المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة الذهبي؛ بأسلوب أدبي [ - موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني

[ياسر الحمداني]

فهرس الكتاب

- ‌[مَقَالَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني]

- ‌أَصُونُ كَرَامَتي مِنْ قَبْلِ قُوتي

- ‌أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُول

- ‌إِعْصَار كَاتْرِينَا

- ‌إِنْقَاذُ السُّودَان؛ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان

- ‌الإِسْلَامُ هُوَ الحَلّ، وَلَيْسَ الإِرْهَابُ هُوَ الحَلّ

- ‌الْبَهَائِيَّة، وَادعَاءُ الأُلُوهِيَّة

- ‌الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان:

- ‌الدِّينُ النَّصِيحَة:

- ‌الشَّيْطَانُ الأَكْبَرُ

- ‌الفَنَّانَاتُ التَّائِبَاتُ

- ‌{أَرَاذِلُ الشُّعَرَاء}

- ‌الحُلْمُ الجَمِيل:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتجْوِيدِه:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الحَدِيثِ النَّبَوِيّ:

- ‌ فَضْلُ بِنَاءِ المَسَاجِد **

- ‌فُقَرَاء، لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌فِقْهُ الحَجِّ وَرَوْحَانِيَّاتُه:

- ‌قَصَائِدُ ابْتِهَالِيَّة:

- ‌لُغَتُنَا الجَمِيلَة:

- ‌مَقَامَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌أَنْقِذُونَا بِالتَّغْيِير؛ فَإِنَّا في الرَّمَقِ الأَخِير:

- ‌إِيرَان؛ بَينَ المِطْرَقَةِ وَالسِّنْدَان

- ‌الأَمِينُ غَيرُ الأَمِين

- ‌الإِرْهَابُ وَالأَسْبَابُ المُؤَدِّيَةُ إِلَيْه

- ‌الحَاكِمُ بِأَمْرِ الشَّيْطَان

- ‌الشَّاعِرُ المَغْرُور

- ‌الْفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالرُّوتِينُ في الدُّوَلِ المُتَخَلِّفَة

- ‌الْقِطَطُ السِّمَان

- ‌الْكُلُّ شِعَارُهُ نَفْسِي نَفْسِي

- ‌المَوْهُوبُونَ وَالمَوْهُومُون

- ‌بَعْضَ الَاهْتِمَام؛ يَا هَيْئَةَ النَّقْلِ الْعَامّ

- ‌ثَمَانِ سَنَوَات؛ يَا وَزَارَةَ الاتِّصَالات

- ‌جَمَاعَةُ الإِخْوَانِ المحْظُوظَة

- ‌دُورُ " النَّشْل

- ‌شَبَابُنَا وَالْقُدْوَةُ في عُيُونِهِمْ

- ‌شُعَرَاءُ الْفُكَاهَة؛ بَيْنَ الجِدِّيَّةِ وَالتَّفَاهَة

- ‌صَنَادِيقُ شَفَّافَة، وَنُفُوسٌ غَيرُ شَفَّافَة

- ‌ ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق

- ‌فَتَيَاتُ المَدَارِس، وَتَحَرُّشُ الأَبَالِس

- ‌قَتَلُواْ بِدَاخِلِنَا فَرْحَةَ الْعِيد

- ‌قَصِيدَةً مِنْ نَار؛ لِمَنْ يَتَّهِمُني بِسَرِقَةِ الأَشْعَار

- ‌قَنَاةٌ فَضَائِيَّةٌ تَلْفِتُ الأَنْظَار؛ بِالطَّعْنِ في نَسَبِ النَّبيِّ المخْتَار

- ‌مَتى سَيُنْصَفُ الضَّعِيف؛ في عَهْدِكَ يَا دُكْتُور نَظِيف

- ‌مُوَسْوِسُونَ لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌يَتْرُكُونَ المُشَرِّفِين؛ وَيُقَدِّمُونَ " المُقْرِفِين

- ‌يحْفَظُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَيَعْمَلُ بَنَّاءً

- ‌أَشْعَار بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌فَضْلُ الشِّعْر وَالشُّعَرَاء

- ‌مخْتَارَاتٌ مِنْ دِيوَاني:

- ‌الحَمَاسَةُ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌إِهْدَاءُ الحَمَاسَةِ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ الحَمَاسَة:

- ‌بَحْرُ الخَفِيف:

- ‌بَحْرُ الْبَسِيط:

- ‌بَحْرُ الرَّجَز:

- ‌بَحْرُ الرَّمَل:

- ‌بَحْرُ الوَافِر:

- ‌بَحْرُ المُتَدَارَك:

- ‌بَحْرُ المُتَقَارِب:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 2]:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 3]:

- ‌مجْزُوءُ الرَّمَل:

- ‌مجْزُوءُ الرَّجَز:

- ‌مجْزُوءُ الْوَافِر:

- ‌مجْزُوءُ الْكَامِل:

- ‌مُخَلَّعُ الْبَسِيط:

- ‌[مَنهُوكُ الرَّجَز

- ‌كِتَابُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌مُقَدِّمَةُ الرِّضَا بِالقَلِيل

- ‌تَمْهِيدُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌الفَقِيرُ الصَّابِر:

- ‌الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌عَفَافُ النَّفْس:

- ‌كِتَابُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظَاً:

- ‌أَحْكَامُ الجَنَائِز:

- ‌فَقْدُ الأَحِبَّة:

- ‌وَفَاةُ الحَبِيب:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌مُصِيبَةُ المَرَض:

- ‌مُصِيبَةُ السِّجْنِ وَالحَدِيثُ عَنِ المَظْلُومين:

- ‌هُمُومُ المُسْلِمِين:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ العُلَمَاء

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌[كِتَابُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌[مُقَدِّمَةُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌أَرْشِيفُ الحَمَدَاني:

- ‌انحِرَافُ الشَّبَاب:

- ‌البَيْتُ السَّعِيد

- ‌أَدَبُ الحِوَارِ في الإِسْلَام:

- ‌{الأَدَبُ مَعَ اللهِ وَرَسُولِهِ

- ‌ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجْ:

- ‌الدِّينُ الحَقّ:

- ‌الطِّيبَةُ في الإِسْلَام:

- ‌الْعِلْمُ وَالتَّعْلِيم:

- ‌العَمَلُ وَالكَسْب:

- ‌الكِبْرُ وَالغُرُور

- ‌المَمْلَكَةُ العَادِلَة:

- ‌بِرُّ الوَالِدَين:

- ‌نُزْهَةٌ في لِسَانِ الْعَرَب:

- ‌تَرْجَمَةُ الذَّهَبيّ؛ بِأُسْلُوبٍ أَدَبيّ [

- ‌حَالُ المُسْلِمِين:

- ‌رِجَالٌ أَسْلَمُواْ عَلَى يَدِ الرَّسُول:

- ‌فَوَائِدُ الصَّوْم:

- ‌زُهْدِيَّات:

- ‌(طَوَارِئُ خَطَابِيَّة)

- ‌فَضَائِلُ الصَّحَابَة:

- ‌مَدِينَةُ كُوسُوفُو:

- ‌مُعَلَّقَاتُ الأَدَبِ الإِسْلَامِيّ:

- ‌فَهْرَسَةُ سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء

الفصل: ‌ترجمة الذهبي؛ بأسلوب أدبي [

‌تَرْجَمَةُ الذَّهَبيّ؛ بِأُسْلُوبٍ أَدَبيّ [

تَرْجَمَةٌ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ بَحْثٍ لِلدُّكْتُور بَشَّار عَوَّاد مَعْرُوف 87 صَفْحَة، اخْتُصِرَ في ثَلَاثِينَ صَفْحَة]:

===============================

ص: 7657

ـ نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَن هَذَا الإِمَام:

وُلِدَ الإِمَامُ المُؤَرِّخُ الحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ محَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَيْمَازَ المُلَقَّبُ بِالذَّهَبيِّ سَنَة / 692 هـ، في عَصْرٍ مَلِيءٍ بِالصِّرَاعَاتِ المَذْهَبِيَّةِ بَينَ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ كَانَ لهُمْ حُظْوَةٌ عِنْدَ المَمَالِيك، وَالأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مِثْلُهَا في الدَّوْلَةِ الأَيُّوبِيَّة [وَعَلَّ بَعْضَنَا مِنَ القُرَّاءِ في المِلَلِ وَالنِّحَلِ وَالتَِّرَاجِم: يَعْرِفُ أَنَّ القَائِدَ صَلَاح الدِّينِ كَانَ مُعْتَنِقَاً لِمَذْهَبِهِمْ، وَكَانَ أَشْعَرِيَّاً مُتَعَصِّبَاً] وَلِذَا عَلَا صَوْتُ الأَشَاعِرَةِ في دَوْلَتِهِ؛ وَكَانَ الصِّرَاعُ بَيْنَهُمْ وَبَينَ أَهْلِ السُّنَِّةِ لَا سِيَّمَا الحَنَابِلَةِ عَلَى أَشُدِّه 0

ص: 7658

كَانَ أَصْحابُ المَذْهَبِ الحَنْبَلِيّ: يَعْتَمِدُونَ في مُنَاظَرَاتِهِمْ عَلَى القُرْآنِ وَالحَدِيثِ وَالاِِسْتِدْلَالِ النَّقْلِيّ، بَيْنَمَا كَانَ الأَشَاعِرَةُ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الفَلْسَفَةِ وَالمَنْطِقِ وَالاِسْتِدْلَالِ العَقْلِيّ 0

رَحَلَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رِحْلَاتٍ عِدَّةً في طَلَبِ العِلْمِ إِلىَ الحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّام [مَنْشَئِهُ وَمَسْقَطِ رَأْسِه] حَصَّلَ خِلَالَهَا الكَثِيرَ مِنَ اللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَالنَِّحْوِ وَالأَدَب، تَأَثَّرَ كَثِيرَاً بِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَتَمَذْهَبَ بِالمَذْهَبِ الحَنْبَلِيّ، وَكَانَ يُدَرِّسُ الحَدِيثَ في أَكْثَرِ مِنْ دَارٍ لِلْحَدِيثِ بِدِمَشْق 0

ـ العُلُومُ الَّتي بَدَأَ يَتَخَصَّصُ فِيهَا:

ص: 7659

جُلُّ كِتَابَاتِهِ كَانَ في الحَدِيثِ وَالتَّارِيخ، وَيَأْتي في مُقَدِّمَةِ كِتَابَاتِهِ التَّارِيخِيَّةِ كِتَابُِهُ المَوْسُوعِيُّ تَارِيخُ الإِسْلَام، وَيَأْتي في مُقَدِّمَةِ كِتَابَاتِهِ في التَّرَاجِمِ كِتَابُِهُ سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء، وَالَّذِي يَرَى البَعْضُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَاّ اخْتِصَارَاً لِتَارِيخِ الإِسْلَام، أَوْ قُلْ: جَمَعَ فِيهِ لَطَائِفَ تَارِيخِ الإِسْلَامِ وَطَرَائِفَه 0

وَمَعَ سَعَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ في الحَدِيثِ وَالتَّارِيخ: فَلَقَدْ تَمَيَّزَ رحمه الله أَيَّمَا تَمَيُّزٍ في عِلْمِ نَقْدِ الرِّجَال [الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل] وَاسْتَدْرَكَ عَلَى أَئِمَّةِ هَذَا الفَنِّ نِقَاطَاً كَشَفَتْ عَنْ ثَاقِبِ فِكْرِهِ وَعُمْقِ نَظْرَتِه 0

ص: 7660

وَقَدْ نَفَعَتِ الإِمَامَ الذَّهَبيَّ إِلىَ أَبْعَدِ مَدَىً دِرَاسَتُهُ لِلْحَدِيثِ وَنَظَرُهُ في الأَسَانِيدِ عِنْدَ كِتَابَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ في التَّارِيخِ وَالتَّرَاجِم، حَيْثُ جَاءَتْ أَقْوَالُهُ فِيهِمَا مُوَثَّقَةً وَمُنْصِفَة، خَالِيَةً مِنَ الأَسَانِيدِ الوَاهِيَةِ وَالأَخْبَارِ المَوْضُوعَةِ وَالأَكَاذِيب 0

