الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرأيتك:
وقد يؤتى بالكاف بعد التاء، فيقال: أرأيتك، ولهذا الفعل معنيان واستعمالان:
أحدهما: " أن يسأل الرجلُ الرجلَ، أرأيت زيدًا بعينك، فههذ مهموزة، فإذا أوقعتها على على الرجل منه قلت: أرأيتك على غير هذه الحال، يريد هل رأيت نفسك على غير هذه الحالة، ثم تثني، وتجمع، فتقول لرجلين أرأيتكما، وللقوم أرأيتموكم، وللنون أرأيتن كن، وللمرأة أرأيتك بخفض التاء، ولا يجوز إلا ذلك (1).
والمعنى الآخر أن يكون بمعنى (أخبرني)، كما مر في (أرأيت) إلا أنه زيدت الكاف عليها لتوكيد الخطاب، والكاف هنا حرف يتصرف على حسب المخاطب، أما التاء فتبقي على حالها مفردة مفتوحة تقول: أرأيتك يا سعيد، ؟ أرأيتكما يا طالبان؟ ارأيتكم يا طلاب؟ أرأيتك يا طالبة؟ قال تعالى:{قل أريتكم إن أتاكم عذاب الله} [الأنعام: 40].
جاء في (لسان العرب): " والمعنى الآخر أن تقول (أرأيتك) وأنت تقول: أخبرني فتهمزها وتنصب التاء منها، وتترك الهمز إن شئت وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحدة مفتوحة للواحد، والواحدة، والجميع في مؤنثه ومذكره فتقول للمراة: أرأيتك زيدا هل خرج؟ وللنسوة أرأيتكن زيدا ما فعل؟ وإنما تركت العرب التاء واحدة، لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل واقعًا.
قال: ونحو ذلك قال الزجاج في جميع ما قال. قم قال: واختلف النحويوين في هذه الكاف التي في أرأيتكم .. والذي يذهب إليه النحويون في هذه الكاف التي في أرأيتكم .. والذي يذهب إليه النحويون الموثوق بعلمهم، أن الكاف لا موضع لها، وإنما المعنى أرأيت زيدًا ما حاله وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب، وهي المعتمد عليها في الخطاب، فتقول للواحد المذكر أرأيتك زيدا ما حاله؟ بفتح التاء والكاف، وتقول في المؤنث: أرأيتَكِ زيدًا ما حاله يا امرأة؟ فتح التاء على أصل الخطاب المذكر، وتكسر الكاف لأنها قد صارت آخر ما في الكلمة والمنبئة عن الخطاب.
(1) لسان العرب 19/ 5، وانظر الرضي على الكافية 2/ 312
فإن عديت الفاعل إلى المفعول في هذا الباب، صارت الكاف مفعولة تقول: رأيتني عالما بفلان، فإذا سألت عن هذا الشرط، قلت للرجل: أرأيتك عالما بفلان، وللإثنين أرأيتما كما عالمين بفلان، وللجميع أرأيتموكم لأن هذا في تأويل: أرأيتم أنفسكم. .
قال ابن بري: وإذا جات أرأيتكما وأرأيتكم بمعنى أخبرني، كانت التاء موحدة فإن كانت بمعنى العلم ثنيت، وجمعت، قلت: أرأيتكما خارجين وأرأيتموكم خارجين؟ (1) وقد زيدت الكاف - كما ذكرنا - لتوكيد الخطاب وذلك كأن يكون المخاطب غافلا، أو كان الأمر يوجب زيادة التنبيه، قال تعالى:{قل أرءيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون. هل أريتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} [الأنعام: 46 - 47].
فأنت ترى أنه قال مرة (أرأيتم)، ومرة (أرأيتكم) وذلك يعود إلى سببين والله أعلم.
الأول: أنه قال في الآية الأولى {أريتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم} فاحتاجوا بعد إلى زيادة في التنبيه والخطاب، وذلك إن فاقد السمع والبصر، والمختوم على قلبه، به حاجة إلى زيادة خطاب وتنبيه، أكثر من السوي، فقال فيما بعد (أرأيتكم).
والسبب الثاني: أن الآية الثانية أشد من الآية الأولى تنكيلا وعذابا، فإن فيها عذاب الله الذي هو أشد من أخذ السمع والبصر، فاحتاج الموقف إلى تنبيه أكثر وزيادة حذر وحيطة فجاء بكاف الخطاب.
وقد تقول: ولم قال الله تعالى في سورة يونس: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرون} [يونس: 10]، ولم يقل (أرأيتكم) كما قال في الآية السابقة أو كما في آية أخرى من سورة الإنعام فقد قال:{قل أريتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} [الأنعام: 40]، والآيات متشابهة، والموقف واحد؟ .
(1) لسان العرب / رأى/ 19/ 6
والحقيقة أن الموقف مختلف، والسياق غير متفق، فإنه لا ينبغي أن ينظر إلى الآيات مجردة، بل تؤخذ في مواطنها وسياقها، وهكذا ينبغي أن ينظر إلى كل نص أدبي، فإن اللغة ليست جملا مفردة بل هي مواقف ومواطن، وقد تصلح جملة في موطن، ولا تصلح في موطن آخر.
وإليك إيضاح الفرق بين الآيتين:
قال تعالى في سورة الأنعام: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم. قل أريتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} [الأنعام: 39 - 40].
فأنت ترى إنه وصف الذين كذبوا بآيات الله بالصم والبكم، وإنهم في الظلمات فاحتاجوا إلى زيادة تنبيه وخطاب ليسمعوا وليعوا، وهذا شبيه بالموقف الذي سبق أن ذكرناه آنفا في قوله تعالى:{قل أريتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم} بخلاف سورة يونس التي ليس فيها هذا الأمر، جاء في (البرهان): " وأما أرأيتك فقد وقعت هذه اللفظة في سورة الأنعام في موضعين، وغيرها وليس لها في العربية نظير، لأنه جمع فيها بين علامتي خطاب وهما التاء والكاف، والتاء اسم بخلاف الكاف فإنها عند البصريين حرف يفيد الخطاب، والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيها على مبناها عليه من مرتبة، وهو ذكر الإستبعاد بالهلاك، وليس فيما سواها ما يدل على ذلك، فاكتفى بخطاب واحد.
قال أبو جعفر بن الزبير: الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المفيد لذلك، تأكيد باستحكام غفلته، كما تحرك النائم باليد، والمفرط الغفلة، باليد واللسان، ولهذا حذفت الكاف في آية يونس (1)، لأنه لم يتقدم قبلها ذكر صمم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب، وقد تقدم قبلها قوله:{قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار} إلى (2) فحصل تحريكهم وتنبيهم بما لم يبق بعده إلا التذكير بعذابهم أهـ (3)).
(1) يشير إلى الآية التي ذكرناها آنفا وهي قوله تعالى {قل أريتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا}
(2)
بياض في الأصل.
(3)
البرهان 4/ 151، 152