الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقول:
عندي خاتمٌ ذهبا
وعندي خاتمُ ذهبٍ.
وعندي خاتٌم من ذهبٌ
وعندي خاتمٌ ذهبٌ
وتقول: اشتريت قدحا ماء.
واشتريت قدح ماءٍ، وتقول: ما أحسنه خطيبًا. وما أحسنه من خطيب، ولله دره كاتبا والله دره من كاتب.
فما الفرق بين هذه التعبيرات في المعنى؟
لاشك أن لكل تعبير معنى يختلف عن التعبير الآخر فما معنى كل تعبير وما الفرق بينه وبين التعبيرات الأخرى؟
معنى النصب والجر:
تقول (عندي حُبٌ عسلاً) و (حُبُّ عسلٍ) و (قدحٌ ماءً) و (قدحُ ماءٍ) فما الفرق بينهما؟
والجواب أنك إذا قلته بالنصب، تعين أن عندك التمييز، فقولك (عندي حبٌّ عسلاً) معناه أن عندك عسلا مقدار حب، وقولك (عندي قدحٌ ماءً) بالنصب معناه أن عندك ماء مقدار قدح.
أما الجر فيحتمل معنيين:
الأول: أن عندك التمييز كالأول، أي عندك عسل مقدار حب، وماء مقدار قدح. والثاني: أن عندك الإناء أي عندك الحب وليس عندك العسل، وعندك القدح وليس عندك الماء.
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " فهذه المقادير إذا نصبت عنها التمييز أردت بها المقدرات، لا المقادير، لأن قولك (عندي عشرون درهما) و (ذراع ثوبا) و (رطل زيتا) المراد بعشرين هو الدراهم، لا مجرد العدد، وبذراع المذروع، لا ما يذرع به، وبرطل الموزون لا ما يوزن به، وكذا في غيرهما"(1).
وجاء في (شرح الأشموني): " النصب في نحو ذنوب ماء، وحب عسلا، أولى من الجر لأن النصب يدل على المتكلم أراد عنده ما يملأ الوعاء الذكور من الجنس، وأما الجر فيحتمل أن يكون مراده ذلك، وأن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك"(2).
وجاء في (الأصول): " وتقول (عندي زق عسل سمنا) تضيف الأول وتنصب الثاني تريد مقدار زق عسل سمنا، ولا يجوز عندي ملء زق عسلا سمنا، إلا في بدل الغلط خاصة لأنه لا يكون عندك ملء زق سمنا، وملؤه عسلا"(3).
وذلك أنك إذا نصبت عسلا، تعين أن عندك ملء الزرق عسلا، فكيف تقول سمنا؟ أو
(1) الرضي 1/ 235 - 236
(2)
الأشموني 2/ 197، وانظر حاشية الصبان 2/ 197
(3)
الأصول 1/ 390
يعني أن الزق مملوء بالعسل والسمن مخلوطين، جاء في (الهمع):" وإذا كان المقدار مخلوطا من الجنسين، فقال الفراء لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، بل تقول (عندى رطل سمنا عسلا) إذا أردت أن عندك من السمن والعسل مقدار رطل، لأن تفسير الرطل ليس للسمن وحده، ولا للعسل وحده، وإنما هو مجموعهما فجعل سمنا عسلا اسما للمجموع على حد قولهم (هذا حلو حامض)، وذهب غيره إلى العطف بالواو .. وقال بعض المغاربة: الأمران سائغان، العطف وتركه"(1).
فإن أردت الآلة تعين الجر بالإضافة، ولا يصح النصب فإذا أردت أن عندك القدح الذي هو للماء قلت (عندي قدح ماء) بالجر، ولا يصح النصب، جاء في (الهمع):" والمقادير إذا أريد بها الآلآت التي يقع بها التقدير، لا يجوز إلا إضافتها نحو عندي منو اسمين، وقفيز بر، وذراع ثوب، يريد الرطلين اللذين يوزن بها السمن، والمكيال يكال به البر، والآلة التي يذرع بها الثوب، وإضافة هذا النوع على معنى اللام لا على معنى من"(2).