ـ نُبْذَةٌ عَن وَأُسْرَتِه:

تَرْجِعُ أُصُولُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ إِلى تُرْكُمَان [تَقَعُ شَمَالَ إِيرَان]

ص: 7661

وَكَانَ جَدُّهُ عُثْمَانُ يَعْمَلُ نجَِّارَاً، وَأَمَّا وَالِدُهُ أَحْمَدُ فَقَدْ كَانَ يَدُقُّ الذَّهَب، وَكَانَتْ لَهُ بَرَاعَة؛ في تِلْكَ الصِّنَاعَة، وَجَذَبَهُ الحَدِيثُ فَسَمِعَ صَحِيحَ البُخَارِيّ، وَكَانَ عَابِدَاً صَالحَاً يَقُومُ اللَّيْل، وَاسِعَ الغِنىَ مُعْتِقَاً لِلرِّقَاب، وَأَكْرَمَهُ اللهُ عِنْدَ زَوَاجِهِ بِابْنَةِ رَجُلٍ عَاقِلٍ مِنْ سُرَاةِ المَوْصِلِيِّيِن، فَأَنْجَبَ غُلَامَاً [هُوَ الَّذِي أَصْبَحَ فِيمَا بَعْدُ الإِمَامَ الذَّهَبيّ]

نَشَأَ الغُلَامُ في حِجْرِ عَمَّتِهِ سِتِّ الأَهْلِ أُمِّ محَمَّد ـ صَاحِبَةِ الإِجَازَةِ مِنَ ابْنِ أَبي اليَسَرِ وَجَمَالِ الدِّينِ بْنِ مَالِكٍ وَالزَّرْعِيّ ـ تَوَلَّتْ إِرْضَاعَهُ وَالقِيَامَ بِشُئُونِه [فَيَبْدُو أَنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ وَهُوَ رَضِيع]

ص: 7662

وَكَانَ خَالُهُ عَلِيٌّ أَيْضَاً طَالِبَاً لِلْعِلْمِ رَوَى عَنهُ الإِمَامَ الذَّهَبيّ، وَكَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَخَوْفٍ مِنَ الله، وَكَانَ زَوْجُ خَالَتِهِ فَاطِمَةَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الغَنيِّ بْنِ عَبْدِ الكَافي حَافِظَاً لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ لَه 0

الإِجَازَاتُ الَّتي حَصَلَ عَلَيْهَا مِنْ شُيُوخِهِ في القُرْآنِ وَهُوَ لَا يَزَالُ صَغِيرَاً:

ص: 7663

وَقَدِ اسْتَجَازَ لَهُ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ العَطَّارِ عِدَّةَ إِجَازَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ مَشَايِخَ بِدِمَشْقَ وَمَكَِّةَ وَالمَدِينَة؛ فَانْتَفَعَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ بهَذِهِ الإِجَازَاتِ انْتِفَاعَاً عَظِيمَاً، حَيْثُ شَجَّعَتْهُ وَهُوَ صَغِير، وَذَلَّلَتْ لَهُ بِفَضْلِ اللهِ سُلُوكَ طَرِيقِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ كَبِير 0

وَعُهِدَ بِهِ إِلىَ أَحَدِ كِبَارِ المُؤَدِّبِينَ في عَصْرِهِ وَأَخْبَرِهِمْ بِالصِّبْيَان، فَتَأَدَّبَ علَى يَدَيْهِ وَأَحْسَنَ الخَطّ 0

وَتَعَلَّمَ القُرْآنَ أَيْضَاً عَلَى يَدِ أَحَدِ شُيُوخِ زَمَانِه 0

ص: 7664

وَكَانَ خِلَالَ هَذِهِ المَرْحَلَةِ يَعْمَلُ في صِنَاعَةِ أَبِيهِ الذَّهَب؛ وَمِنْ ثَمَِّ أَلْصَقُواْ بِهِ كَوَالِدِهِ لَقبَ الذَّهَبيّ، وَلَكِنْ جُلُّ وَقْتِهِ كَانَ يَذْهَبُ في الاِخْتِلَافِ إِلى مجَالِسِ العُلَمَاءِ وَالشُّيُوخِ لِيَسْمَعَ مِنهُمْ 0

انْطِلَاقَةُ الإِمَامِ في تحْصِيلِ عُلُومِ القِرَاءَاتِ وَالحَدِيث وَبِدَايَةُ الرِّحْلَةِ إِلَيْهِمَا:

ص: 7665

أَكْبَرُ اهْتِمَام الإِمَامِ كَانَ بِعِلْمَيِ القِرَاءَاتِ وَالحَدِيث: فَأَخَذَ القِرَاءَاتِ عَنْ شَيْخِ القُرَّاءِ جَمَالِ الدِّينِ أَبي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ العَسْقَلَانيّ، المَعْرُوفِ بِالفَاضِلِيّ، حَتىَّ قَرَأَ عَلَيْهِ خَتْمَةً جَامِعَةً لمَذَاهِبِ القُرَّاء؛ حَتىَّ أَصْبَحَ عَلَى دِرَايَةٍ جَيِّدَةٍ بِالقِرَاءَاتِ وَأُصُولِهَا وَمَسَائِلِهَا وَلَمَّا يَزَلْ بَعْدُ فَتىً لَمْ يَتَجَاوَزِ العِشْرِينَ مِن عُمُرِه، وَظَلَّ يَجْمَعُ هَذَا العِلْمَ وَيَقْرَأُ عَلَى الشُّيُوخِ حَتىَّ تَلَا خَتْمَةً لِلسَّبْعَةِ عَلَى مَشَايِخِ الشَّام، وَقَرَأَ كِتَابَ " المُبْهِجِ في القِرَاءَاتِ السَّبْع " وَالسَّبْعَةَ لاِبْنِ مجَاهِدٍ وَغَيرَ ذَلِكَ عَلَى شَيْخِهِ أَبي

حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ القَوَّاس، وَسَمِعَ الشَّاطِبِيَّةَ مِن غَيرِ وَاحِدٍ مِنَ القُرَّاء 0

ص: 7666

إِلىَ أَنْ نَبَغَ في القِرَاءَاتِ وَبَرَعَ فِيهَا حَتىَّ تَنَازَلَ لَهُ شَيْخُهُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ الدِّمْيَاطِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ عَن حَلْقَتِهِ بِالجَامِعِ الأُمَوِيّ في أَوَاخِرِ سَنَة / 692 هـ 0

ص: 7667

وَكَانَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ قَدْ أَكْمَلَ عَلَيْهِ القِرَاءَاتِ قَبْلَ ذَلِك؛ فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَنْصِبٍ عِلْمِيٍّ يَتَوَلَاّهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ وَهُوَ في الثَّامِنَةِ عَشْرَةَ مِن عُمُرِه، وَفي هَذِهِ السِّنِّ كَانَ قَدْ مَالَ قَلْبُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ إِلىَ سَمَاعِ الحَدِيث؛ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ يُسَابِقُ الرِّيحَ بِذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر؛ في هَذا العِلْمِ عَظِيمِ الأَثَر؛ فَطَغَى ذَلِكَ عَلَى لُبِّهِ وَتَفْكِيرِه، فَانْقَطَعَ لِتَحْصِيلِهِ وَجَمْعِه؛ حَتىَّ صَارَ ذَلِكَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ وَسَمْعِه؛ فَسَمِعَ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً مِنَ الكُتُبِ وَالأَجْزَاء 0

وَاقْتَفَى آثَارَ الشُّيُوخِ وَالمَشْيَخَات، وَهُوَ مَعَ هَذَا كَانَ يَتَحَسَّرُ عَلَى الرِّحْلَةِ

ص: 7668

إِلىَ البُلْدَانِ الأُخْرَى؛ لِمَا لِذَلِكَ مِن عَظِيمِ النَّفْعِ وَالأَثَر، وَرَغْبَةً مِنهُ في عُلُوِّ الإِسْنَاد [أَيْ في النَّقْلِ عَنْ شُيُوخِ الشُّيُوخِ بَدَلَا مِنَ الشُّيُوخ]

وَلَكِنَّ وَالِدَهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنَ الرِّحْلَة، حَتىَّ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في ذَلِكَ عَنْ نَفْسِه:" وَقَدْ هَمَمْتُ بِالرِّحْلَةِ إِلَيْه [أَيِ لاِبْنِ وَرِيدَةَ البَغْدَادِيِّ الحَنْبَلِيِّ شَيْخِ المُسْتَنْصِرِيَّة] ثُمَّ تَرَكْتُهُ لمَكَانِ الوَالِد " وَقَالَ يَرْحَمُهُ اللهُ أَيْضَاً في تَرْجَمَتِهِ لَه: " وَانْفَرَدَ عَن أَقْرَانِهِ، وَكُنْتُ أَتَحَسَّرُ عَلَى الرِّحْلَةِ إِلَيْه، وَمَا أَتَجَسَّرُ خَوْفَاً مِنَ الوَالِد؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَمْنَعُني " أَتَجَسَّرُ أَيْ أَتَجَرَّأ؛ مِنَ الجَسَارَةِ وَقَوْلِهِمْ جَسُور

ص: 7669

وَيَبْدُو أَنَّ الإِمَامَ الذَّهَبيَّ كَانَ وَحِيدَ أَبَوَيْه؛ لأَجْلِ هَذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْه؛ خَوْفَ يَعْقُوبَ عَلَى يُوسُفَ عليهما السلام، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ وَالِدُهُ في الرِّحْلَةِ بَعْدَ بُلُوغِهِ العِشْرِينَ مِن عُمْرِه، وَذَلِكَ سَنَة 693 هـ لَكِنِّهَا كَانَتْ رِحْلَاتٍ قَصِيرَةً لَا يُقِيمُ فِيهَا أَكْثَرَ مِن أَرْبَعَةِ أَشْهُر، وَيُرَافِقُهُ فِيهَا بَعْضُ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ 0

ـ رِحْلَتُهُ في بِلَادِ الشَّام:

رَحَلَ إِلىَ بَعْلَبَك سَنَةَ 693 هـ فَقَرَأَ هُنَالِكَ القُرْآنَ جَمْعَاً عَلَى المُوَفَّقِ النُّصَيْبيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 695 هـ، وََسَمِعَ مِنهُ " الحَاجِبِيَّةَ " في النَّحْو 0

وَأَخَذَ الكَثِيرَ عَنِ المحَدِّثِ الأَدِيبِ تَاجِ الدِّينِ أَبي محَمَّدٍ المَغْرِبيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 696 هـ 0

ص: 7670

وَرَحَلَ بَعْدَهَا إِلىَ حَلَب، فَلَقِيَ هُنَاكَ سُنْقُرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَرْمَنيّ: عَلَاءَ الدِّينِ أَبي سَعِيد، قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ يحْكِي عَنْ ذَلِك:" رَحَلْتُ إِلَيْهِ وَأَكْثَرْتُ عَنه، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كََاَن 00 دينَاً وَمُرُوءَةً وَعَقْلاً وَتَعَفُّفَا " وَسَمِعَ في حَلَبَ مِنْ جُمْلَةِ شُيُوخِهَا 0

كَمَا رَحَلَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ إِلىَ حِمْصٍ وَحَمَاة، وَطَرَابُلْسَ وَالكَرْكِ وَالمَعَرَّةِ وَبُصْرَى وَنَابُلْسَ وَالرَّمْلَةِ وَالقُدْسِ وَتَبُوك 0

ـ رِحْلَتُهُ إِلىَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة:

رَحَلَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ إِلىَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ عَقِبَ وَفَاةِ وَالِدِهِ سَنَة 695 هـ، وَعَادَ مِنهَا سَنَة 699 هـ

ص: 7671

افْتَتَحَ سَمَاعَهُ بِمِصْرَ عَلَى شَيْخِهِ جَمَالِ الدِّينِ أَبي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الحَلَبيّ، المَعْرُوفِ بِابْنِ الظَّاهِرِيّ 696 ـ 626 هـ 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ يَرْحَمُهُ اللهُ في كِتَابِهِ المَوْسُوعِيّ / تَارِيخِ الإِسْلَام: " وَبِهِ افْتَتَحْتُ السَّمَاعَ في الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ وَبِهِ اخْتَتَمْت، وَعِنْدَهُ نَزَلْت، وَعَلَى أَجْزَائِهِ اتَّكَلْت " 0

