المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌هُمُومُ العُلَمَاء: ========= رِقَّةُ حَالِ العُلَمَاء طَرَقَ سَائِلٌ مُتَشَدِّقٌ خَيْمَةَ أَحَدِ العُلَمَاءِ سَائِلاً، - موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني

[ياسر الحمداني]

فهرس الكتاب

- ‌[مَقَالَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني]

- ‌أَصُونُ كَرَامَتي مِنْ قَبْلِ قُوتي

- ‌أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُول

- ‌إِعْصَار كَاتْرِينَا

- ‌إِنْقَاذُ السُّودَان؛ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان

- ‌الإِسْلَامُ هُوَ الحَلّ، وَلَيْسَ الإِرْهَابُ هُوَ الحَلّ

- ‌الْبَهَائِيَّة، وَادعَاءُ الأُلُوهِيَّة

- ‌الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان:

- ‌الدِّينُ النَّصِيحَة:

- ‌الشَّيْطَانُ الأَكْبَرُ

- ‌الفَنَّانَاتُ التَّائِبَاتُ

- ‌{أَرَاذِلُ الشُّعَرَاء}

- ‌الحُلْمُ الجَمِيل:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتجْوِيدِه:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الحَدِيثِ النَّبَوِيّ:

- ‌ فَضْلُ بِنَاءِ المَسَاجِد **

- ‌فُقَرَاء، لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌فِقْهُ الحَجِّ وَرَوْحَانِيَّاتُه:

- ‌قَصَائِدُ ابْتِهَالِيَّة:

- ‌لُغَتُنَا الجَمِيلَة:

- ‌مَقَامَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌أَنْقِذُونَا بِالتَّغْيِير؛ فَإِنَّا في الرَّمَقِ الأَخِير:

- ‌إِيرَان؛ بَينَ المِطْرَقَةِ وَالسِّنْدَان

- ‌الأَمِينُ غَيرُ الأَمِين

- ‌الإِرْهَابُ وَالأَسْبَابُ المُؤَدِّيَةُ إِلَيْه

- ‌الحَاكِمُ بِأَمْرِ الشَّيْطَان

- ‌الشَّاعِرُ المَغْرُور

- ‌الْفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالرُّوتِينُ في الدُّوَلِ المُتَخَلِّفَة

- ‌الْقِطَطُ السِّمَان

- ‌الْكُلُّ شِعَارُهُ نَفْسِي نَفْسِي

- ‌المَوْهُوبُونَ وَالمَوْهُومُون

- ‌بَعْضَ الَاهْتِمَام؛ يَا هَيْئَةَ النَّقْلِ الْعَامّ

- ‌ثَمَانِ سَنَوَات؛ يَا وَزَارَةَ الاتِّصَالات

- ‌جَمَاعَةُ الإِخْوَانِ المحْظُوظَة

- ‌دُورُ " النَّشْل

- ‌شَبَابُنَا وَالْقُدْوَةُ في عُيُونِهِمْ

- ‌شُعَرَاءُ الْفُكَاهَة؛ بَيْنَ الجِدِّيَّةِ وَالتَّفَاهَة

- ‌صَنَادِيقُ شَفَّافَة، وَنُفُوسٌ غَيرُ شَفَّافَة

- ‌ ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق

- ‌فَتَيَاتُ المَدَارِس، وَتَحَرُّشُ الأَبَالِس

- ‌قَتَلُواْ بِدَاخِلِنَا فَرْحَةَ الْعِيد

- ‌قَصِيدَةً مِنْ نَار؛ لِمَنْ يَتَّهِمُني بِسَرِقَةِ الأَشْعَار

- ‌قَنَاةٌ فَضَائِيَّةٌ تَلْفِتُ الأَنْظَار؛ بِالطَّعْنِ في نَسَبِ النَّبيِّ المخْتَار

- ‌مَتى سَيُنْصَفُ الضَّعِيف؛ في عَهْدِكَ يَا دُكْتُور نَظِيف

- ‌مُوَسْوِسُونَ لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌يَتْرُكُونَ المُشَرِّفِين؛ وَيُقَدِّمُونَ " المُقْرِفِين

- ‌يحْفَظُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَيَعْمَلُ بَنَّاءً

- ‌أَشْعَار بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌فَضْلُ الشِّعْر وَالشُّعَرَاء

- ‌مخْتَارَاتٌ مِنْ دِيوَاني:

