المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نائب الفاعل قد يترك الفاعل ويؤتى بما ينوب عنه لأغراض متعددة، - معاني النحو - جـ ٢

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌ظن وأخواتها

- ‌أفعال القلوب

- ‌1 - أفعال اليقين

- ‌علم:

- ‌علم وعرف:

- ‌درى:

- ‌تعلم:

- ‌وجد:

- ‌رأى:

- ‌أرى:

- ‌ألم تر

- ‌أرأيت:

- ‌أرأيتك:

- ‌2 - أفعال الرجحان

- ‌ظن:

- ‌حسب:

- ‌خال:

- ‌زعم:

- ‌عد

- ‌حجا:

- ‌هب:

- ‌تقول:

- ‌أفعال التحويل

- ‌جعل:

- ‌اتخذ وتخذ:

- ‌ترك:

- ‌ صير

- ‌رد:

- ‌وهب:

- ‌الالغاء

- ‌التعليق

- ‌العطف على الجملة المتعلقة:

- ‌ظننته لا يفعل وما ظننته يفعل:

- ‌الذكر والحذف

- ‌حده

- ‌الفاعل

- ‌تأخيره عن عامله:

- ‌إضمار الفعل:

- ‌تقديم المفعول على الفاعل:

- ‌تذكير الفعل وتأنيثه

- ‌الفاعل المفسر بالتمييز

- ‌نائب الفاعل

- ‌ما ينوب عن الفاعل

- ‌فعل وانفعل

- ‌المفعول به

- ‌تقديم المفعول به

- ‌الحذف

- ‌حذف مفعول فعل المشيئة:

- ‌التحذير والإغراء

- ‌1 - ذكر المحذر مع المحذر منه

- ‌2 - ذكر المحذر منه مكررا أو غير مكرر نحو، النار النار، الأسد

- ‌حذف فعله:

- ‌الواو في التحذير:

- ‌الإغراء

- ‌الاشتغال

- ‌معناه:

- ‌ناصبه:

- ‌أقسامه:

- ‌هل يفيد الاشتغال تخصيصا أو تأكيدا

- ‌الفرق بين الرفع والنصب:

- ‌التنازع

- ‌المفعول المطلق

- ‌أنواعه:

- ‌حذف الفعل

- ‌المصدر النائب عن الفعل

- ‌1 - النائب عن فعل الأمر والدعاء:

- ‌2 - المصدر الذي لا يصح الإخبار به عن المبتدأ:

- ‌3 - المصدر التشبيهي:

- ‌4 - المصادر المثناة:

- ‌5 - بقية المصادر

- ‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

- ‌حده:

- ‌ما ينصب على الظرفية:

- ‌ما ينوب عن الظرف:

- ‌الظروف المركبة:

- ‌طائفة من الظروف

- ‌الآن:

- ‌إذ:

- ‌إذا:

- ‌أمس:

- ‌أيان:

- ‌بين بينا بينما:

- ‌حيث:

- ‌دون:

- ‌ريثما:

- ‌سحر:

- ‌عند:

- ‌عوض:

- ‌غدوة:

- ‌قط:

- ‌لدن

- ‌لدى:

- ‌مع:

- ‌وسط:

- ‌المفعول له

- ‌حده:

- ‌التعليل

- ‌المفعول له المنصوب والمجرور:

- ‌المفعول معه

- ‌حده:

- ‌معنى المصاحبة:

- ‌المعية والعطف:

- ‌الواو ومع:

- ‌المستثنى

- ‌الاستثناء بإلا وأقسامه:

- ‌الاستثناء التام:

- ‌الاستثناء المفرغ:

- ‌القصر في الاستثناء المفرغ:

- ‌أحكام المستثنى الاعرابية:

- ‌إلا الوصفية:

- ‌غير

- ‌الاستثناء بغير وإلا:

- ‌سوى

- ‌ليس ولا يكون

- ‌خلا وعدا

- ‌حاشا

- ‌الحال

- ‌حقيقتها:

- ‌المنتقلة واللازمة:

- ‌الحال الجامدة:

- ‌وقوع المصدر حالا:

- ‌تنكير صاحب الحال:

- ‌ تقديم الحال

- ‌واو الحال:

- ‌الحال المؤكدة

- ‌التمييز

- ‌حقيقته:

- ‌نوعا التمييز:

