الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" وبالجملة فالمصدرية في هذا الباب لا تنافي الحال، بل الاتيان بالحال ههنا بلفظ المصدر يفيد ما يفيده المصدر، مع زيادة فائدة الحال، فهو أتم معنى ولا تنافي بينهما"(1).
وقد يحتمل الحالية، والمفعولية لأجله، والمفعولية المطلقة (2) فتكسب ثلاثة أغراض في تعبير واحد منه قوله تعالى:{وادعوه خوفا وطمعا} [الأعراف: 56].
فلو قال (ادعوه خائفين وطامعين) لكان المعنى واحدا هو الحالية، ولكن بعدو له إلى المصدر اتسع المعنى، وأصبح يؤدي ثلاثة معان في آن واحد، وهي الحالية أي خائفن. والمفعول لأجله، أي للخوف والطمع، والمفعولية المطلقة أي تخافون خوفا، وتطمعون طمعا، أو دعاء خوف، وطمع، وهذه المعاني كلها مرادة، فإننا يبغي أن ندعو ربنا ونحن في حالة خوف، وطمع وندعوه للخوف والطمع، وندعوه ونحن نخاف خوفا، ونطمع طمعا، فجمعها ربنا في تعبير واحد، بعدوله من الوصف إلى المصدر فهو بدل أن يقول: ادعوه خائفين، وطامعين وادعوه للخوف، والطمع وادعوه دعاء خوف، وطمع، أو تخافون خوفا، وتطمعون طمعا، جمعها كلها بهذا التعبير القصير، فقال:{وادعوه خوفا وطمعا} .
تنكير صاحب الحال:
ذهب جمهور النحاة إلى أن صاحب الحال يكون معرفة، ولا يأتي نكرة إلا بمسوغن ومن هذه المسوغات:
1 -
تقديم الحال على صاحبها النكرة، نحو:(أقبل حافظا رجل) فأصل الكلا (اقبل رجل حافظ) فـ (حافظ) نعت، ثم قدت الصفة على صاحبها، فنتصبت على الحال، لأنه لا يجوز أن تتقدم الصفة على الموصوف، قالو وسبب ذلك أن تقدم الحال يؤمن التباس الحال بالصفة وأما إذا تأخر نحو (جاءني رجل راكبا) فقد يتشبه في حال انتصاب ذي الحال بالوصف نحو (رأيت رجلا راكبا) فطرد المنع رفعا وجرًا" (3).
(1) التفسير القيم 285
(2)
انظر الغني 2/ 561 - 562، وانظر التفسير القيم 256 - 258
(3)
الرضي على الكافية 1/ 220 - 221
وجاء في (الكليات) لأبي البقاء: " كل صفة نكرة قدمت على الموصوف انقلبت حالا. ففارقها لفظ الصفة لامعناها، لأن الحال صفة في المعنى"(1).
2 -
أن يكون مسبوقا بنفي، أو شبه النفي، نحو (ما أقبل طالب مقصرا) و (لا يأتيني طالب مقصرا) و (هل جاءني طالب مقصرا) ومنه قول الشاعر:
لا يركنن أحد إلى الأحجام
…
يوم الوغي متخوفا لحمام
فمتخوفا حال من (أحد) وهو نكرة والمسوغ النهي.
3 -
أن تكون النكرة مخصصة بإضافة، أو وصف، كقولنا (أقبل رجل علم حافظا) و (قدم طفل صغير باكيا).
وغير ذلك من المسوغات (2).
قال أبو سعيد السيرافي: " الحال من المعرفة كالحال من الكرة فيما يوجبه العامل غير أن الحال من النكرة تنوب عن معناها الصفة، والصفة مشاكلة للفظ الأول، فيكون أولى من الحال المخالفة للفظ الأول، وذلك قولك (جاءني رجل راكب) في حال مجيئه وأما المعرفة فإن فائدة الحال فيها غير فائدة الصفة، فإذا قلت: جاءني زيد أمس راكبا فالركوب في حال مجيئة، لا في حال أخبارك"(3).
ومن هذه الحال نفهم أن الحال بمعنى الصفة، فإذا تأخرت كانت نعتا، نحو (أقبل طالب مقصر) وإذا تقدمت أصبحت نحو (أقبل مقصرا طالب)، وإذا الكلام منفيا، كانت حالا وإن كان مثبتا صارت صفة، وكذلك باقي المسوغات.
وفي هذا الكلام نظر، أي نظر.
فإن الحال غير الصفة، والحال لها معنى والصفة لها معنى آخر، فقولك (أقبل رجل
(1) الكليات 220
(2)
انظر ابن عقيل 1/ 215 - 216، الهمع 1/ 240، التصريح 1/ 375 - 378
(3)
شرح أبي عقيل بهامش كتاب سيبويه 1/ 272
حافظ) معناه متصف بالحفظ، كما تقول (أقبل رجل مقريء) أي متصف بالإقراء، ولكن إذا قلت (أقبل حافظا رجل) كان المعنى أنه حافظ في إقباله هذا، تقول (في الدار رجل مقريء) أي متصف بالإقراء، وليس معناه أنه يقوم الآن بالإقراء، فإن قلت (في الدار مقرئا رجل) تعين أنه بالاقراء حال كونه في الدار، ولا تقوله إلا إذا كان يقوم بالاقراء.