- ‌الحَمَاسَةُ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌إِهْدَاءُ الحَمَاسَةِ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ الحَمَاسَة:

- ‌بَحْرُ الخَفِيف:

- ‌بَحْرُ الْبَسِيط:

- ‌بَحْرُ الرَّجَز:

- ‌بَحْرُ الرَّمَل:

- ‌بَحْرُ الوَافِر:

- ‌بَحْرُ المُتَدَارَك:

- ‌بَحْرُ المُتَقَارِب:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 2]:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 3]:

- ‌مجْزُوءُ الرَّمَل:

- ‌مجْزُوءُ الرَّجَز:

- ‌مجْزُوءُ الْوَافِر:

- ‌مجْزُوءُ الْكَامِل:

- ‌مُخَلَّعُ الْبَسِيط:

- ‌[مَنهُوكُ الرَّجَز

- ‌كِتَابُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌مُقَدِّمَةُ الرِّضَا بِالقَلِيل

- ‌تَمْهِيدُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌الفَقِيرُ الصَّابِر:

- ‌الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌عَفَافُ النَّفْس:

- ‌كِتَابُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظَاً:

- ‌أَحْكَامُ الجَنَائِز:

- ‌فَقْدُ الأَحِبَّة:

- ‌وَفَاةُ الحَبِيب:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌مُصِيبَةُ المَرَض:

- ‌مُصِيبَةُ السِّجْنِ وَالحَدِيثُ عَنِ المَظْلُومين:

- ‌هُمُومُ المُسْلِمِين:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ العُلَمَاء

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌[كِتَابُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌[مُقَدِّمَةُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌أَرْشِيفُ الحَمَدَاني:

- ‌انحِرَافُ الشَّبَاب:

- ‌البَيْتُ السَّعِيد

- ‌أَدَبُ الحِوَارِ في الإِسْلَام:

- ‌{الأَدَبُ مَعَ اللهِ وَرَسُولِهِ

- ‌ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجْ:

- ‌الدِّينُ الحَقّ:

- ‌الطِّيبَةُ في الإِسْلَام:

- ‌الْعِلْمُ وَالتَّعْلِيم:

- ‌العَمَلُ وَالكَسْب:

- ‌الكِبْرُ وَالغُرُور

- ‌المَمْلَكَةُ العَادِلَة:

- ‌بِرُّ الوَالِدَين:

- ‌نُزْهَةٌ في لِسَانِ الْعَرَب:

- ‌تَرْجَمَةُ الذَّهَبيّ؛ بِأُسْلُوبٍ أَدَبيّ [

- ‌حَالُ المُسْلِمِين:

- ‌رِجَالٌ أَسْلَمُواْ عَلَى يَدِ الرَّسُول:

- ‌فَوَائِدُ الصَّوْم:

- ‌زُهْدِيَّات:

- ‌(طَوَارِئُ خَطَابِيَّة)

- ‌فَضَائِلُ الصَّحَابَة:

- ‌مَدِينَةُ كُوسُوفُو:

- ‌مُعَلَّقَاتُ الأَدَبِ الإِسْلَامِيّ:

- ‌فَهْرَسَةُ سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء

الفصل: ‌ ‌هُمُومُ العُلَمَاء: ========= رِقَّةُ حَالِ العُلَمَاء طَرَقَ سَائِلٌ مُتَشَدِّقٌ خَيْمَةَ أَحَدِ العُلَمَاءِ سَائِلاً،

‌هُمُومُ العُلَمَاء:

=========

رِقَّةُ حَالِ العُلَمَاء

طَرَقَ سَائِلٌ مُتَشَدِّقٌ خَيْمَةَ أَحَدِ العُلَمَاءِ سَائِلاً، فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ عِنْدِي إِلَاّ مَا يَكْفِيني، وَسَرَّحَهُ سَرَاحَاً جَمِيلاً، فَتَسَخَّطَ السَّائِلُ قَائِلاً: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُواْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ 00؟

فَرَدَّ عَلَيْهِ العَالِمُ قَائِلاً: " ذَهَبُواْ مَعَ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلحَافَا " 0

وَهَذِهِ القِصَّةُ في الوَقْتِ الَّذِي تَعْرِضُ فِيهِ لجَانِبِ الإِشْرَافِ وَالإِلحَافِ لَدَى بَعْضِ الفُقَرَاء؛ فَإِنهَا تُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى جَانِبِ المُعَانَاةِ في حَيَاةِ العُلَمَاء 0

