الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلا وعدا
خلا:
خلا في الأصل فعل لازم تقول: خلا المكان، والشيء يخلو خلوا، إذا لم يكن فيه أحدٌ. وخلت الدار إذا لم يبق فيهما أحد، وخلا إذا تبرأ من ذنب قرف به.
وقد استعمل معدى فقالوا: افعل كذا، وخلاك ذم، أي سقط عندك الذم (1).
وقال بعضهم: خلا مصدر أيضا (2).
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وأما خلا فهو في الأصل لازم، يتعدى إلى المفعول بمن، نحو خلت الدار من الأنيس، وقد تضمن معنى (جاوز) فيتعدى بنفسه كقولهم: (إفعل هذا وخلاك ذم) وألزموها هذا التضمين في باب الاستثناء، ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا التي هي أم الباب، ولهذا الغرض التزموا إضمار فاعله، وفاعل عدا، ولم يظهر معهما (قد) مع كونهما في محل النصب على الحال، ولهذا أوجبوا إضمار إسمي ليس ولا يكون"(3).
فهو إذن فعل متصرف من الخلو، ضمن معنى الاستثناء فجمد على صورة واحدة، كما فعل بليس ولا يكون.
وهو في الأصل فعل لازم، ثم استعمل متعديا في بعض التعبيرات، وفي الاستثناء، ليكون المستثى به على صورة المستثنى بإلا.
وبعض العرب يجر المستثنى به، فالنصب لغة والجر لغة أخرى، قال سيبويه: " وبعض العرب يقول: ما أتاني القوم، خلا عبد الله، فجعلوا خلا بمنزلة حاشا، فإذا قلت
(1) انظر لسان العرب 18/ 260 - 266، تاج العروس 10/ 118 - 119
(2)
تاج العروس 10/ 119
(3)
شرح الرضي 1/ 249 - 250
(ما خلا) فليس فيه إلا النصب لأن (ما) اسم، ولا تكون صلتها إلا الفعل هنا" (1).
فمن نصب بها من العرب أبقاها على فعليتها، ومن جر بها أجراها مجرى الحروف لجمودها ولا يستنكر أن تكون الكلمة الواحدة مرة فعلا، ومرة حرفا، ولا مرة اسما ومرة حرفا، مثل علي، وعن.
جاء في (المقتضب): " وقد تكون خلا حرف خفض فتقول: جاءني القوم خلا زيد. فإن قلت: فكيف يكون حرف خفض، وفعلا على لفظ واحد.
فإن ذلك كثير منه حاشا .. ومثل ذلك (على) تكون حرف خفض على حد قولك: (على زيد ردهم) وتكون فعلا نحو قولك: علا زيدٌ الدابة" (2).
ويحتمل أن تكون مصدرا إذا جروا ما بدعها فإن قلت: ولم تحتمل أن تكون حرف استثناء إذا نصب ما بعدها؟
والجواب ذلك أنها لا يصح التفريغ بعدها، ولو كانت حرفا كـ (إلا) لصح التفريغ بعدها، فإنه يصح أن تقول (ما حضر إلا محمد) على أنه فاعل حضر، ولا يصح أن تقول (ما حضر خلا محمدٌ).
ونقول: (ما محمد إلا رسولٌ) على أنه خبر محمد، ولا يصح (ما محمد خلا رسول). وتدخل (إلا) على الفعل، قال تعالى:{وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} [الأنعام: 59]، ولا يصح خلا يعلمها.
وتقول: (ما كنت إلا أقوم بواجبي) ولا يصح في نحو ذلك (خلا)، ولو كانت حرفا لم يكن هناك مانع من ذلك، غير أنه لأنها فعل تعذر التفريغ، فيبقي الفعل الأول بلا فاعل ويقي المبتدأ بلا خبر وهكذا، وامتنع دخولها على الفعل أيضا.
وقد تسبقها (ما) المصدرية فينتصب ما بعدها، فتقول:(جاء القوم ما خلا محمدًا)،
(1) سيبويه 1/ 377
(2)
المقتضب 4/ 426 وانظر ابن يعيش 2/ 77
ويكون معناها عند ذاك بمعنى الجر، إذا عددنا (خلا) مصدرًا وهو مما يقوي مصدريتها.
فقولك (جاء الرجال خلا محمد) معناه في الأصل: خلا مجيئهم من محمد، أو خلا الرجال من محمد، ثم ضمن معنى الاستثناء.
وقولك (جاء الرجال ما خلا محمدًا) معناه جاؤا خلوهم من محمد، ومعناه وقت خلوهم أو خالين من محمد، بمعنى الظرف، أو الحال (1). وفي هذين الظرف والحال معنى الاستثناء (2).
وقولك (جاء الرجال خلا محمد) معناه جاؤا خلو محمد من المجيء، أو خلوهم من محمد إذا عددنا (خلا) مصدرا، وهذا معنى (جاء الرجال ما خلا محمد).
أما من ذهب إلى أنها حرف جر فقد تصور أن هذا اللفظة انمحت عنها كل دلالة على الفعلية، ولم يبق فيها إلا معنى الخلو، نظير قولك (محمد علا السطح)، و (محمد على السطح) فقد انحى من (على) كل معنى للفعلية، ولم يبق فيها إلا دلالة العلو، وكما تحول المنصوب بـ (علا) إلى المجرور بـ (على) تحول المنصوب بـ (خلا) الفعلية إلى مجرور بخلا الحرفية.
وينبني على القول بالفعلية والحرفية أمر آخر، وهو أن الكلام من النصب جملتان ومن الجر جملة واحدة، فقولك (جاء الرجال خلا محمدا) متألف من جملتين: الأولى (جاء الرجال) والثانية: (خلا محمدًا) وهي جملة حالية أو استئنافية.
وقولك (جاء الرجال خلا محمد) جملة واحدة، ومعنى ذلك أنك أنت أردت في حالة النصب الإخبار بجملتين: الأولى جاء الرجال، ثم بدا لك أن تخبر أخبارا أخرى، وهو (خلا محمدا) تكمل فيها المعنى، او أردت ان تخبر عن حالة مجيء الرجال، بأنه خال من محمد وهو إخبار واحد مقيد.
(1) انظر التصريح 1/ 364، الأشموني 2/ 164، ابن يعيش 2/ 78، المغنى 1/ 134
(2)
التصريح 1/ 364