الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك صور أخرى وكلها تجتمع في عود الضمير على الاسم المتقدم (1).
ناصبه:
اختلف النحويون في ناصب الاسم المشغول عنه فذهب جمهور النحويين البصريين إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوبا مماثل للفعل المذكور في نحو (خالدا أكرمته) أي أكرمت خالدا أكرمته، ويناسبه في المعنى في نحو (خالدا سلمت عليه) والتقدير: حييت خالدا سلمت عليه، و (خالدا ضربت أخاه) والتقدير أهنت خالدا ضربت أخاه، قال سيبويه: " وإن شئت قلت (زيدا ضربت) وإنما نصبه على إضمار فعل هذا تفسير كأنك قلت: ضربت زيدا ضربته، إلا أنهم لا يظهرون هذا الفعل استغناء بتفسيره، فالاسم هنا مبني على المضمر.
فإن قلت (زيد مررت به) فهو من النصب أبعد من ذلك .. وإن شئت قلت: (زيدًا مررت به) تريد أن تفسر له مضمرا كأنك قلت، إذا مثلت: جعلت زيدًا على طريقي مررت به .. وإذا قلت: (زيد لقاك اخاه) فهو كذلك وإن شئت نصبت لأنه إذا وقع على شيء من سببه، فكانك قد وقع به، والدليل على ذلك أن الرجل يقول: أهنت زيدا باهانتك أخاه وأكرمته بإكرامه أخاه" (2).
وذهب الكسائي إلى أن نصب الاسم المتقدم بالفعل المتأخر، وأن الضمير ملغي، وذهب الفراء إلى أن الاسم والضمير منصوبان بالفعل المذكور، لأنهما في المعنى لشيء واحد.
ويرد عليهما نحو (سعيدا مررت به) فإن الفعل (مر) لا يصح أن ينصب الاسم المتقدم كما لا يصح أن يلغي الضمير المجرور لأن الفعل لا يتعدى إليه إلا بالحرف، ونحو (زيدا هدمت داره) و (خالدا خطت قميصا له) فإنه لا يصح تسلط الفعل على الاسم المنصوب قبله (3).
(1) انظر التصريح 1/ 306
(2)
سيبويه 1/ 42 - 43، وانظر ابن عقيل 1/ 173، حاشية الخضري 1/ 173 - 174، التصريح 1/ 307، الأشموني 2/ 73، الرضي على الكافية 1/ 176
(3)
انظر التصريح 1/ 297، الهمع 2/ 114، ابن عقيل 1/ 173 - 174، حاشية الخضري 1/ 174
وهذا التقدير دعت إليه صنعة الإعراب لأن كل منصوب، لابد له من ناصب عند النحاة ولما لم يجدوا ناصبا للاسم المتقدم، اضطروا إلى التقدير.
إن التقديم الذي ذهب إليه النحاة في هذا الباب مفسد للمعنى، مفسد للجملة فإن الجملة تتمزق، وتنحل بتقديرنا (أكرمت خالدا أكرمته)، و (سررت خالدا أحببت رجلا يحبه) وبنحو ذلك من التقديرات.
وما ذهب إليه الفراء مقبول في نحو (خالدا أكرمته) غير مقبول، في نحو (خالدا سلمت عليه) و (محمدا خطت قميصا له) وكذلك ما ذهب إليه الكسائي.
فتقدير الجمهور متمش مع الصنعة الإعرابية إلا أنه مفسد للمعنى، مفسد للجملة وما ذهب إليه الفراء والكسائي مفسد للصنعة الإعرابية ولا يستقيم في كثير من التعبيرات.
ونحن هنا لا تعنينا تقديرات النحاة واختلافاتها، وإنما الذي يعنينا هو المعنى وإنما ذكرت هذه التقديرات، لأنها تترتب عليها أمور ذات علاقة بالمعنى - كما سنرى -.
وحقيقة الأمر فيما نرى أنه ليس ثمة اشتغال ولا مشغول عنه بهذا المعنى، وإنما هو اسلوب خاص يؤدي غرضا معينا في اللغة ومما يدل على ذلك قولهم (محمدا سلمت عليه) و (خالدا أكرمت أخاه) و (سعيد انطلقت مع أخيه) فأي اشتغال في هذا الأمر؟ وهل يمكن تسليط الفعل على الاسم المنصوب المتقدم فإن الفعل قد يكون لازما كما نرى.
وأما على رأي الكسائي والفراء فليس ثمة اشتغال أصلا، وإذا كان نرغب في الابقاء على اصطلاح الاشتغال والمشغول عنه فإنا نقصد به معنى آخر سنذكره، لا ما ذكره القوم.
أما فيما يخص الإعراب فإنه يمكن أن يعرب الاسم المتقدم مشغولا عنه منصوبا ولا داعي لأنه نذكر له ناصبا لأن التقديم الناصب مبني على نظرية العامل التي لا موجب لها، فإنه يمكن أن يقال أن الفاعل، في العربية مرفوع، والمفعول به منصوب، والمبتدا مرفوع والمشغول عنه منصوب، وهكذا ولا داعي للسؤال عن العامل الذي أحدث هذا وإذا كان لابد من الجواب، فالعرب هم الذين فعلوا هذا وأحدثوه.