إِنَّ العُلَمَاءَ وَالأُدَبَاءَ وَحْدَهُمْ؛ هُمُ الفِئَةُ الوَحِيدَةُ الَّتي قَدْ تَكُونُ بِصِحَّةٍ جَيِّدَة، وَتَسْتَطِيعُ العَمَل، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَتْرُكَهُمْ يَنْشَغِلُونَ بِأَيَّةِ وَظِيفَةٍ أُخْرَى، غَيرَ البَحْثِ وَالعِلْمِ وَالإِبْدَاع، تَعَالَ وَانْظُرْ إِلى أَحْوَالهِمْ عِنْدَنَا في الدُّوَلِ النَّامِيَة؛ يَنْقَلَبُ إِليْكَ البَصَرُ خَاسِئَاً وَهُوَ حَسِير 00!!

الَّذِي يَعْمَلُ في مَطْعَم، وَالَّذِي يَعْمَلُ في سُوبَر مَارْكِت، وَالَّذِي يَبِيعُ العُطُورَ وَالبُخُورَ وَالمَصَاحِف

ص: 5999

يحْفَظُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَيَعْمَلُ بَنَّاءً

لَقَدِ الْتَقَيْتُ بِشَابٍّ في إِحْدَى القُرَى وَالْبِلَاد؛ يحْفَظُ بِالإِضَافَةِ لِلْقُرْآنِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ بِالإِسْنَاد، وَحَصِيلَتُهُ مِنَ الكُتُبِ الَّتي قَرَأَهَا وَالمَرَاجِع: تَرْبُو عَلَى أَلْفِ مجَلَّدٍ وَكِتَابٍ جَامِع، وَبِرَغْمِ هَذَا المُسْتَوَى الرَّائِع ـ وَالَّذِي لَا تَعْرِفُهُ الجَامِعَاتُ وَلَا المجَامِع ـ فَإِنَّهُ يَعِيشُ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ عَلَى دَخْلٍ مُتَوَاضِع؛ تُرَى مَاذَا يَعْمَلُ هَذَا المَوْهِبَةُ الضَّائِعَة، هَلْ يَعْمَلُ دُكْتُورَاً في الجَامِعَة 00؟

ص: 6000

كَلَاّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأَعِزَّاء؛ إِنَّمَا يَعْمَلُ أُسْطَى بَنَّاءً في مَوَادِّ الْبِنَاء؛ أَيْنَ المَسْئُولُونَ مِن هَؤُلَاء، بَدَلاً مِن أَنْ يَسْتَفِيدُواْ مِنْ قُدُرَاتِهِ الجَبَّارَة؛ تَرَكُوهُ يَعْمَلُ في الأَسْمَنْتِ وَالحِجَارَة، نَعَمْ تُوجَدُ لِلثَّقَافَةِ وَزَارَة، لَكِنَّهَا مُهْتَمَّةٌ بِهَرَم خُوفُو وَهَرَم سَقَّارَة، وَالمَعَارِضِ التَّشْكِيلِيَّةِ وَفَنِّ الْعِمَارَة، أَسْأَلُ اللهَ لِهَذِهِ الْعُقُولِ المُبْدِعَةِ وَالمُبْتَكِرَة؛ أَنْ تجِدَ الإِنْصَافَ في ظِلِّ الإِصْلَاحَاتِ المُنْتَظَرَة 00!!

وَلَقَدْ نَظَمْتُ في ذَلِكَ الْفَتى هَذَيْنِ الْبَيْتَين، وَلَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ غَيرَ الشِّعْرِ لجُدْتُ بِهِ قَرِيرَ الْعَيْنَين:

لَكَ اللهُ مِن عَالِمٍ يَا شِحَاتَة * قَضَى في عُلُومِ الحَدِيثِ حَيَاتَه

أَيُتْرَكُ مِثْلُكَ دُونَ اهْتِمَامٍ * وَيُلْتَفُّ حَوْلَ خَيَالِ " المَآتَة "

ص: 6001

لَوْ وَجَدَ هَؤُلَاءِ المُبْدِعُونَ العَبَاقِرَة؛ رِعَايَةً مِنَ المَسْئُولِينَ بِالقَاهِرَة؛ لَتَفَرَّغُواْ لِلبَحْثِ وَالعِلْمِ وَالتَّأْلِيف، وَلَمَا آثَرُواْ البَقَاءَ بِالرِّيف، وَلَا قَعَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى الرَّصِيف، وَكَأَنَّ هَذِهِ العُقُول؛ بِلِسَانِ الحَالِ تَقُول:

