المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تذكير الفعل وتأنيثه - معاني النحو - جـ ٢

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌ظن وأخواتها

- ‌أفعال القلوب

- ‌1 - أفعال اليقين

- ‌علم:

- ‌علم وعرف:

- ‌درى:

- ‌تعلم:

- ‌وجد:

- ‌رأى:

- ‌أرى:

- ‌ألم تر

- ‌أرأيت:

- ‌أرأيتك:

- ‌2 - أفعال الرجحان

- ‌ظن:

- ‌حسب:

- ‌خال:

- ‌زعم:

- ‌عد

- ‌حجا:

- ‌هب:

- ‌تقول:

- ‌أفعال التحويل

- ‌جعل:

- ‌اتخذ وتخذ:

- ‌ترك:

- ‌ صير

- ‌رد:

- ‌وهب:

- ‌الالغاء

- ‌التعليق

- ‌العطف على الجملة المتعلقة:

- ‌ظننته لا يفعل وما ظننته يفعل:

- ‌الذكر والحذف

- ‌حده

- ‌الفاعل

- ‌تأخيره عن عامله:

- ‌إضمار الفعل:

- ‌تقديم المفعول على الفاعل:

- ‌تذكير الفعل وتأنيثه

- ‌الفاعل المفسر بالتمييز

- ‌نائب الفاعل

- ‌ما ينوب عن الفاعل

- ‌فعل وانفعل

- ‌المفعول به

- ‌تقديم المفعول به

- ‌الحذف

- ‌حذف مفعول فعل المشيئة:

- ‌التحذير والإغراء

- ‌1 - ذكر المحذر مع المحذر منه

- ‌2 - ذكر المحذر منه مكررا أو غير مكرر نحو، النار النار، الأسد

- ‌حذف فعله:

- ‌الواو في التحذير:

- ‌الإغراء

- ‌الاشتغال

- ‌معناه:

- ‌ناصبه:

- ‌أقسامه:

- ‌هل يفيد الاشتغال تخصيصا أو تأكيدا

- ‌الفرق بين الرفع والنصب:

- ‌التنازع

- ‌المفعول المطلق

- ‌أنواعه:

- ‌حذف الفعل

- ‌المصدر النائب عن الفعل

- ‌1 - النائب عن فعل الأمر والدعاء:

- ‌2 - المصدر الذي لا يصح الإخبار به عن المبتدأ:

- ‌3 - المصدر التشبيهي:

- ‌4 - المصادر المثناة:

- ‌5 - بقية المصادر

- ‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

- ‌حده:

- ‌ما ينصب على الظرفية:

- ‌ما ينوب عن الظرف:

- ‌الظروف المركبة:

- ‌طائفة من الظروف

- ‌الآن:

- ‌إذ:

- ‌إذا:

- ‌أمس:

- ‌أيان:

- ‌بين بينا بينما:

- ‌حيث:

- ‌دون:

- ‌ريثما:

- ‌سحر:

- ‌عند:

- ‌عوض:

- ‌غدوة:

- ‌قط:

- ‌لدن

- ‌لدى:

- ‌مع:

- ‌وسط:

- ‌المفعول له

- ‌حده:

- ‌التعليل

- ‌المفعول له المنصوب والمجرور:

- ‌المفعول معه

- ‌حده:

- ‌معنى المصاحبة:

- ‌المعية والعطف:

- ‌الواو ومع:

- ‌المستثنى

- ‌الاستثناء بإلا وأقسامه:

- ‌الاستثناء التام:

- ‌الاستثناء المفرغ:

- ‌القصر في الاستثناء المفرغ:

- ‌أحكام المستثنى الاعرابية:

- ‌إلا الوصفية:

- ‌غير

- ‌الاستثناء بغير وإلا:

- ‌سوى

- ‌ليس ولا يكون

- ‌خلا وعدا

- ‌حاشا

- ‌الحال

- ‌حقيقتها:

- ‌المنتقلة واللازمة:

- ‌الحال الجامدة:

- ‌وقوع المصدر حالا:

- ‌تنكير صاحب الحال:

- ‌ تقديم الحال

- ‌واو الحال:

- ‌الحال المؤكدة

- ‌التمييز

- ‌حقيقته:

- ‌نوعا التمييز:

- ‌1 - المبين إبهام ذات:

- ‌2 - المبين إبهام نسبة:

- ‌الغرض من التحويل:

- ‌أسلوب التمييز ومعناه

- ‌معنى النصب والجر:

- ‌معنى الاتباع:

- ‌المجرور بمن:

- ‌التمييز بعد اسم التفضيل:

- ‌تمييز العدد

- ‌كم

- ‌كم الاستفهامية:

- ‌كم الخبرية:

- ‌كأين

- ‌كذا

الفصل: ‌تذكير الفعل وتأنيثه

وأعان خالدًا محمدٌ، وخالدًا أعان محمدٌ.

فالتعبير الأول (أعان محمد خالدا) تقوله والمخاطب خالي الذهن، فأخبرته إخبارا ابتدائيا.

والتعبير الثاني (محمد أعان خالدا) يقال إذا كان المخاطب يعلم أن شخصا ما أعان خالدا، ولكنه يظن أنه سعيدا مثلا، لا محمد فتقدم له المسند إليه لتزيل هذا الوهم، أو تقوله بقصد الحصر أو لشيء من الأعراض التي سبق ذكرها.

والتعبير الآخر (أعان خالدا محمد) يقال إذا كان الخاطب يعنيه أمر خالد، كأن يكون أخاه أو صديقه فيهمه أمر المعان لا المعين، إذ المهم أن يكون خالد هو المعان لا من أعانه فأخر الفاعل، وقدم المفعول لذلك.

وقولنا (خالدا أعان محمد) يقال بقصد الحصر، أي أن محمدا لم يعن غير خالد، كقوله تعالى:{إياك نعبد} [الفاتحة: 5]، أو يقال بقصد إزالة الوهم من ذهن المخاطب، إذا كان السامع يعلم أن محمدًا أعان شخصا ولكنه يظن إنه سعيد لا خالد، فقدم المفعول لإزالة هذا الوهم. أو لغير ذلك من الأغراض التي سبق أن أشرنا إليها.

‌تذكير الفعل وتأنيثه

(1):

يذكر النحاة أن تاء التأنيث تلزم الفعل في موضعين: أحدهما أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل سواء كان المؤنث حقيقا أم مجازيا، نحو هند قامت والشمس طلعت وهند تقوم والشمس تطلع، ولا تقول قام ولا طلع.

فإن كان الضمير منفصلا لم يؤت بالتاء نحو هند ما قام إلا هي.

والآخر أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث (2) غير مفصول عن الفعل،

(1) من المعلوم أن الفعل لا يتصف بتذكير ولا تأنيث وإنما تقول هذا تجوزا.

(2)

المؤنث الحقيق هو ما كان له مذكر من جنسه أو كما يقول النحاة هو ما كان له فرج ويكون في الإنسان والحقيقي ولا يكون في غيرهما نحو فاطمة وليس نحو ثمرة ولا مدرسة.

ص: 59

نحو قامت هند، أما المجازي التأنيث فلا تلزمه التاء نحو طلعت الشمس وطلع الشمس، فإن فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بغير (إلا) جاز إثبات التاء وحذفها والأجود الإثبات، فتقول: أتي خالدا سلمى، والأجود أتت.

فإن فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بـ (إلا) لم يجز إثبات التاء عند الجمهور، فتقول ما قام إلا هند، ولا يجوز ما قامت إلا هند (1).

أما بالنسبة إلى الجمع فإنه يدل إذا أسند الفعل إلى جمع مذكر سالم فحكم الفعل فيه كحكمه مع واحده فتقول: حضر المحمدون، ولا تقول حضرت المحمدون.

