الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقول (لم يدخلها وهو يطمع) و (لم ياتني وهو طامع) فهذه تحتمل الحال، أي لم يدخلها طامعا، وإنما دخلها غير طامع، وتحتمل الاستئناف، فيكون المعنى أنه لم يدخلها ولكنه يطمع في الدخول، وحذفها ينص على الاستئناف.
8 -
أن يؤتى بها للتنصيص على إرادة الحال لا التعليل، وذلك كقولك (جئته أنه أمير) و (جئته وأنه أمير) فالأول تعليل لملجيء، والثانية معناها جئته وهذه حاله، أي وقت هو أمير، قال تعالى:{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33]، ولو قال (ما كان الله ليعذبهم أنك فيهم) لكان المقصود به التعليل، أي بيان السبب، إلى غير ذلك من الأغراض.
الحال المؤكدة
تنقسم الحال إلى مؤسسة، وهي المبينة للهيئة، نحو أقبل أخوك ضاحكا، ومؤكدة وهي التي يستفاد معناها مما قبلها نحو (ولي مدبرا).
وتقسم المؤكدة على ثلاثة أقسام:
المؤكدة لعاملها وهي التي تكون بمعنى عاملها، سواء خالفته في اللفظ، أو وافقته، نحو قوله تعالى:{ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [البقرة: 60]، لأن العثي هو الفساد، وكقوله تعالى:{ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} [النحل: 92]، فنقض الغزل جعله أنكاثا، وكقوله تعالى:{ويوم يبعث حيا} [مريم: 15]، وقوله:{وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} [النساء: 79] فمعنى أرسلناك أنك رسول.
والمؤكدة لصاحبها كقوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا أدخلوا في السلم كافة} [البقرة: 208]، فكافة حال مؤكدة للضمير في (ادخلوا) وقوله:{ولو شاء ربك لأن من في الأرض كلهم جميعا} [يونس: 99]، فجميعا حال مؤكدة لـ (من). وقوله:{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} [النحل: 25]، أي جميعها.
والمؤكدة لمضمون الجملة وهي التي يستفاد معناها من مضمون الجملة قبلها نحو (هو
المتبني شاعرا) فالمتنبي مشهور بالشعر، معروف به، فقولك (شاعرًا) يؤكد مضمون الجملة قبله. ونحو (هم حاتم جوادا) فإن حاتما مشهور بالجود، و (محمد أبوك عطوفا) لأن من لوزام الأبوة العطف.
وليست الحال المؤكدة نحو (أنا أخوك منطلقا) لأنه ليس من لوزام الأخوة الانطلاق وللحال المؤكدة لمضمون الجملة أغراض وشروط، فمن أغراضها أن تكون لبيان اليقين نحو هو خالد معلومًا، وهو أخوك معروفا، وهو الحق صادقا.
وللفخر نحو (أنا أبوك كريما) و (أنا خالد مقداما)
وللتعظيم نحو (هو ربنا منعما) و (هو استاذنا عالما). وللتحقير نحو (هو سالم ذليلا) وهو الجاني مقهورا. وللتصاغر: نحو أنا عبدك فقير إليك، وأنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد. وللوعيد نحو: أنا سعيد قائلا، وأنا عباس متمكنا منك (1). وللترحم نحو (هو المسكين مرحوما) وهو خالد بائسا. وللذم نحو (هو العاصي مطرودا من رحمة ربه) و (هو زيد سارقا) وللأطماع نحو (هو ربنا غافرا لمن يتوب). إلى غير ذلك من الأغراض.
وللحال المؤكدة لمضمون الجملة شروط يذكرها النحاة هي:
أن تكون الجملة إسمية وجزءاها اسمان معرفتان جامدان (2)
قالو وكونها معرفة الجزءين لأنه لا يؤكد إلا المعرفة، وكون جزءيها اسمين جامدين لأنه
(1) انظر سيبويه 1/ 256 - 257، المقتضب 4/ 311، التسهيل 112، ابن يعيش 2/ 64 - 65، الهمع 1/ 245، الرضي 1/ 233، التصريح 1/ 387
(2)
التسهيل 112 الهمع 1/ 245، التصريح 1/ 387، الأشموني 2/ 185، 186
إذا كان أحد الجزءين مشتقا، أو في حكمة، كان عاملا في الحال (1)، فلا تكون مؤكدة لمضمون الجملة.
وإيضاح ذلك أنك إذا قلت (هو حاتم جوادا) لم يكن في الجملة ما يصلح العمل في الحال وإنما عامله محذوف وجوبا تقديره (أحقه) عند الكثيرين، فإن كان أحد الجزئين فعلا أو اسما مشتقا كان هو العامل في الحال فتكون الحال مبنية أو مؤكدة لعاملها، وذلك نحو (هو القادم فرحا) و (هو القادر مستطيعا) فـ (القادم) مشتق، وهو العامل في (فرح) فهي حال مؤسسة، و (القادر) اسم مشتق، وهو العامل في (مستطيع) وهي حال مؤكدة لعاملها لأنها بمعناه.
وفي هذه الشورط نظر فيما أرى.
