الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمييز
حقيقته:
التمييز عند النحاة هو اسم نكرة متضمن معنى (من) لبيان ما قبله من إبهام ذات أو نسبة (1).
أما كون التمييز نكرة فهي مسألة خلافية، فالجمهور على أنه كذلك، وذهب قسم من النحاة إلى جواز تعريفه، مستشهدين بقول الشاعر:
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
وبنحو (محمد حسن وجهه) بنصب الوجه، والجمهور على زيادة (أل) في (النفس) وأن الوجه ليس تمييزا وإنما هو شبيه بالمفعول به (2).
والظاهر أن التنكير هو الغالب، وهو الأصل وقد يرد معرفة في تعبيرات قليلة.
وأما تضمنه معنى (من) فليس المقصود أنه يقبل دخول (من) عليه، فمن التمييز ما يقبل دخول (من)، كما في نحو قولك (لله دره فارسا)، و (لله دره من فارس)، و (هذا ثوب حريرًا) و (هذا ثوب من حرير) ومنه ما لا تدخل عليه (من) نحو (أقبل خمسة عشر من رجل) ونحو (حسن محمد خلقا) فلا تقول فه (حسن محمد من خلق) وإنما التضمن أمر يعود إلى المعنى فمعنى (أقبل خمسة عشر رجلا) أقبل خمسة عشر من الرجال، ومعنى (حسن محمد من خلقا) حسن محمد من جهة خلقه.
وهذا فرق ما بينه وبين الحال، فإن التمييز على تقدير (من) البيانية وهو يزل الابهام عن الذات أو النسبة، أما الحال فهي لبيان الهيئة، تقول (عندي رطل عسلا) فقد أزالت
(1) حاشية يس على التصريح 1/ 394
(2)
انظر التصريح 1/ 394
كلمة (عسل) الإبهام عن المقدار قبله، وهو على معنى (عندي رطل من عسل) وتقول (أقبل سالم مكتئبا) فقد بينت كلمة (كتئب) هيئة سالم.
وتقول: (هو أحسنهم كاتبا) وتعني بهذا التعبير أحد المعنيين: فهو إما أن يكون هو أحسنهم إذا كتب، أي أحسنهم في حال الكتابة فتكون حالا، وإما أن يكون المعنى أن كاتبه أحسن من كتابهم فيكون تمييزا، فإذا أردت الهيئة كانت حالا، وإن أردت المعنى الآخر كانت تمييزا.
وتقول: (ما أحسنه متحدثا) وقد تقصد بهذا أن تتعجب من حسنه، إذا تحدث، أي في حال التحدث فتكون حالا، وإما أن تقصد هو من أحسن المتحدثين كأنك قلت: ما أحسنته من متحدث، فتكون تمييزا بمعنى هو متحدث حسن.
وتقول: (كرم محمد أخا) فإن كنت تعني أن أخا محمد هو الذي كرم، كانت (أخا) تمييزا، وإن كانت تعني أن محمدًا كرم عندما صار أخا، كانت (أخا) حالا.
جاء في (المغنى): " ما يحتمل الحالية والتمييز: من ذلك (كرم زيد ضيفا) إن قدرت أن الضيف غير زيد، فهو تمييز محول عن الفاعل، يمتنع أن تدخل عليه من، وإن قدر نفسه احتمل الحال والتمييز، وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال من"(1).
وجاء في الكامل في قول الشاعر:
لا تطلب خؤولة في تغلب
…
فالزنجُ أكرم منهم أخوالا
" أخوالا منصوب على الحال، ومن زعم أنه تمييز فقد اخطأ"(2).
وكلام المبرد صحيح، وذلك لأنه لم يقصد أن أخوال الزنج أكرم منهم، وإنما قصد أن الزنج إذا كانوا أخوالا أكرم من تغلب، إذا كانوا أخوالا. أي أن الزنج في هذه الحال أكرم من تغلب في مثلها، ولذا قال (لا تطلبن خؤولة في تغلب).
(1) مغني اللبيب 2/ 563، 2/ 463، وانظر الهمع 1/ 252
(2)
الكامل 2/ 413
وجاء في (شرح الرضي) إن نحو لله درك، أو در زيد فارسًا، وكفي زيد شجاعا، أن الأكثرين قالوا فيها " هي تمييز وقال بعضهم: هي حال، أي ما أعجبه في حال فروسيته. ورجح المصنف الأول، قال: لأن المعنى مدحه مطلقا بالفروسية، فإذا جعل حالا اختص المدح وتقيد بحال فروسيته، وأنا لا أرى بينهما فرقا، لأن معنى التمييز عنده ما أحسن فروسيته، فلا يمدحه في غير حال الفروسية، إلا بها وهذا المعنى هو المستفاد من (ما أحسنه في حال فروسيته) وتصريحهم بمن في لله درك من فارس دليل على أنه تمييز" (1).
ونحن لا نوافق الرضي فيما ذهب إليه فإن ثمة فرقا في المعنى بينهما إذا جعلت حالا او جعلت تمييزا. فإنك إذا قلت (ما أحسن زيدا فارسا) فقد تقصد بذاك أنك تمدحه في حال فروسيته كما تقول: (ما أكرم زيدا فارسا، وما أبخله راجلا) أي هو كريم عندما يركب الفرس بخيل عندما يترجل، أي هو كريم في هذه الحال، بخيل في حال أخري، فهذا حال لا غير.
وهذا نظير قول القائل لمعبد بن طوق العنبري، وكان قد تكلم وهو قائم فأحسن، فلما جلس تتعتع:(ما أظرفك قائما وأموقك قاعدا (2)).
وهو من الوضوح بمكان.
وإن قصدت (ما أحسن زيدا من فارس) أي هو فارس حسن، لا إنه حسن في حال الفروسية، كان تمييزا بمعنى هو من أحسن الفرسان، فهناك فرق بين المعنيين.
ونحوه ما ذكره ابن هشام في المنصوب بعد (حبذا) قال: " واختلف في المنصوب بعد (حبذا) فقال الأخفش والفارسي والربعي: حال مطلقا، وأبو عمرو بن العلاء: تمييز مطلقا، وقيل الجامد تمييز، والمشتق حال.
(1) الرضي على الكافية 1/ 241
(2)
انظر البيان والتبين 2/ 413