نحْنُ الجُلُوسُ عَلَى الرَّصِيفْ * الْبَاحِثُونَ عَنِ الرَّغِيفْ

الْعَاجِزُونَ عَنِ الْبَقَاءِ الْقَادِرُونَ عَلَى النَّزِيفْ

* * * * * * *

في كُلِّ وَادٍ نُظْلَمُ * وَقُلُوبُنَا تَتَحَطَّمُ

لَا تَضْحَكُ الدُّنيَا لَنَا * وَالحَظُّ لَا يَتَبَسَّمُ

* * * * * * *

يَا مَن إِلَيْهِ المُشْتَكَى * أَشْكُو لِمَن إِلَاّ لَكَا

ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ حَتىَّ لَمْ أَجِدْ لي مَسْلَكَا

{الْبَيْتَانِ الأَوَّلَانِ لِعِصَام الْغَزَالي 0 بِتَصَرُّفٍ، وَالْبَاقِي لِيَاسِرٍ الحَمَدَاني / المُؤَلِّف}

ص: 6002

سُوءُ الحَالِ وَقِلَّةُ المَال؛ هُوَ الَّذِي اضْطَرَّنَا لِقَبُولِ أَدْنى الأَعْمَال 00!!

وَالمَرْءُ يحْتَالُ إِن عَزَّتْ مَطَالِبُهُ * وَرُبَّمَا نَفَعَتْ أَرْبَابَهَا الحِيَلُ

{بَهَاءُ الدِّينِ الزُّهَير}

وَمَنْ لَمْ يَرْكَبِ الأَهْوَالَ لَمْ يَنَلِ الرَّغَائِب 00!!

وَنِصْفَ العَمَى يَرْضَاهُ مَنْ ضَاقَ حَظُّهُ * عَلَيْهِ وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ لي، وَالآخَرُ لِطَرَفَة، وَيُنْسَبُ لأَبي خِرَاشٍ الهَذَليّ 0 وَكِلَاهُمَا جَاهِلِيّ}

وَإِنْ لَمْ تَكُن إِلَاّ الأَسِنَّةُ مَركَبَاً * فَمَا حِيلَةُ المضْطَرِّ إِلَاّ رُكُوبُهَا

{الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الأَسَدِيّ}

وَمَنْ لَمْ يَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَنْ يَبْكِيَ عَلَيْهِ أَحَد؛ قَالَ شَنْقٌ أَمْ خَنْقٌ 00؟ قَالَ كُلُّهُ في الرَّقَبَة 00!!

ص: 6003

قَدْ حَطَّمُونَا قَادَةُ التَّعْلِيمِ * في أَرْضِ مِصْرٍ أَيَّمَا تحْطِيمِ

وَمَنَارَةُ التَّعْلِيمِ يَا وُزَرَاءَنَا * أَوْلى مِنَ الآثَارِ بِالتَّرْمِيمِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

عِشْرُونَ في المِاْئَةِ فَقَطْ مِنَ المُبْدِعِين؛ هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالجَامِعَةِ كَأَسَاتِذَةٍ فِيمَا يُبْدِعُون، وَأَرْبَعُونَ في المِاْئَةِ حَرَمَتْهُمْ مَكَاتِبُ التَّنْسِيقِ مِنَ الاِلْتِحَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ الَّتي يُرِيدُونهَا، وَتخَصَّصُواْ وَأَبْدَعُواْ في عُلُومِهَا، وَأَرْبَعُونَ في المِاْئَةِ مِنَ المُبْدِعِين؛ لَمْ يَلْتَحِقُواْ بِالجَامِعَةِ أَصْلاً؛ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تحِيطُ بهِمْ دَائِرَةُ الْفَقْر {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَنْ يخْرُجُواْ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ} {السَّجْدَة/20}

ص: 6004

فَأَفْقَرُ خَلْقِ اللهِ الكَاتِبُ الإِسْلَامِيُّ وَالأَدِيب، إِذَا مَا قُورِنَا بِغَيرِهِمَا مِنَ الكُتَّاب 00!!

