الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأين
كأين مركبة عند أكثر النحاة من كاف التشبيه، واي الاستفهامية المنونة، ثم حصل لهما بالتركيب معنى ثالث، لم يكن لكل واحد، منهما في حال الإفراد (1).
وقيل بل هي اسم بسيط غير مركب، ويدل على ذلك تلاعب العرب بها في اللغات المتعددة، فتقول: كأين، كائن، وكأي، وكيي، وغير ذلك. (2).
وهي تفيد التكثير مثل كم الخبرية، وقد وردت للاستفهام قليلا واستدل له بقول أبي ابن كعب لابن مسعود:" كأين تقرأ سورة الأحزاب أية".
فقال: " ثلاثا وسبعين". (3).
وتمييزها مفرد لم يرد إلا كذلك (4). بخلاف تمييز كم الخبرية، فإنه يأتي مفردا أو جمعا كما ذكرنا.
وأكثر العرب لا يتكلمون بها إلا مع (من)، ولم ترد في القرآن إلا كذلك، قال تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير} [آل عمران: 146]، جاء في (كتاب سيبويه):" فإنما ألزموها (من) لأنها توكيد، فجعلت كأنها شيء يتم به الكلام، وصار كالمثل .. وقال إن جرها احد من العرب فعسى أن يجرها بإضار من"(5).
(1) ابن يعيش 4/ 134 - 135 الرضي 2/ 105، سيبوي 1/ 296، الهمع 2/ 75، الأشموني 4/ 85 - 86، الصبان 4/ 86، التصريح 2/ 281، المغنى 1/ 186
(2)
الهمع 2/ 76، وانظر ابن يعيش 4/ 136
(3)
ابن يعيش 4/ 134 - 135، المغنى 1/ 186، الهمع 2/ 76، الأشموني 4/ 85 - 86، التصريح 2/ 281
(4)
الهمع 1/ 255، الأشموني 4/ 86، المغنى 1/ 186
(5)
سيبويه 1/ 296، وانظر ابن يعيش 4/ 136
والذي يبدو لي أنها تستعمل في مواطن التفخيم والتعظيم. إضافة إلى الكثير ويدل على ذلك الاستعمال القرآني لها ..
جاء في (سورة الأعراف): {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون} [الأعراف: 4].
وجاء في (سورة الحج): {فكأين من قرية أهلكناها هي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد} [الحج: 45].
فجاء في الأولى بكم، وفي الثانية بكأين، والسياق يوضح الفرق بين الاستعمالين.
قال تعالى في سورة الأعراف: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون، من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون .. كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين} [الأعراف: 3 - 5].
فأنت ترى أن هذه الآية في سياق آيات المظلومين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق وقد أذن لهم بالقتال، وفيه التأسي بما وقع للطوائف المؤمنة من قبل، فقد كذبهم قومهم واوذوا، فأملي ربك للكافرين ثم أخذهم أخذة قاصمة. ثم قال بعد ذلك: " فكأين من
قرية أهلكناها وهي ظالمة .. " فهذا موطن تفخيم، كأنه قال: وكم من قرية أية قرية، كما تقول: مررت برجل أي رجل، ووجود (أي) المبهمة يشعر بهذا المعنى، والتفخيم هنا لله الذي أخذ مثل هذه القرى المتجبرة العاتية الظالمة، كما قال:{وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم} [محمد: 13]، وكما قال:{وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا} [الطلاق: 8].
وليس السياق في الأعراف على هذا كما هو ظاهر.
ومثله قوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في بيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 146]ـ فهذا موطن تفخيم ومواطن تأسيه للرسول والجماعة المؤمنة، لما حصل لهم في معركة أحد، فإن مثل هذا حصل لمن قبلهم من المؤمنين، قال تعالى:{إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين أمنوا ويمحق الكافرين. ام حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين، ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأين مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين. وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 140 - 146].
فهذا موطن تفخيم وتأسية، وهكذا شأن كل ما ورد بكأين، فإن موطه التفخيم زيادة على التكثير.
قال تعالى: {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} [يوسف: 105]، أي وكم من آية تدعو إلى التامل والإيمان يمرون عليها وهم معرضون عنها، وهذه الآية جاءت بعد قوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت
لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون. وما أكثر الناس ولو حصرت بمؤمنين}
[يوسف: 102 - 103].
أي أن هذه القصص من أنباء الغيب، لا تعلمها أنت ولا قومك، كما يعرف الجميع وهو دليل ظاهر على نبوتك، ولكن مع ذلك لم يؤمنوا، وهذا شأنهم مع آيات الله الكونية في السماء والأرض. {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} [يوسف: 105].
فهذا موطن تفخيم وتعظيم.
وقال تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} [العنكبوت: 60].
وهذا موطن تفخيم وتعظيم لربنا سبحانه، إذ ان هناك دواب ضعيفة لا تحمل رزقها، يوصل الله إليها رزقها في مكانها، بل أنه قدم رزقها علينا، نحن أولى القوة والبأس والحيلة والعقل والتدبر والضرب في الأرض، فقال (الله يرزقها وإياكم)، والله أعلم.