الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرِّضَا بِالقَلِيل:
=========
تَعْرِيفُ القَنَاعَةِ وَالرِّضَا
إِنَّ الرِّضَى لُغَةً هُوَ القَبُول، أَمَّا القَنَاعَةُ فَهِيَ مِنَ الأَضْدَاد: فَتَأَتي بِمَعْني الرِّضَى وَالتَّسْلِيم ـ وَمِنهُ أُخِذَ الَاقْتِنَاع ـ كَمَا تَأْتِي بِمَعْنيً آخَرَ مُنَافٍ لِلرِّضَى وَالتَّسْلِيم: تَأْتِي بِمَعْني المَسْأَلَة، فَالَّذِي يَرْضَى بِقِسْمَةِ اللهِ يُقَالُ لَهُ قَانِع، وَالَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ أَيْضَاً يُقَالُ لَهُ قَانِع؛ وَمِنهُ قَوْلُهُ جل جلاله:{وَأَطْعِمُواْ القَانِعَ وَالمُعْتَرّ} [الحَجّ: 36]
فَالقَانِعُ هُنَا هُوَ السَّائِل، أَمَا المُعْتَرّ: فَهْوَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَكِنْ يَعْتَرِيهِمْ، أَيْ: يَتَعَرَّضُ لَهُمْ حَتىَّ يَفْطِنُواْ إِلَيْهِ فَيُعْطُوه 0 {لِسَانُ العَرَب: 297/ 8}
أَحِبَّتي الكِرَام: كَمَا أَنَّ الغَنيَّ لَا سَبِيلَ أَمَامَهُ لِلنَّجَاة؛ إِلَاّ بِالإِنْفَاقِ في سَبِيلِ الله؛ فَالفَقِيرُ أَيْضَاً لَا سَبِيلَ أَمَامَهُ لِلنَّجَاة؛ إِلَاّ بِالصَّبرِ عَلَى قَضَاءِ الله 00!!
وَهَذَا مَا سَوْفَ نَتَعَرَّضُ لَهُ في هَذَا البَابِ إِنْ شَاءَ الله 0
الرِّضَا بِالمَقْسُومِ عِبَادَة
عَن أُسَامَةَ بْنِ عُمَيرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ اللهَ جل جلاله يَبْتَلِي عَبْدَهُ بمَا أَعْطَاه؛ فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ؛ بَارَكَ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَه، وَمَنْ لَمْ يرْضَ؛ لَمْ يُبَارَكْ لَه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 1869، 1658، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 20279]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" يَا أَبَا هُرَيْرَة؛ كُنْ وَرِعَاً تَكُن أَعْبَدَ النَّاس، وَكُنْ قَنِعَاً تَكُن أَشْكَرَ النَّاس، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنَاً، وَأَحْسِنْ مجَاوَرَةَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً، وَأَقِلَّ الضَّحِك؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْب " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (8709)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: 5750]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" اتَّقِ المحَارِمَ تَكُن أَعْبَدَ النَّاس، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُن أَغْنى النَّاس، وَأَحْسِنْ إِلى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنَاً، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً، وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِك؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْب " 0
[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2305، وَفي الجَامِعِ بِرَقْم: 100، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بِرَقْم: 8034]
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:
" يَا مَعْشَرَ الفُقَرَاء؛ أَعْطُواْ اللهَ الرِّضَا مِن قُلُوبِكُمْ؛ تَظْفَرُواْ بِثَوَابِ فَقْرِكُمْ، وَإِلَاّ فَلَا " 0
[رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 8216، وَالغَزَاليُّ في المُكَاشَفَةِ وَالإِحْيَاء: 1555، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 16655]
فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يحْمَدَ اللهَ عَلَى مَا أَعْطَاه، قَلَّ أَوْ كَثُر، وَقَدِيمَاً قَالُواْ في الأَمْثَال:
" الرِّضَا بِالمَقْسُومِ عِبَادَة " 0
تُرِيدُ أَنْ يَرْضَى اللهُ عَنْكَ وَأَنْتَ غَيرُ رَاضٍ عَنِ الله 00؟!
سَمِعَ سُفيَانُ الثَّوْرِيُّ رضي الله عنه رَجُلاً يَقُول: " اللهُمَّ ارْضَ عَنيّ " 0
فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا؛ لَوْ رَضِيتَ عَنِ الله؛ لَرَضِيَ عَنْكَ الله 00!!
فَقَالَ الرَّجُل: وَكَيْفَ أَرْضَى عَنِ اللهِ يَا إِمَام 00؟!!
قَالَ لَهُ سُفيَانُ الثَّوْرِيّ: " يَوْمَ تُسَرُّ بِالضَّرَّاء؛ سُرُورَكَ بِالنَّعْمَاء؛ فَقَدْ رَضِيتَ عَنِ الله " 0
وَفي أَخْبَارِ بَني إِسْرَائِيل: أَنَّهُمْ سَأَلُواْ نَبيَّ اللهِ مُوسَى عليه السلام؛ فَقَالُواْ: سَلْ رَبَّكَ أَمْرَاً؛ إِذَا نحْنُ فَعَلْنَاهُ يَرْضَى بِهِ عَنَّا 00؟
فَقَالَ عليه السلام: إِلَهِي؛ قَدْ سَمِعْتَ مَا قَالُواْ 00؟
فَقَالَ سبحانه وتعالى: " قُلْ لهُمْ يَا مُوسَى؛ يَرْضَوْنَ عَنيِّ حَتىَّ أَرْضَى عَنهُمْ " 0
[أَبُو حَامِدٍ الغَزَاليُّ في " مُكَاشَفَةِ القُلُوب " بِالبَابِ الثَّالِثِ وَالسَّبْعُون 0 ص: 231]
وَعَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَنْ رَضِيَ عَنِ الله؛ رضي الله عنه " 0
[ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (5600)، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِر 0 وَفي الكَنْز: 5956، كَشْفُ الخَفَاءِ بِرَقْم: 2582]
وَقَالَ أَحَدُ الصَّالحِين: " مَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِاللهِ تَعَالى؛ قَرَّتْ بِهِ كُلُّ عَين، وَمَنْ لَمْ تَقَرَّ عَيْنُهُ بِالله؛ تَقَطَّعَ قَلْبُهُ عَلَى الدُّنيَا حَسَرَات " 00
[ابْنُ القَيِّمِ في " إِغَاثَةِ اللهْفَان " بِالطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِ المَعْرِفَة 0 بَيرُوت 0 ص: 72/ 1]
وَجَاءَ رَجُل إِلى يُونُسَ بن عُبَيْد؛ يَشْكُو إِلَيْهِ ضِيقَ حَالِه؛ فَقَالَ لَهُ يُونُس:
" أَيَسُرُّكَ أَنَّ بِبَصَرِكَ هَذَا ـ أَيْ تُعْطَى فِيه ـ مِائَةَ أَلفِ دِرْهَم 00؟
قَالَ الرَّجُلُ لَا، قَالَ فَبِيَدَيْك 00؟
قَالَ لَا، قَالَ فَبرِجْلَيْك 00؟
قَالَ لَا، فَذَكَّرَهُ نِعَمَ اللهِ عَلَيْه، وَهُوَ يَقُولُ لَا؛ فَقَالَ لَهُ يُونُس: أَرَى عِنْدَكَ مِئَاتِ الأُلُوفِ وَأَنْتَ تَشْكُو الحَاجَة " 0
[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " الشَّاكِرِينَ بِالبَابِ العِشْرِين]
مَنْ رَضِيَ بِالقَلِيلِ مِنَ الرِّزْق؛ رَضِيَ اللهُ مِنهُ القَلِيلَ مِنَ العَمَل
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافَاً وَقَنَّعَهُ الله " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (129)، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2348]
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" طُوبى لِمَن هُدِيَ إِلى الإسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافَا " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2349، في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَة بِرَقْمَيْ: 3931، 3931، وَفي مُشْكِلَةِ الفَقْر]
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ:
" يَا بُنيّ؛ إِذَا طَلَبْتَ الغِنى فَاطْلُبْهُ بِالقَنَاعَة؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَنَاعَة؛ لَمْ يُغْنِهِ مَال " 0
[أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرْ 0 وَهُوَ في " كَنْزِ الْعُمَّالِ " بِرَقْم: 8743]
وَصَدَقَ مَنْ قَال: " مَنْ لَمْ يُغْنِهِ مَا يَكْفِيه؛ أَعْيَاهُ مَا يُغْنِيه " 0
وَرَوَى الإِمَامُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه؛ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ رَضِيَ مِنَ اللهِ بِالقَلِيلِ مِنَ الرِّزْق؛ رَضِيَ اللهُ مِنهُ بِالْقَلِيلِ مِنَ العَمَل " 0
[ضّعَّفَهُ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ وَالذَّهَبيُّ في فَيْضِ القَدِير: 137/ 6، الكَنْزِ بِرَقْم: 6508، شُعَبُ الإِيمَانِ بِرَقْم: 10003]
عَن عُبَيْدِ اللهِ الخَطْمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَن أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنَاً في سِرْبِه ـ أَيْ في أَهْلِه ـ مُعَافىً في جَسَدِه، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِه: فَكَأَنمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنيَا بحَذَافِيرِهَا " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ ابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ بِرَقْمَيْ: (4141، 2346)، وَفي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم:300]
[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4141، وَفي التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2346، وَفي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 300، وَفي الجَامِعِ بِرَقْم: 10986، الكَنْز: 7083]
السِّرْبُ أَيِ النَّفْسُ وَالأَهْلُ وَالمَال، فَيُقَال: آمِنُ السِّرْب وَآمِنٌ في سِرْبِه: أَيْ آمِنٌ في أَهْلِهِ وَمَالِه، وَتَأْتي أَيْضَاً بمَعْنى الصَّدْرِ فَيُقَال: آمِنُ السِّرْبِ أَيْ: طَيِّبٌ لَا خُبْثَ فِيه 0
أَمَّا السَّرْب: فَهُوَ المَالُ وَالأَنعَام، فَيُقَال: آمِنُ السَّرْبِ وَآمِنٌ في سَرْبِهِ: أَيْ في مَالِهِ وَنَعَمِه: أَيْ لَا يُغْزَى، وَالسَّرْبُ أَيْضَاً تَأْتي بِمَعْنى الطَّرِيقِ أَوِ المَسْلَك، وَتَأْتي أَيْضَاً بِمَعْنى القَطِيع، وَلَا تَأْتي بمَعْنى النَّفْس 0 {لِسَانُ العَرَب: 463، 464/ 1}
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ زَادَ قَوْلَه: " يَكْفِيكَ مِنهَا مَا سَدَّ جَوْعَتَك، وَوَارَى عَوْرَتَك، وَإِنْ كَانَ فَذَاك، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةٌ تَرْكَبُهَا فَبَخٍ " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": رِجَالُهُ وُثِّقُواْ عَلَى ضَعْفٍ فِيهِم 0 ص: (289/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ]
مَنْ رَضِيَ مِنَ الدُّنيَا بهَذَا لَمْ يحْتَجْ إِلى أَحَد
إِنَّ القَنَاعَةَ مَالٌ لَا نَفَادَ لَهُ * تُغْنِيكَ عَنْ كُلِّ ذِي قُرْبى وَذِي رَحِمِ
وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تَتْرُكْهُ شَبَّ عَلَى * حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
اصْبِرْ عَلَى مَا قَدْ بُلِيـ * ـتَ فَهَكَذَا شَاءَ القَدَرْ
فَالعُمْرُ يجْرِي كَالرَّحَى * وَالعَيْشُ سَاعَاتٌ تَمُرّ
فَاقْنَعْ بِعَيْشِكَ تَرْضَهُ * وَاتْرُكْ هَوَاكَ تَعِيشُ حُرّ
فَلَرُبَّ حَتْفٍ سَاقَهُ * ذَهَبٌ وَيَاقُوتٌ وَدُرّ
{أَبُو الْعَتَاهِيَة 0 بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الأَوَّلِ فَهُوَ لِزَكِي قُنْصُل 0 بِتَصَرُّف}
وَكَانَ محَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ؛ يخْرِجُ خُبْزَاً يَابِسَاً فَيَبُلُّهُ بِالماءِ وَيَأْكُلُ وَيَقُول:
" مَنْ رَضِيَ مِنَ الدُّنيَا بِهَذَا؛ لَمْ يحْتَجْ إِلى أَحَد " 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ في كِتَابِ " فَضِيلَةِ الفُقَرَاءِ الرَّاضِينَ القَانِعِين " 0 ص: 1557]
فَحَسْبُكَ مِن غِنىً شِبْعٌ وَرِيُّ
قَلِيلٌ يَكْفِيك؛ خَيرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تَقْدِرُ عَلَى حِسَابِه
عَن أَبي طَلحَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِاْئَةً: كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ حَسَنَةٍ وَأَرْبَعَاً وَعِشْرِينَ حَسَنَة " 0
قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ إِذَنْ لَا يَهْلِكُ مِنَّا أَحَد؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" بَلَى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَجِيءُ بِالحَسَنَاتِ لَوْ وُضِعَتْ عَلَى جَبَلٍ أَثْقَلَتْهُ ثُمَّ تَجِيءُ النِّعَمُ فَتَذْهَبُ بِتِلْكَ الحَسَنَات، ثُمَّ يَتَطَاوَلُ الرَّبُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَحْمَتِه " 00 أَيْ يَتَفَضَّلُ جل جلاله بَعْدَ ذَلِك
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7638]
وَقَدْ وُجِدَ مَكْتُوبَاً في التَّوْرَاة: " يَا ابْنَ آدَم؛ إِنَّ الدُّنيَا كُلَّهَا لَوْ كَانَتْ لَك؛ لَمْ يَكُنْ لَكَ مِنهَا إِلَاّ القُوتُ الَّذِي تُقِيمُ بِهِ أَوَدَك، وَالثَّوبُ الَّذِي تَسْتُرُ بِهِ بَدَنَك؛ فَمَا بَالُكَ لَا تَرْضَى بمَا يَكْفِيك، وَتُرِيدُ مَا لَا تَقْدِرُ عَلَى حِسَابِه " 00؟!
وَهَذَا المَعْني قَدْ وَرَدَ أَيْضَاً في حَدِيثٍ قُدُسِي، يَقُولُ فِيهِ رَبُ العِزَّةِ جل جلاله:
" يَا ابْنَ آدَم: إِنَّ الدُّنيَا كُلَّهَا لَوْ كَانَتْ لَك؛ لَمْ يَكُنْ لَكَ مِنهَا إِلَاّ القُوت، وَإِذَا أَنَا أَعْطَيْتُكَ مِنهَا القُوت، وَجَعَلْتُ حِسَابَهَا عَلَى غَيرِك؛ فَأَنَا إِلَيْكَ محْسِن " 00!!
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ في كِتَابِ " فَضِيلَةِ الفُقَرَاءِ الرَّاضِينَ القَانِعِين " 0 ص: 1557]
وَعَن عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَا مِن أَحَدٍ؛ إِلَاّ وَهُوَ يَتَمَنى يَوْمَ القِيَامَةِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ في الدُّنيَا قُوتَاً " 0
[ابْنُ الخَطِيبِ، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 7134]
قَلِيلٌ يَكْفِيك؛ خَيرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُطْغِيك
وَسُبْحَانَ اللهِ يَا ابْنَ آدَم؛ لِمَ لَا تَكُونُ كَالنَّمْلَةِ الَّتي لَا تجْمَعُ مِن حُطَامِ الدُّنيَا إِلَاّ قُوتَهَا، تَمْشِي عَلَى الذَّهَبِ كَمَا تمْشِي عَلَى التُّرَاب، هَلْ رَأَيْتَ نمْلَةً؛ تحْمِلُ قِطْعَةً مِنَ الذَّهَب؟!
إِنمَا كُلُّ مَا تحْمِلُهُ المِسْكِينَة؛ قِطعَةٌ مِنَ الخبْزِ اليَابِسِ أَوْ حُبَيْبَةٌ مِنَ السُّكَّر 00!!
