المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌واو الحال: قد تقع قبل قسم من الجمل الحالية واو تسمى - معاني النحو - جـ ٢

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌ظن وأخواتها

- ‌أفعال القلوب

- ‌1 - أفعال اليقين

- ‌علم:

- ‌علم وعرف:

- ‌درى:

- ‌تعلم:

- ‌وجد:

- ‌رأى:

- ‌أرى:

- ‌ألم تر

- ‌أرأيت:

- ‌أرأيتك:

- ‌2 - أفعال الرجحان

- ‌ظن:

- ‌حسب:

- ‌خال:

- ‌زعم:

- ‌عد

- ‌حجا:

- ‌هب:

- ‌تقول:

- ‌أفعال التحويل

- ‌جعل:

- ‌اتخذ وتخذ:

- ‌ترك:

- ‌ صير

- ‌رد:

- ‌وهب:

- ‌الالغاء

- ‌التعليق

- ‌العطف على الجملة المتعلقة:

- ‌ظننته لا يفعل وما ظننته يفعل:

- ‌الذكر والحذف

- ‌حده

- ‌الفاعل

- ‌تأخيره عن عامله:

- ‌إضمار الفعل:

- ‌تقديم المفعول على الفاعل:

- ‌تذكير الفعل وتأنيثه

- ‌الفاعل المفسر بالتمييز

- ‌نائب الفاعل

- ‌ما ينوب عن الفاعل

- ‌فعل وانفعل

- ‌المفعول به

- ‌تقديم المفعول به

- ‌الحذف

- ‌حذف مفعول فعل المشيئة:

- ‌التحذير والإغراء

- ‌1 - ذكر المحذر مع المحذر منه

- ‌2 - ذكر المحذر منه مكررا أو غير مكرر نحو، النار النار، الأسد

- ‌حذف فعله:

- ‌الواو في التحذير:

- ‌الإغراء

- ‌الاشتغال

- ‌معناه:

- ‌ناصبه:

- ‌أقسامه:

- ‌هل يفيد الاشتغال تخصيصا أو تأكيدا

- ‌الفرق بين الرفع والنصب:

- ‌التنازع

- ‌المفعول المطلق

- ‌أنواعه:

- ‌حذف الفعل

- ‌المصدر النائب عن الفعل

- ‌1 - النائب عن فعل الأمر والدعاء:

- ‌2 - المصدر الذي لا يصح الإخبار به عن المبتدأ:

- ‌3 - المصدر التشبيهي:

- ‌4 - المصادر المثناة:

- ‌5 - بقية المصادر

- ‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

- ‌حده:

- ‌ما ينصب على الظرفية:

- ‌ما ينوب عن الظرف:

- ‌الظروف المركبة:

- ‌طائفة من الظروف

- ‌الآن:

- ‌إذ:

- ‌إذا:

- ‌أمس:

- ‌أيان:

- ‌بين بينا بينما:

- ‌حيث:

- ‌دون:

- ‌ريثما:

- ‌سحر:

- ‌عند:

- ‌عوض:

- ‌غدوة:

- ‌قط:

- ‌لدن

- ‌لدى:

- ‌مع:

- ‌وسط:

- ‌المفعول له

- ‌حده:

- ‌التعليل

- ‌المفعول له المنصوب والمجرور:

- ‌المفعول معه

- ‌حده:

- ‌معنى المصاحبة:

- ‌المعية والعطف:

- ‌الواو ومع:

- ‌المستثنى

- ‌الاستثناء بإلا وأقسامه:

- ‌الاستثناء التام:

- ‌الاستثناء المفرغ:

- ‌القصر في الاستثناء المفرغ:

- ‌أحكام المستثنى الاعرابية:

- ‌إلا الوصفية:

- ‌غير

- ‌الاستثناء بغير وإلا:

- ‌سوى

- ‌ليس ولا يكون

- ‌خلا وعدا

- ‌حاشا

- ‌الحال

- ‌حقيقتها:

- ‌المنتقلة واللازمة:

- ‌الحال الجامدة:

- ‌وقوع المصدر حالا:

- ‌تنكير صاحب الحال:

- ‌ تقديم الحال

- ‌واو الحال:

- ‌الحال المؤكدة

- ‌التمييز

- ‌حقيقته:

- ‌نوعا التمييز:

- ‌1 - المبين إبهام ذات:

- ‌2 - المبين إبهام نسبة:

- ‌الغرض من التحويل:

- ‌أسلوب التمييز ومعناه

- ‌معنى النصب والجر:

- ‌معنى الاتباع:

- ‌المجرور بمن:

- ‌التمييز بعد اسم التفضيل:

- ‌تمييز العدد

- ‌كم

- ‌كم الاستفهامية:

- ‌كم الخبرية:

- ‌كأين

- ‌كذا

الفصل: ‌ ‌واو الحال: قد تقع قبل قسم من الجمل الحالية واو تسمى

‌واو الحال:

قد تقع قبل قسم من الجمل الحالية واو تسمى واو الحال، وجوبا أو جوازا، نحو (أقبل محمد أخوه معه)، و (أقبل محمد وأخوه معه) فما فائدة هذه الواو؟ وهل تؤدي معنى خاصا بها؟ وما الفرق بين الجملتين السابقتين. ونحوهما في المعنى؟

إن الواو في العموم تفيد الاجتماع، جاء في (المخصص): " فالواو إذا لم يكن بدلا من الحرف الجار لزمته الدلالة على الاجتماع، كلزوم الفاء الدلالة على الاتباع، وهي مع ذلك تجيء على ضربين:

أحدهما: أن تأتي دالة على الاجتماع، متعرية من معنى العطف، في نحو ما حكاه النحويون من قولهم (ما فعلت وأباك؟ ).

والآخر أن تأتي عاطفة مع دلالتها على الاجتماع، في نحو (مررت بزيد وعمرو) فهذا الضرب يوافق الأول في الدلالة على الجمع، ويفارقه في العطف، لأن الواو هناك لم تدخل الاسم الآخر في إعراب الاول، كما فعلت ذلك في الباب الثاني، فإذا كان ذلك علم أن المعنى الذي يخص به بالواو الاجتماع.

وقد تجيء الواو غير عاطفة على غير هذا الوجه، في نحو قوله تعالى:{يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} [آل عمران: 154]، فهي لغير العطف في هذا الموضع أيضا، وذلك أن الجملة التي بعدها غير داخلة في اعراف الاسم الذي قبلها ولا هي معطوفة على الجملة التي قبلها، وإنما الكلام مجوعه في موضع نصب بوقوعه موقع الحال فهذا ما ينبئك عن استحكام الواو في الدلالة على الاجتماع، إذ كان حكم الحال أن تكون مصاحبة لذي الحال" (1).

وهذا صحيح، فالواو العاطفة لمطلق الجمع، وهي تفيد التشريك في الحكم، نحو (حضر محمد وخالد) والواو التي ينتصب الاسم بعدها تفيد المعية والمصاحبة،

(1) المخصص 14/ 47 - 48

ص: 296

وهو اجتماع أيضا، نحو (جئت والليل)، والتي ينتصب بعدها الفعل المضارع تفيد المصاحبة، وهو اجتماع أيضا، نحو (لا تأكل ولا تتكلم) والحالية تفيد مصاحبة، ما بعدها لما قبلها نحو (جئت والشمس طالعة) أي مصاحبة طلوع الشمس، ولذا عدها بعض النحاة للمعية (1) لأنها تفيد المصاحبة، والجملة بعدها مفعول معه.

والاستئنافية تفيد الجمع في ذكر حكمين أو أكثر، نحو (لا تأكل وتشرب) بضم الباء، أي أنت منهي عن الأكل، مباح لك الشرب فقد جمع بين حكمين.

وهي تفيد الجمع ضميرا، نحو إذهبوا وقوموا، وحرفا نحو (مدرسون وقائمون) فالواو على العموم تفيد الاجتماع.

