الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواو ومع:
يذكر النحاة أن الواو في نحو (سرت ومحمد) بمعنى مع. فهل من فرق بين قولنا (سرت ومحمدا) و (سرت مع محمد)؟ أو بعبارة أخرى هل هناك فرق بين واو المعية ومع؟
1 -
أن الفارق الرئيس بين واو المعية ومع، أن مع مكان أو زمان، فالأول نحو جئت مع سعيد، وأنا معك، والثاني نحو: جئت مع الغروب، بل الأكثر أن تكون للمكان، وقد وردت في القرآن الكريم في (160) مائة وستين موطنا كلها للمكان، أما الواو فهي حرف يفيد المصاحبة والاقتران، وليس مكانا أو زمان ولذا قد يختلفان في المعنى وفي ورودهما في التعبير، ومن ذلك على سبيل لمثال قوله تعالى:{فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} [هود: 112]، فهناك فرق بين قولك (ومن تاب معك)، وقولنا ومن تاب ياك، فمعنى من تاب معك، هنا من تاب كائنا معك، أو صائرا، معك فهي مكان ولو أبدل الواو بهذا لتغير المعنى، فلو قال: ومن تاب وإياك، لكان المعنى أنكما اقترنتما في التوبة أي تبتما في وقت واحد، وقد تحتمل مع معنى الواو أيضا إلا أنها هنا لا يراد بها إلا المكان لا الاقتران.
ومثله قوله: {التي هاجرن معك} الأحزاب: 50]، والمعنى هاجرن كائنات معك، أو صائرات معك، ولو قال (هاجرن وإياك) لا تختلف المعنى، فقولنا (هاجرن وإياك) معناه انكم اقترنتم في الهجرة أو تصاحبتم في الهجرة أي في وقت واحد. ومن المعلوم أنه لا يصح القول هاجرن وإياك، لأنهن لم يحصبنه في الهجرة، وإنما صحبه أبو بكر فقط. ومع ذلك فإن مع تحتمل معنى الواو، إلا أنها هنا لا تحتمل إلا ما ذكرنا فقولنا هاجرن معك يحتمل معنيين: الصحبة في الهجرة أي الاقتران، ويحتمل أنهن هاجرن صائرات معك، أما الواو فلا تحتمل المعنى الأول.
ومثله قوله تعالى: {وتوفنا مع الأبرار} {آل عمران: 193} ، أي توفنا داخلين مع الأبرار، ولا تصلح الواو هنا، فلو قلنا (توفنا والابرار) لكان المعنى أنهم يقترنون في
الوفاة أي يتوفون في وقت واحد وليس هذا المقصود. ومثله قوله تعالى: {وأسلمت مع سلمان لله رب العالمين} [النمل: 44]، أي كائنة مع سليمان، أو صائرة معه، ولا تصلح الواو هنا لو قال (وأسلمت وسلمان) لكان لمعنى أنهما اقترنا في دخول الاسلام أي دخلا في الاسلام في وقت واحد، وهي غير صحيح لأن سليمان سبقهما في الإسلام.
ومثله قوله تعالى: {فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون} [الأعراف: 157] فلا يصح أن يقال: (اتبعوا النور الذي أنزل واياه) لأنهما لم يشتركا في الإنزال، ولم يتقرنا فيه فإن الرسول لم ينزل أصلا.
ومثله قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد: 25]، فلا يصح أن يقول (أنزلنا وإياهم الكتاب) لأنهم لم يقترنوا في الإنزال، فإن الرسل لم تنزل.
فتبين من هذا أن الواو لمجرد الاقتران والاصطحاب بخلاف مع التي هي مكان او زمان، تقول: إياك والمراء، فهذا مفعول معه، ولا يصح أن يقال (إياك مع المراء) لأن المراد تحذيره من المراء.
2 -
ولكون (مع) مكانا أو زمانا صح الاخبار بها، ولا يخبر بالواو تقول (إن الله مع الصابرين) ولا تقول إن الله والصابرين، وتقول السفر مع سعيد، ولا تقول السفر وسعيدا.
فالواو حرف يفيد الاقتران، فلا يتم المعنى إلا بالخبر فلو قلت (السفر وسعيدا) لم يتم المعنى.
3 -
قد تكون مع للمساعدة والإعانة نحو: {إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153]، ونحوه:{إنني معكما أسمع وارى} [طه: 46]، ولا تكون الواو لهذا المعنى.
ومع ذلك فهما متقاربان فإن (مع) اسم للصحبة والاجتماع، ولكنهما ليسا متمالين تماما، جا في (التطور النحوي): وأن أن القدماء من النحويين أصابوا في رأيهم أن الواو في مثل (ما أنت والكلام) تؤدي معنى (مع) وتعمل النصب، وفي تسيتهم إياها واو المعية، مع أن أصلها وأصل عملها غامض جدا .. وواو المعية تستعمل في الجمل الكاملة أيضا نحو (استوي الماء والخشبة) أي كان كان سطح الماء في مستوي الخشبة، فمعنى الواو في هذا المثال، وفي أكثر الأمثلة الفصيحة، لا يطابق معنى (مع) تمام بل هو أخص منه كأنه الواو ترمز إلى شيء من تأثير الاسم السابق لهما، فيما بعده أو التأثير به" (1).
(1) التطور النحوي 85