الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى كما أن حسبك فيه معنى النهي، وكما أن رحمة الله عليه في معنى رحمة الله، فهذا المعنى فيها، ولم تجعل بمنزلة الحروف التي إذا ذكرتها كنت في حال ذكرك إياها تعمل في إثباتها وتزجيتها (1).
وجاء في (المقتضب): "وإنما تنظر في هذه المصادر إلى معانيها، فإن كان الموضع بعدها أمرًا أو دعاء لم يكن إلا نصبا، وإن كان لما قدم قد استقر، لم يكن إلا رفعا، وإن كان لهما جميعا كان النصب والرفع (2) ".
وأما إنه إذا كان أمرا أو دعاء لم يكن إلا نصبا، ففيه نظر، فإنه يجوز أن يكون أمرا وهو مرفوع، ودعاء وهو رفع على قصد إرادة الثبوت كما ذكرنا.
وجاء في (شرح ابن يعيش): "أن الفرق بين النصب والرفع، أنك إذا رفعتها فكأنك ابتدأت شيئا قد ثبت عندك، واستقر، وفيها ذلك المعنى أعني الدعاء، كما أن حسبك فيه معنى النهي، وإذا نصبت كنت ترجاه في حال حديثك وتعمل في إثباته"(3).
وما ذكرناه في الفرق بين الرفع والنصب يجري عاما على المصادر المرفوعة والمنصوبة في هذا الباب، سواء كان مقصودا بها الانشاء أم الخبر.
2 - المصدر الذي لا يصح الإخبار به عن المبتدأ:
يذكر النحاة أن من مواطن حذف الفعل وجوبا، وقوع المصدر نائبا عن فعل أسند لاسم عين مكررا، أو محصورا، نحو محمد سيرا سيرا، وما محمد إلا سيرا (4) أو مستفهما عنه أو معطوفا عليه نحو أأنت سيرا، وأنت أكلا وشربا (5)، فإن لم يكن مكررا ولا محصورا، ولا نحوهما، جاز ذكر الفعل وعدمه، نحو أنت سيرا (6).
(1) سيبويه 1/ 166
(2)
القتضب 3/ 221 - 222
(3)
ابن يعيش 1/ 122
(4)
ابن عقيل 1/ 192، الأشموني 2/ 118
(5)
التصريح 1/ 332، وانظر حاشية الخضري 1/ 192
(6)
ابن عقيل 1/ 192
أما اشتراط أن المصدر نائب عن فعل أسند لاسم عين، فغير سديد لأنه يجب أن يكون ذاك، وإنما الذي يجب هو أن يكون المصدر لا يصح الإخبار به عن المبتدأ، سواء كان اسم معنى، أم اسم ذات، نحو المنون تقريعًا تقريعا، وما الدهر إلا تقلبا (1). والإمتحان اقترابا اقترابا، والخوف انتشارا انتشارا، وهذه ليست أسماء أعيان.
وأما اشتراط التكرار لوجوب الحذف، فلا أراه سديدا أيضا، لأن قولك (محمد سيرا) أصله عند النحاة (محمد سيرا سيرا) حذف فعله جوازا، فأصبح (محمد سيرا غير أن النحاة لا يجيزون حذف الفعل، من نحو قولنا (محمد يسير سيرا) لأنه مؤكد وهذا تناقض، فمرة يقولون هو ممتنع الحذف، ومرة يقولون هو جائز الحذف، والصواب فيما نرى أن هذا الصدر نائب عن الفعل وليس مؤكدا، وأنه واجب الحذف لا جائزه، لأنه لو ذكر لأصبح مؤكدا لا نائبا، ومثله المكرر فإنه يصح أن نقول (محمد يسير سيرا سيرا)، ولكن المصدر هنا مؤكد، والثاني توكيد له، وتكرر التوكيد غير عزيز في اللغة، قال تعالى:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: 30]، وقال:{كلا إذا دكت الأرض دكا دكا} [الفجر: 21]، وليس المصدر هنا أعني في قولنا (محمد يسير سيرا سيرا) نائب عن الفعل، بخلاف قولنا (محمد سيرا سيرا) فهذا تعبير وذاك تعبير، وليسا متماثلين ولا يؤديان غرضا واحدا.
ولا يصح رفع المصدر في نحو هذا، إلا على ضرب من التجوز والمبالغة، فإنه لا يصح أن نقول (محمدٌ سيرٌ) لأنك تجعل بذاك محمدا سيرا، وهو ليس كذلك.
إن ذلك لا يجوز في التعبير الحقيقي، وإنما يجوز على ضرب من التجوز، كما قالت الخنساء تصف ناقتها (فإنما هي إقبال وإدبار) فجعلتها إقبالا وادبارا لكثرة ما وقع ذلك منهما.
(1) الرضي على الكافية 1/ 128
فإذا قلت (محمد سير)، فقد جعلت محمدا سيرا، لكثرة ما وقع ذلك منه، أي تحول إلى سير وهو تجوز ومبالغة.
وأما النصب على معنى هو يسير سيرا، ولكن حذف الفعل وأنيب المصدر عنه، وجعلته بدلا منه لإرادة الحدث المجرد، فبالنصب يكون التعبير حقيقا، وبالرفع ويكون مجازا.
إننا نقول (محمد سيرا) بحذف الفاعل إذا كان الحدث مستمرا متصلا، أي إذا كان متصفا بالسير الطويل، قال سيبويه: واعلم أن السير إذا كان مخبرا عنه في هذا الباب [يعني: في نحو ما أنت إلا سيرا، وأنت سيرا سيرا]، فإنما تخبر بسير متصل بعضه ببعض في أي الأحوال كان، وأما قولك (إنما أنت سيرٌ) فإنما جعلته خبرا لأنت، ولم تضمر فعلا .. وإن شئت رفعت هذا كله، فجعلت الآخر هو الأول فجاز على سعة الكلام من ذلك قول الخنساء:
ترتفع ما رتعت حتى إذا ادكرت
…
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ
فجعلها الإقبال والإدبار فجاز على سعة الكلام كقولك نهارك صائم وليلك قائم (1).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " وإنما وجب حذف الفعل، لأن المقصود من مثل هذا الحصر أو التكرير وصف الشيء بدوام حصول الفعل منه، ولزومه، ووضع الفعل على الحدث والتجدد، وإن كان يستعمل المضارع في بعض المواضع للدوام أيضا، نحو قولك: زيد يؤوي الطريد ويؤمن الخائف، والله يقبض ويبسط، وذلك أيضا لمشابهته لاسم الفعل الذي لا دلالة فيه وضعا على الزمان، فلما كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم، لم يستعمل العامل أصلا لكونه أما فعلا، وهو موضوع على التجدد أو اسم الفاعل وهو من العمل كالفعل بمشابهته، فصار العامل لازم الحذف، فإن أرادوا زيادة المبالغة جعلوا المصدر نفسه خبرا عنه، نحو (زيد سير سير)، و (ما زيد إلا سيرا)، كما ذكرنا في المبتدأ في قولنا (فإنما هي إقبال وإدبار) فيمنحي إذن عن الكلام
(1) سيبويه 1/ 168 - 169، وانظر ابن يعيش 1/ 115