المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تمهيد الرضا بالقليل: - موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني

[ياسر الحمداني]

فهرس الكتاب

- ‌[مَقَالَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني]

- ‌أَصُونُ كَرَامَتي مِنْ قَبْلِ قُوتي

- ‌أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُول

- ‌إِعْصَار كَاتْرِينَا

- ‌إِنْقَاذُ السُّودَان؛ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان

- ‌الإِسْلَامُ هُوَ الحَلّ، وَلَيْسَ الإِرْهَابُ هُوَ الحَلّ

- ‌الْبَهَائِيَّة، وَادعَاءُ الأُلُوهِيَّة

- ‌الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان:

- ‌الدِّينُ النَّصِيحَة:

- ‌الشَّيْطَانُ الأَكْبَرُ

- ‌الفَنَّانَاتُ التَّائِبَاتُ

- ‌{أَرَاذِلُ الشُّعَرَاء}

- ‌الحُلْمُ الجَمِيل:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتجْوِيدِه:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الحَدِيثِ النَّبَوِيّ:

- ‌ فَضْلُ بِنَاءِ المَسَاجِد **

- ‌فُقَرَاء، لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌فِقْهُ الحَجِّ وَرَوْحَانِيَّاتُه:

- ‌قَصَائِدُ ابْتِهَالِيَّة:

- ‌لُغَتُنَا الجَمِيلَة:

- ‌مَقَامَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌أَنْقِذُونَا بِالتَّغْيِير؛ فَإِنَّا في الرَّمَقِ الأَخِير:

- ‌إِيرَان؛ بَينَ المِطْرَقَةِ وَالسِّنْدَان

- ‌الأَمِينُ غَيرُ الأَمِين

- ‌الإِرْهَابُ وَالأَسْبَابُ المُؤَدِّيَةُ إِلَيْه

- ‌الحَاكِمُ بِأَمْرِ الشَّيْطَان

- ‌الشَّاعِرُ المَغْرُور

- ‌الْفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالرُّوتِينُ في الدُّوَلِ المُتَخَلِّفَة

- ‌الْقِطَطُ السِّمَان

- ‌الْكُلُّ شِعَارُهُ نَفْسِي نَفْسِي

- ‌المَوْهُوبُونَ وَالمَوْهُومُون

- ‌بَعْضَ الَاهْتِمَام؛ يَا هَيْئَةَ النَّقْلِ الْعَامّ

- ‌ثَمَانِ سَنَوَات؛ يَا وَزَارَةَ الاتِّصَالات

- ‌جَمَاعَةُ الإِخْوَانِ المحْظُوظَة

- ‌دُورُ " النَّشْل

- ‌شَبَابُنَا وَالْقُدْوَةُ في عُيُونِهِمْ

- ‌شُعَرَاءُ الْفُكَاهَة؛ بَيْنَ الجِدِّيَّةِ وَالتَّفَاهَة

- ‌صَنَادِيقُ شَفَّافَة، وَنُفُوسٌ غَيرُ شَفَّافَة

- ‌ ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق

- ‌فَتَيَاتُ المَدَارِس، وَتَحَرُّشُ الأَبَالِس

- ‌قَتَلُواْ بِدَاخِلِنَا فَرْحَةَ الْعِيد

- ‌قَصِيدَةً مِنْ نَار؛ لِمَنْ يَتَّهِمُني بِسَرِقَةِ الأَشْعَار

- ‌قَنَاةٌ فَضَائِيَّةٌ تَلْفِتُ الأَنْظَار؛ بِالطَّعْنِ في نَسَبِ النَّبيِّ المخْتَار

- ‌مَتى سَيُنْصَفُ الضَّعِيف؛ في عَهْدِكَ يَا دُكْتُور نَظِيف

- ‌مُوَسْوِسُونَ لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌يَتْرُكُونَ المُشَرِّفِين؛ وَيُقَدِّمُونَ " المُقْرِفِين

- ‌يحْفَظُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَيَعْمَلُ بَنَّاءً

- ‌أَشْعَار بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌فَضْلُ الشِّعْر وَالشُّعَرَاء

- ‌مخْتَارَاتٌ مِنْ دِيوَاني:

- ‌الحَمَاسَةُ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌إِهْدَاءُ الحَمَاسَةِ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ الحَمَاسَة:

- ‌بَحْرُ الخَفِيف:

