الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَاةُ الحَبِيب:
========
وَأَلْحِقْ بِآخِرِ هَذَا الْبَابِ خَبَرَ وَفَاةِ الإِمَامِ البُخَارِيّ، وَأَيُّوبَ السُِّخْتِيَانيّ، وَابْنِ عَوْن وَعَمْرِو بْنِ قَيْس، وَهَرِم بن حَيَّان
الْتَمِسْ أَخْبَارَهُمْ بِكِتَابِكَ جَوَاهِرُ مِن أَقْوَالِ الرَّسُول بَابُ [أَعْلَامُ الحُفَّاظ]
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
عُمْرُهُ صلى الله عليه وسلم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعِينَ سَنَة، فَمَكُثَ بمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْه، ثمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ ـ أَيْ بِالمَدِينَة ـ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّين " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (3902 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2351، وَفي كَنْزِ العُمَّالِ بِرَقْم: 18728]
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَال:
" قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَة، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّين، وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّين " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الفَضَائِلِ بَاب: كَمْ أَقَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ وَالمَدِينَة بِرَقْم: 2352]
بَرَكَتُهُ صلى الله عليه وسلم حَيَّاً وَمَيِّتَاً
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ للهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِين ـ أَيْ يَسِيحُونَ في الأَرْض ـ يُبْلِغُونَ عَن أُمَّتي السَّلَام " 0
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " حَيَاتي خَيرٌ لَكُمْ؛ تُحَدِّثُونَ وَنُحَدِّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتي خَيرٌ لَكُمْ؛ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِن خَيرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْه، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (24/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ البَزَّار]
عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللهَ تَعَالى إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِن عِبَادِه؛ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لهَا فَرَطَاً وَسَلَفَاً بَينَ يَدَيْهَا ـ وَفَرَطَاً أَيْ حِسْبَةً أَوْ قُرْبَانَاً يَتَقَرَّبُونَ بِصَبرِهِمْ عَلَى مُصَابهِمْ فِيهِ إِلى اللهِ جل جلاله وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبهَا وَنَبِيُّهَا حَيّ، فَأَهْلَكَهَا وَهْوَ يَنْظُر؛ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَواْ أَمْرَه " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الفَضَائِلِ بِرَقْم: (2288)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 34456]
عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ رضي الله عنه قَال: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" أَتَزْعُمُونَ أَنيِّ آخِرِكُمْ وَفَاةً 00؟!
أَلَا إِنيِّ مِن أَوَّلِكُمْ وَفَاةً، وَتَتْبَعُوني أَفْنَادَاً [أَيْ وَاحِدَاً تِلْوَ الآخَر]، يُهْلِكُ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيحِ بِرَقْم: 94، وَقَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]
دَنَا الأَجَلُ وَتَدَلَّى
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال لأَبي بَكر: " سَل يَا أَبَا بَكْر " 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ دَنَا الأَجَل 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ دَنَا الأَجَلُ وَتَدَلى " 00
فَقَالَ أَبُو بَكْر: ليُهْنِكَ يَا نَبيَّ اللهِ مَا عِنْدَ الله، فَلَيْتَ شِعْري عَنْ مُنْقَلَبِنَا 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِلى اللهِ وَإِلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، ثمَّ إِلى جَنَّةِ المَأْوَى وَالفرْدَوسِ الأَعْلَى وَالكَأْسِ الأَوْفى وَالرَّفِيقِ الأَعْلَى، وَالحَظِّ وَالعَيشِ المهَنَّا " 0
فَقَالَ أَبُو بَكْر: يَا نَبيَّ اللهِ مَن يَلِي غُسْلَك 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " رِجَالٌ مِن أَهْلِ بَيْتي، الأَدْنى فَالأَدْنى " 00 قَالَ أَبُو بَكْر: فَفِيمَ نُكَفِّنُك 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" في ثِيَابي هَذِه، وَفي حُلَّةِ يَمَانِيَّة، وفي بَيَاضِ مِصْر " 00
فَقَالَ أَبُو بَكْر: كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ مِنَّا 00؟!
وَبَكَيْنَا وَبَكَى صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَال: " مَهْلاً غَفَرَ اللهُ لَكُمْ، وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيرَا، إِذَا غَسَّلتُمُوني وَكَفَّنْتُمُوني فَضَعُوني عَلَى سَرِيرِي في بَيْتي هَذَا، عَلَى شَفِيرِ قَبرِي، ثُمَّ اخْرُجُواْ عَني سَاعَة؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ اللهُ جل جلاله:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائكَتُهُ} {الأَحْزَاب: 43}
ثُمَّ يَأْذَنُ لِلمَلَائِكَةِ في الصَّلَاةِ عَلَيّ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيَّ مِن خَلقِ اللهِ وَيُصَلِّي عَلَيَّ جِبرِيل، ثُمَّ مِيكَائيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيل، ثُمَّ مَلَكُ المَوْت مَعَ جُنُودٍ كَثِيرَة، ثُمَّ المَلَائِكَةُ بِأَجْمَعِهَا، ثُم أَنْتُمْ فَادخلواْ عَلَيَّ أَفْوَاجَاً فَصَلواْ عَلَيَّ أَفْوَاجَاً، زُمْرَة زُمْرَة ـ أَيْ جمَاعَةً جمَاعَة ـ وَسَلمُواْ تَسْلِيمَاً وَلَا تُؤْذُوني بِتَزِكِيَة وَلَا صَيْحَة وَلَا رَنَّة، وَليَبْدَأْ مِنْكُمْ الإِمَام وَأَهْل بَيْتي الأَدْنى فَالأَدْنى، ثمَّ زُمَرُ النِّسَاء، ثمَّ زُمَرُ الصِّبْيَان " 00
قَالَ أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه: فَمَنْ يُدْخِلُكَ القَبر 00؟
قالَ صلى الله عليه وسلم:
" زُمَرٌ مِن أَهْلِ بَيْتي الأَدْنى فَالأَدْنى، مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ لَا تَرَوْنهمْ وَهُمْ يَرَوْنَكُم، قُومُواْ فَأَدُّواْ عَني إِلى مَنْ بَعْدِي " 0 [الإِحْيَاءُ 0 طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ 0 ضَعَّفَهُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ النَّبيِّ: 1862]
وَعنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال:
" أَوْصَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّاً أَنْ يُغَسِّلَه؛ فَقَالَ عَليٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْشَى أَلَاّ أُطِيق ذَلِك، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّكَ سَتُعَان " 00 يَقُولُ عَليّ: فَوَاللهِ مَا أَرَدْتُ أَن أَقلِبَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُضْوَاً إِلَاّ قُلِب " 0
[ابْنُ عَسَاكِر، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18780]
آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيح:
" إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبيٌّ حَتىَّ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ثمَّ يُخَيَّر " 00 فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ ـ أَيِ المَوْتُ ـ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي؛ غُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاق،
فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلى سَقْفِ البَيْتِ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى " 00 فَقُلْتُ: إِذَنْ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيح، فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا:" اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بِرَقْم: (4463)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بِرَقْم: 2444]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ إِلَاّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة " 00
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم في شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَة، فَسَمِعْتُهُ يَقُول:" مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ "{النِّسَاء: 69} فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّر " 0 [البُخَارِيُّ في كِتَابِ تَفْسِيرِ القُرْآنِ بِرَقْم: (4586)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بِرَقْم: 2444]
عَن أَبي مُوَيْهِبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " يَا أَبَا مُوَيْهِبَة؛ إِنَّ اللهَ خَيَّرَني بَينَ أَنْ يُؤْتِيَني مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الجَنَّة، وَبَينَ خُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي جل جلاله؛ فَقُلْتُ: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي؛ فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الجَنَّة؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: كَلَاّ يَا أَبَا مُوَيْهِبَة؛
لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي جَلَّ وَعَلَا، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ البَقِيع، ثُمَّ انْصَرَفَ صلى الله عليه وسلم؛ فَلَمَّا أَصْبَحَ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ شَكْوَاهُ الَّتي قُبِضَ فِيهَا " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4383]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَال: " أَذْهِبِ البَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافي، لَا شِفَاءَ إِلَاّ شِفَاؤُك، شِفَاءٌ لَا يُغَادِرُ سَقَمَاً " 00 فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ، أَخَذْتُ بِيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نحْوَ مَا كَانَ يَصْنَع؛ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ثمَّ قَال: " اللهُمَّ اغْفِرْ لي وَاجْعَلْني مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى " فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى " 00 وَقَضَى: أَيْ مَاتَ
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ السَّلَامِ بَاب: اسْتِحْبَابِ رُقْيَةِ المَرْيض بِرَقْم: (2191)، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 18835]
وَفي رِوَايَةٍ عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَيْضَاً قَالَتْ في نِهَايَةِ الحَدِيث: " فَكَانَ هَذَا آخِرَ مَا سَمِعْتُ مِنْ كَلَامِه " 0
[صَحَّحَهَا الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (1619)، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبي شَيْبَة، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 18835]
آخِرُ مَا أَوْصَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ قَبْلَ مَوْتِه
عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه عَمِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِه، فَجَعَلَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ تَذْهَبُ بِهِ طَوِيلاً، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَهْمِسُ:{مَعَ الذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالحِين، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً} [النِّسَاء: 69]
ثُمَّ يُغْلَبُ عَلَيْه ـ أَيْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ المَوْت ـ ثمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَال:" أُوصِيكُمْ بِالصَّلَاة، أُوصِيكُمْ بِمَا مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ، ثُمَّ قُضِيَ عِنْدَهَا " 0
أَيْ: مَاتَ عَلَى هَذِهِ الكَلِمَة 0
[صَحَّحَ مَتنَ الوَصِيَّةِ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: (2747)، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 18827]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَال: كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" الصَّلَاةَ الصَّلَاة 00 اتَّقُوا اللهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُد " بِرَقْم: (5156)، وَصَحَّحَهُ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: 8745]
مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُه؛ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُه
وَعَن عَبدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ عَن أَبِيهِ قَال:
" صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ في المَسْجِد، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُول: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَقَعَدَ عِنْدَ رِجْلَيْه، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُول:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُتَقَدِّم، وعُظْمٌ ـ أَيْ مُعْظَمُ النَّاسِ ـ يَرَوْنَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ المُتَقَدِّم، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:" يَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المطَّلِب، يَا عَمَّةَ رَسُولِ الله، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ محَمَّد، اعْمَلَا فَإِنيِّ لَا أُغْني عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَا " 0 [ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبرِيّ، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18852]
انْظُرْ: مَاتَ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوصِينَا بِالدِّينِ الّذِي وَرَّثَهُ لَنَا، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ بِذَلِك:
إِنيِّ تَرَكْتُ لَكُمْ كِتَابَاً جَامِعَاً * هُوَ خَيرُ دُسْتُورٍ لخَيرِ قُضَاةِ
قَسَمَاً بِرَبيِّ لَنْ تَضِلُّواْ طَالَمَا * هُوَ بَيْنَكُمْ بمَثَابَةِ المِشْكَاةِ
{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي}
إِحْسَاسُهُ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِ أَجَلِه
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " كَانَ يُعْرَضُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ في الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيه، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرَاً؛ فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ في العَام الَّذِي قُبِضَ فِيه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4998 / فَتْح]
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال: " رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُول: لِتَأْخُذُواْ مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنيِّ لَا أَدْرِي، لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هَذِه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1297 / عَبْد البَاقِي]
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجَمْرَةَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ يَقُول:
" يَا أَيُّهَا النَّاس؛ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 3062]
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلىَ اليَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوصِيه، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي تحْتَ رَاحِلَتِه، فَلَمَّا فَرَغَ صلى الله عليه وسلم قَال:
" يَا مُعَاذ؛ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَاني بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أنَ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي " فَبَكَى مُعَاذٌ رضي الله عنه جَشَعَاً لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ التَفَتَ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نحْوَ المَدِينَةِ فَقَال:" إِنَّ أَوْلىَ النَّاسِ بي المُتَّقُون 00 مَنْ كَانُواْ وَحَيْثُ كَانُواْ " 0 [صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 22052، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ وَالظِّلَالِ بِرَقْمَيْ: 1011، 2497]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت:
" إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ جمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَة، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تمْشِي، لَا وَاللهِ مَا تَخْفى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ صلى الله عليه وسلم قَال: " مَرْحَبًا بِابْنَتي " 00 ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِه، ثمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَإِذَا هِيَ تَضْحَك فَقُلْتُ لهَا أَنَا مِنْ بَينِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا ثمَّ أَنْتِ تَبْكِين؟!
فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ 00؟
قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بمَا لي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَا أَخْبَرْتِني 00؟
قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْني قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّني في الأَمْرِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبرَني أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَني بِهِ العَامَ مَرَّتَيْن؛ وَلَا أَرَى الأَجَلَ إِلَاّ قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِني نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ؛ فَبَكَيْتُ بُكَائِيَ الَّذِي رَأَيْتِ؛ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّني الثَّانِيَةَ قَالَ:" يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوني سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ " 00؟
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6285 / فَتْح]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: " كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنهُنَّ وَاحِدَة، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، مَا تخْطِئُ مِشْيَتَهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئَا، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" مَرْحَبًا بِابْنَتي " 00 ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِه، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدَاً، فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ؛ فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِين 00؟!
فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟
قَالَتْ: مَا كُنْتُ أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّه، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بمَا لي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَا حَدَّثْتِني مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟
فَقَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ: أَمَّا حِينَ سَارَّني في المَرَّةِ الأُولى فَأَخْبَرَني أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرْآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْن؛ وَإِني لَا أُرَى الأَجَلَ إِلَاّ قَدِ اقْتَرَب؛ فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ؛ فَبَكَيْتُ بُكَائِيَ الَّذِي رَأَيْتِ؛ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّني الثَّانِيَةَ فَقَال:
" يَا فَاطِمَة: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوني سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّة " 00؟
فَضَحِكْتُ ضِحْكِيَ الَّذِي رَأَيْتِ " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2450 / عَبْد الْبَاقِي]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا نَزَلَتْ:] إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح [دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ رضي الله عنها فَقَال: " قَدْ نُعِيَتْ إِلىَّ نَفْسِى " 0
فَبَكَتْ رضي الله عنها فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَبْكِي، فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِى لَاحِقٌ بي " 0
فَضَحِكَتْ رضي الله عنها؛ فَرَآهَا بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم 000 الحَدِيث " 0
[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ حُسَيْن سَلِيم أَسَد في سُنَنِ الإِمَامِ الدَّارِمِيِّ بِرَقْم: 79]
كَيْفَ بُشِّرَ صلى الله عليه وسلم بمَوْتِهِ في حَيَاتِه
كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحِسُّ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ وَقُرْبِ رَحِيلِه، وَنُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ صلى الله عليه وسلم في حَيَاتِه 00
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُني مَعَ أَشْيَاخِ بَدْر؛ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ في نَفْسِهِ ـ أَيْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ ـ فَقَال: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُه 00؟!
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ 00 فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ؛ فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَاني يَوْمَئِذٍ إِلَاّ لِيُرِيَهُمْ؛ قَال: مَا تَقُولُونَ في قَوْلِ اللهِ تَعَالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} 00؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نحمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئَاً، فَقَالَ رضي الله عنه لي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاس 00؟
فَقُلْتُ لَا؛ قَالَ رضي الله عنه: فَمَا تَقُول 00؟
قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ لَهُ: قَالَ سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح} [النَّصْر]
وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِك: فَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ بِكِتَابِ التَّفْسِيرِ بَابِ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} {النَّصْر} بِرَقْم: 4970]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا نَزَلَتْ " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح " دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ رضي الله عنها فَقَال: " قَدْ نُعِيَتْ إِلىَّ نَفْسِى " 00
فَبَكَتْ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَبْكِى، فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِى 000 بِنَحْوِه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ بِرَقْم: (5969)، رَوَاهُ الإِمَامُ الدَّارِمِيُّ في سُنَنِه]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " لَا عَلَيْكُمْ أَلَاّ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتىَّ تَنْظُرُوا بِمَ يخْتَمُ لَهُ؛ فَإِنَّ العَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانَاً مِن عُمْرِهِ، أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالحٍ؛ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّة، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً سَيِّئَاً، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ؛ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّار، ثمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً صَالحَاً، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرَاً؛ اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِه " 00 قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ 00؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالحٍ ثمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْه " 0
وَمَنْ مِثْلُ أَبي بَكْر 00؟
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَال: " إِنَّ عَبْدَاً خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ " فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَال: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا؛ فَعَجِبْنَا لَهُ وَقَالَ النَّاس: انْظُرُواْ إِلى هَذَا الشَّيْخ؛ يُخْبِرُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهُوَ يَقُول: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا 00؟!
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ المُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِه، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ مِن أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْر؛ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً مِن أُمَّتي: لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْر 00 إِلَاّ خُلَّةَ الإِسْلَام " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَنَاقِبِ بِرَقْم: (3904)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بِرَقْم: 2382]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لأَبي سَعِيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَيْضَاً قَالَ فِيهَا: خَطَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدَاً بَيْنَ الدُّنْيَا؛ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ الله " 00
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه؛ فَقُلتُ في نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخ؛ إِنْ يَكُنِ اللهُ خَيَّرَ عَبْدَاً بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ الله 00؟!
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ رضي الله عنه هُوَ العَبْد، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، ثُمَّ سَاقَ أَبُو سَعِيدٍ الحَدِيثَ بِنَحْوِه " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 466 / فَتْح]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنهُ أَيْضَاً رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ في آخِرِ الحَدِيث: " وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً: لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِن أُخُوَّةُ الإِسْلَام " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بَاب: مِنْ فَضَائِلِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق بِرَقْم: 2382]
وَعَن أَبى سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَاً وَنحْنُ في المَسْجد، وَهْوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بخِرْقَةٍ في المَرَض الَّذِي مَاتَ فِيه، فَأَهْوَى قِبَلَ المنْبر ـ أَيِ اتجَهَ نحْوَهُ ـ حَتىَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ فَاتَّبَعْنَاهُ فَقَال:
" وَالَّذي نَفْسي بِيَدِه: إِنيِّ لَقَائِمٌ عَلَى الحَوْضِ السَّاعَة، ثمَّ قَال: إِنَّ عَبْدَاً عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنيَا وَزِينَتُهَا، فَاخْتَارَ الآخِرَة " 00 فَلَمْ يَفْطِن لهَا أَحَدٌ إِلَاّ أَبُو بَكْر، فَذَرَفَتْ عَيْنَاه فَبَكَى وَقَال: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي، بَلْ نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا، ثمَّ هَبَطَ فَمَا قَامَ عَلَيْهِ حَتىَّ السَّاعَة " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَالحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7756]
وَضْعُ السُّمِّ لِرَسُولِ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:
" لأَن أَحْلِفَ تِسْعَاً أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ قَتْلاً؛ أَحَبُّ إِليَّ مِن أَن أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ " 0 [قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (34/ 9)، وَالحَدِيثُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 4128]
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ مِنَ اللَّحْمِ الَّذِي كَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ سَمَّتْهُ؛ فَانْقَطَعَ أَبْهَرُهُ مِنَ السُّمِّ عَلَى رَأْسِ السَّنَة " 0
[حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (35/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
لَمْ يَكْفِ اليَهُودَ الخُبَثَاءَ لَعَنَهُمُ اللهُ أَنْ جَحَدُواْ بِآيَاتِ اللهِ بَعْدَمَا اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلمَاً وَعُلُوَّا، بَلْ حَاوَلُواْ قَتْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مَرَّة؛ حَتىَّ أَنهُمْ تَآمَرُواْ عَلَى قَتْلِهِ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ بَني جِلدَتهِمْ، فَدَعَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إِلى طَعَامٍ ـ وَهْيَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَدَّ دَعْوَةَ أَحَدٍ قَطّ ـ فَأَجَابهَا صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَتْ لَهُ الخَبِيثَةُ سُمَّاً في الطَّعَام 00!!
فَلَمَّا أَنْ كَشَفَ اللهُ سِترَهُمْ، وَأَبَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُمْ: سَأَلهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ ـ وَانظُرْ إِلى مَكْرِ اليَهُودِ ـ مَا فَعَلنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَاّ لِنَتَبَيَّنَ صِدْقَكَ مِنْ كَذِبِك؛ فَإِنْ كُنْتَ نَبِيَّاً لَمْ يُصِبْكَ شَيْء، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً اسْتَرَحْنَا مِنْك، فَتَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00!!
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سَمّ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اجْمَعُواْ لي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ اليَهُود " 00 فَجُمِعُواْ لَهُ، فَقَالَ لهُمْ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنيِّ سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْه " 00؟
فَقَالُواْ نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِم؛ فَقَالَ لهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَن أَبُوكُمْ " 00؟
قَالُواْ أَبُونَا فُلَان؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلَان " 00
فَقَالُواْ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنه " 00؟
فَقَالُواْ نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِم، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ في أَبِينَا، قَالَ لهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" مَن أَهْلُ النَّار " 00؟
فَقَالُواْ: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرَاً ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا؛ فَقَالَ لهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اخْسَئُواْ فِيهَا، وَاللهِ لَا نخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدَاً " 00 ثُمَّ قَالَ لهُمْ:
" فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْه " 00؟
قَالُواْ نَعَمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" هَلْ جَعَلْتُمْ في هَذِهِ الشَّاةِ سَمَّاً " 00؟
فَقَالُواْ نَعَمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِك " 00؟
فَقَالُواْ: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابَاً نَسْتَرِيحُ مِنْك، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيَّاً لَمْ يَضُرَّك " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 5777 / فَتْح]
عَن أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه قَال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَة، فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّة ـ أَيْ مَشْوِيَّة ـ سَمَّتْهَا، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ؛ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْني أَنهَا مَسْمُومَة " 00 فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيّ، فَأَرْسَلَ إِلى الْيَهُودِيَّة: " مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ "!؟
قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيَّاً لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْت، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكَاً ـ أَيْ كَاذِبَاً في نُبُوَّتِك ـ أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْك، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُتِلَتْ ـ أَيْ قِصَاصَاً في بِشْر ـ ثُمَّ قَالَ في وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيه:" مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الأَكْلَةِ الَّتي أَكَلْتُ بِخَيْبَر، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي " 0
[وَالأَبْهَرُ: هُوَ شَرْيَانُ القَلب 0 حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُد " بِرَقْم: (4512]
وَعَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا فَتَحَ اللهُ خَيْبرَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنهُمْ، أَهْدَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الحَارِثِ اليَهُودِيَّةُ شَاةً مَصْلِيَّةً ـ أَيْ مَشْوِيَّةً ـ وَسَمَّتْهُ فِيهَا ـ أَيْ وَضَعَتْ لَهُ فِيهَا السُّمَّ لِتَنْتَقِمَ لِيَهُودِ خَيْبر ـ وَأَكْثَرَتْ في الكَتِفِ وَالذِّرَاع، حِينَ أُخْبرَتْ أَنهُمَا أَحَبُّ أَعْضَاءِ الشَّاةِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا دَخَلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَه بِشْرُ بْنُ البرَاءِ بْنُ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيُّ قَدَّمَتْ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنَاوَل الكَتِفَ وَالذِّرَاعَ فَانْتَهَشَ مِنهُمَا، وَتَنَاوَلَ بِشرٌ عَظْمَا آخَرَ وَانْتَهَشَ منهُ، فَلَمَّا أَدْغَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا في فيهِ ـ أَيْ مَضَغَهُ ـ أَدْغَمَ بِشْرٌ مَا في فِيه، فَقَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:" ارْفَعُواْ أَيْدِيَكُمْ؛ فَإِنَّ كَتِفَ الشَّاةِ تخْبرُني أَني قَدْ بُغِيتُ فِيهَا " ـ أَيْ غُدِرَ بِي فِيهَا ـ فَقَالَ بِشْرُ بْنُ البرَاء: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَقَدْ وَجَدْت ذَلِكَ في أَكْلَتي الَّتي أَكَلْتُ وَإِنْ مَنَعَني ـ أَيْ مَا مَنَعَني ـ أَن أَلفِظَهَا إِلَاّ أَني كَرِهْتُ أَن أُنَغِّصَكَ طَعَامَك، فَلمَّا أَكَلْتَ مَا في فِيكَ لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِيَ عَنْ نَفْسِك، وَرَجَوْت أَلَاّ تَكونَ أَدْغَمْتَهَا وَفيهَا بَغْي،
فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتىَّ عَادَ لَوْنُهُ كَالطَّيْلَسَان ـ أَيِ ازْرَقَّ ـ وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ حَتىَّ كَانَ مَا يَتَحَوَّلُ إِلَاّ حُوِّل ـ أَيْ لَا يَتحَرَّكُ إِلَاّ إِذَا حُرِّكَ بمَسَاعَدَةِ آخَرِين ـ وَبقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتىَّ كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي مَاتَ فِيه " 0
[الطَّبرَانيُّ وَابْنُ أَبي شَيبَة، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: (18849)، وَأَقَرَّهُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: 153/ 6]
وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنهَا قَالَتْ: " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيه:
" يَا عَائِشَة: مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَر، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي ـ أَيْ شَرْيَانَ قَلْبي ـ مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ " 0
أَيْ: في نَفْسِ هَذَا الوَقْتِ مِنَ العَامِ وُضِعَ ليَ السُّمّ 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بَاب: مَرَضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِه بِرَقْم: 4428]
عَن أُمِّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رضي الله عنها قَالَتْ: " دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقُلْتُ: بِأَبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؛ مَا تَتَّهِمُ بِنَفْسِكَ فَإِنيِّ لَا أَتَّهِمُ بِابْني إِلَاّ الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَهُ مَعَكَ بِخَيْبَر، وَكَانَ ابْنُهَا بِشْرٌ مَاتَ قَبْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم 00؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَأَنَا لَا أَتَّهِمُ غَيرَهَا؛ هَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4966]
رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ يَا بِشْر
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَال:
" إِن سَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ رضي الله عنه أَخَذَهُ وَجَع، تُسَمِّيهِ أَهْلُ المَدِينَةِ الذَّبْح؛ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَات؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" مِيتَةُ سُوءٍ لِيَهُود؛ لَيَقُولُون: لَوْلَا دَفَعَ عَنْ صَاحِبِه، وَلَا أَمْلِكُ لَهُ وَلَا لِنَفْسِي شَيْئَا " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7496]
أَيْ أَنَّ مُصَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بِشْرٍ كَانَ مُصَابَينِ لَا مُصَابَاً وَاحِدَاً:
الأَوَّلُ هُوَ مَوْتُ بِشْر، وَالثَّاني هُوَ تَشْكِيكُ اليَهُودِ في نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلهِمْ: لَوْ كَانَ حَقَّاً نَبِيَّاً لدَفَعَ عَنْ صَاحِبِهِ المَوْتَ أَوْ أَخْبرَه، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب 00!!
وَهْيَ كَلِمَةٌ في الوَقتِ الَّذِي تَدُلُّ فِيهِ عَلَى خُبْثِ اليَهُود: فَإِنهَا تَدُلُّ أَيْضَاً عَلَى حِنْكَةِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَفِكْرِهِ الثَّاقِب، وَرَأْيِهِ الصَّائِب 00!!
ثِقَلُ المَرَضِ بِرَسُولِ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
وَعَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ رضي الله عنه قَال: " أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلتُ: حَدِّثِيني عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟
قَالَتْ نَعَمْ: مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَثَقُلَ فَأُغْمِيَ عَلَيْه، فَأَفَاقَ فَقَال:" ضَعُواْ لي مَاءً في المِخْضَبِ " فَفَعَلنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ ليَنُوءَ ـ أَيْ لِيَنهَضَ ـ فَأُغْمِيَ عَلَيْه، ثمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" ضَعُواْ لي مَاءً في المِخْضَبِ " فَفَعَلنَا،
فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ ليَنوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْه، ثمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" ضَعُواْ لي مَاءً في المِخْضَبِ " فَفَعَلنَا، فَاغْتَسَلَ ثمَّ ذَهَبَ ليَنوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْه، ثُمَّ أَفَاقَ صلى الله عليه وسلم فَقَال:" أَصَلَّى النَّاس بَعْد " 00؟
فَقُلنَا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ هُمْ يَنتَظِرُونَك، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ بهِمُ العِشَاء الآخِرَة، فَاغْتَسَل ثمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْه، ثمَّ أَفَاقَ فَقَال:" أَصَلَّى النَّاسُ بَعْد "؟
قُلْتُ لَا، فَأَرْسَلَ إِلى أَبى بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاس، فَأَتَاهُ الرَسُولُ فَقَال: إِن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاس، فَقَال: يَا عُمَر: صَلِّ بِالنَّاس، فَقَالَ رضي الله عنه: أَنْتَ أَحَقّ؛ إِنمَا أَرْسَلَ إِلَيْكَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم 00
فَصَلَّى بهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الصَّلَاة، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الظهْرِ بَينَ العَبَّاسِ وَرَجُلٌ آخَر، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لهُمَا:
" أَجْلِسَاني عَنْ يَمِينِه " 00 فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّر، فَأَمَرَهُ أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَه، فَأَجْلَسْنَاهُ عَنْ يَمِينِه، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ، وَالنَّاسُ يُصَلُّون بِصَلَاةِ أَبي بَكْر، قالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ رضي الله عنه: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْت: أَلَا أَعْرِضُ عَليْكَ مَا حَدَّثَتْني عَائِشَة 00؟
قَالَ ـ أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ هَاتِ 00؟
فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ هَذَا فَلَمْ يُنْكِرْ مِنهُ شَيْئَاً، إِلَاّ أَنَّهُ قَال: أَخْبرَتْكَ مَنِ الرَّجُلُ الآخَر00؟
قُلتُ لَا، قَالَ رضي الله عنه: هُوَ عَلِيّ " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (687 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 418 / عَبْد البَاقِي]
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَهَبَ إِلى بَني عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاة؛ فَجَاءَ المُؤَذِّنُ إِلى أَبي بَكْرٍ فَقَال: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيم 00؟
قَالَ رضي الله عنه نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْر، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ في الصَّلَاة، فَتَخَلَّصَ حَتىَّ وَقَفَ في الصَّفّ؛ فَصَفَّقَ النَّاس، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لَا يَلْتَفِتُ في الصَّلَاة، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ التَفَت، فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْكُثْ مَكَانَك،
فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ عز وجل عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِك، ثمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتىَّ اسْتَوَى في الصَّفّ، وَتَقَدَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، ثمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا بَكْر؛ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُك 00؟!
