الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يكون العامل غير ملازم، فتنقضي الحال بانتقضائه، فمتى انتهى توليه انتهى إدباره، ومتى انتهى عيثه انتهى إفساده، فهذه الحال ليست ثابتة ثبوت الأولى.
3 -
أن تكون الحال جامدة غير مؤولة بالمشتق، نحو (هذا حطبك رمادا) و (هذا طحينك خبزا) ولس كل جامد غير مؤول بالمشتق حالا لازمة، ففي قولك (هذا تمرك بسرا) الحال غير لازمة، وفي قولك (هذا ذهبك خاتما) الحال غير لازمة، ومرد ذلك إلى المعنى.
4 -
في أمثلة مسموعة كقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} [آل عمران: 18]، فإن قيام ربنا بالقسط لا ينفك عنه، وكقوله تعالى:{أن الله يبشرك بيجيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} [اآل عمران: 39]، فهذه أحوال لازمة لصاحبها، وكقوله تعالى:{فجزاؤه جهنم خالد فيها} [المائدة: 93]، فالخلود ملازم له، لا ينفك عنه، وكقوله تعالى:{وهذا صراط ربك مستقيما} [الأنعام: 126]، فالاستقامة ملازمة لصراط الله سبحانه، والحق أن مرد اللزوم والانتقال إلى المعنى لا إلى موطن معن.
الحال الجامدة:
الأصل في الحال أن تكون وصفا، والمقصود بالوصف اسم الفاعل، واسم المفعول، وصيغ المبالغة، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، وقد تكون اسما جامدًا، وذلك في مواضع منها:
1 -
أن تكون الحال دالة على سعر نحو: اشتريت الكتب كتابا بنصف دينار، وبعت الدار ذراعا بدينار، واشتريت العسل حقه بعشرة دراهم.
2 -
أن تكون الحال دالة على تقسيط النحو: وضعت كتبي كتابا عند كل واحدـ، دفعت الزكاة عن كل أربعين دينارا.
3 -
الحال الدالة على تفاعل نحو بعته يدا بيد، وكلمته فاه إلى فمي.
4 -
الحال الدالة على التشبيه نحو بدت قمرًا، وتلفتت ظبيا.
5 -
الحال المواطئة، وهي الموصوفة ومعتمد الكلام على الصفة التي بعدها، نحو قوله تعالى:{وكذلك أنزلناه قرءانا عربيا} [طه: 113].
وقوله: {فتمثل لها بشرًا سويا} [مريم: 17]
وفي رأينا أن لكيتهما أعني الحال والصفة، معتمدة.
6 -
الحال الدالة على ترتيب نحو (ادخلوا رجلا رجلا) و (قرأت الكتاب كلمة كلمة) و (حفظت القصيدة بيتا بيتا)" وضابطه أن تأتي للتفصيل بعد ذكر المجموع بجزئه مكررا"(1).
وفي نصب الثاني من المكرر خلاف، فقد ذهب الزجاج إلى أن الاسم الأول حال والثاني توكيد له، وفي نصب الثاني على التوكيد نظر، لأنه لو كان توكيدًا لأدى ما أداه الأول (2).
وايضاح ذلك أن التوكيد يؤدي ما أداه المؤكد، فلو قلت (أقبل محمد) كان (محمد) الثاني هو الأول، ولو قلت (اشتريت حصانا حصانا) كان الحصان الثاني هو الأول وليست هذه الحال كذلك، فإنك لو قلت (أقبل الرجال صفا صفا) احتمل كلامك معنيين فإنه إذا كان الرجال أقبلوا صفا واحدا، كانت (صفا) الثانية تأكيدًا لأنها لم تزد على معنى الأولى. وإذا أقبلوا صفوفا فليست بتأكيد. وإذا قلت (شربت الدواء جرعة جرعة) فإن كنت شربته جرعة واحدة كانت الثانية تأكيدًا لأنك لم تزد على معنى الأولى. وإن كنت شربته جرعة واحدة كانت الثانية تأكيدًا، لأنك لم تزد على معنى الأولى، وإن كنت شربته جرعة بعد جرعة لم تكن توكيدًا.