هِيَ القَنَاعَةُ فَالْزَمْهَا تَكُنْ ملِكَاً * لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَاّ رَاحَةُ البَدَنِ
وَانْظُر لِمَنْ مَلَكَ الدُّنيَا بِأَجْمَعِهَا * هَلْ رَاحَ منهَا بِغَيرِ القَبرِ وَالكَفَنِ
وَمن أَجْمَلَ مَا قَالَهُ أَجْدَادُنَا في ذَلِكَ قَوْلهُمْ: " فَقْرٌ بِلَا دَيْن؛ هُوَ الغِنى الكَامِل " 0
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " مَا مِنْ يَوْم؛ إِلَاّ وَمَلَكٌ يُنَادِي مِن تحْتِ العَرْش: يَا ابْنَ آدَم؛ قَلِيلٌ يَكْفِيك؛ خَيرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُطْغِيك " 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ في بَابِ " فَضِيلَةِ الفُقَرَاءِ الرَّاضِينَ القَانِعِين " 0 ص: 1556]
أَنْصِفْ نَفْسَكَ مِنْ نَفْسِك
وَعَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " مِسْكِينٌ ابْنُ آدَم؛ رَضِيَ بِدَارٍ حَلَالُهَا حِسَاب، وَحَرَامُهَا عَذَاب، إِن أَخَذَهُ مِن حِلِّهِ؛ حُوسِبَ بِه، وَإِن أَخَذَهُ مِن حَرَام؛ عُذِّبَ بِه، يَسْتَقِلُّ مَالَهُ، وَلَا يَسْتَقِلُّ عَمَلَه، يَفْرَحُ بمُصِيبَتِهِ في دِينِهِ، وَيجْزَعُ مِنْ مُصِيبَتِهِ في دُنيَاه "
[المَكَاشَفَة 0 بَابُ تَرْكِ الدُّنيَا وَذَمِّهَا 0 وَقِيلَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الإِمَامِ عَلِيّ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ لِسَيِّدِنَا النَّبيّ]
دَعِ الحِرْصَ عَلَى الدُّنيَا * وَفي العَيْشِ فَلَا تَطْمَعْ
وَلَا تجْمَعْ مِنَ المَالِ * فَمَا تَدْرِي لِمَنْ تجْمَعْ
فَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ * وَسُوءُ الظَّنِّ لَا يَنْفَعْ
فَقِيرٌ كُلُّ ذِي حِرْصٍ * غَنيٌّ كُلُّ مَنْ يَقْنَعْ
فَانهَ النَّفْسَ عَنِ الهَوَى 00 {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوء} {يُوسُف/53}
فَالنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا * وَإِذَا تُرَدُّ إِلى قَلِيلٍ تَقْنَعُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرْجَى لَهُ الغِنى * وَأَنَّ الغِنى يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الفَقْرِ
وَلَا تَنْدَمْ عَلَى فَوْتِ مَا قَدْ فات، وَلَا تَأْخِيرِ مَا تَأَخَّر 0
فَلَا تَغْتَمَّ أَوْ تَهْتَمّ * أَوْ تَنْدَمْ عَلَى مَا تَمّ
{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}
وَكُنْ كَمَا قَالَ فَيْلَسُوفُ العَرَبِ المُتَنَبي:
لَا أَشْرَئبُّ إِلى مَا لَمْ يَفُتْ طَمَعَاً * وَلَا أَبِيتُ عَلَى مَا فَاتَ حَسْرَانَا
وَحَسْبُكُمْ مَعْشَرَ الفُقَرَاء؛ أَنَّ الفَقْرَ مِنْ صِفَاتِ الأَنْبِيَاء 00
عَن أَبي عَمْروٍ الشَّيْبَانيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّ مُوسَى عليه السلام سَأَلَ رَبَّه سبحانه وتعالى: أَيُّ عِبَادِكَ أَغْنى 00؟
قال: " أَقْنَعُهُمْ بِمَا أَعْطَيْتُه " 00 قَال: فَأَيُّهُمْ أَعْدَل 00؟
قال: " مَن أَنْصَفَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِه " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ بِنَحْوِهِ في الصَّحِيحَة: 3350، الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ بَابُ ذَمِّ الحِرْصِ وَالطَّمَع 0 وَابْنُ هَنَّادٍ في الزُّهْد: 489]
تَقَنَّعْ مِنَ الدُّنيَا بِزَادِ مُسَافِرٍ * فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصْبِحُ أَمْ تُمْسِي
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَوْصِني وَأَوْجِزْ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " عَلَيْكَ بِالإِيَاس: مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاس، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَع؛ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الحَاضِر، وَصَلِّ صَلَاتَكَ وَأَنْتَ مُوَدِّع، وَإِيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنهُ "
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7928]
الحُرُّ عَبْدٌ إِذَا طَمِعْ * وَالْعَبْدُ حُرٌّ إِذَا قَنِعْ
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِن حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ وَشُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد: إِسْنَادُهُ صَحِيح]
المَعْرَكَةُ الَّتي خَسِرَهَا الإِسْكَنْدَرُ الأَكْبرُ بِسَبَبِ الطَّمَع
بَعَثَ الإِسْكَنْدَرُ الأَكْبرُ يَوْمَاً جَيْشَهُ غَازِيَاً، وَأَوْصَى جُنُودَهُ إِنْ ظَفِرُواْ بِعَدُوِّهِمْ أَنْ يَتْرُكُواْ جِهَةَ الجَنُوبِ خَالِيَة؛ لِيَفِرَّ مِنهَا العَدُوّ؛ فَيَسْهُلَ بِالتَّالي دُخُولُ أَرْضِه، بِأَقَلِّ خَسَائِرَ ممْكِنَة، دُونَ الدُّخُولِ مَعْهُ في مُوَاجَهَة، وَبِالفِعْل 00 نجَحَتْ خُطَّةُ الإِسْكَنْدَر، وَكَادَتْ قُوَّاتُهُ أَنْ تَسْتَوْليَ عَلَى تِلْكَ البَلَد، لَوْلَا الطَّمَع 00!!
لَمَّا رَأَى قَادَةُ الجَيْشِ سُهُولَةَ الَاسْتِيلَاء؛ قَرَّرُواْ غَلْقَ الجَنُوبِ حَتىَّ يجْهِزُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، وَغَرَّتهُمْ كَثْرَتهُمْ فَفَعَلُوهَا، فَلَمَّا رَأَى أُوْلَئِكَ أَنهُمْ قَدْ أُحِيطَ بهِمْ؛ نَظَّمُواْ صُفُوفَهُمْ وَقَاتَلُواْ بِبَسَالَةٍ عَدُوَّهُمْ قِتَالاً شَدِيدَاً، وَأَبْلَواْ بَلَاءً حَسَنَاً حَتىَّ كُتِبَ لهُمُ النَّصْر، وَكَانَتْ تِلْكَ المَعْرَكَة؛ مِنَ المَعَارِكِ القَلِيلَةِ الَّتي هُزِمَ فِيهَا جَيْشُ الإِسْكَنْدَر 00!!
وَقَدْ قِيلَ الأَمثَال: " إِيَّاك وَالطَّمَع؛ فَإِنَّه قَلَّمَا جَمَع، وَإِذَا مَا جَمَع؛ فَقَلَّمَا نَفَع " 0
وَقَالُواْ أَيْضَاً: " مَنْ يُطَارِدْ عُصْفُورَيْنِ يَفْقِدْهُمَا " 0
مَصَارِعُ الرِّجَالِ تحْتَ بُرُوقِ الطَّمَع
قَالَ سُمَيْطُ بْنُ عُجْلَان:
" إِنمَا بَطْنُكَ يَا ابْنَ آدَمَ شِبرٌ في شِبر؛ فَلِمَ يُدْخِلُكَ النَّار "؟!
[مَكَاشَفَةُ القُلُوب طَبْعَةِ الإِرْشَاد 0 دَارُ البَيَان 0 ص: 113]
فَإِيَّاكَ وَالطَّمَع؛ فَمَصَارِعُ الرِّجَالِ تحْتَ بُرُوقِ الطَّمَع، وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيلاً يَكْفِي؛ خَيرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُطْغِي
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " مَا قَلَّ وَكَفَى؛ خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: (5653/ 10590)، وَوَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ ص: (256/ 10)، أَبُو يَعْلَى]
وَذَلِكَ لأَنَّ المَالَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
كَالنُّورِ لِلمُسْتَبْصِرِينَ كَثِيرُهُ * فِيهِ العَمَى وَقَلِيلُهُ فِيهِ الشِّفَا
أَيْ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ البَرْق؛ يَكَادُ ضَوْءُ هُ يخْطَفُ بِالأَبْصَار، أَوْ كَضَوْءِ الشَّمْسِ الَّذِي إِن أَدْمَنْتَ النَّظَرَ إِلَيْه؛ أَضْعَفَ بَصَرَك 00!!
تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَم
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الخَمِيصَة؛ إِن أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِط، تَعِسَ وَانْتَكَس، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَش " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2887 / فَتْح]
أَيْ: وَإِذَا أَصَابَتْهُ شَوْكَةٌ؛ فَلا أَخْرَجَهَا اللهُ مِنهُ 0
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لُعِنَ عَبْدُ الدِّينَارِ، لُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَم " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة: هَذَا حَدِيثٌ صَالِحُ الإِسْنَاد 0 ص: 302/ 8]
وَمَا أَجْمَلَ قَوْلَ الشَّاعِر:
إِذَا مَا كَانَ عِنْدِي قُوتُ يَوْمِي * فَخَلِّ الهَمَّ عَنيِّ يَا سَعِيدُ
وَهَلْ تَأْتي هُمُومُ غَدٍ بِبَالي * وَكُلُّ غَدٍ لَهُ رِزْقٌ جَدِيدُ
{الْبَيْتَانِ الأَوَّلَانِ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِتَصَرُّفٍ يَسِير، وَالآخَرَانِ لِلْحُطَيْئَة}
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ قَحْطَاً؛ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاء: يَا أَمْعَاءُ اتَّسِعِي، وَيَا عَيْنُ لَا تَشْبَعِي، وَيَا بَرَكَةُ ارْتَفِعِي " 0
[ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (346)، الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ النَّجَّارِ وَأَبُو نُعَيْم، كَمَا في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 21594]
الغِنى غِنى النَّفْس
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضَاً مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَيْسَ الغِنى عَنْ كَثْرَةِ العَرَض، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفْس " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في (فَتْحِ البَارِي) بِرَقْم: (6446)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ (فُؤَاد عَبْد البَاقِي) بِرَقْم: 1051]
وَالعَرَض: كُلُّ مَا يمْتَلِكُهُ الإِنسَانُ مِنْ مَتَاع 0
عَن أَبي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ:
" يَا أَبَا ذَرّ؛ أَتَرَى كَثْرَةَ المَالِ هُوَ الْغِنىَ " 00؟
قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" وَتَرَى أَنَّ قِلَّةَ المَالِ هُوَ الْفَقْر " 00؟
قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا الْغِنىَ غِنىَ الْقَلْب، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْب " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيّ، وَقَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في ابْنِ حِبَّان: عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " إِنَّمَا الْغِنى غِنى الْقَلْب، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْب، مَنْ كَانَ الْغِنى في قَلْبِهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا لَقِيَ مِنَ الدُّنيَا، وَمَنْ كَانَ الْفَقْرُ في قَلْبِهِ فَلَا يُغْنِيهِ مَا أُكْثِرَ لَهُ في الدُّنيَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِع]
قِيلَ لأَحَدِ الحُكَمَاء: مَا الْغِنى 00؟
فَقَال: " هُوَ قِلَّةُ تَمَنِّيك، وَرِضَاكَ بِمَا يَكْفِيك " 0
[مُكَاشَفَةُ القُلُوب 0 بَابُ فَضْلِ الفُقَرَاء، فَيْضُ القَدِير 0 المَكْتَبَةُ التِّجَارِيَّةِ 0 ص: 282/ 4]
وَيَرْحَمُ اللهُ شَاعِرَ الفُقَهَاءِ وَفَقِيهَ الشُّعَرَاءِ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ حَيْثُ يَقُول:
أَعَزَّتْني القَنَاعَةُ كُلَّ عِزٍّ * وَأَيُّ غِنىً أَعَزُّ مِنَ القَنَاعَة
فَخُذْ مِنهَا لِنَفْسِكَ رَأْسَ مَالٍ * وَخُذْ مِنْ بَعْدِهَا التَّقْوَى بِضَاعَة
{الإِمَامُ الشَّافِعِيّ}
وَهُوَ القَائِلُ أَيْضَاً:
أَمَتُّ مَطَامِعِي فَأَرَحْتُ نَفْسِي * فَإِنَّ النَّفْسَ مَا طمِعَتْ تَهُونُ
وَأَحْيَيْتُ القُنُوعَ وَكَانَ مَيْتَاً * فَفِي إِحْيَائِهِ عِرْضٌ مَصُونُ
إِذَا طَمَعٌ يحُلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ * كَسَتْهُ ذِلَّةٌ وَعَلَاهُ هُونُ
{الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِتَصَرُّف}
وَالطَّامِعُ مَثَلُهُ مَثَلُ الكَلْبِ الَّذِي مَرَّ عَلَى نَهْر، وَفي فَمِهِ ضِلْعُ شَاة، فَرَأَى خَيَالَهُ في المَاء؛ فَلَعِبَ بِرَأْسِهِ الطَّمَع؛ فَنَبَحَ عَلَى صُورَتِه؛ فَسَقَطَ مَا كَانَ بِفَمِه، وَلَمْ يجِدْ في المَاءِ شَيْئَا 00!!
حَتىَّ الغَنَمُ؛ فِيهَا مِثْلُ أَشْعَبَ في الطَّمَع
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" كَانَ في بَني إِسْرَائِيلَ جَدْيٌ في غَنَمٍ كَثِيرَة، تُرْضِعُهُ أُمُّه، فَانْفَلَتَ ـ أَيْ بِيعَتْ أُمُّهُ أَوْ مَاتَتْ ـ فَرَضَعَ الغَنَمَ كُلَّهَا، ثُمَّ لَمْ يَشْبَعْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّهُمْ فَقَال: " إِنَّ هَذَا مِثْلُ قَوْمٍ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يُعْطَى الرَّجُلُ مِنهُمْ مَا يَكْفِي القَبِيلَةَ أَوِ الأُمَّة، ثمَّ لَا يَشْبَع "
[قَالَ الهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ وُثِّقُواْ إِلَاّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِه: 243/ 10]
وَكَأَنَّهُ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ لأُمَّتِه: فَلَا تَكُونُنَّ هَذِهِ الأُمَّة 00!!
ابْنُ آدَمَ وَحُبُّهُ لِلمَال
عَنْ محْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَم: المَوْت، وَالمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَة، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ المَال، وَقِلَّةُ المَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَاب " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَة، وَقَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح ص: 257/ 10، وَقَالَ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد: إِسْنَادُهُ جَيِّد 0 ح / ر: 23625]
وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَان: حُبُّ المَال، وَطُولُ العُمُر " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6421 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1046 / عَبْد البَاقِي]
وَفي رِوَايَةٍ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَان: الحِرْصُ عَلَى المَال، وَالحِرْصُ عَلَى العُمُر " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1047]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَا يَزَالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابَّاً في اثْنَتَيْن: في حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الأَمَل " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 6420]
وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" يَهْرَمُ ابنُ آدَمَ وَتَبْقَى مِنهُ اثْنَتَان: الحِرْص، وَطُولُ الأَمَل " 0
[الشَّيْخَانِ بِنَحْوِهِ 0 وَصَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ في " الصَّحِيحَة " بِرَقْم: (1906)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 7437]
حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْن: طُولُ الحَيَاة، وَحُبُّ المَال " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1046 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانَاً؛ فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَب، وَفي رِوَايَةٍ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَب، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يحْتَثِي في ثَوْبِه؛ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوب؛ أَلَمْ أَكُن أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى 00؟!
قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك، وَلَكِنْ لَا غِنى بي عَنْ بَرَكَتِك " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(279 / فَتْح)، أَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ رَوَاهَا بِرَقْم: 3391 / فَتْح]
طَمَعُ ابْنِ آدَم
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " لَوْ أَنَّ لَابْنِ آدَمَ وَادِيَاً مِنْ ذَهَب؛ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَان، وَلَنْ يمْلأَ فَاهُ إِلَاّ التُّرَاب، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَاب " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6439)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1048]
وَفي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَوْ أَنَّ لَابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالَا؛ لأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَه، وَلَا يمْلأُ عَينَ ابْنِ آدَمَ إِلَاّ التُّرَاب، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَاب " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6437)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1049]
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَوْ كَانَ لَابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ نَخْل؛ لَتَمَنىَّ مِثْلَه، ثُمَّ تَمَنىَّ مِثْلَه، حَتىَّ يَتَمَنىَّ أَوْدِيَةً، وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَاّ التُّرَاب " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 9420، وَالعَلَاّمَةُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 14600، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 7435]
عَن عَبْدِ اللهِ العَامِرِيِّ رضي الله عنه قَال: " أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلهَاكُمُ التَّكَاثُر} قَال صلى الله عليه وسلم: " يَقُولُ ابْنُ آدَم: مَالي مَالي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِك؛ إِلَاّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْت، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْت، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْت " 00؟! [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " في كِتَابِ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ بِرَقْم: 2958]
وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الإِنْسَان؛ كَالحُوتِ الظَّمْآن؛ مَهْمَا أُعْطِيَ لَا يَشْبَع 00!!
