الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا سياق الكلام ونظمه فلو ذهبت تقطع (أيهم أحصى) عن (نعلم)، وتجعلها مقدمة في المعنى، غير تابعة لنعلم، بل مقدمة عنه، فككت الآية وقطعت ما بينها من أواصر، لا يتم المعنى إلا بها، لأنه يصير المعنى ثم بعثناهم لأيهم أحصى لما لبثوا أمدا نعلم وهذا كلام مفكك لا معنى له يجب تنزيه كلام الله عن أن يحمل عليه .. قال الشاعر:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
…
ولا موجعات القلب حتى تولت
نظم البيت يقتضي أن يكون (البكا) متعلقا بما أدري، متأخرا عنه في المعنى، ولا يجوز أن يكون متقدما في المعنى، ذاك لأنه بدأ فبين إنه ما كان يدري قبل عزة، وها هو الذي لا يدريه؟ هو شيء خاص وهو: ما البكا وموجعات القلب. فلو ذهبت تقدم (ما البكا) وتؤخر (أدري قبل عزة) جئت بالمحال، ذلك لأنه يكون: وما كنت ما البكا أدري قبل عزة. وأغلب أمثلة التعليق تأتي في هذه الإحالة التي ذكرناها" (1).
العطف على الجملة المتعلقة:
التعليق كما ذكرناه إبطال العمل لفظا لا محل، فمحل الجملة المعلق عنها الفعل، النصب - كما يقول النحاة - ولذا جاز العطف على محل الجملة، تقول: ظننت لمحمد مسافر وعليا حاضرا قال كثير:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
…
ولا موجغات القلب حتى تولت
فعطف (موجعات) بالنصب على محل قوله (ما البكا) كما يجوز العطف مراعاة للفظ نحو قولك علمت لمحمدٌ مسافر وعلى حاضر (2).
وههنا قد يعرض سؤال وهو: هل معنى النصب والرفع واحد؟ هل معنى قولك (علمت لمحمدٌ مسافر وخالدً راجع) مماثل لقولك: (علمت لمحمدٌ مسافرٌ وخالدًا راجعًا)؟
(1) النحو والنحاة بين الأزهر والجامعة 207 - 208
(2)
التصريح 1/ 257، الرضي على الكافية 2/ 309 - 311، ابن عقيل 1/ 151، الأشموني 2/ 32
إن النحاة صرحوا بجواز الوجهين من دون أن يشيروا إلى اختلاف المعنى، والذي يبدو لي أن بين الوجهين فرقا. وإيضاح ذلك أن لام الابتداء تفيد التوكيد، فقولك (علمت لمحمد مسافر) آكد من قولك (علمت محمدا مسافرا) جاء في (كتاب سيبويه):"ومن ذلك قد علمت لعبد الله خير منك، فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع الف الاستفهام، لأنها إنما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه (علمت) لتؤكد، وتجعله يقينا قد علمته، ولا تحيل على علم غيرك"(1).
فدخول اللام أفاد معنى التوكيد وجعلها في التأكيد بمنزلة جواب القسم، بل هي عند الكوفيين لا القسم، والقسم مقدر، (2) فإذا عطفت بالرفع، كان المعنى على تقدير اللام فتكون بمنزلة ما قبلها في التوكيد، وإذا نصبت لم يكن المعنى على تقدير اللام، فكانت الجملة المعطوف غير مؤكدة، فقولك (خالد راجع) في (علمت لمحمد مسافر وخالد راجع) مؤكدة بمنزلة المعطوف عليه. أما قولك (علمت لمحمد مسافرٌ وخالدًا راجعًا) فإن الجملة الأولى فيه مؤكدة بخلاف الإسميين المنصوبين، وكذلك في الاستفهام نحو قوله:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
…
ولا موجعات القلب حتى تولت
فالرفع يكون على تقدير الاستفهام والمعنى: ولا أدري ما موجعات القلب، أما النصب فليس على تقدير الاستفهام، وإنما المعنى وما كنت أدري موجعات القلب.
وكذلك لو قلت: (علمت أمحمد حاضر وخالدا غائبا) فإن قولك (علمت أمحمد حاضر) معناه: علمت أهو حاضر أم غائب، ولم تخبر عنه بل تركته لعلمك، وقولك (وخالدا غائبا)، معناه: وعلمت خالدا غائبا، فقد أخبرت عن غياب خالد، ولم تخبر عن حضور محمد.
(1) سيبويه 1/ 120
(2)
الرضي على الكافية 2/ 374