فإنه لا داعي لاشتراط أن يكون الاسمان جامدين، فالحال المؤكدة لمضمون الجملة قد تكون مع الأسماء الجامدة والمشتقة، وذلك بحسب دلالتها، وذلك نحو أن تقول:(هو الجاني مقهورا) فهذه الحال تحتمل معنيين: إما ان يكون المعنى، أن الجاني مقهور مغلوب، أمره منهزم النفس، وهذا من لوازم الجناية، فتكون الحال مؤكدة لمضمون الجملة كما تقول (هو أخوك عطوفا)، وإما أن يكون المعنى، هو الذي جنى مقهورا أي هو الذي جنى ف حالة قهره فتكون مبينة. فإن أردت المعنى الأولى كانت لمضمون الجملة و (الجاني) اسم مشتق.
ونحوه (هو المنتصر فرحا) فالمنتصر مشتق، و (فرحا) حال مؤكدة، وذلك لأن من لوزام الانتصار الفرح، فإن جعلت (المنتصر) عاملا في الحال كان المعنى هو الذي انتصر في حال فرحه، فإن أردت هذا المعنى كانت مبينة، وإن أردت أن شأن المنتصر أن يكون فرحا كانت حالا مؤكدة لمضمون الجملة.
(1) الأشموني 2/ 185 - 186
ومثله (هو المجرم مأخوذا بجرمه) والمجرم مشتق وهذه حال مؤكدة لمضمون الجملة وليست مبينة، لأنها لو كانت مبينة لكان معناه أنه إجرام حال كونه مأخوذا بجرمه، وهذا معنى بعيد.
ومثله (هو المسكين مرحوما) والمسكين مشتق (ومرحوما) حال مؤكدة، وذلك أن من لوزام المسكنة رحمة الناس، وإذا جعلت (المسكين) عاملا كان المعنى: هو الذي أصبح مسكينا في حال رحمة الناس له، وهذا لا يصح.
ونحوه (هو البائس مكروبا) و (الكاذب مبغوضا) و (هو الظالم مكروها) و (هو العادل محبوبا) و (هو الثمل خائر القوى) وهذه كلها أسماء مشتقة، والحال فيها مؤكدة لمضمون الجملة كما هو واضح.
كما أنه لا داعي لاشتراط التعريف، وإن قولهم (لا يؤكد إلا المعرفة) باطل، لأن هذا رأي البصريين في التوكيد المعنوي الذي هو تابع، نحو (أقبل محمد نفسه)، وهذا ليس منه فنحن نقول (ما ولي رجل منا مدبرا) فنكون قد اكدنا العامل وصاحب الحال نكرة، ولم يمنع التنكير من التوكيد، ونقول (قضيت ستة أيام كاملة) فـ (كاملة) تحتمل الحالية، وهي عند ذاك مؤكدة لصاحبها وهو نكرة.
كما أنه يصح توكيد النكرة توكيدا لفظيا نحو (حضر رجل رجل) ولم يمنعها التنكير من التوكيد.
والحق فيما نرى أنه يصح أن تقع الحال المؤكدة لمضمون الجملة بعد نكرة، وذلك نحو قولك (هو رجل صدق معلوما) و (خالد رجل سوء معروفا) و (محمد رجل عدل معروفا) فكل من (معلوما) و (معروفا) حال مؤكدة لمضمون الجملة، ورجل صدق ورجل سوء نكرتان لأنهما مضافتان إلى نكرة، و (رجل عدل) نكرة موصوفة، وهذه كلها تعبيرات فصيحة.
جاء في (كتاب سيبويه): " ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه أمر قول العرب (هو رجل صدق معلوما ذاك) و (هو رجل صدق معروفا ذاك) و (هو رجل صدق بينا ذاك) كأنه قال: هذا رجل صدق معروفا صلاحه"(1).
فالأحوال في هذه الجمل مؤكدة لمضمون الجملة، كما هو واضح، مع أن أحد الجزءين نكرة. وليس من شأننا في هذا البحث النظر في العوامل، إلا بقدر ما يتعلق بالمعنى.
وعلى هذا ففي عامل هذه الحال الذي يقدره النحاة نظر من حيث المعنى، وذلك أن كثيرا من النحاة ذهبوا إلى أن عاملها محذوف وجوبا تقديره (أحقه)، فالعامل في قولك (محمد أخوك عطوفا) محذوفة تقديره (أحقه عطوفا) ومعنى أحقه، أثبته، وأعرفه، وهذا لا يصح لأن قولك (أعرفه عطوفا) معناه أعرفه في حال عطفه، وهذا المعنى غير مراد، لأنه لا معنى لقولك: محمد أخوك أعرفه في حالة عطفه، جاء في (شرح الرضي على الكافية): " واختلف في العامل في المؤكدة التي بعد الإسمية فقال سيبويه: العامل مقدر الجملة تقديره زيد أبوك أحقه عطوفا، يقال حققت الأمر أي تحققته وعرفته، أي أتحققه وأثبته عطوفا.
وفيه نظر إذ لا معنى لقولك تيقنت الأب وعرفته في حال كونه عطوفا، وإن أراد أن المعنى اعلمه عطوفا فهو مفعول ثان لاحال.
وقال الزجاجي: العامل هو الخبر لكوه مؤولا بمسمى نحو: أنا حاتم سخيا، وليس بشيء لأنه لم يكن سخيا وقت تسميته بحاتم، ولا يقصد القائل بهذا اللفظ هذا المعنى، وأيضا لا يطرد ذلك في نحو:{هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب} [هود: 64]، وغير ذلك مما ليس الخبر فيه علمًا" (2).
ولا داعي إلى تقدير عامل فيما نرى.
(1) سيبويه 1/ 263
(2)
الرضي 1/ 233