نَرُوحُ وَنَمْضِي لِحَاجَاتِنَا * وَحَاجَةُ مَن عَاشَ لَا تَنْقَضِيضِ
{الصَّلَتَانُ الْعَبْدِيّ}
وَذَكَرَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ القُرْآن؛ فَقَالَ سبحانه وتعالى في سُورَةِ فُصِّلَتْ:
{لَا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِنْ دُعَاء الخَير، وَإِنْ مَسَّهُ الشَرُّ فَيئُوسٌ قَنُوط} {فُصِّلَتْ: 49}
فَنَفْسُ المَرْءِ تَحْقِرُ مَا لَدَيْهَا * وَتَطْلُبُ كُلَّ مُمْتَنِعٍ عَلَيْهَا
فَلَا تَجْعَلْكَ عَبْدَاً في يَدَيْهَا * لِكُلِّ نَقِيصَةٍ تَدْعُو إِلَيْهَا
وقال أَحَدُ الحُكَمَاءِ: " مِسْكِينٌ ابْنُ آدَم؛ لَوْ خَافَ مِنَ النَّارِ كَمَا يخَافُ مِنَ الفَقْر؛ لَنَجَا مِنهُمَا جَمِيعَا، وَلَوْ رَغِبَ في الجَنَّةِ كَمَا يَرْغَب في الغِنى؛ لَفَازَ بهِمَا جَمِيعَا " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاء " 0 الطَّبْعَةُ الأُولى لِدَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِي: 1555]
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَع
عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَة، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتي المَال " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (3911)، كَمَا صَحَّحَهُ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 2336]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنيَا إِلَاّ حِرْصَاً، وَلَا يَزْدَادُونَ مِنَ اللهِ إِلَاّ بُعْدَاً " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (1146، 1510)، وَلَكِنْ قَالَ فِيهِ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: هَذَا مُنْكَر، رَوَاهُ الحَاكِم]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا مَرِجَ الدِّين [أَيْ قَلَِّ بَينَ النَِّاس] وَظَهَرَتِ الرَّغْبَة، وَاخْتَلَفَتِ الإِخْوَان، وَحُرِّقَ البَيْتُ العَتِيق " 0
[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: (26872)، وَوَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
وَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها إِلَاّ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهَا:
" مَا أَنْتُمْ إِذَا مَرِجَ الدِّين، وَسُفِكَ الدَّمُ، وَظَهَرَتِ الزِّينَة، وَشَرُفَ البُنْيَان، وَاخْتَلَفَ الأَخَوَان، وَحُرِّقَ البَيْتُ العَتِيق " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (2744)، وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " اللهُمَّ إِنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَل، وَالجُبْنِ وَالبُخْل، وَالهَرَمِ وَعَذَابِ القَبْر، اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِن عِلْمٍ لَا يَنْفَع، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يخْشَع، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَع، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2722 / عَبْد البَاقِي]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِن أَرْبَع: مِن عِلْمٍ لَا يَنْفَع، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَع، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَع، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَع " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 5442]
حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فَيَقُول:
" اللَّهُمَّ قَنِّعْني بِمَا رَزَقْتَني، وَبَارِكْ لي فِيه " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3360]
إِذَا أَعْطَشَتْكَ أَكُفُّ الوَرَى * كَفَتْكَ القَنَاعَةُ شِبْعَاً وَرِيَّا
وَكُنْ رَجُلاً رِجْلُهُ في الثَّرَى * وَهَامَةُ هِمَّتِهِ في الثُّرَيَّا
تَسَلَّلَ أَشْعَبُ ـ كَعَادَتِهِ ـ إِلى إِحْدَى الوَلَائِم، وَكَانَ عَلَى المَائِدَةِ جَدْيٌ مَشْوِيّ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ لَا يَرْقُبُ فِيهِ إِلاًّ وَلَا ذِمَّة، فَقَالَ لَهُ أَحَدُ المَدْعُوِّين: " لَكَ اللهُ يَا أَشْعَب؛ تَنْتَقِمُ مِنَ الجَدْي؛ كَأَنَّ أُمَّهُ قَدْ نَطَحَتْك 00؟!
فَقَالَ لَهُ: وَأَنْتَ تَرْفُقُ بِهِ؛ كَأَنَّ أُمَّهُ قَدْ أَرْضَعَتْك " 00؟!!
[الأَبْشِيهِيُّ في " المُسْتَطْرَفُ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مُسْتَظْرَف " بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف 0 بَابِ مَا جَاءَ في آدَابِ الأَكْل]
وَلَاحِظ يَرْحَمُكَ اللهُ؛ أَنَّ المحْمُودَ مِنْ قِصَصِ أَشْعَبَ لَيْسَ طَمَعَه، إِنمَا خِفَّةُ ظِلِّهِ وَفُكَاهَتُهُ المَلِيحَة، وَقُدْرَتُهُ الفَائِقَةُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ المَوَاقِفِ الحرِجَة، بِالأَجْوِبَةِ المُسْكِتَة 0 {أَ 0 هـ}
ثُمَّ إِنَّ مَنْ لَمْ يرْضَ بحُكْمِ مُوسَى عليه السلام؛ رَضِيَ بحُكمِ فِرعَونَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ الله ـ أَيْ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِالفَقْرِ بِاعْتِبَارِهِ قَدَرَ الله، وَالمُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِالرِّضَا بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّه، حُلوِهِ وِمُرِّه؛ رَضِيَ بِهِ؛ لأَنَّ ظُرُوفهُ لَا تَسْمَحُ بِغَيْرِ ذَلِك 00!!
إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى
أَتَصْبرُ لِلبَلْوَى احْتِسَابَاً وَحِكْمَةً * فَتُؤْجَرَ أَمْ تَسْلُو سُلُوَّ الْبَهَائِمِ
{أَبُو تَمَّام 0 بِتَصَرُّفٍ يَسِير}
اصْبِرْ عَلَى مَا قَدْ بُلِيتَ فَهَكَذَا شَاءَ القَدَرْ
لِذَا اللهُ أَنْشَأَ في السَّمَوَاتِ جَنَّةً * وَمِن أَجْلِ هَذَا حَفَّهَا بِالمَكَارِهِ
وَفي الأَثَر: " عَجَبَاً لأَمْرِكَ يَا ابْنَ آدَم؛ لَا بِاليَسِيَر تَقْنَع، وَلَا بِالكَثِير تَشْبَع " 0
حَقَّاً وَاللهِ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} {العَلَق: 6}
يَشْكو الضَّعِيفُ الْقَوِيَّ المسْتَبِدَّ وَإِنْ * يَقْوَ اسْتَبَدَّ وَمَا في ذَاكَ مِن عَجَبِ
فَالخَيرُ في البَعْضِ بِالتَّهْذِيبِ مُكْتَسَبٌ * وَالشَّرُّ في الكُلِّ طَبْعٌ غَيرُ مُكْتَسَبِ
لَمْ يخْلُقِ اللهُ أَنيَابَاً محَدَّدَةً * فَظَلَّ يسْعَى إِلَيْهَا المَرْءُ بِالطَّلَبِ
*********
طَلَبْتُ فِيهِمْ زَاهِدَاً * فَمَا أَصَبْتُ وَاحِدَا
مَا أَزْهَدَ مَنْ لَمْ يجِدْ * وَمَا أَبخَلَ الوَاجِدَا
الفَقِيرُ القَنُوع
وَاسْتمِعْ مَعِي لَابْنِ المُقَفَّعِ وَهُوَ يحْكِي عَنْ صَدِيقٍ لَهُ فَيَقُول:
" إِنِّي مخْبرُكَ عَنْ صَاحِبٍ لي؛ كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ في عَيْني؛ وَكَانَ رَأْسَ مَا عَظَّمَهُ في عَيْني؛ صِغَرُ الدُّنيَا في عَيْنَيْه، كَانَ خَارِجَاً منْ سُلْطَانِ بَطْنِه؛ فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يجِد، وَلَا يكْثرُ إذَا وَجَد، وَكَانَ خَارجَاً منْ سلْطَانِ لِسَانِه؛ فَلَا يَتَكَلَّم فِيمَا لَا يَعْلَم، وَلَا يمَارِي فِيمَا عَلِم ـ أَيْ لَا يجَادِل ـ وَكَانَ خَارِجَاً مِنْ سُلطَانِ الجَهَالَة؛ فَلَا يَتَقَدَّمُ إِلَاّ عَلَى ثِقَةٍ بمَنْفَعَة " 0 [الأَدَبُ الصَّغِير لَابْنِ المُقَفَّع]
وَعَنْ شَقِيقٍ البَلْخِيِّ رضي الله عنه قَال: " قَالَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَقوَال، وَخَالَفُوهَا بِأَفْعَالِهِمْ:
" قَالُواْ: نحْنُ عَبِيدُ اللهِ؛ وَعَمِلُواْ عَمَلَ الأَحْرَار 00!!
وَقَالُواْ: المَوْتُ حَقّ؛ وَهُمْ يَعْمَلُونَ أَعْمَالَ مَنْ لَا يَظُنُّ أَنَّهُ سَيَمُوت 00!!
وَقَالُواْ: إِنَّ اللهَ كَفِيلٌ بِأَرْزَاقِنَا؛ وَلَمْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ إِلَاّ بِالدُّنيَا وَحُطَامِهَا " 0
[مُكَاشَفَةُ القُلُوبِ لِلإِمَامِ الغَزَّاليِّ بِتَصَرُّف 0 بَابُ الغَفْلَة]
وَقَالَ سبحانه وتعالى في حَدِيثٍ قُدُسِيّ: " مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، وَلَمْ يَشْكُرْ عَلَى نَعْمَائِي، وَلَمْ يَقْنَعْ بِعَطَائِي: فَلْيَطلُبْ رَبَّاً سِوَاي " 0
[ضَعَّفَهُ المَنَاوِيُّ وَالأَلبَانيُّ في " الضَّعِيفِ وَالضَّعِيفَة، مُكَاشَفَةُ القُلُوبِ 0 بَابُ الغَفْلَة]
النَّفْسُ تَجْزَعُ أَنْ تَكُونَ فَقِيرَةً * وَالفَقْرُ خَيرٌ مِن غِنىً يُطْغِيهَا
وَغِنى النُّفُوسِ هُوَ العَفَافُ فَإِن أَبَتْ * فَجَمِيعُ مَا في الأَرْضِ لَا يَكْفِيهَا
{الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب}
حَتَّامَ تَشْكُو الضِّيقَ يَا هَذَا وَرِزْقُكَ وَاسِعُ
كَالتَّيْسِ يَثْغُو وَهْوَ في ظِلِّ الخَمَائِلِ رَاتِعُ
فِتْنَةُ المَال
عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَة، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتي المَال " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7896]
أَرَاكَ يَزِيدُكَ الإِثْرَاءُ حِرْصَاً * عَلَى الدُّنيَا كَأَنَّكَ لَا تمُوتُ
فَهَلْ لَكَ غَايَةٌ إِنْ صِرْتَ يَوْمَاً * إِلَيْهَا قُلْتَ حَسْبيَ قَدْ رَضِيتُ
مَاذَا تُرِيدُ يَا ابْنَ آدَم؟ كَمَا يَقُولُون: " الطَّعَامُ مخْبُوز، وَالمَاءُ في الكُوز " وَللهِ دَرُّ مَنْ قَال:
يُرِيدُ المَرْءُ أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ * وَيَأْبَى اللهُ إِلَاّ مَا أَرَادَا
يَقُولُ المَرْءُ أَمْلَاكِي وَمَالي * وَتَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَزَادَا
الشَّيْءُ الَّذِي يحْمَدُ فِيهِ الطَّمَع
إِنَّ الطَّمَعَ لَا يحْمَدُ إِلَاّ في العِلْم؛ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
مِثْلُ النَّعِيمِ فَلَيْسَ فِيهِ قَنَاعَةٌ * بَلْ فِيهِ تحْمَدُ كَثْرَةُ الأَطْمَاعِ
وَعَن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنهُومَانِ لَا يَشْبَعَان: طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ مَال " 0 [صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين0كَذَا قَالَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَك، وَالذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في المِشْكَاةِ بِرَقْم: 260]
وَتحْضُرُني في هَذَا قَوْلَةٌ جَمِيلةٌ لَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه في الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ يقُولُ فِيهَا: " العِلمُ عَشْرَةُ أَجْزَاء، اسْتَحْوَذَ مِنهَا ابْنُ أَبى طَالِبٍ عَلَى تِسْعَة، وَزَاحَمَنَا في العَاشِر " 0
مَوْقِفٌ لِلفَارُوقِ عُمَرَ يُعَلِّمُنَا القَنَاعَة
وَقَدْ كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه؛ مَثَلاً أَعلَى في التَّقَشُّفِ وَالزُّهْد 00
فَكَانَ مِثَالَ الزُّهْدِ عَن غَيرِ فَاقَةٍ * إِذَا خرَّ بَعْضُ النَّاسِ لِلْمَالِ سُجَّدَا
اشْتَهَتِ امْرَأَتَهُ يَوْمَاً الحَلَوَى فَقَالَ لهَا ـ وَكَانَ أَمِيرَاً لِلمُؤْمِنِين: إِنَّ رَاتِبي لَا يَكْفِي لِشِرَاءِ الحَلْوَى، فَادَّخَرَتْ مِنْ مَصْرُوفِ بَيْتِهَا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَاً، حَتىَّ اجْتَمَعَ لَدَيْهَا ثَمَنُ الحَلوَى فَاشْتَرَتْهَا، فَلَمَّا فُوجِئَ بِهَا عُمَرُ وَقَدِ اشْتَرَتْهَا، وَعَلِمَ أَنَّهَا ادَّخَرَتْ مِنْ مَصْرُوفِ بَيْتِهَا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَاً؛ قَلَّلَ مِنْ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِّ ثَلَاثِينَ دِرْهمَاً، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ بِلِسَانِ الحَالِ لَهَا: مَا دُمْنَا قَدِ اسْتَطَعْنَا العَيْشَ كُلَّ يَوْمٍ بِدُونِ هَذَا الدِّرْهَم؛ فَبَيْتُ مَالِ المُسْلِمِينَ أَوْلى بِهِ 00!!
اسْمَعْ مَعِي لِمَا قَالَهُ حَافِظٌ إِبْرَاهِيم، مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا المَوْقِفِ العَظِيم:
جُوعُ الخَلِيفَةِ وَالدُّنيَا بِقَبْضَتِهِ * في الزُّهْدِ مَأْثُرَةٌ سُبْحَانَ مُولِيهَا
فَمَنْ يُبَارِي أَبَا حَفْصٍ وَسِيرَتَهُ * أَمْ مَنْ يُحَاوِلُ لِلْفَارُوقِ تَشْبِيهَا
إِذِ اشْتَهَتْ زَوْجُهُ الحَلوَى فَقَالَ لَهَا * مِن أَيْنَ لي ثَمَنُ الحَلْوَى فَأَشْرِيهَا
لَا تَمْتَطِي شَهَوَاتِ النَّفْسِ جَامِحَةً * فَكَسْرَة الخُبْزِ عَن حَلْوَاكِ تَكْفِيهَا
وَهَلْ يَفِي بَيْتُ مَالِ المسْلِمِينَ بِما * تُوحِي إِلَيْكِ إِذَا طَاوَعْتِ مُوحِيهَا
قَالَتْ لَكَ اللهُ إِنِّي لَسْتُ أَرْزَؤُهُ * مَالاً لحَاجَةِ نَفْسٍ كُنْتُ أَبْغِيهَا
دَعْني أُدَبِّرُ شَيْئَاً مِنْ مَعِيشَتِنَا * وَكُلَّ يَوْمٍ عَلَى حَالٍ أُسَوِّيهَا
حَتىَّ إِذَا مَا مَلَكْنَا مَا يُقَيِّمُهَا * شَرَيْتُهَا ثُمَّ أَنِّي لَا أُثَنِّيهَا
قَالَ اذْهَبي وَاعْلَمِي إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً * أَنَّ القَنَاعة تُغْني نَفْسَ أَهْلِيهَا
فَأَقْبَلَتْ بَعْدَ خَمْسٍ وَهْيَ حَامِلَةٌ * دُرَيْهِمَاتٍ لِتَقْضِيَ مِنْ تَشَهِّيهَا
فَقَالَ نَبَّهَتِ مِنيِّ غَافِلاً فَدَعِي * هَذِي الدَّرَاهِمَ إِذْ لَا حَقَّ لي فِيهَا
مَا زَادَ عَنْ قُوتِنَا فَالمُسْلِمُونَ بِهِ * أَوْلي فَقُومِي لِبَيْتِ المَالِ رُدِّيها
كَذَاكَ أَخْلَاقُهُ كَانَتْ وَمَا عُهِدَتْ * بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَخْلَاقٌ تُضَاهِيهَا
وَانْظُرْ إِلى الصَّحَابَةِ كَيْفَ كَانُواْ رضي الله عنهم يَتَوَاصَوْنَ بِالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا:
وَعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنه قَال: " سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه يَقُول: أَلَسْتُمْ في طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ 00؟
لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَمَا يجِدُ مِنَ الدَّقَلِ ـ أَيْ مِنْ رَدِيءِ التَّمْرِ ـ مَا يمْلأُ بِهِ بَطْنَه " 00 وَزَادَ في رِوَايَةٍ: " وَمَا تَرْضَوْنَ دُونَ أَلْوَانِ التَّمْرِ وَالزُّبْد " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2977 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَبي عَبْدِ الرَّحمَنِ العَدَوِيِّ رضي الله عنه قَال: " سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَال: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ المُهَاجِرِين 00؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله رضي الله عنه: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا 00؟
قَالَ نَعَمْ، قَالَ أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُه 00؟
قَالَ نَعَمْ؛ قَالَ فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاء، قَالَ فَإِنَّ لي خَادِمَاً؛ قَالَ فَأَنْتَ مِنَ المُلُوك " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2979 / عَبْد البَاقِي]
فَاقْنَعْ يَا أَخِي بِمَا قَسَمَ اللهُ لَك؛ تَكُن أَغْنى النَّاس 00!!
لَا تَنْشَغِلْ بِمَا خُلِقَ لَك؛ عَمَّا خُلِقْتَ لَه
وَعَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَه: " يَا أَبَا الحَسَن، أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؛ خَمْسُمِاْئَةِ شَاةٍ وَرِعَاؤُهَا، أَمْ خَمْسُ كَلِمَاتٍ أُعَلِّمُكَهُنَّ تَدْعُو بِهِنّ " 00؟!
