الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الآخر تعين النصب، وكل ترجيح من دون النظر إلى المعنى ترجيح باطل لا يقوم على الأساس.
ولذلك ينبغي أن يعالج موضوع الاشتغال على غير الشاكلة، التي عالجها النحاة.
هل يفيد الاشتغال تخصيصا أو تأكيدا
؟
ذهب البيانيون إلى أن الاشتغال قد يفيد تخصيصا أو توكيدا، وذلك بحسب تقدير الفعل المحذوف، فإذا قدرنا الفعل المحذوف بعد الاسم المنصوب، أفاد تخصيصا وإذا قدرنا الفعل المحذوف قبل الاسم المنصوب أفاد توكيدا، وذلك نحو قولك (محمدًا أكرمته) فإن قدرت (محمد أكرمت أكرمته) أفاد تخصيصا، لأن المفعول إذا تقدم على فعله، أفاد تخصيصا كما مر في بحث المفعول، وأن قدرت (أكرمت محمدا أكرمته) أفاد توكيدا، وذلك لتكرير اللفظ، جاء في (الإيضاح: ) " وأما نحو قولك (زيدا عرفته) فإن المفسر المحذوف قبل المنصوب أي عرفت زيدا عرفته فهو من باب التوكيد أعنى تكرير اللفظ وأن قدر بعده (زيدا عرفت عرفته) أفاد التخصيص (1) ".
وجاء في (شرح المختصر) للتفتازاني: " وأما نحو (زيدا عرفته) فتأكيد أن قدر المحذوف المفسر بالفعل المذكور قبل المنصوب، أي عرفت زيدا عرفته، وإلا أي وأن لم يقدر المفسر قبل المنصوب، بل بعده فتخصيص أي زيدا عرفت عرفته، لأن المحذوف المقدر كالمذكور، فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور .. فنحو (زيدا عرفته) محتمل للمعنيين: التخصيص والتأكيد، فالرجوع في التعيين إلى القرائن وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون أوكد من قولنا (زيدا عرفت) لما فيه من التكرار"(2).
وذهب النحويون إلى أنه يجب تقدير المفسر قبل الاسم المنصوب، جاء في (المغنى) فيجب أن يقدر المفسر في نحو (زيدا رأيته) مقدما عليه.
(1) الإيضاح 1/ 110 - 111
(2)
شرح المختصر 76
وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه وقالوا: لأنه يفيد الاختصاص حينئذ وليس كما توهموا" (1).
وجاء في (التصريح): "وجميع ما يقدر في هذا الباب يقدر متقدما على الاسم المنصوب إلا أن يمنع مانع من حصر أو غيره فيقدر متأخرا عنه (2) " فلا يفيد تخصيصا عند النحاة.
والذي أراه في هذا الباب أن الاشتغال لا يفيد تخصيصا، ولا توكيدا وإنما هو إسلوب خاص يؤدي غرضا معينا لأنه ليس معنى:
(خالدا أكرمت) كمعنى (خالداً أكرمته).
ولا معنى (على محمد سلمت) كمعنى (محمدا سلمت عليه).
فمعنى (خالدا أكرمت) خصصته بالكرم، وأما (خالدا أكرمته) فتفيد إكرام خالد، لا تخصيصه بالاكرام، وقد قدمته للعناية، وكذلك قولك (على محمد سلمت) و (محمدا سلمت عليه) فالأولى تفيد التخصيص، بخلاف الثانية فإنك قدمت الاسم للاهتمام به. واي تخصيص في نحو قولك (محمدا رأيت رجلا يحبه) و (خالدا أهنت أخاه)؟ وهل في قوله تعالى:{والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} [النحل: 5]. وقوله: {ولوطا آتيناه حكما وعلما} [الأنبياء: 74]، تخصيص؟
وأي دليل على أن الفعل متأخر عن الاسم، وهو لم يظهر البته؟
وهو لا يفيد توكيدا أيضا إذ لو كان توكيدا لجاز ذكره بل لوجب ذكره، عند بعض النحاة لأن الحذف ينافي التوكيد، فلا مانع في التوكيد من أن تقول (أكرمت محمدا أكرمت محمدا) و (أكرمت محمدا أكرمته) فتعيد الضمير على الاسم المتقدم.
إن الاشتغال تعبير خاص وأسلوب معين له غرض معين كما ذكرت.
(1) المغني 2/ 613، وانظر معترك الاقتران 1/ 306، الهمع: 2/ 114
(2)
التصريح 1/ 307، وانظر المغنى 2/ 613، حاشية يس 1/ 307 لتوضيح الموانع.