وما عدا هذا الجمع فيجوز فيه إثبات التاء وحذفها، قال تعالى {قالت الأعراب أمنا} [الحجرات: 14]، {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30]، وتقول:(قامت الطالبات) و (قام الطالبات)، وفي التعبير الأخير خلاف، فإن البصريين يذهبون إلى وجوب تأنيث جمع المؤنث السالم الحقيقي التأنيث، ونحو طالبات لا كظلمات وثمرات وأما التذكير في قوله تعالى:{إذا جاءك المؤمنات} [الممتحنة: 12]، فللفصل بالكاف (2).

والذي يهمنا من هذا موطن الجواز لا موطن الوجوب، فإن النحاة يذكرون - كما أسلفنا - إنه إذا كان الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بغير (إلا) جاز إثبات التاء وحذفها، والأجود الإثبات فتقول: أتي القاضي بنت الواقف والأجود أتت (3).

(1) انظر ابن عقيل 1/ 162 - 163، حاشية الخضري 1/ 162، المقتضب 2/ 146، 148، 338، ابن الناظم 90، الأشموني 2/ 50 - 53، الهمع 2/ 171، التصريح 1/ 277، 279، سيبويه 1/ 235

(2)

التسهيل 75، ابن عقيل 1/ 164، حاشية الخضري 1/ 164، الأشموني 2/ 54، التصريح 1/ 280، ابن الناظم 91، الهمع 2/ 171

(3)

انظر ابن عقيل 1/ 163

ص: 60

وقال سيبويه: " وقال بعض العرب: قال فلانة، وكلما طال الكلام فهو أحسن، نحو قولك حضر القاضي امرأة، لأنه إذا طال الكلام كان الحذف أجمل"(1).

والذي أراه أن هذا الكلام ليس على إطلاقه وإنما الذي يقرره المعنى، فليس إثبات التاء في الحقيقي التأنيث أجود، ولا إذا طال الكلام كان الحذف أجمل، سواء كان المؤنث حقيقيا أم مجازيا ودليلنا على ذلك كلام الله تعالى.

قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه} [البقرة: 275].

وقال: {قد جاءتكم موعظة} [يونس: 56]، فذكر الفعل في الأولى مع أن الفصل أقل، لأنه بالهاء وأنث في الثانية مع أن الفصل أكثر لأنه بـ _ (كم).

وقال: {من بعد ما جاءتهم البينات} [البقرة: 253]، وقال:{من بعد ما جاءهم البينات} [البقرة: 105]، فمره أنث ومرة ذكر والفصل واحد. وقال:{وأخذ الذين ظلموا الصيحة} {هود: 67} . وقال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} [هود: 94]، فمره أنث، ومره ذكر، والفصل واحد.

وقال: {أمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10].

فحذف التاء مع أنه حقيقي التأنيث. وعلى قول النحاة يكون هذا خلاف الأجود. فالحق أن المعنى هو الحاكم في كل ذلك، فمرة يكون التأنيث أجود، ومرة يكون التذكير أجود، بحسب القصد والسياق، طال الفصل أم قصر.

(1) سيبويه 1/ 235

ص: 61

فقد تقصد باللفظ المؤنث معنى مذكر، فتذكر الفعل له، وقد تقصد باللفظ المذكر معنى المؤنث، فتستعمله استعمال المؤنث، حملا على المعنى، جاء في (الخصائص): فمن تذكير المؤنث قوله:

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

ذهب بالأرض إلى الموضع والمكان .. وكذلك قوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه} لأن الموعظة والوعظ واحد .. وعليه قول الخطيئة:

ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي

ذهب بالنفس أي الإنسان، فذكر.

وتذكير المؤنث واسع جدا، لأنه رد فرع إلى أصل، لكن تأنيث المذكر أذهب في التناكر والاغراب .. وأنشدوا:

أتهجر بيتا بالحجاز تلفعت

به الخوف والأعداء من كل جانب

ذهب بالخوف إلى المخافة ..

وقال:

يا أيها الراكب المزجي مطيتة

سائل بني أسد ما هذه الصوت

ذهب إلى تأنيث الاستغاثة، وحكى الأصمعي عن أبي عمرو، أنه سمع رجلا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها، فقلت له: أتقول: جاءته كتابي؟

فقال: نعم أليس بصحيفة!