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: مَا كَانَ لَابْنِ أَبي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا لي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيق " 00؟
مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْه، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاء " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 421 / عَبْد البَاقِي]
إِشْفَاقُ الأَنْصَارِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
وَرَوَى سَعِيد بن عَبدِ اللهِ رضي الله عنه عَن أَبِيهِ قَال:
" لَمَّا رَأَتِ الأَنْصَارُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَزْدَادُ ثِقَلاً طَافُواْ بِالمَسْجِد، فَدَخَلَ العَبَّاسُ رضي الله عنه عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْلَمَهُ بِمَكَانهِمْ وَإِشْفَاقِهِمْ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الفَضْل فَأَعْلَمَهُ بِمِثْلِ ذَلِك، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ عَليٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَأَعْلَمَهُ بمِثْلِهِ، فَمَدَّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وَقَال:
" هَا " 00 ـ أَيْ يُرِيدُ أَحَدَاً يجْلِسَهُ ـ فَتَنَاوَلوه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا تَقُولُون " 00؟
قَالُواْ: نَقُولُ نخْشَى أَنْ تمُوت، وَتَصَايَح نِسَاؤُهُمْ لَاجْتِمَاعِ رِجَالهِم إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَثَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ متَوَكِّئَاً عَلَى عَليٍّ وَالفَضْل، وَالعَبَّاس أَمَامَه، وَرَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعْصُوبُ الرَّأْسِ يخُطِّ بِرِجْلَيْه، حَتىَّ جَلَسَ عَلَى أَسْفَلِ مَرْقَاةٍ مِنَ المِنْبر، وَثَابَ النَّاسُ إلَيه ـ أَيْ وَتَبِعَهُ النَّاس ـ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ وَقَال:" أَيُّهَا النَّاس: إِنَّهُ بَلَغَني أَنَّكُم تخَافُونَ عَلَيَّ المَوْت، كَأَنَّهُ اسْتِنْكَارٌ مِنْكُمْ لِلمَوْت، وَمَا تُنْكِرُونَ مِنْ مَوْتِ نَبِيِّكُمْ؛ أَلَمْ أُنعَ إِلَيْكُمْ وَتُنعَ إِلَيْكُمْ أَنْفُسُكُمْ " 00؟
يُشِيرُ بِذَلِكَ صلى الله عليه وسلم إِلى قَوْلِهِ جل جلاله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزُّمَر: 30]
" هَلْ خُلِّدَ نَبي قَبْلِي فِيمَنْ بُعِثَ فَأُخَلَّدَ فِيكُمْ 00؟
أَلَا إِنيِّ لَاحِقٌ برَبيِّ، وَإِنَّكُمْ لَاحِقُونَ بِه، وَإِنيِّ أُوصِيكُمْ بِالمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيرَا، وَأُوصِي المُهَاجِرِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ جل جلاله قَال:
{وَالعَصْر {1} إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْر {2} إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالحَاتِ وَتَوَاصَواْ بِالحَقِّ وَتَوَاصَواْ بِالصَّبر} {العَصْر}
وَإِنَّ الأُمُورَ تجْرِي بإِذْنِ الله؛ فَلَا يحْمِلنَّكُمُ اسْتِبطَاءُ أَمْرِ عَلَى اسْتِعْجَالِه، فَإِنَّ اللهَ جل جلاله لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ أَحَد، وَمَن غَالَبَ اللهَ غَلَبَه، وَمَن خَادَعَ اللهَ خَدَعَه 00
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَولَّيْتُم أَنْ تفْسِدُواْ في الأَرْضِ وَتَقْطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} [محَمَّد: 22]
وَأُوصِيكُمْ بالأَنْصَارِ خَيرَا؛ فَإِنهُمُ الَّذِينَ تَبَوَّأُ واْ الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ: أَنْ تحْسِنُواْ إِلَيْهِمْ، أَلَمْ يُشَاطِرُوكُمُ الثِّمَار 00؟
أَلَمْ يُوَسِّعُواْ عَلَيْكُمْ في الدِّيَار 00؟
أَلَمْ يُؤْثِرُوكُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَبهِمُ الخَصَاصَة 00؟
أَلَا فَمَنْ وَليَ أَنْ يَحْكُمَ بَينَ رَجُلَينِ فَلْيَقبَلْ مِنْ محْسِنِهِمْ وَلْيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ، أَلَا وَلَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ، أَلَا وَإِني فَرَط لَكمْ، وَأَنْتُمْ لَاحِقُونَ بي، أَلَا وَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ الحَوْض، حَوْضِي أَعْرَضُ مِمَّا بَينَ بُصْرَى الشَّامِ وَصَنعَاءَ اليَمَن، يَصُبُّ فِيهِ مِيزَاب الكَوثَر، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضَاً مِنَ اللَّبن، وَأَلينُ مِنَ الزَّبَد، وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْد، مَنْ شَرِبَ مِنهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدَاً، حَصْبَاؤُهُ اللُّؤْلؤ، وَبَطْحَاؤُهُ المِسْك، مَن حُرِمَهُ في الموْقِفِ غَدَاً حُرِمَ الخَيرَ كُلَّه، أَلَا فَمَن أَحَبَّ أَنْ يَرِدَهُ عَلَيَّ غَدَا فَليَكْفُفْ لِسَانَه وَيَدَهُ إِلَاّ ممَّا يَنْبَغِي، فَقَالَ العَبَّاس: يَا نَبيَّ اللهِ أَوْصِ بِقُرَيْش، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم: إِنمَا أُوصِي بهَذا الأَمْرِ قُرَيْشَاً، وَالنَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْش، بَرُّهُمْ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرهُمْ لِفَاجِرِهِمْ، فَاسْتَوصُواْ آلَ قُرَيْش بِالنَّاسِ خَيرَا، يَا أَيُّهَا النَّاس: إِنَّ الذُّنُوبَ تُغَيِّرُ النِّعَم وتُبَدِّلُ القِسَم، فَإِذَا بَرَّ النَّاسُ بَرَّهُمْ أَئمَّتُهُمْ، وَإِذَا فَجَرَ النَّاسُ عَقُّوهُمْ، قَالَ اللهُ جل جلاله:
{وَكَذَلِكَ نُوَلى بَعْضَ الظَّالمِينَ بَعْضَاً بمَا كَانُواْ يَكْسِبُون} {الأَنعَام: 129}
[الإِحْيَاءُ 0 طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ 0 ضَعَّفَهُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ النَّبيِّ: 1860]
مَنْ ذَا يَقُومُ مُقَامَكَ يَا رَسُولَ الله ** صلى الله عليه وسلم **
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ في الصَّلَاةِ فَقَال صلى الله عليه وسلم: " مُرُواْ أَبَا بَكْرٍ فَليُصَلِّ بِالنَّاس " قَالَتْ عَائِشَة: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ البُكَاء، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مُرُوهُ فَيُصَلِّي " 00 فَعَاوَدَتْهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مُرُوهُ فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُف " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الأذَانِ بَاب: أَهْلِ العِلمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَة بِرَقْم: 682]
وَتَشْبِيهُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ بِصَوَاحِبِ يُوسُفَ إِشَارَةٌ إِلى كَيْدِهِنَّ؛ حَيْثُ كَرِهَتْ رضي الله عنها أَنْ يَقُومَ أَبُوهَا مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَشَاءَ مَ بِهِ النَّاس؛ وَلِذَا احْتَجَّتْ بِرِقَّةِ قَلبِهِ وَأَخْفَتْ مَا صَرَّحَتْ بِهِ في مَوَاطِنَ كَثِيرَة 00
عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: " لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذَلِك؛ وَمَا حَمَلَني عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِه؛ إِلَاّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ في قَلْبي أَنْ يحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً قَامَ مَقَامَهُ أَبَدَاً، وَلَا كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مَقَامَهُ إِلَاّ تَشَاءَ مَ النَّاسُ بِه؛ فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَبي بَكْر " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (4445 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 418 / عَبْد البَاقِي]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتيَ قَال: " مُرُواْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاس " 00 فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيق؛ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ لَا يمْلِكُ دَمْعَه، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبي بَكْر 00؟
قَالَتْ: وَاللهِ مَا بي إِلَاّ كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَ مَ النَّاسُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ في مَقَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَاً فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْر، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُف " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الصَّلَاةِ بَاب: اسْتِخْلَافِ الإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَر بِرَقْم: 418]
يَأْبى اللهُ وَيَأْبى المُسْلِمُونَ إِلَاّ أَبَا بَكْر
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ: " ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ، وَأَخَاكِ حَتىَّ أَكْتُبَ كِتَابَاً؛ فَإِنيِّ أَخَافُ أَنْ يَتَمَنىَّ مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ أَنَا أَوْلىَ، وَيَأْبىَ اللهُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلَاّ أَبَا بَكْر " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2387 / عَبْد البَاقِي]
عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَعَن أَبِيهِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" ائْتِني بِدَوَاةٍ وَكَتِفٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابَاً لَنْ تَضِلُّواْ بَعْدَهُ أَبَدَا " 0
ثُمَّ وَلَاّنَا صلى الله عليه وسلم قَفَاه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَال:" يَأْبىَ اللهُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلَاّ أَبَا بَكْر " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 6016]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه قَالَ فِيهَا:
" جَاءَ بِلَالٌ في أَوَّلِ شَهرِ رَبِيعٍ الأَوَّل، فَأَذَّن بِالصَّلَاةِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" مُرُواْ أَبَا بَكرٍ يُصَلي بالنَّاس " 00 فَخَرَجْتُ فَلَمْ أَرَ بحَضْرَةِ البَابِ إِلَاّ عُمَر، في رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ أَبُو بَكْر، فَقُلْتُ: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاس، فَقَامَ عُمَر، فَلَمَّا كَبرَ وَكَانَ رَجُلاً صَيِّتَاً؛ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَيْنَ أَبُو بَكْر 00؟
يَأْبى اللهُ ذَلِكَ وَالمُسْلِمُونَ [قَالهَا ثَلَاثَاً] 00!!
مُرُواْ أَبَا بَكْرٍ فَليُصَلِّ بِالنَّاس " 00 فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيف، وَإِنَّهُ مَتى يَقُمْ في مَقَامِكَ لَا يُسْمِعِ النَّاس؛ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَر 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مُرُواْ أَبَا بَكْرٍ فَليُصَلِّ بِالنَّاس " 00 تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَة رضي الله عنها:
فَقُلتُ لحَفْصَة: قُولي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيف ـ أَيْ شَدِيدُ البُكَاءِ تَأَثُّرَاً وَأَسَفَاً ـ وَإِنَّهُ مَتى يَقُمْ في مَقَامِكَ لَا يُسْمِعِ النَّاس؛ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَر 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يوسُف ـ أَيْ في المَكْرِ وَالخَدِيعَةِ وَالمُخَالَفَة ـ مُرُواْ أَبَا بَكر فَليُصَلِّ بِالنَّاس " 00 فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ الصَّلَاة الَّتي صَلَّى عُمَر، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ بَعْدَ ذَلِك: وَيحَكَ مَاذَا صَنَعْتَ بي 00؟!
ـ أَيْ يُعَاتِبُهُ عَلَى تَقْدِيمِهِ لِلإِمَامَةِ وَقَوْلِهِ قُمْ يَا عُمَر فَصَلِّ بالنَّاس ـ يَقُولُ عُمَرُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَة: وَاللهِ لَوْلَا أَني ظَنَنْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَكَ مَا فَعَلت ـ أَيْ مَا تَقَدَّمْت ـ فَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَة: إِني لَمْ أَرَ أَحَدَاً أَوْلى بِذَلِكَ مِنْك ـ أَيْ: يَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَبَا بَكْرٍ ـ وَتَقُولُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَمَا قُلتُ ذَاكَ وَلَا صَرَفْتُهُ عَن أَبي بَكْرٍ إِلَاّ رَغْبَةً بِهِ عَنِ الدُّنيَا، وَلِمَا في الوِلَايَةِ مِنَ المُخَاطَرَةِ وَالهَلَكَةِ إِلَاّ مَنْ سَلَّمَ الله، وَخَشِيتُ أَيْضَاً أَلَاّ يَكُونَ النَّاسُ يحِبُّونَ رَجُلاً صَلَّى في مَقَامِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَيٌّ أَبَدَاً إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ الله، فَيَحْسُدُونَه وَيَبْغُونَ عَلَيهِ وَيَتَشَاءمُونَ بِه)
[صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم 0 المُسْتَدْرَك بِرَقْم: (6703)، الإِحْيَاء 0 وَفَاةُ النَّبيِّ 0 ص: 1862]
عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَمْ يَمُتْ نَبيٌّ حَتىَّ يَؤُمَّهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِه " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 888]
هُنَا يَسْتَأْذِنُ مَلَكُ المَوْتِ قَبْلَ الدُّخُول
وَكَأَنَّهُ يَقُولُ بِلِسَانِ الحَالِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
لَا الأَمْرُ أَمْرِي وَلَا التَّدْبِيرُ تَدْبِيرِي * وَلَا الأُمُورُ التي تجْرِي بِتَقْدِيرِي
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال: " لَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَهْبَطَ اللهُ جِبرِيلَ إِليْهِ فَقَال: يَا أَحْمَد، إِنَّ اللهَ جل جلاله أَرْسَلَني إِلَيكَ إِكْرَامَاً لَك، وَتَفْضِيلاً لَكَ وَخَاصَّةً لَك؛ يَسأَلُك عَمَّا هُوَ أَعلَمُ بِهِ مِنك، يَقُولُ جل جلاله: " كَيفَ تجِدُك "؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَجِدُني يَا جِبرِيلُ مَكرُوبَاً " 00 ثُمَّ جَاءهُ اليَوْمَ الثَّاني فَقَال عليه السلام: يَا أَحْمَد، إِنَّ اللهَ جل جلاله أَرْسَلَني إِلَيْكَ إِكرَامَاً لَك، وَتَفضِيلاً لَكَ وَخَاصَّةً لَك 00 يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْك، يَقُولُ جل جلاله: " كَيفَ تجِدُك " 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَجِدُني يَا جِبرِيلُ مَكرُوبَاً " 00 ثُمَّ عَادَ اليَومَ الثَّالِث فَقَال عليه السلام: يَا أَحْمَد، إِنَّ اللهَ جل جلاله أَرْسَلَني إِلَيْكَ إِكْرَامَاً لَك، وَتَفْضِيلاً لَكَ وَخَاصَّةً لَك 00 يَسْأَلُك عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْك، يَقُولُ جل جلاله: " كَيفَ تجِدُك " 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَجِدُني يَا جِبرِيلُ مَكرُوبَاً وَأَجِدُني يَا جِبرِيلُ مَغْمُومَاً " 00 وَهَبَطَ مَعَ جِبرِيلَ مَلَكٌ في الهَوَاءِ يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَى سَبعِينَ أَلفَ مَلَك، فَقَالَ لَه جِبرِيلُ عليه السلام: يَا أَحْمَد: هَذَا مَلَكُ المَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك، وَلَمْ يَسْتَأْذِن عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَك، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِي بَعدَك، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" ائْذَن لَه " 00 فَأَذنَ لَهُ جِبرِيلُ فَدَخَل، فَقَالَ لَهُ مَلَكُ المَوْت عليه السلام: يَا أَحْمَد: إِنَّ اللهَ أَرْسَلَني إِلَيْكَ وَأَمَرَني أَن أُطِيعَك: إِن أَمَرْتَني بِقَبْضِ نَفْسِكَ قَبَضْتُهَا، وَإِن كَرِهتَ تَرَكتُهَا، فَقَالَ جِبرِيلُ عليه السلام: يَا أَحمَد، إِنَّ اللهَ قَدِ
اشْتَاقَ إِلى لِقَائِك؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا مَلَكَ المَوْت، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِه " فَقَالَ جِبرِيلُ عليه السلام: يَا أَحمَد، عَلَيْكَ السَّلَام؛ هَذَا آخِر وَطْئِيَ الأَرْض؛ إِنَّمَا كُنْتَ أَنْتَ حَاجَتي مِنَ الدُّنيَا، فَلمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَاءتِ التَّعْزِيَة جَاءَ آتٍ يَسْمَعُونَ حِسَّهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ، فَقَالَ عليه السلام: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيتِ وَرَحْمَةُ الله، في اللهِ عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَة، وَخَلَفٌ مِنْ كُلِّ هَالِك، وَدَرَكٌ مِنْ كُلِّ مَا فَات؛ فَبِاللهِ ثِقُواْ، وَإِيَّاهُ فَارْجُواْ؛ فَإِنَّ المحْرُومَ محْرُومُ الثَّوَاب، وَإِنَّ المُصَابَ مَن حُرِمَ الثَّوَاب، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ " 0
[ضَعَّفَهُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": (34/ 9)، وَفي " الكَنْز " بِرَقْم: (18785)، وَفي الطَّبَقَات: 258/ 2]
إِنَّ رَبَّكَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَيْكَ يَا محَمَّد ** صلى الله عليه وسلم **
وَفي حَدِيثٍ مُشَابِهٍ رَوَتهُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها في ذَلِكَ تَقُولُ فِيه:
" لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي مَاَت فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَواْ مِنهُ خِفَّةً في أَوَّلِ النَّهَار؛ فَتَفَرَّقَ عَنهُ الرِّجَالُ إِلى مَنَازِلهِمْ وَحَوائِجِهِمْ مُسْتَبْشِرِين، وَأَخْلَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسَاء، فَبَينَا نحنُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ نَكُن عَلَى مِثْلِ حَالِنَا في الرَّجَاءِ وَالفَرَحِ قَبْلَ ذَلِك، قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اخْرُجْنَ عَني؛ هَذَا المَلَكُ يَسْتَأْذِنُ عَلَيّ " 00 فَخَرَجَ مَنْ في البَيْتِ غَيرِي، وَرَأْسُهُ في حِجْري، فَجَلَسَ وَتَنَحَّيْتُ في جَانِبِ البَيْتِ فَنَاجَى المَلَكَ طَوِيلاً، ثُمَّ إِنَّهُ دَعَاني، فَأَعَادَ رَأْسَهُ في حِجْرِي وَقَالَ صلى الله عليه وسلم للنِّسْوة:
" ادْخُلن " 00 فَقُلتُ مَا هَذَا بحِسِّ جِبرِيلَ عليه السلام 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَجَل يَا عَائِشَة، هَذَا مَلَكُ المَوْت، جَاءَ ني فَقَال: إِنَّ اللهَ جل جلاله أَرْسَلَني، وَأَمَرَنِي أَلَاّ أَدْخُلَ عَلَيْكَ إِلَاّ بِإِذْن، فَإِنْ لَمْ تَأْذَن لي أَرْجِع، وَإِن أَذِنْتَ لي دَخَلْت، وَأَمَرَني أَلَاّ أَقْبِضَكَ حَتىَّ تَأْمرَني؛ فَمَاذَا أَمْرُك 00؟
فَقُلْتُ: اكْفُفْ عَني حَتىَّ يَأْتِيَني جِبرِيلُ عليه السلام فَهَذِهِ سَاعَةُ جِبرِيل " 00
تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَاسْتَقْبَلَنَا بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَنَا جَوَابٌ وَلَا رَأَى؛ فَوَجَمْنَا وَكَأَنمَا ضُرِبْنَا بصَاخَّةٍ مَا نُحِيرُ إِلَيْهِ شَيْئَاً ـ أَيْ كَأَنمَا ضُرِبْنَا بِصَاعِقَةٍ فَمَا نَقْدِرُ أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئَا ـ وَمَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِن أَهْلِ البَيْت؛ إِعْظَامَاً لِذَلِكَ الأَمْر، وَالهَيْبَةُ مَلأَتْ أَجْوَافَنَا، وَجَاءَ جِبرِيلُ في سَاعَتِهِ فَسَلَّمَ فَعَرَفْتُ حِسَّهُ وَخَرَجَ أَهْلُ البَيْت، فَدَخَلَ عليه السلام فَقَال: إِنَّ اللهَ جل جلاله يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُول: " كَيْفَ تجِدُكَ وَهْوَ أَعْلَمُ بِالَّذِي تجِدُ مِنْكَ 00؟
وَلَكِن أَرَادَ أَنْ يَزِيدَكَ كَرَامَةً وَشَرَفَاً، وَأَنْ يُتِمَّ كَرَامَتَكَ وَشَرَفَكَ عَلَى الخَلقِ وَأَنْ تَكُونَ سُنَّةً في أُمَّتِك 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَجِدُني وَجِعَاً " 00 فَقَالَ جِبرِيلُ عليه السلام: أَبْشِرْ؛ فَإِنَّ اللهَ جل جلاله أَرَادَ أَنْ يُبْلِغَكَ مَا أَعَدَّ لَك، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَهُ:" يَا جِبرِيلُ إِنَّ مَلَكَ المَوتِ اسْتَأْذَنَ عَلَيّ " 00 وَأَخْبرَهُ الخَبر، فَقَالَ جِبرِيلُ عليه السلام: يَا محمَّد، إِنَّ رَبَّكَ إِلَيْكَ مُشْتَاق، أَلَمْ يُعْلِمْكَ الَّذِي يُرِيدُ بِك 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا وَالله " 00 فَقَالَ جِبرِيلُ عليه السلام: مَا اسْتَأْذَنَ مَلَكُ المَوّتِ عَلَى أَحَد قَطّ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ أَبَدَاً، إِلَاّ أَنَّ ربَّكَ مُتِمٌّ شَرَفَكَ وَهُوَ إِلَيْكَ مُشْتَاق، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:
" فَلَا تَبرَحْ إِذَن حَتىَّ يجِيء " 00 وَأَذِنَ صلى الله عليه وسلم للنِّساء، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" يَا فَاطِمَة؛ ادْني " 00 فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا، فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا وَعَيْنَاهَا تَدْمَعُ وَمَا تُطِيقُ الكَلَام، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَدْني مِني رَأْسَكِ، فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا " 00 فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا وَهِيَ تَضْحَكُ وَمَا تُطِيقُ الكَلَام، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَة: فَكَانَ الَّذِي رَأَيْتُهُ مِنهَا عَجَبَاً؛ فَسَأَلْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَخْبرَني صلى الله عليه وسلم وَقَال: " إِني مَيِّتٌ اليَوْم " 00 فَبَكَيْت، ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِني دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُلحِقَكِ بي في أَوَّلِ أَهْلِي، وَأَنْ يجْعَلَكِ مَعِي " 00 فَضَحِكَتْ، وَأَدْنَتِ ابْنَيْهَا مِنهُ فَشَمَّهَمَا، ثُمَّ جَاءَ مَلَكُ المَوْتِ وَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ عليه السلام: مَا تَأْمُرُنَا يَا محَمَّد 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَلحِقْني بِرَبي الآن " 00 فَقَالَ ـ أَيْ مَلَكُ المَوْتِ ـ بَلَى، مِنْ يَوْمِكَ هَذَا، أَمَا إِنَّ رَبَّكَ إِلَيْكَ مُشْتَاق، وَلَمْ يَتَرَدَّدْ عَن أَحَدٍ تَرَدُّدَهُ عَنْك، وَلَمْ يَنهَني عَنِ الدُّخُولِ عَلَى أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ غَيرِك، وَلَكِنْ سَاعَتُكَ أَمَامَكَ، وَخَرَج، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَة:
وَجَاءَ جبريلُ عليه السلام فَقَال: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، هَذَا آخِرُ مَا أَنْزِلُ فِيهِ إِلى الأَرْضِ أَبَدَا، طُوِيَ الوَحْي، وَطُوِيَتِ الدُّنيَا، وَمَا كَانَ لي في الأَرْضِ حَاجَةٌ غَيرَك، وَمَا لي فِيهَا حَاجَة إِلَاّ حُضُورَكَ ثُم لُزُومَ مَوْقِفِي، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَة:
لَا وَالَّذِي بَعَثَ محَمَّداً بِالحَقّ، مَا في البَيْتِ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يحِيرَ إِلَيْهِ في ذَلِكَ كَلِمَةً، وَلَا يَبْعَثُ إِلى أَحَدٍ مِنْ رِجَالِهِ؛ لِعِظَمِ مَا يَسْمَعُ مِن حَدِيثِهِ وَوَجْدِنَا وَإِشْفَاقِنَا، تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَة: فَقُمْتُ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ وَضَعْتُ رَأْسَهُ بَينَ ثَدْييَّ وَأَمْسَكْتُ بِصَدْرِه، وَجَعَلَ يُغْمَى عَلَيْهِ حَتىَّ يُغْلَبَ وَجَبْهَتُهُ تَرْشَحُ رَشْحَاً مَا رَأَيْتُهُ مِن إِنْسَانٍ قَطّ، فَجَعَلتُ أَسْلُتُ ذَلِكَ العَرَقَ ـ أَيْ أُجَفِّفُهُ ـ وَمَا وَجَدْتُ رَائِحَةَ شَيْءٍ أَطْيَبَ مِنه، فَكُنْتُ أَقُولُ لَهُ: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي وَنَفْسِي وَأَهْلِي مَا تَلْقَى جَبْهَتُكَ مِنَ الرَّشْح، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" يَا عَائِشَة، إِنَّ نَفْسَ المؤْمِنِ تخْرُجُ بِالرَّشْح، وَنَفْسُ الكَافِر تخْرُجُ مِنْ شِدقَيْهِ كَنَفْسِ الحِمَار "
فَعِنْدَ ذَلِكَ ارْتَعنَا وَبَعَثْنَا إِلى أَهْلِنَا، فَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ جَاءنَا وَلَمْ يَشْهَدْهُ أَخِي ـ أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْر ـ بَعَثَهُ إِليَّ أَبي، فَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يجِيءَ أَحَد، وَإِنمَا صَدَّهُم اللهُ عَنهُ لأَنَّهُ وَلَاهُ جِبرِيلَ وَمِيكَائِيل، وَجَعَلَ إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" بَلِ الرَّفِيقَ الأَعلَى " 00 كَأَنَّ الخِيرَةَ تُعَادُ عَلَيْه، فَإِذَا أَطَاقَ الكَلَامَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" الصَّلَاةَ الصَّلَاة؛ إِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ مُتَمَاسِكِينَ مَا صَلَّيْتُمْ جَمِيعَاً؛ الصَّلَاةَ الصَّلَاة " 00
كَانَ يُوصِي بِهَا حَتىَّ مَاتَ وَهُوَ يَقُول: " الصَّلَاةَ الصَّلَاة " 00 تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَة:
مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى وَانْتِصَافِ النَّهَارِ يَوْمَ الَاثْنَين " 0
[الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ وَالدَّارُ قُطني، وَالإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ المَنَارِ المِصْرِيَّة: 1864]
حُبُّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَة
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ في أَنْ يُمَرَّضَ في بَيْتي فَأَذِنَّ لَه، فَخَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَينَ رَجُلَينِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ في الأَرْض: بَينَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَر، قَالَ عُبَيْدُ الله: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ رضي الله عنه: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَر 00؟
قُلتُ لَا، قَالَ رضي الله عنه: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الوُضُوءِ بِرَقْم: (198)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الصَّلَاةِ بِرَقْم: 418]
عَنْ جَعْفَرَ عَن أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَال: " أَيْنَ أَكُونُ غَدَاً " 00؟
قَالُواْ: عِنْدَ فُلَانَة، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَيْنَ أَكُونُ بَعْدَ غَدٍ " 00؟
قَالُواْ: عِنْدَ فُلَانَة، فَعَرَفْنَ أَزْوَاجُهُ أَنَّهُ إِنمَا يُرِيدُ عَائِشَة؛ فَقُلْنَ رضي الله عنهن: يَا رَسُولَ الله؛ قَدْ وَهَبْنَا أَيَّامَنَا لأُخْتِنَا عَائِشَة " 0 [الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ وَابْنُ أَبي شَيبَة في مُصَنَّفِهِ بِرَقْم: (37038)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18857]
اللَّحَظَاتُ الأَخِيرَةُ في حَيَاتِهِ ** صلى الله عليه وسلم **
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في بَيْتي وَفي يَوْمِي، وَبَينَ سَحْرِي وَنحْرِي، وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِض، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السَّمَاءِ وَقَال:
" في الرَّفِيقِ الأَعْلَى، في الرَّفِيقِ الأَعْلَى " 00
وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ وَفي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَة ـ أَيْ سِوَاك ـ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِهَا حَاجَةً فَأَخَذْتُهَا، فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا وَنَفَضْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْه، فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنَّاً، ثمَّ نَاوَلَنِيهَا، فَسَقَطَتْ يَدُه، أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4451 / فَتْح]
وَفي رِوَايَةٍ أَخْرَى عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَيْضَاً قَالَتْ: " إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ في بَيْتي وَفي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنحْرِي ـ أَيْ بَينَ صَدْرِي وَرَقَبَتي ـ وَأَنَّ اللهَ جمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِه: دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحمَنِ ـ أَيْ أَخُوهَا ـ وَبِيَدِهِ السِّوَاك، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْه، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاك؛ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَك 00؟
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ؛ فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْه ـ أَيْ عَجَزَ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّسَوُّكِ بِه ـ وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَك 00؟
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّه ـ أَيْ فَاسْتَاكَ بِهِ ـ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاء، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في المَاءِ فَيمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُول:
" لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَات " ثمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُول: " في الرَّفِيقِ الأَعْلَى " 00 حَتىَّ قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُه "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بَاب: مَرَضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِه بِرَقْم: 4449]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالمَاءِ ثُمَّ يَقُول: " اللَّهُمَّ أَعِنيِّ عَلَى سَكَرَاتِ المَوْت " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3731]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشَدَّ عَلَيْهِ الوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَرْضَى بِرَقْم: 5646، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ البِرِّ وَالصِّلَةِ وَالآدَاب بِرَقْم: 2750]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: " مَا أَغْبِطُ أَحَدَاً بِهَوْنِ مَوْت؛ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (979)، وَفي مخْتَصَرِ الشَّمَائِلِ بِرَقْم: 325]
أَيْ لَا أَقُولُ مَا أَتْقَى فُلَانَاً وَأَشَدَّ صَلَاحِهِ؛ لأَنَّهُ خُفِّفَ عَلَيْه في مَوْتِه؛ فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ بِالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى لخُفِّفَ عَنْ رَسُولِ اللهَِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 0
آخِرُ مَشْهَدٍ في حَيَاةِ الرَّسُول ** صلى الله عليه وسلم **
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ في وَجَعِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي تُوُفِّيَ فِيه، حَتىَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الَاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ في الصَّلَاة، فَكَشَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَف ـ أَيْ مِنَ الاِصْفِرَارِ ـ ثمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَك؛ فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَارِجٌ إِلى الصَّلَاة، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَن أَتِمُّواْ صَلَاتَكُمْ وَأَرْخَى
السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِه " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الأذَانِ بَاب: أَهْلِ العِلمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَة بِرَقْم: 680]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ المُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ في الفَجْرِ يَوْمَ الَاثْنَيْن، وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوف؛ فَتَبَسَّمَ يَضْحَك، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى عَقِبَيْه؛ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يخْرُجَ إِلى الصَّلَاة، وَهَمَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُواْ في صَلَاتِهِمْ فَرَحَاً بِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْه، فَأَشَارَ بِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم: أَن أَتِمُّواْ، ثمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ اليَوْم " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(1206)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 419 / عَبْد الْبَاقِي]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:
" مَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ حَتىَّ ثَقُلَ جِدَّاً؛ فَخَرَجَ يُهَادَى بَينَ رَجُلَين، وَإِنَّ رِجْلَيْهِ لَتَخُطَّانِ في الأَرْض؛ فَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 3257، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرَهَا الصَّحَابَةُ إِلى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَال: " صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانيَ سِنِينَ كَالمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَات، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَال: " إِنيِّ بَينَ أَيْدِيكُمْ فَرَط ـ أَيْ سَتُصَابُونَ فيَّ عَمَّا قَلِيل ـ وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيد، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْض، وَإِنيِّ لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنيِّ لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُواْ، وَلَكِنيِّ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا " 00 فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بِرَقْم:(4042)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الفَضَائِلِ بِرَقْم: 2296]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:
" آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الَاثْنَين " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الصَّلَاةِ بَاب: اسْتِخْلَافِ الإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَر بِرَقْم: 419]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الَاثْنَيْن، فَنَظَرْتُ إِلى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ [أَيْ مِنَ الاِصْفِرَار]، وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبي بَكْرٍ في الصَّلَاة، فَأَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّكَ [أَيْ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَقَهْقَرَ]؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنِ اثْبُتْ وَأَلْقَى السِّجْفَ [أَيِ السِّتَار]، وَمَاتَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ اليَوْم " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ " بِكِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا جَاءَ في مَرَضِ رَسُولِ الله بِرَقْم: 1624]
الوَضْعُ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله * صلى الله عليه وسلم *
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَعَذَّرُ ـ أَيْ يَثَّاقَلُ ـ في مَرَضِهِ " أَيْنَ أَنَا اليَوْم، أَيْنَ أَنَا غَدَاً " 00؟
اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَة، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللهُ بَينَ سَحْرِي وَنحْرِي ـ أَيْ بَينَ صَدْرِي وَرَقَبَتي ـ وَدُفِنَ في بَيْتي " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بِرَقْم:(1389 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2443 / عَبْد البَاقِي]
حَدَّثَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالت: " قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنحْرِي، فَلَمَّا خَرَجَتْ نَفْسُهُ صلى الله عليه وسلم: لَمْ أَجِدْ رِيحَاً قَطُّ أَطْيَبَ مِنهَا " 0 [قَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد، وَالإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين 0 ح / ر: 24905]
مَا كَانَ أَشَدَّ المَوْتَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" مَاتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتي وَذَاقِنَتي: [أَيْ بَينَ بَطْني وَرَقَبَتي]؛ فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدَاً بَعْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بَاب: مَرَضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِه بِرَقْم: 4446]
عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا ثَقُلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاه ـ أَيْ يُغْشَى عَلَيْه ـ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: وَاكَرْبَ أَبَاه؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لهَا: " لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْم "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بَاب: مَرَضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِه بِرَقْم: 4462]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَرْبِ المَوْتِ مَا وَجَد، قَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَتَاه؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ اليَوْم، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِن أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدَاً، المُوَافَاةُ يَوْمَ القِيَامَة " 0
[حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1629]
قُدُومُ أَبي بَكْرٍ رضي الله عنه وَعِلمُهُ بِوَفَاةِ الحَبِيب ** صلى الله عليه وسلم **
عَن أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْح ـ أَيْ مِنْ مَوْضِعٍ بِأَقْصَى المَدِينَة ـ حَتىَّ نَزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِد، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتىَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ قَصَدَهُ ـ وَهُوَ مُغَشّىً بِثَوْبِ حِبَرَةٍ ـ أَيْ مُغَطَّىً بِبُرْدَة ـ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثمَّ أَكَبَّ عَلَيْه، فَقَبَّلَهُ وَبَكَى ثمَّ قَال: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللهِ لَا يجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ ـ أَيْ لَنْ يُضَاعِفَ عَلَيْكَ المَوْتَ كَمَا ضَاعَفَ عَلَيْكَ البَلَاء ـ أَمَّا المَوْتَةُ الَّتي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا، وَفي رِوَايَةٍ
لَابْنِ عَبَّاسٍ عَن أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه أَيْضَاً: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاس، فَقَالَ رضي الله عنه: اجْلِسْ يَا عُمَر، فَأَبى عُمَرُ أَنْ يجْلِس؛ فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُواْ عُمَرَ ـ وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلبُخَارِيِّ أَيْضَاً: فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُواْ عُمَر ـ فَقَالَ أَبُو بَكْر: أَمَّا بَعْد 00 فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ محَمَّدَاً صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ محَمَّدَاً قَدْ مَات، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوت؛ قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {وَمَا محَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَّضُرَّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آلِ عِمْرَان/144]
وَقَالَ ـ أَيْ ابْنُ عَبَّاس رضي الله عنه: " وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَة؛ حَتىَّ تَلَاهَا أَبُو بَكْر؛ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرَاً مِنَ النَّاسِ إِلَاّ يَتْلُوهَا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: وَاللهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا؛ فَعَقِرْتُ ـ أَيْ بُهِتُّ وَفَتَرَتْ قُوَاي ـ حَتىَّ مَا تُقِلُّني رِجْلَاي، وَحَتى أَهْوَيْتُ إِلى الأَرْض، حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا عَلِمْتُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَات " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بِرَقْم: (4454)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18736، 18737]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " وَاللهِ لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْهِ مَوْتَتَين، لَقَدْ مِتَّ المَوْتَةَ الَّتي لَا تَمُوتُ بَعْدَهَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 3090، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ ـ أَيْ مَوْضِعٍ ـ فَقَامَ عُمَرُ يَقُول: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ الله، تَقُولُ عَائِشَة: وَاللهِ مَا كَانَ يَقَعُ في نَفْسِي إِلَاّ ذَاكَ، يَقُولُ عُمَر: وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ، قَالَ رضي الله عنه: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيَّاً وَمَيِّتَاً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدَاً ـ أَيْ أَنَّكَ ذُقْتَ مَوْتَتَكَ الَّتي عَلَيْكَ وَلَسْتَ حَيَّاً كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ لِتَمُوتَ مَرَّةً أُخْرَى ـ ثُمَّ خَرَجَ فَقَال: أَيُّهَا الحَالِفُ
ـ أَيْ يَا عُمَرُ ـ عَلَى رِسْلِك، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَر، فَحَمِدَ اللهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنى عَلَيْهِ وَقَال: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ محَمَّدَاً صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ محَمَّدَاً قَدْ مَات، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يمُوت، وَقَال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزُّمَر: 30]
وَقَال: {وَمَا محَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَّضُرَّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آلِ عِمْرَان: 144]
فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُون، وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ في سَقِيفَةِ بَني سَاعِدَةَ فَقَالُواْ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِير؛ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاح، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْر، وَكَانَ عُمَرُ يَقُول: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَاّ أَني قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامَاً قَدْ أَعْجَبَني خَشِيتُ أَلَاّ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْر، ثمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ في كَلَامِه:
نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الوُزَرَاء، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِر: لَا وَاللهِ لَا نَفْعَل، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِير؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: لَا وَلَكِنَّا الأُمَرَاءوَأَنْتُمُ الوُزَرَاء؛ هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ دَارَاً، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابَا، فَبَايِعُواْ عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاح، فَقَالَ عُمَر: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاس " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَنَاقِبِ في بَاب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلَا بِرَقْم: 3670]
وَعَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" لَمَّا تُوفيَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَأْذَنَ عُمَرُ وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَكَشَفَا الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِه، فَقَالَ عُمَر: وَاغَشْيَا، مَا أَشَدَّ غَشْيِ رَسُولِ اللهِ 00!!