وقد تقول: هذا واضح في المقادير وشبهها، فيكف يكون المعنى، في نحو (عندي خاتم ذهبا) و (عندي خاتم ذهب) وعندي نسيج حريرا، ونسيج حرير؟ وقد قال الرضي أن المعنى فيهما سواء، قال الرضي: ويدخل فيه [يعني التمييز] المضاف إليه في نحو خاتم فضة، كما يدخل فيه إذا انتصب، لأن معنى النصب والجر سواء" (3).
والحق أن المعنى مختلف أيضا من وجوه عدة، وليس كما قال الرضي. ومن هذه الأوجه أن النصب يكون إيضاحا بعد الإبهام، وهو أوقع في النفس كما ذكرنا.
وإيضاح ذلك أنك تقول (عندي خاتم ذهبا) بالنصب (وعندي خاتم ذهب) بالإضافة فبالنصب يكون الكلام قد تم بكلمة (خاتم) المنونة، ثم جئت بعدها بما يفسر الخاتم فكأنك أخبرت بخبرين: الأول (عندي خاتم) حتى إذا انصرف الذهن عن الكلام،
(1) الهمع 1/ 250 - 251
(2)
الهمع 1/ 250، وانظر الصبان 2/ 196، حاشية الخضري 1/ 224
(3)
الرضي على الكافية 1/ 234
وظن المخاطب أنه تم، قلت (ذهبا) بخلاف قولك (عندي خاتم ذهب) فإن الكلام جعلته سردا واحدا فلم يتم بكلمة (خاتم)، بل أن السامع ينتظر بقية الكلام، فالتمييز في الأولى منتصب بعد تمام الكلام، وهذا يكون إذ أردت إبهام الأمر على السامع أولا، ثم إيضاحه فيما بعد إذا أردت أن المقام يستدعي ذلك، كأن يكون الخاتم من نوع ثمني، أو من معدن نادر يستدعي الإبهام، أو هو عند شخص غير متوقع أن يكون عنده هذا الخاتم، أو لغير ذلك من الملاحظ فتبهم الأمر عليه، ثم توضح له، وهذا المعنى غير موجود في الإضافة.
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وقيل أن الأصل في التمييز أن يكون موصوفا بما انتصب عنه سواء، كان مفردا أو عن نسبة، وكان الأصل (عندي خل راقود) و (رجلٌ مثله) و (سمن منوان) وكذا كان الأصل في (طالب زيد نفسا) لزيد نفس طابت، وإنما خولف بها لغرض الإبهام أولا، ليكون أوقع في النفس لأنه يتشوق النفس إلى معرفة ما أبهم عليها، وأيضا إذا فسرته بعد الإبهام فقد ذكرته إجمالا وتفصيلا وتقديمه مما يخل بهذا المعنى، فلما كان تقديمه يتضمن إبطال الغرض من جعله تمييزا لم يستقم"(1).
وجاء في (حاشية الصبان): " وإنما عدل هذا الأصل ليكون فيه إجمال ثم تفصيل فيكون اوقع في النفس، لأن الآتي بعد الطلب أعز من المنساق بلا طلب"(2).
وقد يختلف المعنى بين النصب والجر من وجه آخر، وذلك نحو أن تقول (هذا مقص حديد) و (هذا مقص حديدا) فقولك هذا مقص حديد، بالإضافة، يحتمل أن المقص من حديد، ويحتمل أنه مقص للحديد، أي يقص الحديد، كما تقول هذا منشار خشب أي ينشر الخشب، مع أنه حديد بلا خلاف ما لو قلت هذا منشار خشبا، فإنه يعني أنه من خشب، ونحوه أن تقول (هذه مسامير حديد، مسامير حديدا) فقولك (مسامير حديد) بالاضافة يحتمل أنها من الحديد، ويحتمل أنها للحديد، كما تقول (هذه مسامير
(1) الرضي 1/ 242 - 342
(2)
حاشية الصبان 2/ 195، وانظر حاشية الخضري 1/ 223، الطراز 2/ 78 - 79