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، بَلِ الخَمْسُ كَلِمَات 00!!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " تَقُول: اللهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، وَطَيِّبْ لي كَسْبي، وَوَسِّعْ لي في خُلُقِي، وَقَنِّعْني بِمَا قَضَيْت، وَلَا تُذْهِبْ نَفْسِي إِلى شَيْءٍ صَرَفْتَهُ عَنيّ " 0
[هَذَا الحَدِيثُ في " كَنْزِ الْعُمَّالِ " بِرَقْم: 7146]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً، ثمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِك، ثمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِك، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكَاً فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَات، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيد، ثمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3208 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2643 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " وَكَّلَ اللهُ بِالرَّحِمِ مَلَكَاً فَيَقُول: أَيْ رَبّ؛ نُطْفَة ـ أَيَ يَا رَبّ؛ صَارَتْ نُطْفَة ـ أَيْ رَبّ؛ عَلَقَة، أَيْ رَبّ؛ مُضْغَة، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا؛ قَالَ أَيْ رَبّ؛ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى 00؟
أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ 00؟ فَمَا الرِّزْقُ 00؟ فَمَا الأَجَلُ 00؟
فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ في بَطْنِ أُمِّه " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6595 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2646 / عَبْد البَاقِي]
عَن حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " يَدْخُلُ المَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ في الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُول: يَا رَبّ؛ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيد 00؟
فَيُكْتَبَان، فَيَقُول: أَيْ رَبّ؛ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى 00؟
فَيُكْتَبَان، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُه، ثمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَص "
[وَأَثَرُهُ: أَي خُطُوَاتُهُ في الدُّنيَا، أَوْ أَثَرُهُ فِيمَن حَوْلَهُ بِالسَّلْبِ أَوْ بِالإِيجَاب 0 رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2644 / عَبْد البَاقِي]
فَلَا حِيلةَ في الرِّزق، وَلَا شَفَاعَةَ في المَوْت 00!!
إِنَّ العَبْدَ عِنْدَمَا يمُوتُ يَشْتَدُّ بِهِ العَطَش؛ فَيَقُولُ لَهُ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِالأَرْزَاق: يَا ابْنَ آدَم؛ جُبْتُ لَكَ المَشَارِقَ وَالمغَارِبَ فَلَمْ أَجدْ لَكَ شَرْبةَ مَاء، يَا ابْنَ آدَم؛ جُبْتُ لَكَ المَشَارِقَ وَالمغَارِبَ فَلَمْ أَجِدْ لَكَ لُقْمَةً وَاحِدَة، لَقَدِ اسْتَنْفَذْتَ كُلَّ رِزْقِكَ عِنْدِي 00!!
وَفى الحَدِيثِ القُدُسِيِّ العَظِيم: " يَا ابْنَ آدم؛ لَا تخَفْ مِنْ ذِي سُلطَانٍ مَا دَامَ سُلْطانِي بَاقِيَا، وَسُلْطَاني لَا يَزُولُ أَبَدَا، يَا ابْنَ آدَم؛ لَا تخْشَ مِنْ ضِيقِ الرِّزْقِ مَا دَامَتْ خِزائِني ملأَى، وَخَزَائِني لَا تَنْفَدُ أَبَدَا، يَا ابْنَ آدَم؛ خَلَقْتُ الأَشْيَاءَ مِن أَجْلِك، وَخَلَقْتُكَ مِن أَجْلِي؛ فَلَا تَنْشَغلْ بمَا خُلِقَ لَكَ عَمَّا خُلِقْتَ لَه، يَا ابْنَ آدَم؛ خَلَقْتُكَ لِعبَادَتي؛ فَلَا تَلعَبْ، وَقَدَّرْتُ لَكَ رِزْقَك؛ فَلَا تَتْعَبْ، وفي أَكْثَرَ مِنهُ؛ لَا تَطْمَعْ، وَبِأَقَلَّ مِنه؛ لَا تجْزَعْ، فَإِنْ رَضِيتَ بِمَا قَسَمْتُهُ لَك؛ أَرَحْتُ بَالَكَ وَكُنْتَ عِنْدِي محْمُودَا، وَإِن أَنْتَ لَمْ تَرْضَ بِمَا قَسَمْتُهُ لَك؛ فَوَعِزَّتِي وَجَلَالي؛ لأُسَلِّطَنَّ عَلَيْكَ الدُّنيَا فَتَرْكْضَ فِيهَا رَكْضَ الوُحُوشِ في البرَارِي، وَلَنْ تأْخُذَ في النِّهَايَةِ مِنهَا؛ إِلَاّ مَا قَسَمْتُهُ لَك، وَكُنْتَ عِنْدِي مَذْمُومَا " 0
لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبقُ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَين
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " العَينُ حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَاً القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَين " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: (2188)، وَالحَدِيثُ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: 11222]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اسْتَعِيذُواْ بِاللهِ تَعَالى مِنَ الْعَين؛ فَإِنَّ الْعَينَ حَقّ " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 938، 737، وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِن أُمَّتي بَعْدَ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ بِالعَين " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " وَفي " ظِلَالِ الجَنَّةِ " بِرَقْمَيْ: 2086، 311، رَوَاهُ الإِمَامَانِ البَزَّارُ وَالطَّيَالِسِيّ]
عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " العَينُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ القَبر، وَتُدْخِلُ الجَمَلَ القدْر " 0 [ابْنُ عَدِيّ، وَالدَّيْلَمِيّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ في الحِليَة، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيحِ بِرَقْم: 4144]
وَعَن أَبى ذَر رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ العَينَ لَتُولِعُ الرَّجُلَ بِإِذْنِ الله؛ حَتىَّ يَصْعَدَ حَالِقَاً ـ أَيْ جَبَلاً ـ ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في السِّلسِلةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (889)، وَفي الجَامِعِ الصَّحِيحِ بِرَقْم: (2561)، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قَالَتْ:
" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُني أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ العَين " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2195 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال:
" إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " يَا محَمَّد؛ اشْتَكَيْت 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ؛ قَالَ عليه السلام: بِسْمِ اللهِ أَرْقِيك، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيك: مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ وَعَيْنِ حَاسِد، بِسْمِ اللهِ أَرْقِيك، وَاللهُ يَشْفِيك " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 972]
عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ وَهُوَ يُوعَكُ فَقَال: " بِسْمِ اللهِ أَرْقِيك: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيك، مِنْ كُلِّ حَسَدٍ وَحَاسِد، وَكُلِّ غَمٍّ وَسُمٍّ: اللهُ يَشْفِيك " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8268]
عَن عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله؛ إِنَّ بَني جَعْفَرَ تُصِيبُهُمْ الْعَين؛ فَأَسْتَرْقِي لَهُمْ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ؛ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَاً الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَين " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 3510، وَحَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 27470]
عَن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ مِن أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَة؛ فَإِنَّ الْعَينَ حَقّ " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ بِرَقْم: (7499)، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 556، 2572]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ غَفَرَ اللهُ لَهُ قَال: " خَرَجَ سَهْلُ بْنُ حُنَيفٍ وَمَعَهُ عَامِرُ بن رَبِيعَةَ رضي الله عنهما يُرِيدَانِ الْغُسْل؛ فَانْتَهَيَا إِلىَ غَدِير؛ فَخَرَجَ سَهْلٌ يُرِيدُ الخَمْر [يَعْني السَّتْر]؛ حَتىَّ إِذَا رَأَى [أَيْ رَبِيعَةُ] أَنَّهُ [أَيْ سَهْلٌ] قَدْ نَزَعَ جُبَّةً عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ فَوَضَعَهَا ثُمَّ دَخَلَ المَاء: قَالَ رَبِيعَةُ رضي الله عنه: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْني؛ فَسَمِعْتُ لَهُ قَرْقَفَةً في الماء [أَيْ أَخَذَ يَنْتَفِضُ وَيَرْتَعِد]؛ فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلَاثَاً فَلَمْ يُجِبْني؛ فَأَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَجَاءَ يَمْشِي،
فَخَاضَ المَاءَ حَتىَّ كَأَنيِّ أَنْظُرُ إِلىَ بَيَاضِ سَاقَيْهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَ صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ ثمَّ قَال:" اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا، وَوَصَبَهَا " 0
فَقَامَ رضي الله عنه؛ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
" إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ مَا يُحِبّ: فَلْيُبَرِّكْ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقّ " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7500]
عَن أَسْعَدَ بنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ رضي الله عنه قَال: " مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ وَهُوَ يَغْتَسل؛ فَقَال: لَمْ أَرَ كَاليَوْمِ وَلا جِلدَ مخَبَّأَة ـ أَيْ وَلا جِلْدَ الفَتَاةِ الغَضَّةِ البَضَّةِ، الَّتي يخَبِّؤُهَا أَهْلُهَا لِحُسْنِهَا وَبَيَاضِهَا ـ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِه:[أَيْ صُرِعَ وَسَقَطَ عَلَى الأَرْض]؛ فَأَتَوُاْ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَالُواْ: أَدْرِكْ سَهْلاً صَرِيعَاً 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَتَّهِمُونَ بِه " 00؟
قَالُواْ: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَة؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاه 00؟!
إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِن أَخِيهِ مَا يُعْجِبُه: فَليَدْعُ لَهُ بِالبرَكَة " 0
ثُمَّ دَعَا صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ؛ فَأَمَرَ عَامِرَاً أَنْ يَتَوَضَّأ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيهِ إِلىَ المِرْفَقَين، وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِه، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْه " 0
[وَدَاخِلَةُ الإِزَار: الجُزْءُ الدَّاخِلِيُّ مِنهُ مِمَّا يَلِي الجَسَد، وَالَّذِي يُلَفُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الإِزَار 0 لِسَانُ العَرَب: 240/ 11، صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَة وَفي الجَامِعِ الصَّحِيحِ وَمِشْكَاةِ المَصَابِيحِ، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ وَفي المُسْنَد]
وَعَن أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
" كَانَ العَائِنُ يُؤْمَرُ أَنْ يَتَوَضَّاَ فَيَغْتَسِلَ بِهِ المَعِين " 00!!
[العَائِنُ هُوَ الحَاسِد، وَالمَعِينُ وَالمَعْيُونُ هُوَ المحْسُود 0 لِسَانُ العَرَب: (301/ 13)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: (11224)، وَذَكَرَهُ وَشَرَحَهُ أَبُو المحَاسِنِ في " مُعْتَصَرُ المُخْتَصَرِ " عِنْدَ شَرْحِ هَذَا الحَدِيث 0 بَيرُوت 0 ص: 222/ 2]
التَّعَاوِيذُ وَالرُّقَى
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ صَوْتَ صَبيٍّ يَبْكِي؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا لِصَبِيِّكُمْ هَذَا يَبْكِي؛ فَهَلَاّ اسْتَرْقَيْتُمْ لَهُ مِنَ الْعَين " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (10599)، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 23921 / إِحْيَاءُ التُّرَاث]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ رضي الله عنهما وَيَقُول: " إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاق: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّة، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّة، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّة " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3371 / فَتْح]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال:
" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانّ، وَعَينِ الإِنْسَان؛ حَتىَّ نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَان؛ فَلَمَّا نَزَلَتَا: أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا " 0 [حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2058، وَفي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَفي الجَامِعِ بِرَقْمَيْ: 247، 9033]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِن عَينِ الجَانّ، وَعَينِ الإِنْس؛ فَلَمَّا نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَان؛ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِك " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: (5494)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 3511]
وَكَانَ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه بُسْتَان؛ فَكَانَ يُرَدِّدُ إِذَا دَخَلَهُ قَوْلَهُ جل جلاله: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالله} [الكَهْف: 39]
[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " رَقْم: 11226]
وَتُقْيَةُ الحَسَدِ يَا إِخْوَتَاهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقِ الْكَفِّ وَلَا الأَحْذِيَة؛ فَإِنَّهَا تَمَائِم 00
عَن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَن عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَك " 0 [صَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 6394، 492، وَوَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَن عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَن عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ " 0 [أَيْ لَا حَفِظَ اللهُ لَهُ]
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7501]
إِنَّ لِنِعَمِ اللهِ أَعْدَاءً
وَلِذَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" اسْتَعِينُواْ عَلَى إِنجَاحِ الحَوَائِجِ بِالكِتْمَان، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ محْسُود " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (1453)، وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَابْنُ الخَطِيب، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 16800]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ لِنِعَمِ اللهِ أَعْدَاءً " 00 قِيل: وَمَن هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الَّذِينَ يحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه " 0
[أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرِيُّ 0 وَالقُرْطُبيُّ بِنَحْوِهِ في " تَفْسِيرِهِ " لِسُورَةِ النِّسَاء 0 آيَة: 54]
وَعَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" مَا مِنِ امْرِئٍ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِ الله؛ إِلَاّ وَلَهُ عَلَيْهَا مِنَ النَّاسِ حَاسِد " 0
[أَبُو نُعَيْمٍ التُّرْسِيُّ في " أُنْسِ العَاقِلِ وَتَذْكِرَةُ الغَافِل " 0 وَالحَدِيثُ في الكَنْزِ بِرَقْم: 8834]
حُرْمَةُ الحَسَد
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَجْتَمِعُ في جَوْفِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللهِ وَفَيْحُ جَهَنَّم، وَلَا يَجْتَمِعُ في جَوْفِ عَبْدٍ: الإِيمَانُ وَالحَسَد " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيب ح 0 ر: (2886)، رَوَاهُ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِه]
عَن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَال:
" الحَسَدُ يَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَب، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَة، كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّار، وَالصَّلَاةُ نُور، وَالصِّيَامُ جُنَّة " 0 [ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (4210)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 7438]
وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَال: " لَا تَبَاغَضُواْ، وَلَا تحَاسَدُواْ، وَلَا تَدَابَرُواْ، وَكُونُواْ عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَا، وَلَا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّام " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6065)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ " نُسْخَةُ فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2559]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَال: لَا تحَاسَدُواْ، وَلَا تَبَاغَضُواْ، وَلَا تَقَاطَعُواْ، وَكُونُواْ عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَا " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ (فُؤَاد عَبْد البَاقِي) بِرَقْم: 2559]
تَرْكُهُ لِلْحَسَدِ أَدْخَلَهُ الجَنَّة
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:
" كُنَّا جُلُوسَاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الجَنَّة " 00 فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَار، تَنْطِفُ لحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِه ـ أَيْ تَقْطُرُ مَاءً ـ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ في يَدِهِ الشِّمَال، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِك، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ المَرَّةِ الأُولى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِث؛ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضَاً، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولى، فَلَمَّا قَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛
تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاص، فَقَالَ رضي الله عنه: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبي ـ أَيْ تَشَاجَرْتُ مَعَه ـ فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثَاً؛ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَني إِلَيْكَ حَتىَّ تَمْضِيَ فَعَلْت؟
قَالَ نَعَمْ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالي الثَّلَاث، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئَا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ ـ أَيِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ ـ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِه؛ ذَكَرَ اللهَ عز وجل وَكَبَّر، حَتىَّ يَقُومَ لِصَلَاةِ الفَجْر، غَيرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَاّ خَيرَاً، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَن أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ الله؛ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْني وَبَينَ أَبي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ ـ أَيْ هُنَالِك ـ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَار: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الجَنَّة " 0
فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَار؛ فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِه، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَل، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟!
فَقَال: مَا هُوَ إِلَاّ مَا رَأَيْت، فَلَمَّا وَلَّيْت؛ دَعَانِي فَقَال: مَا هُوَ إِلَاّ مَا رَأَيْت، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ في نَفْسِي لأَحَدٍ مِنْ المُسْلِمِينَ غِشَّاً، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدَاً عَلَى خَيرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاه، فَقَالَ عَبْدُ الله: هَذِهِ الَّتي بَلَغَتْ بِك، وَهِيَ الَّتي لَا نُطِيق " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في بِدَايَةِ السِّلْسِلَةِ الضَّعِيفَةِ بِرَقْم: 1، وَقَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 12720، وَقَالَ فِيهِ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]
وَفي رِوَايَةٍ لِلبَزَّارِ قَال:
" مَا هُوَ إِلَاّ مَا رَأَيْتَ يَا ابْنَ أَخِي، إِلَاّ أَني لَمْ أَبِتْ ضَاغِنَاً عَلَى مسْلِم، أَوْ كَلِمَةً نحْوَهَا " 0
[وَقَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَاّ وَاحِدَاً اخْتَلَفَ فِيه 0 ص: (78/ 8)، رَوَاهُ البَزَّار]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَجْتَمِعَانِ في النَّار: مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرَاً ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَب، وَلَا يَجْتَمِعَانِ في جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللهِ وَفَيْحُ جَهَنَّم، وَلَا يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالحَسَد "
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: 3109]
وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا تَعَجَّلَ إِلى رَبِّهِ سبحانه وتعالى؛ رَأَى في ظِلِّ العَرْشِ رَجُلاً، فَغَبَطَهُ بمَكَانِهِ وَقال: إِنَّ هَذَا لَكَرِيمٌ عَلَى رَبِّه؛ فَسَأَلَ رَبَّهُ سبحانه وتعالى أَنْ يخْبرَهُ بِاسْمِهِ فَلَمْ يخبرْه، وَقَال: أُحَدِّثُكَ مِن عَمَلِهِ بِثَلَاث: " كَانَ لَا يحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه، وَكَانَ لَا يَعُقُّ وَالِدَيْه، وَلَا يمْشِي بِالنَّمِيمَة " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَابُ ذَمِّ الحَسَد: (1083)، ابْنُ أَبي عَاصِمٍ في " الزُّهْدِ " طَبْعَةِ الرَّيَّان 0 ص: 67/ 1]
الإِمَامُ ابْنُ سِيرِينَ وَفَلْسَفَةُ الرِّضَى
وَقَالَ الإِمَامُ ابْنُ سِيرِينَ رحمه الله: " مَا حَسَدْتُ أَحَدَاً عَلَى شَيْءٍ مِن أَمْرِ الدُّنيَا؛ لأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِن أَهْلِ الجَنَّة؛ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللهُ وَهُوَ حَقِيرٌ بجَانِبِ الجَنَّة 00؟!
وَإِنْ كانَ مِن أَهْلِ النَّار؛ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللهُ وَهْوَ يَصِير إِلى النَّار " 00؟!