- ‌بَحْرُ الْبَسِيط:

- ‌بَحْرُ الرَّجَز:

- ‌بَحْرُ الرَّمَل:

- ‌بَحْرُ الوَافِر:

- ‌بَحْرُ المُتَدَارَك:

- ‌بَحْرُ المُتَقَارِب:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 2]:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 3]:

- ‌مجْزُوءُ الرَّمَل:

- ‌مجْزُوءُ الرَّجَز:

- ‌مجْزُوءُ الْوَافِر:

- ‌مجْزُوءُ الْكَامِل:

- ‌مُخَلَّعُ الْبَسِيط:

- ‌[مَنهُوكُ الرَّجَز

- ‌كِتَابُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌مُقَدِّمَةُ الرِّضَا بِالقَلِيل

- ‌تَمْهِيدُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌الفَقِيرُ الصَّابِر:

- ‌الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌عَفَافُ النَّفْس:

- ‌كِتَابُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظَاً:

- ‌أَحْكَامُ الجَنَائِز:

- ‌فَقْدُ الأَحِبَّة:

- ‌وَفَاةُ الحَبِيب:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌مُصِيبَةُ المَرَض:

- ‌مُصِيبَةُ السِّجْنِ وَالحَدِيثُ عَنِ المَظْلُومين:

- ‌هُمُومُ المُسْلِمِين:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ العُلَمَاء

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌[كِتَابُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌[مُقَدِّمَةُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌أَرْشِيفُ الحَمَدَاني:

- ‌انحِرَافُ الشَّبَاب:

- ‌البَيْتُ السَّعِيد

- ‌أَدَبُ الحِوَارِ في الإِسْلَام:

- ‌{الأَدَبُ مَعَ اللهِ وَرَسُولِهِ

- ‌ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجْ:

- ‌الدِّينُ الحَقّ:

- ‌الطِّيبَةُ في الإِسْلَام:

- ‌الْعِلْمُ وَالتَّعْلِيم:

- ‌العَمَلُ وَالكَسْب:

- ‌الكِبْرُ وَالغُرُور

- ‌المَمْلَكَةُ العَادِلَة:

- ‌بِرُّ الوَالِدَين:

- ‌نُزْهَةٌ في لِسَانِ الْعَرَب:

- ‌تَرْجَمَةُ الذَّهَبيّ؛ بِأُسْلُوبٍ أَدَبيّ [

- ‌حَالُ المُسْلِمِين:

- ‌رِجَالٌ أَسْلَمُواْ عَلَى يَدِ الرَّسُول:

- ‌فَوَائِدُ الصَّوْم:

- ‌زُهْدِيَّات:

- ‌(طَوَارِئُ خَطَابِيَّة)

- ‌فَضَائِلُ الصَّحَابَة:

- ‌مَدِينَةُ كُوسُوفُو:

- ‌مُعَلَّقَاتُ الأَدَبِ الإِسْلَامِيّ:

- ‌فَهْرَسَةُ سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء

الفصل: ‌تمهيد الرضا بالقليل:

‌تَمْهِيدُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

============

هَذَا الكِتَابُ مُوَجَّهٌ إِلى الَّذِينَ يَكُدُّونَ في طَلَبِ المَعِيشَة، ثمَّ لَا يجِدُونَ في نِهَايَةِ الشَّهْرِ مَا يَكْفِيهِمْ وَيَكْفِي بَنِيهِمْ، لَا إِلى العَاطِلِينَ الَّذِينَ لَا يَعْمَلُونَ ثمَّ يَشْكُونَ مِنْ كَثرَةِ العِيَالِ وَقِلَّةِ المَالِ وَسُوءِ الحَال

إِنَّ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم عَاشَ فَقِيرَاً وَمَاتَ فَقِيرَاً، إِلَاّ أَنَّ فَقْرَهُ كَانَ أَسْمَى بِكَثِيرٍ مِنْ فَقرِنَا، فَلَقَدْ كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم خُمُسُ الغَنَائِمِ كَمَا كَانَ يُهْدَى لَه، إِلَاّ أَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ هَذَا في سَبِيلِ اللهِ وَيَعِيشُ عِيشَةَ الفُقَرَاء!!

