الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال
حقيقتها:
الحال وصف أو ما قام مقامه، فضلة مسوق لبيان الهيئة، أو للتوكيد. ومن هذا يتبين أن الحال على قسمين:
مبينة للهيئة وتسمى مؤسسة، وسميت كذلك لأنها تؤسس معنى جديدا، يستفاد بذكرها نحو: رجع خالد خائبا.
وحال مؤكد وهي التي يستفاد معناها مما قبلها، نحو:{وليتم مدبرين} [التوبة: 25]، فمعنى (مدبرين) مستفاد من (وليتم)، وكلامنا الآن على الأولى.
الحال المؤسسة: هي التي تبين هيئة صاحبها عند وقوع الحدث غالبا فإذا قلت: (أقبل الطالب سابقا) كان المعنى أنه سابق في وقت الاقبال، وهذا فرق ما بين الحال والصفة فإنك إذا قلت:(أقبل الطالب السابق) لم ينص قولك هذا على أنه سابق في أثناء الإقبال، بل قد يكون ممن اتصف بالسبق فيما مضى.
ومثله أن تقول: (أقبل الرجال الحافظ) أي من اتصف بالحفظ، فإن قلت (أقبل الرجل حافظا) كان المعنى أنه حافظ في إقباله هذا وقد يكون لم يحفظ قبل ذلك، ونحوه أن تقول:(أقبل الطالب المقصر)، و (أقبل الطالب مقصرا) فقوله (أقبل الطالب المقصر) معناه أنه اتصف بالتقصير، وإن لم يكن في إقباله هذا مقصرًا، واما قولك (أقبل الطالب مقصرا) فمعناه أنه مقصر في إقباله هذا، وقد يكون في وصفه العام غير مقصر، وتقول: هذا الرجل المقريء، وأقبل الرجل المقريء، أي من اتصف بالاقراء، وقد تشير إليه وهو ماش، أما إذا قلت:(هذا الرجل مقرئا) فإنك لا تشير إليه إلا وهو في حال إقراء، وتقول:(أقبل الفرس السابق)، و (هذا الفرس السابق) وقد يكون غير سابق في أثناء
الإشارة، بل قد يكون مربوطا أو ماشيا، فإن قلت:(هذا الفرس سابقا) أو (أقبل الفرس سابقا) فإنه يتعين أن لا تقوله، إلا وهو سابق في أثناء الإشارة أو الإقبال.
وقد يؤتى بالصفة لتفرق بين إسمين مشتركين في اللفظ، أما الحال فهي زيادة في الفائدة جاء في (كتاب الأصول): " والفرق بين الحال وبين الصفة [أن الصفة] تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ، والحال زيادة في الفائدة والخبر، وإن لم يكن للاسم مشارك في لفظه. ألا ترى أنك إذا قلت:(مررت بزيد القائم) فأنت لا تقول ذلك إلا وفي الناس رجل آخر اسمه زيد، وهو غير قائم، ففصلت بالقائم بينه وبين من له هذا الاسم، وليس بالقائم، وتقول:(مررت بالفرزدق قائما) وإن لم يكن أحد اسمه الفرزدق غيره، فقولك (قائما) إنما ضممت به إلى الأخبار بالمرور، خبرا آخر متصلا به مفيدا.
فهذا فرق بين الصفة والحال، وهو أن الصفة لا تكون إلا لاسم مشترك فيه لمعنيين او لمعان، والحال قد تكون للإسم المشترك والإسم المفرد (1).
أما قوله: " أن الصفة لا تكون إلا لاسم مشترك" ففيه نظر فللصفة أغراض متعددة، وقد تكون لغير المشترك نحو (باسم الله الرحمن) و (باسم الله العظيم) فليس (الله) اسما مشتركا.
وسيأتي بيان هذا الأمر في بابه، إن شاء الله تعالى:
وقال المبرد: " فإذا قلت: (جاءني زيدٌ ماشيا) لم يكن نعتا لأنك لو قلت: (جاءني زيد الماشي) لكان معناه المعروف بالمشي، وكان جاريا على زيد لأنه تحلية له، وتبين أنه زيد المعروف بهذه السمة، ليفصل ممن اسمه مثل اسمه بهذا الوصف.
فإذا قلت: (جاءني زيد ماشيا) لم ترد أنه يعرف بأنه ماش، ولكن خبرت بأن مجيئه وقع في هذه الحال، ولم يدلل كلامك على ما هو فيه قبل هذه الحالة أو بعدها" (2).