كَمَا سَمِعَ لِقَاضِي القُضَاةِ أَبي الفَتْحِ محَمَّدِ بْنِ عَليّ / المَعْرُوفِ بِابْنِ دَقِيقِ العِيد المُتَوَفىَّ سَنَة 702 هـ وَسَمِعَ لِلْعَلَاّمَةِ شَرَفِ الدِّينِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بْنِ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 705 هـ وَغَيرِهِمْ 0

ص: 7672

وَرَحَلَ في مِصْرَ لِطَلَبِ العِلْمِ أَيْضَاً إِلىَ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَقَرَأَ بِهَا خَتْمَةً لِوَرْشٍ وَحَفْصٍ على صَدْرِ الدِّينِ سَحْنُون 00

ـ تَحْصِيلُهُ لِعُلُومِ الآلَة [كَعُلُومِ العَرَبِيَّة: كَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالأَدَب وَشَيْءٍ مِنَ الفَلْسَفَة]:

وَهُوَ مَعَ رِحْلَتِهِ وَأَسْفَارِهِ في طَلَبِ القِرَاءَاتِ وَالحَدِيثِ وَقِرَاءَتِهِ عَلَى كِبَارِ أَئِمَّةِ مِصْرَ وَالشَّام؛ فَإِنَّ اهْتِمَامَهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى هَذَيْنِ العِلْمَينِ فَحَسْب؛ بَلْ كَانَتْ مُتَنَوِّعَةَ الأَغْرَاض: فَاعْتَنى فِيهَا بِدِرَاسَةِ النَّحْو، فَسَمِعَ " الحَاجِبِيَّةَ " في النَّحْوِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى شَيْخِهِ أَبي عَبْدِ اللهِ محَمَّدِ بْنِ أَبي العَلَاءِ النُّصَيْبيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 695 هـ 0

ص: 7673

وَدَرَسَ عَلَى شَيْخِ العَرَبِيَّةِ وَإِمَامِ أَهْلِ الأَدَبِ في مِصْرَ آنَذَاكَ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ المَعْرُوفِ بِابْنِ النَّحَّاس، المُتَوَفىَّ سَنَة 698 هـ 0

هَذَا 00 بِالإِضَافَةِ إِلىَ لَفِيفٍ كَثِيفٍ مِن أَسَاطِينِ الشِّعْرِ وَاللُّغَةِ وَالأَدَب 0

ص: 7674

وَيُمْكِنُ أَنْ نَخْلُصَ نجِيَّاً في النِّهَايَةِ إِلى أَمْرٍ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ اثْنَان: أَلَا وَهُوَ أَنَِّ رِحْلَةَ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ لَمْ تَكُنْ قَاصِرَةً عَلَى عُلُومِ التَِّخَصُّص [الحَدِيث وَالقِرَاءَاتِ وَالمَوَادِّ التَّارِيخِيَّة: كَالتَّرَاجِمِ وَالغَزَوَاتِ وَالتَّارِيخ] بَلْ تَعَدَّى طَلَبُهُ لهَذِهِ العُلُومِ إِلىَ عُلُومُ الآلَةِ المُسَاعِدَة، وَالَّتي في رَأْيِي لَهَا أَعْظَمُ فَائِدَة؛ لأَنَّهَا تُعَدُّ القَاعِدَة، وَلِذَا فَقَدْ طَلَبَهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ وَأَخَذَ مِنهَا بحَظٍّ وَافِر [وَهِيَ النَّحْو، وَاللُّغَة، وَالأَدَب] كَمَا طَالَعَ يَرْحَمُهُ اللهُ بَعْضَ الكُتُبِ الفَلْسَفِيَّة 0

ـ سَلَامَةُ كُتُبِهِ وَخُطَبِهِ مِنَ اللَّحْن، وَبَلَاغَةُ أُسْلُوبِهِ وَحُسْنُ خَطِّهِ وَرِقَّةُ مَا وَصَلَنَا مِنْ نَظْمِهِ:

ص: 7675

وَلِذَا جَاءَتْ لُغَتُهُ في كُتُبِهِ جَيِّدَةً قِيَاسَاً بِالعَصْرِ الَّذِي عَاشَ فِيه؛ حَسْبُكَ أَنَّنَا قَلَّمَا نجِدُ لَهُ لحْنَاً فِيهَا 0

أَمَّا مِنَ النَّاحِيَةِ البَلَاغِيَّةِ فَقَدْ بَلَغَ البُلَغِين؛ فِيمَا يَنْثُرُهُ مِنَ الدُّرِّ الثَّمِين؛ َلَقَدْ كَانَ عَذْبَ الأَلْفَاظِ رَفِيعَ العِبَارَةِ رَقِيقَ الأُسْلُوب، كَلَامُهُ يَأْخُذُ بمَجَامِعِ القُلُوب، وَالتَمِسْهُ في تحبير التراجم 0

وَأُثِرَ عَنهُ رحمه الله نَظْمُ الشِّعْرِ في المَدِيحِ وَالرِّثَاء [كَرِثَائِهِ لِصَدِيقِ عُمْرِهِ وَرَفِيقِ دَرْبِهِ ابْنِ تَيْمِيَة]

أَمَّا الَّذِينَ بَلَغَنَا في مُعْجَمِ الشُّيُوخِ أَنَّ الإِمَامَ الذَّهَبيَّ مَدَحَهُمْ فَمِنهُمْ:

إِسْحَاقُ بْنُ أَبي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيِّ الحَلَبيُّ الحَنَفِيُّ النَّحَّاس، المُتَوَفىَّ سَنَة 710 هـ 0

ص: 7676

وَتَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ، المُتَوَفىَّ سَنَة 756 هـ 0

وَوَلَدُهُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيّ، المُتَوَفىَّ سَنَة 771 هـ 0

وَمِمَّا جَاءَ في الرَّدِّ الوَافِرِ لاِبْنِ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيِّ أَنَّهُ مَدَحَهُمْ: عَلَمُ الدِّينِ أَبُو محَمَّدٍ القَاسِمُ بْنُ محَمَّدٍ البِرْزَاليّ " 661 ـ 739 هـ "

كَمَا نَقَلَتْ لَنَا عَنهُ الكُتُبُ الَّتي تَرْجَمَتْ لَهُ بَعْضَ القَصَائِدِ التَّعْلِيمِيَّة: فَلَقَدْ نَظَمَ أَسْمَاءَ المُدَلِّسِينَ في قَصِيدَةٍ أَوْرَدَهَا السُّبْكِيُّ في طَبَقَاتِه، كَمَا نَظَمَ أَسْمَاءَ الخُلَفَاءِ في قَصِيدَةٍ أُخْرَى أَوْرَدَهَا في كِتَابِهِ العَظِيم / تَارِيخِ الإِسْلَام 0

ص: 7677

كَمَا يُنْبِيكَ عَنْ مَنزِلَةِ الشِّعْرِ لَدَى هَذَا الإِمَامِ الجَلِيل: كَثْرَةُ تَرَاجِمِ الشُّعَرَاءِ في كِتَابَيْهِ تَارِيخِ الإِسْلَامِ وَسِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ، وَالقَصَائِدَ الكَثِيرَةَ الَّتي رَصَّعَ بِهَا هَذَيْنِ الكِتَابَينِ وَكُسَائِرَ كُتُبِهِ في الرَّقَائِقِ وَالأَخْلَاق، وَاهْتِمَامُهُ بِالشِّعْرِ يَتَجَلَّى أَيْضَاً في عِنَايَتِهِ الفَائِقَةِ بِتَتَبُّعِ دَوَاوِينَ الشُّعَرَاء 0

وَكَانَ يَرْحَمُهُ اللهُ ذَا خَطٍ جَمِيل؛ أَشَادَ بِهِ عَدَدٌ غَيرُ قَلِيل 0

ص: 7678

وَدُورُ الوَثَائِقِ تَعُجُّ بِالمخْطُوطَاتِ الَّتي مِنْ تَأْلِيفِهِ أَوْ مِنْ تَأْلِيفِهِ غَيرِهِ وَقَدْ كُتِبَتْ بخَطِّه 00 وَهُوَ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلىَ القِمَّةِ في الحُسْنِ بَينَ أَهْلِ تِلْكَ الصِّنَاعَة؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَخْلُو مِنَ البَرَاعَة، وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ: يَتَّسِمُ بِالدِّقَّةِ وَالإِتْقَان، وَكَمَا يَقُولُ القُرْآن:

{يَزِيدُ في الخَلْقِ مَا يَشَاء} {فَاطِر/1}

ـ تَحْصِيلُهُ لِعِلْمَيِ التَّخَصُّص [الحَدِيث وَالتَّارِيخِ]:

ص: 7679

وَاهْتَمَّ بِالكُتُبِ التَّارِيخِيَّة، فَسَمِعَ عَدَدَاً كَبِيرَاً مِنهَا عَلَى أَيْدِي شُيُوخِهَا في المَغَازِي، وَالسِّيَرِ وَالتَّارِيخِ العَامّ، وَمُعْجَمَاتِ الشُّيُوخِ وَالمَشْيَخَاتِ وَالتَّرَاجِم، إِلَاّ أَنَّ عِنَايَتَهُ بِالحَدِيثِ وَعُلُومِهِ تَجِيءُ دَائِمَاً في المُقَدِّمَة؛ فَلَقَدْ سَمِعَ مِئَاتِ الكُتُبِ وَالأَجْزَاءِ الحَدِيثِيَّةِ عَلَى شُيُوخِه، وَمَا قَرَأَهُ لَا شَكَّ أَكْثَر، أَضِفْ إِلىَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا سَمِعَ الكِتَابَ أَوِ الجُزْءَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ حَتىَّ يَبْلُغَ في بَعْضِ الأَحَايِينِ عَشَرَاتِ المَرَّات: وَمِنْ ذَلِكَ مَثَلاً أَنَِّهُ سَمِعَ " جُزْءَ ابْنِ عَرَفَة "

ص: 7680

وَهُوَ مِنَ الأَجْزَاءِ الحَدِيثِيَّةِ المَشْهُورَةِ أَكْثَرَ مِن أَرْبَعِينَ مَرَّةً عَلَى أَكْثَرَ مِن أَرْبَعِينَ شَيْخَاً، وَسَمَعَ " نُسْخَةَ أَبي مِسْهَرٍ " أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتيْ عَشْرَةَ مَرَّة 0

هَذَا 00 بِالإِضَافَةِ إِلىَ مَا اكْتَسَبَهُ وَحَصَّلَهُ مِنْ مُعْظَمِ الدِّرَاسَاتِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتي كَانَتْ في عَصْرِه: كَسِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 151 هـ وَالَّتي غُبِنَ مُؤَلُِّفُهَا كَثِيرَاً بِتَهْذِيبِ ابْنِ هِشَامٍ لَهَا فَنَسَبُوهَا إِلَيْهِ وَنَسُواْ مُؤَلِّفَهَا الأَصْلِيّ، الرَجُلَ الَّذِي قَالَ عَنهُ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ رحمه الله:

" محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 48، 217/ 7]

ص: 7681

وَبِالإِضَافَةِ إِلىَ سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ اسْتَفَادَ أَيْضَاً مِنْ تَارِيخِ الإِمَامِ الطَّبَرِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 310 هـ وَابْنِ الأَثِيرِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 630 هـ وَابْنِ الجَوْزِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 597 هـ

ص: 7682

أَمَّا مُؤَلَّفَاتُهُ الشَّخْصِيَّةُ بَعِيدَاً عَنِ المُخْتَصَرَات: فَيَأْتي في مُقَدِّمَتِهِ كِتَابُهُ العَظِيم " تَارِيخُ الإِسْلَام، وَوَفِيَّاتُ المَشَاهِيرِ وَالأَعْلَام " وَالَّذِي هُوَ إِلىَ بِكُتُبِ التَّرَاجِمِ أَشْبَهُ مِنْ كُتُبِ التَّارِيخ 0

وَكِتَابُهُ النَّفِيس " سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ " الَّذِي لَمْ يَتَضَمَّن غَيرَ التَّرَاجِم 000 إِلخ مُؤَلَّفَاتِه 0