[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الزُّهْدِ الكَبِيرِ " بِرَقْم: 845]
الدُّنيَا أَهْوَنُ مِنْ تحَاسُدِ الحَاسِدِين
جمَعْتَ مَالاً فَقُلْ لي هَلْ جَمَعْتَ لَهُ * يَا جَامِعَ المَالِ أَيَّامَاً تُفَرِّقُهُ
المَالُ عِنْدَكَ مَخْزُونٌ لِوَارِثِهِ * مَا المَالُ مَالُكَ إِلَاّ حِينَ تُنْفِقُهُ
إِنَّ القَنَاعَةَ مَنْ يَحْلُلْ بِسَاحَتِهَا * لَمْ يَلْقَ في ظِلِّهَا هَمَّاً يُؤَرِّقُهُ
*********
يُرِيدُ المَرْءُ أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ * وَيَأْبَى اللهُ إِلَاّ مَا يَشَاءُ
وَما مِنْ شِدَّةٍ نَزَلَتْ بِقَوْمٍ * وَإِلَاّ سَوْفَ يَتْبَعُهَا الرَّخَاءُ
فمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتى غِنَاهُ * وَمَا يَدْرِي الغَنيُّ مَتى يجُوعُ
{أُحَيْحَةُ بْنُ الجَلَاّح 0 ببِتَصَرُّف}
فَلَا تحْسُدَنَّ الأَغْنِيَاءَ فَإِنَّهُمْ * عَلَى قَدْرِ مَا يُعْطِيهِمُ الدَّهْرُ يَسْلُبُ
{ابْنُ الرُّومِي 0 بِتَصَرُّف}
وَقَدْ تَغْدِرُ الدُّنيَا فَيُمْسِي غَنِيُّهَا * فَقِيرَاً وَيَغْنى بَعْدَ بُؤْسٍ فَقِيرُهَا
فَلَا تَقْرَبِ المُتَعَ الحَرَامَ فَإِنَّمَا * حَلَاوَتُهَا تَفْنى وَيَبْقَى مَرِيرُهَا
الحَسَدُ هُوَ الَّذِي وَلَّدَ الكِبرَ الَّذِي بِسَبَبِهِ طُرِدَ إِبْلِيسُ مِنَ الجَنَّة
كُلُّ العَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى إِزَالَتُهَا * إِلَاّ عَدَاوَةَ مَن عَادَى عَنِ الحَسَدِ
عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْر؛ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُواْ " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيبِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (2887، 3386)، وَوَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]
وَيَكْفِيكَ عَنِ الحَسَدِ يَا أَخِي: أَنَّهُ الَّذِي وَلَّدَ الكِبرَ الَّذِي بِسَبَبِهِ طُرِدَ إِبْلِيسُ مِن الجَنَّةِ وَلَعَنَهُ الله، فَهْوَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ في السَّمَاء ـ عِنْدَمَا حَسَدَ إِبْلِيسُ آدَم ـ وَهُوَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ في الأَرْض 00 عِنْدَمَا حَسَدَ قَابِيلُ هَابِيل 00!!
مَاذَا فَعَلَ الحَسَدُ بِنَبيِّ اللهِ يَعْقُوب
حَتىَّ نَبيُّ اللهِ يَعْقُوبُ عليه السلام؛ كَانَ يخْشَى عَلَى بَنِيهِ مِن أَعْيُنِ النَّاس 00!!
وَذَلِكَ عِنْدَمَا قَالَ لهُمْ: {يَا بَنيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِن أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَة، وَمَا أُغْني عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْء، إِنِ الحُكْمُ إِلَاّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُون {67} وَلَمَّا دَخَلُواْ مِن حَيْثُ أَمَرَهُمْ أبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْني عَنهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ حَاجَةً في نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا، وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} {يُوسُف}
إِلَاّ أَنَّ الحَسَدَ كَانَ أَسْرَعَ إِلى يَعْقُوبَ عليه السلام مِمَّا يَظُنُّ بِكَثِير، فَاكْتَوَى بِنَارِهِ مِن هَؤُلَاءِ الأَبْنَاءِ مِنْ قَبْلُ في يُوسُف ـ عِنْدَمَا حَسَدُوه ـ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يخْشَى عَلَيْهِمْ مِن الحَسَد، لَكَ اللهُ يَا يَعْقُوب، إِنَّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيد، تحْتَاطُ مِنَ الحَسَدِ وَتَنْظُرُ إِلى بَعِيد، وَلَقَدْ كَانَ الحَسَدُ أَقرَبَ إِلَيْكَ مِن حَبْلِ الوَرِيد 00!!
فَبِسَبَبِهِ حُرِمَ عليه السلام مِنَ ابْنِهِ وَفِلْذَةِ كَبِدِهِ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَبِنيَامِين:
هَلْ كَانَ ذَلِكَ إِلَاّ بِسَبَبِ الحَسَد 00؟!
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينَا مِنَّا وَنحْنُ عُصْبَة، إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَال مُبِين {8} اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضَاً يخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ، وَتَكُونُواْ مِنْ بَعْدِهِ قَوْمَاً صَالحِين}
{يُوسُف}
مَاذَا فَعَلَ الحَسَدُ بِإِخْوَةِ يُوسُف
فَلَمَّا كَرِهُوا حُبَّ أَبِيهِمْ لَهُ وَسَاءهُم ذَلِكَ أَحَبُّوا زَوَالَهُ عَنه 00!!
يَقُولُ الإِمَامُ الطَّبرِيُّ في تَفْسِيرِهِ لهَذِهِ الآيَات: " فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ لَمَّا رَأَواْ حُبَّ أَبِيهِ لَه " حَتىَّ إِنَّهُمْ قَالُواْ في الرُّؤْيَةِ الَّتي رَآهَا: مَا رَضِيَ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ إِخْوَتُهُ حَتىَّ سَجَدَ لَهُ أَبَوَاه 0
[الإِمَامُ الطَّبرِيُّ في " تَفْسِيرِهِ " لِسُورَةِ يُوسُفَ بِاخْتِصَار 0 الآيَة: 5، 6 ـ 153/ 12]
مَاذَا فَعَلَ الحَسَدُ بِكُفَّارِ قُرَيْش
وَأَيْضَاً بِسَبَبِهِ جَحَدَ مُشرُكُواْ مَكَّةَ بِآيَاتِ اللهِ بَعْدَمَا اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمَاً وَعُلُوَّاً فَقَالُواْ ـ لُعِنُواْ بمَا قَالُواْ ـ كَيْفَ يَتَقَدَّم عَلَيْنَا غُلَامٌ يَتِيمٌ وَنُطَأْطِئُ رُءوسَنَا لَه 00؟!
{وَقَالُواْ: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَينِ عَظِيم} [الزُّخْرُف: 31]
قَالَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَة:
" لَوْ كَانَ مَا يَقُولُ محَمَّدٌ حَقَّاً؛ أُنْزِلَ عَلَيَّ هَذَا، أَوْ عَلَى أَبي مَسْعُودٍ الثَّقَفِيّ " 0
[الإِمَامُ الطَّبرِيُّ في " تَفْسِيرِهِ " لِسُورَةِ الزُّخْرُف: 33]
وَفي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَال:
" أَيَنزِلُ هَذَا عَلَى محَمَّدٍ وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، وَيُتْرَكُ أَبُو مَسْعُودٍ عَمْرُو بنُ عُمَيرٍ الثَّقَفِيّ ـ سَيِّدُ ثَقِيف ـ وَنحْنُ عَظِيمَا القَرْيَتَينِ 00؟!!
فَأَنزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَة 00!!
وَآفَةُ أُوْلَئِكَ المُغَفَّلِينَ أَنهُمْ نَسُواْ ـ أَوْ قُلْ تَنَاسَواْ ـ أَنَّ اخْتِيَارَ اللهِ سبحانه وتعالى حَيْثُ يجْعَلُ رِسَالَتَهُ لَا يَقُومُ عَلَى الفَقْرِ وَالغِنى، إِنما عَلَى مَعْدِنِ الشَّخْصِ وَمِقْدَارِ مَا في نَفْسِهِ مِن خَير 00!!
وَصَدَقَ اللهُ سبحانه وتعالى: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهُمْ أَنْ يُؤتَى صُحُفَاً مُنَشَّرَة} {المُدَّثِّر: 52}
وَممَّا يُؤَكِّدُ حَسَدَهُمُ الشَّدِيدَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَه؛ مَا أَخرَجَهُ الإِمَامُ البَيْهَقِيّ:
[السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ لَابْنِ هِشَام 0 دَارُ الجِيل 0 بَيرُوت 0 ص: 207/ 8]
عَنِ المغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَال: " إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَني كُنْتُ أَمْشِي أَنَا وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَام، في بَعْضِ أَزِقَّةِ مَكَّة، إِذْ لَقِيَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأَبي جَهْل: " يَا أَبَا الحَكَم؛ هَلُمَّ إِلى اللهِ وَإِلى رَسُولِهِ أَدْعُوكَ إِلى الله " 00؟
فَقَالَ أَبُو جَهْل: يَا محَمَّد، هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلهَتِنَا 00؟
هَلْ تُرِيدُ إِلَاّ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْت 00؟
فَنَحْن نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْت؛ فَوَاللهِ لَوْ أَني أَعْلَمُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ لَاتَّبَعْتُك 00!!
قَالَ المُغِيرَة: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو جَهْلٍ فَقَال: وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أنَّ مَا يَقُولُهُ حَقّ، وَلَكِنْ يَمْنَعُني شَيْء: أَنَّ بَني قُصَيٍّ قَالُواْ: فِينَا الحِجَابَة ـ أَيْ مَفَاتِيحُ الكَعْبَة ـ فَقُلنَا نَعَمْ، ثمَّ قَالُواْ: وَفِينَا السِّقايَة ـ أَيْ سِقَايَةُ الحَجِيج ـ فَقُلنَا نَعَمْ، ثُمَّ قَالُواْ: وَفِينَا النَّدْوَة ـ كَالعُمُدِيَّةِ في الرِّيف ـ فَقُلْنَا نَعَمْ، ثُمَّ قَالُواْ: وَفِينَا اللِّوَاء ـ أَيْ رَايَةُ الحَرْب ـ فَقُلْنَا نَعَمْ، ثُمَّ أَطْعَمُواْ فَأَطْعَمْنَا، حَتىَّ إِذَا تحَاكَّتِ الرُّكَب ـ أَيْ حَتىَّ إِذَا تَسَاوَيْنَا في الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَد؛ قَالُواْ: مِنَّا نَبيٌّ يَأْتِيهِ الوَحْيُ مِنَ السَّمَاء؛ فَمَتى نُدْرِكُ هَذِه، وَاللهِ لَا أَفْعَل
)) 0
[البَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ في " مُصَنَّفِهِ " بِرَقْم: (35829)، حَيَاةُ الصَّحَابَةِ طَبْعَةُ دَارِ الحَدِيث 0 مِصْر 0 ص: 70/ 1]
مَاذَا فَعَلَ الحَسَدُ بِاليَهُود
وَهْوَ الَّذِي بِسَبَبِهِ جَحَدَ اليَهُودُ بِآيَاتِ اللهِ حَسَدَاً مِن عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ 00
عَن أُمِّ المُؤمِنِينَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُبيِّ بْنِ أَخْطَبَ رضي الله عنه أَنهَا قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
" جَاءَ أَبي وَعَمِّي مِن عِنْدِكَ يَوْمَاً ـ وَكَانَا مِنْ زُعَمَاءِ اليَهُود ـ فقالَ أَبي لِعَمِّي: ما تَقُولُ فِيه؟!
قَال: أَقُولُ إِنَّهُ النَّبيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ مُوسَى، قَال: فَمَا تَرَى؟
قَال: أَرَى مُعَادَاتَهُ أَيَّامَ الحَيَاة " 0
[سِيرَةُ ابْنِ هِشَام 0 بَابُ شَهَادَةِ صَفِيَّة 0 ص: 126/ 1]
لَقَدْ بَلَغَ حَسَدُ اليَهُودِ حَدَّ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَذْهَبُونَ إِلى أَبي جَهْلٍ وَأُمَيَّةَ ابْنِ خَلَفٍ وَيَقُولُونَ لهُمْ:
" أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْ محَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ سَبِيلَا؛ حَسَدَاً مِن عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ " 0
[الإِمَامُ الطَّبرِيُّ بِنَحْوِهِ في تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الآيَةِ بِسُورَةِ النِّسَاء 0 طَبْعَةُ دَارِ الفِكْر 0 بَيرُوت: 135/ 5]
وَصَدَقَ اللهُ سبحانه وتعالى إِذْ يَقُول: {أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبَاً مِنَ الكِتَابِ، يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ: هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلَا {51} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله، وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرَاً} {النِّسَاء}
وَلَمْ يَكْتَفُواْ بِهَذَا حَتىَّ حَاوَلُواْ قَتلَهُ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مَرَّة 00!!
وَضْعُ السُّمِّ لِرَسُولِ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
وَانْظُرْ إِلى حَسَدِهِمُ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ أَنَّهُمْ تَآمَرُواْ عَلَى قَتْلِهِ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ بَني جِلْدَتِهِمْ، فَدَعَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إِلى طَعَامٍ ـ وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَدَّ دَعْوَةَ أَحَدٍ قَطّ ـ فَأَجَابهَا صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَتْ لَهُ الخَبِيثَةُ سُمَّاً في الطَّعَام، فَلَمَّا أَنْ كَشَفَ اللهُ سِتْرَهُمْ، وَأَبَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُمْ: سَأَلهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ ـ وَانظُرْ إِلى مَكْرِ اليَهُود ـ مَا فَعَلْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَاّ لِنَتَبَيَّنَ صِدْقَكَ مِنْ كَذِبِك؛ فَإِنْ كُنْتَ نَبِيَّاً لَمْ يُصِبْكَ شَيْء، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً اسْتَرَحْنَا مِنْك،
فَتَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00!!
عَن أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه قَال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَة، فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّة ـ أَيْ مَشْوِيَّة ـ سَمَّتْهَا، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " ارْفَعُواْ أَيْدِيَكُمْ؛ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْني أَنَّهَا مَسْمُومَة " 00 فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيّ، فَأَرْسَلَ إِلى الْيَهُودِيَّة: مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ 00؟!
قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيَّاً لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْت، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكَاً ـ أَيْ كَاذِبَاً في نُبُوَّتِكَ ـ أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْك، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُتِلَتْ ـ أَيْ قِصَاصَاً في بِشْر ـ ثُمَّ قَالَ في وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيه:" مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنْ الأَكْلَةِ الَّتي أَكَلْتُ بِخَيْبَر، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي "
[حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 4512]
وَعَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا فَتَحَ اللهُ خَيْبرَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنهُمْ؛ أَهْدَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الحَارِثِ اليَهُودِيَّةُ شَاةً مَصْلِيَّةً ـ أَيْ مَشْوِيَّةً ـ وَسَمَّتْهُ فِيهَا ـ أَيْ وَضَعَتْ لَهُ فِيهَا السُّمَّ لِتَنْتَقِمَ لِيَهُودِ خَيْبر ـ وَأَكْثَرَتْ في الكَتِفِ وَالذِّرَاع، حِينَ أُخْبِرَتْ أَنهُمَا أَحَبُّ أَعْضَاءِ الشَّاةِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَه بِشْرُ بْنُ البرَاءِ بْنُ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيّ؛ قَدَّمَتْ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَنَاوَل الكَتِفَ وَالذِّرَاعَ فَانْتَهَشَ مِنهُمَا، وَتَنَاوَلَ بِشرٌ عَظْمَا آخَرَ وَانْتَهَشَ منهُ،
فَلَمَّا أَدْغَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا في فيهِ ـ أَيْ مَضَغَهُ ـ أَدْغَمَ بِشْرٌ مَا في فِيه، فَقَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:" ارْفَعُواْ أَيْدِيَكُمْ؛ فَإِنَّ كَتِفَ الشَّاةِ تخْبرُني أَني قَدْ بُغِيتُ فِيهَا " ـ أَيْ غُدِرَ بِي فِيهَا ـ فَقَالَ بِشْرُ بْنُ البرَاء: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ في أَكْلَتي الَّتي أَكَلْت، وَإِنْ مَنَعَني ـ أَيْ مَا مَنَعَني ـ أَن أَلفِظَهَا إِلَاّ أَني كَرِهْتُ أَن أُنَغِّصَكَ طَعَامَك، فَلمَّا أَكَلْتَ مَا في فِيكَ لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِيَ عَنْ نَفْسِك، وَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ أَدْغَمْتَهَا وَفيهَا بَغْي، فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتىَّ عَادَ لَوْنُهُ كَالطَّيْلَسَان ـ أَيِ ازْرَقَّ ـ وَمَاطَلَهُ وَجَعُه؛ حَتىَّ كَانَ مَا يَتَحَوَّلُ إِلَاّ
حُوِّل ـ أَيْ لَا يَتحَرَّكُ إِلَاّ إِذَا حُرِّكَ بِمَسَاعَدَةِ آخَرِين ـ وَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ ثَلَاثَ سِنِين، حَتىَّ كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي مَاتَ فِيه " 0
[قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَفِيهِ ضَعْف، وَحَدِيثُهُ حَسَن: (153/ 6)، رَوَاهُ الطَّبرَانيّ، " الكَنْز ": 18849]
سِرُّ الحَسَدِ عِنْدَ اليَهُود
لَكِنْ مَا السِّرُّ في حَسَدِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ لِلمُسْلِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَاب 00؟!