وقد يمتنع إعراب المكرر إذا كان المعنى لا يحتمله، وذلك قولك (أقبل الطلاب فردًا
(1) الرضي على الكافية 1/ 225
(2)
انظر الهمع 1/ 238
فردًا) فهنا يمتنع التوكيد، لأنه لا يمكن أن يكون الطلاب فردا واحدا، وكذلك لو قلت (حفظت القصيدة بيتا بيتا) فإنه لا يمكن أن تكون القصيدة بيتا واحدا، وكذلك نحو (قرأت الكتاب كلمة كلمة) فإنه يمتنع أن تقول (قرأت الكتاب كلمة)، ولذلك كان هذا الاعراب فيه نظر وإنما هو بحسب المعنى، فقد يحتمل في بعض التعبيرات أن يكون توكيدا وربما لم يحتمل وكل له معنى.
وذهب بعضهم إلى أنها عطف بتقدير الفاء، أو ثم، فقولك (حضروا رجلا رجلا) معناه: حضروا رجلا فرجلا أو رجلا ثم رجلا (1)، جاء في (الهمع):" ولو ذهب ذاهب إلى أن النصب إنما هو بالعطف على تقدير حذف الفاء، أي رجلا فرجلا، وبابا فبابا لكان وجها حسنا عاريًا عن التكلف، لأن المعنى: ادخلوا رجلا بعد رجل، وعلمته الحساب بابًا بعد باب"(2).
وأرى في هذا التقدير نظرًا أيضا، فالفاء تفيد الترتيب والتعقيب، و (ثم) تفيد الترتيب والتراخي، فقولك (حضروا رجلا فرجلا) معناه حضر الرجل بعد الآخر بلا مهلة، وإن قلت (ثم) كان المعنى حضر الرجل بعد الآخر وبين كل رجل وآخر مهلة، وهذا المعنى غير مراد، فإن العرب لو أرادت الترتيب والتعقيب لجاءت بالفاء، ولو أرادت التراخي لجاءت بثم، ولكنها أرادت أنهم دخلوا رجلا بعد الآخر، فقد يكون دخل بعضهم بعد الآخر بلا مهلة، وقد يكون دخل بعضهم بمهلة، فإن قدرت أحد الحرفين تعين أحد المعنيين.
وقد يعسر التقدير أحيانا، أو يمتنع، وذلك نحو (قرأت الكتاب كلمة كلمة) فإنه على تقدير الفاء، يكون المعنى أنك قرأت الكتاب كله كلمة بعد أخرى بلا مهلة حتى أنهيته. وقد يكون الكتاب كبيرا يستعرق شهورا، فإنه يعسر أن تكون قرأت الكتاب بلا مهلة، كلمة بعد كلمة حتى أنهيته.
(1) حاشية الخضري 1/ 213، وانظر الهمع 1/ 238، الرضي على الكافية 1/ 225
(2)
الهمع 1/ 238
وتقدير (ثم) أبعد، إذ المعنى يكون على ذلك أنه قرأ كلمة، ثم جعل لنفسه مهلة ليقرأ بعدها كلمة أخرى، وهكذا فيكون تراخ بعد كل كلمة وهذا لا يكون، فإن قلت: قرأته حرفا حرفا كان أبعد، إذ المعنى على هذا أنك قرأت حرفا ثم تركت القراءة وعدت فيما بعد لتقرأ الحرف الثاي وهكذا، فإذا قرأت كلمة (طمأنينة) مثلا، قرأت الطاء أولا، ثم تركت القراءة وعدت فيما بعد لتقرأ الميم، حتى إذا قرأتها تركت القراءة وهكذا، حتى تنهى الكلمة وهذا ممتنع.
فإنه إذا صح تقدير الفاء، أو ثم في تعبير، فإنه لا يصح في تعبير آخر، ثم إن التقدير يقيد المعنى بنحو معين، ولما كانت العرب لا يريدون هذا النحو المعين، أطلقوا.
