الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا فالحصر بالنفي و (إلا) يكون لما ينكره المخاطب، ويدفعه وأما الحصر بالتقديم فيكون لأغراض منها:
1 -
إرادة تخيص المتقدم بحكم مما لا ينكره الخاطب.
2 -
تخصيص المتقدم بحكم يجهله المخاطب.
3 -
التخصيص لغرض التوجيه والتعليم.
4 -
التقديم للاهتمام لا الحصر.
أحكام المستثنى الاعرابية:
ومن المعلوم أنه إذا كان الاستثناء تاما وكان موجبًا فالمستثنى منصوب وجوبا نحو: (حضر الرجال إلا خالدا) قال تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا} [البقرة: 249].
أما إذا لم يكن موجبا فإن كان مفرغا فالمستثنى بحسب ما يستحق من الإعراب، نحو (ما حضر إلا خالد) و (ما أكرمت إلا محمدا) و (مامررت إلا بخالد) وإن كان مفرغا وهو غير موجب، فإن كان الاستثناء متصلا فالأرجح الاتباع، ويجوز النصب نحو (ما حضر الرجال إلا خالد) ويجوز (إلا خالدا)، وإن كان منقطعا فالنصب واجب عند الحجازيين، راجح عند التميمين، تقول:(ما حضر الطلاب إلا البواب) بالنصب قال تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} [النساء: 157]، فالنصب فهو منصوب وجوبا في لغة الحجاز أما في لغة تميم فالنصب راجح ويجوز الاتباع عندهم على البدلية، فإن لم تصح البدلية وجب النصب أيضا عند بني تميم، نحو (ما زاد هذا المال إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر)(1)
ويبدو أن اختيار النصب في المنقطع أو إيجابه على لغتي أهل الحجاز وتميم إنما هو عائد إلى التساهل في الابدال وعدمه، وذلك أن الحجاز يبين كما يبدو متشددون في
(1) انظر التصريح 1/ 352 الأشموني 2/ 148، الهمع 1/ 225
الإبدال من المنقطع، فيمنعون الاتباع، وأما التميميون فقد يتسامحون فيه، ولذا كان النصب عندهم راجح على الأصل، فإذا أرادوا التجوز اتبعوا، فإن تعذر الابدال وجب النصب وامتنع الاتباع عند الجميع، جاء في (كتاب سيبويه):" هذا باب ما يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول " وهو لغة أهل الحجاز وذلك قولك ما فيها أحد إلا حمارا، جاؤا به على المعنى ولكن حمارا وكرهوا ان يبدلوا الآخر من الأول فيصير كأنه من نوعه ..
وأما بنو تميم فيقولون: (لا أحد فيها إلا حمار) أرادوا ليس فيها إلا حمار ولكنه ذكر أحد توكيدا، لأن يعلم أن ليس فيها آدمي ثم إبدل. . ومثل ذلك قوله (مالي عتاب إلا السيف) جعله عتابه كما انك تقول (ما أنت إلا سير) إذا جعلته هو السير وعلى هذا أنشدت بنو تميم قول النابغة الذبياني:
يا دار مية بالعلياء فالسند
…
أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلانا اسائلها
…
عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا أواري لأيا ما أبينها
…
والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وأهل الحجاز ينصبون.
ومن ذلك من المصادر (ماله عليه بسلطان إلا التكلف) لأن التكلف ليس من سلطان .. وأما بنو تميم فيرفعون هذا كله يجعلون اتباع الظن علمهم، وحسن الظن علمه والتكلف سلطانه (1)
وجاء في (شرح التصريح): " فإنه تارة يمكن التسليط العامل على المستثنى وتارة لا يمكن، فإن لم يمكن تسليط العامل على الستثنى، وجب النصب في المستثنى اتفاقا من الحجازيين والتميميين نحو (ما زاد هذا المال إلا ما نقص). . وإن أمكن تسليطه أي
(1) سيبويه 1/ 363
العامل على المستثنى نحو (ما قام القوم إلا حمارا) إذ يصح أن يقال (قام حمار) فالحجازيون يوجبون النصب لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة .. وبنو تميم ترجحه وتجيز الاتباع" (1).
