِعِهِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (لِيَحْفَظَهُ) لَهُ، وَيَجْلِسَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي حِفْظِهِ، سَوَاءٌ حَفِظَهُ لَهُ (بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ) ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ وَلِأَنَّهُ قَعَدَ فِيهِ لِحِفْظِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَةٍ، لَكِنْ إنْ جَلَسَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَان ضَيِّقٍ، أُقِيمَ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
(وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلَّى مَفْرُوشٍ) لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَبُّهُ إذَا جَاءَ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ
عَلَى رَبِّهِ، وَتَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَجُوزُ فَرْشُهُ (مَا لَمْ تَحْضُرْ)، أَيْ: تَقُمْ (الصَّلَاةُ) وَلَا يَحْضُرُ رَبُّهُ، فَلِغَيْرِهِ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوشَ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَرَبُّهُ لَمْ يَحْضُرْ. (وَ) حَرُمَ (صَلَاةٌ) عَلَيْهِ، (وَجُلُوسٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَعَهُ مَفْرُوشًا وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ "، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَهُ)، أَيْ: مَرِيدِ الصَّلَاةِ (فَرْشُهُ)، أَيْ: الْمُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ، وَإِلَّا كُرِهَ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، تَوْجِيهًا.
(وَمَنَعَ مِنْهُ)، أَيْ: الْفَرْشِ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، (لِتَحَجُّرِهِ) بِفَرْشِهِ مَكَانًا مِنْ (الْمَسْجِدِ) كَحُفْرَةٍ فِي التُّرْبَةِ الْمُسَبَّلَةِ قَبْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَحَرُمَ كَلَامٌ وَلَوْ) كَانَ الْكَلَامُ (لِتَسْكِيتِ غَيْرِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَلَوْ حَالَ تَنَفُّسِهِ)، أَيْ: الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُطْبَةِ. (وَهُوَ)، أَيْ: الْمُتَكَلِّمُ (مِنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ)، أَيْ: الْإِمَامَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ.
وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا، لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» وَاللَّغْوُ: الْإِثْمُ.
وَحَدِيثِ: «مَنْ قَالَ: صَهٍ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَمَعْنَى لَا جُمُعَةَ لَهُ، أَيْ: كَامِلَةً.
(وَإِلَّا) يَسْمَعُ الْخَطِيبَ وَلَا هَمْهَمَتَهُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ، (فَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَحِينَئِذٍ فَاشْتِغَالُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ
مِنْ سُكُوتِهِ نَصًّا. (وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مَفْهُومَةٌ كَكَلَامٍ) ، لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.
(وَحَلَّ) كَلَامٌ (لِخَطِيبٍ) وَهُوَ يَخْطُبُ. (وَ) حَلَّ كَلَامٌ أَيْضًا (لِمَنْ كَلَّمَهُ) الْخَطِيبُ (لِمَصْلَحَةٍ) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اُسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الثَّالِثَةِ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: إنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
«وَكَلَّمَ صلى الله عليه وسلم سُلَيْكًا وَكَلَّمَهُ هُوَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
" وَسَأَلَ عُمَرُ عُثْمَانَ فَأَجَابَهُ " وَ " سَأَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِسْقَاءَ " وَلِأَنَّهُ حَالَ كَلَامِهِ الْإِمَامَ، وَكَلَامِ الْإِمَامِ إيَّاهُ لَا يَشْغَلُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ.
(وَوَجَبَ) الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، (لِتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ وَغَافِلٍ عَنْ هَلَكَةٍ كَنَارٍ وَبِئْرٍ) وَوَطْءِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَكُلِّ مَا يُؤْذِي أَوْ تَقْتُلُ، لِإِبَاحَةِ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ
(وَيُبَاحُ) الْكَلَامُ (إذَا سَكَتَ) الْخَطِيبُ (بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (أَوْ شَرَعَ فِي دُعَاءٍ) وَلَوْ غَيْرَ مَأْثُورٍ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ) لِلْكَلَامِ (مَحَلَّهُ) حَالُ (أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ) ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِهَا وَاشْتَغَلَ بِالتَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ أُبِيحَ الْكَلَامُ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَرَفْعُ الصَّوْتِ قُدَّامَ الْخُطَبَاءِ
مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا، فَلَا يَرْفَعُ مُؤَذِّنٌ وَ) لَا (غَيْرُهُ صَوْتَهُ بِصَلَاةٍ) عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَ) لَا (غَيْرِهَا) مِنْ الْأَدْعِيَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَالِ، (وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ دَخَلَ) عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْخُطْبَةِ وَاسْتِمَاعِهَا. (وَلَيْسَ لَهُ إقْرَاءُ قُرْآنٍ وَ) لَا (مُذَاكَرَةٌ فِي فِقْهٍ) ، لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ، (وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَى سَائِلٍ وَقْتَ خُطْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ)، أَيْ: السَّائِلَ (فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ) لَهُ فِعْلُهُ، وَهُوَ: الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، (فَلَا يُعِينُهُ) عَلَى مَا لَا يَجُوزُ. (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: إنْ حَصَبَ السَّائِلَ كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ) " لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَائِلٍ سَأَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " وَلَا يُنَاوِلُ السَّائِلُ حَالَ الْخُطْبَةِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مُحَرَّمٍ، فَإِنْ سَأَلَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ جَلَسَ لِاسْتِمَاعِهَا؛ جَازَ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ وَمُنَاوَلَتُهُ.
قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا إذَا لَمْ يَسْأَلْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَتَصَدَّقَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ) وَعَلَى مَنْ سَأَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ أَوْ خُرُوجِهِ أَوْلَى.
(وَكُرِهَ عَبَثٌ حَالَ خُطْبَةٍ)، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى؛ فَقَدْ لَغَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَلِأَنَّ الْعَبَثَ يَمْنَعُ الْخُشُوعَ، (وَ) كَذَا (شُرْبٌ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَشْتَغِلُ بِهِ، أَشْبَهَ مَسَّ الْحَصَى (بِلَا حَاجَةٍ) كَاشْتِدَادِ عَطَشٍ؛ فَلَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْخُشُوعِ.
(وَ) سُنَّ (دُنُوٌّ مِنْ إمَامٍ وَاسْتِمَاعُ) خُطْبَتِهِ لَعَلَّهُ يَتَّعِظُ بِهَا. (وَ)(صَلَاةٌ سِرًّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَمِعَهَا) ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (كَدُعَاءٍ) اتِّفَاقًا (وَتَأْمِينٍ عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى الدُّعَاءِ