السِّرُّ في ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلى أَمْرَين:
الأَمْرُ الأَوَّل: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنَ العَرَبِ وَلَيْسَ مِنهُمْ، وَلَوْ خَرَجَ مِنهُمْ لَقَتَلُوهُ أَوْ صَلَبُوه، كَمَا فَعَلُواْ بِغَيرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُل 00!!
الأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ عَلَى العَرَبِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ لحَرَّفُوهُ كَمَا حَرَّفُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل 00!!
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ رضي الله عنه وَكَانَ مِن أَصْحَابِ بَدْرٍ قَال: " كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ في بَني عَبْدِ الأَشْهَل، فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمَاً مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَسِير، فَوَقَفَ عَلَى مجْلِسِ عَبْدِ الأَشْهَلِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنَّاً، عَلَيَّ بُرْدَة، مُضْطَجِعَاً فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي، فَذَكَرَ البَعْثَ وَالقِيَامَةَ وَالحِسَابَ وَالمِيزَانَ وَالجَنَّةَ وَالنَّار، فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَان، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثَاً كَائِنٌ بَعْدَ المَوْت؛ فَقَالُواْ لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَان؛ تَرَى هَذَا كَائِنَاً؟ إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَار، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ 00؟
قَالَ نَعَمْ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، يَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ في الدُّنْيَا يُحْمُونَهُ ثمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فَيُطْبَقُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدَاً؛ قَالُواْ لَهُ وَيْحَك، وَمَا آيَةُ ذَلِك 00؟
قَال: نَبيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نحْوِ هَذِهِ البِلَاد، وَأَشَارَ بِيَدِهِ نحْوَ مَكَّةَ وَاليَمَنِ [فَإِنَّهُمَا جِهَةِ الجَنُوبِ مِنَ المَدِينَة]؛ قَالُواْ: وَمَتىَ نَرَاه 00؟
فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِن أَحْدَثِهِمْ سِنَّاً فَقَال: إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ، فَوَاللهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتىَّ بَعَثَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؛ فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيَاً وَحَسَدَاً؛ فَقُلْنَا: وَيْلَكَ يَا فُلَان؛ أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْت 00؟
قَالَ بَلَى، وَلَيْسَ بِهِ " 0
[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 15879، وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم]
وَسُبْحَانَ القَائِل:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتىَّ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} {البَقَرَة: 120}
عَنْ ثَوْبَانَ الصَّحَابيِّ رضي الله عنه قَال: " كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ حَبْرٌ مِن أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَال: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا محَمَّد، فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، فَقَال:
لِمَ تَدْفَعُني 00؟ فَقُلْتُ: أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ الله 00؟
فَقَالَ اليَهُودِيّ: إِنمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اسْمِي محَمَّد، الَّذِي سَمَّاني بِهِ أَهْلي " 00 فَقَالَ اليَهُودِيّ: جِئْتُ أَسْأَلُك، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِن حَدَّثْتُك " 00؟
قَالَ ـ أَيِ اليَهُودِيّ ـ أَسْمَعُ بِأُذْني، فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعُودٍ مَعَهُ فَقَالَ " سَلْ "؛ فَقَالَ اليَهُودِيّ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَات 00؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " هُمْ في الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْر " 0 قَال: فَمَن أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَة؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فُقَرَاءُ المُهَاجِرِين " 00 قَالَ اليَهُودِيّ: فَمَا تحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّة 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " زِيَادَةُ كَبِدِ النُّون " 00
قَالَ ـ أَيِ اليَهُودِيّ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" يُنْحَرُ لهُمْ ثَوْرُ الجَنَّة، الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِن أَطْرَافِهَا " 0
قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْه 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مِن عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا " 00 قَالَ صَدَقْت، وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِن أَهْلِ الأَرْضِ إِلَاّ نَبيّ، أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَان، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" يَنْفَعُكَ إِن حَدَّثْتُك " قَالَ أَسْمَعُ بِأُذْني، جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الوَلَد 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَض، وَمَاءُ المَرْأَةِ أَصْفَر، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنيُّ الرَّجُلِ مَنيَّ المَرْأَة؛ أَذْكَرَا بِإِذْنِ الله، وَإِذَا عَلَا مَنيُّ المَرْأَةِ مَنيَّ الرَّجُل؛ آنَثَا بِإِذْنِ الله "
قَالَ اليَهُودِيّ: لَقَدْ صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبيّ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَب، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَقَدْ سَأَلَني هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَني عَنْهُ؛ وَمَا لي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ، حَتىَّ أَتَاني اللهُ بِه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 315 / عَبْد البَاقِي]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:
" حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ اليَهُودِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُواْ: يَا أَبَا القَاسِم؛ حَدِّثْنَا عَن خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَاّ نَبيّ 00؟
فَكَانَ فِيمَا سَأَلُوه: أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاة 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ عليه السلام مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَطَالَ سَقَمُه؛ فَنَذَرَ للهِ نَذْرًا: لَئِنْ شَفَاهُ اللهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْه؛ فَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الإِبِل، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا " 0
فَقَالُواْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2471، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
هَؤُلَاءِ هُمُ اليَهُودُ الَّذِينَ لُعِنُواْ في التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرْآن، اللهُمَّ الْعَنهُمْ عَلَى كُلِّ لِسَان، اللهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ وَأَعْوَانِ اليَهُود، اللهُمَّ أَرِنَا فِيهِمْ آيَةً كَآيَةِ عَادٍ وَثَمُود 00!!
مَنْبَعُ الحَسَدِ هُوَ النَّظَرُ لِلآخَرِين
عَن أَبي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَال: " أَمَرَني خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْع: أَمَرَني بحُبِّ المَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَني أَنْ أَنْظُرَ إِلىَ مَنْ هُوَ دُوني وَلا أَنْظُرَ إِلىَ مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَني أَن أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَني أَنْ لا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئَا، " 0 [صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 21415، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيب ح 0 ر: 2525]
وَفي رِوَايَةٍ: " أَرْحَمَ المَسَاكِينَ وَأُجَالِسَهُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 21517]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ في المَالِ وَالخَلْق؛ فَلْيَنْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْه " 0
[رَوَاهُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6490 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2963 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " انْظُرُواْ إِلى مَن أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُواْ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ / عَبْد البَاقِي بِرَقْم: 2963]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ فَوْقِهِ في المَالِ وَالحَسَب: فَلْيَنْظُرْ إِلىَ مَن هُوَ دُونَهُ في المَالِ وَالحَسَب "
[قَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان: عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم 0 ح / ر: 714]
عَن عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ رضي الله عنه قَال: " صَحِبْتُ الأَغْنِيَاءَ فَلَمْ أَرَ أَحَدَاً أَكْبَرَ هَمَّاً مِنيِّ؛ أَرَى دَابَّةً خَيْرَاً مِنْ دَابَّتي، وَثَوْبَاً خَيْرَاً مِنْ ثَوْبي، وَصَحِبْتُ الفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْت "
[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 1780]
الحَسُودُ حَقُود
مِن حَقِّكَ أَنْ تحِبَّ الخَيرَ لِنَفْسِك؛ وَلَكِنْ لَيْسَ مِن حَقِّكَ أَنْ تَكْرَهَهُ لِلآخَرِين 0
فَالفَقِيرُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يحْقِدَ عَلَى الغَنيِّ كَمَا حَقَدَ قَابِيلُ عَلَى هَابِيل؛ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَه، وَالغَنيُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَالى عَلَى الفَقِير، كَمَا تَعَالى قَارُونُ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْم 0
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة؛ لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ {33} وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابَاً وَسُرُرَاً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ {34} وَزُخْرُفَاً، وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} {الزُّخْرُف}
وَتَذَكَّرْ أَنَّ الفَقِيرَ وَالعُرْيَانَ الحَقِيقِيَّ هُوَ مَنْ فَقَدَ لِبَاسَ التَّقْوَى 00
{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَير} {الأَعْرَاف: 26}
ولِذَا قَالَ سبحانه وتعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى} {البَقَرَة: 197}
وَكَمَا أُثِرَ في تَفْسِيرِ مَعْنى التَّقْوَى فَقِيل:
" هِيَ الخَوْفُ مِنَ الجَلِيل، وَالعَمَلُ بِالتَّنْزِيل، وَالرِّضَا بِالقَلِيل، وَالَاسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ الرَّحِيل "
إِنَّ اللهَ قَسَّمَ المَوَاهِبَ كَمَا قَسَّمَ الأَرْزَاق
إِنَّ اللهَ جل جلاله أَيُّهَا الرِّفَاق؛ قَسَّمَ المَوَاهِبَ كَمَا قَسَّمَ الأَرْزَاق، وَفي بَعْضِ صُحُفِ أَهْلِ الكِتَاب: إِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قَسَّمَ أَرْزَاقَ العِبَادِ نهَارَاً؛ لِذَا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَنْظُرُ إِلى نَصِيبِ غَيرِه، وَقَسَّمَ عُقُولَ العِبَادِ لَيْلاً فَلَمْ يَرَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ غَيرِهِ مِنَ العَقْل؛ لِذَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُعْجَبٌ بِعَقْلِهِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ أَعْقَلُ النَّاس!!
فَلَا تحْسُدِ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه، واعْلَمْ أَنَّ غَثَّكَ خَيرٌ مِنْ سَمِين غَيرِك 00!!
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
{وَلَا تَتَمَنَّواْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكمْ عَلَى بَعْض} {النِّسَاء: 32}
وَالجَدِيرُ بِالذِّكْرِ أَنَّ الحَسَدَ المَنهِيَّ عَنهُ في هَذِهِ الآيَةِ كَانَ في الدِّين؛ فَكَيْفَ بِالحَسَدِ في الدُّنيَا؟!
عَنْ مجَاهِدٍ عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
" يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاء، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ المِيرَاث، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى:
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض} {النِّسَاء/32}
قَالَ مجَاهِد: " وَأُنْزِلَ فِيهَا: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرَاً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرَاً عَظِيمَا} {الأَحْزَاب/35}
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 3022]
الحَسُودُ لَا يَسُود
يَكْفِيكَ عَنَ الحَسُودِ اغْتِمَامُهُ عِنْدَ سُرُورِك 00
وَمِمَّا يُحْكَى في ذَلِكَ مِنَ الأَسَاطِيرِ أَنَّ فَقِيرًا مُعْدِمَاً كَانَ لَهُ جَارٌ مُؤْذٍ ظَلَّ يَتَحَرَّشُ بِهِ وَيَكِيدُ لَهُ حَتىَّ سَلَّطَ عَلَيْهِ الْوَالي فَطَرَدُوهُ مِنَ الْقَرْيَة؛ فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ يَهِيمُ في الأَرْضِ وَيَضْرِبُ في مَنَاكِبِهَا، يَبْحَث لَهُ عَن عَمَل، فَعَثَرَ بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي في طَرِيقِهِ؛ عَلَى قَصْعَةٍ جَمِيلَةٍ مِنَ الخَشَبِ العَاجِ فَأَعْجَبَتْهُ فَاقْتَنَاهَا، وَمَضَى في سَبِيلِهِ حَتىَّ وَجَدَ بحْرَاً وَمَرَاكِبَ تحْمِلُ النَّاس، فَأَدْخَلَ يَدَهُ في جَيْبِهِ وَأَخْرَجَهَا بَيْضَاءَ مِن غَيرِ دِرْهَمٍ وَلَا دِينَار، فَقَالَ في نَفْسِهِ: وَاللهِ لأَمْضينَّ مَعَ هَؤُلَاءِ ولْيَكُنْ مَا يَكُون، فَلَعَلَّ وَرَاءهَذَا البَحْرِ خَيرَاً كَثِيرَاً،
وَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ظَهْرِ السَّفِينَةِ يُفَكِّرُ في أُجْرَةِ الرُّكُوب؛ إِذِ ابْتَلَاهُمُ اللهُ بِرِيحٍ عَاصِفٍ تُدَمِّرُ، كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبهَا، فَحَطَّمَتِ السَّفينَة، فَأَلهَمَهُ اللهُ حينَ أَدرَكَهُ الغَرَقُ أَنْ يَخْلَعَ بَعْضَ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ لِيَتَشبَّثَ بِه، وَوَضَعَ الْقَصْعَةَ عَلَى رَأْسِه، وَنجَا بِأُعْجوبَةٍ بَعْدَمَا وَاجَهَ أَمْوَاجَاً كَالجِبَال، فَأَسْلَمَتْهُ في النِّهَايَةِ إِلى جَزِيرَةٍ لَمْ تخْطُرْ لَهُ بِبَال، فِيهَا مخْلُوقَاتٌ غَرِيبَةٌ كَالَّتي يُحْكَى عَنهَا في عَالَمِ الخَيَال؛ فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ مِنهُمْ خِيفَةً وَقَال: أَسْتَعْملُ مَعَهُمُ الحِيلَة، وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَنْ يَنْفَعَ مَعَهُمُ المِحَال، فَتَقَدَّمَ إِلى مَلِكِهِمْ وَقَالَ لَهُ:
جِئْتُكَ أَيُّهَا المَلِكُ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ بِلَطَائِفَ وَهَدَايَا، ذَهَبَتْ كُلُّهَا في البَحْرِ لَمْ يَبْقَ مِنهَا إِلَاّ هَذِهِ التُّحْفَةُ الثَّمِينَةُ النَّادِرَة ـ يَعْني القَصْعَة ـ فَأَخَذَهَا المَلِكُ وَقَلَّبَهَا ظَهْرَاً لبَطْنٍ ثمَّ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِه؛ فَإِذَا بِهَذِهِ المَخْلُوقَاتِ تُصَفِّقُ وَتُهَلِّلُ ابْتِهَاجَاً بِتَاجِ السَّلطَنَةِ الجَديد، فَأَرَادَ المَلِكُ مُكَافَأَتَه؛ فَأَعْطَاهُ مِلئَهَا مِنِ الأَحْجَارِ الكَرِيمةِ وَاليَاقُوتِ وَالمَرْجَان ـ
وَهُوَ كَالحَصَى في بِلَادِ الجَان ـ وَأَعَادَه إِلى بَلَدِهِ سَالِمَاً، سَمِعَ بِقِصَّتِهِ أَحَدُ الحَسَدَةِ الحَقَدَةِ وَمَا أَكْثَرَهُمْ في هَذَا الزَّمَان؛ فَبَاعَ دَارَهُ وَكلَّ مَا يمْلِكُ وَاشْتَرَى لَطَائِفَ وَهَدَايَا ثمِينَة، وَخَزَفَاً وَتحَفَاً أَثَريَّةً نَادِرَة، وَذَهَبَ بها إِلى هَذَا المَلِك، فَاسْتَقبَلَهُ بِالتَّرْحَابِ وَقَبِلَ مِنهُ هَدَايَاهُ وَفَرِحَ بهَا كَثِيرَا، بَلْ وَكَافَأَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يخْطُرْ لَهُ عَلَى بَال؛ فَشَكَرَهُ عَلَى تِلكَ الهَدَايَا وَقَال:
إِني كُلَّمَا نَظَرْتُ إِلى شَيْءٍ أُقَدِّمُهُ لَك؛ وَجَدْتُهُ أَقَلَّ بِكَثِيرٍ ممَّا أَعْطَيْتَني؛ فَقَرَّرْتُ أَخِيرَاً بَعْدَمَا فَكَّرْتُ كَثِيرَاً؛ أَن أَمْنَحَكَ أَعْظَمَ شَيْءٍ عِنْدِي: إِنَّهُ تَاجُ السَّلْطَنَة: " القَصْعَة " 00!!
[هَذِهِ القِصَّةُ كَتَبَهَا لِلإِذَاعَةِ المِصْرِيَّةِ الأُسْتَاذُ الْكَاتِب / عَبْدِ الفَتَّاح مُصْطَفَى، تحْتَ عِنوَان: قِسَم]
انْظُرْ إِلى مَا فَعَلَهُ بِهِ الحَسَد 00 خَسِرَ غِنَاهُ وَعَادَ بِقَصْعَة 00!!