وفي ترجيح النحاة وجها على وجه في المتصل نظر، وظاهر كلام سيبويه ان الاتباع والنصب في المتصل لغتان جاء في (كتاب سيبويه):(هذا باب ما يكون فيه المستثنى فيه بدلا مما نفي عنه دا أدخل فيه) وذلك قولك (ما أتانا أحد إلا زيد) و (ما مررت بأحد إلا عمرو) و (ما رأيت أحدا إلا عمرا) جعلت المستثنى بدلا من الأول، فكأك قلت (ما مررت إلا بزيد) و (ما أتاني إلا زيد) وما لقيت إلا زيدا، كما أنك إذا قلت (مررت برجل زيد) فكأنك قلت (مررت بزيد) فهذا وجه الكلام أن تجعل المستثنى بدلا من الذي قبله لأنك تدخله فيما أخرجت منه الأول ..
ومن قال (ما أتاني القوم إلا اباك) لأنه بمنزلة قوله (أتاني القوم إلا أباك) فإنه ينبغي له أن يقول (ما فعلوه إلا قليلا منهم)(2).
وجاء فيه: " هذا باب النصب فيما يكون مستثنى بدلا" حدثنا بذلك يونس وعيسى جميعا أن بعض العرب الموثوق بعربيته يقول: (مامررت باحد إلا زيدا، وما أتاني أحدٌ إلا زيدا) وعلى هذا (ما رأيت أحدا إلا زيدا) فتنصب (زيدا) على غير رأيت، وذلك أنك لم تجعل الآخر من الأول ولكنك جعلته منقطعا مما عمل في الأول" (3).
إن النحاة يعللون كلا من الاتباع والنصب. فالاتباع يكون على البدلية، والبدل على نية إحلال محل الأول، والمبدل منه على نيه السقوط، فإذا قلت (ما قام أحد إلا خالد) فرفعت فكأنك قلت (ما قام إلا خالد) لأن أحدا على نية السقوط، هو عند النحاة بمنزلة
(1) التصريح 1/ 352 - 353، وانظر الأشموني 2/ 148، ابن يعيش 2/ 81، الهمع 1/ 225
(2)
سيبويه 1/ 360
(3)
سيبويه 1/ 363
ما ليس منه في الكلام.
وإذا نصبت جعلت اعتماد كلامك على النفي، فكأنك قلت (ما قام أحدٌ) ثم استثنيت. جاء في (الأصول): " فإذا قلت (ما قام أحد إلا زيدا) فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال (زيد) من (أحد) فكأنك قلت: (ما قام إلا زيد) وكذلك البدل من المنصوب، والمخفوض تقول:(ما ضربت أحد إلا زيدا) و (ما مررت بأحد إلا زيد) فالمبدل منه بمنزلة ما ليس منه في الكلام، وهذا يبين في باب البدل.
فإن لم تقدر البدل وجعلت قولك: (ما قام أحدٌ) كلاما تاما لا ينوي فيه الإبدال من (أحد) نصبت فقلت: ما قام أحدٌ إلا زيدا (1).
وذكر ابن يعيش أن " الفرق بين البدل والنصب في قولك ما قام أحد إلا زيد أنك إذا نصبت جعلت معتمد الكلام النفي، وصار المستثنى فضلة فتنصبه كما تنصب المفعول به، وإذا أبدلته منه كان معتمد الكلام، إيجاب القيام لزيد وكان ذكر الأول كالتوطئة"(2).
وعلى هذا يكون الفرق بين البدل والنصب أنك إذا قلت: (ما قام أحد إلا زيدا) بالرفع كأن المعنى (ما قام إلا زيدٌ) أي ان القصد اثبات القيام لزيد، وذكرت ما قبله توطئه له وتمهيدا لأن البدل أهم من المبدل منه، لأن المبدل مه على نية الطرح عند النحاة، وإذا قلت:(ما قام أحد إلا زيدا) كان المعنى: ما قام أحد أي أردت أن تنفي القيام عن كل أحد وهذا هو المهم عندك ثم استثنيت (زيدا) لأنه خرج عن الإجماع لا لأنه هو الأهم.