(1) الأصول 1/ 259، وانظر المقتضب 2/ 166، الفروق اللغوية 19، ابن يعيش 2/ 57
(2)
المقتضب 4/ 300
ونحو هذا في الخبر أيضا تقول: (علي في الدار مقرئا) و (علي في الدار مقريء) فإن معنى الأولى يفيد أنه يقوم بالإقراء في الدار وقت الإخبار، وأما الرفع فعلى معنى أنه يقوم بالإقراء في الدار لا أنه الآن في الدار يقوم بالإقراء، وإنما إذا اقرأ يقريء في الدار وربما لم يكن في الدار الآن.
وتقول: (هذا أخوك قائم بالسقي) على معنى أنه يقوم بالسقي أي متول، وإن لم يكن يقوم بالسقي وقت الإشارة، ولكن إذا قلت (هذا أخوك قائما بالسقي) كان المعنى أنه في وقت الإشارة كان يقوم بالسقي، ولا تقوله إلا إذا كان يقوم بالسقي وقت الإشارة إليه، وربما لم يكن يقوم به قبل ذلك.
وتقول: (هذا خالد مجتهد) أي هو ممن اتصف بالاجتهاد، وإن لم يبذل الجهد في وقت الإشارة إليه، فهذا خبر كأنك قلت (هذا مجتهد)، فإن قلت (هذا خالد مجتهدا) كان المعنى أنه كان يجتهد في أثناء الإشارة إليه، ولا تقول إلا إذا كان ذلك.
جاء في (كتاب سيبويه): " وأما قوله من ذا خير منك فهو على قوله: من ذا الذي هو خير منك، لأنك لم ترد أن تشير أو توميء إلى إنسان قد استبان لك فضله على المسؤول فيعلمكه ولكنك أردت: من ذا الذي هو أفضل منك؟ فإن أومأت إلى إنسان قد استبان لك فضله عليه فأردت أن يعلمكه نصبت خيرا منك كما قلت: من ذا قائمًا؟ كأنك قلت إنما أريد أن أسألك عن هذا الذي قد صار في حال قد فضلك بها، ونصبه كنصب ما شأنك قائما؟ (1).
وجاء في (كتاب الأصول): " والحال إنما هي هيئة الفاعل، أو المفعول، أو صفته، في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه، ولا يجوز أن تكون تلك الصفة إلا صفة متصفة غير ملازمة، ولا يجوز أن تكون خلقة، ولا يجوز أن تقول: جاءني زيد أحمر، ولا أحول (2)، ولا جاءني عمرو طويلا، فإن قلت متطاولا، أو متحاولا، جاز لأن ذلك شيء يفعله،
(1) سيبويه 1/ 248
(2)
في الأصل المنشور (أخوك) والصواب ما أثبتناه.
وليس بخلقه" (1).
وهذا شأن أكثر الحال، وقد تكون الحال لازمة كما سترى.
أما بالنسبة للحال من حيث الزمن، فإن النحاة يقسمونها على ثلاثة أقسام:
الحال المقارنة: وهي التي زمنها زمن عاملها، وهي الغالبة نحو (أقبل أخوك ضاحكًا) فالضحك مقارن للإقبال.
والمقدرة: وهي المستقبلة وهي التي يكون وقوعها بعد زمن عاملها، وذلك نحو قوله تعالى:{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون} [الفتح: 27]، فكل من (محلقين) و (مقصرين) حال مستقبلة، لأن الحلق، والتقصير بعد الدخول وليسا مقارنين له (2).
وكقوله تعالى: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها} [التوبة: 58]، وذلك نحو أن الخلود بعد الوعيد وليس مقارنا له، وكقوله تعالى:{وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} [الصافات: 112]، وذلك أن نبوة إسحاق بعد التبشير وليست مقارنة له، فإن التبشير به قبل أن إسحاق (ع). ومثله قوله تعالى:{أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} [آل عمران: 39] فهذه كلها أحوال مستقبلة، لأن زمنها بعد التبشير.
والمحكية: وهي الماضية قالوا وهي نحو (جاء زيد أمس راكبا (3)) وأنكرها بعض النحاة وذلك أنها مقارنة لعاملها، فالركوب مقارن للمجيء.
ولعل من المحكية أن تقول (هذا مؤذ صغيرا وكبيرا) و (هذه تلسع صغيرةً وكبيرةً) إذا قلتها وهما كبيران، فتكون كل من (صغيرٍ) و (صغيرةٍ) حالا محكية.
(1) الأصول 1/ 258 - 259، وانظر ابن يعيش 2/ 55
(2)
الأشموني 2/ 193، حاشية الصبان 2/ 194
(3)
التصريح 1/ 387