- ‌1 - المبين إبهام ذات:

- ‌2 - المبين إبهام نسبة:

- ‌الغرض من التحويل:

- ‌أسلوب التمييز ومعناه

- ‌معنى النصب والجر:

- ‌معنى الاتباع:

- ‌المجرور بمن:

- ‌التمييز بعد اسم التفضيل:

- ‌تمييز العدد

- ‌كم

- ‌كم الاستفهامية:

- ‌كم الخبرية:

- ‌كأين

- ‌كذا

الفصل: ‌ ‌نائب الفاعل قد يترك الفاعل ويؤتى بما ينوب عنه لأغراض متعددة،

‌نائب الفاعل

قد يترك الفاعل ويؤتى بما ينوب عنه لأغراض متعددة، منها - كما يقول النحاة - لفظي كالسجع نحو قولهم (من طابت سريرته حمدت سيرته) ولإقامة النظم (1) كقوله:

علقتها عرضا وعلقت رجلا

غيري، وعلق أخري ذلك الرجل

ومعنوي كأن يحذف للجهل به، كقولك (سُرق المتاع)، و (كسر الباب)، إذا لم تعلم فاعله.

أو للعلم به فقد يكون معلومًا للمخاطب، فلا تكذهر له، كقولك (خلق الإنسان عجولا) أي خلق الله الإنسان.

وقد يحذف لأنه لا يتعلق غرض بذكره، وذلك نحو قوله تعالى:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]، فإنه لا يتعلق غرض بذكر المحصر، إذ لو ذكر فاعلا بعينه لتوهم أن هذا الحكم مختص بهذا الفاعل دون غيره، وكقوله تعالى:{أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} [البقرة: 108]، وقوله:{وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} [البقرة: 246]، فإن الحكم لا يتغير بذكر المخرج، ونحوه قوله تعالى:{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]، فإنه حذف الفاعل لأنه لا يتعلق غرض بذكره. ومثله قوله {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 140]، وقوله:{إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها} [النساء: 140]، وقوله {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} [النساء: 148].

أيا كان الظالم وقوله: {وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب} [المائدة: 3]، أيا كان الذابح وقوله:{فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما} [المائدة: 107]، ، أيا كان العاثر.

(1) الهمع 1/ 161 - 162، التصريح 1/ 286، الأشموني 2/ 61، الصبان 2/ 61، حاشية الخضري 1/ 167

ص: 71

ففي هذه المواطن حذف الفاعل، لأنه لا يتعلق بذكره غرض.

جاء في (التصريح): " أو لغرض معنوي - أي يحذف الفاعل - كأن لا يتعلق بذكره غرض أي قصد، نحو (فإن احصرتم) (وإذا حييتم) {إذا قيل لكم تفسحوا} [المجادلة: 11]، إذ ليس الغرض من هذه الأفعال إسنادها إلى فاعل مخصوص، بل إلى أي فاعل كان"(1).

وقد يحذف للخوف منه كأن تقول (هدم البناء)، وأنت تعلم الفاعل، فلا تذكره خوفا من أن ينالك بأذى، ومثله (كسر الباب)، و (سرق الكتاب).

أو للخوف عليه، فتستر ذكره، لئلا يناله أذى، نحو قولك (قتل خالد)، ولم تذكر فاعله خوفا من أن يؤخذ بقولك.

أو تقصد إبهامه، فلا يريد المتكلم إظهاره، كقولك (تصدق على مسكين) و (أهين متكبر) فلا تريد إظهار الفاعل بقصد التواضع مثلا، أو لغرض آخر، أو للتحقير كقولك (عمل الكنيف وكنس السوق).

أو للتعظيم نحو (خلق الخنزير، ) فتستر ذكره بجنب ذكر الخنزير تعظيما له (2) وكقوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلغي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر} [هود: 44]، فإن في ستره تعظيما للفاعل الذي يأمر السماء والأرض من وراء حجاب فيطاع.