وذهب الجمهور إلى أن الكلمة الأولى حال أولي، والكلمة الثاني حال ثانية، قيل وهو المختار (1).
وهو ليس مختارا فيما أرى، وذلك أن في نحو قولك (أقبل محمد راكضا ضاحكا) حالين، ولكل حال معنى، يمكن أن يستغني الكلا بها، فراكضا حال، وضاحكا حال أخرى ولكن في نحو قولك (اقبلوا رجلا رجلا) لا يتم المعنى إلا بذكر الكلمتين معا، ولا تؤدي الكلمة وحدها معنى فإنه لا يصح أن تقول (أقبلوا رجلا) وتسكت.
والاختيار فيما نرى أن يكون مجموع الكلمتين حالا واحدة، لأن مجموع الكلمتين يفيد معنى الترتيب، وهذا اختيار أبي حيان وجماعة. جاء في (الهمع):" وقال أبو حيان: الذي أختاره، أن كليهما منصوب بالعامل السابق، لأن مجموعهما هو الحال لا أحدهما، ومتى اختلف بالوصفية أو غيرهما لم يكن له مدخل في الحالية، إذ الحالية مستفادة منهما فصارا يعطيان معنى الفرد، فأعطيا إعرابه وهو النصب"(2).
ثم إن التركيب غير عزيز في اللغة، لا في المبنيات ولا في العربات، فمن المركب
(1) حاشية الخضري 1/ 213
(2)
الهمع 1/ 237، التصريح 1/ 370
المبني الأحوال المركبة، كقولهم (تفرقوا شذر مذر) و (هو جاري بيت بيت) أي ملاصقا، وكالظروف المركبة نحو صباح مساء، وبين بين.
ومن المركب المعرب، المركب المزجي، نحو بعلبك، وحضر موت، فلا ينكر أن يكون مجموع الكلمتين يؤدي معنى واحدا، أو يعرب إعرابا واحدا.
7 -
الدالة على طور فيه تفضيل، وذلك أن يفضل الشيء في حال على نفسه، أو على غيره في حال أخري، نحو (الذهب قلادة أجمل منه خاتما) و (الذهب قلادة اجمل من الفضة قلادة) و (تمرك بسرا اطيب مه رطبا).
فقد فضلت الذهب حال كونه قلادة، عليه حال كونه خاتمًا، وفضلت الذهب حال كونه قلادة، على الفضة حال كونها قلادة، وفضلت التمر حال كونه بسرا، عليه حال كونه رطبا جاء في (المقتضب): " ومثل ذلك هذا قولك (هذا بسرا اطيب منه تمرا) فإن او مأت إليه وهو بسر تريد: هذا إذا صار بسرا أطيب منه إذا صار تمرا، وإن أومأت إليه وهو تمر قلت: هذا بسرا أطيب منه تمرا، أي هذا إذ كان بسرا أطيب منه إذ صار تمرا، فإنما على هذا يوجه لأن الانتقال فيه موجود.
فإن أومأت إلى عنب قلت: هذا عنب أطيب منه بسر، ولم يجزإلا الرفع لأنه لا ينتقل فتقول: هذا عنب أطيب منه بسر تريد، هذا عنب البسر أطيب منه" (1).
وجاء في (شرح ابن يعيش): " وهذا إنما يكون فيما يتحول من نوع إلى نوع آخر، نحو (هذا عنبا أطيب منه زبيبا) لأن العنب يتحول زبيبا، ولو قلت (هذا عنبا أطيب منه تمرا) لم يجز لأن العنب لا يتحول تمرا، وإذا كان كذلك لم يجز فيه إلا الرفع فتقول: (هذا عنب أطيب منه تمر) فيكون (هذا) مبتدأ و (عنب) الخبر، و (أطيب منه) مبتدأ آخر و (تمر) الخبر، والجملة الثانية في موضع صفة لعنب فاعرفه"(2).
(1) المقتضب 3/ 251، وانظر سيبويه 1/ 199، ابن يعيش 2/ 60
(2)
ابن يعيش 2/ 61، وانظر الأصول 1/ 266 - 267