قلت: فما اللغوب؟ قال: الأحمق (1).

(1) الخصائص 2/ 411، 416

ص: 62

والحمل على المعنى مدار كثير من أحوال التذكير والتأنيث في القرآن الكريم، ولقد يكون، لغرض آخر، كتنزيل المذكر منزلة المؤنث وبالعكس، أو لغير ذلك من الأغراض

ومما ورد في القرآن الكريم من هذا الباب تذكير وتأنيث (الشفاعة) فقد ورد معها الفعل مؤنثا حيثما وردت إلا في موطن واحد. قال تعالى: {ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} [البقرة: 123]، وقال:{فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48]، وقال {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن} [طه: 109]، وقال:{ولا تنفع الشفاعة عنده} [سبأ: 23]، وقال:{إن يردن الرحمن بض لا تغني عني شفاعتهم شيئا} [يس: 23].

وقال: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا} [النجم: 26].

أما الموطن الذي ورد بتذكيرها فهو قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} [البقرة: 48]، وسبب ذلك، والله أعلم أن الآيات التي وردت بتأنيث الشفاعة هي بمعناها لمؤنث، أما الآية التي وردت بتذكيرها فمعنى الشفاعة فيها هو (الشفيع) أو على معنى (ولا يقبل منها طلب شفاعة) ويدلك قوله تعالى ههنا (ولا يقبل منها)، بخلاف الآيات الآخرى التي فيها (لا تنفع)، و (لا تغني)، مما يدل على الشفاعة في الآيات السابقة بمعناها دون الأخرى، لأن الكافرين لا يشفعون لأنفسهم وإنما يطلبون الشفاعة من غيرهم لهم، أي يطلبون شفيعا يشفع لهم عند ربهم.

ومعلوم أن الشفيع يشفع لغيره لا لنفسه (1).

فمعني الشفاعة هنا إذن (الشفيع) أو (ذو الشفاعة) أو طلب الشفاعة، بخلاف ما ورد في الآيات الأخرى ولذلك ذكرها.

(1) انظر لسان العرب (شفع) 10/ 50، تاج العروس (شفع) 5/ 400

ص: 63

ومن ذلك ما جاء فيه تذكير وتأنيث الموعظة. فقد استعملت فاعلة في موطنين مرة مذكرا مرة مؤنثا قال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 275].

فاستعملها مذكرة وذلك لأنها بمعنى (النهي) ألا ترى إلى قوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} أي جاءه نهي فانتهى، وإلا فالموعظة ليست نهيا، فقط، بل هي أوامر ونواه فالموعظة هنا معناها النهي عن الربا ولذلك ذكرها.

وقال: {هو يحي ويميت وإليه ترجعون. يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور} {يونس: 56 - 57} .

فاستعمالها مؤنثة لأنها بمعناها، وليس بمعنى مذكر.

ومن ذلك ما جاء فيه من تذكير وتأنيث (الضلالة) فقد استعملها فاعلة في موطنين مرة مذكرة، ومرة مؤنثة، قال تعالى:{كما بدأكم تعودون. فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون} [الأعراف: 29 - 30].

وقال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدي الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [النحل: 36].

ذكر الضلالة في آية الأعراف، لأنها بمعنى العذاب، لأن الكلام في الآخرة فإن المعنى: تعودون كما بدأكم أي يعيدكم كما أنشأكم فريقين، فريقا هداه الله وفريقا حق عليه العذاب، كما قال تعالى في موطن آخر {وكثير حق عليه العذاب} [الحج: 18]، لأن الآخرة ليست مقام ضلال، فإن الأمر انتهي وانكشف والغطاء، واتضح ما كان مستورا خفيا، وبان ما كان يذكره رسل الله، وكأن المعنى (وفريقا حق عليه مؤدى الضلالة) ومؤدى الضلالة العذاب.