إِنَّ دِرَاسَةَ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ لِهَذِهِ المَكْتَبَةِ التَّارِيخِيَِّةِ الضَّخْمَة، وَمَعْرِفَتَهُ بِطَبَقَاتِ الرِّجَال: هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ يَتْرُكُ لَنَا هَذِهِ الدُّرَرَ الثَّلَاثَةَ مِن أَعْمَالِهِ التَّارِيخِيَّةِ مُرَتَّبَةً عَلَى الحَوَادِثِ وَالوَفِيَّات 0 مِثْل:

" تَارِيخِ الإِسْلَام " وَ " العِبَر " وَ " دُوَلِ الإِسْلَام " وَغَيرِهَا 0

ص: 7683

وَالَّتي اسْتَطَاعَ خِلَالَهَا اسْتِيعَابَ عُصُورَ التَّارِيخِ الإِسْلَامِيِّ مِن أَوَّلِ ظُهُورِه حَتىَّ الزَّمَانِ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُؤَلَّفَاتِه، وَهِيَ فَتْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى سَبْعَةِ قُرُون 0

ـ أَعْظَمُ الشُّيُوخِ الَّذِينَ اعْتَنَقَ أَفْكَارَهُمْ، وَاقْتَفَى لحُبِّهِمْ آثَارَهُمْ:

لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ لأَحَدٍ مِنَ المِئِينَ الَّذِينَ رَحَلَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ إِلَيْهِمْ، وَسَمِعَ مِنهُمْ أَوْ قَرَأَ عَلَيْهِمْ؛ كَمَا اتَّفَقَ ذَلِكَ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ نَفَر:

الإِمَامِ جَمَالِ الدِّينِ أَبي الحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُزِّيِّ الشَّافِعِيّ " 654 ـ 742 هـ "

وَتَقِيِّ الدِّين أَبي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الحَلِيمِ المَعْرُوفِ بِابْنِ تَيْمِيَةَ الحَرَّانيّ " 661 ـ 728 هـ "

ص: 7684

وَعَلَمِ الدِّينِ أَبي محَمَّدٍ القَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ البِرْزَاليّ " 661 ـ 739 هـ "

فَقَدْ صَحِبَهُمُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ طِيلَةَ حَيَاتِه، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنَّاً، وَكَانَ المُزِّيُّ أَكْبَرَهُمْ سِنَّاً 0

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ عَلَى بَعْض؛ فَهُمْ شُيُوخٌ في العِلْمِ وَأَقْرَان 0

كَمَا كَانَتْ بَيْنَهُمْ أَوَاصِرُ إِخْوَانِ الصَّفَا، كَأَنَّمَا كَانُواْ عَلَى مِيعَادٍ لإِحْيَاءِ سُنَّةِ المُصْطَفَى 0

وَكَانَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ ذاكِرَاً لِفَضَائِلِهِمَا بِكُلِّ لِسَان، نَاشِرَاً لِعِلْمِهِمَا في كُلِّ مَكَان 0

ـ صُحْبَتُهُ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيمِيَة:

ص: 7685

وَبَلَغَ مِنْ طُولِ صُحْبَتِهِ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ المجَاهِدِ ابْنِ تَيمِيَةَ أَن أُوذِيَ هُوَ وَالمُزِّيُّ بِسَبَبِهِ كَثِيرَاً، فَاسْتُبْعِدَ مِنْ جَرَّاءِ وُقُوفِهِ بجَانِبِ ابْنِ تَيْمِيَةَ مِنْ تَوَليِّ أَكْبَرِ دَارٍ لِلْحَدِيثِ بِدِمَشْق: وَهِيَ دَارُ الحَدِيثِ الأَشْرَفِيَّة؛ حَيْثُ كَانَ شَيْخُ الإِسْلَامِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مجَاهِدَاً لَا يَخْشَى في اللهِ لَوْمَةَ لَائِم: كَانَ يَصِلُ بِهِ الأَمْرُ إِلىَ المُرُورِ عَلَى الحَانَاتِ بِنَفْسِهِ وَغَلْقِهَا، وَسَكْبِ خُمُورِهَا، بَلْ وَكَانَتْ غَيرَتُهُ وَهِمَّتُهُ وَجَسَارَتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ تَصِلُ إِلىَ حَدِّ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلىَ السُّجُونِ بِنَفْسِهِ مِنْ دُونِ أَمْرٍ سُلْطَانيٍّ لإِخْرَاجِ بَعْضِ مَنْ

ص: 7686

فِيهَا، هَذَا بِالإِضَافَةِ إِلىَ أَمْرٍ آخَرَ في غَايةِ الخُطُورَة، بَيْدَ أَنَّهُ لَدَى مَنْ يُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ لَا يَعْمَلُ لَهُ حِسَابَاً: ذَلِكَ أَنَّهُمُ اتُّهِمُواْ في كُلِّ مَا وَافَقَ آرَاءَ ابْنِ تَيْمِيَةَ مِن آرَائِهِمَا أَنَّهُمَا مُقَلِّدَانِ لَهُ، أَوْ نَاقِلَانِ عَنهُ، وَقَدْ يُؤْبَنَانِ بِأَنَِّهُمَا سُرَّاقٌ لِعِلْمِه 0

وَكُلُّهَا يَعْلَمُ الله: أَقْوَالٌ مُفْتَرَاة، وَكَيْفَ لَا تَبْدُو أَقْوَالُ السَّلَفِيِّينَ أَنَّهَا أَشْبَاه؛ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ نَفْسِ المِشْكَاة 00 00؟!

ص: 7687

ـ بِدَايَتُهُ تَأْلِيفَ الكُتُبِ وَإِلْقَاءَ الخُطَب:

بَدَأَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُصَنَّفَاتِهِ بِاخْتِصَارِ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِن أُمَّهَاتِ الكُتُبِ في شَتىَّ المَعَارِفِ وَالعُلُوم، وَعَلَى رَأْسِهَا طَبْعَاً التَّارِيخُ وَالحَدِيثُ وَعُلُومُ القُرْآن 0

ثُمَّ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ في تَأْلِيفِ كِتَابِهِ العَظِيم " تَارِيخِ الإِسْلَام " الَّذِي انْتَهَى مِن إِخْرَاجِهِ الأَوَّلِ سَنَة 714 هـ 0

وَكَانَ قَدْ تَوَلىَّ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سَنَةِ 703 هـ الخَطَابَةَ بِمَسْجِدٍ في قَرْيَةٍ بِغُوطَةِ دِمَشْق، وَظَلَّ مُقِيمَاً بِهَا إِلىَ سَنَة 718 هـ، وَفي هَذِهِ القَرْيَةِ الهَادِئَةِ أَلَّفَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ خِيرَةَ كُتُبِه، وَقَدْ سَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَبْدُو تَفَرُّغُهُ التَّامُّ لِلتَّأْلِيف 0

ص: 7688

ـ أَهَمُّ المَنَاصِبِ الَّتي تَبَوَّأَهَا الإِمَامُ الذَّهَبيّ:

تَوَلىَّ في نَفْسِ العَامِ مَشْيَخَةَ دَارِ الحَدِيثِ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالح، وَهَذِهِ الدَّارُ مِنْ كُبْرَيَاتِ دُورِ الحَدِيثِ بِدِمَشْقَ آنَذَاك؛ اتَّخَذَهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ سَكَنَاً لَهُ وَبَقِيَ فِيهَا إِلىَ حِينِ وَفَاتِه 0

وفي شَهْرِ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَة 729 هـ وَليَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ دَارَ الحَدِيثِ الظَّاهِرِيَّة 0

ص: 7689

وَكَأَنَّ اللهَ جل جلاله قَدْ قَالَ يَا مَصَائُبُ تَرَاجَعِي، وَيَا مَنَاصِبُ تَوَاضَعِي: فَأَتَمَّ لَهُ الرِّيَاسَةَ في الدُّنيَا، وَعَوَّضَهُ عَمَِّا لحِقَهُ مِنَ الضُّرِّ بِسَبَبِ صُحْبَتِهِ لاِبْنِ تَيْمِيَة، فَبَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ شَيْخُهُ عَلَمُ الدِّينِ البِرْزَاليُّ شَيْخُ الحَدِيثِ بِالمَدْرَسَةِ النَّفِيسِيَّةِ سَنَة 739 هـ: تَوَلىَّ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ تَدْرِيسَ الحَدِيثِ بِهَا وَإِمَامَتَهَا عِوَضَاً عَنهُ، وَفي نَفْسِ السَّنَةِ أَيْضَاً انْتُهِيَ مِن عِمَارَةِ دَارِ الحَدِيثِ وَالقُرْآنِ التَّنَكُّزِيَّة؛ فَكَانَتْ في حُسْنِهَا آيَةً تَسُرُّ النَّاظِرِين؛ بَاشَرَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مَشْيَخَةَ الحَدِيثِ بِهَا 0

ص: 7690

وَمِنْ دُورِ الحَدِيثِ الَّتي تَوَلَاّهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ دَارُ الحَدِيثِ الفَاضِلِيَّة، الَّتي أَسَّسَهَا القَاضِي الفَاضِلُ وَزِيرُ صَلَاحِ الدِّينِ المُتَوَفىَّ سَنَة 596 هـ 0

ـ مُؤَلَّفَاتُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ وَمخْتَصَرَاتُهُ الفَرِيدَة:

بَدَأَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ كَتَابَاتِهِ التَّارِيخِيَّةَ بِاخْتِصَارِ أُمَّهَاتِ الكُتُبِ فِيه: كَتَارِيخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيبِ البُغْدَادِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 463 هـ، وَاخْتِصَارَاتِهِ لِلذُّيُولِ الَّتي وُضِعَتْ عَلَيْهِ لاِبْنِ السَّمْعَانيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 562 هـ، وَابْنِ الدُّبَيْثِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 637 هـ، وَابْنِ النَّجَّارِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 643 هـ 0

وَمِن هَذِهِ الاِخْتِصَارَاتِ أَيْضَاً اخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ دِمَشْقَ لاِبْنِ عَسَاكِرَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 571 هـ 0

ص: 7691

وَاخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ مِصْرَ لاِبْنِ يُونُسَ المُتَوَفىَّ سنة 347 هـ، وَلِتَارِيخِ نَيْسَابُورَ لأَبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمِ النَّيْسَابُورِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 405 هـ، وَلِتَارِيخِ خَوَارِزْمَ لاِبْنِ أَرْسَلَانَ الخَوَارِزْمِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 568 هـ

وَمِنْ كُتُبِ الوَفِيَّاتِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ " التَّكْمِلَة؛ لِوَفِيَّاتِ النَّقَلَة " لِزَكِيِّ الدِّينِ المُنْذِرِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 656 هـ وَصِلَتِهِ لِلْحُسَيْنيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 695 هـ 0

وَاخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ أَبي شَامَةَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 665 هـ وَتَارِيخِ أَبي الفِدَاءِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 732 هـ إِلخ 0

وَمِنْ كُتُبِ الأَنْسَابِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ الأَنْسَابِ لأَبي سَعْدٍ السَّمْعَانيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 562 هـ 0

ص: 7692

وَمِنْ كُتُبِ الصَّحَابَةِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ أَسَدِ الغَابَةِ لاِبْنِ الأَثِيرِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 630 هـ 0

وَمِنْ كُتبِ الرِّجَالِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ تَهْذِيبِ الكَمَال لأَبي الحَجَّاجِ المزِّيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 742 هـ 0

وَاخْتِصَارُهُ لمُعْجَمِ الشُّيُوخِ لاِبْنِ عَسَاكِرَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 571 هـ 00 وَغَيرُهَا كَثِير 0

وَكَانَتْ هَذِهِ الاِخْتِصَارَات: هِيَ خَيرَ مَرْحَلَةٍ انْتِقَالِيَّةٍ صَنَعَتْ مِنهُ نجْمَاً في سَمَاءِ المُؤَلِّفِين، وَأَكْسَبَتْهُ مَلَكَةً أَتْحَفَتْنَا بِالدُّرِّ الثَّمِين 0

ـ كَيْفَ كَانَ دَقِيقَ الاِخْتِيَارِ في الاِخْتِصَار:

ص: 7693

وَلَمْ يَكُ يَخْتَصِرُ رحمه الله إِلَاّ أَجْوَدَ أُمَّهَاتِ الكُتُبِ في عَصْرِه، وَالَّتي تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ كِتَابَاً مِن أَحْسَنِ الكُتُبِ وَأَكْثَرِهَا أَصَالَةً؛ مِمَّا يُبَرْهِنُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُبْدِعَاً في كُلِّ شَيْءٍ حَتىَّ في انْتِقَائِه، وَاخْتِيَارُ الفَتى جُزْءٌ مِن عَقْلِه 0

وَلَوْ ذَهَبْتَ إِلىَ تِلْكَ المخْتَصَرَاتِ لِتُطَالِعَ مِنهَا أَيَّ كِتَابٍ لأَعْجَبَتْكَ صَنعَتُهُ وَأُسْلُوبُهُ أَيَّمَا إِعْجَاب، وَلَبَادَرْتَ قَائِلاً: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب، وَفَيْءٌ لأُوْلي الأَلْبَاب، فَهُوَ كَبَاحِث: يَعْرِفُ جَيِّدَاً مِن أَيْنَ تُؤْكَلُ الكَتِف، وَكَمُخْتَصِرٍ: يَعْرِفُ مَا يُطْرَقُ وَمَا يُتْرَك، وَكَناقِد: غَيرَ حَاسِدٍ وَلَا حَاقِد 0

ص: 7694

ـ بَعْضُ إِضَافَاتِهِ في مُخْتَصَرَاتِهِ، وَعَبْقَرِيَّتُهُ في تخْرِيجَاتِه وَتَعْلِيقَاتِه:

وَهُوَ فَوْقَ هَذَا في هَذِهِ الاِخْتِصَارَات: لَيْسَ مجَرَِّدَ نَاقِلٍ لأَلْفَاظِ وَعِبَارَات، بَلْ لَهُ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ الدَّقِيقَة، وَالاِسْتِدْرَاكَاتِ العَمِيقَة، وَالعِبَارَاتِ الرَّشِيقَة: مَا تَقَرُّ بِهِ العُيُون، وَيَطْرَبُ لَهُ المُثَقَّفُون، فَتَرَاهُ [لَهُ اللهُ] كَأَنَّهُ يَمْلِكُ رَادَارَاً يَرْصُدُ بِهِ كُلَّ مَا فِيهَا، وَيَتَعَقَّبُ أَوْهَامَ وَأَخْطَاءَ مُؤَلِّفِيهَا، دُونَمَا تَجِنٍّ في تَصْوِيبِ رَآه، وَلَا مَنٍّ في تَعْقِيبٍ أَهْدَاه، وَهُوَ الأَمْرُ الَّذِي لَا يَتَأَتىَّ إِلَاّ لِلأَسَاتِيذِ الجَهَابِيذِ مِنَ المُصَنِّفِينَ المُنْصِفِين 0

ص: 7695

وَهُمْ قِلَّةٌ في هَذَا الزَّمَنِ البَغِيض؛ الَّذِي وَصَلَتْ فِيهِ الأُمَّةُ لِلْحَضِيض، وَتحَوَّلَتْ مِنَ النَّقِيضِ إِلى النَّقِيض 00

فَتَرَاهُ مَثَلاً حِينَ اخْتَصَرَ كِتَابَ " أَسَدِ الغَابَة في مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة " لاِبْنِ الأَثِيرِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 630 هـ زَادَ فِيهِ عِدَّةَ تَوَارِيخَ مِنهَا:

" تَارِيخَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُواْ حِمْصَ لأَبي القَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ سَعِيدٍ الحِمْصِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 324 هـ " وَ " مُسْنَدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 241 هـ " وَ " طَبَقَاتِ بْنِ سَعْدٍ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 230 هـ " وَ " تَارِيخَ دِمَشْقَ لاِبْنِ عَسَاكِرَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 571 هـ " 000 إِلخ 0

ص: 7696

وَمِنْ تَعْلِيقَاتِهِ النَّفِيسَهِ الَّتي تَرَاهَا في مخْتَصَرَاتِهِ: مَا في كِتَابِ " الكَاشِف " الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْ " تَهْذِيبِ الكَمَال " لأَبي الحَجَّاجِ المزِّيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 742 هـ؛ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ عَلى آرَاءِ بَعْضِ أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل فَخَطَّأَ بَعْضَهَا، كَمَا حَقَّقَ كَثِيرَاً مِنْ تَرَاجِمِ الكِتَابِ تحْقِيقَاً دَقِيقَاً 0

هَذَا كُلُّهُ مَا كُنْتَ لِتَجِدَهُ في الأَصْل 0

وَمِن أَشْهَرِ مَا تَظْهَرُ فِيهِ بَرَاعَةُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في النَّقْدِ وَالتَّحْقِيقِ في مخْتَصَرَاتِهِ تَعْلِيقَاتُهُ عَلَى كِتَابِ

ص: 7697

" المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَينِ لأَبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمِ النَّيْسَابُورِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 405 هـ " الَّذِي أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ في مُؤَلَّفِهِ أَنْ لَا يُورِدَ مِنَ الأَحَادِيثِ إِلَاّ مَا هُوَ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِم، مِمَّا لَمْ يَذْكُرَاهُ في صَحِيحَيْهِمَا؛ فَأَظْهَرَ الإِمَامُ بِمَا لَهُ مِنَ الدِّرَايَةِ وَالمَلَكَةِ في عُلُومِ الحَدِيثِ غَلَطَ الحَاكِمِ وَأَوْهَامَهُ: حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ نِصْفَ الكِتَابِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَينِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَأَنَّ النِّصْفَ الآخَرَ لَا يَخْلُو مِنَ العِلَل، بَلْ كَشَفَ الطَّامَّةَ الكُبرَى: أَلَا وَهِيَ أَنَّ في الكِتَابِ مَا لَا يَقِلُّ عَنْ ثَلَاثِمِاْئَةِ حَدِيثٍ مَا بَينَ بَعْضُهَا مُنْكَر، أَوْ وَاهِي الإِسْنَاد، أَوْ مَوْضُوع 0

ص: 7698

وَمِنْ تَصَرُّفَاتِهِ في مخْتَصَرَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ مَا فَعَلَهُ في كِتَابِ العِلَلِ لاِبْنِ الجَوْزِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 597 هـ: حَيْثُ لَمْ يَقْنَعْ بِاخْتِصَارِهِ فَحَسْب؛ حَتىَّ خَرَّجَ أَحَادِيثَه 0

كَمَا اخْتَصَرَ رحمه الله كِتَابَ " السُّنَنِ الكُبْرَى لِلإِمَامِ البَيْهَقِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 458 هـ " 0

فَعَلَّقَ عَلَى أَسَانِيدِهِ بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى تَبَحُّرِهِ في المُصْطَلَح، وَوَضَعَ رُمُوزَاً عَلَى الأَحَادِيثِ المَرْوِيَّةِ في الصَّحِيحَينِ وَفي السُّنَنِ الأَرْبَع، وَخَرَّجَ الأَحَادِيثَ الَّتي لَمْ تَرِدْ في هَذِهِ الكُتُبِ السِّتَّة 0

كَمَا اخْتَصَرَ رحمه الله في الشِّعْرِ كِتَابَ " الخريدة لِلْعِمَادِ الأَصْبَهَانيِّ القُرَشِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 596 هـ " 0

ص: 7699

كَمَا اخْتَصَرَ كِتَابَاتٍ أُخْرَى لِكِبَارِ العُلَمَاءِ مِثْلِ زَكِيِّ الدِّينِ البِرْزَاليِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 636 هـ " 0

وَفَخْرِ الدِّينِ ابْنِ البُخَارِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 690 هـ " 0

وَشِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَبْرَقُوهِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 701 هـ " 0

وَضِيَاءِ الدِّينِ المَقْدِسِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 643 هـ " 0 وَغَيرُهُمْ كَثِير 0

بَلْ وَكَانَ يَرْجِعُ في بَعْضِ الأَحْيَانِ إِلى النُّسَخِ الأَصْلِيَّةِ المخْطُوطَةِ بخُطُوطِ مُؤَلُِّفِيهَا:

كَمَا في المُخْتَصَرِ المُحْتَاج: " قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ قُدَامَة " 0

ـ إِتْقَانُهُ وَإِحْسَانُهُ في مُخْتَصَرَاتِهِ، وَإِكْمَالُهُ لِلنَّقْصِ فِيهَا:

ص: 7700

هَذَا بِالإِضَافَةِ إِلى زِيَادَتِهِ هُوَ في التَّرَاجِمِ بِمَا يَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ عَاصَرُواْ صَاحِبَ التَّرْجَمَة: كَقَوْلِهِ مَثَلاً: " وَرَوَى لَنَا عَنهُ بِمِصْرَ أَبُو المَعَالي الأَبْرَقُوهِيّ " وَقَوْلِهِ " رَوَى لَنَا عَنهُ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ الظَّاهِرِيِّ وَأَبُو الحُسَينِ اليُونِينيّ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ وَمحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأَرْبَلِّيّ 0

وَمِن إِضَافَاتِهِ في اخْتِصَارَاتِهِ أَيْضَاً: ذِكْرُ تَوَارِيخِ وَفِيَّاتِ كُلِّ الشَّخْصِيَّاتِ الوَارِدِ ذِكْرُهَا في الكُتُبِ الَّتي اخْتَصَرَهَا وَالَّتي لَمْ يَذْكُرْ مُؤَلِّفُوهَا تَوَارِيخَ لِهَذِهِ الوَفِيَّات 0

ص: 7701

فَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ مَثَلاً لَمْ يَذْكُرْ وَفَاةَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَهُمْ في تَارِيخِهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَنْ سَنَةَ 621 هـ " وَهِيَ السَّنَةُ الَّتي حَدَّثَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِيهَا بِتَارِيخِه، وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْدَ ذَلِك؛ فَاسْتَدْرَكَ الذَّهَبيُّ هَذِهِ السَّقَطَات، وَاسْتَخْرَجَ بِنَفْسِهِ هَذِهِ الوَفِيَّات؛ لِتَكُونَ الفَائِدَةُ أَعَمّ، وَيَكُونَ اخْتِصَارُهُ لِلْكِتَابِ أَتَمّ 0

ـ قِيَامُهُ بِتَحْقِيقِ وَتَخْرِيجِ كُلِّ أَثَرٍ في طَرِيقِهِ وَالحُكْمِ عَلَيْه:

أَضِفْ إِلىَ هَذَا تَدَخُّلَاتِهِ العِلْمِيَّةَ في كُلِّ مَا يَقَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِن أَخْطَاءٍ مِمَّا لَهُ صِلَةٌ بِالأَسَانِيد؛ فَيَقُومُ عَلَى الفَوْرِ بِتَصْوِيبِهَا 0

ص: 7702

كَمَا يَقُومُ بِالتَّنْبِيهِ أَيْضَاً عَلَى وَضْعِ كُلِّ الآثَارِ المَوْضُوعَةِ الَّتي أَغْفَلَ المُؤَلِّفُ عَامِدَاً أَوْ نَاسِيَاً التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا، كَمَا يَقُومُ أَيْضَاً بِتَخْرِيجِ مَا أَغْفَلَ المُؤَلِّفُ عَامِدَاً أَوْ نَاسِيَاً تَخْرِيجَهُ، فَمَا كَانَ في الصَّحِيحَينِ أَشَارَ إِلىَ ذَلِكَ بِرُمُوزٍ اسْتَعْمَلَهَا، وَمَا كَانَ بخِلَافِ هَذَا عَزَاهُ إِلىَ مَصَادِرِهِ وَقَامَ بِالحُكْمِ عَلَيْه؛ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ رَجُل 00

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَه " 0

ص: 7703

[صَحَّحَهُ العَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 1880، 1113، رَوَاهُ الإِمَامَانِ أَبُو يَعْلَى وَالبَيْهَقِيُّ في شُعَبِه]

ـ وَمِن إِضَافَاتِهِ إِلىَ مُخْتَصَرَاتِهِ: إِعَادَةُ تَرْتِيبِهَا إِنْ لَزِمَ الأَمْر:

وَمِن إِضَافَاتِهِ يَرْحَمُهُ اللهُ في مخْتَصَرَاتِهِ أَنَّهُ عِنْدَمَا اخْتَصَرَ مَثَلاً كِتَابَ الكُنىَ لأَبي أَحْمَدَ الحَاكِمِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 378 هـ أَعَادَ تَرْتِيبَهُ عَلَى حُرُوفِ المُعْجَمِ بَعْدَ أَن أَضَافَ إِلَيْهِ أَشْيَاءَ أُخْرَى مِمَّا لَيْسَ فِيه 0

كَمَا رَتَّبَ أَيْضَاً " المُجَرَّدَ مِنْ تَهْذِيبِ الكَمَالِ لِلْمُزِّيِّ " عَلَى عَشْرِ طَبَقَات، وَرَتَّبَ كُلَّ طَبَقَةٍ عَلَى حُرُوفِ المُعْجَم؛ في حِينِ أَنَّهُ كَانَ مُرَتَّبَاً عَلَى حُرُوفِ المُعْجَم 0

ص: 7704

ـ حَجْمُ الآثَارِ الَّتي خَلَّفَهَا لِلنَّاس؛ هَذَا النِّبرَاس:

لَقَدْ كَانَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رحمه الله عَالمَاً مَوْسُوعِيَّاً، حَيْثُ تَرَكَ ثَرْوَةً ضَخْمَةً مِنَ المُؤَلَّفَاتِ وَالمُخْتَصَرَاتِ أَتْعَبَتِ البَاحِثِينَ وَالمحَقِّقِين 00 وَصَفَهُ الإِمَامُ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانيُّ في الدُّرَرِ الكَامِنَةِ بِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ أَهْلِ عَصْرِهِ تَصْنِيفَاً، مُعْظَمُهَا في الحَدِيثِ وَالتَّرَاجِم 0

أَمَّا عَنْ رُسُوخِ قَدَمِهِ في القِرَاءَاتِ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 842 هـ في كِتَابِهِ الرَّدِّ الوَافِرِ أَنَّهُ كَانَ "إِمَامَاً في القِرَاءَات " 0

ـ سِرُّ ضَآلَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ في القِرَاءَاتِ الَّتي أَتْقَنَهَا:

ص: 7705

وَلَكِنْ يُلَاحَظُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَرَّجْ عَلَيْهِ في القِرَاءَاتِ سِوَى عَدَدٍ قَلِيلٍ جِدَّاً؛ وَعَلَّ السَّبَبَ في هَذَا يَرْجِعُ إِلىَ أَنَّ اهْتِمَامَهُ بِالحَدِيثِ وَالتَّرَاجِمِ وَالتَّارِيخ: غَلَبَ عَلَى اهْتِمَامِهِ بِالقِرَاءَات؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ في القِرَاءَاتِ غَيرَ كِتَابِ " التَّلْوِيحَاتِ في عِلْمِ القِرَاءَات " وَكِتَابِ " مَعْرِفَةِ القُرَّاءِ الكِبَارِ عَلَى الطََّبَقَاتِ وَالأَعْصَار " الَّذِي هُوَ بِكُتُبِ التَّرَاجِمِ أَشْبَهُ مِنْ كُتُبِ القراءَات 0

وَقَدْ شَهِدَ لَهُ ابْنُ الجَزْرِيِّ بِالإِحْسَانِ فِيه؛ لِذَلِكَ اقْتَبَسَ جُلَّهُ في كِتَابِهِ " غَايَةِ النِّهَايَة " كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ في المُقَدِّمَة، وَوَصَفَهُ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ في الإِعْلَانِ بِأَنَّهُ " كِتَابٌ حَافِل " 0

ص: 7706

وَيُمْكِنُ القَوْلُ في النِّهَايَةِ أَنَّ هَذَا العِلْمَ كَانَ لَدَى الإِمَامِ أَقَلَّ حَظَّاً مِنْ صَاحِبَيْه [الحَدِيثِ وَالتَّرَاجِم]

فَلَقَدْ كَانَتْ مُؤَلَّفَاتُهِ الحَدِيثِيَّةُ مَثَلاً أَحْسَنَ الوُجُوهِ إِشْرَاقَاً في الحَيَاةِ العِلْمِيَّةِ لهَذَا العَالِمِ القَدِير؛ وَالسِّرَاجِ المُنِير، حَيْثُ حَظِيَ بِنَصِيبِ الأَسَدِ بَينَ مُؤَلَّفَاتِهِ؛ يُدْرِكُ القَارِئُ مَدَى صِدْقِ ذَلِكَ إِذَا أَلْقَى نَظْرَةً عَلَى قَائِمَةِ مُؤَلَّفَاتِه 0

كَمَا أَلَّفَ في المُصْطَلَحِ كُتُبَاً، وَخَرَّجَ التَّخَارِيجَ الكَثِيرَةَ مِنَ الأَرْبَعِينَاتِ وَالثَّلَاثِينَاتِ وَالعَوَالي وَالأَجْزَاءِ وَمُعْجَمَاتِ الشُّيُوخِ وَالمَشْيَخَات وَغَيرُهَا كَثِير 0

ـ مُؤَلَّفَاتُهُ في العَقَائِدِ وَالفِقْه:

ص: 7707

وَأَمَّا عَمَّا تَرَكَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ لَنَا مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ في العَقَائِدِ كِتَابُهُ " الأَرْبَعِين في صِفَاتِ رَبِّ العَالمِين "

وَكِتَابُ " العَرْش " وَكِتَابُ " مَسْأَلَةُ الوَعِيد " وغيرها 0

وَأَشْهَرُهَا كِتَابُهُ المَعْرُوف " العُلُوُّ لِلْعَلِيِّ الغَفَّار " الَّذِي يُعَدُّ أَوْسَعَ هَذِهِ الكُتُبِ وَأَكْثَرَهَا شُهْرَةً

ونَهَجَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في العَقِيدَةِ مَنهَجَ أَهْلِ السُّنَّة: فَتَجِدُ اللَّبِنَةَ الأَسَاسِيَّةَ الَّتي بَنى بِهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ كَلَامَهُ فِيهَا: آيَاتٌ مِنَ القُرْآن، وَأَحَادِيثُ مِنْ كَلَامِ النَّبيِّ العَدْنَان صَلَوَاتُ رَبيِّ وَتَسْلِيمَاتُهُ عَلَيْه 0

ص: 7708

وَلَمْ يسْلَمْ طَبْعَاً كِتَابُهُ العُلُوّ؛ مِن أَهْلِ التَّنَطُّعِ وَالغُلُوّ، وَقَانَا اللهُ وَحَفِظَ الأُمَّةَ مِنْ شُرُورِ أَهْلِ التَّشَدُّد، الَّذِينَ يَقِفُونَ حَجَرَ عَثْرَةٍ في طَرِيقِهَا إِلىَ التَّوَحُّد، وَيَقْطَعُونَ السَّبِيلَ عَلَى المُصْلِحِينَ [الصَّالحِين] نحْوَ التَّمَدُّد 00

فَلَمْ يَسْلَمِ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مِنْ مُهَاجَمَتِهِمْ وَهُوَ مَن هُوَ بَينَ أَعْلَامِ أَهْلِ السُنَّة 0

إِنَّهُمْ يُهَاجِمُونَ مَن 00؟ يُهَاجِمُونَ رَجُلاً بِرَغْمِ أَنَّهُ كَانَ شَافِعِيَّ المَذْهَب؛ إِلَاّ أَنَّهُ رَغْبَةً مِنهُ في بُلُوغِ الغَايَةِ كَانَ في العَقِيدَةِ حَنْبلِيَّ المَذْهَب؛ حَتىَّ لَقَدْ قِيلَ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ شَافِعِيَّ الفُرُوعِ حَنْبلِيَّ المُعْتَقَد 0

ص: 7709

فَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُ فَقِيهَاً، وَلَمْ يُعْرَفْ بِأَنَّهُ أَخَذَ الفِقْهَ عَن أَعْلَامِ عَصْرِهِ الكِبَارِ كَابْنِ الزَّمْلَكَانيّ، وَلَا بُرْهَانِ الدِّينِ الفَزَارِيّ؛ وَلَكِنْ كَفَاهُ شَرَفَاً أَنْ صَحِبَ ابْنَ تَيْمِيَة، وَكُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا، وَلَمْ يَبْتَعِدِ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في قِرَاءَاتِهِ وَدِرَاسَتِهِ كَثِيرَاً عَنْ دَائِرَةِ الفِقْهِ وَأُصُولِه؛ فَقَدْ أَلَّفَ في أُصُولِهِ، كَمَا اعْتَنى بِاخْتِصَارِ كِتَابِ المحَلَّى لاِبْنِ حَزْم، وَأَسْمَا اخْتِصَارَهُ " المُسْتَحْلَى في اخْتِصَارِ المحَلَّى " وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الكُتُبِ الفِقْهِيَّة، وَأَلَّفَ عَدَدَاً لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الكُتُبِ والأَجْزَاءِ الفِقْهِيَّة، وَكَانَتْ

لَهُ خَوَاطِرُ وَاجْتِهَادَاتٌ بَثَّهَا مِنهَا في مَوَاطِنَ كَثِيرَة 00

ص: 7710

مِنْ ذَلِكَ مَثَلاً كَلَامُهُ في تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ عَنْ مَسْأَلَةٍ في الطَّلَاقِ وَمُنَاقَشَتِهِ لاِبْنِ تَيْمِيَةَ فِيهَا 0

وَمِنْ نَظْمِهِ الرَّقِيق؛ في تحْبِيذِ الاِسْتِدْلَالِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا قَوْلُهُ:

الفِقْهُ قَالَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُهُ * إِنْ صَحَّ وَالإِجْمَاعُ فَاجْهَدْ فِيهِ

وَحَذَارِ مِنْ نَصْبِ الخِلَافِ جَهَالَةً * بَيْنَ النَّبيِّ وَبَينَ رَأْيِ فَقِيهِ

ص: 7711

وَمِمَّا اخْتَصَرَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مِنْ كُتُبِ العَقَائِدِ كِتَابُ " البَعْثِ وَالنُّشُور " وَكِتَابُ " القَدَر " لِلإِمَامِ البَيْهَقِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 458 هـ، وَكِتَابُ " الفَارُوقِ في الصِّفَات " لِشَيْخِ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 481 هـ، وَكِتَابُ " مِنهَاجِ الاِعْتِدَالِ في نَقْضِ كَلَامِ أَهْلِ الرَّفْضِ وَالاِعْتِزَال " لِرَفِيقِهِ وَشَيْخِهِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَة؛ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 728 هـ 0

ـ كَيْفَ كَانَ مُجَدِّدَاً لَا مُقَلِّدَاً في اخْتِصَارَاتِهِ وَمُؤَلَّفَاتِه:

ص: 7712

تَعْلَمُ ثِقَلَ هَذَا الإِمَامِ إِذَا نَظَرْتَ إِلى العَصْرِ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ وَكَيْفَ غَلَبَ عَلَى أَهْلِ العِلْمِ فِيهِ الجَمْعُ وَالتَّرْتِيب؛ مِن غَيرِ مَا بَحْثٍ وَلَا تَنْقِيب، وَالتَّلْخِيصُ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ حَذْفٍ وَنَقْل، خَالٍ مِن أَيِّ إِعْمَالٍ لِلْعَقْل، فَكَانَ يَرْحَمُهُ اللهُ بِحَقٍّ: نجْمَاً في سَمَاءِ ذَلِكَ الزَّمَان 0

قَالَ تِلْمِيذُهُ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 764 هـ: " لَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ جُمُودَ المُحَدِّثِين، وَلَا كَوْدَنَةَ النَّقَلَة، بَلْ هُوَ فَقِيهُ النَّظَر، لَهُ دُرْبَةٌ بِأَقْوَالِ النَّاسِ وَمَذَاهِبِ الأَئِمَّة " 0

وَيُعْجِبُكَ في كُتُبِهِ جَمْعَاء: أَنَّهُ لَا يُورِدُ حَدِيثَاً فِيهِ ضَعْفُ مَتْنٍ أَوْ ظَلَامُ إِسْنَادٍ إِلَاّ بَيَّنَهُ لَك 0

