الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَام مِنْ الْقِرَاءَةِ]
(فَصْلٌ) ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ يَثْبُتُ قَائِمًا، وَيَسْكُتُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ نَفَسُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَلَا يَصِلُ قِرَاءَتَهُ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ.
قَالَ أَحْمَدُ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ:«فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
ثُمَّ (يَرْكَعُ مُكَبِّرًا) أَيْ: قَائِلًا فِي هَوِيِّهِ لِرُكُوعِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، (رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَائِهِ)، أَيْ: التَّكْبِيرِ، إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَّبَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ " وَمَضَى عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى هَذَا. (فَيَضَعُ) رَاكِعٌ (يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) مُلِفًّا كُلَّ يَدٍ عَلَى رُكْبَتِهِ، لِمَا فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ عَنْ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، فَرَّجَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ» . (وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ)، أَيْ: حِيَالَ ظَهْرِهِ، لَا يَرْفَعُهُ وَلَا يَخْفِضُهُ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ: «أَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، كَانَ إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» . ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ".
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَابِصه بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، يُصَلِّي، وَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ
حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» . (وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.
(وَالْمُجْزِئ) فِي الرُّكُوعِ انْحِنَاؤُهُ (بِحَيْثُ يُمْكِنُ) مَنْ كَانَ (وَسَطًا) فِي الْخِلْقَةِ (مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ) لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِهِ، وَ (لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ قِيَامٍ لِرُكُوعٍ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِالْمَسِّ (أَوْ قَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ هَذَا الِانْحِنَاءِ (مِنْ غَيْرِ وَسَطٍ) كَطَوِيلِ الْيَدَيْنِ، وَقَصِيرِهِمَا، فَيَنْحَنِي حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَأَمْكَنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. (وَ) قَدْرُ الْمُجْزِئ (مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ) بِانْحِنَائِهِ (مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى)، أَيْ: أَقَلَّ (مُقَابَلَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَاعِدًا مُعْتَدِلًا، لَا يَنْظُرُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا انْحَنَى بِحَيْثُ يَرَى مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْهَا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّكُوعِ.
(وَتَتِمَّتُهَا) أَيْ: تَتِمَّةُ مُقَابَلَةِ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، (الْكَمَالُ) فِي رُكُوعِ قَاعِدٍ.
وَقَالَ الْمَجْدُ: ضَابِطُ الْإِجْزَاءِ: الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ. (وَيَنْوِيهِ)، أَيْ: الرُّكُوعَ، (أَحْدَبُ لَا يُمْكِنُهُ) رُكُوعٌ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا.
فَإِنْ أَمْكَنَهُ بَعْضُهُ، كَعَاجِزٍ عَنْ الِانْحِنَاءِ الْمُجْزِئ لِلصَّحِيحِ، أَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْحِنَاءِ إلَّا عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
(وَمَنْ انْحَنَى لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ، وَلَمْ يَخْطِرْ رُكُوعٌ بِبَالِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ) لِعَدَمِ نِيَّتِهِ. (وَلَوْ سَقَطَ) رَاكِعٌ إلَى الْأَرْضِ (لِعِلَّةٍ) طَرَأَتْ عَلَيْهِ، أَوْ
كَانَتْ بِهِ وَسَقَطَ مِنْهَا (قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْهُ)، أَيْ: الرُّكُوعِ، (عَادَ)، أَيْ: لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ، لِيَأْتِيَ بِالرَّفْعِ بَعْدَهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ هَذَا (إنْ زَالَتْ) الْعِلَّةُ الَّتِي سَقَطَ مِنْهَا.
وَ (لَا) يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ إنْ كَانَ زَوَالُهَا (بَعْدَ سُجُودِهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرُّكُوعِ بِالسُّجُودِ، فَتَلْغُو تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَتَقُومُ الَّتِي تَلِيهَا مَقَامَهَا.
(فَإِنْ عَادَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السُّجُودِ إلَى الرُّكُوعِ (عَالِمًا) عَمْدًا، (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) . وَإِنْ كَانَ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا، وَجَبَ السُّجُودُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْزِهِ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَهُ.
وَلَوْ سَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، وَانْقَلَبَ سَاجِدًا، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ.
فَإِنْ سَقَطَ سَاجِدًا، أَجْزَأَهُ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ". (وَيَتَّجِهُ: لَوْ سَقَطَ) مُصَلٍّ (قَبْلَ رُكُوعٍ) لِعِلَّةٍ (فَرَكَعَ جَالِسًا) ، ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ، (لَا يَعُودُ) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِيَرْكَعَ قَائِمًا، وَلَوْ كَانَ زَوَالُ عِلَّةٍ (قَبْلَ سُجُودٍ) كَذَا قَالَ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ قُنْدُسٍ: عَدَمُ سُقُوطِ الْقِيَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، مَا لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالسُّجُودِ، فَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ
(وَيَقُولُ) فِي رُكُوعِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ:«لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ " فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ: " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ: وَبِحَمْدِهِ، وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ كَمَا يَأْتِي.