ص: 64

أما في آية النحل/ فالضلالة بمعناها فأنثها لذلك، وهي في الدنيا وليست في الآخرة، ألا ترى إلى قوله تعالى فيما بعد {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} بخلاف الآية الأولى.

ومن ذلك استعمال القرآن (العاقبة) مذكرة، حيث وقعت بمعنى العذاب قال تعالى:{كيف كان عاقبة المكذبين} [الأنعام: 11].

{كيف كان عاقبة المكذبين} [النحل: 36]{كيف كان عاقبة الكذبين} [آل عمران: 137]، {كيف كان عاقبة المجرمين} [الأعراف: 84]. {كيف كان عاقبة المجرمين} [النمل: 69]، {كيف كان عاقبة المفسدين} [الأعراف: 85]، {كيف عاقبة المفسدين} [النمل: 14]، {كيف كان عاقبة الظالمين} [يونس: 39]، {كيف كان عاقبة الظالمين} [القصص: 40]، {كيف كان عاقبة المنذرين} [يونس: 73] {كيف كان عاقبة المنذرين} [الصافات: 73]. {كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} [النمل: 51].

وغير ذلك ولم ترد في القرآن مؤنثة، إلا في موطنين، هما قوله:{فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} [الأنعام: 135]، وقوله:{وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكلم له عاقبة الدار} [القصص: 37]. وهما ليسا بمعنى العذاب كما هو ظاهر، بل معناهما (الجنة)، قال الزمخشري:" عاقبة الدار: العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها"(1). فأنثها لذلك فحيث ذكر العاقبة كانت بمعنى العذاب، وحيث أنثها كانت بمعنى الجنة.

(1) الكشاف 1/ 529

ص: 65

ومن ذلك تذكير وتأنيث (البينة) فقد استعملها مذكرة، كما استعملها مؤنثة قال تعالى:{وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه اولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} [طه: 133].

وقال: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون، أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين. أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة} [الأنعام: 155 - 157].

فقد أنث البينة في آية طه، لأنها بمعناها، أو هي بمعنى الآية والعلامة.

وذكر الثانية لأنها بمعنى الكتاب، والكتاب مذكر ألا ترى إلى السياق: وهذا كتاب.

إلى أن يقول: {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم} أي جاءكم ما كنتم تتمنون وتطلبون، وهو الكتاب.

ونحوه تذكير وتأنيث (البينات) فقد أنثها حيث كانت بمعنى العلامات الدالة على النبوات قال تعالى: {ياأيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين، فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم، هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور، سل بني اسرائيل كم آتيناهم من آية بينة} [البقرة: 208 - 211]، أنث البينات لأنها بمعنى الآيات أي العلامات المظهرة للنبوات والدلائل إلا ترى بعدها قوله (هل ينظرون إلا .. ) وقوله (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة) فأنث لأنها بمعنى العلامات الدالة على النبوات.

وقال: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات} [البقرة: 253].

والبينات هنا أيضا بمعنى المعجزات، والآيات الدالة على النبوات، الا ترى إلى قوله تعالى:{وآتينا عيسى ابن مريم البينات وآيدناه بروح القدس} .

ص: 66

وقال: {يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات} [النساء: 153].

وهي هنا أيضا بمعنى الآيات الدالة على النبوات والمعجزات، وذلك ظاهر، ألا تراها منتظمة مع سأله أهل الكتاب من الآيات؟ ثم إن اتخاذ العجل كان بعد ظهور الآيات مع السحرة، وانفلاق البحر، وغرق فرعون، وغيرها من الآيات.

في حين استعملها مذكرة في قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} [آل عمران: 102 - 105].

وذلك لأنها بمعنى الأمر والنهي، أو بمعنى الدين أو حبل الله، وليس بمعنى الآيات الدالة على النبوات، ألا تراها منتظمة في سياق الأمر والنهي، وليس في ساق الآيات والمعجزات؟

فحيث كانت بمعناها المؤنث انثت وحيث كانت بمعنى المذكر ذكرت.