ص: 2388

وَذَلِكَ رَغْبَةً مِنهُ صلى الله عليه وسلم في ثَوَابِ الفَقْرِ لَا في الفَقْرِ ذَاتِه، فَلَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنَ الَاسْتِعَاذَةِ مِنه، قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ كَيْفَ مَعَ فَضْلِه 00!!؟

وَأَقُولُ لَهُ وَبِاللهِ التَّوْفِيق: الفَقْرُ يَا أَخِي لَيْسَ خَيرَاً في ذَاتِه، إِنمَا الخَيرُ في ثَوَابِه، وَالصَّبْرِ عَلَى عَذَابِه 0

ص: 2389

هَلِ الفَقْرُ خَيرٌ أَمْ شَرّ 00؟

أَمَّا اسْتِعَاذَتُهُ صلى الله عليه وسلم مِنهُ فَكَاسْتِعَاذَتِهِ مِنَ البَلَاءِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ العَظِيمْ، وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَيُّهَا النَّاس، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ، وَسَلُواْ اللهَ العَافِيَة، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُواْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقم: (2966 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1742 / عَبْد البَاقِي]

ص: 2390

انْظُرْ يَرْحَمُكَ الله: نَهَانَا عَنْ تَمَنيِّ الجِهَاد؛ وَإِنْ كَانَ أَمَرَنَا في الْوَقْتِ نَفْسِهِ بِتَمَنيِّ الشَّهَادَة 0

فَالاسْتِعَاذَةُ مِنَ الْفَقْرِ محْمُولَةٌ في الحَقِيقَةِ عَلَى أَنهَا اسْتِعَاذَةٌ مِنْ ذُلِّه، وَالترْغِيبُ فِيهِ محْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَرْغِيبٌ في الكَفَافِ وَالعَفَاف؛ وَكَمَا أَسْلَفْنَا فَالفَقْرُ: الخَيرُ في ثَوَابِه، وَالشَّرُّ في عَذَابِه 0

اسْتِعَاذَتُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَرِّ الفَقْرِ وَمِنْ شَرِّ الغِنى

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَات: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّار، وَعَذَابِ النَّار، وَمِنْ شَرِّ الْغِنى وَالفَقْر " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 1543]

ص: 2391

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " اللهُمَّ إِنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّار، وَمِن عَذَابِ النَّار، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْر " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقم: (6376 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 589 / عَبْد البَاقِي]

هَلِ الفِرَارُ مِنَ الفَقْرِ فِرَارٌ مِنْ قَدَرِ الله 00؟

فَكَوْنُ الفَقْرِ قَدَرَ اللهِ لَا يَمْنَعُ أَبَدَاً مِنْ مُدَافَعَتِه وَمحَاوَلَةِ الخُرُوجِ مِنهُ، مَثَلُهُ في ذَلِكَ مَثَلُ المَرَض 0

ص: 2392

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلى الشَّام، حَتىَّ إِذَا كَانَ بِسَرْغَ ـ أَيْ مَوْضِعٌ بَينَ الشَّامِ وَالحجَاز ـ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ وَأَصْحَابُه، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّام؛ فَقَالَ عُمَر ـ أَيْ لَابْنِ عَبَّاس ـ ادْعُ ليَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِين، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّام، فَاخْتَلَفُواْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ 00!!

وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاء 00!!

ص: 2393

فَقَالَ ارْتَفِعُواْ عَنيِّ، ثُمَّ قَالَ ادْعُواْ ليَ الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُواْ سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُواْ كَاخْتِلَافِهِمْ؛ فَقَالَ ارْتَفِعُواْ عَنيِّ، ثمَّ قَالَ ادْعُ ليَ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَان ـ أَيِ اتَّفَقُواْ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاء ـ

فَقَالُواْ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاء؛ فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ إِنيِّ مُصَبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُواْ عَلَيْه ـ أَيْ إِني مُرْتحِلٌ في الصَّبَاحِ فَتَهَيَّئُواْ ـ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاح: أَفِرَارَاً مِنْ قَدَرِ الله 00!؟

فَقَالَ عُمَر: لَوْ غَيْرُكَ قَالهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة 00!!!