وذكر عبد القاهر الجرجاني، أن الواو الحال يؤتى بها لقصد استئناف حال أخرى تضمها إلى ما قبلها، جاء في (دلائل الإعجاز): " فاعلم أن كل جملة وقعت حالا ثم امتنعت من الواو، فذاك لأجل أنك عمدت إلى الفعل الواقع في صدرها، فضممته إلى الفعل الأول في إثبات واحد وكل جملة جاءت حالا ثم اقتضت الواو، فذاك لأنك مستأنف بها خبرا، وغير قاصد إلى أن تضمها إلى الفعل الأول في الإثبات.

تفسير هذا أنك قلت: (جاءني زيد يسرع) كان بمنزلة قولك (جاءني زيد مسرعا) في أنك تثتب مجيئا فيه إسراع، وتصل أحد المعنيين بالآخر، وتجعل الكلام خبرا واحدا، وتريد أن تقول: جاءني كذلك وجاءني بهذه الهيئة، وهكذا قوله:

وقد علوت قتود الرحل يسفعني

يوم قديديمة الجوزاء مسموم.

كأنه قلت: وقد علوت قتود الرحل بارزا للشمس ضاحيا.

وإذا قلت: (جاءني وغلامه يسعي بين يديه) و (رأيت زيدا وسيفه على كتفه) كان المعنى على أنك بدأت فأثبت المجيء والرؤية، ثم استأنفت خبرًا، وابتدأت اثباتا ثانيا لسعي على أنك بدأت فأثبت المجيء والرؤية، ثم استأنفت خبرا، وابتدأت إثباتا ثانيا لسعي الغلام بين يديه، ولكون السيف على كتفه. ولما كان المعنى على استئناف الاثبات

(1) انظر المغني 2/ 465 - 466، الهمع 1/ 220

ص: 297

احتيج إلى ما يربط الجملة الثانية بالأولى، فجيء بالواو كما جيء بها في قولك (زيد منطلق وعمرو ذهاب)، و (العلم حسن والجهل قبيح)، وتسميتنا لها واو لحال لا يخرجها عن أن تكون مجتلبة لضم جملة إلى جملة" (1).

وجاء في (الطراز): أن الواو إذا كانت محذوفة فهي في حكم التكملة والتتمة لما قبلها تنزل منزلة الجزء منها، .. وإذا كانت الواو موجودة كانت في حكم الاستقلال بنفسها" (2).

وذهب بعضهم إلى أنها لتأكيد الالتصاق جاء في (حاشية الشمني على المغنى): " وقال نجم الدين سعيد .. الواو أكدت الالتصاق، باعتبار أنها من أصلها للجمع المناسب للالصاق". (3)

وجاء في (كليات أبي البقاء): " وقالوا إذا دخلت على الشرط بعد تقدم الجزاء يراد به تأكيد الوقوع بالكلام الأول وتحقيقه كقولهم (أكرم أخاك وإن عاداك) أي أكرمه بكل حال. وقد تزاد الواو بعد إلا لتأكيد الحكم المطلوب إثباته، إذا كان في محل الرد والانكار، كما في قوله (ما من أحد إلا وله طمع أو حسد) (4).".

وأصل هذا القول ما قاله الزمخشري في قوله تعالى: " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} [الحجر: 4]، قال: " ولها كتاب جملة واقعة صفة لقرية، والقياس لا يتوسط الواو بينهما، كما في قوله تعالى:{وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون} [الشعراء: 208] وإنما يتوسط لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كا يقال في الحال (جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب) " (5).

(1) دلائل الإعجاز 164 - 165

(2)

الطراز 2/ 111

(3)

حاشية الشمني على المغنى 2/ 11

(4)

كليات ابي البقاء 367

(5)

الكشاف 2/ 187

ص: 298

وقال نحو هذا القول في قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} [الكهف: 22]، قال: " فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة، ولم دخلت عليها دون الأوليين؟

قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك (جاءني رجل ومعه آخر) و (مررت بزيد وفي يده سيف) ومنه قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن إتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس، ولم يرجموا بالظن كما غيرهم" (1).

فقد ذكر أن لها فائدتين:

الأولى تأكيد الالتصاق، والثانية أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر.