ومن ذلك تأنيث وتذكير (الصيحة) فقال في قوم صالح {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} [هود: 67]، بالتذكير، وقال في قوم شعيب:{وأخذت الذين ظلموا الصيحة} [هود: 94]، بالتأنيث وقد ذكر السهيلي أن " الصيحة في قصة صالح في معنى العذاب والخزي، إذ كانت منتظمة بقوله سبحانه وتعالى {ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز} فصارت الصيحة عبارة عن ذلك الخزي وعن العذاب المذكور في الآية فقوي التذكير بخلاف قصة شعيب فإنه لم يذكر فيها ذلك"(1).

(1) بدائع الفوائد 1/ 126، البرهان 3/ 368

ص: 67

وقال ابن القيم: " وعندي فيه جواب أحسن من هذا إن شاء الله، وهو أن الصيحة يراد بها لمصدر بمعنى الصياح، فيحسن فيها التذكير، ويراد بها الواحدة من المصدر فيكون التأنيث أحسن.

وقد أخبر تعالى عن العذاب الذي أصاب به قوم شعيب بثلاثة أمور كلها مؤنثة في اللفظ: أحدها الرجفة في قوله في (الأعراف): {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} [الأعراف: 78](1) ".

الثاني: الظلة: {فأخذهم عذاب الظلة} [الشعراء: 189].

الثالث: الصيحة: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} وجمع لهم بين الثلاثة فإن الرجفة بدأت بهم فاصحروا إلى الفضاء خوفا من سقوط الأبنية عليهم فصهرتهم الشمس بحرها، ورفعت لهم الظلة فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس، فنزل عليهم من العذاب وفيه الصيحة، فكان ذكر الصيحة مع الرجفة والظلة أحسن من ذكر الصياح، وكأن ذكر التاء والله أعلم (2).

قال أبو البقاء: " وقد يترجح أحد المتساويين في نفس الأمر مع جواز الآخر كما في قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا} [الحجرات: 14]، {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30]، تنزيلا لهم منزلة الإناث في نقصان العقل إذ لو كملت عقولهم لدخل الإيمان في قلوبهم، ألا ترى ان النسوة لما وصفوا زليخا بالضلال المبين، وذلك من شأن العقل التام نزلن الذكور (3) ".

وذكر الفراء أن تذكير الفعل في قوله تعالى: {وقال نسوة} ونحوه يدل على القلة بخلاف التأنيث. قال: " {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30]، فذكر الفعل لقلة النسوة .. ومنه قوله:{فإذا انسلخ الأشهر الحرم} [التوبة: 5]، ولم يقل انسلخت

(1) والصواب (في درهم).

(2)

بدائع الفوائد 1/ 126، وانظر البرهان 3/ 368، تسهيل السبيل

(3)

الكليات 328

ص: 68

وكل صواب. وقال الله تبارك وتعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك} [الإسراء: 36]، لقلتهن ولم يقل (تلك)، ولو قيلت كان صوابا" (1).

والذي يبدو صواب هذا القول، فقد استعمل القرآن التأنيث أحيانا للدلالة على الكثرة بخلاف التذكير، قال تعالى:{الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسول من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين} [آل عمران: 183].

فقال {قد جاءكم رسل} تذكير الفعل، وقال:{ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون} [الأعراف: 43]

فأنث الفعل، والفرق واضح بين الأمرين، فإن الأولى خطاب لبني إسرائيل فقال لهم {قد جاءكم رسل} والثانية في رسل الله جميعا، لأن الكلام على لسان أهل الجنة في الآخرة، فالرسل في الآية الثانية أكثر عددا مما في الآية الأولىى، فأنث الفعل للكثرة وذكره للقلة، وقال أيضا {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذي نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} [الأعراف: 53].

وهذه الآية نظيرة الآية السابقة فإن الكلام في الآخرة أيضا، فأنث الرسل للدلالة على الكثرة والله أعلم.

وهذا ميدان واسع نكتفي منه بما ذكرنا.

(1) معاني القرآن 1/ 435

ص: 69