ص: 2394

نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلى قَدَرِ الله: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيَاً، لَهُ عُدْوَتَان ـ أَيْ حَافَّتَان ـ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَة، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ الله؟

فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبَاً في بَعْضِ حَاجَتِه، فَقَالَ إِنَّ عِنْدِيَ في هَذَا عِلْمَاً: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:

" إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ ـ أَيْ بِالطَّاعُونِ ـ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُواْ عَلَيْه، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بهَا فَلَا تخْرُجُواْ فِرَارَاً مِنْهُ؛ فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ ثمَّ انْصَرَف " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (5729 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2219 / عَبْد البَاقِي]

ص: 2395

فَالخَيرُ وَالشَّرُّ فِتنَة، وَكُلٌّ مِن عِنْدِ الله، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا لَا يمْنَعُ مِنْ كَرَاهِيَةِ الشَّرِّ وَمُدَافَعَةِ أذَاه 00!!

وَمِن أَطْرَفِ مَا يحْكَى في ذَلِكَ أَيْضَاً: أَنَّ طَاعُونَاً آخَرَ ضَرَبَ أَرْضَ الخِلَافَةِ في عَهْدِ الخَلِيفَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِك؛ فَأَرَادَ الخُرُوجَ مِنهَا، فَقَالَ لَهُ النَّاس: يَقُولُ اللهُ جل جلاله:

{لَنْ يَنْفَعَكُمُ الفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ المَوْتِ أَوِ القَتْلِ وَإِذَاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَاّ قَلِيلَا}

{الأَحْزَاب: 16}

فَقَالَ لهُمْ وَكَانَ حَاضِرَ البَدِيهَة: ذَلِكَ القَلِيلَ أَطْلُب 00!!

ص: 2396

[ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ في " العِقدُ الفَرِيد " ص: (142/ 3)، الدُّكتُور نَايِف في " نَفَائِسُ اللَّطَائِف " 0 بَيرُوت 0 ص: 113]

الفَرْقُ بَيْنَ الفَقِيرِ وَالمِسْكِين

إِنَّ الفَقْرَ لُغَةً هُوَ الحَاجَةُ وَالعَوَز؛ وَلِذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنه، لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ السِّدَادَ لَا العَوَز: أَيْ مَا يَسُدُّ الحَاجَة؛ وَلِذَا جَاءَ في الصَّحِيح: عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ محَمَّدٍ قُوتَاً " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6460)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1055]

ص: 2397

لَاحِظ يَا أَخِي أَصْلحَكَ اللهُ أَنَّهُ قَالَ " قُوتَاً " وَلَمْ يَقُلْ ضَيِّقَاً، وَلَا قَالَ أَيْضَاً وَاسِعَاً 0

عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" خَيرُ الرِّزْقِ الْكَفَاف " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (5586)، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في كِتَابِ الزُّهْد]

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " اللهُمَّ أَحْيِني مِسْكِينَاً وَأَمِتْني مِسْكِينَاً وَاحْشرنِي في زُمْرةِ المَسَاكِينِ يَومَ القِيَامَة " 00 فَتَسْأَلُهُ أُمُّ المُؤمِنِينَ عَائشَةُ رضي الله عنها لِمَ يَا رَسُولَ الله 00!؟

ص: 2398

فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفَاً، يا عَائِشَة: لَا تَرُدِّي المَسَاكِينَ وَلَوْ بِشِق تمْرَة، يَا عَائِشَة: أَحِبيّ المَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ؛ فَإِنَّ اللهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2352، وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ مُخْتَصَرَاً بِرَقْم: 7911]

وَالمِسْكِينُ هُوَ الفَقِيرُ القَانِع، المُخْبِتُ الخَاشِعُ المُتَوَاضِع، الَّذِي جَمَعَ إِلى الفَقْرِ المَسْكَنَةَ وَالحَيَاء، وَهَذَا مَا طَلَبَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: حَيْثُ طَلَبَ السَّلَامَةَ مِنَ الدُّنيَا في غَيرِ حَاجَةٍ مُذِلَّة، وَلَا كَثرَةٍ مُضِلَّة، لَا سِيَّمَا أَنَّ كَثِيرَاً مِن أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُواْ: إِنَّ المِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالاً مِنَ الفَقِير،

ص: 2399

غَيرَ أَنَّهُ وَبِرَغْمِ رِقَّةِ حَالِهِ [لَا أَقُولُ سُوءَ حَالِهِ] كَالْفَقِيرِ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ كَالفَقِير، غَيرَ أَنَّهُ وَبِرَغْمِ رِقَّةِ حَالِهِ [لَا أَقُولُ سُوءَ حَالِهِ] كَالْفَقِير؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ كَالفَقِير، فَهُوَ قَانِعٌ خَاشِعٌ مُتَوَاضِع 0

