الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمييز العدد
لا نريد ههنا أن نبحث شأن العدد مع المعدود فإن لهذا موضعه الخاص به، وإنما أن نبحث ههنا تمييز العدد.
إن وضع العدد مع المعدود في العربية لا يجري على نسق واحد فهو يختلف في الاعداد من الثلاثة إلى العشرة، عنه في الاعداد المركبة والمعطوفة، ويختلف في المائة والألف عنهما، وإليك إيضاح ذلك:
1 -
تمييز العدد من ثلاثة إلى عشرة:
إن المعدود بعد العدد من ثلاثة إلى عشرة يكون جمعا مجرورا بالإضافة، نحو قوله تعالى:{سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيامٍ حسوما} [الحاقة: 7]، ونحوه (أقبل خمسة رجال).
وقد تحتمل الإضافة معنى آخر، هو معنى التملك وشبهه، تقول (هذه خمسة محمد) أي ملكه، وتقول (هذه خمسة رجال) أي ملكهم، وتقول (هذه خمستكم، وهذه خمسة رجال آخرين) فلا يراد بالمضاف إليه المعدود.
فالمضاف إليه قد يراد به المعدود، وهو الظاهر، وقد يراد به الإضافة على غير هذا المعنى.
وقد يكون المعدود تابعًا للعدد، فتقول:(أقبل خمسةٌ رجالٌ) و (حضر ثمانية أطفال) وهو بدل أو عطف بيان (1).
وقد يأتي منصوب نحو (أقبل خمسة رجالا)، وهو يحتمل الحالية والتمييز، فمعنى الحال أنهم جاؤا في هذه الحال، كما تقول (أقبل أربعةٌ صغارا) أي في حال صغرهم،
(1) الرضي على الكافية 2/ 17، حاشية الخضري 2/ 135
وكما تقول (أقبل أربعةٌ راكبين) أي في هذه الحال.
وقد يراد به التمييز وهو قليل، قال سيبويه ومعناهما عند ذاك واحد، قال: " لأنه لو جاز في الكلام او اضطر شاعر فقال: ثلاثة أبوابا كان معناه ثلاثة أبواب، وقال يزيد بن ضبة:
إذا عاش الفتى مائتين عاما
…
فقد ذهب المسرة والفتاء (1).
2 -
تمييز العدد من أحد عشر إلى تسعة وتسعين:
إن المعدود يكون مع هذا العدد مفردًا منصوبًا، نحو قوله تعالى:{فانفجرت منه اثتنا عشرة عينا} [البقرة: 60]، وقوله:{له تسع وتسعون نعجة} [ص: 23]
وقد يقع بعده الاسم جمعا منصوبا، نحو (أقبل خمسة عشر رجالا)، على الحال أو التمييز، فمعنى الحال أنهم جاؤا في هذه الحال، كما تقول (أقبل خمسة عشر راكبين) أي في هذه الحال.
وقد يراد به التمييز على معنى الجماعات، وذلك أنك عندما تقول (أقبل خمسة عشر رجالا) يكون المعنى أقبل خمس عشرة جماعة، كل جماعة هي رجال.
تقول (عندي عشرون سمكة) أي عشرون واحدة، فإن قلت (عشرون سمكا) كان المعنى أن عندك عشرين نوعا منه أو عشرين مجموعة، قال ابن يعيش: " فإن قلت: عندي عشرون رجالا، كنت قد أخبرت أن عندك عشرين، كل واحد منهم جماعة رجال (2).
وقال ابن الناظم: " وقد تميز بجمع صادق على واحد منها، فيقال (عندي عشرون دراهم) على معنى عشرون شيئا، كل واحد منها دراهم، ومنه قوله تعالى:{وقطعناهم في اثنتى عشرة أسباطا أمما} [الأعراف: 160]، والمعنى والله أعلم، وقطعناهم اثنتي
(1) سيبويه 1/ 293
(2)
ابن يعيش 6/ 21
عشرة، فرقة كل فرقة منهم أسباط" (1).
وقد يقع الجمع تابعا للعدد فتقول (أقبل خمسة عشر رجالٌ) و (أقبل عشرون أولادٌ) على البدل.
وقد يكون ما بعد مجرورا على الإضافة بمعنى الملك ونحوه، تقول (هذه خمسة عشرك) وخمسة عشر محمدٍ أي له وهذه خمسة عشر رجل آخر، جاء في (شرح ابن يعيش):" فإن أضفته إلى مالكه، وقلت (هذا أحد عشرك وخمسة عشرك) جاء لأن الإضافة إلى المالك ليست لازمة كلزوم المميز"(2).
وجاء في (التصريح): " يجوز في العدد المركب غير اثنى عشر، واثنتي عشرة أن يضاف إلى مستحق المعدود فيستغني عن التمييز نحو هذه أحد عشر زيد"(3).