فالمهم في النصب هو الإخبار بالنفي، والمهم في الاتباع هو الاخبار بالإيجاب.
وفي هذا التعليل نظر فإنه على ما ذهب إليه النحاة يكون الاستثناء التام كالمفرغ، وذلك أن معنى (ما جاء الرجال إلا خالدا) كمعنى (ما جاء إلا خالد) عندهم لأن البدل
(1) الأصول في النحو 1/ 344، وانظر المقتضب 4/ 394، الكامل للمبرد 2/ 432، حاشية الصبان 2/ 143 - 144
(2)
ابن يعيش 2/ 87
على نية السقوط فيكون مفيدا للقصر كالفرغ، وفي هذا نظر فإن المعنى فيهما مختلف، فإنك إذا قلت (لم يزرني أصدقائي إلا خالد) جعلت خالدا من أصدقائك وقد استثنيته منهم، وقد يكون زارك أحدٌ من غير أصدقائك فإن قلت (لم يزرني إلا خالد) دل على أنه لم يزرك أحد من أصدقائك أو من غيرهم، إلا خالد فالمبدل منه له معنى وفائدة.
وكذلك لو قلت (لم يحضر الطلاب إلا سعيد) جعلت (سعيدا) من الطلاب، وقد يكون حضر واحد أو أكثر من غير الطلاب مع سعيد، كالأساتذة أو البوابين، إلا أنه لم يحضر من الطلاب إلا سعيد. ولكن لو قلت (لم يحضر إلا سعيد) نفيت الحضور عن كل واحد إلا عن سعيد، فلم يحضر أحد من الناس إلا سعيد، ونحوه أن تقول (ما حضر الفائزون إلا محمدٌ)، فمحمدٌ وحده هو الحاضر من الفائزين، وقد يكون حضر معه غيره من غير الفائزين كالمشاهدين ولكن لو قلت (ما حضر إلا محمد) دل على أنه ل يحضر أحد البته إلا محمد.
وعلى هذا فرأي النحاة أن البدل على نية احلاله محل المبدل منه، وإن المبدل منه على نية السقوط، فيه نظر، فإن المعنى يختلف إذا ذكر المبدل منه، وإذا فرغ الاستثناء، وعلى ذلك فهذا الفرق غير وارد.
إن الفرق بين الاتباع والنصب من أوجه منها:
1 -
إن الاتباع يدل حتما على أن المستثنى بعض من المستثنى منه، بخلاف النصب فإنه من المتحمل أن يكون بعضا منهم، وأن لا يكون فإنك إذا قلت (ما حضر الطلاب إلا سعيدٌ) بالرفع كان سعيد من الطلاب حتما، وإذ قلت (ما حضر الطلابُ إلا سعيدا) احتمل أن يكون (سعيد) من الطلاب، وأن لا يكون منهم، وذلك بأن يكون موظفا، أو بوابا فيكون منقطعا، وبهذا نعلم أن الاتباع يدل قطعا على أنه أنه إما متصل أما النصب فإنه تعبير احتمالي أي يحتمل الاتصال والانقطاع.
2 -
قد يراد بالنصب البعد عن المستثنى منه جنسا أو نوعا أو غيرهما، أو التبعيد عنه، أي تنزيله منزلة البعيد بخلاف الاتباع فإنه يراد به الالصاق، فإن أردت إبعاد محمد عن
الفائزين قلت (ما حضر الفائزون إلا محمد) فإنك هنا بعدته عنهم، وقد يكون البعد حقيقة أو تجوزا، فقد تنصب لقصد التبعيد من المستثنى منه، بأن تجعله ليس بعضا منه، وإن كان منه حقيقة بخلاف الاتباع فإنه يراد به الالصاق بالمستثنى منه، فإن تعذر جعله بعضا منه ولو تجوزا وجب النصب عند بني تميم وغيرهم.