ثُمَّ قَامَا، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلى البَابِ قَال المُغِيرَة: يَا عُمَر، مَاتَ وَاللهِ رَسُولُ الله، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَذَبْتَ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ وَلَكِنَّكَ رَجُل تحُوشُكَ فِتنَة ـ أَيْ تُرِيدُ أَنْ تَفعَلَ فِتنَة ـ وَلَنْ يَمُوتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ يُفْنيَ المُنَافِقِين، ثمَّ جَاءَ أَبُو بَكر وعُمَرُ يخطُبُ النَّاس، فَقَالَ لَه أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه: اسْكُتْ، فَسَكَت، فَصَعَدَ أَبُو بَكرٍ فَحَمِدَ اللهَ جل جلاله وَأَثْنى عَلَيهِ ثُمَّ قَرَأ:
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزُّمَر: 30]
ثمَّ قَرَأَ:
حَتىَّ فَرَغَ مِنَ الآيَةِ ثُمَّ قَال: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ محمَّدَاً فَإِنَّ محمَّدَاً قَدْ مَات، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يمُوت 00 فَقَالَ عُمَر: هَذَا في كِتَابِ الله 00؟
قَالَ أَبُو بَكْر: نَعَم " 0
[ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَات 0 ص: (266/ 2)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18755]
عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَر
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه في نَاحِيَةٍ بِالمَدِينَة، فَجَاءَ فَدَخَلَ عَلَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسَجَّىً، فَوَضَعَ فَاهُ عَلَى جَبِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيقُول:
بِأَبي أَنْتَ وَأمِّي، طِبْتَ حَيَّاً وَطِبْتَ مَيِّتَاً، فَلَمَّا خَرَجَ مَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَهُوَ يَقُول: مَا مَاتَ رَسُولُ الله، وَلَا يَمُوتُ حَتىَّ يَقْتُلَ المُنَافِقِينَ وَحَتى يُخزِيَ اللهُ المُنَافِقِينَ، وَكَانُوا قَدِ اسْتَبْشَرُواْ بمَوْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعُواْ رُءوسَهُمْ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْر فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ أَرْبِعْ عَلَى نَفْسِك؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَات، أَلَمْ تَسْمَعِ اللهَ جل جلاله يَقُول:
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزُّمَر: 30]
{وَمَا جَعَلنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُون {34} كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوْت، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون} {الأَنْبِيَاء}
ثم أَتَى المِنْبر فَصَعَدَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنى عَلَيهِ ثم قَال:
" أَيُّهَا النَّاس: إِنْ كَانَ محَمَّدٌ إِلهَكُمُ الَّذِي تَعْبُدُون فَإِنَّ إِلهَكُمْ محَمَّداً قَدْ مَات، وَإِنْ كَانَ إِلهَكُمُ الَّذِي في السَّمَاءِ فإِنَّ إِلهَكُمْ لَمْ يمُتْ، ثُمَّ تَلَا:
حَتىَّ خَتَمَ الآيَة، ثُمَّ اسْتَبْشَرَ المسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَاشْتَدَّ فَرَحُهُمْ، وَأَخَذ المُنَافِقِينَ الكَآبَة 00!!
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَر: فَوَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنمَا كَانَتْ عَلَى وُجُوهِنَا أَغْطِيَةٌ فَكُشِفَتْ " 0
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (38/ 9)، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَالبَزار، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18758]
هَوْلُ المَوْقِفِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَتَبَايُنُ رُدُودِ أَفْعَالهِمْ
وَعَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَمَّا مَاتَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم اقْتَحَمَ النَّاسُ حِينَ ارْتَفَعَتْ الرَّنَّةُ وَسَجَّى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَلَائِكَةُ بِثَوْبِهِ فَاخْتَلَفُوا: فَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ بمَوْتِه، وَأُخْرَسَ بَعْضُهُمْ فَمَا تَكَلَّم إِلَاّ بَعْدَ البُعْد، وَخَلَّطَ آخَرُونَ فَلَاثواْ الكَلَامَ بِغَيرِ بَيَان، وَبَقِيَ آخَرُونَ مَعَهُمْ عُقُولُهُمْ، وَأُقْعِدَ آخَرُون، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِيمَنْ كَذَّبَ بِمَوْتِه، وَعَليٌّ فِيمَن أُقْعِد، وَعُثْمَانُ فِيمَن أُخْرِس، فَخَرَجَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ وَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمُتْ، وَلَيُرْجِعَنَّهُ اللهُ جل جلاله وَليُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَ وَأَرجُلَ
رِجَال مِنَ المنَافِقِين، يَتَمَنَّوْنَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَوْت، إِنَّمَا وَاعَدَهْ اللهُ جل جلاله كَمَا وَاعَدَ مُوسَى وَهُوَ آتِيكُمْ " 0
[الإِحْيَاءُ 0 طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ 0 ضَعَّفَهُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ النَّبيِّ: 1866]
وَعَن الحَسَنِ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ائْتَمَرَ أَصْحَابُهُ فَقَالُواْ: تَرَبَّصُواْ نَبيَّكُمْ لَعَلَّهُ عُرِجَ بِه، فَقَالَ أَبُو بَكْر: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ محَمَّدَاً فَإِن محَمَّدَاً قَدْ مَات، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوت " 0
[أَخْرَجَه ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَات، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18757]
ثَبَاتُ أَبي بَكْرٍ وَالعَبَّاس
وَفي رِوَايَةٍ أَنَّهُ رضي الله عنه أَيْ عُمَرُ ـ قَال: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُفُّواْ أَلْسِنَتَكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَاللهِ لَا أَسْمَعُ أَحَدَاً يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ إِلَاّ عَلَوْتُهُ بِسَيْفِيَ هَذَا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ أُقْعِدَ فَلَا يَبرَحُ البَيْت، وَأَمَّا عُثْمَانُ فَجَعَلَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدَا، يُؤْخَذُ بِيَدِهِ فَيُجَاءُ بِهِ وَيُذْهَبُ بِه، وَلَمْ يَكُن أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ في مِثْلِ حَالِ أَبي بَكْرٍ وَالعَبَّاس؛ فَإِنَّ اللهَ جل جلاله أَيَّدَهمَا بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَاد " 0 [الإِحْيَاءُ 0 طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ 0 ضَعَّفَهُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ النَّبيِّ: 1866]
خُطْبَةٌ جَمِيلَةٌ لأَبي بَكْر 00 في الثَّبَاتِ الصَّبر
وَفي رِوَايَةٍ لَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا بَلَغَهُ الخَبرُ دَخَلَ بَيْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّى عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَيْنَاهُ تهْمِلَان، وَغُصَصُهُ تَرْتَفِعُ كَقَصْعِ الجَرَّة ـ أَيْ يَشْرَقُ بِالبُكَاء ـ وَهُوَ في ذَلِكَ جَلدُ الفِعْلِ وَالمقَال، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم وَقبَّلَ جَبِينَه وَخَدَّيهِ وَمَسَحَ وَجْهَه وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُول: بِأَبي أَنْت وَأُمِّي وَنَفْسِي وَأَهْلِي، طِبْتَ حَيَّاً وَميِّتاً، انْقَطَعَ لِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِع لمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاء وَالنُّبوَّة ـ أَيِ الوَحْي ـ فَعَظُمْتَ عَنِ الصِّفَة، وَجَلَلْتَ عَنِ البُكَاء، وَخُصِصْتَ حَتىَّ
صِرْتَ مَسْلَاة، وَعُمِمْتَ حَتىَّ صِرْنَا فِيكَ سَوَاء ـ أَيْ هَوَّنَتْ مُصِيبَتُنَا فِيكَ كُلَّ مَا سِوَاهَا مِنَ المَصَائِبِ وَصَارَتْ مَسْلَاة، وَعَمَّنَا جَمِيعَاً الحُزْنُ عَلَيْك ـ وَلَوْلَا أَنَّ مَوْتَكَ كَانَ اخْتِيَارَاً مِنْكَ لجُدْنَا لحُزْنِكَ بِالنُّفُوس، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ البُكَاءِ لأَنْفَذْنَا عَلَيْكَ مَاء العُيُون، فَأَمَّا مَا لَا نَسْتَطِيعُ نَفْيَه عَنَّا: فَكَمَدٌ وَادِّكَارٌ محَالِفَان ـ أَيْ حُزْنٌ وَذِكرَى مُلَازِمَان ـ لَا يَبرَحَان، اللهُمَّ فَأَبْلِغْهُ عَنَّا، اذْكُرْنَا يَا محَمَّدُ عِنْدَ رَبِّكَ، وَلنَكُنْ مِنْ بَالِك، فَلَوْلَا مَا خَلَّفْتَ مِنَ السَّكِينَة لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ لِمَا خَلَّفْتَ مِنَ الوَحْشَة ـ أَيْ وَلَوْلَا مَا عَلَّمْتَنَا مِنَ الصَّبرِ وَالسُّلوَان: لَمُتْنَا مِنَ الهُمُومِ وَالأَحْزَان ـ اللهُمَّ أَبلِغْ نَبيَّكَ عَنَّا وَاحْفَظْهُ فِينَا " 0 [ابْنُ أَبي الدُّنيَا 0 الإِحْيَاء 0 ضَعَّفَهُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ النَّبيِّ: 1866]
وَرَوى سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أَيْضَاً عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " وَاللهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْر يَتْلُوهَا فَعَثَرْتُ وَأَنَا قَائِم، حَتىَّ خَرَرْتُ عَلَى الأَرْضِ وَأَيْقَنْتُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَات " 0 [ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَات: (268/ 2)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18756]
أَظْلَمَتِ المَدِينَةُ بَعْدَكَ وَتَغَيَّرَتِ القُلُوبُ يَا رَسُولَ الله
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " مَا عَدَا وَارَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في التُّرَاب؛ فَأَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (38/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ البَزَّار]
حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ رحمه الله عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانيِّ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " شَهِدْتُ الْيَوْمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَلَمْ أَرَ يَوْمَاً كَانَ أَقْبَحَ مِنهُ "
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4390]
وَحَدَّثَ أَيْضَاً ثَابِتٌ الْبُنَانيُّ رحمه الله عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَة؛ أَضَاءَ مِنهَا كُلُّ شَيْء، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيه؛ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْء، وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأَيْدِي؛ حَتىَّ أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا " 0 [صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ الإِمَامَينِ ابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ بِرَقْمَيْ: 1631، 3618]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " كُنَّا نَتَّقِي الكَلَامَ وَالاِنْبِسَاطَ إِلى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ هَيْبَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْء، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ النِّكَاحِ بَاب: الوَصَاةِ بِالنِّسَاء بِرَقْم: 5187]
الأَنْصَارُ يَصِفُونَ يَوْمَ قُدُومِهِ وَيَوْمَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم
وَعَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَانَ رَدِيفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلى المَدِينَة، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْتَلِفُ إِلى الشَّامِ فَكَانَ يُعْرَف، وَكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْرَف، فَكَانُواْ يَقُولُون: يَا أَبَا بَكْرٍ مَن هَذَا الغُلَامُ بَين يَدَيْك؟
فَيَقُول: هَادٍ يَهْدِيني السَّبيل، فَلَمَّا دَنَوا مِنَ المدِينَة نَزَلَا بحَرَّة ـ أَيْ بِأَرْضٍ ذَاتِ حِجَارَةٍ سُود ـ وَبَعَثَ إِلى الأَنْصَارِ فَجَاءواْ، يَقُولُ أَنَس: فَشَهِدْتُهُ يَومَ دَخَلَ المَدينَةَ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمَاً كَانَ أَحْسَنَ وَلَا أَضْوَءَ مِنْ يَوْمٍ دَخَلَ عَلَيْنَا فيه، وَشَهدْتُهُ يَوْمَ مَاتَ فَمَا رَأَيْت يَوْمَاً كَانَ أَقْبَحَ وَلَا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمٍ مَات فِيه " 0
[ابْنُ أَبي شَيْبَة، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18815]
وَعَن أَبى ذُؤَيب الهَذَليِّ رضي الله عنه قَال: " قَدِمْتُ المَدِينَةَ وَلأَهْلِهَا ضَجِيجٌ بِالبِكَاءِ كَضَجِيجِ الحَجِيجِ أَهَلُّواْ جَمِيعَاً بِالإِحْرَام؛ فَقُلتُ مَه 00؟
فَقَالُواْ: قُبِضَ رَسُولُ الله " 0
[ابْنُ مَنْدَةَ وَابْنُ عَسَاكِر، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 18830]
غُسْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
عَن عَبَّادٍ الأَسَدِيِّ رضي الله عنه قَال: " سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُول: لَمَّا أَرَادُواْ غَسْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُواْ: وَاللهِ مَا نَدْرِي أَنجَرِّدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُه 00؟
فَلَمَّا اخْتَلَفُواْ أَلْقَى اللهُ عَلَيْهِمِ النَّوْمَ حَتىَّ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَاّ وَذَقْنُهُ في صَدْرِه، ثمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ البَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ أَنِ اغْسِلُواْ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثِيَابُه؛ فَقَامُواْ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُه، يَصُبُّونَ المَاءَ فَوْقَ القَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في أَحْكَامِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: 29، وَحَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 26306]
ارْفُقُواْ بِرَسُولِ الله ** صلى الله عليه وسلم **
وَفي رِوَايَةٍ لِلإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ يَقُولُ فِيهَا: " أَرَدْنَا خَلَعَ قَمِيصِهِ صلى الله عليه وسلم فَنُودِينَا لَا تخْلَعُواْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثِيَابَه؛ فَأَقْرَرْنَاه ـ أَيْ فَاسْتَجَبْنَا لَه ـ فَغَسَّلنَاهُ كَمَا نُغَسِّل مَوْتَانَا مُسْتَلقِيَاً، مَا نَشَاءُ أَن يُقْلَبَ لَنَا مِنهُ عُضْوٌ لَمْ يُبَالَغْ فِيهِ إلَا قُلِبَ لَنَا حَتىَّ نَفْرُغَ مِنهُ، وَإِنَّ مَعَنَا لحَفِيفَاً في البَيْتِ كَالرِّيحِ الرُّخَاءِ ـ أَيْ كَالرِّيحِ اللَّيِّنَة ـ وَيُصَوَّت بِنَا: ارْفُقُواْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّكمْ سَتُكْفَوْن " 0
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ النَّبيِّ: 1865]
طِبْتَ حَيَّاً وَمَيِّتَاً يَا رَسُولَ الله
حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رحمه الله عَن عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا غُسِّلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ يَلْتَمِسُ مِنْهُ مَا يُلْتَمَسُ مِنَ المَيِّت: [أَيْ ذَهَبَ يَضْغَطُ عَلَى بَطْنِهِ لِيَسْتَخْرِجَ مَا بهَا مِنْ فَضَلَاتٍ]؛ فَلَمْ يجِدْهُ؛ فَقَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: بِأَبي الطَّيِّبُ طِبْتَ حَيًّا وَطِبْتَ مَيِّتًا " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1467]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال:
" غَسَّلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ المَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئَاً، وَكَانَ طَيِّبَاً حَيَّاً وَمَيِّتَاً صلى الله عليه وسلم " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، وَصَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في أَحْكَامِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: (31)، أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَك]
كَفَنُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّة مِنْ كُرْسُفٍ ـ أَيْ مَتِينَةٍ نَقِيَّةِ البَيَاضِ مِنْ القُطْنِ ـ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَة، أَمَّا الحُلَّة: فَإِنمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا؛ إِنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا فَتُرِكَتِ الْحُلَّة، وَكُفِّنَ في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّة، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَال: لأَحْبِسَنَّهَا حَتىَّ أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي، ثُمَّ قَال:
لَوْ رَضِيَهَا اللهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: في كَفَنِ المَيِّت بِرَقْم: 941]
الجَمِيعُ صَلَّى عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ الرَّحْمَن، حَتىَّ الصِّبْيَان
عَنْ مُوسَى بْنِ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ التَّمِيمِي قَال: " وَجَدْتُ صَحِيفَة بخَطِّ أَبى فِيهَا: لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوُضَعَ عَلَى سَرِيرِهِ دَخَلَ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ فَقَالَا: " السَّلَامُ عَليْكَ أّيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاته، وَمَعَهمَا نَفَرٌ مِنَ المهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ قَدرَ مَا يَسَعُ البَيت، فَسَلَّمُوا كَمَا سَلَّمَ أَبُو بَكر وَعُمَرُ وَصُفُّوا صُفُوفَاً لَا يَؤُمُّهم عَلَيهِ أَحَد، فَقَامَ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَهمَا في الصَّفِّ الأَوَّلِ حِيَالَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: اللهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنزِلَ إِلَيه،
وَنَصَح لأُمَّتِهِ وَجَاهَدَ في سبِيلِ اللهِ حَتىَّ أَعَزَّ اللهُ دِينَهُ وَتمَّتْ كَلِمَاتُه، فَآمَنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه؛ فَاجْعَلنَا يَا إِلهَنَا ممَّنْ يتَّبِعُ القَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَه، وَاجمَع بَيْنَنَا وَبَيْنَه حَتىَّ يَعْرِفَنَا وَنَعرِفَهُ فَإِنَّه كَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَءوفَاً رَحِيمَاً، لَا نَبْتَغِي بِالإِيمَان بَدَلاً، وَلَا نَشْتَرِي بِهِ ثمَنَاً أَبَدَا، وَالنَّاسُ يَقُولُون: آمِينَ آمِين، ثُمَّ يخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ آخَرُونَ حَتىَّ صَلَّى عَلَيْهِ الرِّجَالُ ثمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَان، فَلمَّا فَرَغُواْ مِنَ الصَّلَاةِ تَكَلَّمُواْ في مَوْضِعِ قَبرِه " 0
[ابنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَات: 290/ 2، وَفي كَنْزِ العُمَّالِ بِرَقْم: 18741]
مُشَاوَرَاتٌ وَمُدَاوَلَاتٌ حَوْلَ مَوْضِعِ دَفْنِهِ صلى الله عليه وسلم
عَنْ جَعْفَرَ بْنِ محَمَّدٍ عَن أَبِيهِ رضي الله عنه قَال: " قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الَاثْنَين، فَمَكَثَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَيْلَةَ الثُّلَاثَاء، وَدُفِنَ مِنَ اللَّيْل " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في مخْتَصَرِ الشَّمَائِلِ بِرَقْم: 331]
قَالَ ابْنُ جُرَيْج:
" مَاتَ صلى الله عليه وسلم في الضُّحَى يَوْمَ الاِثْنَيْن، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ في الضُّحَى " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء/طَبْعَةُ دَارِ الرِّسَالَةِ الثَّالِثَةُ بَابُ السِّيرَة: 1141/ 1]
عَن عَمْرَةَ بِنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالواْ: كَيْفَ نَبْني قَبرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنجْعَلُهُ مَسْجِدَاً 00؟
فَقَالَ أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتخَذُواْ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد، قَالُواْ: فَكَيْفَ نحْفُرُ لَه 00؟
فَقَالَ أَبو بَكْر رضي الله عنه: إِنَّ مِن أَهْلِ المَدِينَةِ رَجُلاً يَلْحَد ـ أَيْ يَحْفُرُ اللَّحْد: وَهُوَ شَقٌّ في أَحَدِ جَانِبيِ الحُفْرَة ـ وَمِن أَهْلِ مَكَّةَ رَجُلٌ يَشُقّ ـ أَيْ يَحْفُر ـ اللهُمَّ فَأَطْلِعْ عَلَيْنَا أَحَبَّهُمَا إِلَيْكَ أَنْ يَعْمَلَ لِنَبِيِّك، فَطَلَعَ أَبُو طَلْحَةَ وَكَانَ يَلْحَد، فَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَدَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ دُفِنَ وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبن " 0
[الأَلبَانيُّ في تحْذِيرِ السَّاجِدِ مخْتَصَرَاً بِرَقْم: (28، 29)، وَفي (كَنْزِ العُمَّالِ) بِرَقْم: 18762]
وَعَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفُواْ في دَفْنِه، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئَاً مَا نَسِيتُهُ، قَال صلى الله عليه وسلم: " مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيَّاً؛ إِلَاّ في المَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيه " 00 ادْفِنُوهُ في مَوْضِعِ فِرَاشِه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَنَائِزِ بِرَقْم: 90، وَفي مخْتَصَرِ الشَّمَائِلِ بِرَقْم: 326، وَفي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 1018]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس رضي الله عنه قَال: " لَمَّا فُرِغَ مِن جِهَاز رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ الثُّلَاثَاءِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ في بَيتِه، وَكَانَ المسلِمُونَ قَدِ اختَلَفوا في دَفنِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: ادْفِنُوهُ في مَسْجِدِه، وَقَالَ قَائِلٌ: ادْفِنُوهُ مَعَ أَصْحَابِه بِالبَقِيع، فَقَال أَبُو بَكرٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" مَا مَاتَ نَبيُّ إِلَاّ دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَض، فَرُفِعَ فِرَاشُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي تُوُفيَ عَلَيْهِ ثمَّ حُفِرَ لَهُ تحْتَه " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (10607) 0 أخْرَجَهُ ابنُ سَعْد في الطبَقَات: 2/ 292، الْكَنْز بِرَقْم: 18745]
وَعَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمَاً " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا جَاءَ في قَبرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَر بِرَقْم: 1390]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُلحِدَ لَهُ لحْدَاً وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبَاً 000 وذكر الحديث رضي الله عنه قال: " وَرُفِعَ قَبرُهُ مِنَ الأَرْضِ نحْوَاً مِنْ شِبر " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في أَحْكَامِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: (105)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ " الْبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ " بِرَقْم: 6527]
عَن أَبي عَسِيبٍ أَوْ أَبي عَسِيمٍ قَال: قَالَ بَهْزٌ: إِنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْه 00؟
قَالُواْ ادْخُلُوا أَرْسَالاً أَرْسَالاً، فَكَانُواْ يَدْخُلُونَ مِن هَذَا الْبَابِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْه، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْ الْبَابِ الآخَر، فَلَمَّا وُضِعَ صلى الله عليه وسلم في لَحْدِهِ قَالَ المُغِيرَة: قَدْ بَقِيَ مِنْ رِجْلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلِحُوهُ؛ قَالُواْ: فَادْخُلْ فَأَصْلِحْهُ، فَدَخَلَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَمَسَّ قَدَمَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: أَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَاب؛ فَأَهَالُواْ عَلَيْهِ التُّرَابَ حَتىَّ بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْه، ثمَّ خَرَجَ فَكَانَ يَقُول: أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدَاً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَد]
دَفْنُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ فَقَالُواْ: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاه؛ فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ فَلَحَدُواْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في " أَحْكَامِ الجَنَائِز " بِرَقْم: (95)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1557]
عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي رَافِعٍ رضي الله عنه عَنْ شُقْرَانَ خَادِمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: " أَنَا وَاللهِ طَرَحْتُ القَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في القَبْر " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في (سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ) بِرَقْم: 1047]
كَيْفَ طَابَتْ أَنفُسُكُمْ أَنْ تحثُواْ التُّرَابَ
عَلَى وَجهِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم 00؟
وَعَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَنهَا قَالَتْ لأَنَسٍ بَعْدَمَا دَفَنُواْ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم:
" أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تحْثُواْ عَلَى رَسُولِ اللهِ التُّرَاب " 00؟!
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بَاب: مَرَضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِه بِرَقْم: 4462]
رُؤْيَا أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَة
عَن أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: " رَأَيْتُ في المَنَامِ كَأَنَّ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطَتْ في حُجْرَتي، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَلَمَّا دُفِنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في بَيْتي؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8192]
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رحمه الله عَن أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
" رَأَيْتُ ـ أَيْ في المَنَامِ ـ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطَتْ في حُجْرَتي، فَسَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَال: يَا عَائِشَة: إِنْ تَصْدُقْ رُؤْيَاكِ يُدْفَنُ في بَيْتِكِ خَيرُ أَهْلِ الأَرْضِ ثَلَاثَةٌ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدُفِنَ قَالَ لي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا عَائِشَة: هَذَا خَيرُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ أَحَدُهَا " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، وَقَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح]
وَفي رِوَايَةِ لاِبْنِ سَعْدٍ في الطَّبَقَات:
" فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ رضي الله عنه: مَا أَوَّلْتِهَا 00؟
قَالَتْ رضي الله عنها: أَوَّلْتُهَا وَلَدًا مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00!!
فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه حَتىَّ قُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهَا فَقَالَ لهَا:
" هَذَا خَيرُ أَقْمَارِكِ ذُهِبَ بِهِ "، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما دُفِنُواْ جَمِيعَاً في بَيْتِهَا 0
الحَنِين 00 إِلى وَحْيِ الأَمِين
عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَر: انْطَلِقْ بِنَا إِلى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؛ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم 00؟
فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَلَاّ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِن أَبْكِي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاء؛ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى البُكَاءِ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بَاب: مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ أَيْمَن بِرَقْم: 2454]
مَا قِيلَ في رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرِّثَاء
عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيرِ رضي الله عنه قَال: قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ تَرْثِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
أَلَا يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ رَجَاءنَا * وَكُنْتَ بِنَا بَرَّاً وَلَمْ تَكُ جَافِيَا
وَكُنْتَ قَرِيبَاً لِلْقُلُوبِ محَبَّبَاً * لِيَبْكِ عَلَيْكَ الْيَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكِيَا
لَعَمْرُكَ ما أَبْكِي النَّبي وَإِنَّمَا * لِقَتْلٍ سَيُصْبِحُ في الصَّحَابَةِ فَاشِيَا
تَدُورُ عَلَى قَلْبي لِفَقْدِ محَمَّدٍ * هُمُومٌ ثِقَالٌ ذَكَّرَتْني السَّوَاقِيَا
أَفَاطِمُ صَلَّى اللهُ رَبُّ محَمَّدٍ * عَلَى جَدَثٍ أَمْسَى بِيَثْرِبَ ثَاوِيَا
فِدَاً لِرَسُولِ اللهِ أُمِّي وَوَالِدِي * وَنَفْسِي وَأَهْلِي كُلُّهُمْ وَعِيَالِيَا
صَبَرْتَ وَبَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ صَادِقَاً * وَمُتَّ قَرِيرَ الْعَينِ فِينَا وَرَاضِيَا
فَلَوْ أَنَّ رَبَّ الْعَرْشِ أَبْقَاكَ بَيْنَنَا * سَعِدْنَا وَلَكِن أَمْرُهُ كَانَ مَاضِيَا
عَلَيْكَ سَلَامُ الله يَا خَيرَ مُرْسَلٍ * وَأَسْكَنَكَ اللهُ القُصُورَ العَوَالِيَا
[حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (39/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ 0 بِتَصَرُّفٍ في الشِّعْر]
كَثُرَتْ بَعْدَكَ الفِتنُ يَا رَسُولَ الله
لَمَّا اشْتَدَّتْ فِتْنَةُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ في وَقْعَتيِ الجَمَلِ وَصِفِّين، وَتَسَاقَطَتِ القَتْلَى مِنَ المُسْلِمِين، وَقَفَ أَعْرَابيٌّ عَلَى قَتْلَاهُمْ يَائِسَاً بَائسَاً حَزِينَا، وَتَذَكَّرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهَاجَهُ الشَّوْق فَقَالَ لِنَفْسِه: كَيْفَ لَوِ اطَّلَعَ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا المَشْهَد 00؟
ثمَّ أَنْشَأَ يَقُول:
إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَابِلَهَا * وَغَابَ مُذْ غِبْتَ عَنَّا الوَحْيُ وَالكُتُبُ
فَلَيْتَ قَبْلَكَ كَانَ المَوْتُ صَادَفَنَا * فَقَدْ أَلَمَّتْ بِنَا مِنْ بَعْدِكَ الكُرَبُ
[ابْنُ عَبْدِ رَبُّه في " العِقدُ الفَرِيد " طَبْعَةِ دَارِ الكُتُبِ العِلمِيَّة 0 بَاب: وَفَاتُهُ ** صلى الله عليه وسلم **]
وَرَثَاهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحاَرِثِ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَال:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِي لَا يَزُولُ * وَلَيْلُ أَخِى المُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَلَازَمَني البُكَاءوَذَاكَ فِيمَا * أُصِيبَ المُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ * عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا اعْتَرَاهَا * تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا * يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُو جِبرَئِيلُ
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ * نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ كَادَتْ تَسِيلُ
أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ * وَإِنْ لَمْ تجْزَعِي فَهُوَ السَّبِيلُ
مَوْتُهُ صلى الله عليه وسلم بِدَايَةُ الفِتنِ وَالمَلَاحِم
فَمَوْتُهُ صلى الله عليه وسلم بِدَايَةُ الفِتنِ وَالمَلَاحِم 00
عَن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" اعْدُدْ سِتَّاً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَة: مَوْتي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِس، ثُمَّ مَوَتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَم، ثمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتىَّ يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطَاً، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَاّ دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَني الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تحْتَ ثَمَانِينَ غَايَة ـ أَيْ ثَمَانِينَ رَايَة ـ تحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلفَاً " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِزْيَةِ بَاب: مَا يُحْذَرُ مِنَ الغَدْر بِرَقْم: 3176]
وَالمَقْصُودُ بِالسَّادِسَةِ وَاللهُ أَعْلَم: الصَّلِيبِيُّونَ وَغَزْوُهُمْ لِبِلَادِ المُسْلِمِين، أَيَّامَ صَلَاحِ الدِّين 0
عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَال: " صَلَّيْنَا المَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتىَّ نُصَلِّيَ مَعَهُ العِشَاءَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا صلى الله عليه وسلم فَقَال: " مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا 00؟
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ صَلَّيْنَا مَعَكَ المَغْرِبَ ثمَّ قُلْنَا نجْلِسُ حَتىَّ نُصَلِّيَ مَعَكَ العِشَاء؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ " 00 فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السَّمَاء، وَكَانَ كَثِيرَاً مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلى السَّمَاء، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاء؛ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَد، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابي؛ فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابي مَا يُوعَدُون، وَأَصْحَابي أَمَنَةٌ لأُمَّتي؛ فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابي أَتَى أُمَّتي مَا يُوعَدُون "
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2531 / عَبْد البَاقِي]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَزَّتْهُمُ المَلَائِكَة، يَسْمَعُونَ الحِسَّ، وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْص؛ فَقَالَتْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُه، إِنَّ في اللهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَة، وَخَلَفَاً مِنْ كُلِّ فَائِت، فَبِاللهِ فَثِقُواْ، وَإِيَّاهُ فَارْجُواْ، فَإِنَّمَا المحْرُومُ مَن حُرِمَ الثَّوَاب، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4391]
عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ كَعْباً دَخَلَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَعْب: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ إِلَاّ نَزَلَ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنَ المَلَائِكَةِ حَتىَّ يَحُفُّواْ بِقَبرِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، يَضْرِبُونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتىَّ إِذَا أَمْسَوْا عَرَجُواْ وَهَبَطَ مِثْلُهُمْ فَصَنَعُواْ مِثْلَ ذَلِك، حَتىَّ إِذَا انْشَقَّتْ عَنْهُ الأَرْضُ خَرَجَ في سَبْعِينَ أَلْفاً مِنَ المَلَائِكَةِ يَزُفُّونَه " 0
[صَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ في فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَقْم: (102)، رَوَاهُ الإِمَامُ الدَّارِمِيُّ في سُنَنِه بِرَقْم: 94]
كَيْفَ لَا نَبْكِي لِفِرَاقِكَ وَالجِذْعُ بَكَى لِفِرَاقِكَ يَا رَسُولَ الله 00؟!
أَنْتَ الَّذِي لَمَّا رُفِعْتَ إِلى السَّمَا * بِكَ قَدْ سَمَتْ وَتَزَيَّنَتْ لِلِقَاكَا
أَنْتَ الَّذِي مِنْ نُورِكَ البَدْرُ اكْتَسَى * وَالشَّمْسُ قِنْدِيلٌ أَمَامَ ضِيَاكَا
نَادَيْتَ أَشْجَارَاً أَتَتْكَ مُطِيعَةً * وَشَكَا الْبَعِيرُ إِلَيْكَ حِينَ رَآكَا
وَالمَاءُ فَاضَ بِرَاحَتَيْكَ وَسَبَّحَتْ * صُمُّ الحَصَى للهِ في يُمْنَاكَا
وَالجِذْعُ حَنَّ إِلَيْكَ حِينَ تَرَكْتَهُ * وَعَلَى سِوَاهُ أُوقِفَتْ قَدَمَاكَا
مَاذَا يَقُولُ المَادِحُونَ وَمَا عَسَى * أَنْ يجْمَعَ الكُتَّابُ مِنْ مَعْنَاكَا
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الهُدَى * مَا اشْتَاقَ مُشْتَاقٌ إِلىَ رُؤْيَاكَا
{شِهَابُ الدِّينِ الأَبْشِيهِيُّ صَاحِبُ المُسْتَطْرَف، بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف}
وَيَرْحَمُ اللهُ فَضِيلَةَ الشَّيْخ عَبْدَ الحَمِيد كِشْك؛ حَيْثُ يَقُولُ عِنْدَ ذِكْرِ المُصْطَفَى: " كَيْفَ لَا نَبْكِي لِفِرَاقِكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَالجِذْعُ قَدْ بَكَى لِفِرَاقِك " 0
[فَضِيلَةُ الشَّيْخ عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في (الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ) بِتَصَرُّف: 106/ 6]
كَانَ بَينَ النَّاسِ رَجُلاً، وَكَانَ بَينَ الرِّجَالِ بَطَلاً
وَكَانَ رحمه الله كَثِيرَاً مَا يَقُولُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ:
" كَانَ بَينَ النَّاسِ رَجُلاً، وَكَانَ بَينَ الرِّجَالِ بَطَلاً، وَكَانَ بَينَ الأَبْطَالِ مَثَلاً؛ جِيءَ لَهُ يَوْمَ الأَضْحَى بِكَبْشَينِ أَقْرَنَينِ أَمْلَحَين، فَقَامَ لِذَبْحِ أَحَدِهِمَا وَقَال: " اللهُمَّ إِنَّ هَذَا عَنيِّ وَعَن آلِ بَيْتي، فَقَامَ لِذَبْحِ الآخَرِ وَقَال: اللهُمَّ إِنَّ هَذَا عَن فُقَرَاءِ أُمَّتي " 0 [فَضِيلَةُ الشَّيْخ عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في (الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ) بِتَصَرُّف: 160/ 2]
اللهمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا محَمَّدٍ عَدَدَ أَورَاقِ الشَّجَر، وَعَدَدَ حَبَّاتِ المَطَر، وَعَدَدَ مَا خَلَقتَ مِنَ البَشَر 0
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً {68} يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً {69} إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَّحِيمَاً} {الفُرْقَان}
فَقَالَ سَعِيدٌ رضي الله عنه: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ فَقَال:
قَالَتْ: يَوْمُ الَاثْنَيْن، رضي الله عنه: أَرْجُو فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ اللَّيْل، فَنَظَرَ إِلى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَان ـ أَيْ قَدْرٌ غَيرُ قَلِيلٍ مِنهُ ـ فَقَالَ رضي الله عنه: اغْسِلُواْ ثَوْبي هَذَا وَزِيدُواْ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُوني فِيهَا، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلَقٌ ـ أَيْ قَدِيم ـ قَالَ رضي الله عنه: إِنَّ الحَيَّ أَحَقُّ بِالجَدِيدِ مِنَ المَيِّت، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَة " 0
[لِلْمُهْلَةِ: أَيْ لِلصَّدِيدِ مَصِيرُهُ 0 الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَوْتِ يَوْمِ الَاثْنَين بِرَقْم: 1387]
أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَبُو بَكْر، حَتىَّ عَلَى فِرَاشِ المَوْت
لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه جَاءتِ ابْنَتُهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَأَنْشَدَتْ عَلَى رَأْسِهِ هَذَا البَيْت:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنى الثَّرَاءُ عَنِ الفَتى * إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمَاً وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ
وَقَوْلهَا: " حَشْرَجَتْ وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ ": أَيِ الرُّوح؛ لَمْ يُصَرَّحْ بِهَا لِفَرْطِ العِلمِ بِهَا 0
وَالمَعْنى إِجْمَالاً: أَيْ لَا تَنْفَعُ الأَمْوَالُ وَلَا الثَّرَوَات، إِذَا مَا نَزَلَ هَادِمُ اللَّذَّات 00!!
فَكَشَفَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ وَجْهِهِ رضي الله عنه وَقَال: ليْسَ كَذَا وَلَكنْ قُولي:
{وَجَاءتْ سَكرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنهُ تحِيد} [ق: 19]
فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ * ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
وَثِمَالُ اليَتَامَى أَيِ كَافِلُهُمْ وَالقَائِمُ عَلَى شُئُونهِمْ 0
فَقاَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: ذَاكَ رَسُولُ الله " 0
[الإِحْيَاء 0 وَفَاةُ الصِّدِّيق: 1869، وَالطَّبَقَاتُ لَابْنِ سَعْد 0 دَار صَادِر 0 بَيرُوت 0 ص: 198/ 3]
وَصِيَّةُ أَبي بَكْرٍ لأُمَّةِ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
وَدَخَلَ عَلَيهِ سَلمَانُ الفَارِسيُّ رضي الله عنه يَعُودُهُ فَقَالَ رضي الله عنه:
" أَوْصِنَا يَا أَبَا بَكر 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: إِنَّ اللهَ فَاتحٌ عَلَيْكُمُ الدُّنيَا؛ فَلَا تَأخُذَنَّ مِنها إِلَاّ بَلَاغَك، وَاعلَمْ أَنَّ مَنْ صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ في ذمَّةِ اللهِ فَلَا تخْفِرَنَّ اللهَ في ذمَّتِهِ فَيَكُبَّكَ في النَّارِ عَلَى وَجْهِك " 00!!
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 وَفَاةُ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق: 1869]
اسْتخْلَفْتُ عَلَى خَلْقِكَ خَيرَ خَلْقِك
لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَأَرَادَ النَّاسُ مِنهُ أَنْ يَسْتَخْلِف؛ اسْتخْلَفَ عُمَر رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ النَّاس: اسْتخْلَفْتَ عَلَيْنَا فَظَّاً غَليظَاً فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّك 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: أَتهدِّدُونَني وَتخَوِّفُونَني بِرَبيِّ 00؟
أَقُول: اسْتخْلَفْتُ عَلَى خَلْقِكَ خَيرَ خَلْقِك " 0
[الإِحْيَاء 0 وَفَاةُ أَبي بَكْر: (1869)، ابْنُ أَبي شَيْبَةَ بِرَقْم: (36056)، وَفي نَوَادِرُ الأُصُول 0 الأَصْلُ رَقْم: 239]
مَا أَرْوَعَكَ يَا أَبَا بَكْر
عَن أَبي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" جَاءتْ عَائِشَةُ إِلى أَبي بَكْر وَهُوَ يُعَالج مَا يُعَالج المَيِّتُ وَنَفْسُهُ في صَدْرِه، فَتَمَثَّلَتْ هَذَا البَيْت:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنى الثَّرَاءُ عَنِ الفَتى * إِذَا حَشرَجَتْ يَوْمَاً وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ
فَنَظَرَ إِلَيْهَا كَالغَضْبَانِ ثمَّ قَال: لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أُم المُؤْمِنِينَ وَلَكِن:
{وَجَاءتْ سَكرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنهُ تحِيد} [ق: 19]
إِنيِّ قَدْ كُنْتُ نحَلْتُكِ حَائِطَا ـ أَيْ أَعْطَيْتُكِ بُسْتَانَاً ـ وَإِنَّ في نَفْسِيَ مِنهُ شَيْئَا؛ فَرُدِّيهِ إِلى المِيرَاث، قَالَتْ نَعَمْ، فَرَدَّتْهُ، فَقَالَ رضي الله عنه: أَمَا إِنَّا مُنْذُ وَلِينَا أَمْرَ المُسْلِمِينَ لَمْ نَأْكُلْ لهُمْ دِينَارا وَلَا دِرْهمَا، وَلكِنَّا قَدْ أَكَلْنَا مِنْ جَرِيشِ طَعَامِهِمْ في بُطُونِنَا ـ أَيْ مَا اسْتُغْلِظَ مِنْ دَقِيقِهِمْ وَطَحِينِهِمْ ـ وَلبِسْنَا مِن خَشِنِ ثِيَابِهِمْ عَلَى ظُهُورِنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فيْءِ المُسْلِمِينَ قَلِيلٌ وَلَا كَثِير، إِلَاّ هَذَا العَبْدُ الحَبَشيُّ وَهَذَا البَعِيرُ النَّاضِح، وَجَردُ هَذِهِ القَطِيفَة ـ أَيْ بَقَايَا قَطِيفَةٍ بَلِيَتْ ـ فَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهِنَّ إِلى عُمَرَ وَابْرَئِي مِنهُنَّ فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ عُمَرَ بَكَى
حَتىَّ جَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ في الأَرْضِ وَيَقُول: رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَه، رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَه ـ أَيْ شَدَّدَ وَشَقَّ عَلَى مَنْ رَامَ الَاقْتِدَاءَ بِهِ ـ يَا غُلَامُ ارْفَعْهُنَّ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ عَوْف: سُبْحَانَ الله؛ تَسْلُبُ عِيَالَ أَبي بَكْرٍ عَبْدَاً حَبَشِيَّاً، وَبَعِيرَاً نَاضِحَاً، وَجَرْدَ قَطِيفَة ـ أَيْ بَقَايَا قَطِيفَةٍ بَلِيَتْ ـ ثَمَنَ خمْسَةِ الدَّرَاهِم 00؟!
قَالَ فَمَا تَأْمُر 00؟
قَالَ رضي الله عنه: تَرُدُّهُنَّ عَلَى عِيَالِه، فَقَالَ لَا وَالَّذي بَعَثَ محَمَّدَاً بِالحَقّ؛ لَا يَكُونُ هَذَا في وِلَايَتي أَبَدَا، وَلَا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مِنهُنَّ ثَمَّ المَوْتِ ـ أَيْ عِنْدَ المَوْتِ ـ وَأَرُدُّهُن أَنَا عَلَى عِيَالِه " 0
[الطَّبَقَاتُ الكُبرَى لَابْنِ سَعْد 0 دَار صَادِر 0 بَيرُوت: 196/ 3]
عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رضي الله عنه قَال:
" تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّين، وَدُفِنَ لَيْلاً، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَر " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (60/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَلِذَا رَثَاهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه ضِمْنَ مَنْ رَثَاهُ فَقَال:
ذَهَبَ الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ * فَعَلَيْكِ يَا دُنيَا السَّلَامْ
مَهْمَا بَسَطْتِ العَيْشَ لي * فَالعَيْشُ بَعْدَهُمُ حَرَامْ
إِنيِّ رَضِيعُ وِصَالهِمْ * وَالطِّفْلُ يُؤْلِمُهُ الفِطَامْ
*********
وَفَاةُ الفَارُوقِ عُمَر
عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رضي الله عنه؛ جَعَلَ يَأْلَم؛ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ ـ أَيْ يُوَاسِيه ـ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ ـ أَيْ وَلَئِنْ كَانَ قَدْ نَزَلَ بِكَ المَوْت ـ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُون، قَالَ رضي الله عنه: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِضَاه؛ فَإِنَّمَا
ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ تَعَالى مَنَّ بِهِ عَلَيّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبي بَكْرٍ وَرِضَاه؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي؛ فَهُوَ مِن أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِك، وَاللهِ لَوْ أَنَّ لي طِلَاعَ الأَرْضِ ذَهَبَاً ـ أَيْ لَوْ أَنَّ لي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ذَهَبَاً ـ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِن عَذَابِ اللهِ عز وجل قَبْلَ أَن أَرَاه " 00
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3692 / فَتْح]
عَن أَبي رَافِعٍ قَال: " كَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدَاً لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَة، وَكَانَ يَصْنَعُ الأَرْحَاء ـ أَيْ حَجَرَ الرَّحَى ـ وَكَانَ المُغِيرَةُ يَسْتَغِلُّهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِم؛ فَلَقِيَ أَبُو لُؤْلُؤَةُ عُمَرَ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّ المُغِيرَةَ قَدْ أَثْقَلَ عَلَيَّ غَلَّتي، وَكَلِّمْهُ يخَفِّفْ عَنيِّ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَر: اتَّقِ اللهَ وَأَحْسِن إِلى مَوْلَاك، وَمِنْ نِيَّةِ عُمَرَ أَنْ يَلْقَى المُغِيرَةَ فَيُكَلِّمَهُ فَيُخَفِّف؛ فَغَضِبَ الْعَبْدُ وَقَال: وَسِعَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَدْلُهُ غَيرِي؛ فَأَضْمَرَ عَلَى قَتْلَهُ؛ فَاصْطَنَعَ خِنْجَرَاً لَهُ رَأْسَان، وَشَحَذَهُ وَسَمَّهُ " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (76/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا طُعِنَ عُمَر؛ أَرْسَلُواْ إِلى طَبِيب، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَار، فَسَقَاهُ لَبَنَاً، فَخَرَجَ اللَّبنُ مِنَ الطَّعْنَةِ الَّتي تحْتَ السُّرَّة؛ فَقَالَ لَهُ الطَّبِيب: اعْهَدْ عَهْدَك؛ فَلَا أَرَاكَ تُمْسِي، فَقَالَ صَدَقْتَني " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: 78/ 9، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:
" قِيلَ لِعُمَرَ رضي الله عنه: أَلَا تَسْتَخْلِف 00؟
قَالَ رضي الله عنه: إِن أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَن هُوَ خَيْرٌ مِنيِّ: أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَإِن أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَن هُوَ خَيْرٌ مِنيِّ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 7218 / فَتْح]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " حَضَرْتُ أَبي حِينَ أُصِيب؛ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَقَالُواْ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرَاً؛ فَقَالَ رضي الله عنه: رَاغِبٌ وَرَاهِب، قَالُواْ اسْتَخْلِفْ؛ فَقَالَ رضي الله عنه:
أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيَّاً وَمَيِّتَاً 00؟!
لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّيَ مِنْهَا الْكَفَافُ لَا عَلَيَّ وَلَا ليّ؛ فَإِن أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنيِّ ـ يَعْني أَبَا بَكْر ـ وَإِن أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنيِّ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَر:
" فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُسْتَخْلِف "
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1823 / عَبْد البَاقِي]
أَحْدَاثُ الْوَفَاةِ بِالتَّفْصِيلِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيّ
عَن عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ رضي الله عنه قَال: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالمَدِينَة، وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ـ أَيْ وَهمَا يَعْمَلَانِ في زِرَاعَةِ أَرْضِ بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِين ـ قَال رضي الله عنه: كَيْفَ فَعَلْتُمَا 00؟
أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيق 00؟
قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرَاً هِيَ لَهُ مُطِيقَة، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْل، قَالَ رضي الله عنه:
انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيق، قَالَا لَا، فَقَالَ عُمَر: لَئِنْ سَلَّمَني اللهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لَا يحْتَجْنَ إِلى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدَاً، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَاّ رَابِعَةٌ حَتىَّ أُصِيب، إِنيِّ لَقَائِمٌ مَا بَيْني وَبَيْنَهُ إِلَاّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيب، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَال: اسْتَوُواْ، حَتىَّ إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلَ أَوْ نحْوَ ذَلِكَ في الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتىَّ يجْتَمِعَ النَّاس، فَمَا هُوَ إِلَاّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُول: قَتَلَني أَوْ أَكَلَني الكَلْبُ حِينَ طَعَنهُ، فَطَارَ العِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْن،
لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينَاً وَلَا شِمَالاً إِلَاّ طَعَنهُ، حَتىَّ طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَة، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسَاً ـ أَيْ ثَوْبَاً بِغِطَاءٍ لِلرَّأْس ـ فَلَمَّا ظَنَّ العِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ ـ أَيْ ذَبحَ ـ نَفْسَه، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي المَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُواْ صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُون: سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله، فَصَلَّى بهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُواْ قَالَ رضي الله عنه: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَني 00؟
فَجَالَ سَاعَةً ثمَّ جَاءَ فَقَالَ رضي الله عنه: غُلَامُ المُغِيرَة، قَالَ رضي الله عنه: الصَّنَع 00؟
قَالَ نَعَمْ، قَالَ رضي الله عنه: قَاتَلَهُ اللهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفَاً، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يجْعَلْ مِيتَتي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلَام، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ العُلُوجُ ـ أَيِ الأَعَاجِمُ ـ بِالمَدِينَة، وَكَانَ العَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقَاً، فَقَالَ ـ أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ:
أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا، قَالَ رضي الله عنه: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُواْ بِلِسَانِكُمْ وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّواْ حَجَّكُمْ، فَاحْتُمِلَ إِلى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ لَا بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ أَخَافُ عَلَيْه، فَأُتيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِه، ثمَّ أُتيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَلِمُواْ أَنَّهُ مَيِّت، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَاءَ النَّاسُ فَجَعَلُواْ يُثْنُونَ عَلَيْه، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَال: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدَمٍ في الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَة، قَالَ رضي الله عنه:
وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا ليّ، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ رضي الله عنه: رُدُّواْ عَلَيَّ الغُلَام، قَالَ رضي الله عنه: يَا ابْنَ أَخِي: ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّك، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَر: انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْن، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثمَانِينَ أَلفَاً أَوْ نحْوَه، قَالَ رضي الله عنه: إِنْ وَفى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِن أَمْوَالهِمْ، وَإِلَاّ فَسَلْ في بَني عَدِيِّ بْنِ كَعْب، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ في قُرَيْشٍ وَلَا تَعْدُهُمْ إِلى غَيْرِهِمْ فَأَدِّ عَني هَذَا المَالَ، انْطَلِقْ إِلى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ وَلَا تَقُلْ:
أَمِيرُ المُؤْمِنِين؛ فَإِني لَسْتُ اليَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرَاً، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْه، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ثمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَال: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ السَّلَامَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْه، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّ بِهِ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيل: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاء، قَالَ رضي الله عنه: ارْفَعُوني، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْه، فَقَالَ ـ أَيْ لَابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر ـ مَا لَدَيْكَ 00؟
قَالَ الَّذِي تحِبُّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين: أَذِنَتْ، قَالَ رضي الله عنه:
الحَمْدُ للهِ مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمَّ إِليَّ مِنْ ذَلِك، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُوني ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب، فَإِن أَذِنَتْ لي فَأَدْخِلُوني، وَإِنْ رَدَّتْني رُدُّوني إِلى مَقَابِرِ المُسْلِمِين، وَجَاءتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا ـ أَيْ نحْنُ الرِّجَالُ ـ قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَال، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءهَا مِنَ الدَّاخِلِ فَقَالُواْ: أَوْصِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ، قَالَ رضي الله عنه: مَا أَجِدُ أَحَدَاً أَحَقَّ بهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ:
فَسَمَّى عَلِيَّاً وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدَاً وَعَبْدَ الرَّحمَن، وَقَالَ رضي الله عنه: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ ـ أَيْ أَذِنَ لَهُ في الحُضُورِ جَبرَاً لخَاطِرِه ـ فَإِن أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدَاً فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَاّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ؛ فَإِني لَمْ أَعْزِلْهُ عَن عَجْزٍ وَلَا خِيَانَة، وَقَالَ رضي الله عنه: أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لهُمْ حَقَّهُمْ، وَيحْفَظَ لهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيرَاً: الَّذِينَ تَبَوَّءواْ الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ محْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ،
وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيرَاً؛ فَإِنهُمْ رِدْءُ الإِسْلَامِ وَجُبَاةُ المَالِ وَغَيْظُ العَدُوّ، وَأَلَاّ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَاّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرَاً؛ فَإِنَّهُمْ أَصْلُ العَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُوفى لهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُواْ إِلَاّ طَاقَتَهُمْ، فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَال: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب، قَالَتْ: أَدْخِلُوه؛ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْه،
فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْط 00 فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُواْ أَمْرَكُمْ إِلى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْر: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلى عَلِيّ، فَقَالَ طَلْحَة: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلى عُثْمَان، وَقَالَ سَعْد: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلى عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْف، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنجْعَلُهُ إِلَيْهِ ـ أَيْ مَنْ تَبرَّأَ مِنَ الوِلَايَةِ جَعَلْنَا إِلَيْهِ اخْتِيَارَ الوَاليَ مِنْ بَينِ الَاثْنَينِ البَاقِيَين ـ وَاللهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ في نَفْسِه؛ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَان ـ أَيْ عَلِيٌّ وَعُثْمَان ـ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِليّ ـ أَيْ أَتَبرَّأُ أَنَا وَأَخْتَارُ مِنْكُمَا ـ وَاللهُ عَلَيَّ أَلَاّ آلُ عَن أَفْضَلِكُمْ 00؟
قَالَا نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَال: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالقَدَمُ في الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللهُ عَلَيْكَ ـ أَيْ فَاللهُ شَهِيدٌ عَلَيْكَ ـ لَئِن أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِن أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ المِيثَاقَ قَال: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوه " 0
[الصَّنَعُ وَالصَّنَاع: أَيِ الصَّانِعُ المَاهِر 0 الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَنَاقِبِ بَاب: قِصَّةِ بَيْعَةِ عُثْمَانَ وَمَقْتَلِ عُمَر 0 بِرَقْم: 3700]
تَرَحُّمُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَيْه
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " إِنيِّ لَوَاقِفٌ في قَوْمٍ؛ فَدَعَوْا اللهَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِه؛ إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبي يَقُول: رَحِمَكَ الله؛ إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْك؛ لأَنيِّ كَثِيرَاً مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر؛ فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا، فَالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3677 / فَتْح]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنهُ رضي الله عنه أَيْضَاً أَنَّهُ قَال: " وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِه، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْني إِلَاّ رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبي؛ فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب، فَتَرَحَّمَ رضي الله عنه عَلَى عُمَرَ وَقَال: مَا خَلَّفْتَ أَحَدَاً؛ أَحَبَّ إِليَّ أَن أَلقَى اللهَ بمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْك، وَايْمُ اللهِ؛ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ 00 ثُمَّ سَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوِه " 00 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3685 / فَتْح]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى سَرِيرِه؛ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَع، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْني إِلَاّ بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بمَنْكِبي مِنْ وَرَائِي؛ فَالتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى رضي الله عنه عُمَرَ وَقَال: مَا خَلَّفْتُ أَحَدَاً أَحَبَّ إِليَّ أَن أَلْقَى اللهَ بمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْك، وَايْمُ اللهِ؛ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْك، وَذَاكَ أَنيِّ:
كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر " وَ " دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر " وَ " خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر " 00
فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَوْ لأَظُنُّ أَنْ يجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2389 / عَبْد البَاقِي]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه بَعْدَ مَوْتِهِ، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَال: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا حَفْص، فَوَاللهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَحَبُّ إِليَّ مِن أَنْ أَلْقَى اللهَ تَعَالى بِصَحِيفَتِهِ مِنْك " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 867، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
تَرَحُّمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَحُزْنُهُ عَلَيْه
وَلَمَّا دُفِنَ الفَارُوقُ رضي الله عنه أَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاة عَلَيْه، فَوَقَفَ عَلَى قَبرِهِ يَبْكِي وَطَرَحَ رِدَاءهُ ثمَّ قَال:" وَاللهِ لَئِنْ فَاتَتْني الصَّلَاة عَلَيْكَ فَلَنْ يَفُوتَني حُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْك، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ سَخيَّاً في الحَقّ، بخِيلاً في البَاطِل، تَرْضَى حِينَ الرِّضَا وَتَسْخَطُ حِينَ السَّخَط، مَا كُنْتَ عَيَّابَاً وَلَا مَدَّاحَاً فَجَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلَامِ خَيرَا " 0
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَال: " أَتَى عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه رَجُلَانِ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؛ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الآيَة؟
فَقَرَأَهَا عَلَيْه عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه؛ فَقَالَ الرَّجُل:
" إِنَّ أَبَا حَكِيمٍ أَقْرَأَنِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَقَرَأَ الآخَر؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَن أَقْرَأَكَهَا 00؟
قَالَ عُمَر، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ أَقْرَأَكَ عُمَر 00؟
ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللهِ حَتىَّ رَأَيْتَ دُمُوعَهُ تَحَدَّرُ في الحَصَى، ثُمَّ قَالَ رضي الله عنه: إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنَاً حَصِينَاً عَلَى الإِسْلَام، يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يخْرُجُونَ مِنهُ، وَإِنَّ الحِصْنَ أَصْبَحَ قَدْ أَسْلَم؛ فَالنَّاسُ يخْرُجُونَ مِنهُ وَلَا يَدْخُلُون " 0
وَزَادَ في رِوَايَةٍ قَالَ عَبْدُ الله: " مَا أَظُنُّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ حُزْنٌ يَوْمَ أُصِيبَ عُمَر؛ إِلَاّ أَهْلَ بَيْتِ سَوْء؛ إِنَّ عُمَرَ كَانَ أَعْلَمَنَا باللهِ وَأَقْرَأَنَا لِكِتَابِ الله، وَأَفْقَهَنَا في دِينِ اللهِ؛ اقْرَأْهَا، فَوَاللهِ فَهْيَ أَبْينُ مِنْ طَرِيقِ السَّيْلَحَين " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (77/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَطَرِيقُ السَّيْلَحَين: طَرِيقٌ سَهْلٌ لَا تَرَى فِيهِ عِوَجَاً وَلَا أَمْتَا، وَالسَّيْلَحَانِ قَرْيَةٌ بِالْعِرَاق 0
عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَال:
" شَهِدْتُ مَوْتَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه؛ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (78/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مخْرَمَةَ رضي الله عنه قَال: " وَليَ عُمَرُ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ تُوُفِّي " 0 [حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (78/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
تَرَحُّمُ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه وَحُزْنُهُ عَلَيْه
عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " كَانَ الإِسْلَامُ في زَمَانِ عُمَرَ رضي الله عنه كَالرَّجُلِ المُقْبِل؛ لَا يَزْدَادُ إِلَاّ قُرْبَاً، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رضي الله عنه كَانَ كَالرَّجُلِ المُدْبِرِ لَا يَزْدَادُ إِلَاّ بُعْدَاً " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4488]
وَفَاةُ سَيِّدِنَا عُثْمَان رضي الله عنه
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ الأَزْدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا " 0
قَالُواْ: مَاذَا يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَوْتي، وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالحَقِّ يُعْطِيه، وَمِنَ الدَّجَّال " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4548]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَعِدَ أُحُدَاً وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" اثْبُتْ أُحُد؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَان " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَنَاقِبِ بَاب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلَا " بِرَقْم: 3675]
عَن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَوْقَ دَارِهِ ثُمَّ قَال: أُذَكِّرُكُمْ بِالله؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حِرَاءَ حِينَ انْتَفَضَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" اثْبُتْ حِرَاء؛ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَاّ نَبيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيد " 00؟
قَالُواْ نَعَمْ؛ قَالَ رضي الله عنه: أُذَكِّرُكُمْ بِالله؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ في جَيْشِ العُسْرَة:
" مَنْ يُنْفِقُ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَة " 00 وَالنَّاسُ مجْهَدُونَ مُعْسِرُون؛ فَجَهَّزْتُ ذَلِكَ الجَيْش 00؟
قَالُواْ نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ رضي الله عنه: أُذَكِّرُكُمْ بِالله؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ بِئْرَ رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَاّ بِثَمَن؛ فَابْتَعْتُهَا فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنيِّ وَالفَقِيرِ وَابْنِ السَّبِيل 00؟
قَالُواْ: اللهُمَّ نَعَمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 3699]
وَعَنْ ثمَامَةَ القُشَيريِّ رضي الله عنه قَال: " شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ رضي الله عنه فَقَال: ائْتُوني بِصَاحِبَيْكُمْ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ ـ أَيِ اللَّذَيْنِ حَرَّشَاكُمْ ـ عَلَيَّ 00؟
فَجِيءَ بِهِمَا كَأَنَّهُمَا حِمَارَان، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ فَقَالَ رضي الله عنه: أَنْشُدُكُمُ بِاللهِ وَالإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَة وَلَيْسَ بهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيرَ بِئْرِ رُومَةٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَشْتَرِي رُومَةَ يجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ المُسْلِمِينَ بخَيرٍ لَهُ مِنهَا في الجَنَّة 00؟
فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلبِ مَالي، وَأَنْتُم اليَوْمَ تَمْنَعُوني أَن أَشْرَبَ مِنهَا وَمِنْ مَاءِ البَحْر 00؟
قَالُواْ: اللهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ رضي الله عنه: أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَالإِسْلَامَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ قَدْ ضَاقَ بِأَهْلِهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدَهَا في المسْجِدِ بِخَيرٍ مِنهَا في الجَنَّة 00؟
فَاشتَرَيتُهَا مِنْ صُلبِ مَالي، وَأَنْتُمُ اليَوْمَ تَمنَعُونيَ أَن أُصَلِّيَ فِيهَا رَكعَتَين 00؟
قَالُواْ: اللهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَالإِسْلَامَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَني جَهَّزْتُ جَيْشَ العُسْرَةِ مِنْ مَالي؟
قَالُواْ نَعَمْ، فَقَالَ رضي الله عنه: أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَالإِسْلَامَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثُبَير ـ جَبَلٌ بمكة ـ وَمَعَهُ أَبُو بَكر وَعُمَرُ وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الجَبَلُ حَتىَّ تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ فَرَكَضَهُ صلى الله عليه وسلم برِجْلِهِ وَقَالَ لَهُ:" اسْكُن ثُبَير؛ فَمَا عَلَيْكَ إِلَاّ نَبيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَان " 00؟
قَالُواْ: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ رضي الله عنه: اللهُ أَكْبر، شَهِدُواْ لي وَرَبِّ الكَعْبَةِ أَني شَهِيد " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ " بِرَقْمَيْ: (3608، 3703)، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 555]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً، فَمَرَّ رَجُل، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا المُقَنَّعُ يَوْمَئِذٍ مَظْلُومَاً " 0
فَنَظَرْتُ؛ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 5953، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
عَن أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنه قَال:
" كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ رضي الله عنه في الدَّارِ وَهُوَ محْصُور، وَكُنَّا نَدْخُلُ مَدْخَلاً إِذَا دَخَلْنَاهُ سَمِعْنَا كَلَامَ مَنْ عَلَى البَلَاط [أَيْ مَنْ بِالدَّار]؛ فَدَخَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه يَوْمًا لحَاجَة؛ فَخَرَجَ إِلَيْنَا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ فَقَالَ رضي الله عنه: إِنَّهُمْ لَيَتَوَعَّدُونَني بِالقَتْلِ آنِفًا؛ قُلْنَا: يَكْفِيكَهُمُ اللهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَقَالَ رضي الله عنه: وَبِمَ يَقْتُلُونَني؛ فَإِنيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " إِنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَاّ في إِحْدَى ثَلَاث: رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِه، أَوْ زَنىَ بَعْدَ إِحْصَانِه، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفْسٍ)) 0
فَوَاللهِ مَا زَنَيْتُ في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَام، وَلَا تَمَنَّيْتُ بَدَلاً بِدِيني مُذْ هَدَاني اللهُ عز وجل، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا؛ فَبِمَ يَقْتُلُونَني)) 00؟! [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم:(468)، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4019]
عَن أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنه قَال:
" إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه أَشْرَفَ يَوْمَ الدَّارِ فَقَال: أَنْشُدُكُمُ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا: تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَاّ بِإِحْدَى ثَلَاث: زِنَاً بَعْدَ إِحْصَان، أَوِ ارْتِدَادٌ بَعْدَ إِسْلَام، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ يُقْتَلُ بِهِ " 0
فَوَاللهِ مَا زَنَيْتُ في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَام، وَلَا ارْتَدَدْتُ مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا قَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ الله؛ فَبِمَ تَقْتُلُونَني " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8028]
كَتَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه إِلى عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لَمَّا حُوصِرَ:
أَمَّا بَعْد 00 فَإِنَّ السَّيْلَ قَدْ بَلَغَ الزُّبى وَجَاوَزَ الحِزَامُ الطُّبْيَين، وَتجَاوَزَ الأَمْرُ بي قَدْرَهُ، وَطَمِعَ فيَّ مَنْ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِه 00
وَإِنَّكَ لَمْ يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ * ضَعِيفٍ وَلَمْ يَغْلِبْكَ مِثْلُ مُغَلَّبِ
وَرَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا يَقْصُرُونَ دُونَ دَمِي؛ فَإِنْ كُنْتُ مَأْكُولاً فَكُن أَنْتَ آكِلِي، وَإِلَاّ فَأَدْرِكْني وَلَمَّا أُمَزَّق " 0 [المَيْدَانيُّ في مجْمَعِ الأَمْثَالِ بِطَبْعَةِ دَارِ المَعْرِفَة 0 بَيرُوت 0 ص: 166/ 1، وَالْبَيْتُ لَامْرِئِ الْقَيْس]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَان:
" يَا عُثْمَان؛ إِنَّ اللهَ عز وجل لَعَلَّهُ أَنْ يُقَمِّصَكَ قَمِيصَاً؛ فَإِن أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 3705، وَحَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ بِرَقْم: 14542، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 25162 وَحَسَّنَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" يَا عُثْمَان؛ إِنَّ اللهَ مُقَمِّصُكَ قَمِيصَاً؛ فَإِن أَرَادَكَ المُنَافِقُونَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في ظِلَالِ الجَنَّةِ بِرَقْم: 1179]
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَال:
" حَجَجْتُ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ لأَسْأَلَ عَنهَا؛ فَقَالَتْ: مَن أَنْت 00؟
فَقُلْتُ أَنَا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِير، فَقَالَتْ أَبُو عَمْرَة 00؟
فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَتْ رضي الله عنها إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَاً لِعُثْمَان:
" إِنْ كَسَاكَ اللهُ ثَوْبَاً، فَأَرَادَ المُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَهُ فَلَا تَخْلَعْهُ " 0
قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِير: غَفَرَ اللهُ لَكِ يَا أُمَّ المُؤْمِنِين؛ أَفَلَا ذَكَرْتِ هَذَا حِينَ يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكِ؟!