والجمهور ينكرون مجيء الجملة جملة، الصفة بعد هذه الواو (2)، ويعدون هذه الواو واو الحال، جاء في (المغنى):" الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها، وإفادتها ان اتصافه بها أمر ثابت، وهذه الواو أثبتها الزمخشري ومن قلده وحملوا على ذلك مواضع الواو فيها كلها واو الحال". (3)

وعند سيبويه هي بمعنى (إذا) أي للزمن الماضي، جاء في (كتاب سيبويه):" وأما قوله عز وجل {يغشى طائفة منكم وطائفة قد اهمتهم أنفسهم} [آل عمران: 154]، فإنما وجهوه على أنه يغشى طائفة منكم، وطائفة في هذه الحال، كأنه قال (إذ طائفة في هذه الحال)، فإنا جعله وقتا، ولم يرد أن يجعلها واو عطف، إنما هي واو الابتداء"(4).

(1) الكشاف 2/ 225، وانظر 2/ 387، في قوله تعالى:{وما أهلكنا من قرية إلا لها منذورن}

(2)

انظر حاشية يس على التصريح 1/ 377، الصبان 2/ 175، الأشموني 2/ 176

(3)

المغنى 2/ 364، التصريح 1/ 377

(4)

سيبويه 1/ 47، وانظر المقتضب 4/ 125

ص: 299

وقد سماها بعضهم واو الوقت، جاء في (كتاب الأصول): " وإذا ذكرت (أن) بعد واو الوقت كسرت، لأنه موضع ابتداء، نحو قولك (رأيته شابًا وأنه يومئذ يفخر (1)).

وبعضهم ذكر واو الحال وواو الوقت، على أنها واوان مختلفان، جاء في (لسان العرب): " ومنها واوات الحال، كقولك (أتيته والشمس طالعة)، أي في حال طلوعها، قال تعالى:{إذ نادى وهو مكظوم} [القلم: 48].

ومنها واو الوقت، كقولك (اعمل وأنت صحيح) أي في وقت صحتك، والآن وأنت فارغ، فهذه واو الوقت، وهي قريبة من واو الحال" (2).

وهما بمعني واحد كما واضح وليستا مختلفتين.

وذهب بعضهم إلى صرف كلام سيبويه وتأويله عن معناه، جاء في (الهمع):" وقدرها سيبويه والأقدمون بإذ، ولا يريدون أنها بمعنى (إذ) إذ لا يرادف الحرف الاسم، بل أنها وما بعدها قيد للفعل السابق، كما أن (إذ) كذلك"(3)

وكلام السيوطي فيه نظر ظاهر كلام سيبويه أنها بمعنى (إذ) قال: " كأنه قال إذ طائفة في هذه الحال فإنما جعله وقتا" وكما ذكر المبرد، وابن السراج، وغيرهما وسموها واو الوقت، لأنها تفيد التوقيت، والجملة بعدها جارية مجرى عن الراجع إلى ذي الحال، إجراء لها مجرى الظرف، لانعقاد الشبه بين الحال وبينه، تقول (أتيتك وزيد قائم) و (لقيتك والجيش قادم)، قال: وقد اغتدى والطير في وكناتها" (4).

جاء في (المغني): " ومما يشكل قولهم في نحو (جاء زيد والشمس طالعة) أن الجملة الإسمية حال، مع أنها لا تنحل إلى مفرد ولا تبين هيئة فاعل، ولا مفعول ولا هي حال مؤكدة.

(1) الأصول 1/ 321

(2)

لسان العرب 20/ 380، وانظر تاج العروس 10/ 452

(3)

الهمع 1/ 247

(4)

ابن يعيش 2/ 68، وانظر كليات أبي البقاء 140

ص: 300

فقال ابن جني: تأويلها جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه، يعني فهي كالحال، والنعت السببين، كمررت بالدار قائمًا سكانها، وبرجل قائم غلمانه.

وقال ابن عمرون: وهي مؤولة بقولك مبكرا ونحوه.

وقال صدر الأفاضل تلميذ الزمخشري إنما الجملة مفعول معه، وأثبت مجيء المفعول معه جملة، وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى:{والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27]، في قراءة من رفع البحر، هو كقوله:

وقد اغتدى والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

و(جئت والجيش مصطف)، ونحوهما من الأحوال التي حكمها حكم الظرف، فلذلك عريت عن ضمير ذي الحال" (1).