مَلِكُ المُلُوكِ إِذَا وَهَبْ * لَا تَسْأَلَنَّ عَنِ السَّبَبْ
وَقَالَ بَكْرُ بنُ عَبْدِ الله: " كَانَ رَجُلٌ يَغْشَى بَعْضَ المُلُوك، فَكَانَ يَقُومُ بحِذَاء المَلِكِ فَيَقُول: أَحْسِن إِلى المحْسِنِ بِإِحْسَانِه؛ فَإِنَّ المُسِيءَ سَتَكْفِيكَهُ إِسَاءَ تُه، فَحَسَدَهُ رَجُلٌ عَلَى هَذَا المقَامِ وَهَذَا وَالكَلَام؛ فَسَعَي بِهِ إِلى المَلِك ـ وَكُلُّنَا يَعْرِفُ أَنَّ المُلُوكَ تَغْضَبُ غَضَبَ الصَّبيّ، وَتَبْطِشُ بَطْشَ الأَسَد ـ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا المَلِك؛ إِنَّ فُلَانَاً هَذَا الَّذِي يَقُومُ بحِذَائِك، وَيَقُولُ مَا يَقُول؛ يَزْعُمُ أَنَّكَ أَبْخَر، فَقَالَ المَلِك: وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدِي 00؟
قَال: تَدْعُوهُ إِلَيْكَ وَتُدْنِيه، فَإِنَّهُ إِذَا دَنَا مِنْكَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِه 00 فَقَالَ لَهُ المَلِك: انْصَرِفْ حَتىَّ أَنْظُرَ في أَمْرِه، فَخَرَجَ مِن عِنْدِ المَلِكِ فَدَعَا ذَلِكَ الرَّجُلَ الطَّيِّبَ إِلى مَنزِلِه،
وَأَطْعَمَهُ طَعَامَاً أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الثَّوْم؛ فَخَرَجَ مِن عِنْدِهِ وَقَامَ كَعَادَتِهِ بحِذَاءِ المَلِكِ فَقَال: أَيُّهَا المَلِك؛ أَحْسِن إِلى المحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ فَإِنَّ المُسِيءَ سَتَكْفِيهِ إِسَاءَ تُه، فَقَالَ لَهُ المَلِك: ادْنُ مِنيِّ يَا فُلَان، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ مخَافَةَ أَنْ يَشُمَّ المَلِكُ مِنهُ رَائِحَةَ الثَّوم؛ فَقَالَ المَلِكُ في نَفْسِه: مَا أَرَى فُلَانَاً إِلَاّ قَدْ صَدَق؛ فَكَتَبَ لَهُ كِتَابَاً بخَطِّه، وَقَالَ اذْهَبْ بِهِ إِلى كَاتمِ السِّرّ، جَاءَ في الكِتَابِ أَن إِذَا أَتَاكَ حَامِلُ هَذَا الكِتَابِ فَاقْطَعْ عُنُقَهُ وَابْعَثْ بِهَا إِليّ، وَلَا تَقْبَلْ مِنهُ صَرْفَاً وَلَا عَدْلَا، فَأَخَذَ الرَّجُلُ الكِتَابَ وَخَرَج، فَلَقِيَهُ ذَلِكَ الحَاسِدُ الَّذِي سَعَى بِه؛ فَقَالَ لَه: مَا هَذَا الكِتَاب؟
فَقَالَ الرَّجُلُ الطَّيِّب: خَطَّ لي المَلِكُ فِيهِ بِصِلَة ـ أَيْ بهَدِيَّة ـ فَقَالَ هَبْهُ لي؛ فَأَرَادَ مُكَافَأَتَهُ عَلَى تِلْكَ الدَّعْوَةِ فَوَهَبَهُ لَه، فَأَخَذَهُ وَمَضَى بِهِ إِلى كَاتِمِ السِّرّ، فَلَمَّا قَرَأَهُ كَاتِمُ السِّرِّ قَالَ لَهُ: إِنَّ المَلِكَ يَأْمُرُني في هَذَا الكِتَابِ أَن أَقْطَعَ رَقَبَتَكَ وَأَبْعَثَ بِهَا إِلَيْه، فَقَال: إِنَّ الكِتَابَ لَيْسَ لي؛ فَاللهَ اللهَ في أَمْرِي حَتىَّ تُرَاجِعَ المَلِك، فَلَمْ يُصَدِّقهُ كَاتمُ السِّرِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ كِتَابَ المَلِكِ لَا يُرَاجَع، وَذَبحَهُ وَقَطَعَ رَقَبَتَهُ وَبَعَثَ بِهَا إِلى المَلِك، فَلَمَّا رَآهُ المَلِك؛ تَعَجَّبَ غَايَةَ العَجَب، وَبَعَثَ إِلى ذَلِكَ الرَّجُلِ الطَّيِّبِ وَسَأَلَه: مَا فَعَلَ الكِتَاب 00؟!
فَقَال: لَقِيَني فلَانٌ فَاسَتَوْهَبَهُ مِنيِّ فَوَهَبْتُهُ لَه، فَأُلْقِيَ في رُوعِ المَلِكِ أَنَّ الأَمْرَ لَا يجْرِي عَلَى هَذَا النَّحْوِ إِلَاّ بِتَدْبِيرٍ مِنَ الله؛ فَقَالَ المَلِك: إِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنِّي أَبخَر 00؟!
فَقَالَ الرَّجُل: مَا قُلتُ ذَلِك، فَقَالَ المَلِك: فَلِمَ كُنْتَ تَضَعُ يَدَكَ عَلَى فَمِكَ وَأَنْتَ تحَدِّثُني 00؟!
فَقَال: إِنَّهُ أَطْعَمَني في ذَلِكَ اليَوْمِ طَعَامَاً فِيهِ ثَوْم؛ فَكَرِهْتُ أَنْ يَشُمَّهُ مَوْلَايَ المَلِك؛ هُنَا قَالَ المَلِك: الآنَ حَصْحَصَ الحَقّ، صَدَقْتَ وَاللهِ؛ فَقَدْ كَفَتِ المُسِيءَ إِسَاءَ تُهُ، فَأَعَادَهُ المَلِكُ إِلى مَكَانِه، وَرَفَعَ مَنزِلَتَهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاه 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاء " 0 الطَبْعَة الأُولى لِدَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 كِتَابُ ذَمُّ الحَسَد 0 ص: 1084]
وَهَكَذَا الحَسُودُ الحَقُود؛ فَإِنَّ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِ تَعُود 00!!
قَاتَلَ اللهُ الحَسَد؛ أَوَّلَ مَا يَفْتِكُ يَفْتِكُ بِصَاحِبِه 0
وَصَدَقَ شَاعِرُ الفُقَهَاءِ وَفَقِيهُ الشُّعَرَاءِ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عِنْدَمَا قَال:
اصْبرْ عَلَى كَيْدِ الحَسُودِ فَإِنَّ صَبرَكَ قَاتِلُه
فَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَا إِنْ لَمْ تجِدْ مَا تَأْكُلُهْ
{ابْنُ المُعْتَزّ، وَتُنْسَبُ أَيْضَاً اِلإِمَامِ الشَّافِعِيّ}
وَكَمَا قَدْ قَالُواْ في الأَمْثَال: " الحَسُودُ لَا يَسُود " 0
وَتُعَلِّمُنَا هَذِهِ القِصَّةُ أَيْضَاً أَلَا نَعْجَلَ في أَمْرِ الصِّحَاب، لمجَرَّدِ وِشَايَةٍ أَتَتْنَا مِنْ مُتَمَلِّقٍ كَذَّاب، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ العِتَابُ العِقَاب 00!!
هَكَذَا يَصْنَعُ الحَسَدُ بِأَصْحَابِه
عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه بِالمَدِينَة، في زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رضي الله عنه وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَة، فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلَاةً خَفِيفَةً دَقِيقَة، كَأَنَّهَا صَلَاةُ مُسَافِرٍ أَوْ قَرِيبَاً مِنْهَا؛ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ أَبي: يَرْحَمُكَ الله، أَرَأَيْتَ هَذِهِ 00 الصَّلَاةُ المَكْتُوبَةُ أَوْ شَيْءٌ تَنَفَّلْتَهُ 00؟!
قَالَ إِنَّهَا المَكْتُوبَة، وَإِنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا أَخْطَأْتُ إِلَاّ شَيْئَاً سَهَوْتُ عَنْهُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول:
" لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ قَوْمَاً شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ في الصَّوَامِعِ وَالدِّيَار، وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ " 0
ثُمَّ غَدَا مِنْ الغَدِ فَقَال: أَلَا تَرْكَبُ لِتَنْظُرَ وَلِتَعْتَبِر 00؟
قَالَ نَعَمْ، فَرَكِبُواْ جَمِيعَاً، فَإِذَا هُمْ بِدِيَارٍ بَادَ أَهْلُهَا وَانْقَضَوْا وَفَنَوا، خَاوِيَةٍ عَلَى عُرُوشِهَا؛ فَقَالَ أَتَعْرِفُ هَذِهِ الدِّيَار 00؟
فَقُلْتُ مَا أَعْرَفَني بِهَا وَبِأَهْلِهَا 00 هَذِهِ دِيَارُ قَوْمٍ أَهْلَكَهُمْ البَغْيُ وَالحَسَد " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": رِجَالُهُ رِجَالُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ ثِقَة 0 ص: 256/ 6]
الشَّيْءُ الَّذِي يحْمَدُ فِيهِ الحَسَد
إِنَّ الحَسَدَ لَا يحْمَدُ إِلَاّ في الدِّين، وَطَبْعَاً لَابُدَّ أَنْ نُفَرِّقَ هُنَا بَينَ الحَسَدِ وَالغِبْطَة 00
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا حَسَدَ إِلَاّ في اثْنَتَيْن: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (73)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 816]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَا حَسَدَ إِلَاّ في اثْنَتَيْن: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَار، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَال: لَيْتَني أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتيَ فُلَان؛ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَل، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُهْلِكُهُ في الحَقّ؛ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَني أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتيَ فُلَان؛ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَل "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (5026)، وَالحَدِيثُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 9857]
عَن أَبي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَر: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمَا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ في مَالِهِ يُنْفِقُهُ في حَقِّه، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمَاً وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً، فَهُوَ يَقُول: لَوْ كَانَ لي مِثْلُ هَذَا ـ أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ العَبْدِ الصَّالِح ـ
عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَل؛ فَهُمَا في الأَجْرِ سَوَاء، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمَاً؛ فَهُوَ يَخْبِطُ في مَالِهِ يُنْفِقُهُ في غَيرِ حَقِّه، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللهُ عِلْماً وَلَا مَالاً؛ فَهُوَ يَقُول: لَوْ كَانَ لي مِثْلُ هَذَا ـ أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ العَبْدِ السُّوء ـ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَل؛ فَهُمَا في الوِزْرِ سَوَاء " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (4228)، الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ ": 1086]
قَالَ الخُلْدِيّ: قَالَ لي أَبُو أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيّ:
" فَرَّقَ رَجُلٌ أَرْبَعِينَ أَلْفَاً عَلَى الْفُقَرَاء؛ فَقَالَ لي: أَمَا تَرَى مَا أَنْفَقَ هَذَا وَمَا قَدْ عَمِلَهُ 00؟ وَنحْنُ لَا نَرْجعُ إِلىَ شَيْءٍ نُنْفِقُه؛ فَامْضِ بِنَا إِلىَ مَوْضِع؛ فَذَهَبْنَا إِلىَ المَدَائِنِ فَصَلَّيْنَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ رَكْعَة " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 172/ 13]
الثِّقَةُ فِيمَا عِنْدَ الله
وَيُرْوَى أَنَّ سَيِّدَنَا سُلَيْمَانَ عليه السلام رَأَى نَمْلَةً تحْمِلُ حُبَيْبَةَ قَمْح؛ فَأَشْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الحِمْل؛ فَسَأَلَهَا: كَمْ حَبَّةٍ تَكْفِيكِ في العَامِ يَا نَمْلَة 00؟
قَالَتْ لَهُ: حَبَّتَان؛ فَأَخَذَهَا فَوَضَعَهَا في قُمْقُمٍ وَوَضَعَ لَهَا حَبَّتَينِ وَأَغْلَقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ انْشَغَلَ بِالجُيُوشِ وَالفُتُوحَاتِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَا بَعْدَ عَامَين؛ فَأَحَسَّ بِالذَّنْبِ وَهَرَعَ إِلَيْهَا فَزِعَاً، فَوَجَدَهَا حَيَّةً تُرْزَق؛ فَتَعَجَّبَ وَقَالَ لَهَا: أَلَمْ تَقُولي يَا نَمْلَة: إِنَّي آكُلُ في العَامِ حَبَّتين 00؟!
قَالَتْ: إِنَّي أَكَلْتُ في هَذِهِ السَّنَةِ حَبَّةً وَاحِدَة، وَادَّخَرْتُ الأُخْرَى، فَلَقَدْ كُنْتُ آكُلُ حَبَّتَينِ في السَّنَة؛ عِنْدَمَا كَانَ يَرْزُقُني مَنْ لَا يَنْسَاني؛ وَلَكِن أَكَلْتُ هَذِهِ السَّنَةَ حَبَّةً وَاحِدَة؛ عِنْدَمَا صَارَ رِزْقِي عَلَى الإِنْسَانِ 00!!
يَقُولُ سبحانه وتعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}
{هود: 6}
قِيلَ لأَبي أُسَيْد ـ وَكَانَ رَجُلاً صَالحَاً ـ مِن أَيْنَ تَأْكُلُ يَا أَبَا أُسَيْد 00؟
فَقَال: سُبْحَانَ اللهِ 00 إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ الكَلْب؛ أَفَلَا يَرْزُقُ أَبَا أُسَيْد " 0؟
[الإِمَامُ القُرْطُبيُّ في " تَفْسِيرِهِ " لِلآيَةِ السَّابِقَةِ بِسُورَةِ هُود 0 الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ لِدَارِ الشَّعْب 0 القَاهِرَة: 7/ 9]
فَرِزْقُكَ عَلى اللهِ يَا ابْنَ آدَم؛ فَلِمَ تَنْشَغِلُ بمَا عَلَى اللهِ وَتَترُكُ مَا عَلَيْك 00؟!
لِمَ تَنْشَغِلُ بمَا خُلِقَ لَكَ عَمَّا خُلِقْتَ لَه 00؟!!
الرِّزْقُ أَشَدُّ طَلَبَاً لِلعَبْدِ مِنَ الأَجَل، وَلَكِنَّهُ خُلِقَ الإِنْسَانُ مِن عَجَل
عَن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ الرِّزْق لَيَطْلُبُ العَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُه " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِع، وَقَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان: حَدِيثٌ قَوِيّ، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرَبُ مِنَ المَوْت؛ لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ المَوْت " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 9371/ 5240، أَبُو نُعَيْمٍ في الحِليَة]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" جَاءَ سَائِلٌ إِلىَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا تَمْرَةٌ عَائِرَةٌ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: " خُذْهَا، لَوْ لَمْ تَأْتِهَا لأَتَتْك " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في التَّرْغِيبِ وَفي الظِّلَالِ بِرَقْم: 265، وَقَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان: إِسْنَادُهُ قَوِيّ]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" أَيُّهَا النَّاس: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتىَّ يَسْتَكْمِلَ رِزْقَه؛ فَلَا تَسْتَبْطِئُواْ الرِّزْق، وَاتَّقُواْ اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَجْمِلُوا في الطَّلَب: خُذُواْ مَا حَلَّ وَدَعُواْ مَا حَرُم " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 7323، 2607، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وَالبَيْهَقِيُّ في سُنَنِه]
وَفي رِوَايَةٍ لِلإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَيْضَاً إِلَاّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهَا: " أَيُّهَا النَّاس؛ اتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُواْ في الطَّلَب؛ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتىَّ تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِن أَبْطَأَ عَنْهَا؛ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُواْ في الطَّلَب، خُذُواْ مَا حَلَّ وَدَعُواْ مَا حَرُم "
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 2144]
عَن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" أَجْمِلُواْ في الطَّلَب؛ فَإِنَّ كُلاً مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَه " 0 [صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَينِ بِنَحْوِه 0 المُسْتَدْرَكُ بِرَقْم: 2133، صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " الصَّحِيحَة " بِرَقْم: 898]
عَن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَجْمِلُواْ في طَلَبِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ كُلاًّ مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنهَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 2144، وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]
لَيْتَنَا نَطْلُبُ الدِّينَ كَمَا نَطْلُبُ الرِّزْق
وفي بَعْضِ الأَحَادِيثِ القُدُسِيِّة: " يَا ابْنَ آدَم؛ لَا تُطَالِبْني بِرِزْقِ غَدٍ مَا لَمْ أُطَالِبْكَ بِعَمَل غَدٍ؛ فَإِني لَا أَنْسَى مَن عَصَاني؛ فَكَيْفَ بمَن أَطَاعَني " 00؟
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّ العِزَّةِ جل جلاله أَنَّهُ قَال: " يَا ابْنَ آدَم: تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي؛ أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنىً، وَأَسُدَّ فَقْرَك، وَإِلَاّ تَفْعَلْ: مَلأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَك " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2466، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 8681، وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص]
فَرِزْقُكَ آتِيكَ آتِيك ـ لَا محَالَةَ سَخطْتَ أَمْ رَضِيت ـ فَأَحْسِنِ الظَّنَّ باللهِ وَاصْبرْ صَبرَاً جمِيلاً 00!!
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّ العِزَّةِ جل جلاله أَنَّهُ قَال:
" يَا ابْنَ آدَم؛ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي؛ أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنىً، وَأَمْلأْ يَدَكَ رِزْقَاً، يَا ابْنَ آدَم؛ لَا تَبَاعَدْ مِنيِّ؛ أَمْلأْ قَلْبَكَ فَقْرَاً، وَأمْلأْ يَدَكَ شُغُلاً " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ ح 0 ر: 3165]
فَرِزْقُكَ آتِيكَ آتِيك ـ لَا محَالَةَ سَخطْتَ أَمْ رَضِيت ـ فَأَحْسِنِ الظَّنَّ باللهِ وَاصْبرْ صَبرَاً جمِيلاً 00!!
الأَمْرُ أَعْجَلُ مِن هَذَا
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَال:
" مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنحْنُ نُعَالجُ خُصَّاً لَنَا ـ أَيْ يُصْلِحُونَهُ ـ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا هَذَا " 00؟!