عَن أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَيسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَان، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَان، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَا يجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْه، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاس " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (1479)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1039]

ص: 2400

عَن أَبي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" أَمَرَني صلى الله عليه وسلم بحُبِّ المَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ " 0

[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 21415]

وَفي رِوَايَةٍ: " أَرْحَمَ المَسَاكِينَ وَأُجَالِسَهُمْ " 0

[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 21517]

ص: 2401

زُهْدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحَابَتُهُ رضي الله عنهم في الغِنى

وَعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيجْعَلَ لي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبَاً 00؟

قُلْتُ لَا يَا رَبّ، وَلَكِن أَشْبَعُ يَوْمَاً وَأَجُوعُ يَوْمَاً، قَالَهَا ثَلَاثَاً؛ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُك، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُك " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيّ " بِرَقْم: (3980)، وَالعَلَاّمَة أَحْمَدْ شَاكِر في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: (22090)، وَهُوَ في " الشُّعَب " بِرَقْم: 10410]

ص: 2402

عَن أُمِّ أَيْمَنَ رضي الله عنها أَنَّهَا غَرْبَلَتْ دَقِيقَاً، فَصَنَعَتْهُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رَغِيفَاً، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" مَا هَذَا " 00؟ قَالَتْ طَعَامٌ نَصْنَعُهُ بِأَرْضِنَا؛ فَأَحْبَبْتُ أَن أَصْنَعَ مِنْهُ لَكَ رَغِيفَاً؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " رُدِّيهِ فِيهِ ثُمَّ اعْجِنِيه " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 3336]

ص: 2403

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" لَسْتُ مِنَ الدُّنيَا وَلَيْسَتْ مِنيِّ؛ إِنيِّ بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ نَسْتَبِق " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (5080)، أَخْرَجَهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ في مخْتَارَاتِه]

ص: 2404

إِنَّ خَزَائِن الأَرْضِ حُمِلَتْ إِلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَر، فَأَخَذُوهَا وَوَضَعُوهَا في مَوَاضِعِهَا، كَانَتِ الدُّنيَا في أَيْدِيهِمْ وَلَمْ تَكُ في قُلُوبِهِمْ: فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الَّذِي كَانَ يملِكُ مِنَ الذَّهَبِ مَا كَانَ يُقطَعُ بِالفُئُوس: أَيْنَ ذَهَبَ ذَهَبُكَ يَا أَبَا بَكْر 00!؟

أَنْفَقَهُ كُلَّهُ في الدَّعْوَةِ وَعَلَى عِتْقِ العَبِيدِ وَالإِمَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ: كَبِلَالِ الحَبَشِيِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِوَزْنِهِ ذَهَبَاً، لَكَ اللهُ يَا أَبَا بَكْر 00!!

ص: 2405

أَمَّا عُمَرُ رضي الله عنه: فَلَا أَجِدُ فِيهِ أَجْمَلَ وَلَا أَرْوَعَ مِمَّا قَالَهُ الشّيخُ عَبْدُ الحَمِيد كِشْكٌ رحمه الله: " كَانَ رضي الله عنه يَنَامُ عَلَى الحَصِير، لَمْ تَكُنْ في بَيْتِهِ سُرُرٌ مَرْفُوعَة، وَلَا أَكْوَابٌ مَوْضُوعَة، وَلَا نمَارِقُ مَصْفُوفَة، وَلَا زَرَابِيُّ مَبْثُوثَة 00 كَانَ يَنَامُ عَلَى الحَصِير، وَلَيْسَ عَلَى الحَرِير " 0 [الشِّيخ عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ " ص: 62/ 3]

وَفي النِّهَايَةِ يُمْكِنُ الْقَوْل: إِنَّ الْغِنى إِنْ كَانَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ فَلَا ضَير، وَإِنْ لَمْ يَكُن؛ فَمَا فِيهِ خَير 0

ص: 2406

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَن أَخِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا بَأْسَ بِالْغِنى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى خَيرٌ مِنَ الْغِنى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النَّعِيم "[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ وَفي المِشْكَاةِ وَفي الأَدَبِ المُفْرَد]

،؛، الكَاتِبُ الإِسْلَامِي / يَاسِرُ الحَمَدَاني،؛،

°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°

ص: 2407