فَقَالَتْ رضي الله عنها: " نَسِيتُهُ حَتىَّ بَلَغَ اللهُ فِيهِ أَمْرَه " 0
[قَالَ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في ظِلَالِ الجَنَّة: إِسْنَادُهُ جَيِّد 0 ح / ر: 1178]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " ادْعُو لي رَجُلاً مِن أَصْحَابي "؛ قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم " لَا "؛ قُلْتُ: عُمَر 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم " لَا "؛ قُلْتُ: ابْنَ عَمِّكَ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم " لَا "؛ قُلْتُ: فَعُثْمَانَ رضي الله عنه 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم " نَعَمْ " 00
فَجَاءَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فَقَال: " قُومِي؛ فَجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلىَ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّر، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِل 00؟
قَالَ رضي الله عنه: لَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِليَّ أَمْرَاً؛ فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْه " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 24253، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4543]
حَدَّثَ أَبُو سَهْلَةَ عَن عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الدَّار:
" إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَهِدَ إِليَّ عَهْدَاً فَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 3711]
وَرَوَى شَيْخٌ مِنْ ضَبَّةَ أَنَّ عثْمَانَ حِينَ ضُرِبَ وَجَعَلَتِ الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى لحْيَتِهِ كَانَ يَقُول: {لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنيِّ كُنْتُ مِنَ الظَّالمِين} [الأَنْبِيَاء 87]
اللهُمَّ إِني أَسْتَعْدِيكَ عَلَيهِمْ، وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى جمِيعِ أُمُورِي، وَأَسْأَلُكَ الصَّبرَ عَلَى مَا ابْتَلَيْتَني 00!! [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 وَفَاةُ عُثْمَان: 1872]
أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَوُقُوفُهُ بجَانِبِ عُثْمَان
عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنيَّ رضي الله عنه عَنْ جَدِّهِ لأُمِّهِ أَبي حَسَنَةَ رضي الله عنه قال: " شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَعُثْمَانُ رضي الله عنه محْصُورٌ في الدَّار، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَاخْتِلَافٌ وَفِتْنَة " 0
قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله؛ فَمَا تَأْمُرُنَا 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " عَلَيْكُمْ بِالأَمِيرِ وَأَصْحَابِه "، وَأَشَارَ صلى الله عليه وسلم إِلىَ عُثْمَانَ رضي الله عنه " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4541]
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه وَوُقُوفُهُ بجَانِبِ عُثْمَان
حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي الزِّنَادِ عَن أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذَكْوَانَ قَال:
" لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، أَتَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَدَخَلَ عَلَيْهِ الدَّار؛ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه: أَنْتَ خَارِجَ الدَّارِ أَنْفَعُ لي مِنْكَ هَا هُنَا؛ فَذُبَّ عَنيِّ؛
فَخَرَجَ رضي الله عنه فَكَانَ يَذُبُّ النَّاسَ وَيَقُولُ لَهُمْ فِيه؛ حَتىَّ رَجَعَ أُنَاسٌ مِنَ الأَنْصَار، وَجَعَلَ رضي الله عنه يَقُول: يَا لَلأَنْصَار، كُونُواْ أَنْصَارَاً لله، كُونُواْ أَنْصَارَاً لله، انْصُرُوه، وَاللهِ إِنَّ دَمَهُ لَحَرَام " 0
وَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ حَتىَّ لَقِيَ مِمَّنْ تَوَلَّوْاْ كِبرَهَا شَرَّاً 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 435/ 2]
عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه وَوُقُوفُهُ بجَانِبِ عُثْمَان
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَالَ حِينَ هَاجَ النَّاسُ في أَمْرِ عُثْمَان: " أَيُّهَا النَّاس؛ لَا تَقْتُلُواْ هَذَا الشَّيْخَ وَاسْتَعْتِبُوه؛ فَإِنَّهُ لَنْ تَقْتُلَ أُمَّةٌ نَبِيَّهَا فَيَصْلُحُ أَمْرِهِمْ؛ حَتىَّ يُرَاقَ دِمَاءُ سَبْعِينَ أَلْفَاً مِنهُمْ، وَلَنْ تَقْتُلَ أُمَّةٌ خَلِيفَتَهَا فَيَصْلُحَ أَمْرُهُمْ حَتىَّ يُرَاقَ دِمَاءُ أَرْبَعِينَ أَلْفَاً مِنهُمْ، فَلَمْ يَنْظُرُواْ فِيمَا قَالَ وَقَتَلُوه " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (92/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
عِلْمُهُ رضي الله عنه بِأَنَّهُ مَقْتُول
حَدَّثَ أَبُو عَلْقَمَةَ مَوْلىَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَال: " أَغْفَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه في الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيه، فَاسْتَيْقَظَ فَقَال: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ تَمَنىَّ عُثْمَانُ الْفِتْنَةَ لحَدَّثْتُكُمْ؛ قُلْنَا: أَصْلَحَكَ الله؛ فَحَدِّثْنَا؛ فَلَسْنَا نَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاس؛ فَقَال: إِنيِّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَنَامِي هَذَا فَقَال:
" إِنَّكَ شَاهِدٌ مَعَنَا الجُمُعَة " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4542]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَصْبَحَ فَقَال:
" إِنيِّ رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ اللَّيْلَةَ فَقَال: " يَا عُثْمَان؛ أَفْطِرْ عِنْدَنَا " 00 فَأَصْبَحَ عُثْمَانُ رضي الله عنه صَائِمَاً؛ فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4554]
وَعَنْ محَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه عَن أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ رضي الله عنه قَالَ لِكُثَيِّرِ بْنِ الصَّلْت: " يَا كُثَيِّر؛ أَنَا وَاللهِ مَقْتُولٌ غَدَاً، قَالَ بَلْ يُعْلِي اللهُ كَعْبَكَ وَيَكْبُتُ عَدُوَّك، ثُمَّ أَعَادَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِك، قَالَ عَمَّ تَقُولُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00؟
قَال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر، فَقَالَ لي: يَا عُثْمَان؛ أَنْتَ عِنْدَنَا غَدَاً، وَأَنْتَ مَقْتُولٌ غَدَاً، فَأَنَا وَاللهِ مَقْتُول، فَقُتِل؛ فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ إِلى الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُواْ فَقَال: يَا أَهْلَ مِصْر، يَا قَتَلَةَ عُثْمَان؛ قَتَلْتُمْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَمَا وَاللهِ لَا يَزَالُ عَهْدٌ مَنْكُوث، وَدَمٌ مَسْفُوح، وَمَالٌ مَقْسُوم، مَا بَقِيتُمْ " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص:(93/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
عَن أَبي سَعِيدٍ مَوْلى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه: أَنَّ عُثْمَانَ أَعْتَقَ عِشْرِينَ مَمْلُوكَاً، وَدَعَا بِسَرَاوِيلَ فَشَدَّهَا عَلَيْه، وَلَمْ يَلْبَسْهَا في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ وَقَال: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم البَارِحَةَ في المَنَام، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهم، وَإِنَّهُمْ قَالُواْ ليَ اصْبِرْ؛ فَإِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ ـ أَيِ اللَّيْلَةَ المُقْبِلَة ـ ثُمَّ دَعَا بِمُصْحَفٍ فَنَشَرَهُ بَيْنَ يَدَيْه، فَقُتِلَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 526، وَوَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ ص: 96/ 9، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَال: أَتَيْتُ عُثْمَانَ لأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهْوَ محْصُور، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ رضي الله عنه فَقَال: مَرْحَبَاً يَا أَخِي، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الليْلَةَ فَقَال:" يَا عُثْمَانُ حَصَرُوك "؟
قُلتُ نَعَمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" عَطَّشُوك " 00؟
قُلتُ نَعَمْ، فَأَدْلى إِليَّ دَلوَا فِيهِ مَاء فَشَرِبْتُ حَتىَّ رَوِيت، إِنيِّ لأَجِدُ بَرْدَهُ بَينَ ثَديَيَّ وَبَينَ كَتِفَيَّ، وَقَال لي صلى الله عليه وسلم:" إِنْ شِئْتَ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرتَ عِنْدَنَا " 00 فَاخْتَرْتُ أَن أُفْطِرَ عِنْدَه، فَقُتِلَ رضي الله عنه ذَلِكَ اليَوْم " 0 [الإِحْيَاءُ 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 وَفَاةُ عُثْمَان: 1872]
وَعَن أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا ضَرَبَ الرَّجُلُ يَدَ عُثْمَانَ قَال: " إِنَّهَا لأَوَّلُ يَدٍ خَطَّتِ المُفَصَّل "
[حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (94/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَعَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَال:
" قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ حِينَ أَطَافُواْ بِهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ: إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوه؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ في رَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآن " 0 [حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (94/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَسَأَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه مَن حَضَرَ مَقْتَلَ عثْمَان:
" مَاذَا قَالَ عثْمَانُ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ 00؟
قَالُواْ: سَمِعْنَاهُ يَقُول: " اللهُمَّ اجْمَعْ أُمَّةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَاً " 00 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَام: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه؛ لَوْ دَعَا اللهَ أَلَاّ يجْتَمِعُواْ أَبَدَا؛ مَا اجْتَمَعُواْ إِلى يَوْمِ القِيَامَة " 0 [الإِحْيَاءُ 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 وَفَاةُ عُثْمَان: 1872]
طَرْحُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ في المَزَابِلِ رضي الله عنه
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه ظَلَّ مَطْرُوحَاً بَعْدَ قَتْلِهِ عَلَى كُنَاسَةٍ ثَلَاثَاً ـ أَيْ طَرَحَهُ قَتَلَتُهُ في مَزْبَلَةٍ وَتَوَعَّدُواْ مَنْ يَقُومُ بِدَفْنِهِ ـ فَأَتَاهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، مِنهُمْ جَدِّي مَالِك بْنُ أَبي عَامِر، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَام، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَير، وَعَائِشَةُ بِنْتُ عُثْمَانَ لَيْلاً، مَعَهُمْ مِصْبَاح، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَابٍ، وَإِنَّ رَأْسَهُ تَقُولُ عَلَى الْبَابِ طَقْ طَقْ ـ أَيْ تُوشِكُ أَنْ تَتَدَحْرَجَ مِنْ فَوْقِه ـ حَتىَّ أَتَواْ بِهِ الْبَقِيع لِيَدْفِنُوه، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَني مَازِنٍ فَقَال:
لَئِنْ دَفَنْتُمُوهُ مَعَ المُسْلِمِينَ لأُخْبِرَنَّ النَّاسَ غَدَاً؛ فَحَمَلُوهُ حَتىَّ أَتَواْ بِهِ حُشَّ كَوْكَب ـ مَوْضِعٌ بِالمَدِينَةِ قُرْبَ الْبَقِيع، وَالحُشُّ هُوَ الْبُسْتَان ـ فَدَفَنُوهُ وَسَوَّواْ عَلَيْهِ التُّرَاب، قَالَ مَالِك: وَكَانَ عُثْمَانُ قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّ بحُشِّ كَوْكَبٍ فَيَقُول: لَيُدْفَنَنَّ هَا هُنَا رَجُلٌ صَالح " 0
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (95/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِير]
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً، أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانِين " 0 [قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ إِلى قَتَادَةَ ثِقَات 0 ص:(99/ 9)، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَأَحْمَدُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 548]
عَن إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَن أَبي مَعْشَرٍ قَال: " قُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه يَوْمَ الجُمُعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ ذِي الحِجَّة، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِين، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثِنْتيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَاّ اثْنيْ عَشَرَ يَوْمَاً "
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (98/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ وَأَحْمَدُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 546]
عَن أَبي قِلَابَةَ رضي الله عنه أَنَّ ثُمَامَةَ رضي الله عنه كَانَ عَلَى صَنعَاء، فَلَمَّا جَاءهُ قَتْلُ عُثْمَان؛ خَطَبَ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدَاً، فَلَمَّا أَفَاقً وَاسْتَفَاقَ قَال:" الْيَوْمَ انْتُزِعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ مِن أُمَّةِ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَصَارَتْ مُلْكَاً وَجَبْرِيَّةً، مَن أَخَذَ شَيْئَاً غُلِبَ عَلَيْه " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (99/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِير]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ هَلَاكَ أُمَّتي: عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْش " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْمَيْ: 7858، 8020]
وَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقِّ مَا قِيلَ في رِثَائِهِ قَوْلُ حَسَّان:
قَدْ يَنْفَعُ الصَّبْرُ في المَكْرُوهِ أَحْيَانَا * وَكَيْفَ نَصْبِرُ فِيمَا نَالَ عُثْمَانَا
ضَحَّواْ بِأَشْمَطَ عُنوَانُ السُّجُودِ بِهِ * يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحَاً وَقُرْآنَا
وَفَاةُ الإِمَامِ عَلِيّ رضي الله عنه
عَنْ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَاً لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: " مَن أَشْقَى الأَوَّلِين " 00؟
قَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: " الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ يَا رَسُولَ الله " 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " صَدَقْت، فَمَن أَشْقَى الآخِرِين " 00؟
قَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: " لَا عِلْمَ لي يَا رَسُولَ الله " 0
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِه " 0
وَأَشَارَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلى يَافُوخِه: أَيْ مُؤَخِّرَةِ دِمَاغِه 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (1088)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]
وَفي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أُحَيْمِرُ ثَمُود، الَّذِي عَقَرَ النَّاقَة، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِهِ ـ أَيْ عَلَى مُؤَخِّرَةِ رَأْسِهِ ـ حَتىَّ تَبْتَلَّ هَذِهِ مِنَ الدَّم " 00 يَعْني صلى الله عليه وسلم لحْيَتَهُ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (1743)، قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم]
حَدَّثَ حَيَّانُ الأَسَدِيُّ عَن الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " إِنَّ الأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ بَعْدِي، وَأَنْتَ تَعِيشُ عَلَى مِلَّتي وَتُقْتَلُ عَلَى سُنَّتي، مَن أَحَبَّكَ أَحَبَّني، وَمَن أَبْغَضَكَ أَبْغَضَني، وَإِنَّ هَذِهِ سَتُخْضَبُ مِن هَذَا " 0 يَعْني لحْيَتُهُ مِنْ يَافُوخِهِ [مُؤَخِّرَةُ رَأْسِهِ]
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4686]
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَال: " قَدِمَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَلَى قَوْمٍ مِن أَهْلِ البَصْرَةِ مِنَ الخَوَارِج، فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الجَعْدُ بْنُ بَعْجَة، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللهَ يَا عَلِيّ؛ فَإِنَّكَ مَيِّت، فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: بَلْ مَقْتُول، ضَرْبَةٌ عَلَى هَذَا تُخَضِّبُ هَذِهِ ـ يَعْني لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِه ـ عَهْدٌ مَعْهُود، وَقَضَاءٌ مَقْضِيّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، وَعَاتَبَهُ في لِبَاسِهِ فَقَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: مَا لَكُمْ وَلِلِّبَاس؛ هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الكِبْر، وَأَجْدَرُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ المُسْلِم " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 703، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَنْ زَيدَ بنَ الحُسَينِ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا قُتِلَ أَمِير المُؤْمِنِينَ عَلَيُّ بْنِ أَبي طَالِب كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَتَى بِنَعْيهِ إِلى المَدِينَةِ كُلثُومُ بنُ عَمْرو، فَكَانَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ التي أَتَى فِيهَا أَشْبَهَ بِالسَّاعَةِ الَّتي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ مِنْ بَاكٍ وَبَاكِيَة، وَصَارِخٍ وَصَارِخَة، حَتىَّ إِذَا هَدَأَتْ عَبرَةُ البُكَاءِ عَنِ النَّاسِ قَالَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تَعَالَواْ حَتىَّ نَذْهَبَ إِلى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَنْظُرَ حُزْنَهَا عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَامَ النَّاسُ جَمِيعَاً حَتىَّ أَتَواْ مَنزِلَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَاسْتَأْذَنُواْ عَلَيْهَا،
فَوَجَدُواْ الخَبرَ قَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا، وَإِذَا هِيَ في غَمْرَةِ الأَحزَانِ وَعَبرَةِ الأَشْجَانِ، مَا تَفْتُرُ عَنِ البُكَاءِ وَالنَّحِيبِ مُنْذُ أَنْ سَمِعَت بخَبرِه، فَلَمَّا نَظَرَ النَّاسُ إِلى ذَلِكَ مِنهَا انْصَرَفُواْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ قِيلَ: إِنَّهَا غَدَتْ إِلى قَبرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَبْقَ في المَسْجِدِ أَحَدٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ إِلَاّ اسْتَقْبَلَهَا يُسَلِّمُ عَلَيْها، وَهِيَ لَا تُسَلِّمُ وَلَا تَرُدُّ وَلَا تُطِيقُ الكَلَامَ مِن غَزْرَةِ الدَّمْعَة، وَغَمْرَةِ العَبرَة، تخْتَنقُ بِعَبرَتِهَا، وَتَتَعَثَّرُ في أَثوَابها، وَالنَّاسُ مِن خَلْفِهَا حَتىَّ أَتَتْ إِلى الحُجْرَةِ فَأَخَذَتْ بِعَضُدَتيِ البَابِ ثُمَّ قَالَتْ:
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبيَّ الهدَى، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا القَاسِم، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللهِ وَعَلَى صَاحِبَيْكَ، يَا رَسُول الله: أَنَا نَاعِيَةٌ إِلَيْكَ أَحْظَى أَحْبَابِك، وَذَاكِرَةٌ لَكَ أَكْرَمَ أَوَدَّائِكَ عَلَيْك، قُتِلَ وَاللهِ حَبِيبُكَ المجْتَبى، وَصَفِيُّكَ المُرْتَضَى، قُتِلَ وَاللهِ مَنْ زَوَّجْتَهُ خَيرَ النِّسَاء، قُتِلَ وَاللهِ مَن آمَنَ وَوَفى، وَإِنيِّ لَنَادِبَةٌ ثَكلَى، وَعَلَيْهِ بَاكِيَةٌ حَرَّى، فَلَوْ كُشِفَ عَنْكَ الثَّرَى لَقُلْتَ: إِنَّه قُتِلَ أَكرَمُهُمْ عَلَيْكَ، وَأَحْظَاهُم لَدَيْك " 0
[العِقدُ الفَرِيد 0 طَبْعَةُ دَارِ الكُتُبِ العِلمِيَّة 0 بَيرُوت 0 ص: 144/ 3]
قَالَ الإِصْبَعُ الحَنْظَلِيُّ رضي الله عنه: " لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتي أُصِيبَ فِيهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، أَتَاهُ ابنُ التَّيَّاحِ حِينَ طَلَعَ الفَجْر يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مُتَثَاقِل، فَعَادَ الثَّانِيَة وَهُوَ كَذَلِك، ثُمَّ عَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَامَ عَلِيٌّ يمْشِي وَهُوَ يَقُول:
هَبِ الدُّنيَا تُوَاتِيكَا * أَلَيْسَ المَوْتُ يَأْتِيكَا
فَلَا تجْزَعْ مِنَ المَوْتِ * إِذَا مَا حَلَّ وَادِيكَا
فَلَمَّا بَلَغَ البَابَ الصَّغِيرَ شَدَّ عَلَيْهِ ابْن مُلْجَمٍ فَضَرَبَه، فَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ ابْنَةُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَجَعَلَتْ تَقُول: مَا لي وَلِصَلَاةِ الغَدَاة: قُتِلَ زَوْجِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ صَلَاةَ الغَدَاة، وَقُتِلَ أَبي صَلَاةَ الغَدَاة 00!!