فَقُلْتُ: خُصٌّ لَنَا وَهَى ـ أَيْ ضَعُفَ تمَاسُكُه ـ نَحْنُ نُصْلِحُه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا أُرَى الأَمْرَ إِلَاّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِك " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الأَئِمَّةِ ابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبي دَاوُدَ بِأَرْقَام: 4160، 2335، 5236، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَد، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان بِرَقْم: 2997]
فَلا تَشْغَلَنَّكَ يَا أَخِي الدُّنيَا عَنِ الدِّين 00
مَوْقِفٌ لأَبي العَتَاهيَةِ يُعَلِّمُنَا القَنَاعَة
وَقَفَ أَبُو العَتَاهِيَةِ عَلَى أَعْرَابِيَّةٍ كَالقَمَر، تَبِيعُ الحِمَّصَ في طَرِيقِ الحَجِيجِ إِلى مَكَّة، حَيْثُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ وَنُدْرَةُ المَاء، تَسْتَظِلُّ بِظِلُّ مِيلٍ رَكَزَتْهُ في الأَرْض، وَوَضَعَتْ عَلَيهِ شَمْلَتَهَا ـ أَيْ عَبَاءَ تَهَا، وَالمِيلُ هُوَ الغُصْنُ اليَابِسُ مِنَ الشَّجَر ـ فَقَالَ لَهَا: مَا الَّذِي أَقْعَدَكِ هُنَا يَا أَمَةَ اللهِ؟!
فَقَالَتْ لَهُ: يَا هَذَا؛ لَوْلَا أَنْ قَنَّعَ اللهُ بَعْضَ العِبَادِ بِشَرِّ البِلَاد؛ لَمَا وَسِعَ خَيرُ البِلَادِ كُلَّ العِبَاد!!
فَقَالَ لهَا: أَتَبِيعِينَ الحِمَّصَ وَلَكِ هَذَا الجَمَال 00؟!
قَالَتْ: قَدَرُ الله 00!!
فَسَأَلهَا: مِن أَيْنَ مَعَاشُكُمْ بَعْدَ انْقضَاءِ المَوْسِم 00؟!!
فَأَطْرَقَتْ مَلِياً ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، غَيرَ أَنَّا نُرْزَقُ مِن حَيْثُ لَا نحْتَسِب؛ أَكْثَرَ ممَا نحْتَسِب 00!!
فَقَالَ أَبُو العَتَاهِيَةِ قَصِيدَتَهُ الشَّهِيرَةَ الَّتي مَطْلَعُهَا:
هَبِ الدُّنيَا تُوَاتِيكَا أَلَيْسَ المَوْتُ يَأْتِيكَا
فَمَا تَرْجُو مِنَ الدُّنيَا وَظِلُّ المِيلِ يَكْفِيكَا
[الأَصْفَهَاني في كِتَابِ " الأَغَاني "، بِالطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِ الفِكْر 0 بَيرُوت 0 ص: 86/ 4]
لَيْتَنَا نَدَّخِرُ لِلآخِرَةِ كَمَا نَدَّخِرُ لِلدُّنيَا
عَنْ هِلَالِ بْنِ سُوَيْدٍ أَنَّهُ قَال: " سَمِعْتُ أَنَسَاً رضي الله عنه يَذْكُرُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَ لَهُ ثَلَاثَةُ طَوَائِر، فَأَطْعَمَ خَادِمَهُ طَائِرَاً، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَاهُ بِه؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" أَلَمْ أَنهَكَ أَنْ تخَبِّئَ شَيْئَاً لِغَد 00؟ إِنَّ اللهَ يَأْتي برِزْقِ كُلِّ يَوْم " 0
[حَسَّنَهُ العَلَاّمَةُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: (12977)، وَالحَدِيثُ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: 1465]
وَفي رِوَايَةٍ عَن أَنَسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةُ طَوَائِر، فَأَطْعَمَ خَادِمَهُ طَائِرَاً، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الغَدِ أَتَتْهُ بِهِ ـ أَيْ زَوْجَتُه ـ فَقَالَ لهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَلَمْ أَنْهَكِ أَنْ تَرْفَعِي شَيْئَاً؟! فَإِنَّ اللهَ عز وجل يَأْتِي بِرِزْقِ كُلِّ غَدٍ "
[حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (303/ 10)، وَحَسَّنَهُ العَلَاّمَةُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 12977]
مَنْ كَانَ رِزْقُهُ عَلَى اللهِ فَلَا يحْزَن
وَقَالَ أَحَدُ الصَّالحِين: مَرَرْتُ بِرَاهِبٍ فَقُلتُ لَهُ مِن أَيْنَ تَأْكُل 00؟!
فَقَال: مِنْ بَيْدَرِ اللَّطِيفِ الخَبِير؛ فَالَّذِي خَلَقَ الرَّحَى ـ وَأَشَارَ إِلى أَضْرَاسِهِ ـ يَأْتِيهَا بِالطَّحِين 0
البَيْدَر: هُوَ المَطْحَن 0
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} {هُود: 6}
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاء " 0 الطَّبْعَةُ الأُولى لِدَارُ الوَثَائِق: 1141]
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رضي الله عنه أَنَّ الأَشْعَرِيِّينَ أَبَا مُوسَى وَأَبَا مَالِكٍ وَأَبَا عَامِرٍ في نَفَرٍ مِنهُمْ: لَمَّا هَاجَرُواْ قَدِمُواْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في فُلْكٍ وَقَدْ أَرْمَلُواْ مِنَ الزَّاد ـ أَيْ نَفِدَ زَادُهُمْ ـ
فَأَرْسَلُواْ رَجُلاً مِنهُمْ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُه، فَلَمَّا انْتَهَى إِلى بَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَة:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} {هود: 6}
فَقَالَ الرَّجُل: مَا الأَشْعَرِيُّونَ بِأَهْوَنِ الدَّوَابِّ عَلَى الله؛ فَرَجَعَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَبْشِرُواْ، أَتَاكُمْ الغَوْث، وَلَا يَظُنُّونَ إِلَاّ أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَعَدَهُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلَانِ يحْمِلَانِ قَصْعَةً بَيْنَهُمَا ممْلُوءةً خُبْزَاً وَلحْمَاً، فَأَكَلُواْ مِنهَا مَا شَاءواْ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: لَوْ أَنَّا رَدَدْنَا هَذَا الطَّعَامَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَقْضِيَ بِهِ حَاجَتَه 00؟
فَقَالُواْ لِلرَّجُلَين: اذْهَبَا بهَذَا الطَّعَامِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا مِنهُ حَاجَتَنَا، ثمَّ إِنهُمْ أَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُواْ: يَا رَسُولَ الله، فَمَا رَأَيْنَا طَعَامَاً أَكْثَرَ وَلَا أَطْيَبَ مِنْ طَعَامٍ أَرْسَلْتَ بِه 0
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ شَيْئَا " 0
فَأَخْبرُوهُ أَنهُمْ أَرْسَلُواْ صَاحِبَهُمْ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟!
فَأَخْبرَهُ مَا صَنَعَ وَمَا قَالَ لهُمْ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" ذَلِكَ شَيْءٌ رَزَقَكُمُوهُ اللهُ سُبْحَانَه " 0 [نَوَادِرُ الأُصُول 0 الأَصْلُ رَقْم: (215)، الإِمَامُ القُرْطُبيُّ في تَفْسِيرِهِ لهَذِهِ الآيَة: 7/ 9]
عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُعَافِرِيِّ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَرَّ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقَال:
" لَا تُكْثِرْ هَمَّك، مَا قُدِّرَ يَكُن وَمَا تُرْزَقْ يَأْتِك " 0
[ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في الضَّعِيفَةِ بِرَقْم: 4792، البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ بِرَقْم: 1188، وَالغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ 0 ص: 1141]
وَمِنْ مَأْثُورِ كَلَامِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَوْلُه: " اعْلَمْ؛ أَنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَك، وَلَا مَرْزُوقَاً مَا لَيْسَ لَك، وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَان: يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْك، وَأَنَّ الدُّنيَا دَارُ دُوَل؛ فَمَا كَانَ مِنهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِك، وَمَا كَانَ مِنهَا عَلَيْكَ فَلَنْ تَدْفَعَهُ بِقُوَّتِك " 0
[انْظُرْ مِنهَاجَ البَلَاغَةِ لِلشَّرِيفِ الرَّضِيّ 0 في خُطَبِ الإِمَامِ عَلِيّ]
قَرَأَ الأَصْمَعِيُّ عَلَى أَعْرَابيٍّ سُورَةَ الذَّارِيَاتِ مِن أَوَّلِهَا، حَتىَّ أَتَى عَلَى قَوْلِهِ جل جلاله:
{وفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون} {الذَّارِيَات: 22}
وَكَانَ لِلأَعْرَابيِّ مَعَ هَذِهِ الآيَةِ شَأْن، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَهَا صَاحَ قَائِلاً:
" قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَّا، قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَّا، ثُمَّ قَال: يَا أَصْمَعِيّ، هَذَا لِلرَّحْمَنِ كَلَام 00؟
قَالَ الأَصْمَعِيّ: نَعَمْ يَا أَعْرَابيّ، يَقُولُ اللهُ عز وجل:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لحَقُّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون} {الذَّارِيَات: 23}
فَصَاحَ الأَعْرَابيُّ عِنْدَهَا وَقَال: يَا سُبْحَانَ الله؛ مَنْ ذَا أَغْضَبَ الجَلِيلَ حَتىَّ حَلَف، أَلَمْ يُصَدِّقُوهُ بِقَوْلِهِ حَتىَّ أَلجَأُوهُ إِلى اليَمِين 00 قَالهَا ثَلَاثَاً، وَخَرَجَتْ نَفْسُه " 0 [الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ بِرَقْم: 1337]
فَلَا بُدَّ أَنْ نَكُونَ عَلَى يَقِينٍ بِمَا عِنْدَ الله 00
عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاس رضي الله عنه أَنَّهُ فَارَقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبيٍّ رضي الله عنه وَهِيَ حَامِلَةٌ بِمُحَمَّد؛ فَلَمَّا وَلَدَتْهُ حَلَفَتْ أَنْ لَا تَلْبِنَهُ مِنْ لَبَنِهَا؛ فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَزَقَ في فِيهِ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ عَجْوَةٍ وَسَمَّاهُ مُحَمَّدَاً، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" اخْتُلِفَ بِهِ فَإِنَّ اللهَ رَازِقُه " 0
فَأَتَيْتُهُ الْيَوْمَ الأَوَّلَ وَالثَّاني وَالثَّالِث؛ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ تَسْأَلُ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه؛ فَقُلْتُ: مَا تُرِيدِينَ مِنه، أَنَا ثَابِت 00؟
فَقَالَتْ: أُرِيتُ في مَنَامِي كَأَنيَِّ أُرْضِعُ ابْنَاً لَهُ يُقَالُ لَهُ محَمَّد؛ فَقَالَ رضي الله عنه:
فَأَنَا ثَابِتٌ وَهَذَا ابْني محَمَّد، وَإِذْ دِرْعُهَا ـ أَيْ صَدْرُهَا ـ يَتَعَصَّرُ مِنْ لَبَنِهَا " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 2838]
الثِّقَةُ فِيمَا عِنْدَ الله؛ تَقْتَضِي اليَأْسَ مِمَّا عِنْدَ النَّاس
وَقَال أَعْرَابِيٌّ لَابْنِهِ: أَلَا أُوصِي بِكَ الأَمِيرَ زِيَاد 00؟
فَقَالَ الَابْن: يَا أَبَتِ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلحَيِّ إِلَاّ الوَصِيَّة؛ فَهُوَ وَالميِّتُ سَوَاء
وقِيلَ لِصَالحِ بنِ مِسْمَار: أَلَا تُوصِي بِابْنِكَ وَعِيَالِك 00؟!
فَقَال: إِني لأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَن أُوصِيَ بهِمْ غَيرَه 00!!
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاء " 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الصَّالحِين: 1877]
وَقِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ قَبْلَ مَوْتِه: أَلَا تَتْرُكُ لأَوْلَادِكَ شَيْئَا 00؟
فَقَالَ رحمه الله: " إِنْ كَانُواْ صَالحِين؛ فَاللهُ يَتَوَلىَّ الصَّالحِين، وَإِنْ كَانُواْ غَيرَ ذَلِك؛ فَلَا أَترُكُ لهُمْ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ الله " 0
[الإِمَامُ السُّيُوطِيُّ بِنَحْوِهِ في " شَرْحِ سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " عِنْدَ الحَدِيثِ رَقْم: 3666]
كَانَ لِلْقُرَظِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَمْلَاكٌ بِالمَدِينَة، فَبَاعَهَا فَحَصَّلَ مِنهَا مَالاً وَفِيرَا؛ فَقِيلَ لَهُ: ادَّخِرْ لِوَلَدِك؛ فَقَالَ رحمه الله: لَا، وَلَكِن أَدَّخِرُهُ لِنَفْسِي عِنْدَ رَبِّي، وَأَدَّخِرُ رَبِّي لِوَلَدِي " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 69/ 5]
احْتَضَرَ أَعْرَابيٌّ فَبَكَى؛ فَقِيلَ لَهُ: أَتخَافُ ذُنُوبَك 00؟
فَقَالَ أَمَّا ذُنُوبي؛ فَأَرْجُو اللهَ لَهَا، وَلَكِن أَخَافُ عَلَى بَنَاتي؛ فَقَالَ لَهُ أَحَدُ الصَّالحِين: الَّذِي تَرْجُوهُ لِذُنُوبِكَ ارْجُهُ لِبَنَاتِك 00 {اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} {الشُّورَى/6}
الَّذِينَ يُسَافِرُونَ بحُجَّةِ لُقْمَةِ العَيْشِ وَيَتْرُكُونَ
أَوْلَادَهُمْ عُرْضَةً لِلَانحِرَاف
إِنَّ السَّفَر مِن أَجْلِ لُقمَةِ العَيْشِ لَا شِيَةَ فِيه؛ فَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَافَرَ مِن أَجْلِهَا، أَمَّا الَّذِين يُسَافِرونَ وَيَتْرُكُونَ أَوْلَادَهُمْ عُرْضَةً لِلفَسَادِ وَالَانْحِرَاف؛ بِحُجَّةِ لُقْمَةِ العَيْش؛ فَقَدْ ضَلُّواْ ضَلَالاً بَعِيدَا؛
الحَمْدُ للهِ القَائِل: {وفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون} {الذَّارِيَات/22}
وَلَمْ يَقُل: وَفي الأَرْضِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون؛ وَإِلَاّ قَالَ قَوْم: الرِّزْقُ في السُّعُودِيَّة، وَقَالَ آخَرُون: الرِّزْقُ في الكُوَيْت، وَقَالَ آخَرُون: الرِّزْقُ في أُورُوبَّا، وَلَتَنَازَعُواْ فِيمَا بَيْنَهُمْ 00!!
فَسَفَرُكَ لَنْ يَزِيدَ في رِزْقِكَ قَيْدَ أُنمُلَة، فَالرَّازِقُ هُنَا؛ هُوَ الرَّازِقُ هُنَاك 00
تَعَدَّدَتِ الأَسْبَابُ وَالرِّزْقُ وَاحِدُ
صَحِيحٌ أَنَّكَ سَتَجِدُ هُنَاكَ المالَ الكَثِير؛ وَلَكِنَّ الرِّزقَ لَيْسَ مَالاً فَقَطْ 00
فَالتَّرْبِيَة الحَسَنَةُ رِزْق؛ مَنْ سَيرَبى أَوْلَادَكَ إِنْ سَافَرْت 00؟!!
وَمُكْثُكَ وَسْطَ أَهْلِكَ رِزْق؛ مَنْ لَكَ في غَيْبَتِهِمْ وَمَنْ لهُمْ في غَيْبَتِك 00؟!
{ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُون} {يُونُس: 59}
سَتَأْتِيهِمْ بِالمالِ إِنْ سَافَرْت، لكِنْ مِن أَيْنَ تَأْتِيهِمْ بِالأَخْلَاقِ الحَمِيدَة 00؟!!
بَلَغَكَ ضِيقُ العَيْشِ في بِلَادِنَا؛ وَلَمْ يَبْلُغْكَ أَنَّ الَانحِرَافَ أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِن حَبْلِ الوَرِيد، إِنَّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيد 00!!!
رِجَالُ الأَعْمَال، وَانْشِغَالُهُمْ بِالمَال، وَإِهْمَالُهُمْ لِلزَّوْجَةِ وَالعِيَال
لَقَدْ حَكَى أَحَدُهُمْ يَوْمَاً فَقَال: " إِنِّي لَا أَرَى أَوْلَادِيَ بِالشَّهْر " 0
قَالُواْ: وَكَيْفَ ذَلِك 00؟!
قَال: لأَنِّي أَعُودُ إِلى المَنْزِلِ وَهُمْ نَائِمُون، وَيَذْهَبُونَ إِلى المَدْرَسَةِ وَأَنَا نَائِم 00!!
وَإِنْ لَمْ تخَفْ عَلَى أَوْلَادِكَ فَخَفْ عَلَى زَوْجَتِك؛ مِنْ فِتنِ هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتي عَمَّ فِيهَا مِنَ الخَبَث؟!
إِنَّهَا حَقَّاً مَأْسَاة؛ وَذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَنا في الأَسْبَابِ أَصْبَحَ أَقْوَى منَ اعْتِقَادِنَا في الله 00!!
وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا عَنْ مَآسٍ يَنْدَى لَهَا الجَبِين؛ عَنِ الفِتنِ الَّتي تَتَعَرَّضُ لَهَا زَوْجَاتُ الغَائِبِين؛ وَذَلِكَ أَنَّ المَرْأَةَ المُتَزَوِّجَةَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَيْهَا جِدَّاً أَنْ تجِدَ نَفْسَهَا بِغَيرِ زَوْج 00!!
نَعُوذُ بِكَ اللهُمَّ مِنَ الفَوَاحِشِ أَنْ تَقَعَ فِينَا أَوْ نَقَعَ فِيهَا 00 اللهُمَّ آمِين
،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،؛،