وتحذف النون من ألفاظ العقود عند الإضافة فتقول (هذه عشروك)، و (رأيت أربعيك) جاء في (المقتضب):" اعلم انك إذا أضفت عددا حذفت منه النون والتنوين أي ذلك كان فيه فتقول: هذه عشروك وثلاثوك، وأربعوك، ورأيت ثلاثيك، وأربعيك، وهذه مائتك وألفك"(4).
2 -
تمييز المائة والألف.
إن المعدود بعد المائة والألف يكون مفردًا مجرورا بالإضافة نحو قوله تعالى: {لبثت مائة عام} [البقرة: 259]، وقوله:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} [العنكبوت: 14]
(1) ابن الناظم 302
(2)
ابن يعيش 6/ 20، وانظر المقتضب 2/ 178
(3)
التصريح 2/ 275، وانظر الرضي 1/ 236، ملا جامي 155
(4)
المقتضب 2/ 178، وانظر ابن يعيش 6/ 21
وقد تكون الإضافة على معنى الملك، ونحوه، تقول:(هذه مائة محمد) و (هذه مائة رجل) و (ألف رجل) وهذه مائتك وتلك مائة رجل آخر.
وقد يكون الإسم تابعا على البدلية، نحو (أقبل مائة رجلٌ)، وقد يقع بعدها الاسم منصوبا على الحال أو التمييز، فالحال نحو (أقبل مائة فرسانا ومائة مشاة) أي مائة في حال ركوب على الخيل، ومائة في حال مشي، كما تقول (أقبل ألف راكبين) أي في حال ركوب.
وتقول في التمييز (أقبل مائة رجلا) على معنى جماعات أي مائة جماعة، وكل جماعة هي رجال، كما في نحو (أقبل خمسة عشر رجالا) و (عندي عشرون سمكا). جاء في (شرح ابن يعيش):" وأما قوله تعالى: {ثلاث مائة سنين} [الكهف: 25]، فإن سنين نصب على البدل من ثلاثمائة، وليس بتمييز، وكذلك قوله: {اثنتي عشرة أسباطا أمما} [الأعراف: 160]، نصب أسباطا على البدل .. وهذا رأي أبي إسحاق الزجاج قال: ولا يجوز أن يكون تمييزا لأنه لو كان تمييزا لوجب أن يكون أقل ما لبثوا تسعمائة سنة، لأن المفسر يكون لكل واحد من العدد، وكل واحد سنون، وهو جمع، والجمع أقل ما يكون ثلاثة فيكونون قد لبثوا تسعمائة سنة وأجاز الفراء أن يكون (سنين) تمييزا"(1).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " قال الزجاج لو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا لبثوا تسعمائة سنة ووجهه أنه فهم أن مميز المائة واحد من مائة، كقولك مائة رجل، فرجل واحد من المائة، فلو كان (سنين) تمييزا لكان واحد من ثلاثمائة. وأقل السنين ثلاثة فكان كأنه قال: ثلاثمائة ثلاث سنين، فتكون تسعمائة، قال المصنف، وهذا يطرد في قوله تعالى:{اثنتي عشرة أسباطا} [الأعراف: 160]، فلو كانوا تمييزا لكانوا ستة وثلاثين على رأيه ..
(1) ابن يعيش 6/ 24
ومما ذكره الزجاج غير لازم، وذلك لأن الذي ذكره مخصوص بأن يكون المميز مفردا أما إذا كان جمعا فالقصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا في نحو ثلاثة أثواب" (1).
ومن هذا يتبين:
1 -
أن الجر يحتمل الإضافة بمعنى الملك ونحوه، إضافة إلى قصد إرادةا لمعدود في قسم من العدد.
2 -
أن المفرد المنصوب يقصد به التمييز.
3 -
ان الجمع المنصوب يحتمل الحال والتمييز، والتمييز على معنى الجماعات والأنواع.
4 -
التبعية على معنى البدل.
ثم أن (مائة) تقع بعد العدد من ثلاثة إلى تسعة، مفردة مجرورة، فيقال ثلاثمائة وأربعمائة والقياس ثلاث مئات، وأربع مئات.
إلا أن العرب قد تستعمل الجمع قليلا، فتقول ثلاث مئات، وثلاث مئين، وقد يستعمل الجمع لقصد آخر، فيقال هذه ثلاث مئات، وهذه أربع مئات، بمعنى هذه أربع مجموعات كل مجموعة مائة، ولو قلت هذه أربعمائة، لاحتمل أن يكون المقصود أن المجموع أربعمائة وليست كل مجموعة على حده هي مائة.
وقال: كم مائة عندك؟ فتقول: عندي أربع مئات. ولو قال: عندي أربعمائة لاحتمل المعنى أن عندك أربعمائة مائة، والله أعلم.
(1) الرضي على الكافية 2/ 173