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 وَفَاةُ عُثْمَان: 1873]
وَيُرْوَى عَنهُ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه؛ أَنَّهُ قَال حِينَ ضَرَبَه ابْنُ مُلجَم: " فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَة "
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 وَفَاةُ عُثْمَان: 1873]
عَن إِسْمَاعِيلَ بن راشد رضي الله عنه قال:
" كَانَ مِن حَدِيثِ ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللهُ وَأَصْحَابِه: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ، وَالبُرْكُ بْنَ عَبْدِ الله، وَعَمْرَو بْنَ بَكْرٍ التَّمِيمِيّ؛ اجْتَمَعُواْ بِمَكَّة، فَذَكَرُواْ أَمْرَ النَّاسِ وَعَابُواْ عَلَيْهِمْ وَلَاتِهِمْ، ثمَّ ذَكَرُواْ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَتَرَحَّمُواْ عَلَيْهِمْ فَقَالُواْ: وَاللهِ مَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ شَيْئَاً؛ إِخْوَانُنَا الَّذِينَ كَانُواْ دُعَاةَ النَّاسِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ، الَّذِينَ كَانُواْ لَا يخَافُونَ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِم، فَلَوْ شَرِيْنَا أَنْفُسَنَا؛ فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَالْتَمَسْنَا قَتْلَهُمْ؛ فَأَرَحْنَا مِنهُمُ البِلَادَ وَثَأَرْنَا بهِمْ إِخْوَانَنَا 00
قَالَ ابْنُ مُلْجَم، وَكَانَ مِن أَهْلِ مِصْر: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِب، وَقَالَ البُرْكُ بْنُ عَبْدِ الله: أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيَان، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيّ:
أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاص، فَتَعَاهَدُواْ وَتَوَاثَقُواْ بِاللهِ أَلَاّ يَنْكُصَ رَجُلٌ مِنهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ حَتىَّ يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَه، فَأَخَذُواْ أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، وَتَوَاعَدُواْ لِسَبْعِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ أَنْ يَثِبَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْه، وَأَقْبَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُمْ إِلى المِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَطْلُب 00
فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ المُرَادِيُّ؛ فَأَتَى أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ وَكَاتمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُظْهِرُواْ شَيْئَاً مِن أَمْرِه، وَإِنَّهُ لَقِيَ أَصْحَابَهُ مِنْ تَيْمِ الرَّبَاب، وَقَدْ قَتَلَ عَلِيٌّ مِنهُمْ عِدَّةً يَوْمَ النَّهْر، فَذَكَرُواْ قَتْلَاهُمْ فَتَرَحَّمُواْ عَلَيْهِمْ، وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لهَا قَطَامُ بِنْتُ الشِّحْنَة، وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ أَبَاهَا وَأَخَاهَا يَوْمَ النَّهْر، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الجَمَال، فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَتْ بِعَقْلِهِ وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتي جَاءَ لهَا، فَخَطَبَهَا؛ فَقَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُ حَتىَّ تَشْفِيَني، قَالَ وَمَا تَشَائِين 00؟
قَالَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَعَبْدَاً وَقَيْنَة، وَقَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِب، فَقَالَ هُوَ مَهْرٌ لَكِ، فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِب؛ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِيهِ لي وَأَنْتِ تُرِيدِينَه ـ أَيْ لَا حَاجَةَ لَكِ بِه ـ قَالَتْ بَلَى، فَالْتَمِسْ غِرَّتَه، فَإِن أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي، ونَفَعَكَ مَعِي الْعَيْش، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا ثَمَّ اللهِ عز وجل خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا، فَقَال: مَا جَاءَ بي إِلى هَذَا المِصْرِ إِلَاّ قَتْلُ عَلِيّ، قَالَتْ: فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَخْبرَنيِّ حَتىَّ أَطْلُبَ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ وَيُسَاعِدَكَ عَلَى التَّابِعِين، فَبَعَثَتْ إِلى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهُ وِرْدَان، فَكَلَّمَتْهُ فَأَجَابَهَا، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلاً
مِن أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ شَبِيبُ بْنُ نجْدَةَ فَقَالَ لَه: هَلْ لَكَ في شَرَفِ الدُّنيَا وَالآخِرَة 00؟
قَالَ وَمَا ذَاك 00؟
قَالَ قَتْلُ عَلِيّ؛ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّك، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئَاً إِدَّا؛ كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِه 00؟
قَالَ أَكْمُنُ لَهُ في السَّحَر، فَإِذَا خَرَجَ إِلى صَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاه، فَإِنْ نجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا ثَمَّ اللهِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا، وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا؛ قَالَ وَيْحَكَ لَوْ عَلَيٌّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيّ، قَدْ عَرَفْتُ بَلَاءهُ في الإِسْلَامِ وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا أَجِدُني أَنْشَرِحُ لِقَتْلِهِ؛ قال ـ أَيِ ابْنُ مُلْجَم: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرِ الْعُبَّادَ المُصَلِّين 00؟
قَالَ بَلَى، قَالَ فَقَتْلُهُ بِمَا قَتَل مِن إِخْوَانِنَا، فَأَجَابَه، فَجَاؤُواْ حَتىَّ دَخَلُواْ عَلَى قَطَامَ وَهِيَ في المَسْجِدِ الأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةٌ فِيه، فَقَالُواْ لَهَا: قَدْ أُجْمِعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيّ، قَالَتْ: فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَلِكَ فَائْتُوني، فَجَاءَ فَقَالَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الَّتي وَاعَدْتُ فِيهَا صَاحِبيَّ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَه، فَدَعَتْ لَهُمْ بِالحَرِيرِ فَعَصَبَتْهُمْ، وَأَخَذُواْ أَسْيَافَهُمْ وَجَلَسُواْ مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتي يخْرُجُ مِنهَا عَلِيّ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِصَلَاةِ الْغَدَاة، فَجَعَلَ يُنَادِي كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاة؛ فَشَدَّ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْف، فَوَقَعَ السَّيْفُ بِعِضَادَةِ الْبَابِ أَوِ بِالطَّاق، فَشَدَّ
عَلَيْهِ بْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ في قَرْنِه ـ أَيْ في جَانِبِ رَأْسِهِ الخَلْفِيّ ـ وَهَرَبَ وِرْدَانُ حَتىَّ دَخَلَ مَنزِلَه، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَني أُمِّهِ وَهُوَ يَنْزِعُ الحَرِيرَ وَالسَّيْفَ عَنْ صَدْرِهِ، فَقَالَ مَا هَذَا السَّيْفُ وَالحَرِير 00؟
فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَان، فَذَهَبَ إِلى مَنْزِلِهِ فَجَاءَ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَهُ حَتىَّ قَتَلَه ـ أَيْ جَزَاءَ تَآمُرِهِ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ـ وَخَرَجَ شَبِيبٌ نحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَة، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاس ـ أَيْ أَرَادُواْ قَتْلَهُ ـ
إلَاّ أَنَّ رَجُلاً مِن حَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ عُوَيْمِر؛ ضَرَبَ رِجْلَهُ بِالسَّيْفِ فَصَرَعَهُ وَجَثَمَ عَلَيْه،
فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَقْبَلُواْ في طَلَبِهِ وَسَيْفُ شَبِيبٍ في يَدِه؛ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ فَنَجَا بِنَفْسِه، وَنجَا شَبِيبٌ في غُمَارِ النَّاس، وَخَرَجَ بْنُ مُلْجَم، فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ هَمَدَانَ فَضَرَبَ رِجْلَهُ وَصَرَعَه، وَتَأَخَّرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَدَفَعَ في ظَهْرِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيرَةَ بْنِ أَبي وَهْب ـ أَيْ غَمَزَهُ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاس ـ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاة، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِب، وَذَكَرُواْ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ حُنَيفٍ قَال: وَاللهِ إِنيِّ لأُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتي ضُرِبَ فِيهَا عَلِيٌّ في المَسْجِدِ الأَعْظَمِ قَرِيبَاً مِنَ السُّدَّة، في رِجَالٍ كَثِيرٍ مِن أَهْلِ المِصْر، مَا فِيهِمْ إِلَاّ قِيَامٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُود، وَمَا يَسْأَمُونَ مِن أَوَّلِ
اللَّيْلِ إِلى آخِرِه؛ إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فَجَعَلَ يُنَادِي: أَيُّهَا النَّاس؛ الصَّلَاةَ الصَّلَاة، فَمَا أَدْرِي أَتَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَوْ نَظَرْتُ إِلى بَرِيقِ السُّيُوف، وَسَمِعْت: الحُكْمُ للهِ لَا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لأَصْحَابِك، فَرَأَيْتُ سَيْفَاً ثُمَّ رَأَيْتُ نَاسَاً، وَسَمِعْتُ عَلِيَّاً يَقُول: لَا يَفُتْكُمُ الرَّجُل، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِب، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتىَّ أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَأُدْخِلَ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَدَخَلْتُ فِيمَنْ دَخَلَ مِنَ النَّاس، فَسَمِعْتُ عَلِيَّاً يَقُول: النَّفْسُ بِالنَّفْس، إِن هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَني، رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي، وَلَمَّا أُدْخِلَ بْنُ مُلْجَمٍ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه قَال: يَا
عَدُوَّ الله؛ أَلَمْ أُحْسِن إِلَيْك، أَلَمْ أَفْعَلْ بِك 00؟
قَالَ بَلَى؛ قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا 00؟
قَالَ شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً ـ أَيْ شَحَذْتُ سَيْفِي أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً ـ فَسَأَلْتُ اللهَ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِه، قَالَ لَهُ عَلِيّ رضي الله عنه: مَا أَرَاكَ إِلَاّ مَقْتُولاً بِه، وَمَا أَرَاكَ إِلَاّ مِنْ شَرِّ خَلْقِ الله، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَكْتُوفَاً بَينَ يَدَيِ الحَسَن؛ إِذْ نَادَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَهِيَ تَبْكِي: يَا عَدُوَّ الله؛ إِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى أَبي وَاللهُ مخْزِيك؛ قَالَ فَعَلَامَ تَبْكِين 00؟!
وَاللهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَسَمَمْتُهُ بِأَلْف، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الضَّرْبَةُ لجَمِيعِ أَهْلِ المِصْرِ مَا بَقِيَ مِنهُمْ أَحَدٌ سَاعَة، وَهَذَا أَبُوكِ بَاقٍ حَتىَّ الآن، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَن رضي الله عنه: رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي، وَإِن هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ حُصُول، وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ؛ فَإِنيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنهَى عَنِ المُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُور، وَذُكِرَ أَنَّ جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُ مَا بِهِ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنْ فَقَدْنَاكَ ـ وَلَا نَفْقِدُكَ ـ فَنُبَايِعُ الحَسَن 00؟
قَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: مَا آمُرُكُمْ وَلَا أَنهَاكُمْ؛ أَنْتُمْ أَبْصَر، فَلَمَّا قُبِضَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ بَعَثَ الحسن إِلى بْنِ مُلْجَمٍ فأُدْخِلَ عَلَيْه؛ فَقَالَ لَهُ بْنُ مُلْجَم: هَلْ لَكَ في خَصْلَة؛ إِنيِّ واللهِ ما أَعْطَيْتُ اللهَ عَهْدَاً إِلَاّ وَفَيْتُ بِه، إِنيِّ كُنْتُ أَعْطَيْتُ اللهَ عَهْدَاً أَن أَقْتُلَ عَلِيَّاً وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا؛ فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْني وَبَيْنَه، وَلَكَ اللهُ عَلَيَّ إِنْ لَمْ أُقْتَلْ أن آتِيَكَ حَتىَّ أَضَعَ يَدِي في يَدِك؛ فَقَالَ لَهُ الحَسَن رضي الله عنه: لَا وَاللهِ أَوْ تُعَايِنَ النَّار، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ، ثمَّ أَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ في بَوَارِي ـ أَيْ في حُصُرٍ ـ ثمَّ أَحْرَقُوهُ بِالنَّار، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال:
يَا بَني عَبْدِ المُطَّلِب؛ لَا أَلْفَيَنَّكُمْ تخُوضُونَ دِمَاءَ المُسْلِمِين، تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قُتِلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِين؛ أَلَا لَا يُقْتَلْ بي إِلَاّ قَاتِلِي، وَأَمَّا البُرْكُ بْنُ عَبْدِ الله؛ فَقَعَدَ لِمُعَاوِيَة، فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاة، فَشَدَّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ، وَأَدْبَرَ مُعَاوِيَةُ هَارِبَاً، فَوَقَعَ السَّيْفُ في إِلْيَتِهِ ـ أَيْ إِلْيَةِ مُعَاوِيَةَ ـ فَقَالَ البُرْك: إِنَّ عِنْدِي خَبرَاً أُبَشِّرُكَ بِه؛ فَإِن أَخْبرْتُكَ أَنَافِعِي ذَلِكَ عِنْدَك 00؟
قَالَ وَمَا هُوَ 00؟
قَال: إِنَّ أَخَاً لي قَتَلَ عَلِيَّاً في هَذِهِ اللَّيْلَة؛ قَالَ ـ أَيْ مُعَاوِيَة: فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْه؛ قَالَ بَلَى؛ إِنَّ عَلِيَّاً يخْرُجُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يحْرُسُه؛ فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَة رضي الله عنه فَقُتِل، فَبَعَثَ إِلى السَّاعِدِيِّ وَكَانَ طَبِيبَاً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَال: إِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَة؛ فَاخْتَرْ مِنيِّ إِحْدَى خَصْلَتَين: إِمَّا أَن أَحْمِيَ حَدِيدَةً فَأَضَعَهَا مَوْضِعَ السَّيْف، وَإِمَّا أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ وَتَبرَأُ مِنهَا؛ فَإِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَة؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَمَّا النَّارُ فَلَا صَبرَ لي عَلَيْهَا، وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْوَلَد؛ فَإِنَّ في يَزِيدَ وَعَبْدِ اللهِ وَوَلَدِهِمَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْني؛ فَسَقَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الشَّرْبَةَ
فَبَرِأَ فَلَمْ يُولَدْ بَعْدُ لَه، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه بَعْدَ ذَلِكَ بِالمَقْصُورَاتِ ـ أَيْ بِالْقَاعَاتِ المحَصَّنَة ـ وَقِيَامِ الشُّرَطِ عَلَى رَأْسِه، وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ وَالحُسَين
رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ: أَيْ بَنيّ؛ أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ثَمَّ محِلِّهَا ـ أَيْ في مِيعَادِهَا ـ وَحُسْنِ الْوُضُوء؛ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَاّ بِطَهُور، وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَصِلَةِ الرَّحِم، وَالحِلْمِ عَنِ الجَهْلِ وَالتَّفَقُّهِ في الدِّينِ وَالتَّثَبُّتِ في الأَمْر، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ الجِوَار، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِش، ثُمَّ نَظَرَ إِلى محَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ فَقَال: هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْك 00؟
قَالَ نَعَمْ؛ قَالَ فَإِنيِّ أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ وَأُوصِيكَ بِمِثْلِه، وَأُوصِيكَ بِتَوْقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعَظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ وَتَزْيِينِ أَمْرِهِمَا، وَلَا تَقْطَعْ أَمْرَاً دُونهُمَا، ثمَّ قَالَ لهُمَا: أُوصِيكُمَا بِهِ؛ فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا وَابْنُ أَبِيكُمَا، وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يحِبُّه، ثُمَّ أَوْصَى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم؛ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَوْصَى: أَنَّهُ يَشْهَدُ أَلَاّ إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لُهُ، وَأَنَّ محَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُه، أَرْسَلَهُ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون، ثُمَّ إِنَّ صَلَاتي وَنُسُكِي وَمحْيَايَ وَممَاتي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ
لَه، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِين، ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ وَيَا أَهْلِي وَوَلَدِي، وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابي: بِتَقْوَى اللهِ رَبِّكُمْ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون، وَاعْتَصِمُواْ بحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا؛ فَإِنيِّ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" إِنَّ صَلَاحَ ذَاتَ الْبَين؛ أَعْظَمُ مِن عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَام " 0
وَانْظُرُواْ إِلى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ فَصِلُوهُمْ؛ يُهَوِّنُ اللهُ عَلَيْكُمُ الحِسَاب، وَاللهَ اللهَ في الأَيْتَام؛ لَا يَضِيعُنَّ بحَضْرَتِكُمْ، وَاللهَ اللهَ في الصَّلَاة؛ فَإِنهَا عَمُوُد دِينِكُمْ، وَاللهَ اللهَ في الزَّكَاة؛ فَإِنهَا تُطْفِئُ غَضَبُ الرَّبُّ عز وجل، وَاللهَ اللهَ في الْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين؛ فَأَشْرِكُوهُمْ في مَعَايِشِكُمْ، وَاللهَ اللهَ في الْقُرْآن؛ فَلَا يَسْبِقَنَّكُم وَمَعْنَاهُ بِهِ غَيرُكُمْ، وَاللهَ اللهَ في الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، وَاللهَ اللهَ في بَيْتِ رَبِّكُمْ عز وجل؛ لَا يَخْلُوَنَّ مَا بَقِيتُمْ؛ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُواْ ـ أَيْ لَمْ تُمْهَلُواْ ـ وَاللهَ اللهَ في أَهْلِ ذِمَّةِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم؛ فَلَا يُظْلَمُنَّ بَينَ
ظَهْرَانَيْكُمْ، وَاللهَ اللهَ في جِيرَانِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِيني بِالجَار، حَتىَّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه " 0
وَاللهَ اللهَ في أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ وَصَّى بِهِمْ، وَاللهَ اللهَ في الضَّعِيفَين: نِسَائِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ؛ فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَال: أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَين: النِّسَاء وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، الصَّلَاةَ الصَّلَاة 00 لَا تخَافُنَّ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِم؛ يَكْفِكُمْ مِن أَرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ 00 {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنَاً} {البَقَرَة/83}
كَمَا أَمَرَكُمُ الله، وَلَا تَتْرُكُواْ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَر؛ فَيُوَلىَّ أَمْرَكُمْ شِرَارُكُمْ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ، عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ ـ أَيْ تَبَادُلِ السَّخَاء، وَالْبَذْلِ وَالْعَطَاء ـ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّفَرُّق 00 {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَاب} {المَائِدَة/2}
وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ أَبي بَكْر؛ فَقَعَدَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رحمه الله في تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتي ضُرِبَ فِيهَا مُعَاوِيَةَ فَلَمْ يَخْرُجْ؛ وَكَانَ اشْتَّكَى بَطْنَهُ فَأَمَرَ خَارِجَةَ بْنَ أَبي حَبِيبٍ ـ وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ، وَكَانَ مِنْ بَني عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ـ فَخَرَجَ يُصَلِّي بِالنَّاس، فَشَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَه؛ فَأُخِذَ وَأُدْخِلَ عَلَى عَمْرِو، فَلَمَّا رَآهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ قَالَ مَن هَذَا 00؟
قَالُواْ عَمْرُو بْنُ الْعَاص، قَالَ فَمَنْ قَتَلْت 00؟
قَالُواْ خَارِجَة، قَال: أَمَا وَاللهِ يَا محْمُودُ مَا ضَمِدْتُ غَيرَك ـ أَيْ مَا حَقَدْتُ عَلَى سِوَاك ـ قَالَ عَمْرو: أَرَدْتَني وَاللهُ أَرَادَ خَارِجَة، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَه " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع ": هُوَ مُرْسَلٌ وَإِسْنَادُهُ حَسَن 0 ص: (144/ 9)، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِيرِ ص:(168)، وَحَدِيثُ " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِيني بِالجَار " رَوَاهُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(6015 / فَتْح)، وَمُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2625 / عَبْد البَاقِي]
رَوَى عَمْرُو بْنُ حُبْشِيٍّ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" خَطَبَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَقَال: لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بِالأَمْس؛ مَا سَبَقَهُ الأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلَا أَدْرَكَهُ الآخِرُون، إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيَبْعَثُهُ وَيُعْطِيهِ الرَّايَةَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتىَّ يُفْتَحَ لَه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 1720، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَينِ رضي الله عنه قَال:
" تُوُفيَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِين " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: 145/ 9]
وَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَليُّ في رِثَاءِ الإِمَامِ عَلِيّ:
قَتَلْتُمْ خَيرَنَا حَسَبَاً وَدِينَا * فَلَا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتِينَا
أَفي الشَّهْرِ الحَرَامِ فَجَعْتُمُونَا * بخَيرِ النَّاسِ طُرَّاً أَجْمَعِينَا
قَتَلْتُمْ خَيرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا * وَمَنْ قَرَأَ المَثَانيَ وَالمِئِينَا
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع ": هُوَ مُرْسَلٌ وَإِسْنَادُهُ حَسَن 0 ص: (144/ 9)، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِيرِ ص: 168]
وَعَنْ يحْيى بْنِ بَكِيرٍ رضي الله عنه قَال:
" قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ يَوْمَ الجُمُعَة، يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِين " 0
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " 0 ص: (145/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَعَن أَبي بَكْرِ بْنِ أَبي شَيْبَةَ رضي الله عنه قَال:
" قُتِلَ عَلِيٌّ سَنَةَ أَرْبَعِين، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ خَمْسَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُر "
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " 0 ص: (146/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
وَفَاةُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ المُؤْمِنِين: فَاطِمَة رضي الله عنها
لَمَّا دُفِنَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها قَامَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عِنْدَ قَبرِهَا فَقَالَ:
لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِن خَلِيْلَينِ فُرْقَةٌ * وَكُلُّ الَّذِي دُونَ المَمَاتِ قَلِيلُ
وَإِنَّ افْتِقَادِي وَاحِدَاً بَعْدَ وَاحِدٍ * دَلِيلٌ عَلَى أَلَاّ يَدُومَ خَلِيلُ
[الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: (4768)، وَابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَاني 0 في " لِسَانِ المِيزَانِ " بِرَقْم: 699]
اسْتِشْهَادُ الحُسَينِ رضي الله عنه
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ البَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنَاً مَقْتُول، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الأَرْضِ الَّتي يُقْتَلُ بِهَا؛ فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاء " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 822، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ اضْطَجَعَ ذَاتَ لَيْلَةٍ لِلنَّوْم؛ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ حَائِر، ثمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَد، ثمَّ اسْتَيْقَظَ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَائِرٌ دُونَ مَا رَأَيْتُ بِهِ المَرَّةَ الأُولىَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَاسْتَيْقَظَ وَفي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاء يُقَبِّلُهَا؛ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَخْبَرَني جِبْرِيل عليه السلام أَنَّ هَذَا: [أَيِ الحُسَينُ رضي الله عنه]: يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاق؛ فَقُلْتُ لجِبْرِيلَ عليه السلام: " أَرِني تُرْبَةَ الأَرْضِ الَّتي يُقْتَلُ بِهَا 00 فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8202]
عَن أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنها أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله؛ إِنيِّ رَأَيْتُ حُلْمَاً مُنْكَرَاً اللَّيْلَة، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا هُوَ " 00؟
قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيد؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا هُوَ " 00؟
قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ في حِجْرِي؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتِ خَيرَاً: تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللهُ غُلَامَاً فَيَكُونُ في حِجْرِك " 0
فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها الحُسَينَ رضي الله عنه فَكَانَ في حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَدَخَلْتُ يَوْمَاً إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ في حِجْرِه، ثُمَّ حَانَتْ مِنيِّ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُهْرِيقَانِ مِنَ الدُّمُوع؛ فَقُلْتُ: يَا نَبيَّ الله؛ بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي مَالَك 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَتَاني جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَني أَنَّ أُمَّتي سَتَقْتُلُ ابْني هَذَا " 0
فَقُلْتُ: هَذَا 00؟! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ " 0
وَأَتَاني بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاء " 00 أَيْ بِهَا آثَارُ دَمِهِ رضي الله عنه 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (61، 821)، رَوَاهُ الحَاكِم]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال: " دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَان؛ قُلْتُ: يَا نَبيَّ الله؛ أَغْضَبَكَ أَحَد، مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَان 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " بَلْ قَامَ مِن عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ فَحَدَّثَني أَنَّ الحُسَينَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الفُرَات، هَلْ لَكَ إِلى أَن أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِه " 0
قُلْتُ: نَعَمْ؛ فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا؛ فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنيَّ أَنْ فَاضَتَا " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 460، وَالأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 1171، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالبزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:
" رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرَى النَّائِمُ بِنِصْفِ النَّهَار، وَهُوَ قَائِمٌ أَشْعَثَ أَغْبَرَ بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَم؛ فَقُلْتُ: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله؛ مَا هَذَا 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هَذَا دَمُ الحُسَيْنِ وَأَصْحَابِه، لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْم " 0
فَأَحْصَيْنَا ذَلِكَ اليَوْم؛ فَوَجَدُوهُ قُتِلَ رضي الله عنه في ذَلِكَ اليَوْم " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: (2553)، وَالإِمَامُ الْبُوصِيرِي في زَوَائِدِهِ، وَقَالَ فِيهِ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
وَحَسْبي وَحَسْبُكُمْ أَيُّهَا الأَحْبَاب؛ أَنْ نُتَابِعَ مَا قَالَهُ الشَّيْخ كِشْك وَهُوَ يُصَوِّرُ هَذَا المَشْهَدَ بِأُسْلُوبِهِ الجَذَّاب:
يَقُولُ عَلَيْهِ شَآبِيبُ الرَّحمَة:
" ذَهَبَ الحُسَينُ إِلى العِرَاقِ بَعْدَمَا أَرْسَلُواْ لَهُ آلَافَ الرَّسَائِلِ يُبَايِعُونَهُ فِيهَا، وَيُعَاهِدُونَهُ عَلَى الوَلَاءِ وَالنُّصْرَةِ وَالوُقُوفِ مَعَهُ ضِدَّ يَزِيدَ الطَّاغِيَة، وَلَكِنَّ الحُسَينَ في أَثنَاءِ سَيرِهِ قَابَلَ الفَرَزْدَقَ الشَّاعِر، فَسَأَلَهُ الإِمَامُ الحُسَين: مِن أَيْنَ أَنْتَ قَادِمٌ يَا فَرَزْدَق 00؟
الفَرَزْدَق: مِنَ العِرَاقِ يَا إِمَام 00
فَسَأَلَهُ الإِمَامُ الحُسَينُ كَيْفَ حَالُ النَّاسِ هُنَاكَ يَا فَرَزْدَق 00؟
فَقَالَ قَوْلَةَ حَقٍّ أَصْبَحَتْ مَثَلاً * وَأَصْبَحَ الجِيلُ بَعْدَ الجِيلِ يَرْوِيهَا
{حَافِظ إِبْرَاهِيم}
قَالَ الفَرَزْدَق: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ الله: " قُلُوبُ النَّاسِ مَعَك، لَكِنَّ سُيُوفَهُمْ عَلَيْك " 0
" قُلُوبُ النَّاسِ مَعَهُ لَكِنَّ سُيُوفَهُمْ عَلَيْه " 0 لَقَدْ أَرْسَلُواْ إِلَيْهِ بِالبَيْعَةِ فَمَا الَّذِي حَدَث 00؟
[فَضِيلَةُ الشَّيْخ عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ " بِتَصَرُّف 0 ص: 19/ 9]
اشْتَرَواْ ضَمَائِرَ النَّاس
أَرْسَلَ يَزِيدُ وَابْنُ زِيَادٍ بِالجِمَالِ المُثقَلَةِ بِالمَالِ فَاشْترَواْ ضَمَائِرَ النَّاس، وَمَنْ لَمْ يَطْمَعْ فِيمَا لَدَيْهِمْ مِنَ المَالِ أَذْعَنَ خَشْيَةَ مَا لَدَيْهِمْ مِنَ البَأْس، وَكَفَانَا اللهُ شَرِّ بَرِيقِ الدَّنَانِيرِ وَرَنِينَ الدَرَاهِم 00
اشْتَرَى يَزِيدُ وَابْنُ زِيَادٍ ضَمَائِرَ النَّاسِ وَكِلَاهمَا شَرٌّ مِنَ الآخَر؛ فَذَهَبَ ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ فَلَمْ يجِدْ غَيرَ آلِ بَيْتِ رَسُولِ الله 00!!
وَذَهَبَ الحُسَينُ بُنَاءً عَلَى العُهُودِ وَالمَوَاثِيق، لَكِنَّهُ لَمْ يَرَ رِجَالاً، إِنمَا رَأَى ذِئَابَاً، رَأَى أَهْلَ العِرَاقِ الّذِينَ أَعْطَوْهُ العُهُودَ وَالمَوَاثِيقَ وَحَلَفُواْ لَهُ أَغْلَظَ الأَيمَانَ قَدْ أَعَدُّواْ لَهُ آلَافِ مُقَاتِلٍ بِقِيَادَةِ ابْنُ زِيَاد، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الحُسَينِ إِلَاّ أَهْلُ بَيْتِه، اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالأَطْفَال 00!!
اقْرَأَواْ التَّارِيخَ وَقِفُواْ عِنْدَ أَيَّامِ الله؛ إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِن أَيَّامِ الله، يَوْمٌ فَاضَتْ فِيهِ أَرْوَاحُ آلِ بَيْتِ رَسُولِ الله 00!!
مُرُوءةُ الإِمَامِ الحُسَينِ رضي الله عنه وَنُبْلُ أَخْلَاقِه
وَبَاتَ الإِمَامُ الحُسَينُ تِلكَ اللَّيْلَةَ يجَهِّزُ لِلمَعْرَكَة، وَكَانَ رَجُلاً نَبِيلاً؛ فَجَمَعَ آلَ بَيْتِهِ تِلكَ اللَّيْلَةَ وَقَالَ لهُمْ رضي الله عنه: إِنَّ القَوْمَ لَا يُرِيدُونَ أَحَدَاً مِنْكُمْ، لَا يُرِيدُونَ إِلَاّ أَنَا؛ فَمَن أَرَادَ مِنْكُمُ الرُّجُوعَ فَليرْجِعْ سَالِمَاً، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ قَدْ أَذِنتُ لَكُمْ 00!!
لَكَ اللهُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاء 00!!
لَكَ اللهُ يَا حَفِيدَ رَسُولِ اللهِ الّذِي خَانُوه، وَبِأَيْدِيهِمْ قَتَلُوه 00!!
وَعِنْدَئِذٍ قَالَ أَهْلُهُ جَمِيعَاً في صَوْتِ رَجُلٍ وَاحِد:
" أَنَترُكُكَ وَحْدَكَ يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ الله 00؟
مَاذَا نَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِك 00؟
" نحْنُ مَعَكَ يَا حُسَين " 00 قَالُواْ هَذِهِ الكَلِمَةَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ عِلمَ اليَقِينِ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَينَ الجَنَّةِ خَوْضَ هَذِهِ المَعْرَكَة؛ لأَنهُمْ كَانُواْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُمْ سَيُسْتَشْهَدُون 00!!
وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبهَا، وَوَقَفَ جَيْشُ ابْنِ زِيَادٍ أَمِيرِ الكُوفَةِ عَلَى مَقرُبَةٍ مِنْ جَيْشِ الحُسَينِ، وَقَبْلَ أَنْ يَنزِلَ الحُسَينُ المَعْرَكَةَ أَخَذَتهُ سِنَةٌ مِنَ النَّوْم، وَكَانَتْ أُخْتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَرَضِيَ عَنهَا بجُوَارِه، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لهَا: يَا زَيْنَب: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ وَقَالَ لي: " إِنَّكَ عَمَّا قَلِيلٍ سَتَكُونُ عِنْدَنَا " وَهَلْ يُسْأَلُ عَنِ العِنْدِيَّةِ إِنْ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ الله " 00؟
" عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ": تَعْني في جَنَّاتٍ وَنهَر، في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر 00!!
جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الصَّبر
لَكِنَّ زَيْنَبَ بَكَتْ؛ لأَنَّهَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ فَقَدَتْ أُمَّهَا فَاطِمَة، وَبَعْدَ ذَلِكَ فَقَدَتْ أَبَاهَا الإِمَامَ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَتَلَهُ أَشْبَاهُ ابْنِ زِيَادٍ وَهْوَ خَارِجٌ لِصَلَاةِ الفَجْر، وَبَعْدَهَا قُتِلَ أَخُوهَا الحَسَنُ مَسْمُومَاً، وَهَا هِيَ الآنَ عَلَى وَشْكِ فَقدِ أَخِيهَا 00
أَنَا لَا أَجِدُ تَعْبِيرَاً يُسْعِفُني لِلتَّعْبِيرِ عَنْ زَيْنَبَ وَثَبَاتِهَا، وَلَكِنْ كُلُّ مَا أَسْتَطِيعُ قَوْلَهُ أَن أَقُول:
" إِنَّهَا جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الصَّبر " 00!!
ابْنٌ يُقْتَلُ أَمَامَ أَبِيه
وَدَارَتْ رَحَى الحَرْب، وَأَخَذَ أَصْحَابُ الحُسَينِ رضي الله عنهم يُسْتَشْهَدُونَ مَثْنى وَفُرَادَى، حَتىَّ وَقَفَ ابْنُهُ عَلِيٌّ لَمَّا رَأَى السِّهَامَ تَنُوشُ أَبَاهُ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ يَقِيهِ بِنَفْسِه، إِلى أَن أَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَه، فَحَمَلَ الحُسَينُ رضي الله عنه ابْنَهُ إِلى خَيْمَةِ أُخْتِهِ زَيْنَب؛ لِتَسْتَقْبِلَ ابْنَ أَخِيهَا مخْضُوبَاً بِدَمِه 00!!
أَبَعْدَ هَذَا البَلَاءِ بَلَاء 00؟! أَبَعْدَ هَذَا الصَّبرِ صَبر 00؟!
قَائِدٌ يحْمِلُ جُثْمَانَ ابْنِهِ وَالحَرْبُ قَدْ دَارَتْ رَحَاهَا وَحَمِيَتْ، وَرَحَى الحَرْبِ ثَقِيلَة 00
يَوْمٌ خَطَبَ فِيهِ السَّيْفُ عَلَى مَنَابِرِ الأَعْنَاق، وَارْتَوَتِ الرِّمَاحُ فِيهِ مِنَ الدَّمِ الدَّفَّاق 00!!
وَإِذَا بِالقَاسِمِ الأَخِ الأَصْغَرِ لِعَلِيٍّ يَنَادِي عَلَى الحُسَين: اشْتَدَّ بيَ العَطَشُ يَا أَبي ـ وَكَانَ قَدْ بَلَغَ لُؤمُ ابْنِ زِيَادٍ أَنْ قَدْ مَنَعَ المَاءَ عَنِ الحُسَينِ وَمَنْ مَعَه، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُوهُ قَائِلاً: أَبُوكَ اليَوْمَ يَا وَلَدِي قَدْ قَلَّ نَاصِرُه، وَزَادَ مَاكِرُه، فَاصْبِرْ يَسِيرَاً يَا وَلَدِي فَعَمَّا قَلِيلٍ سَوْفَ يَسْقِينَا جَدُّكَ مِنَ الحَوْض!!
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأَعِزَّاء؛ إِنَّ المَقَامَ لَا تَشْرَحُهُ العِبَارَات؛ فَمَهْمَا أُوتِيتُ مِنْ بَرَاعَةِ التَّصْوِير، وَالقُدْرَةِ عَلَى التَّعْبِير: فَإِنَّ الفَارِقَ بَيْنَ الحَقِيقَةِ وَالكَلَامِ كَبِير 00!!
لَقَدْ كَانَ بحَقٍّ يَوْمُ كَرْبِلَاء: يَوْمَ كَرْبٍ وَبَلَاء " 0
لحُبِّنَا في الخِلَافِ اخْتَلَفْنَا حَتىَّ في رَأْسِهِ
وَاللهِ لَوْ قَامَ الآنَ الحُسَينُ مِنْ مَضْجَعِهِ؛ لحَزِنَ حُزْنَاً شَدِيدَاً عَلَى أَحْوَالِ المُسْلِمِين 00
لحُبِّهِمْ في الخِلَافِ اخْتَلَفُواْ حَتىَّ في رَأْسِهِ 00
وَقِيلَتْ أَقَاوِيلُ في مَوْتِهِ * فَمِنهَا الصَّوَابُ وَمِنهَا الخَطَا
قَوْمٌ يَقُولُون: رَأْسُهُ في مِصْر، وَآخَرُونَ يَقُولُون: رَأْسُهُ في العِرَاق، وَقَوْمٌ يَقُولُون: رَأْسُهُ في الأُرْدُن، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ في سُورِيَّا، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ في بَيْتِ المَقدِس، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ في البَقِيع، وَتَقُومُ الدُّنيَا وَلَا تَقْعُدُ لَوِ الْتَقَى الوَاحِدُ مِن هَؤُلَاءِ مَعَ مَنْ يخَالِفُه 00!!
