الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهناك فرق بين قولك (محمد قائما ظننت) و (محمد قائم ظننت) كما أوضحناه. ففي النصب يكون الكلام في جملة واحدة، وقد بني الكلام على الظن، وفي الرفع يكون الكلام جملتين، وقد بني على اليقين، الجملة الأولى (محمد قائم)، والجملة الثانية (ظننت)، وهي من الجمل الإستئنافية التي لا محل لها من الإعراب.
جاء في (المغني) في الجملة المستأنفة: "ومنه جملة العامل الملغي لتأخره نحو (زيد قائم أظن). فأما العامل الملغي لتوسطه نحو (زيد أظن قائم) فجملته أيضا لا محل لها إلا أنها من باب جمل الإعتراض"(1).
ولذا لا يصح توكيد الفعل الملغي بمصدر منصوب " لأن التوكيد دليل الاعتناء بالفعل والإلغاء ظاهر في عدمه " كما أسلفنا، إذ كيف يؤكد الظن والكلام غير معقود عليه؟ بخلاف الفعل العامل، فإن الكلام مبني عليه ولذا جاز توكيده.
التعليق
التعليق " مأخوذ من قولهم (امرأة معلقة) أي مفقودة الزوج، تكون كالشيء المعلق لا مع الزوج لفقدانه، ولا بلا زوج لتجويزها وجوده، فلا تقدر على التزوج. فالفعل المعلق ممنوع من العمل لفظا عامل معنى وتقديرا"(2).
فالتعليق في النحو إبطال العمل لفظا لا محلا لمجيء ماله صدر الكلام بعده (3). كما النافية، ولام الابتداء، والاستفهام، تقول: علمت ما محمدا مسافرا، وعلمت لمحمد مسافر، وعلمت أيهم أبوك (4).
(1) المغني 2/ 382
(2)
الرضي على الكافية 2/ 311
(3)
التصريح 1/ 254، الأشموني 2/ 29، حاشية الخضري 1/ 152
(4)
ابن عقيل 1/ 153، الأشموني 2/ 29 - 31، التصريح 1/ 254 - 256
وهو مختص بالأفعال القلبية التصرفة (1). وقد تشاركها أفعال أخرى قليلة، كقوله تعالى:{فلينظر أيها أزكى طعامًا} [الكهف: 19]، و (سل أيهم قام)، برفع أي، أما إذا قلت (سل أيهم قام) بنصب (أي) فالفعل ليس معلقًا.
والفرق بين الجملتين إن (أي) الأولى استفهامية والمعنى: سل الناس عمن قام. وبالنصب تكون (أي) موصولة، والمعنى سل القائم. ونحو ذلك إن تقول:(سل من قام) فإنه يحتمل التعليق وغيره، فإنه يحتمل أن تكون (من) موصولة والمعنى: سل الذي قام والفعل غير معلق، ويحتمل أن تكون (من) استفهامية والمعنى: سل الناس عمن قام، والفعل يكون عند ذلك معلقا.
جاء في (شرح الرضي على الكافية): "واعلم أنك إذا قلت: علمت من قام وجعلت (من) أما موصولة أو موصوفة فالمعنى عرفت ذات القائم بعد أن لم أعرفها. وإن جعلتها استفهامية فليس في الكلام دلالة على هذا المعنى، بل المعنى علمت أي شخص حصل منه القيام وربما كنت تعرف قبل ذلك ذات القائم وإنه زيدا مثلا، وذلك لأن كلمة الاستفهام يستحيل كونها مفعولا لما تقدم لفظه عليها، لاقتضائها صدر الكلام فيكون مفعول علمت إذن مضمون الجملة، وهو قيام الشخص المستفهم عنه أعني زيدا. وأما إن كانت موصولة أو موصوفة فالعلم واقع عليها فكأنك قلت: علمت زيدًا الذي قام"(2) وذكر الأستاذ إبراهيم مصطفى إن الأدوات التي تعلق الفعل عن العمل تدل على أن الكلام الثاني مستقل عن الأول قال: " وما الأدوات التي عدها النحاة معلقه للفعل عن العمل، إلا دلائل على ان الكلام الثاني مستقل، يقصد إلى الإخبار به، فيذكر ما معه ما يشهد ابتداء الكلام واستئنافه وأنه لم يجيء بمنزلة اللاحق وإن جاء في اللفظ متأخرًا"(3).
(1) ابن عقيل 1/ 151
(2)
الرضي على الكافية 2/ 312 - 313
(3)
إحياء النحو 149
وهذا وهم ظاهر فيما يبدو، لأن ما بعده الأداة مرتبط ارتباطا وثيقا بما قبله، وليس مستقلا عنه وإنك لو فصلته عنه لتفكك الكلام، وما استفهام، ففي قوله تعالى مثلا {فلينظر أيها أزكي طعامًا} [الكهف: 19]، جملة (أيها أزكي طعامًا) مرتبطة ارتباطا تاما بقوله (فلينظر) وإن قطعتها عنه لم تجد المعنى يستقيم، فماذا ينظر، إذا لم يكن القصد ربط النظر بالطعام؟
وكذلك قوله تعالى: {سيعلمون غدا من الكذاب الأشر} [القمر: 26]، فقوله (من الكذاب)، مرتبط ارتباطا كلاما بقوله (سيعلمون) وإلا فماذا سيعلمون؟
ومما يدل على ارتباط ما قبل الأداة بما بعدها، جواز العطف على محل الجملة المعلقة، كما في قول كثير:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
…
ولا موجعات القلب حتى تولت
فقوله (موجعات القلب) عطف على محل (ما البكا)، ولذلك انتصب وهو دلالة قاطعة على ارتباط المعلق بالفعل، وإلا لم ينتصب المعطوف.
قال الأستاذ: محمد أحمد عرفة: " ولو تأملت ما بين أيدينا من أمثلة التعليق في كلام الله عز وجل، وكلام العرب، لوجدت النظم يقتضي من جهة المعنى أن يكون الفعل متعلقا بما قبله، وأن يكون ما بعد أدوات التعليق متعلقا بالفعل، فيكون تاليا في المعنى كما هو تال في اللفظ ولا يجوز أن يكون مبتدأ به عن استقلال.
قال الله تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا. ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} [الكهف: 11 - 12].
ففي الآية أداة من أدوات التعليق وهي (أي) علقت (نعلم) عن العمل، ومساق النظم يقتضي أن تكون (أي الحزبين أحصى) متعلقة بنعلم، متأخرة عنها في المعنى، ولا يجوز أن تكون مستقلة عنها، مبتدأ بها في المعنى، ذاك لأنه بدأ فذكر أنه أنامهم سنين، ثم بعثهم لعلة وهي أن يعلم، وماذا يعلم؟ يعلم شيئا خاصًا وهو: من منهم أحصى أمدا لما لبثوا؟