الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قال مررت بصحيفة طين خاتمها، قال: هذا راقود خل، وهذا صفة خز، وهذا قبيح أجري على غير وجهه" (1).
بل ذكر يونس أنه لم يسمع الوصف بالجوهر من ثقة، جاء في (كتاب سيبويه): " هذا باب ما يكون من الأسماء صفة مفردا، وليس بفاعل، ولا صفة تشبه بالفاعل، كالحسن وأشباهه) وذلك قولك مررت بحية ذراع طولها، ومررت بثوب سبع طوله ومررت برجل مائة أبله، فهذه تكون صفات ..
ولا تقول: مررت بذراع طوله، وبعض العرب يجره، كما يجر الخز حين يقول مررت برجل حز صفته، ومنهم من يجره، وهو قليل، كما تقول مررت برجل أسد ابوه إذا كنت تريد أن تجعله شديدا، ومررت برجل مثل الأسد أبوه، إذا كنت تشبهه فإن قلت (مررت بدابة أسد ابوها) فهو رفع لأنك إنما تخبر أن أباها هذا السبع، فإن قلت (مررت برجل أسد أبوه) على هذا المعنى، رفعت إلا أنك لا تجعل أباه خلقه كخلقته الأسد، ولا صورته هذا لا يكون ولكنه يجيء كالمثل، ومن قال: مررت برجل أسد ابوه قال: مررت برجل مائة ابله وزعم يونس أنه لم يسمعه من ثقة" (2).
فتبين من هذا أن معنى النصب يختلف عن معنى الاتباع، فإن النصب لا يراد به التشبيه بخلاف الاتباع، فإن الأشهر فيه أن لا يقصد به بيان الجنس، بل التشبيه، وقد يقصد به بيان الجنس قليلا على الجمع بين اللغتين.
المجرور بمن:
تقول (عندي خاتم من ذهب) و (عندي خاتم ذهبا) و (هذا خاتمك ذهبا) و (هذا خاتمك من ذهب) و (ما أكرمه فارسا) و (ما أكرمه من فارس) فما الفرق بينهما؟
الظاهر أن (من) يؤتى بها للتنصيص على التمييز، أما النصب فقد يحتمل التمييز
(1) سيبويه 1/ 274
(2)
سيبويه 1/ 230 - 231
وغيره أحيانًا، وذلك نحو قولك (ما أحسنه خطيبا) و (ما أحسنه من خطيب) فقولك (خطيبا) يحتمل الحال والتمييز، أما (من) فقد نصبت على التمييز.
وتقول: (كفى به شاعرًا) فهذا يحتمل التمييز والحال، فإذا قلت (من شاعر) تعين انه تمييز، ومعنى الحال الدلالة على الهيئة كما قلنا بخلاف التمييز.
وتقول (ما أشجعه فارسًا وما أجبنه رجلا) أي هو شجاع في هذه الحال، جبان في حال أخرى، فإذا قلت (ما أشجعه من فارس) كان المعنى أنه فارس شجاع.
وتقول (عندي خاتم ذهبا) فهذا يحتمل أن عندك خاتما من الذهب، ويحتمل أن عندك ذهبا مقدار خاتم فإذا قلت (من ذهب) تعين جنس الخاتم.
وتقول (هذا خاتمك ذهبا) فهو يحتمل أن جنسه من ذهب، ويحتمل أن خاتمك الآن هو في حال ذهب، أي غير مصوغ، كما تقول (هذا حطبك رمادا) و (هذا خاتمك قرطا) أي أصبح قرطا، فإن قلت (هذا خاتمك من ذهب تعين أنك تريد الجنس).
جاء في (الأصول): " فأما قولهم: حسبك بزيد رجلا، وأكرم به فارسا، وما أشبه ذلك ثم تقول: حسبك به من رجل وأكرم به من فارس، ولله دره من شاعر، وأنت لا تقول: عشرون من درهم، ولا هو افره منك من عبد، فالفصل بينهما أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بحال فأدخلت (من) لتخلصه للتمييز لا ترى انك لو قلت: أكرم به فارسا، وحسبك به خطيبا لجاز أن تعني في هذه الحال؟ وكذلك إذا قلت: كم ضربت رجلا؟ لم يدر السامع أردت: كم مرة ضربت رجلا واحدا، أم كم ضربت من رجل، فدخول (من) قد أزال الشك"(1).
وجاء في (كتاب سيبويه): " هذا باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير " وذلك قولك ويحه رجلا، ولله دره رجلا، وحسبك به رجلا، وما أشبه ذلك، وإن شئت قلت:
(1) الأصول 1/ 273 - 274، وانظر ابن يعيش 2/ 73
ويحه من رجل، وحسبك به من رجل، ولله دره من رجل، فتدخل (من) ههنا كدخولها في (كم) توكيدا وانتصب الرجل، لأنه ليس من الكلام الأول" (1).
ولعله يقصد بقوله أنها دخلت توكيدا، أنها دخلت لقصد النص على التمييز، فإن عرفت المجرور بمن احتمل معنى آخر، وهو ان تكون (ال) للعهد، فقولك (هذا خاتم من ذهب) يحتمل أن يكون المعنى أن جنس الخاتم من الذهب، ويحتمل أن يكون من الذهب المعهود بينكما، أي أن هناك ذهبا معهودا، فتقول: هذا الخاتم من ذلك الذهب.
وعلى هذا فقولك:
(عندي منشار حديدا) يعني أن جنسه من الحديد، ويحتمل أن يكون عندك حديد بمقدار منشار، فإن قلت:(هذا منشارك حديدا) احتمل أن يكون المنشار في حال حديد أي المنشار الآن في حال حديد، وليس في هيئة منشار.
وقولك:
(عندي منشار حديد) يحتمل أن يكون المعنى أنه لنشر الحديد، لا لنشر الخشب مثلا، كما يحتمل أن يكون جنسه من الحديد.
وقولك (عندي منشار حديد) يحتمل أن يكون أنه كمنشار قوي كالحديد، أو يشبه الحديد، وهو الراجح، أو من حديد على اللغة الأخرى.
وقولك: (عندي منشار من حديد) يتعين أن يكون جنسه من الحديد:
وقولك: (عندي منشار من الحديد) يحتمل أن يكون جنسه من الحديد، ويحتمل أن يكون عنده منشار من الحديد المعروف عند المخاطب، أي أن هناك حديدا معينا، وهذا منشار منه.
(1) سيبويه 1/ 299، وانظر المقتضب 3/ 35