وَالسُّنَّةُ (ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. (وَأَعْلَاهُ) أَيْ: الْكَمَالُ (لِإِمَامٍ عَشْرٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْغُلَامِ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ فَحَزَرْنَا فِي الرُّكُوعِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي السُّجُودِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ» (وَ) أَعْلَى الْكَمَالِ فِي التَّسْبِيحِ (لِمُنْفَرِدٍ: الْعُرْفُ) أَيْ: الْمُتَعَارَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ (وَكَذَا: سُبْحَانَ رَبِّي
الْأَعْلَى، فِي سُجُودِهِ) أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَالْكَمَالُ فِي: رَبِّ اغْفِرْ لِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ثَلَاثٌ)، إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا (فِي غَيْرِ صَلَاةِ كُسُوفٍ فِي الْكُلِّ) لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ. (وَتُكْرَهُ قِرَاءَةٌ فِيهِ) أَيْ: الرُّكُوعِ (وَفِي سُجُودٍ) لِنَهْيِهِ، صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّهُمَا حَالُ ذُلٍّ وَانْخِفَاضٍ، وَالْقُرْآنُ أَشْرَفُ الْكَلَامِ. (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ يَدَيْهِ) إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (قَائِلًا إمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَعْنَاهُ: أَجَابَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرَتَّبًا وُجُوبًا) لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَا بُرَيْدَةُ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِيغَةٌ تَصْلُحُ لِلدُّعَاءِ، وَالثَّانِيَ صِيغَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَافْتَرَقَا.
وَمَعْنَى سَمِعَ، أَيْ: تَقَبَّلَهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ. (ثُمَّ إنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا) بِجَانِبِهِ، فَيُخَيَّرُ نَصًّا.
(فَإِذَا قَامَ) أَيْ: اسْتَوَى قَائِمًا، حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَوْضِعِهِ، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ، صلى الله عليه وسلم:«وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ» . (قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) بِلَا وَاوٍ، لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِهِ (وَبِوَاوٍ أَفْضَلُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» .
وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حَمِدْنَاكَ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا (وَمَعَ تَرْكِهَا) أَيْ: الْوَاوِ؛ (فَالْأَفْضَلُ) قَوْلُ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
(ثُمَّ يَزِيدُ غَيْرُ مَأْمُومٍ نَدْبًا بَعْدَ رَفْعٍ) مِنْ رُكُوعٍ، وَقَوْلُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ أَوْ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ (مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ إلَّا اللَّهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى:«أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ. (وَ) نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: (إنْ شَاءَ زَادَ) عَلَى ذَلِكَ (أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ) قَالَ أَحْمَدُ: وَأَنَا أَقُولُهُ، فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا.
وَأَهْلَ مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنْتَ أَهْلُهُمَا (أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: «ذُكِرَتْ - الْحُدُودُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْخَيْلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْإِبِلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْغَنَمِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الرَّقِيقِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، صَلَاتَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ الرَّكْعَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ " وَطَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، صَوْتَهُ بِالْجَدِّ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ " هَكَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ السَّمَاوَاتِ بِالْجَمْعِ، وَالْجَدُّ: الْحَظُّ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ حَظُّهُ مِنْ الدُّنْيَا بِذَلِكَ، أَيْ: بَدَلُ طَاعَتِكَ أَوْ بَدَلُ حَظِّكَ، أَيْ: بَدَلُ حَظِّهِ مِنْكَ، قَالَهُ، فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ " (أَوْ) يَقُولُ (غَيْرُهُ مِمَّا وَرَدَ) ، وَمِنْهُ: " اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ
وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ ". (وَمَأْمُومٌ يُحَمِّدُ) بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَنَحْوُهُ (فَقَطْ حَالَ رَفْعِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُ: مِلْءُ السَّمَاءِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ (وَإِنْ عَطَسَ) الْمُصَلِّي (إذَنْ) أَيْ: طَالَ رَفْعُهُ مِنْ الرُّكُوعِ (فَحَمِدَ) اللَّهَ (لَهُمَا جَمِيعًا) بِأَنْ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا وَرَدَ نَاوِيًا الْعُطَاسَ وَذِكْرَ الِانْتِقَالِ (لَمْ يُجْزِهِ، نَصًّا) هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ التَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَالْحَمْدُ لِلْعَاطِسِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ الْحَمْدِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ، وَالْأَذْكَارُ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ إذَا قَصَدَ بِهَا مَعَ وَاجِبِ الصَّلَاةِ أَمْرًا آخَرَ مَشْرُوعًا، أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا يُعِيدُ الْحَمْدَ ثَانِيًا قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَى السُّجُودِ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ (وَمِثْلُهُ) لَوْ عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ لِعُطَاسِهِ، وَ (لِشُرُوعٍ) فِي (فَاتِحَةٍ) لَمْ يُجْزِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَبِّحْ فِي رُكُوعِهِ، لَمْ يَعُدْ إلَى الرُّكُوعِ إذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى رُكْنٍ مَقْصُودٍ، فَلَا يَعُودُ إلَى وَاجِبٍ.
