الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يوضح ذلك إنك تقول (ما زعمت محمدًا شاعرا) وتقول (زعمت ما محمد شاعر) فالأولى نفي للزعم، أي لم تزعم هذا الأمر ولم تقله. وأما الثانية فهي إثبات للزعم وإثبات انك عرضت لهذا الأمر وذكرت انه ليس بشاعر.
ويوضحه أيضا أنك تقول (ما قلت: محمد مقصر) وتقول: (قلت ما محمد مقصر) فالأولى نفي للقول، والثانية إثبات له. ففي الأولى ذكرت أنك لم تقل هذا الشيء، وفي الثانية إثبات للقول، وإن قلت: ما محمدٌ مقصرٌ.
الذكر والحذف
يكون الذكر والحذف تبعا لغرض المتكلم، فقد يكون الغرض إثبات وقوع الحدث دون نسبته إلى شخص معين، وذلك كما تقول في غير هذا الباب: حصل لغط، ووقع سهو، ووقعت ريبة، وحدث شك، وتقول في هذا الباب: وقع ظن وحصل علم في هذه المسألة، وقد يكون الغرض إثبات الظن، أو العلم لشخص، فتقول: فلان يظن وهو يعلم وكقولهم (من يسمع يخل) قال تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]، وقال:{وإن هم إلا يظنون} [البقرة: 78].
وههنا يكون الفعل منزلا منزلة القاصر فلا يقدر له مفعول.
جاء في (التصريح): " هذا الخلاف في الحذف وعدمه، مجرد اصطلاح عند النحويين وليس من الحذف في شيء عند البيانيين، لأن غرض المتكلم يختلف في إفادة المخاطب، لأنه تارة يقصد مجرد وقوع الحدث من غير تعلق بمفعول، فيسند الفعل إلى مصدر فيقول: وقع ظن أو علم، وتارة يقصد نسبته إلى فاعله من غير تعلق بمفعول فيقول: فلان يظن أو يعلم، فينزل الفعل في هاتين الحالتين منزلة القاصر، وحينئذ، فلا يقال أنه حذف منه شيء كما لا يقال في القاصر أنه حذف منه شيء.
وأما إذا لم ينزل منزلة القاصر فلا بد من ذكرهما، لأن الغرض معلق بإفادتهما" (1).
وجاء في (كتاب سيبويه): " وأما ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه، لأنك تقول (ظننت) فتقتصر، كما تقول (ذهبت) ثم تعمله في الظن، كما تعمل ذهبت في الذهاب فـ (ذاك) ههنا هو الظن، كأنك تقول قلت: ظننت ذلك الظن"(2).
وقد ذهب قسم من النحاة إلى أنه لا يجوز الحذف اقتصارا في هذا الباب، لأن الانسان لا يخلو من علم، أو ظن، جاء في (شرح الرضي على الكافية):" اعلم أن حذف المفعولين معا في باب أعطيت يجوز بلا قرينة دالة على تعيينها فتحذفهما نسيا منسيا، تقول: فلان يعطي ويكسو إذ يستفاد من مثله فائدة من دون المفعولين بخلاف مفعولي باب (علمت) و (ظننت) لعدم الفائدة، لأن المعلوم أن الإنسان لا يخلو في الأغلب من عدم أو ظن، فلا فائدة في ذكرها من دون المفعولين، وأما مع قيام القرينة فلا باس بحذفها، نحو (من يسمع يخل) أي يخل مسموعه صادقا"(3).
وجاء في (حاشية الصبان): "ينبغي أن محل امتناع الحذف، إذا أريد الاخبار بحصول مطلق ظن أو علم أما إذا أريد ظننت ظنا عجيبا، أو عظيما، أو نحو ذلك، أو أريد إعلام السامع بتجدد الظن، أو العلم، أو إيهام المظنون، أو المعلوم لنكتة فينبغي الجواز ..
ومما يجوز الحذف أيضا تقييد الفعل بظرف، أو جار ومجرور، نحو ظننت في الدار، أو ظننت ذلك، لحصول الفائدة حيئنذ" (4).
والذي أراه أنه يجوز الحذف اقتصارا كما سبق أن ذكرنا.
وقد يكون غرض المتكلم ذكر الفعل ومتعلقاته، فيذكر الفعل ومفعوليه ظننت محمدا مسافرا. قال تعالى:{فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} [الممتحنة: 10]،
(1) التصريح 1/ 260 - 261، وانظر المغنى 2/ 612
(2)
سيبويه 1/ 18 - 19
(3)
شرح الرضي على الكافية 2/ 309
(4)
حاشية الصبان 2/ 34، وانظر ابن الناظم 83