ص: 7713

ـ غِبْطَةُ الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ لَهُ عَلَى فِطْنَتِهِ وَذَكَائِه:

وَبَلَغَ مِنْ فَضْلِهِ أَنَّ الحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ العَسْقَلَانيَّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 852 هـ شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمٍ سَائِلاً اللهَ أَنْ يَصِلَ إِلىَ مَرْتَبَةِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في الحِفْظِ وَالفِطْنَة [أَخْبرَ عَنهُ بِذَلِكَ تِلْمِيذُهُ السَّخَاوِيُّ في الإِعْلَان]

ص: 7714

وَحِينَمَا كَتَبَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ كِتَابَهُ " تَذْكِرَةَ الحُفَّاظ " وَرَتَّبَهُ عَلَى الطَّبَقَات؛ تَنَاوَلَ في نِهَايَةِ كُلِّ طَبَقَةٍ الأَوْضَاعَ السِّيَاسِيَّةَ وَالثَّقَافِيَّةَ وَالاِجْتِمَاعِيَّةَ وَالاِقْتِصَادِيَّةَ الَّتي سَادَتْ عَصْرَهَا، فَأَجْمَلَ ذَلِكَ في فَقْرَاتٍ قَلِيلَة؛ دَلَّتْ عَلَى سَعَةِ أُفُقِهِ وَقُدْرَتِهِ البَارِعَةِ عَلَى اسْتِيعَابِ الحِقْبِ الزَّمَنِيَّةِ لِلْعَالَمِ الإِسْلَامِيِّ المُمْتَدِّ في عِبَارَاتٍ قَصِيرَة؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عُمْقِ الرُّؤْيَةِ وَنَفَاذِ البَصِيرَة 0

ـ بَرَاعَتُهُ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل:

ص: 7715

أَمَّا كُتُبُهُ في الرِّجَالِ وَالجَرْحِ وَالتَّعْدِي؛ فَيَأْتي في مُقَدِّمَتِهَا كِتَابُهُ العَظِيم " مِيزَانُ الاِعْتِدَال؛ في نَقْدِ الرِّجَال " وَالَّذِي اعْتَبَرَهُ مُعَاصِرُوهُ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِن أَحْسَنِ كُتُبِهِ وَأَجَلِّهَا 00 تَنَاوَلَ فِيهِ عَدَدَاً كَبِيرَاً مِنَ الحُفَّاظِ وَالعُلَمَاءِ ورِجَالِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بِالنَّقْدِ اسْتِدْرَاكَاً أَوْ تَعْقِيبَاً أَوْ تَلْخِيصَاً

كَذَلِكَ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَتَبَ أَيْضَاً رِسَالَةً بِعُنوَان " ذِكْرِ مَنْ يُؤْتَمَنُ قَوْلُهُ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل "

تَكَلَّمَ فِيهَا عَن أُصُولِ النَّقْدِ وَطَبَقَاتِ النُّقَّاد وَفَنَّدَ أَقْوَالَهُمْ تَفْنِيدَا 0

ـ انْتِقَادُهُ لأَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل:

ص: 7716

وَهُوَ في أَحْكَامِهِ وَاسِعَ الأُفُق، حَسَنَ الخُلُق، أَمِينٌ مُنْصِف، فِيمَا يُؤَلِّفُ وَيُصَنِّف؛ مِنْ ذَلِكَ مَثَلاً مَا ذَكَرَهُ في تَرْجَمَتِهِ لأَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ الكُوفيِّ حَيْثُ قَالَ فِيه:" شِيعِيٌّ جَلْد [أَيْ قَوِيُّ الحِفْظ] وَلَكِنَّهُ صَدُوق؛ فَلَنَا صِدْقُهُ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُه، وَقَدْ وَثَّقَةُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ وَابْنُ مَعِين، وَأَبُو حَاتِم، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ [أَيْ ضِمْنَ الضُّعَفَاء] وَقَال: كَانَ غَالِيَاً في التَّشَيُّع، وَقَالَ السَّعْدِيّ: زَائِغٌ مجَاهِر " 00 فَكَأَنَّ الذَّهَبيّ؛ أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عَدِيّ: ذِكْرَ مَنْ جَرَّحُوهُ وَقَبَّحُوه، وَإِغْفَالَ مَنْ تَقَبَّلُوهُ وَعَدَِّلُوه 0

ص: 7717

وَلَا يُغْضِبَنَّكَ أَخِي القَارِئُ الكَرِيمُ كَثِيرَاً كَوْنُهُ مُتَشَيِّعَاً؛ فَالتَّشَيُّعُ مَرَاتِبُ كَمَا تَعْلَم: فَمِنهُمْ ـ كَأَبَانَ هَذَا ـ مَنْ يَقْتَصِرُ تَشَيُّعُهُ عَلَى تَفْضِيلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ علَى أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما 00

وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَنحَدِرْ في التَِّشَيُّعِ إِلى الحَطِّ عَلَى أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَوِ النَّيْلِ مِنهُمَا 0

ثُمَّ أَنَّا لَوْ رَدَدْنَا أَحَادِيثَ هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّن هُمْ في نَفْسِ رُتْبَتِهِ في الجَرْح: لَرَدَدْنَا الكَثِيرَ مِمَّا صَحّ؛ فَكَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَانَ مُتَلَبِّسَاً بِالتَّشَيُّع 0

ص: 7718

وَلِلإِمَامِ الذَّهَبيِّ رِسَالَتَانِ يَرُدُّ فِيهِمَا عَلَى جِمْلَةٍ مِن عُلَمَاءِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل: رِسَالَةٌ في " الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ المُتَكَلَّمِ فِيهِمْ بِمَا لَا يُوجِبُ رَدَّهُمْ " وَالأُخْرَى في " مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَهُوَ مُوَثَّق " 0

وَلَهُ رِسَالَةٌ لَمْ تُطْبَعْ بِعُنوَان: " الرَّدُّ عَلَى ابْنِ القَطَّان " المُتَوَفىَّ سَنَةَ 268 هـ 0

وَلَمْ يَقْتَصِرْ نَقْدُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَى الرِّجَالِ فَحَسْب، بَلْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلىَ نَقْدِ بَعْضِ المُؤَلَّفَات:

فَتَرَاهُ مَثَلاً قَدِ انْتَقَدَ كِتَابَ " الضُّعَفَاءِ " لاِبْنِ الجَوْزِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 597 هـ وَالَّذِي اخْتَصَرَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ وَذَيَّلَ عَلَيْه، فَقَالَ في تَرْجَمَةِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ العَطَّارِ مَثَلاً:

ص: 7719

" قَدْ أَوْرَدَهُ العَلَاّمَةُ ابْنُ الجَوْزِيِّ في " الضُّعَفَاءِ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَقْوَالَ مَنْ وَثَّقَه، وَهَذَا مِن عُيُوبِ كِتَابِهِ: يَسْرِدُ الجَرْحَ وَيَسْكُتُ عَنِ التَّوْثِيق " 0

كَمَا انْتَقَدَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ كِتَابَ " الضُّعَفَاءِ " لأَبي جَعْفَرٍ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو العُقَيْلِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 322 هـ لإِيرَادِهِ بَعْضَ الثِّقَات: وَمِنهُمْ حَافِظُ عَصْرِهِ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 234 هـ 0

ص: 7720

فَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في تَرْجَمَةِ ابْنِ المَدِينيِّ في المِيزَان: " ذَكَرَهُ العُقَيْلِيُّ في " الضُّعَفَاءِ " فَبِئْسَ مَا صَنَع " وَرَدَّ عَلَيْهِ حِينَمَا نَقَلَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ: " كَانَ أَبي حَدَّثَنَا عَنهُ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنِ اسْمِهِ، ثمَّ تَرَكَ حَدِيثَهُ " رَدَّ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ هَذَا الاِدِّعَاءَ قَائِلاً: " بَلْ حَدِيثُهُ عَنهُ في مُسْنَدِهِ " وَهَذَا رَدٌّ مُفْحِمٌ مِنَ الإِمَامِ الذَّهَبيّ، ثمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا:" وَهَذَا أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ ـ وَنَاهِيكَ بِهِ ـ قَدْ شَحَنَ صَحِيحَهُ بحَدِيثِ ابْنِ المَدِينيّ " 0

ـ إِنْصَافُهُ وَذِكْرُهُ لمحَاسِنِ الكُتُبِ الَّتي انْتَقَدَهَا:

ص: 7721

وَلَمْ يَقْتَصِرْ دَوْرُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في نَقْدِهِ لِلْكُتُبِ عَلَى إِيرَادِ مَسَاوِئِهَا؛ بَلْ كَثِيرَاً مَا نَرَاهُ يُسْهِبُ في ذِكْرِ محَاسِنِهَا، فَقَدْ سَبَقَ أَنْ قَالَ إِنَّ كِتَابَ العُقَيْلِيِّ مُفِيد، وَقَالَ عَنِ " الكَامِلِ في الضُّعَفَاءِ " لاِبْنِ عَدِيٍّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 365 هـ في مِيزَانِ الاِعْتِدَال:" أَكْمَلُ الكُتُبِ وَأَجَلُّهَا في ذَلِك " 0

وَقَالَ في تَرْجَمَةِ الدَّارَ قُطْنيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 385 هـ بِتَذْكِرَةِ الحُفَّاظ: " وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَتَبَيَّنَ بَرَاعَةَ هَذَا الإِمَامِ الفَرْد؛ فَطَالِعِ العِلَلَ لَه؛ فَإِنَّكَ تَنْدَهِشُ وَيَطُولُ تَعَجُّبُك " 0

مَوْضُوعِيَّتُهُ وَحُجَّتُهُ في الرَّدِّ عَلَى الفِتَنِ الَّتي يَفْتَعِلُهَا المُتَنَطِّعُون وَالمُكَفِّرُون:

ص: 7722

وَكَانَ يَرْحَمُهُ اللهُ يَتَحَلَّى في رُدُودِهِ العِلْمِيَّةِ عَلَى مخَالِفِيهِ يَتَّسِمُ بِالطَّابَعِ المَوْضُوعِيّ 00

ص: 7723

مِنْ ذَلِكَ رُدُودُهُ وَتَفْنِيدُهُ لِمَا اتُّهِمَ بِهِ أَبُو الوَلِيدِ حِينمَا أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ صَحِيفَةِ الحُدَيْبِيَةِ [وَهُوَ في الصَّحِيحَين] مِن إِثْبَاتِ الكِتَابَةِ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَكَفَّرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الصَّائِغِ وَاتَّهَمَهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُكَذِّبُ القُرْآنَ الَّذِي وَصَفَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ النَّبيُّ الأُمِّيّ؛ حَتىَّ كَادَتْ تَكُونُ فِتْنَة؛ فَعَلَّقَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَلَى ذَلِكَ في تَرْجَمَتِهِ فَذَكَرَ تَقْبِيحَ العَامَّةِ لَهُمْ ثُمَّ قَال: " مَا كُلُّ مَن عَرَفَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ فَقَطْ بخَارِجٍ عَنْ كَوْنِهِ أُمِّيَّاً لأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَاتِبَاً " 0

ـ مَكَانَتُهُ في الفِقْه:

ص: 7724

وَالذَّهَبيُّ لَمْ يَكُنْ بِالمُسْتَوَى الَّذِي يُزْرِي بِصَاحِبِهِ مِن حَيْثُ النَّظَرِ في كُتُبِ الفِقْهِ وَأَقْوَالِ الأَئِمَّة؛ قَالَ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 842 هـ في كِتَابِهِ الرَّدِّ الوَافِر: " لَهُ دُرْبَةٌ بِمَذَاهِبِ الأَئِمَّة " 0

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَةِ الإِمَامِ الذَّهَبيّ:

قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الأَسَدِيُّ في الإِعْلَام: " سَمِعَ مِنهُ السُّبْكِيُّ وَالبِرْزَاليُّ وَالعَلَائِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ رَجَب " 00 وَغَيرُهُمْ كَثِير 0