وقد مر بنا أن بني تميم يقولون (مالي عتاب إلا السيف) يجعلون السيف عتابه ويقولون (ماله عليه سلطان إلا التكلف) ونحو ذلك (1).
فهم إذا تجوزوا فجعلوا السيف عتابا، وإلا واري أحدا والتكلف سلطانا، اتبعوا وإن أرادوا التبعيد من ذلك قطعوا.
وهذا ملاك الأمر وهو أن العرب إذا أردوا الصاق المستثنى بالمستثنى منه، أتبعوا وإن أرادوا التبعيد نصبوا. فإن امتنع جعله بعضا منه قطعوا، نحو مازاد هذا المال لا ما تنقص) وعلى هذا تقول (ما جاءني الطلاب إلا خالد) إذا جعلت خالدا بعض الطلاب فإن قلت (خالدا) أبعدته منهم وإن كان طالبا حقا، وذلك لأن تقصيره وعدم انتظامه وقلة معرفته جعلك تسلكه في عداد غير الطلبة وهذا المعنى تجوزي فنى.
3 -
قد يؤتى بالنصب لرد لكلام سابق وذلك كأن يقول قائل (قام القوم إلا محمدا) فتجيب (ما قام إلا محمدا) وليس معنى الجملة الأخيرة إثبات القيام لمحمد، وإنما نفي الجملة كلها أي أن قولك (قام القوم إلا محمدا) غير صحيح، فقد يكون ليس هو المخالف الوحيد أو أن محمدًا قام مع من قام ونحو ذلك.
وهو هنا واجب النصب، ولا يصح فيه الرفع فإنك إن رفعت أثبت القيام لمحمدٍ، وحده جاء في (الأصول): " والقياس عندي إذا قال قائل: قام القوم إلا أباك، فنفيت في هذا الكلام أن تقول:(ما قام القوم إلا أباك) لأن حق حرف النفي أن ينفي الكلام الموجب بحاله وهيئته، فأما إن كان لم يقصد إلى نفي هذا الكلام الموجب بتمامه وبنى
(1) انظر سيبويه 1/ 364 - 365
كلامه على البدل قال: ما قام القوم إلا أبوك " (1).
وعند ابن مالك إن النصب مختار في نحو هذا (2).
والصواب في مثل هذا وجوب النصب، لأن الرفع يعني إثبات القيام له.
4 -
اختار قسم من النحاة ومنهم ابن مالك النصب في المتراخي نحو: ما ثبت أحد في الحرب ثباتا نفع الناس إلا زيدا، لأنه ضعف التشاكل بالبدل، لطول الفصل بين البدل والمبدل منه (3).
وفي هذا نظر فإن الاعراب ليس أمرا لفظيا، بل هو أمر معنوي فالاعراب إنما هو إعراب عن المعنى، ولذا لا نعتقد بصحة ما اختاره ابن مالك، قال أبو حيان ردا على ابن مالك بقوله:" وهذا الذي ذكره لم يذكره أصحابنا"(4).
5 -
يحتمل في الاتباع ان تكون إلا وصفا بمعنى غير، وليست للاستثناء، وذلك إذا كان الموصوف منكرا أو شبهه، وهو المعرف بأل الجنسية، جمعا او واحدا في معنى الجمع، فلو قلت (ما حضر الرجال إلا خالدٌ) احتمل أن يكون المعنى ما حضر الرجال الذين هم غير خالد، وهذا لا يختصر بغير الموجب بل يكون في الموجب أيضا فلو قلت (حضر العاملون إلا الخاملون) كان المعنى: حضر العاملون غير الخاملين أي الذي ليسوا خاملين (5)، ولو نصب كان استثناء نصا.
(1) الأصول في النحو 1/ 344
(2)
التسهيل 102، وانظر الهمع 1/ 224، التصريح 1/ 349
(3)
الهمع 1/ 224، التصريح 1/ 349
(4)
الهمع 1/ 224
(5)
انظر الأصول 1/ 347، ابن يعيش 2/ 89