والتعظيم قد يكون بذكر الفاعل، وقد يكون بتركه، فمما يكون بذكر الفاعل نحو قوله تعالى:{أتريدون أن تهدوا من أضل الله} [النساء: 88]، فإنه لا يحسن هنا حذف الفاعل فإنه لو قال:(أتريدون أن تهدوا من أضل) بالبناء للمجهول لكان من الممكن أن يقال: نعم: فإن مهمة الأنبياء والرسل والمصلحين هداية الضال، ولكن لما قيل {أتريدون أن تهدوا من أضل} علم أن المقصود أن هؤلاء باقون على ضلالهم، وأنه لا يقدر أحد أن

(1) التصريح 1/ 286

(2)

انظر حاشية الخضري 1/ 167، الأشموني 2/ 61، حاشية الصبان 2/ 61، الهمع 1/ 161، ابن الناظم 93، ابن يعيش 7/ 69

ص: 72

يغير ما أراد الله، فإذا أضله الله فمن يستطيع هدايته غيره سبحانه؟ بخلاف ما لو قبل (من اضل).

وهناك خط واضح وظاهرة بينة في التعبير القرآني، وهي أن الله سبحانه يذكر نفسه تنزيها لها عن فعل الشر وإرادة السوء، فإنه مثلا عندما يذكر النعم ينسبها إليه، ولم يبن فعل النعمة للمجهول، لأن النعمة خير وتفضل منه، قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3]، وقال:{قد أنعم الله علي} [النساء: 72]، وقال:{فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} [النساء: 69]، وقال:{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونا بجانبه، وإذا مسه الشر كان يؤوسا} [الإسراء: 83]، ففي النعمة أظهر نفسه فقال (أنعمنا) وفي الشر قال (مسه الشر) ولم يقل (مسسناه بالشر) وقال:{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7]، وقال:{إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} [الزخرف: 59]، وقال:{الذي خلقني فهو يهدين، والذين هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 78 - 80].

فأنت ترى أن نسب الخير إلى ربه فقال: {والذي هو يطعمني ويسقين} ونسب السوء إلى نفسه، فقال:{وإذا مرضت فهو يشفين} ولم يقل وإذا أمرضني فنسب المرض إلى نفسه، والشفاء إلى الله تعالى.

وقال: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [الجن: 10]، فبني الشر للمجهول (أشر أريد) ونسب الخير والرشد إلى الرب سبحانه (أريد بهم ربهم رشدا).

ومن ذلك ما جاء في القرآن الكريم في قصة موسى والرجل الصالح.

قال {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغها أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن امري} [الكهف: 79 - 82].

ص: 73

فقال في خرق السفينة: {فأردت أن أعيبها} وقال في قتل الغلام: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما} وقال في إقامة الجدار {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما} . وهذا داخل فيما ذكرناه من هذه الظاهرة، فإنه نسب العيب إلى نفسه ولم ينسبه إلى الله تعالى تنزيها له، فقال {فأردت أن أعيبها} (1) اما في قتل الغلام فجاء في بالضمير مشتركا لأن العمل مشترك فإن فيه قتل غلام وهو في ظاهر الأمر شر، وإبدال خير منه وهو خير فجاء بالضمير المشترك للعمل المشترك ثم قال:{يبدلهما ربهما خيرا منه} فأسند الإبدال إلى الله وحده. وأما إقامة الجدار فعمل كله خير فأسنده إلى الله سبحانه فقال: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما} .

ومن ذلك قوله تعالى {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7]، فأسند تزيين الإيمان في القلوب إلى ذاته سبحانه.

وقال: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة} [آل عمران: 14]، فبني تزين حب الشهوات للمجهول، ولم ينسبه إلى نفسه، وقال:{إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [الصافات: 6].

وقال: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح} [الملك: 5]. وقال: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين} [الحجر: 16]. فأسند هذا التزيين الحسن إلى ذاته.

وقال: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين أمنوا} [البقرة: 212]، وقال:{بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل} [الرعد: 33]، وقال:{كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [الأنعام: 122].

(1) انظر بدائع الفوائد 2/ 18 - 19، التفسير القيم 12 - 13، 555 - 556

ص: 74

وقال: {أفمن زين له سوء عمله فرءه حسنا} [فاطر: 8]، وقال:{وكذلك زين لفرعون سوء عمله، وصد عن السبيل} [غافر: 37]، وقال:{بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء} [الفتح: 12].

فأنت ترى تزيين الخير إلى نفسه، وتزيين القبيح يبنيهل للمجهول، أو ينسبه إلى الشيطان كقوله تعالى:{وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} [الأنفال: 48]، وقال:{وزين لهم الشيطان أعمالهم} [العنكبوت: 38].