فَإِنْ عَادَ إلَى التَّسْبِيحِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، فَقَدْ زَادَ رُكُوعًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ.
(ثُمَّ) بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ (يَخِرُّ) سَاجِدًا (مُكَبِّرًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ، صلى الله عليه وسلم (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ) أَوَّلًا بِالْأَرْضِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ،
- صلى الله عليه وسلم، إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا " وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ: الَّذِي فِيهِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ» .
وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأَمَرَنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ) يَضَعُ (يَدَيْهِ)، أَيْ: كَفَّيْهِ (ثُمَّ) يَضَعُ (جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَكُونُ) فِي سُجُودِهِ (عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) أَيْ: أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، مَثْنِيَّةً إلَى الْقِبْلَةِ، لِحَدِيثِ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا» (وَيُسَبِّحُ) فِي سُجُودِهِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى (وَالسُّجُودُ بِالْمُصَلَّى عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ) السَّبْعَةِ أَيْ: مَعَ الْأَنْفِ: (فَرْضٌ لِقَادِرٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَمَرَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَلَا يَكْفِ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا: الْجَبْهَةَ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلْأَثْرَمِ، وَسَعِيدٍ فِي سُنَنِهِمَا " عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا:«لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُصِيبُ الْأَنْفَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الْجَبْهَةَ» . وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ» . (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ (فِي آنٍ وَاحِدٍ) ، بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَ وَضْعِ عُضْوٍ وَآخَرَ فَاصِلًا طَوِيلًا، فَلَوْ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ صَبَرَ مِقْدَارَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ وَضَعَ
يَدَيْهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ (لَا) تَجِبُ (مُبَاشَرَتُهَا لَهُ) أَيْ: لِلْمُصَلِّي، (بِشَيْءٍ مِنْهَا)، أَيْ: مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ.
أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَيَشْهَدُ لَهُ فِي الْجَبْهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ:«كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ فِي الْأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ مِنْ الْأَرْضِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كُوَرِ عِمَامَتِهِ» ، (وَكُرِهَ تَرْكُهَا) أَيْ: مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْيَدَيْنِ وَالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ (نَحْوِ حَرٍّ) ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مَرَضٍ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَأَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ (سِوَى رُكْبَتَيْنِ، فَيُكْرَهُ كَشْفُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، (فَلَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ، غَيْرِ أَعْضَاءِ، سُجُودٍ كَكُوَرِ عِمَامَتِهِ، وَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ، صَحَّتْ)
صَلَاتُهُ. (وَيُجْزِئُ بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ) فِي السُّجُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكُلِّ.
وَيُجْزِئُهُ (وَلَوْ) كَانَ سُجُودُهُ عَلَى (ظَهْرِ كَفٍّ، وَ) ظَهْرِ (قَدَمٍ) ، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْنِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ «أَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ قَدَمِهِ» وَ (لَا) يُجْزِئُهُ السُّجُودُ (إنْ كَانَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) كَوَضْعِ يَدَيْهِ تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ جَبْهَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَدَاخُلِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ.
(وَمَنْ عَجَزَ) عَنْ السُّجُودِ (بِجَبْهَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ) سُجُودٌ (بِغَيْرِهَا) مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَيْهَا، وَجَعَلُوا غَيْرَهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ (تَبَعًا لَهَا)، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَفَعَهُ:«أَنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْيَدَيْنِ يُوضَعَانِ بَعْدَ وَضْعِ الْوَجْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ السُّجُودَ بِهِمَا تَبَعٌ لِلسُّجُودِ بِهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ، فَبَقِيَّةُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِثْلُهُمَا لِعَدَمِ الْفَارِقِ. (وَيُومِئُ) عَاجِزٌ عَنْ السُّجُودِ عَلَى جَبْهَتِهِ، غَايَةَ (مَا يُمْكِنُهُ) وُجُوبًا، لِحَدِيثِ:«إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
(وَسُنَّ أَنْ يُجَافِيَ) رَجُلٌ فِي سُجُودِهِ (عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَ) أَنْ يُجَافِيَ (بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَهُمَا) أَيْ: فَخِذَاهُ (عَنْ سَاقَيْهِ)، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إذَا سَجَدَ تَجَنَّحَ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبْطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ) بِذَلِكَ، (فَ) يَجِبُ تَرْكُهُ، وَ (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِحُصُولِ الْإِيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
(وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ يَضَعَ (يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ)