الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصواب: أنها بمعناها فمعنى أنهم يرون البعث بعيدًا أنهم يرونه كذا في اعتقادهم. والإنسان قد يعتقد رأيا ضالا ويرى إنه عين الصواب. ويدافع عنه ويموت في سبيله، فهم يرونه ممتنعا في حقيقته أولا. جاء في (شرح الرضي على الكافية) أن رأي " للاعتقاد الجازم في شيء أنه على صفة معينة سواء كان مطابقا أولا. فإذا كان بالمعنى المذكور وليته الاسمية المجردة عن (إن) نصب جزءيها نحو (رأيت زيدا غنيا) سواء كان في نفس الأمر غنيا أو لا، قال تعالى {يرونه بعيدا} وهو غير مطابق، و (نراه قريبا) وهو مطابق"(1).
أرى:
وقد استعمل (أرى) مبنيا للمجهول بمعنى الظن، كما يقول النحاة، ولم يستعمل بمعنى العلم (2) كأن تقول: أرى الأمر مضاعا.
والذي يبدو لي أنها بمعناها وأنها مبنية للمجهول، وأن الفرق بين قولك (أرى الأمر مضاعا) بالبناء للمعلوم وقولك (أرى الأمر مضاعا) بالبناء للمجهول، إن المبني للمعلوم أنك ترى هذا الأمر بنفسك، وإن هذا الأمر بمنزلة ما تراه بعينك.
أما قولك (أرى الأمر مضاعا) فكأن هناك من يريد هذا الأمر، ولست تراه، أي لم تتبينه تبين الأمر الأول، ومن هنا جاء معنى الظن الذي يذكره النحاة.
ألم تر
؟
تستعمل العرب هذا التعبير بمعنيين:
أحدهما هو السؤال عن الرؤية البصرية أو القلبية كأن تقول: ألم تر خالدا اليوم؟ أو تقول: ألم تر الأمر كما رأيته؟
والآخر بمعنى: (ألم تعلم) و (ألم ينته علمك) وهي كلمة تقولها العرب عند التعجيب قال تعالى: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله} [النحل: 79]، وقال:{أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} [الشعراء: 7].
(1) الرضي على الكافية 2/ 307
(2)
الرضي على الكافية 2/ 307، حاشية الصبان 2/ 19، حاشية التصريح 1/ 248
فهناك فرق بين القول (ألم يروا الطير مسخرات) و (ألم يروا إلى الطير مسخرات) فالرؤية الأولى رؤية بصرية، والثانية نظر عقلي وتفكري، أي ألم تر، فتمتد بك الرؤية إلى ما ذكرت لك من الأحوال، فتعجب من هذا الصنع الخلاق؟
ونحو قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة} [النساء: 77]، أي ألم تعجب من حالهم؟ فهناك فرق بين قولك (ألم تر الذين قيل لهم) وهذا القول. فالأولى رؤية بصرية، والثانية نظر تفكري، ودعوة إلى العجب من أمرهم، ونحوه قوله تعالى:{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} [الفرقان: 45]، وقوله:{ألم تر كيف فعل ربك بعاد} [الفجر: 6].
جاء في (شرح الرضي على الكافية): "وقوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا} [البقرة: 243]، متضمن معنى الإنتهاء أي ألم ينته علمك إلى حالهم؟ "(1).
وجاء في (لسان العرب): " وقوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيب من الكتاب يدعون إلى كتاب} [آل عمران: 23]، قيل معناه: ألم تعلم؟ أي لم ينته علمك إلى هؤلاء؟ ومعناه: أعرفهم .. وقال بعضهم: (ألم تر) ألم تخبر، وتأويله سؤال فيه إعلام، وتأويله أعلن قصتهم، وقد تكرر في الحديث: ألم تر إلى فلان وألم تر إلى كذا، وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء، وعند تنبيه المخاطب كقوله تعالى:{الذين أخرجوا من ديارهم} {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} [آل عمران: 23]، أي لم تعجب لفعلهم وألم ينته شأنهم إليك (2).
وجاء في (البرهان): " وأما قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} فدخلها معنى التعجب كأنه قيل: الم تعجب إلى كذا، فتعدت بإلى كأنه لم تنظر، ودخلت (إلى) بمعنى العجب، وعلق الفعل على جملة الاستفهام"(3).
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 307
(2)
لسان العرب / رأى 19/ 12
(3)
البرهان 4/ 151