مَاذَا يَعْنِيكَ مِنْ رَأْسِ الحُسَين 00؟! هَلْ عَمِلْتَ بِعَمَلِ الحُسَينِ وَأَهْلِ بَيْتِه 00؟!
هَلِ اقْتَدَيْتَ بِالحُسَينِ وَأَهْلِ بَيْتِه 00؟!
لَا تخْتَلِفُواْ فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَقَبْلَ أَنْ تَسْأَلُواْ عَن هَذَا أَوْ غَيرِهِ اسْأَلُواْ أَنْفُسَكُمْ: هَلْ نحْنُ سِرْنَا وَرَاءَ الحُسَينِ في جِهَادِه 00؟ هَلْ نحْنُ أَمَرْنَا بِالمَعْرُوفِ وَنهَيْنَا عَنِ المُنْكَرِ كَمَا فَعَل 00؟
هَلْ نحْنُ رَبَّيْنَا أَوْلَادَنَا كَمَا حَتىَّ يَكُونُواْ مِثْلَهُ في بُطُولَاتِهِ وَتَضْحِيَّاتِه " 00؟
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
«أُتيَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ رضي الله عنه» 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3748 / فَتْح]
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الْفَتَاوَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة عَن هَذِهِ المَسْأَلَة: «وَالَّذِي رَجَّحَهُ أَهْلُ العِلْمِ في مَوْضِعِ رَأْسِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ في كِتَابِ أَنْسَابِ قُرَيْش 00 وَالزُّبَيْرُ بْنُ بكار هُوَ مِن أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَوْثَقُهُمْ في مِثْلِ هَذَا؛ ذَكَرَ أَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إِلىَ المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَدُفِنَ هُنَاك، وَهَذَا مُنَاسِبٌ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ قَبْرَ أَخِيهِ الحَسَنِ رضي الله عنه وَعَمِّ أَبِيهِ العَبَّاسِ رضي الله عنه، وَابْنِهِ عَلِيٍّ وَأَمْثَالِهِمْ رضي الله عنهم 0
وَالزُّبَيْرُ أَعْلَمُ أَهْلِ النَّسَبِ وَأَفْضَلُ العُلَمَاءِ بِهَذَا السَّبَب» 0
فَتىً مَاتَ بَينَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ مِيتَةً * تَقُومُ مَقَامَ النَّصْرِ لَوْ فَاتَهُ النَّصْرُ
تَرَدَّى ثِيَابَ المَوْتِ حُمْرَاً فَمَا دَجَى * لهَا اللَّيْلُ إِلَاّ وَهْيَ مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرُ
حُسَينُ عَلَيْكَ سَلَامُ رَبِّي فَإِنَّني * رَأَيْتُ الكَرِيمَ الحُرَّ لَيْسَ لَهُ عُمْرُ
وَمَا أَعْذَبَ رَائِعَةَ دِعْبِلٍ الخُزَاعِيِّ هَذَا الشَّاعِرِ المَوْهُوب، الَّذِي بَكَى الحُسَينُ بِمَرْثَاةٍ تَتَقَطَّعُ لَهَا القُلُوب، مِنهَا هَذِهِ الأَبْيَاتُ الرَّائِعِات:
الشَّمْلُ مِنْ بَعْدِ الحُسَينُ مُبَدَّدُ * كَثُرَتْ أَعَادِيهِ وَقَلَّ المُسْعِدُ
لَمْ يَحْفَظُواْ حَقَّ النَّبيِّ محَمَّدٍ * بَلْ جَرَّعُوهُ حَرَارَةً لَا تَبْرُدُ
قَتَلُواْ الحُسَيْنَ وَأَثْكَلُوهُ بِسِبْطِهِ * فَالدِّينُ يَبْكِي فَقْدَهُ وَالسُّؤْدَدُ
كَيْفَ القَرَارُ وَفي السَّبَايَا زَيْنَبٌ * تَدْعُو بِفَرْطِ حَرَارَةٍ يَا أَحْمَدُ
يَا جَدُّ قَدْ مُنِعُواْ الفُرَاتَ وَقُتِّلُواْ * عَطْشَى فَلَيْسَ لَهُمْ هُنَالِكَ مَوْرِدُ
هَذَا حُسَينٌ بِالسُّيُوفِ مُقَطَّعٌ * وَمُلَطَّخٌ بِدِمَائِهِ مُسْتَشْهَدُ
يَا جَدُّ إِنَّ الكَلْبَ يَشْرَبُ آمِنَاً * وَبَنُوكَ مِنْ بَينِ البَرَايَا طُرِّدُواْ
يَا جَدُّ ذَا صَدْرُ الحُسَينِ مُمَزَّقٌ * وَالخَيْلُ تَنْزِلُ مِن عَلَيْهِ وَتَصْعَدُ
فَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ المُنِيرُ كِلَاهُمَا * حَوْلَ النُّجُومِ بَكَيْنَهُ وَالفَرْقَدُ
وَفَاةُ مُعَاوِيَة رضي الله عنه
سَيِّدُنَا مُعَاوِيَةُ الَّذِي يَتَحَامَلُ عَلَيْهِ البَعْض، وَكَأَنهُمْ أَرْبَابٌ مِنْ دُونِ اللهِ سَلَّطَهُمْ عَلَى رِقَابِ البَشَر، أَلَا رَحِمَ اللهُ السَّلَفَ الصَّالح؛ الَّذِينَ كَانُواْ إِذَا ذُكِرَ سَيِّدُنَا مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه بِسُوءٍ قَالُواْ:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُون} {البَقَرَة: 134}
أَمَّا عَن هَذَا الكَلَامِ الّذِي تَلَفَّظَ بِهِ وَهْوَ في الرَّمَقِ الأَخِيرِ فَهْوَ مِنْ بَابِ أَنَّ المُؤْمِنَ لَا يَبرَحُ يَتَّهِمُ نَفسَهُ بِالتَّقصِيرِ وَالذَّنْبِ حَتىَّ يَلقَى الله، وَهْوَ كَقَوْلِ عُمَر:
" لَوْ نَادَى مُنَادٍ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَاّ وَاحِدَاً لَظَنَنْتُ أَنَّهُ أَنَا " 0
وَكَقَوْلِهِ رضي الله عنه أَيْضَاً لحُذَيْفَةَ: " أَنْشُدُكَ اللهَ يَا حُذَيْفَة؛ هَلِ اسْمِي بَيْنَهُمْ " 00؟
مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه عَلَى فِرَاشِ المَوْت
لَمَّا حَضَرَتْهُ رضي الله عنه الوَفَاةُ قَال: أَقْعِدُوني 00 فَأُقْعِد، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ اللهَ جل جلاله وَيَذْكُرُهُ ثُمَّ بَكَى وَقَال: " تَذكُرُ رَبَّكَ يَا معَاوِيَةُ بَعْدَ الهَرَمِ وَالَانحِطَاط 00؟!
أَلَا كَانَ هَذَا وَغُصْنُ الشَّبَابِ غَضٌّ نَضِير 00؟!
ثُمَّ بَكَى حَتىَّ عَلَا بُكَاؤُهُ وَقَال: يَا رَبِّ ارْحَمِ الشَّيْخَ العَاصِي، ذَا القَلْبِ القَاسِي، اللهُمَّ أَقِلِ العَثْرَةَ وَاغْفِرِ الزَّلَّةَ وَعُدْ بحِلْمِكَ عَلَى مَنْ لَا يَرْجُو غَيرَك، وَلَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ سِوَاك " 0
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1873]
يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْنَا في جَنْبِ الله
وَرَوَى شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ جَمَاعَة عَلَيْهِ في مَرَضِه، فَرَأَواْ في جِلْدِهِ غُضُونَاً ـ أَيْ شُحُوبَاً ـ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْد: فَهَلِ الدُّنيَا إِلَاّ مَا جَرَّبْنَا وَرَأَيْنَا 00؟
أَمَا وَاللهِ لَقَدِ اسْتَقْبَلْنَاهَا بِزَهْرَتهَا، فَمَا لَبِثَتِ الدُّنيَا أَنْ نَقَضَتْ ذَلِكَ مِنَّا حَالاً بَعْد حَال، وَعُرْوَةً بعْد عُرْوَة؛ فَأَصْبَحَتِ الدُّنيَا وَقَدْ وَتَرَتْنَا وَخَلَّفَتْنَا وَاسْتَلأَمَتْ إِلَيْنَا:[أَيْ عَامَلَتْنَا بِلُؤْم]؛ أُفٍّ لِلدُّنيَا مِنْ دَار، ثُمُّ أُفٍّ لهَا مِنْ دَار " 0
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1874]
وَيُرْوى أَنَّ آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه قَالَ فِيهَا: " أَيُّهَا النَّاس: إِنَّ مَنْ زَرَعَ قَدِ اسْتَحْصَد، وَإِنيِّ وَلِيتُكُمْ، وَلَنْ يَلِيَكُمْ أَحَدٌ مِنَ بَعْدِي إِلَاّ وَهُوَ شَر مِني، كَمَا كَانَ مَنْ قَبْلِي خَيرَاً مِني، وَيَا يَزِيد: إِذَا وَفى أَجَلِي فَوَلِّ غُسْلِيَ رَجلاً لَبِيبَاً؛ فَإِنَّ اللَّبِيبَ مِنَ اللهِ بمَكَان، ثمَّ اعْمِدْ إِلى مِنْدِيلٍ في الخِزَانَة فِيهِ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقُرَاضَةٌ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ، فَاسْتَودِعِ القُرَاضَةَ أَنْفِي وَفَمِي وَأُذُني وَعَيْني، وَاجْعَلِ الثَّوْبَ عَلَى جِلْدِي دُونَ أَكْفَاني، يَا يَزِيد: احْفَظْ وَصِيَّةَ اللهِ في الوَالِدَيْن، فَإِذَا وَضَعْتُمُوني في حُفْرَتي، فَخَلُّواْ مُعَاوِيَةَ وَأَرْحَمَ الرَّاحمِين " 0
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1874]
لَيْتَني كُنْتُ أَرْعَى الغَنَمَ وَلَمْ أَلِ مِن أَمْرِ المُسْلِمِينَ شَيْئَا
وَقال محمَّدُ بْنُ عُقْبَة: " لَمَّا نَزَلَ بمعَاوِيَةَ المَوْتُ قَال: يَا لَيْتَني كُنْتُ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ أَرْعَى الغَنَمَ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَاب، وَأَنيِّ لَمْ أَلِ مِن أَمْرِ المُسْلِمِينَ شَيْئَا " 0
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1874]
وَفَاةُ أَبي طَالِب
عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رضي الله عنه عَن أَبِيهِ قَال: " لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ جَاءهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبي أُمَيَّة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي طَالِبٍ: " يَا عَمّ؛ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله؛ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله " 0
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي أُمَيَّة: يَا أَبَا طَالِب؛ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِب 00؟
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ المَقَالَة؛ حَتىَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِب، وَأَبى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" أَمَا وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْك " 00 فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى فِيهِ:
{مَا كَانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَنْ يَسْتَغْفِرُواْ لِلمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيم} {التَّوْبَة/113} " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1360 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 24 / عَبْد البَاقِي]
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" رَحِمَكَ اللهُ وَغَفَرَ لَكَ يَا عَمّ، وَلَا أَزَالُ أَسْتَغْفِرُ لَكَ حَتىَّ يَنهَاني الله " 00 فَأَخَذَ المُسْلِمُونَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمُ الَّذِينَ مَاتُواْ وَهُمْ مُشْرِكُون؛ فَأَنْزَلَ اللهُ جل جلاله:
{التَّوْبَة/113}
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3290]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَال:
" سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَان؛ فَقُلْت: لَا تَسْتَغْفِرْ لأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَان 00؟!
فَقَال: أَوَلَيْسَ قَدِ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِك 00؟!
فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَنَزَلَتْ:
{مَا كَانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَنْ يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُمْ أَنهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيم {113} وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيم} {التَّوْبَة}
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3289]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَمِّهِ: " قُلْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ؛ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَة "
قَال: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَني قُرَيْشٌ يَقُولُون: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الجَزَع؛ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَك؛ فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَن أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءوَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ} "
[القَصَص: (56)، رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 25 / عَبْد البَاقِي]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه أَنَّ العَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
" يَا رَسُولَ الله، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْء؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَك 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" نَعَمْ، هُوَ في ضَحْضَاحٍ مِنْ نَار، لَوْلَا أَنَا؛ لَكَانَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6208 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 209 / عَبْد البَاقِي]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: " قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُك؛ فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ، وَجَدْتُهُ في غَمَرَاتٍ مِنْ النَّارِ ـ أَيْ في العُمْقِ ـ فَأَخْرَجْتُهُ إِلى ضَحْضَاحٍ " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 209 / عَبْد البَاقِي]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ رضي الله عنه أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حَجَّةِ الوَداَعِ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، إِنَّكَ تحُثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالإِحْسَانِ إِلى الجَار، وَإِيوَاءِ اليَتِيمِ وَإِطْعَامِ الضَّيْفِ وَإِطْعَامِ المِسْكِين، وَكُلُّ هَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ هِشَامُ بْنُ المُغِيرَة؛ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ يَا رَسُولَ الله 00؟
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ قَبرٍ لَا يَشْهَدُ صَاحِبُهُ أَلَاّ إِلَهَ إِلَاّ اللهُ فَهُوَ جُذْوَةٌ مِنَ النَّار، وَقَدْ وَجَدْتُ عَمِّي أَبَا طَالِبٍ في طَمْطَامٍ مِنَ النَّار ـ أَيْ في العُمْق ـ فَأَخْرَجَهُ اللهُ لِمَكَانِهِ مِنيِّ وَإِحْسَانِهِ إِليّ؛ فَجَعَلَهُ في ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّار " 0
[قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع ": رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ، وَفِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ لَا يحْتَجُّونَ بِهِ وَقَدْ وُثِّق 0 ص: 118/ 1]
وَفَاةُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَان
وَلَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ الوَفَاة، نَظَرَ إِلى غَسَّال بجَانِبِ دِمَشْق كَانَ يَلْوي ثَوْبَاً بيَدِهِ ثم يَضْرِبُ بِهِ المِغْسَلَة، فَقَالَ عَبْدُ المَلِك: لَيْتَني كُنْتُ غَسَّالاً آكُلُ مِنْ كَسبِ يَدِي يَوْمَاً بِيَومٍ وَأَني لَم أَلِ مِن أَمْرِ المُسْلِمِينَ شَيْئَا 00!!
فَبَلَغ ذَلِكَ أَبَا حَازِمٍ فَقَال: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ إِذَا حَضَرَهُمُ المَوْتُ يَتَمَنَّوْنَ مَا نحْنُ فِيه، وَإِذَا حَضَرْنَا المَوْتُ لَمْ نَتَمَنَّ مَا هُمْ فِيه " 0
وَقِيلَ لَهُ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيه: كَيْفَ تجِدُكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00؟
قَال: أَجِدُني كَمَا قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ جِئتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّة، وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُون} {الأَنعَام: 94}
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1874]
وَفَاةُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ المَلِك
وَلَمَّا حَضَرَتْ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ الوَفَاةُ نَظَرَ إِلى مَن حَوْلَهُ فَإِذَا هُمْ يَبْكُونَ فَقَال:
" جَادَ لَكُمْ هِشَامٌ بِالدُّنيَا وَجُدْتُمْ لَهُ بِالبُكَاء، وَتَرَكَ لَكُمْ مَا جَمَعَ وَتَرَكْتُمْ لَهُ مَا حُمِّل، مَا أَعْظَمَ مُنْقَلَبَ هِشَامٍ إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَه " 0
[ابْنُ عَبْدِ رَبُّه في " العِقدُ الفَرِيد " طَبْعَةِ دَارِ الكُتُبِ العِلمِيَّة 0 بَيرُوت 0 ص: 165/ 3]
وَفَاةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيز رضي الله عنه
رُويَ أَنَّهُ لَمَّا ثَقُلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ دُعِيَ لَهُ الطَّبِيب، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ رضي الله عنه قَال: أَرَى الرَّجُلَ قَدْ سُقِيَ سُمَّاً، وَلَا آمَنُ عَلَيْهِ المَوْت، فَرَفَعَ عُمَرُ بَصَرَهُ وَقَال:
" وَلَا تَأْمَنُ المَوْتَ أَيْضَاً عَلَى مَنْ لَمْ يُسْقَ سُمَّاً " 0
قَالَ لَهُ الطَّبِيب: هَلْ أَحْسَسْتَ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00؟
قَالَ نَعَمْ، قَدْ عَرَفْتُ ذَلكَ حِينَ وَقَعَ في بَطْني، قَالَ لَهُ الطَّبِيب: فَتَعَالَجْ يَا أَمِير المُؤْمِنِينَ فَإِني أَخَاف أَنْ تَذْهَبَ نَفْسُك، قَالَ عُمَر: رَبي خَيرُ مَذْهُوبٍ إِلَيْه، وَاللهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شِفَائِي عِنْدَ شَحْمَةِ أُذْني مَا رَفَعْتُ يَدِي إِلى أُذْني فَتَنَاوَلتُه، اللهُمَّ خِرْ لِعُمَرَ في لِقَائِك ـ أَيْ وَفِّقْهُ لِمَا تَرَاهُ خَيرَاً: حَيَاةً كَانَ أَوْ مَوْتَاً ـ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَاّ أَيَّامَاً حَتىَّ مَات " 0
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1874]
خَاتمَةُ الصَّالحِين
وَقِيلَ لَمَّا حَضَرَتهُ الوَفَاةُ بَكَى، فَقِيلَ لَه: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00؟
أَبْشِرْ؛ فَقَدْ أَحْيَا اللهُ بِكَ السُّنَّة، وَأَظْهَرَ بِكَ العَدْل، فَبَكَى عُمَرُ ثمَّ قَال:
أَلَيْسَ أُوقَفُ فأُسْأَلُ عَن أَمْرِ هَذَا الخَلْق 00؟!
ثمَّ فَاضَتْ عَيْنَاه، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَاّ يَسِيرَاً حَتىَّ مَات 00!!
وَلَمَّا قَرُبَ مَوْتُهُ رضي الله عنه قَالَ أَجْلِسُوني، فَأَجْلَسُوهُ فَقَال: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَني فَقَصَّرْت، ونهَيْتَني فَعَصَيْت، وَلَكنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْت، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه فَأَحَدَّ البَصَر، فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ فَقَال: إِني لأَرَى خُضْرَةً مَا هُمْ بإِنْسٍ وَلَا جِنّ، ثمَّ قُبِضَ رحمه الله " 0
[الإِحْيَاء 0 طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 تحْقِيقُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 بِكِتَابِ وَفَاةُ الخُلَفَاءِ بِاخْتِصَار: 1874]
اللهُ يَتَوَلىَّ الصَّالحِين
وَقِيلَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ: " أَلَا تَتْرُكُ لأَوْلَادِكَ شَيْئَا 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: إِنْ كَانُواْ صَالحِينَ فَاللهُ يَتَوَلى الصَّالحِين، وَإِنْ كَانُواْ غَيرَ ذَلِكَ فَلَا أَترُكُ لهُمْ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ الله " 00!!
[الإِمَامُ السُّيُوطِيُّ بِنَحْوِهِ في شَرْحِهِ لِسُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ عِنْدَ بِرَقْم: 3666]
قَال جَرِير يُرْثِيه:
حَمَلْتَ أَمْرَاً عَظِيمَاً فَاصْطَبرْتَ لَهُ * وَسِرْتَ فِيهِ بحُكْمِ اللهِ يَا عُمَرُ
أَمْسَى بَنُوهُ وَقَدْ جَلَّتْ مُصِيبَتُهُمْ * مِثْلَ النُّجُومِ هَوَى مِنْ بَيْنِهَا القَمَرُ
وَقَالَ آخَر:
أَضَاءَ طَرِيقَ النَّاسِ بِالنُّورِ وَالهُدَى * وَفَاضَ عَلَى البَيْدَاءِ كَالغَيْثِ إِذ همَىمَا
فَيَا لَيْتَهُ إِذْ مَاتَ قَدْ مَاتَ وَاحِدَاً * وَلَكِنَّهُ بُنيَانُ قَوْمٍ تهَدَّمَا
لَعَمْرُكَ مَا وَارَى التُّرَابُ خِصَالَهُ * وَلَكِنَّهُ وَارَى تُرَابَاً وَأَعْظُمَا
وَقَالَ فِيهِ أَشْجَعُ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ المُرِّيّ:
كَأَنْ لَمْ يمُتْ حَيٌّ سِوَاكَ وَلَمْ تَقُمْ * عَلَى أَحَدٍ إِلَاّ عَلَيْكَ النَّوَائِحُ
لَئِن حَسُنَتْ فِيكَ المَرَاثِي وَذِكْرُهَا * لَقَدْ حَسُنَتْ مِنْ قَبْلُ فِيكَ المَدَائِحُ
المَرْأَةُ الصَّالحَة
وَمِنَ المَوَاقِفِ المُؤَثِّرَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ رضي الله عنه هَذَا المَوْقِف:
كَانَ رضي الله عنه قَدْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ عِنْدَ تَوَلِّيهِ الخِلَافَةَ وَقَالَ لهَا: إِمَّا الجَوَاهِرَ التي تجَهَّزْتِ بهَا وَإِمَّا عُمَر: وَكَانَ قَدْ جَهَّزَهَا أَبُوهَا بِقُرَابَةِ الثَّلَاثَةِ مَلَايِينَ جُنَيْهٍ مِنَ المَاسِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالذَّهَبِ وَاليَاقُوتِ وَالمَرْجَان، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا وَقَالَتْ: مَا أَنَا بِالَّتي تخْتَارُ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ شَيْئَاً قَلَّ أَوْ كَثُر 00!!
فَلَمَّا تُوُفيَ رضي الله عنه وَسُوِّيَ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَتَوَلى الخِلَافَةَ بَعْدَهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ خَلَى بهَا ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ لَهَا: " أَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَخَذَ حُلِيَّكِ كُلَّهُ وَوَضَعَهُ في بَيْتِ المَال؛ فَإِنْ شِئْتِ أَن أُعِيدَهُ إِلَيْكِ أَفْعَل " 00؟
فَمَاذَا قَالَتِ السَّيِّدَةُ الرَّزِينَةُ العَاقِلَة 00؟
قَالَتْ: " مَاذَا تَقُولُ يَا يَزِيد " 00؟
تُرِيدُ أَن آخُذَ شَيْئَاً وَضَعَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ في بَيْتِ المَالِ بِيَدِه 00؟
لَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُه: لَا أُرْضِيهِ حَيَّاً وَأُغْضِبُهُ مَيِّتَاً " 0
[فَضِيلَةُ الشَّيْخ / عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ " بِتَصَرُّف 0 ص: 134 ـ 135/ 7]
وَفَاةُ الخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيد
وَيحْكَى عَن هَارُونَ الرَّشِيدِ أَنَّهُ اشْتَرَى كَفَنَهُ بِيَدِهِ في حَيَاتِهِ، وَكَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَقُول:{مَا أَغنى عَنى مَالِيَه {28} هَلَكَ عَنى سُلطَانِيَه} {الحَاقَّة} [وَالإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1875]
وَفَاةُ الخَلِيفَةِ المَأْمُون
كَانَ قَدْ فَرَشَ حِينَ حَضَرَتهُ الوَفَاةُ رَمَادَاً كَانَ يَضْطَجِعُ عَلَيهِ وَيقُول:
" يَا مَنْ لَا يَزُولُ مُلكُه: ارْحَمْ مَنْ زَالَ مُلكُه " 0 [الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1875]
وَفَاةُ الخَلِيفَةِ الْوَاثِق
قَالَ زُرْقَانُ بْنُ أَبي دُوَاد: " لَمَّا حَضَرَ الخَلِيفَةَ الْوَاثِقَ المَوْتُ رَدَّدَ هَذَا الْبَيْت: المَوْتُ فِيهِ جَمِيعُ الخَلْقِ مُشْتَرِكُ * لَا سُوقَةٌ مِنهُمُ يَبْقَى وَلَا مَلِكُ
ثُمَّ جَعَلَ يَقُول: " يَا مَنْ لَا يَزُولُ مُلْكُه؛ ارْحَمْ مَنْ قَدْ زَالَ مُلْكُه " 0
[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 314/ 10]
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدٍ الْوَاثِقِيُّ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ عَن أَبِيهِ قَال:
" كُنْتُ أُمَرِّضُ الْوَاثِق، فَلَحِقَتْهُ غَشْيَة، فَمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ مَات، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْض: تَقَدَّمُواْ؛ فَمَا جَسَرَ أَحَدٌ سِوَاي، فَلَمَّا أَن أَرَدْتُ أَن أَضَعَ يَدِي عَلَى أَنْفِهِ فَتَّحَ عَيْنَيْه؛ فَرُعِبْتُ وَرَجَعْتُ إِلىَ الخَلْف، فَتَعَلَّقَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِي بِالْعَتَبَةِ فَعَثَرْت؛ فَانْدَقَّ سَيْفِي وَكَادَ أَنْ يَجْرَحَني، وَاسْتَدْعَيْتُ سَيْفَاً، فَرَجَعْتُ فَوَقَفْتُ سَاعَةً، فَتَلِفَ الرَّجُل؛ فَشَدَدْتُ لَحْيَيْهِ وَغَمَّضْتُهُ وَسَجَّيتُهُ [أَيْ فَرَبَطْتُ لَهُ وَسَبَّلْتُهُ وَغَطَّيْتُهُ]،
وَأَخَذَ الْفَرَّاشُونَ مَا تَحْتَهُ لِيَرُدُّوهُ إِلىَ الخَزَائِن، وَتُرِكَ وَحْدَه؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَتَشَاغَلَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ فَاحْفَظْهُ؛ فَرَدَدْتُ بَابَ الْغُرْفَةِ وَجَلَسْتُ عَلَى الْبَاب، فَأَحْسَسْتُ بَعْدَ سَاعَةٍ بحَرَكَةٍ أَفْزَعَتْني؛ فَدَخَلْتُ فَإِذَا بِجُرَذٍ قَدِ اسْتَلَّ عَينَ الْوَاثِقِ فَأَكَلَهَا، فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَاَّ الله، هَذِهِ الْعَيْنُ الَّتي فَتَحَهَا مِنْ سَاعَةٍ فَانْدَقَّ سَيْفِي هَيْبَةً لَهَا " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 314/ 10]
وَفَاةُ الحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ عَلَيْهِ لَعْنَةُ الله
قَال الحَجَّاجُ عِنْدَ مَوْتِهِ:
" اللهُمَّ اغْفِرْ لي، فَإِنَّ النَّاس يَقُولُون: إِنَّكَ لَنْ تَغْفِرَ لي " 0
فَكَان عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ تُعْجِبُهُ هَذِهِ الكَلِمَة، بَلْ كَانَ يَغْبِطُهُ عَلَيْهَا، وَلَمَّا حُكِيَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ رضي الله عنه قَال: أَقَالهَا 00؟
قَالُواْ: نَعَمْ، فَقَالَ رضي الله عنه: عَسَى " 00 أَيْ: عَسَى أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ بهَذِهِ الكَلِمَة 0 [الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1875]
وَفَاةُ أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنه
دَخَلَ مَرْوَانُ عَلَى أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه وَهْوَ يحْتَضِرُ، فَقَالَ مَرْوان:
" اللهُمَّ خَفِّفْ عَنهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اللهُمَّ اشْدُدْ عَلَيّ، ثُمَّ بَكَى وَقَال: وَاللهِ مَا أَبْكي حُزْنَاً عَلَى الدُّنيَا وَلَا جَزَعَاً مِنْ فِرَاقِكُمْ، وَلَكِن أَنْتَظِرُ إِحْدَى البُشْرَيَينِ مِنْ رَبي: بجَنَّةٍ أَمْ بِنَار 00!!
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاء " 0 طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ لِلحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 كِتَابُ ذِكرِ المَوْتِ: 1854]
وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ
رضي الله عنه
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عَلَى فِرَاشِ المَوْت:
" أَلحِدُواْ لي لَحْدَاً وَانْصِبُواْ عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبَاً، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 1450، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاِذٍ رضي الله عنه
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (3803 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2466 / عَبْد البَاقِي]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذ؛ مِنْ فَرَحِ الرَّبِّ عز وجل " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 1288]
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: " الْعَرْشُ خَلْقٌ للهِ مُسَخَّر، إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيئَةِ اللهِ عز وجل وَجَعَلَ فِيهِ شُعُورَاً لِحُبِّ سَعْدٍ، كَمَا جَعَلَ جَلَّ وَعَلَا شُعُورَاً في جَبَلِ أُحُدٍ بِحُبِّهِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم،
وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: {يَا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ} [سَبَأ: 10]
وَفي " صَحِيحِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ " عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:
" كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَل " 0
[أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3579 / فَتْح]
وَكَانَ مِمَّا أَوْصَى بِهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه ابْنَهُ حِينَ حَضَرَهُ المَوْتُ أَنْ قَالَ لَه: " يَا بُنيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَلْقَى أَحَدَاً هُوَ أَنْصَحَ لَكَ مِنيِّ؛ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّي فَأَحْسِن وُضُوءَ ك، ثمَّ صَلِّ صَلَاةً لَا تَرَى أَنَّكَ تُصَلِّي بَعدَهَا، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَع؛ فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِر "[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ عَن إِسْنَادِهِ في مجْمَعِ الزَّوَائِد: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: 221/ 4، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ في الْكَبِير]
وَفَاةُ مُعَاذِ بْنِ جَبَل رضي الله عنه
حَدَّثَ الأَعْمَشُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ الحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: " إِنيِّ لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَمُوْت، وَهُوَ يُغْمَى عَلَيْهِ وَيُفِيق؛ فَقَالَ رضي الله عنه: اخْنُقْ خَنْقَك، فَوَعِزَّتِكَ إِنيِّ لأُحِبُّك " 0
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ المُؤْمِنَ تخْرُجُ نَفْسُهُ مِنْ بَينِ جَنْبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللهَ تبارك وتعالى "
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 3694، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر وَالأُسْتَاذ شُعَيب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2412]
لَمَّا حَضَرَتْهُ رضي الله عنه الوَفَاةُ قَال: " اللهُمَّ إِني قَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ وَأَنَا اليَوْمَ أَرْجُوك، اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَم أَني لَمْ أَكُن أُحِبُّ الدُّنيَا وَطُولَ البَقَاءِ فِيهَا لجَرْيِ الأَنهار، وَلَا لغَرْسِ الأَشْجَار، لَكنْ لِظَمَأِ الهَوَاجِر، وَمُكَابَدَةِ السَّاعَات [أَيْ لِلصِّيَامِ وَالْقِيَام] وَمُزَاحَمَةِ العُلَمَاءِ بِالرُّكَب " 0 [الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين: 1875]
وَفَاةُ سَلْمَانَ الفَارِسِيّ رضي الله عنه
دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَلَى سَلْمَانَ رضي الله عنه يَعُودُهُ؛ فَبَكَى؛ فَقَالَ لَهُ سَعْد: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله 00؟
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَتَرِدُ عَلَيْهِ الحَوْضَ وَتَلْقَى أَصْحَابَك؛ فَقَالَ لَهُ سَلْمَان: أَمَا إِنيِّ لَا أَبْكِي جَزَعَاً مِنَ المَوْتِ وَلَا حِرْصَاً عَلَى الدُّنيَا وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْدَاً حَيَّاً وَمَيِّتَاً؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لِتَكُنْ بُلْغَةُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنيَا مِثْلُ زَادِ الرَّاكِب " 0
وَحَوْلي هَذِهِ الأَسَاوِدَة [أَيِ الحَيَّات]؛ وَكَانَ رضي الله عنه حَوْلَهُ إِجَّانَة [أَيْ طَسْتٌ صَغِير]، وَجَفْنَةٌ وَمَطْهَرَة [أَيْ إِبْرِيق]؛ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ رضي الله عنه: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ اعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ نَأْخُذُ بِهِ بَعْدَك؛ قَالَ رضي الله عنه: يَا سَعْد؛ اذْكُرِ اللهَ عِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ وَعِنْدَ يَدِكَ إِذَا قَسَمْتَ وَعِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7891]
عَن عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ رضي الله عنه حِينَ حَضَرَهُ المَوْتُ عَرَفُواْ فِيهِ بَعْضَ الجَزَعِ فَقَالُواْ: مَا يُجْزِعُكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ وَقَدْ كَانَتْ لَكَ سَابِقَةٌ في الخَيْر: شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَغَازِيَ حَسَنَةً وَفُتُوحًا عِظَامًا 00؟
قَالَ رضي الله عنه: يُحْزُنُني أَنَّ حَبِيبَنَا صلى الله عليه وسلم حِينَ فَارَقَنَا عَهِدَ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا قَال: ((ليَكْفِ المَرْءَ مِنْكُمْ كَزَادِ الرَّاكِب)) 0
فَهَذَا الَّذِي أَجْزَعَني؛ فَجُمِعَ مَالُ سَلْمَانَ رضي الله عنه فَكَانَ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً "
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ في صَحِيحِ التَّرْغِيب ح 0 ر: (3319)، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 3319]
وَفَاةُ أَبي بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه
حَدَّثَ ابْنُ عُلَيَّة [إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيم]: عَن عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أَبِيهِ قَال: " لَمَّا اشْتَكَى أَبُو بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه عَرَضَ عَلَيْهِ بَنُوهُ أَنْ يَأْتُوهُ بِالطَّبِيب؛ فَأَبَى رضي الله عنه، فَلَمَّا نَزل بِهِ المَوْتُ قَالَ لَهُمْ: أَيْنَ طَبِيبُكُمْ؛ لِيَرُدَّهَا إِنْ كَانَ صَادِقَاً " 00؟ [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 10/ 3]
وَفَاةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه
عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ ـ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا صُحْبَةٌ ـ قَال: " دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ في المَوْتِ فَبَكَيْت؛ فَقَالَ رضي الله عنه: مَهْلاً، لِمَ تَبْكِي 00؟!
فَوَاللهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنَّ لَك، وَلَئِنِ شُفِّعْتُ لأَشْفَعَنَّ لَك، وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لأَنْفَعَنَّكَ، ثُمَّ قَالَ رضي الله عنه: وَاللهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَاّ حَدَّثْتُكُمُوهُ، إِلَاّ حَدِيثَاً وَاحِدَاً، وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ اليَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَأَنَّ محَمَّدَاً رَسُولُ الله؛ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّار "
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 29 / عَبْد البَاقِي]
وَفَاةُ سَيِّدِنَا بِلَالٍ رضي الله عنه
لَمَّا حَضَرَتْ سَيِّدَنَا بِلَالاً رضي الله عنه الوَفَاةُ قَالَتِ امْرَاتُه: وَاحُزْنَاه، فَقَالَ رضي الله عنه لَهَا:" بَلْ وَاطَرَبَاه؛ غَدَاً أَلْقَى الأَحِبَّة: محَمَّدَاً وَحِزْبَه "!!
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1875]
وَفَاةُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِر رضي الله عنه
عَن أَبي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ رضي الله عنه قَال: " رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ رضي الله عنه دَعَا غُلَامَاً لَهُ بِشَرَاب، فَأَتَاهُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبنٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ قَال: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُه؛ اليَوْمَ أَلْقَى الأَحِبَّة: محَمَّدَاً وَحِزْبَه؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ آخِرَ شَيْءٍ أُزَوَّدُهُ منَ الدُّنيَا ضَيْحَةُ لَبن ـ أَيْ شَرْبَةُ لَبنٍ خَاثِر ـ ثُمَّ قَال: وَاللهِ لَوْ هَزَمُونَا حَتىَّ يَبْلُغُواْ سَعْفَاتِ هَجَر ـ أَيْ نخْلَ البَحْرَيْن ـ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى حَقٍّ وَأَنهُمْ عَلَى بَاطِل " 0 [حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في مجْمَعِ الزَّوَائِد 0 ص: (297/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف رضي الله عنه قَال:
" سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ يُنَادِي: إِنيِّ لَقِيتُ الجَبَّار، وَتَزَوَّجْتُ الحُورَ الْعِين، الْيَوْمَ نَلْقَى الأَحِبَّة: محَمَّدَاً وَحِزْبَه؛ عَهِدَ إِليَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ آخِرَ زَادِكَ مِنَ الدُّنيَا ضَيَاحٌ مِنْ لَبن " 0 [قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (296/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط]
عَنْ بِلَالِ بْنِ يحْيىَ قَال:
" لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ رضي الله عنه؛ أَتَى حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رضي الله عنه فَقِيل: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ قُتِلَ هَذَا الرَّجُل؛ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمَا تَقُول 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه أَسْنِدُوني؛ فَأَسْنَدُوهُ إِلى صَدْرِ رَجُل؛ فَقَالَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
" أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ لَا يَدَعُهَا؛ حَتىَّ يَمُوتَ أَوْ يَمَسَّهُ الهَرَم " 0
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (295/ 9)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ البَزَّارُ وَالطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط]
وَفَاةُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَير رضي الله عنه
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه أُتيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمَاً فَقَال: " قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرَاً مِني، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَاّ بُرْدَة، وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِني، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَاّ بُرْدَة، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا في حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: الكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ المَال بِرَقْم: 1274]
وَفي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ رضي الله عنه: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتىَّ تَرَكَ الطَّعَام " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلَاّ ثَوْبٌ وَاحِد بِرَقْم: 1275]
وَفَاةُ أَبي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه
حَدَّثَ مُجَاهِدٌ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ عَن أَبِيهِ عَن أُمِّ ذَرٍّ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه الْوَفَاةُ بَكَيْت؛ فَقَالَ رضي الله عنه: مَا يُبْكِيكِ 00؟
فَقُلْتُ: مَا ليَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَنَاً 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: فَلَا تَبْكِي وَأَبْشِرِي؛ فَإِنيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ:
" لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الأََرْضِ، تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِين " 0
وَلَيْسَ مِن أُوْلَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلَاّ وَقَدْ هَلَكَ في قَرْيَةٍ وَجَمَاعَة، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلَاةٍ، وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِّبْت؛ فَأَبْصِرِي الطَّرِيق؛ قَالَتْ: وَأَنىَّ وَقَدْ ذَهَبَ الحَاجّ [أَيِ الحَجِيج]، وَانْقَطَعَتِ الطُّرُق 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: اذْهَبي فَتَبَصَّرِي؛ قَالَتْ: فَكُنْتُ أَجِيءُ إِلىَ كَثِيبٍ فَأَتَبَصَّرُ ثمَّ أَرْجِعُ إِلَيْهِ فَأُمَرِّضُه، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِك: إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَى رِحَالهِمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخْم [طَائِرٌ ضَخْم]، فَأَقْبَلُواْ حَتىَّ وَقَفُواْ عَلَيَّ وَقَالُواْ: مَا لَكِ يَا أَمَةَ الله 00؟
قُلْتُ لَهُمْ: امْرُؤٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَمُوتُ تُكَفِّنُونَهُ؛ قَالُواْ: مَن هُوَ 00؟
قُلْتُ: أَبُو ذَرّ؛ قَالُواْ: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟
قُلْتُ نَعَمْ؛ فَفَدَّوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَسْرَعُواْ إِلَيْه، فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ رضي الله عنه فَرَحَّبَ بِهِمْ وَقَال:
إِنيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ:
" لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الأََرْضِ، تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِين " 0
وَلَيْسَ مِن أُوْلَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلَاّ هَلَكَ في قَرْيَةٍ وَجَمَاعَة، وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلَاةٍ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ إِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَوْبٍ يَسَعُني كَفَنَاً لي أَوْ لاِمْرَأَتي لَمْ أُكَفَّن إِلَاّ في ثَوْبٍ لي أَوْ لَهَا، أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أَنيِّ أُنْشدُكُمُ اللهَ أَنْ لَا يُكَفِّنَني رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرَاً أَوْ عَرِيفَاً [أَيْ شُرْطِيَّاً] أَوْ بَرِيدَاً [أَيْ مَنْدُوبَاً] أو نقيبا [أَيْ عُمْدَةً أَوْ مَأْمُورَاً]؛ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَاّ قَارَفَ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَاّ فَتىً مِنَ الأَنْصَار؛ فَقَالَ [أَيْ ذَلِكَ الْفَتىَ]:
يَا عَمّ؛ أَنَا أُكَفِّنُك، لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئَاً، أُكَفِّنُكَ في رِدَائِي هَذَا، وَفي ثَوْبَينِ في عَيْبَتي [أَيْ شَنَّتي " أَيْ بُؤْجَتي "] مِن غَزْلِ أُمِّي حَاكَتْهُمَا لي؛ فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ في النَّفَرِ الَّذِينَ شَهِدُوه، مِنهُمْ حَجَرُ بْنُ الأَدْبَر، وَمَالِكُ بْنُ الأَشْتَر، في نَفَرٍ كُلِّهِمْ يَمَان " 0
[قَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْبٌ الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان: حَدِيثٌ قَوِيّ، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في التَّرْغِيب]
وَفَاةُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتّ رضي الله عنه
وَقَفَ عَلَى قَبرِهِ الإِمَامُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَقَال: " رَحِمَ اللهُ خَبَّابَاً؛ لَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِبَاً، وَجَاهَدَ طَائِعَاً، وَعَاشَ زَاهِدَاً، وَابْتُلِيَ في جِسْمِهِ صَابِرَاً، وَلَنْ يُضَيِّعَ اللهُ أَجْرَ مَن أَحْسَنَ عَمَلاً " 0 [ضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (299/ 9)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ في الكَبِير]
عَن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقَْبَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه غُشِيَ عَلَيْهِ غَشْيَةً؛ فَظَنُّواْ أَنَّهُ فَاضَتْ نَفْسُهُ فِيهَا؛ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومٍ رضي الله عنها إِلى المَسْجِدِ تَسْتَعِينُ بِمَا أُمِرَتْ بِهِ مِنَ الصَّبرِ وَالصَّلَاة، فَلَمَّا أَفَاقَ رضي الله عنه قَال: أَغُشِيَ عَلَيَّ آنِفًا 00؟
قَالُواْ نَعَمْ، قَالَ رضي الله عنه: صَدَقْتُمْ؛ إِنَّهُ جَاءَني مَلَكَانِ فَقَالَا: انْطَلِقْ نُحَاكِمُكَ إِلى الْعَزِيزِ الأَمِين؛ فَقَالَ مَلَكٌ آخَر: أَرْجِعَاه 00 فَإِنَّ هَذَا مِمَّنْ كَتَبْتُمْ لَهُ السَّعَادَةَ وَهُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيَسْتَمْتِعُ بِهِ بَنُوهُ مَا شَاءَ اللهُ تَعَالىَ؛ فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَ رضي الله عنه " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3066]
وَفَاةُ عَمْرِو بْنِ العَاص رضي الله عنه
قَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبي عَقْرَبٍ قَال: " جَزِعَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ عِنْدَ المَوْتِ جَزَعَاً شَدِيدَاً " 0
[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 76/ 3]
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ في طَّبَقَاتِهِ: أَخْبَرْنَا ابْنُ الْكَلْبيِّ عَن عَوَانَةَ بْنِ الحَكَمِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لَهُ ابْنُهُ: صِفْهُ 00؟
قَالَ غَفَرَ اللهُ لَهُ: يَا بُنيَّ؛ المَوْتُ أَجَلُّ مِن أَنْ يُوصَف، وَلَكِنيِّ سَأَصِفُ لَكَ: أَجِدُني كَأَنَّ جِبَالَ رَضْوَى عَلَى عُنُقِي، وَكَأَنَّ في جَوْفِي الشَّوْك، وَأَجِدُني كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِن إِبْرَة " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 76/ 3]
حَدَّثَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه
أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِينَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِأُمُور، وَنَهَيْتَ عَن أُمُور؛ فَتَرَكْنَا كَثِيرَاً مِمَّا أَمَرْت، وَرَتَعْنَا في كَثِيرٍ مِمَّا نَهَيْت، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَاَّ أَنْت، ثمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتىَّ فَاضَتْ رُوحُه "
[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 76/ 3]
قَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبي عَقْرَبٍ أَنَّ عَمْرَاً غَفَرَ اللهُ لَهُ قَالَ آخِرَ مَا قَال:
" اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلَا يَسَعُنَا إِلَاّ مَغْفِرَتُك 00
فَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ [أَيْ دَيْدَنُهُ] حَتىَّ مَاتَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 76/ 3]
وَقَالَ رَوْح: حَدَّثَنَا عَوْفٌ الأَعْرَابيُّ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله أَنَّ عَمْرَاً غَفَرَ اللهُ لَهُ قَالَ آخِرَ مَا قَال: " اللَّهُمَّ لَا بَرِيءٌ فَأَعْتَذِر، وَلَا عَزِيزٌ فَأَنْتَصِر، وَإِنْ لَا تُدْرِكْني مِنْكَ رَحْمَةٌ، أَكُنْ مِنَ الهَالِكِين " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 77/ 3]
وَحَدَّثَ إِسْرَائِيلُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُخْتَارِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَال: حَدَّثَني أَبُو حَرْبٍ بْنُ أَبي الأَسْوَدِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ قَالَ آخِرَ مَا قَال: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَأَضَعْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، فَلَا بَرِيءٌ فَأَعْتَذِر، وَلَا عَزِيزٌ فَأَنْتَصِر، وَلَكِنْ لَا إِلَهَ إِلَاَّ أَنْت 00
مَا زَالَ يَقُولُهَا حَتىَّ مَاتَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 77/ 3]
لَمَّا احْتَضَرَ رضي الله عنه جَمَعَ بَنِيهِ حَوْلَهُ فَقَالَ لهُمْ أَسْنِدُوني، فَأَسْنَدُوهُ ثُمَّ قَال: " اللهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَني فَلَم أَأْتَمرْ، وَزَجَرْتَني فَلَمْ أَنْزَجِر، اللهُمَّ لَا قَوِيٌّ فَأَنْتَصِر، وَلَا بَرِيءٌ فَأَعْتَذِر، وَلَا مُسْتَكْبرٌ بَلْ مُسْتَغْفِر، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوب إِلَيك، لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِني كُنْتُ مِنَ الظَّالمِين، فَلَم يَزَلْ يُكَرِّرُهَا حَتىَّ مَات 00!!
وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ صَنَادِيقُ مَمْلُوءةٌ ذَهَبَاً، فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا حِينَ نَزَلَ بِهِ مِن أَمْرِ اللهِ مَا نَزَلَ وَيَقُول: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فيهَا 00؟ أَلَا لَيْتَهَا كَانَتْ بَعْرَاً 00!! [الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الخُلَفَاء: 1875]
عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ قَال: " حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ العَاصِ رضي الله عنه وَهُوَ في سِيَاقَةِ المَوْت، فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلى الجِدَار، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُول: يَا أَبَتَاه، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا 00؟
أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا 00؟
فَأَقْبَلَ رضي الله عنه بِوَجْهِهِ فَقَال: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدّ: شَهَادَةُ أَلَاّ إِلَهَ إِلَاّ الله، وَأَنَّ محَمَّدَاً رَسُولُ الله، إِني كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاث ـ أَيْ مَرَرْتُ بِمَرَاحِلَ ثَلَاث ـ
لَقَدْ رَأَيْتُني: وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضَاً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِني، وَلَا أَحَبَّ إِليَّ أَن أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُه، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الحَالِ لَكُنْتُ مِن أَهْلِ النَّار، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلَامَ في قَلْبي؛ أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْك؛ فَبَسَطَ صلى الله عليه وسلم يَمِينَه، فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا لَكَ يَا عَمْرو " 00؟!
قُلْتُ:
أَرَدْتُ أَن أَشْتَرِط، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" تَشْتَرِطُ بمَاذَا " 00؟
قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لي، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَه 00؟
وَأَنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا 00؟ وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَه " 00؟
وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَجَلَّ في عَيْني مِنهُ صلى الله عليه وسلم، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَن أَمْلأَ عَيْنيَ مِنْهُ إِجْلَالاً لَه،
وَلَوْ سُئِلْتُ أَن أَصِفَهُ مَا أَطَقْت؛ لأَني لَمْ أَكُن أَمْلأُ عَيْنيَ مِنْهُ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الحَالِ لَرَجَوْتُ أَن أَكُونَ مِن أَهْلِ الجَنَّة، ثمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْني نَائِحَةٌ وَلَا نَار، فَإِذَا دَفَنْتُمُوني فَشُنُّواْ عَلَيَّ التُّرَابَ شَنَّاً، ثمَّ أَقِيمُواْ حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَّمُ لحْمُهَا؛ حَتىَّ أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبي " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (121 / عَبْد البَاقِي)، الإِمَامُ أَحْمَدُ في " مُسْنَدِهِ " بِرَقْم: 17326]
وَفَاةُ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه
عَنْ سَلَامِ بْنِ أَبي سَلَامٍ عَن أَبِيهِ عَن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه أَنَّهُ حِينَ احْتُضِرَ أَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَقَالُواْ:
" يَا حُذَيْفَة؛ مَا نَرَاكَ إِلَاّ مَقْبُوضًا؛ فَقَالَ لَهُمْ رضي الله عنه: عَبْدٌ مَسْرُور، وَحَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، لَا أَفْلَحَ مَنْ نَدِم، اللَّهُمَّ إِنيِّ لَمْ أُشَارِكْ غَادِرَاً في غَدْرَتِه؛ فَأَعُوذُ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ صَاحِبِ السُّوء " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8533]
غَيرَ أَنَّهُ وَبِرَغْمِ رِقَّةِ حَالِهِ [لَا أَقُولُ سُوءَ حَالِهِ] كَالْفَقِيرِ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ كَالفَقِير، غَيرَ أَنَّهُ وَبِرَغْمِ رِقَّةِ حَالِهِ [لَا أَقُولُ سُوءَ حَالِهِ] كَالْفَقِير؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ كَالفَقِير، فَهُوَ قَانِعٌ خَاشِعٌ مُتَوَاضِع 0
عَن أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَيسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَان، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَان، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَا يجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فيُتَصَدَّقُ عَلَيْه، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاس " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (1479)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1039]
رَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله قَال:
" لَمَّا حَضَرَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه المَوْتُ قَال:
حَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ؛ لَا أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ، أَلَيْسَ بَعْدِي مَا أَعْلَم 00؟
الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَبَقَ بيَ الْفِتْنَةَ قَادَتَهَا وَعُلُوجَهَا " 0
يَعْني عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَقْعَتيِ الجَمَلَ وَصِفِّين 0
حَدَّثَ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ عَن أَبي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " ابْتَاعُواْ لي كَفَنَاً؛ فَجَاؤُواْ بحُلَّةٍ ثَمَنُهَا ثَلَاثُمِاْئَة؛ فَقَالَ رضي الله عنه: لَا؛ اشْتَرُواْ لي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْن " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 369/ 2]
قَالَ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ النَزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ رحمه الله قَال: " قُلْتُ لأَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: مَاذَا قَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه عِنْدَ مَوْتِهِ 00؟
قَالَ رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ قَالَ رضي الله عنه: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ صَبَاحٍ إِلىَ النَّار 00 ثَلَاثَاً، ثمَّ قَالَ رضي الله عنه: اشْتَرُواْ لي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَين؛ فَإِنَّهُمَا لَنْ يُتْرَكَا عَلَيَّ إِلَاَّ قَلِيلاً حَتىَّ أُبْدَلَ بِهِمَا خَيْرَاً مِنهُمَا، أَوْ أُسْلَبَهُمَا سَلْبَاً قَبِيحَاً " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 369/ 2]
وَفَاةُ أَبي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَة
دَخَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبي سُفْيَانَ رضي الله عنه عَلَى خَالِهِ أَبي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ رضي الله عنه يَعُودُهُ وَهُوَ طَعِين، فَبَكَى [أَيْ خَالُه]؛ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه: " مَا يُبْكِيك 00 أَوَجَعٌ يُشْئِزُك [أَيْ يُؤْلِمُك] أَمْ عَلَى الدُّنْيَا، فَقَدْ ذَهَبَ صَفْوُهَا 00؟
قَالَ رضي الله عنه: كُلٌّ لَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِليَّ عَهْدًا وَدِدْتُ أَنيِّ كُنْتُ تَبِعْتُه، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّهُ لَعَلَّكَ تُدْرِكُ أَمْوَالاً تُقْسَّمُ بَيْنَ أَقْوَام، وَإِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ خَادِمٌ وَمَرْكَب "
فَأَدْرَكْتُ فَجَمَعْت " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: (5372)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 2327]
وَفَاةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رضي الله عنه
دَخَلَ أَبُو الأَشْهَبِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَهْوَ يحْتَضِرُ فَقَالَ لَه حَمَّاد: " يَا أَبَا عَبْدِ الله: أَلَيْسَ قَدْ أَمِنْتَ مِمَّا كُنْتَ تخَافُه، وَتَقْدُمُ عَلَى مَنْ تَرْجُوهُ وَهُو أَرْحَمُ الرَّاحمِين 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: يَا أَبَا سَلَمَة: أَتَطْمَعُ لِمِثْليَ أَنْ يَنْجُوَ مِن النَّار 00؟
قَال: إِيْ وَالله؛ إِنيِّ لأَرْجُو لَكَ ذَلِك " 0 [ابْنُ القَيِّمِ في " إِغَاثَةِ اللهْفَانِ " بِالطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِ المَعْرِفَة 0 بَيرُوت 0 ص: 85/ 1]
وَفَاةُ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ رضي الله عنه
دَخَلَ المُزَنيُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه في مرَضِهِ الَّذِي تُوُفيَ فِيهِ فَقَالَ لَه: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الله 00؟ فَقَالَ رضي الله عنه: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنيَا رَاحِلاً، وَلِلإِخْوَان مُفَارِقَاً، وَلِسُوءِ عَمَلِي مُلَاقِيَاً، وَلِكَأْسِ المَنِيَّةِ شَارِبَاً، وَعَلَى اللهِ سبحانه وتعالى وَارِدَاً، وَلَا أَدْرِي أَرُوحِي تَصِير إِلى الجَنَّةِ فَأُهَنِّيهَا أَمْ إِلى النَّارِ فَأُعَزِّيهَا 00؟
ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول:
وَلَمَّا قَسَا قَلْبي وَضَاقَتْ مَذَاهِبي * جَعَلْتُ رَجَائِي نَحْوَ عَفْوِكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنْبي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ * بعَفْوِكَ رَبيِّ كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
[الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الصَّالحِين: 1878]
وَفَاةُ الإِمَامِ أَحْمَد رضي الله عنه
لَمَّا حَضَرَتْهُ رضي الله عنه الوَفَاةُ أَتَى ابْنُهُ كَيْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَةَ فَقَالَ لَه:
يَا أَبَتِ قُلْ " لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ "، فَوَجَدَهُ يَقُول: لَا وَبُعْدَاً؛ فَاسْتَاءَابْنُهُ جِدَّاً، وَأَخَذَ يَتَأَسَّفُ عَلَى وَالِدِه، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَه: مَاذَا كُنْتَ تَقُولُ لي يَا أَبَتِ وَأَنَا أُلَقِّنُكَ الشَّهَادَة 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: لَقَدْ كُنْتُ كُلَّمَا قُلْتَ لي: يَا أَبَتِ قُلْ " لَا إِلَهَ إِلَاّ الله " كَانَ إِبْلِيسُ يَأْتِيني عِنْدَ رَأْسِي فَيَقُولُ لي: مُتْ يَهُودِيَّاً أَوْ نَصْرَانِيَّاً فَإِنَّ أَبَاكَ مَاتَ يهُودِيَّاً أَوْ نَصْرَانِيَّاً، مُتْ يَهُودِيَّاً أَوْ نَصْرَانِيَّاً أَضْمَنُ لَكَ الجَنَّة؛ فَكُنْتُ أَقُولُ لَهُ لَا وَبُعْدَاً 00!!! [فَضِيلَةُ الشَّيْخ / عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ " بِتَصَرُّف: 154/ 10]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَة، وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالمِين، وَيَفعَلُ اللهُ مَا يَشَاء} {إِبْرَاهِيم: 27}
وَفَاةُ الإِمَامِ الحَافِظِ أَبي مُوسَى المَدِينِيّ
قَالَ الحُسَيْنُ الْبَاورِّيّ: كُنْتُ في مدِينَةِ الخَان، فَسَأَلَني سَائِلٌ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّي؛ فَقُلْتُ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاك: يَمُوتُ إِمَامٌ لَا نَظِيرَ لَهُ في زَمَانِه؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا المَنَامِ رُئِيَ حَالَ وَفَاةِ الشَّافِعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، فَمَا أَمْسَيْنَا حَتىَّ جَاءَنَا الخَبَرُ بِوَفَاةِ الحَافِظِ أَبي مُوسَى المَدِينِيّ " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 157/ 21]
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الخُجَنْدِيّ: لَمَّا مَاتَ أَبُو مُوسَى المَدِينِيُّ لَمْ يَكَادُواْ أَنْ يَفْرَغُواْ مِنهُ حَتىَّ جَاءَ مَطَرٌ عَظِيمٌ في الحَرِّ الشَّدِيد، وَكَانَ المَاءُ قَلِيلاً بِأَصْبَهَان، فَمَا انْفَصَلَ أَحَدٌ عَنِ المَكَانِ مَعَ كَثْرَةِ الخَلْقِ إِلَاَّ قَلِيلاً، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ في آخِرِ إِمْلَاءَةٍ أَمْلَاهَا: أَنَّهُ مَتىَ مَاتَ مَنْ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْد اللهِ جَلَّ وَعَلَا: فَإِنَّ اللهَ عز وجل يَبْعَثُ سَحَابَاً يَوْمَ مَوْتِهِ؛ علَامَةً لِلْمَغْفِرَةِ لَهُ وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 157/ 21]
وَفَاةُ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه
قَالَ وَكِيعٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
" كَانَ الحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَخُوهُ وَأُمُّهُمَا قَدْ جَزَّؤُواْ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَجزَاء؛ فُكُلُّ وَاحِدٍ يَقُومُ ثُلُثَاً، فَمَاتَتْ أُمُّهُمَا؛ فَاقْتَسَمَا اللَّيْل، ثُمَّ مَاتَ عَلِيّ؛ فَقَامَ الحَسَنُ اللَّيْلَ كُلَّه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 370/ 7]
حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ آدَمَ عَنِ الحَسَنِ بْنُ صَالِحٍ قَال: " قَالَ لي أَخِي وَكُنْتُ أُصلِّي: يَا أَخِي اسْقِني؛ فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلَاتي أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَقَال: قَدْ شَرِبْتُ السَّاعَة؛ قُلْتُ: مَنْ سَقَاكَ وَلَيْسَ في الْغُرفَةِ غَيْرِي وَغَيْرُك 00؟
قَال: أَتَاني السَّاعَةَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِمَاء، فَسَقَاني وَقَال: أَنْتَ وَأَخُوكَ وَأُمُّكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَخَرَجَتْ نَفْسُه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 372/ 7]
وَفَاةُ الإِمَامِ الجُنَيْدِ رحمه الله
قِيلَ لِلإِمَامِ الجُنَيْدِ رحمه الله عِنْدَ مَوْتِهِ: قُلْ " لَا إِلَهَ إِلَاّ الله " 0
فَقَالَ رضي الله عنه: مَا نَسِيتُهُ فَأَذْكُرَه 00!! [الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الصَّالحِين: 1877]
وَفَاةُ أَحْمَدَ بْنِ خَضْرَوَيْه رحمه الله
رَوَى السُّلَمِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ محَمَّدَ بْنَ حَامِدٍ قَال:
" كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ خِضْرَوَيْه، وَهُوَ يَنْزِع [أَيْ يَحْتَضِر]، فَسُئِلَ رحمه الله عَنْ شَيْءٍ فَقَال: بَابَاً كُنْتُ أَقْرَعُهُ مُنْذُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَة: السَّاعَةَ يُفْتَح، لَا أَدْرِي يُفْتَحُ بِالسَّعَادَةِ أَمْ بِالشَّقَاء " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 489/ 11]
يَقُولُ أَبُو حَامِدٍ الغَزَاليِّ رضي الله عنه تَعْلِيقَاً عَلَى وَفِيَّات هَؤُلَاءِ الأَعْيَانِ مَا نَصُّه: " فَهَذِهِ أَقَاوِيلُهُمْ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ بحَسْبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ: فَغَلَبَ عَلَى بَعْضِهِمُ الخَوْف، وَعَلَى بَعْضِهِمُ الرَّجَاء، وَعَلَى بَعْضِهِمُ الشَّوْقُ وَالحُبّ؛ فَتَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمْ عَلَى مُقْتَضَى حَالِه " 0 [الإِحْيَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 طَبْعَةُ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 وَفَاةُ الصَّالحِين: 1878]
وَأَخِيرَاً
قُرَّائِيَ الأَعِزَّاء: وَمَنْ كَانَتْ لَدَيْهِ مَلحُوظةٌ قَدْ تَنْفَعُ المُسْلِمِين، أَوْ أَيَّةُ إِضَافَةٍ، أَوْ كَانَتْ في حَيَاتِهِ قِصَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِ الكِتَاب؛ فَسَوْفَ أَكُونُ في غَايَةِ السُّرُورِ لَوْ تَفَضَّلَ عَلَيَّ بِهَا؛ فَالْكَاتِبُ كَالحَالِب، وَالسَّامِعُ كَالشَّارِب 0
اللهُمَّ أَحْسِن خَاتمَتَنَا في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَاجْعَلْ خَيرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِك 00!!
اللهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ كَآبَةِ المَنْظَرِ وَسُوءِ المُنْقَلَبِ وَمَصَارِعِ السَّوء 00!!
اللهُمَّ إِنَّا إِذَا قَرَأْنَا عَنْ رَحمَتِكَ أَمِنَّا عَذَابَك، وَإِذَا قَرَأْنَا عَن عَذَابِكَ يَئِسْنَا مِنْ رَحمَتِك؛ فَاللهُمَّ اكْتُبْ لَنَا رَحْمَتَكَ وَاصْرِفْ عَنَّا عَذَابَك 00!!
اللهُمَّ ارْزُقْنَا عَيْشَ السُّعَدَاء، وَمَنَازِلَ الشُّهَدَاء، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاء!!
اللهُمَّ اجْعَلْ مَا هُوَ آت: خَيرَاً ممَّا قَدْ فَات، يَا وَاسِعَ الرَّحمَات، وَيَا مجِيبَ الدَّعَوَات 0
اللهُمَّ آمِينَ آمِين، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين 0
أَخِي الكَرِيم: احْرِصْ بَعْدَ قِرَاءتِكَ الكِتَابَ أَنْ تُعِيرَهُ لإِخْوَانِكَ وَجِيرَانِك؛ فَصَدَقَةُ العِلْمِ تَعْلِيمُه، وَالدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِه، وَلأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدَاً؛ خَيرٌ لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَم
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ العِلْمَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ بِه؛ كَمَثَلِ الَّذِي يَكْنزُ الكَنزَ فَلَا يُنْفِقُ مِنه " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 5835، 3479، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ وَالْكَبِير]
فَلَا تَمْنَعْ كِتَابَاً مُسْتَعِيرَاً * فَإِنَّ الْبُخْلَ لِلإِنْسَانِ عَارُ
أَلَمْ تَسْمَعْ حَدِيثَاً عَنْ ثِقَاتٍ * جَزَاءُ الْبُخْلِ عِنْدَ اللهِ نَارُ
وَلَا تَنْسَنَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِك، اجْعَلْ لَنَا مِنهُ نَصِيبَاً مَفْرُوضَا 0
يَاسِر الحَمَدَاني ـ مِصْر
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°