ص: 7725

وَهَذَا الأَخِير: هُوَ الحَافِظُ أَبُو الفِدَاءِ عِمَادُ الدِّينِ ابْنُ كَثِير / صَاحِبُ التَّفْسِير المُتَوَفىَّ سَنَة 774 هـ، وَصَاحِبُ كِتَابِ " البِدَايَةِ وَالنِّهَايَة " وَالَّذِي تَولىَّ بَعْدَ وَفَاةِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ مَشْيَخَةَ تُرْبَةِ أُمِّ الصَّالح

ـ قَالُواْ عَنِ الإِمَامِ الذَّهَبيّ:

كَانَ زَاهِدَاً وَرِعَاً حَسَنَ الدِّيَانَة [أَيْ سَلِيمَ المُعْتَقَد] كَمَا كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ بِمَشَاهِيرِ قُرَّاءِ زَمَانِهِ وَبِالكَثِيرِ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ وَالعُبَّادِ وَالنَّاسِكِين، وَالمُعْتَدِلِينَ مِنَ المُتَصَوُِّفِينَ غَيرِ الشَّاطِحِين 0

ص: 7726

قَالَ عَنهُ تِلْمِيذُهُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ رَافِعٍ السُّلَامِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 774 هـ: " كَانَ خَيِّرَاً صَالِحَاً مُتَوَاضِعَاً حَسَنَ الخُلُقِ حُلْوَ المحَاضَرَة، غَالِبُ أَوْقَاتِهِ في الجَمْعِ وَالاِخْتِصَار وَالاِشْتِغَالِ بِالعِبَادَة، لَهُ وِرْدٌ بِاللَّيْل [أَيْ قِيَامٌ بِاللَّيْل] وَعِنْدَهُ مُرُوءَةٌ وَعَصَبِيَّةٌ وَكَرَم " 00 العَصَبِيَّةُ هُنَا هِيَ الاِنْتِمَاء 0

وَقَالَ عَنهُ الزَّرْكَشِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 794 هـ:

" كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ التَّامِّ وَالإِيثَارِ العَامِّ وَالسَّبْقِ إِلىَ الخَيْرَات " 0

هَذَا عَنْ صَلَاحِهِ وَخُلُقِه 00 وَلَكِنْ مَاذَا عَنْ مَكَانَتِهِ العِلْمِيَّةِ وَإِبْدَاعِهِ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل 00 00؟

ـ مَا قَالُوهُ عَنْ مَكَانَتِهِ العِلْمِيَّةِ وَإِبْدَاعِهِ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل:

ص: 7727

لَقَدْ صَدَقَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ في وَصْفِهِ لِلإِمَامِ الذَّهَبيِّ عِنْدَمَا قَالَ:

" شَيْخُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل "

وَقَالَ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 842 هـ في كِتَابِهِ الرَّدِّ الوَافِر: " نَاقِدُ المُحَدِّثِينَ وَإِمَامُ المُعَدِّلِينَ وَالمُجَرِّحِين، كَانَ آيَةً في نَقْدِ الرِّجَال، عُمْدَةً في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل " 0

وَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 902 هـ في الإِعْلَان:

" وَهُوَ مِن أَهْلِ الاِسْتِقْرَاءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجَال " 0

هَذَا وَغَيرُهُ مِمَّا جَعَلَ أَحْكَامَ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ لَدَى المُؤَرِّخِينَ وَرِجَالِ الحَدِيثِ وَكُتَّابَ الرَّائِقِ بمَثَابَةِ خَاتَمِ النَّسْر 0

ص: 7728

وَوَصَفَهُ شَيْخُهُ وَرَفِيقُهُ عَلَمُ الدِّينِ أَبُو محَمَّدٍ القَاسِمُ بْنُ محَمَّدٍ البِرْزَاليُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 739 هـ في

مُعْجَمِ شُيُوخِهِ فَقَالَ عَنهُ وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ كَانَ لَا زَالَ شَابَّاً في مُقْتَبَلِ العُمُر: " رَجُلٌ فَاضِلٌ صَحِيحُ الذِّهْن، اشْتَغَلَ وَرَحَلَ وَكَتَبَ الكَثِير، وَلَهُ تَصَانِيفُ وَاخْتِصَارَاتٌ مُفِيدَة، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بشيوخ القراءَات " 0

وَقَالَ تِلْمِيذُهُ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 764 هـ في الوَافي:

ص: 7729

" الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلَاّمَةُ الحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الذَّهَبيّ: حَافِظٌ لَا يُجَارَى، وَلَافِظٌ لَا يُبَارَى، أَتْقَنَ الحَدِيثَ وَرِجَالَه، وَنَظَرَ عِلَلَهُ وَأَحْوَالَه، وَعَرَفَ تَرَاجِمَ النَّاس، وَأَزَالَ الإِبْهَامَ في تَوَارِيخِهِمْ وَالاِلْتِبَاس، ذِهْنٌ يَتَوَقَّدُ ذَكَاؤُه، وَصَحَّ إِلىَ الذَّهَبِ نِسْبَتُهُ وَانْتِمَاؤُه، جَمَعَ الكَثِير، وَنَفَعَ الجَمَّ الغَفِير، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّصْنِيف، وَوَفَّرَ بِالاِخْتِصَارِ مَؤُونَةَ التَّطْوِيلِ في التَّأْلِيف،

اجْتَمَعْتُ بِهِ وَأَخَذْتُ عَنهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيرَاً مِنْ تَصَانِيفِهِ، فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ جُمُودَ جُمُودَ المُحَدِّثِين، وَلَا كَوْدَنَةَ النَّقَلَة، بَلْ هُوَ فَقِيهُ النَّظَر، لَهُ دُرْبَةٌ بِأَقْوَالِ النَّاسِ وَمَذَاهِبِ الأَئِمَّة " 0

ص: 7730

وَبِرَغْمِ مخَالَفَاتِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ لِشَيْخِهِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في بَعْضِ المَسَائِلِ وَرَدِّهِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ في حَقِّه: " شَيْخُنَا وَأُسْتَاذُنَا، الإِمَامُ الحَافِظ، محَدِّثُ العَصْر، اشْتَمَلَ عَصْرُنَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الحُفَّاظ، بَيْنَهُمْ عُمُومٌ وَخُصُوص [أَيْ عَامَّتُهُمْ مِنَ الحُفَّاظ، وَإِنِ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمْ بِالتَّفَرُّدِ في فَرْعٍ مِنَ الفُرُوع] المُزِّيُّ وَالبِرْزَاليُّ وَالذَّهَبيُّ وَالشَّيْخُ الإِمَامُ الوَالِد [أَيْ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ] لَا خَامِسَ لهَؤُلَاءِ في عَصْرِهِمْ، وَأَمَّا أُسْتَاذُنَا أَبُو عَبْدِ الله: فَبَصَرٌ لَا نَظِيرَ لَه، وَكَنْزٌ هُوَ المَلْجَأُ إِذَا نَزَلَتْ المُعْضِلَة،

ص: 7731

إِمَامُ الوُجُودِ حِفْظَاً، وَذَهَبُ العَصْرِ مَعْنىً وَلَفْظَاً، وَشَيْخُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل، وَرَجُلُ الرِّجَالِ في كُلِّ سَبِيل، وَهُوَ الَّذِي خَرَّجْنَا في هَذِهِ الصِّنَاعَة، وَأَدْخَلَنَا في عِدَادِ الجَمَاعَه "

وَقَالَ عَنهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو الفِدَاءِ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 774 هـ في البِدَايَةِ وَالنِّهَايَة: " الشَّيْخُ الحَافِظُ الكَبِيرُ مُؤَرِّخُ الإِسْلَامِ وَشَيْخُ المحَدِّثِين، وَقَدْ خُتِمَ بِهِ شُيُوخُ الحَدِيثِ وَحُفَّاظُه "

وَحِينَ قَدِمَ العَلَاّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الكَرِيمِ المَوْصِلِيُّ الأَصْل، الطَّرَابُلْسِيُّ دِمَشْقَ سَنَةَ 734 هـ وَدَرَسَ عَلَى الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ فِيه:

ص: 7732

مَا زِلْتُ بِالسَّمْعِ أَهْوَاكُمْ وَمَا ذُكِرَتْ * أَخْبَارُكُمْ قَطُّ إِلَاّ مِلْتُ مِنْ طَرَبِ

وَلَيْسَ مِن عَجَبٍ أَنْ مِلْتُ نَحْوَكُمُ * فَالنَّاسُ في طَبْعِهِمْ مَيْلٌ إِلىَ الذَّهَبِ

وَوَصَفَهُ ابْنُ نَاصِر؛ في الرَّدِّ الوَافِر فَقَال: " الحَافِظُ الهُمَام، مُفِيدُ الشَّام، وَمُؤَرِّخُ الإِسْلَام " 0

وَقَالَ فِيهِ الإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ السِّيُوطِيّ: " إِنَّ المحَدِّثِينَ عِيَالٌ في الرِّجَالِ وَغَيرِهَا مِنْ فُنُونِ الحَدِيثِ عَلَى أَرْبَعَة: المُزِّيّ، وَالذَّهَبيّ، وَالعِرَاقِيّ، وَابْنِ حَجَر " 0

وَقَالَ فِيهِ بَدْرُ الدِّينِ العَيْنيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 855 هـ:

" الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ العَلَاّمَةُ الحَافِظُ المُؤَرِّخُ شَيْخُ المحَدِّثِين " 0

ص: 7733

وَقَالَ فِيهِ سِبْطُ ابْنُ حَجَرٍ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 899 هـ في " رَوْنَقِ الأَلْفَاظ ": " للهِ دَرُّهُ مِن إِمَامٍ محَدِّث؛ فَكَمْ دَخَلَ في جَمِيعِ الفُنُونِ وَخَرَّجَ وَصَحَّح، وَعَدَّلَ وَجَرَّح، وَأَتْقَنَ هَذِهِ الصِّنَاعَة؛ فَهُوَ الإِمَامُ سَيِّدُ الحُفَّاظِ إِمَامُ المحَدِّثِينَ قُدْوَةُ النَّاقِدِين " 0

وَيَكْفِيهِ شَرَفَاً أَنَّهُ أَفْنىَ حَيَاتَهُ في دِرَاسَةِ أَحَادِيثِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَتَدْرِيسِهَا؛ وَلِذَا أَمَّهُ طَلَبَةُ العِلْمِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْب 0

ـ وَفَاتُهُ رحمه الله:

ص: 7734

أَضَرَّ يَرْحَمُهُ اللهُ في أُخْرَيَاتِ حَيَاتِه [أَيْ كَفَّ بَصَرُه] قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِين ثُمَّ تُوُفيَ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالح لَيْلَةَ الاِثْنَينِ في الثَّالِثِ مِنْ ذِي القِعْدَةِ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْل سَنَةَ 748 هـ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِير، وَحَضَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ العُلَمَاء، كَانَ مِنْ بَيْنِهِمْ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيّ، وَقَدْ رَثَاهُ غَيرُ وَاحِدٍ مِنْ تَلَامِذَتِه، مِنهُمْ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيّ، وَتَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيّ0

ـ أَوْلَادُهُ مِنْ بَعْدِه:

ص: 7735

َتَرَكَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ ثَلَاثَةً مِنَ الوَلَد، عُرِفُواْ بِالعِلْم: هُمْ: ابْنَتُهُ أَمَةُ العَزِيز، وَقَدْ أَجَازَ لَهَا غَيرُ وَاحِدٍ بِاسْتِدْعَاءِ وَالِدِهَا مِنهُمْ: شَيْخُ المُسْتَنْصِرِيَّةِ رَشِيدُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 707 هـ 0

وَيَبْدُو أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ في حَيَاتِهِ رحمه الله وَأَنْجَبَتْ وَلَدَاً اسْمُهُ عَبْدُ القَادِر 0

وَوَلَدَاهُ الآخَرَانِ محَمَّدٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَقَدْ حَصَّلَا مِنَ العِلْمِ الشَّيْءَ غَيرَ القَلِيل

{اخْتِصَارُ الكَاتِبِ الإِسْلَامِيّ / يَاسِر الحَمَدَاني؛ مِنْ بحْثٍ لِلدُّكْتُور بَشَّار عَوَّاد مَعْرُوف 87 صَفْحَة}

ص: 7736