وقد تجد في القرآن نحو (زينا لهم أعمالهم) لغرض إقامة العقيدة الصحيحة، ولبيان أن كل ذلك بأمر الله، ولكن لا تجد فيه، نحو {زينا لهم سوء أعمالهم} بذكر السوء بل لا تجده إلا مبنيا للمجهول، والفرق ظاهر بين الأمرين.

ومن هذا الباب ما نراه في القرآن الكريم في الذين أوتوا الكتاب فإنه على العموم، إذا كان المقام مقام مدح وثناء، أظهر ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول:{آتيناهم الكتاب} ، وإذا كان المقام مقام ذم وتقريع قال:{أوتوا الكتاب} ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} [البقرة: 53].

وقوله: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} [الجاثية: 16].

وقوله: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} [البقرة: 121].

وقوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146]. وقوله: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة} [الأنعام: 89].

وقوله: {والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق} [الأنعام: 411].

ص: 75

وقوله: {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك} [الرعد: 36]. وقوله: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا} [القصص: 52 - 53].

وقوله: {وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به} [العنكبوت: 47].

وقوله: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} [النساء: 54]، فأنت ترى أنه أسند لاتيان إلى نفسه في مقام المدح والثناء، في حين قال:{نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم} [البقرة: 101].

وقال: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون، ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} [البقرة: 144 - 145].

وقال: {وما اختلف الذين اوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} [آل عمران: 19].

وقال: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب لله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} [آل عمران: 23].

وقال: {يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} [آل عمران: 100]. وقال: {ولتسمعن من الذين آوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} [آل عمران: 186].

وقال: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا} [آل عمران: 187].

ص: 76

وقال: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل} [النساء: 44].

وقال: {يا أيها الذين آوتوا الكتاب أمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت} [النساء: 47].

وقال: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين أمنوا سبيلا} [النساء: 51].

وقال: {يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء} [المائدة: 57].

وقال: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29].

وقال: {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} [الحديد: 16]، وغير ذلك من الآيات: فأنت ترى في مقام الذم يبني فعل الإيتاء للمجهول.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا} . [الأعراف: 137]. وقوله: {ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولى الألباب} [غافر: 53 - 54].

بإسناد الأمر إلى ذاته في مقام المدح، في حين قال:{وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب} [الشوري: 14]، وقال:{مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} [الجمعة: 5]، في مقام الذم (1).

(1) انظر التفسير القيم 555 - 556

ص: 77

فأنت ترى أن الله سبحانه يذكر ذاته في خير العام، وينسبه إلى نفسه بخلاف الشر. والسوء، قال ابن القيم: " إن افعال الإحسان والرحمة، والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى، / فيذكر فاعلها منسوبه إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معها للمفعول، أدبا في الخطاب، وإضافته إلى الله أشرف قسمى أفعاله، فمنه هذه الآية يعني:{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه، ولم يحذف فاعلها .. ومنه قوله تعالى:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم} [البقرة: 187].

فحذف الفاعل وبناه للمفعول وقال: {وأحل الله البيع وحرم الربوا} [البقرة: 275].

لأن في ذكر الرفث ما يحسن منه، ألا يقترن بالتصريح بالفاعل (1)

وكلام ابن القيم فيه صحة كثيرة غير أن قوله "فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معا للمفعول"، فيه نظر، فليس هذا الكلام على إطلاقه، بل أسند الله مثل هذا الأمر إلى نفسه في مواطن عديدة، وذلك نحو قوله تعالى:{فدمرناها تدميرا} [الإسراء: 16]، وقوله:{فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير، فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة} ، [الحج: 44 - 45]، وقوله:{وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما} . [الفرقان: 37].

فإن إهلاك المفسدين وتدمير الظالمين والبطش بهم من الخير العام.

وليس من الخير المطلق أن يترك الفسد يعيث في الأرض، يسفك الدماء بل البطش به وعقوبته وإزالته واستئصاله من أكبر الخير، ولذلك قد يظهر الله فيه نفسه، وذلك نحو ما مر ونحو قوله:{دمر الله عليكم وللكافرين أمثالها} [محمد: 10]، وقوله:{فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} [هود: 72 - 83].

(1) بدائع الفوائد 2/ 18 - 19

ص: 78