والتحقيق أن واو الحال تفيد الوقت كثيرا، وهي بمعنى (إذ) الظرفية غالبا، وايضاح ذلك أنك تقول:(ما بالك تركض)؟ و (ما بالك راكضا)؟

فأنت تسأل عن سبب ركضه، وتقول:(ما بالك وأنت تركض؟ ) فأنت تسأله عن شيء حدث له، وهو يركض كأنك قلت: ما بالك حين تركض؟

وتقول: (مالك تسكت؟ ) و (مالك ساكتا؟ ) فهذه سؤالان عن سبب سكوته

وتقول: مالك وأنت ساكت؟ فهذا السؤال عن شيء حدث له وهو ساكت كأنه قال: ما حصل لك حي كنت ساكتا؟

وتقول: (لماذا جئتنا هاربا؟ ) ولماذا جئتنا وأنت هارب؟ فالأولى سؤال عن سبب مجيئه هاربا، أي سؤال عن سبب الهرب، والثانية سؤال عن سبب المجيء مع أنه هارب، أي لماذا جئت وهذه حالك؟

وتقول: (كيف وصلت ليس لك مال؟ ) و (كيف وصلت وليس لك مال؟ ) فالأولى

(1) المغني 2/ 465 - 466

ص: 301

سؤال عن سبب فقدان المال، والثانية سؤال له أنه كيف وصل وهذه حالة، أي كيف وصل مع أنه ليس له مال؟ كما تقولك لماذا جئت وأنت مريض؟ أي وهذه حالك. فحاله المعلومة في الثانية عدم المال.

جاء في (كتاب سيبويه): " وبعض العرب يقول: (كلمته فوه إلى في) كأنه يقول (كلمته وفوه إلى في) أي كلمته وهذه حاله.

فالرفع على قوله: كلمته وهذه حاله، والنصب على قوله، كلمته في هذه الحال، فانتصب لأنه حال وقع فيه الفعل.

وأما (يدا بيد) فليس فيه إلا النصب، لأنه يحسن أن تقول (بايعته ويد بيد) ولم يرد أن يخبر أنه بايعه ويده في يده ولكنه أراد أن يقول: بايعته بالتعجيل، ولا يبالي أقريبا كان أم بعيدا.

وإذا قال: (كلمته فوه إلى في) فإنما يريد أن يخبر عن قربه، وأنه شافهه، لم يكن بينهما أحدٌ" (1).

وجاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {أتمدونني بمال فما آتاني الله خيرٌ مما أتاكم} [النمل: 36]، " فإن قلت: ما الفرق بين قولك: (أتدني بامل، وأنا أغني منك؟ ) وبين أن تقوله بالفاء؟

قلت: إذا قلته فقد جعلت مخاطبي عالما بزيادتي عليه في الغني واليسارن وهو مع ذلك يمدني بالمال، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي، فأنا أخبره بالساعة بما لا أحتاج إلى إمداده، كأني أقول له: أنكر عليك ما فعلت فإنني غني منه" (2).

فجعل الواو للحال المعلومة.

قال تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88]، ولو قال: (فما لكم في

(1) سيبويه: 1/ 195 - 196، وانظر المقتضب 3/ 226

(2)

الكشاف 2/ 452

ص: 302

المنافقين وأنتم فئتان) لتغير المعنى، فالأولى سؤال عن سبب انقسامهم فئتين، والثانية سؤال عما حصل لهم في أمر المنافقين عندما كانوا فئتين.

وتقول (بعثه قائدا عليهم) أي جعله قائدًا عليهم، كما قال تعالى:{إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} [البقرة: 247]، ولو قال:(بعثه وهو ملك) لكان المعنى أنه بعثه عندما كان ملكا، أي كان ملكا قبل أن يبعث عليهم، ونحوه إذا قلت (بعثه وهو قادئد) فمعناه أنه أرسله حين كان قائدا، فالقيادة حالة المستقرة، ولو قال (بعثه قائدا) لكان المعنى أنه جعله قائدا عليهم، ولم تكن تلك حاله المستقرة قبل بعثه.