وتقول (أقبل طالب مهمل) أي متصف بالإهمال، كما تقول (هذا طالب مهمل) فإن قلت (أقبل مهملا طالب) كان المعنى أنه مهمل في إقباله هذا، وليس ذلك سمته العام. وكذلك بالنسبة للمسوغات الأخرى.
فإنه يصح أن تقول (ما أقبل طالب مقصر) وتقول (ما أقبل طالب مقصرا) لوجود المسوغ وهو النفي، ولكن هل المعنى واحد؟ كلا! فإن قولك (ما أقبل طالب مقصر) معناه أنه لم يقبل طالب متصف بالتقصير، وأما قولك (ما أقبل طالب مقصرا) فمعناه نفي التقصير عنه في إقباله هذا، وقد يكون قبل هذا مقصرا، ومتصفا به نحو (لا يأت طالب مهمل) و (لا يأت طالب مهملا) فالأولى نهي عن اتيان طالب متصف بالاهمال، والثانية معناه النهي عن الاهمال في هذا المجيء، وانظر إلى قول قطري:
لا يركنن أحد إلى الاحجام
…
يوم الوغي متخوفا لحمام
فإنه لم يقل (متخوف) لأن المعنى يمنع من ذلك، فإنه إذا قال (متخوف) فمعناه أن التخوف وضعه العام. فكيف ينهاه عن الإحجام إذا كان متخوفا؟ ولكن قال (متخوفا)، لأنه أراد ان لا يتخوف يوم الوغي، وفرق بين المعيين.
وكذلك قولك (جاءني طالب صغير مقصرا) و (مقصر) فبالاتباع يكون سمته العام التقصير وفي النصب يكون مقصرا في مجيئه هذا.
ونحن نرى أن لا داعي لهذه المسوغات، وإنما المسوغ المعنى، فمعنى الحال غير معنى الصفة، فإن أردت الحالية نصبت وإن أردت الصفة اتبعت، وقد ذهب الخليل وسيبويه إلى أنه يجوز الحال من النكرة بلا مسوغ من هذه المسوغات، جاء في
(الكتاب):
" وقد يجوز نصبه على النصب (هذا رجل منطلقا) وهو قول عيسى، وزعم الخليل أن هذا جائز ونصبه كنصبه في المعرفة، جعله حالا ولم يجعله وصفا، ومثل ذلك (مررت برجل قائما) إذا جعلت المرور به في حال قيام، وقد يجوز على هذا (فيها رجل قائما)، وهو قول الخليل، ومثل ذلك (عليه مائة بيضا) والرفع الوجه، و (عليه مائة عينا) والرفع الوجه"(1).
وهذا هو الحق فيما نرى فإن المعنى هو المسوغ غير أننا لا نوافق سيبويه. في قوله (والرفع الوجه) لأنه يكون عند ذاك صفة، والحال في المعنى غير الصفة، كما أوضحنا.
فإن قلت: أن هذا يتضح في المرفوع والمجرور، لا يتضح في المنصوب، فإنه يتبين النعت من الحال في قولك (أقبل طالب مقصر)، و (أقبل طالب مقصرا)، ولكن كيف يتبين ذلك في النصب؟ كيف نميز الحال من النعت في نحو قولك (رأيت طالبا مقصرا) كما ذكر الرضي؟ فوجود المسوغ ضروري لمعرفة الحال من النعت.
وهذا كلام مردود، فإننا لا نستطيع أيضا أن نميز الحال، من النعت إذا كان صاحب الحال منصوبا مع وجود المسوغ، كيف نميز بين الحال والصفة في قولنا:(ما رأيت طالب مقصرا) و (هل رأيت طالب مقصرا) و (رأيت طالب علم مقصرا)، ففي هذه الجمل مسوغات هذه النفي والاستفهام، والاضافة أفكلمة (مقصر) هنا نعت أم هي حال؟ هل الفرق المسوغ بين الحال والنعت؟
إن وجود المسوغ وعدمه سواء. إن قولك (رأيت طالبا مقصرا) و (ما رأيت طالبا مقصرا) سواء في الإبهام، وهي مع وجود المسوغ يمكن أن تعرف حالا، كما تعرف تعتا فليكن كذلك مع عدمه.
إن هذه الجملة من الجمل الاحتمالية، فتقول أن هذه الكلمة تحتمل الحالية، وعليه يكون معناه كذا، وتحتمل النعت وعليه يكون معناها كذا.
(1) سيبويه 1/ 272