جاء في (الأصول) أن الرجل: إذا قال: بعتك هذا الطعام مكيلا، وهذا الثوب مقصورا فعليه أن يسلمه إليه مكيلا ومقصورا.

وإذا قال: (بعتك وهو مكيل) فإنما باعه شيئا موصوفا بالكيل ولم يتضمنه البيع" (1).

فجعل الكيل قبل البيع.

قال تعالى: {فقعوا له ساجدين} [ص: 72]، ولو قال:(فقعوا له وأنتم ساجدون) لاحتمل أن يكون أمرًا بوقوعهم، حين يكونون ساجدين، فالسجود حالهم المستقرة قبل الوقوع وهذا غير جائز.

ومثله قوله تعالى: {يخرون للأذقان سجدا} [الإسراء: 107]، ولو قال (وهم سجد) لاحتمل المعنى أنهم يخرون للأذقان، حين يكونون سجدا، أي وهذه حالهم.

وهذا غير مراد إذ كيف يخرون للأذقان حين يكونون ساجدين؟

وقال تعالى: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا} [الفرقان: 73]، ولم يقل (لم يخروا عليها وهم صم وعميان) لأن المعنى يكون عند ذاك، أن حالهم المستقرة الصم والعمى.

(1) الأصول 2/ 49 - 50

ص: 303

وقال تعالى على لسان سليمان (ع) " {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون} [النمل: 37]، وقال:{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} [آل عمران: 123].

فالأولى (أذلة) بدون واو لأن الذلة سيكون مقارنا للخروج، ولم يكونوا قبل ذلك أذلة، أما الثانية فمعناها أنه نصرهم وهذه حالهم المستقرة، أي كانوا أذلة قبل النصر، أي نصرك إذ كنت أذلة أي حين كنتم أذلة.

فالواو تكون لما قد استقر، ولذا لا تكون الجملة المسبوقة بالواو مقدرة، أي مستقبلة قال تعالى:{وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها} [التوبة: 68]، فـ (خالدين) حال مستقبلة، فالخولد يكون بعد الوعد، لا مقارنا له، ولو قال (وعدهم وهم خالدون) لكان المعنى أن الوعد حصل حين خلودهم.

وقال: {وبشرناه بإسحاق نبينا من الصالحين} [الصافات: 112]، فـ (نبيا) حال مقدرة لأنها بعد البشرى، ولو قال (وهو نبي) لكان المعنى أنه بشره بإسحاق، حين كان اسحاق نبيا وهو مستحيل فالمسبوقة بالواو لا تكون مقدرة.

ثن أن واو الحال ليست بمعنى (إذ) دوما، بل هو الغالب كما ذكرنا، فقد تكون الجملة قبلها مستقبلة، فتمتنع أن تكون بمعنى (إذ)، لأن (إذ) للمضي في الغالب، وذلك نحو (سأجيئك والليل ساج) أي وقت الليل ساج، فهي بمعنى (وقت)، وهذا الوقت قد يكون ماضيا وقد يكون غيره، بحسب الجملة.

وأما قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} [الحجر: 4]، فليست فيه الجملة بعد الواو صفة، بل الواو واو الحال، بخلاف (لها منذرون) في قوله تعالى:{وما أهلكنا من قرية إلا لها منذورن} [الشعراء: 208]، فإنها تحتمل الوصفية والحالية، فقد يؤتى بالواو للفصل بين الحال والنعت، ولكن قصد، فأنت تقول (ما مررت برجل إلا له مال) و (ما مررت برجل إلا وله مال) فمعنى الأولى أنك إذا مررت برجل ذي مال، أي غني وإنك لم تمر إلا برجل غني.

ص: 304

أما الثانية فمعناها أنك لم تمر برجل إلا حين يكون له مال، أي لم تمر به في وقت لم يكن له مال. فالأولى نعت، وهي صفة عام، أما الثانية فهي حال منتقلة، كما مر في قولنا (ما جاءني طالب مقصر) و (ما جاءني طالب مقصرًا).

ونحوه أن تقول (مررت برجلٍ أخوه منطلق) و (مررت برجل وأخوه منطلق) فمعنى الأولى أنك مررت برجل منطلق الأخ، وانطلاقه قد يكون قبل المرور، وأما الثانية فمعنها أنك مررت به في هذا الوقت.

وتقول (مررت برجل فرسه سابق) و (مررت برجل وفرسه سابق) فالأولى قد يكون فيها السبق قبل المرور، والثانية مررت به في هذا الوقت.

وتقول: (مررت برجل أخوه مقريء) و (مررت برجل وأخوه مقريء) فإن معنى الأولى أنك وصفت الرجل بأن أخاه مقريء، ولا يشترط أنك مررت به في وقت الاقراء، فقد يكون الأخ غير مقريء في وقت المرور، وأما الثانية فإنها تفيد أنك مررت به في حين أن أخاه يقوم بالاقراء فعلا، فالأولى وصف عام والثانية حال.

وتقول ما مررت برجل إلا أخوه مقرئ، أي ما مررت برجل إلا أنه موصوف بأن أخاه مقريء، وتقول: ما مررت برجل إلا وأخوه مقريء، أي ما مررت به إلا في حال الاقراء. فمعنى: قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون} إننا لم نهلك إلا قرية منذرة ولم يأت بالواو، لأن المعنى عند ذاك يكون أنه لم يهلك قرية، إلا وهذه حالها، أي لم يهلك قرية إلا وقت إندارهم، في حين أنه عند الاهلاك يخرج الرسل والمؤمنون بهم من القري ويتركونها فلا يكونون فيها عند اهلاكها، كما في قوم لوط وغيرهم، فلو قال (ولها منذرون) لكان المعنى أنهم فيها وقت الاهلاك كما أوضحنا، بخلاف آية الحجر فإن الأجل حال وقت الاهلاك حاق عليهم مصاحب لاهلاكهم.

يتبين من هذا أن واو الحال تدخل لأغراض منها:

ص: 305

1 -

أنها تكون بمعنى (إذ) أي للوقت الماضي، كقوله تعالى:{إذ نادى وهو مكظوم} [القلم: 48]، ونحو (ما بالك وأنت راكض) أي حين كنت راكضا.

2 -

أنها تكون للوقت غير الماضي أيضا نحو (سأزورك والقمر طالع).

3 -

قد يؤتي بها للدلالة على إن الحال بعدها أمر ظاهر ومعلوم نحو (كيف تعطيني وأنا منك) قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} [البقرة: 214]، أي حسبتم أن تدخلوا الجنة: ولم تكن هذه حالكم الظاهرة؟

4 -

قد يؤتي بها للدلالة على أن ما بعدها مستقر قبل الحدث المصاحب لها نحو: (بعثه وهو ملك) ومنه قوله تعالى: {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} [البقرة: 264] فالاخراج استقر وحدث قبل القتال.

5 -

قد يؤتى بها للاهتمام نحو (عبر النهر ولم يحرك يده) و (قفز خمسة أمتار وعلى ظهره حمل وبيده ثقل و (دخل على الأمير وبيده سيفه).

6 -

قد يؤتى بها للفصل بين الحال والنعت نحو (رأيتك رجلا عنده مال) و (رأيت رجلا وعنده مال) و) رأيت رجلا فرسه سابق (، و (رأيت رجلا وفرسه سابق).

7 -

قد يؤتى بها لإزالة التنصيص على الاستئناف، كقولك (أقبل أخوك هو فرح) و (أقبل أخوك وهو فرح) فالأولى استئناف أخبار جديد نصا، والثانية أزالت فيها الواو التنصيص على الاستئناف، فكان ما بعدها يحتمل الحالية وهو الظاهر، ويحتمل الاستئناف أيضا.

قال تعالى: {كما أخرج ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} [الأنفال: 5]، ولو حذفت الواو لكان اسئتنافا نصا، فذكر الواو أزال التنصيص على الاستئناف، وأصبحت الجملة تحتمل الحالية وهو الظاهر وتحتمل الاستئناف أيضا.

نقول: (هو يحرف القول وأنه يعلم بذلك) فالواو تحتمل الحالية والاستئنافية، وحذفها ينص على الاستئناف

ص: 306