ص: 6005

وَلِذَا يَتَّجِهُ الكُتَّابُ وَالشُّعَرَاءُ المُبْدِعُون؛ إِلى الكِتَابَةِ لِلسِّينِمَا وَالتِّلِفِزْيُون، وَنَاهِيكَ عَنْ كَثْرَةِ التَّنَازُلَاتِ الَّتي يُقَدِّمُهَا الكَاتِبُ أَوِ الشَّاعِرُ في سَبِيلِ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ المَبَادِئِ وَالقِيَم، الَّتي تَذْهَبُ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عَاصِف؛ وَبَعْضُهُمْ يَلْجَأُ لِلْفُكَاهَةِ وَيَضْطَرُّ أَنْ يَلْعَبَ دَوْرَ القَرَاقُوز؛ حَتىَّ يحْظَى بِإِعْجَابِ النَّاسِ وَيَفُوز، وَإِذَا مَا أَنْكَرْتَ عَلَيْهِ هَذَا التَّغْيِير، وَقُلْتَ لَهُ إِنَّ الشِّعْرَ لَيْسَ فُكَاهَةً فَقَطْ أَيُّهَا الشَّاعِرُ الكَبِير؛ فَلَا تجْعَلْهُ لِلْفُكَاهَةِ وَسِيلَة؛ بَلْ وَظِّفْهُ لخِدْمَةِ القِيَمِ النَّبِيلَة، وَإِرْسَاءِ قَوَاعِدِ الفَضِيلَة، حَتىَّ لَا تَكُونَ المَقْصُودَ يَا بَارِعَ القَصِيد؛ بهَذِهِ

ص: 6006

الآيَةِ شَدِيدَةِ الوَعِيد:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيرِ عِلْم، وَيَتَّخِذَهَا هُزُوَاً؛ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين} {لُقْمَان/6}

أَطَلَّ بِكَ عَلَى الوَاقِعِ إِطْلَالَة، وَأَشَارَ لَكَ إِلى مَا فِيهِ مِنَ الجَهَالَة، الَّني أَحَاطَ بِنَا سُرَادِقُهَا وَقَالَ: فَسَادُ الذَّوْقِ وَالسَّطْحِيَّةُ وَالتَّفَاهَة؛ هِيَ الَّتي جَعَلَتْني أَتْرُكُ الفَضِيلَةَ وَأَكْتُبُ في الفُكَاهَة 00!!

فَالذَّنْبُ لِلأَيَّامِ لَا لي * فَاعْتِبْ عَلَى صَرْفِ اللَّيَالي

بِالحُمْقِ أَدْرَكْتُ المُنى * وَرَفَلْتُ في الحُلَلِ الغَوَالي

{بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانيّ}

يَا مَنْ يَرَى أَنَّ الْقَرِيضَ نَوَادِرُ * بَحْرُ الحَيَاةِ بِغَيْرِ هَزْلِكَ زَاخِرُ

ص: 6007

إِنَّ الْقَرِيضَ وَسِيلَةٌ لَا غَايَةٌ * فَعَلَامَ بِالإِضْحَاكِ فِيهِ نُتَاجِرُ

كَمْ في الْكَلَامِ عَنِ الْفَضِيلَةِ مَسْلَكَاً * غَيْرَ الْفُكَاهَةِ فِيهِ فَنٌّ سَاحِرُ

أَفَتَضْحَكُونَ وَكُلُّ شِبْرٍ حَوْلَكُمْ * تُؤْتَى محَارِمُ فَوْقَهُ وَكَبَائِرُ

حَتىَّ كَأَنَّكُمُ أُقِيمَتْ بَيْنَكُمْ * وَمَتَاعِبِ الْوَطَنِ الجَرِيحِ سَتَائِرُ

وَلَقَدْ نَرَى بَعْضَ اهْتِمَامٍ مِنْكُمُ * لَكِنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ فَاتِرُ

هَلْ سَوْفَ تَنْفَعُكُمْ نَوَادِرُكُمْ إِذَا * سُدَّتْ عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ مَقَابِرُ

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يُقَدِّمَهُمْ لَنَا * إِعْلَامُنَا وَيَقُولُ تِلْكَ كَوَادِرُ

وَهُمُ الَّذِينَ يُخَدِّرُونَ شُعُوبَهُمْ * وَكَأَنَّهُمْ لِلْمُصْلِحِينَ ضَرَائِرُ

وَالشَّعْبُ كَالمُعْتَادِ يَلْهَثُ خَلْفَهُمْ * وَلَهُمْ تُقَامُ عَلَى الرُّءُ وسِ مَنَابِرُ

ص: 6008

وَالنَّاشِرُونَ يُشَجِّعُونَ هُرَاءَهُمْ * وَالرِّبْحُ أَقْصَى مَا يُرِيدُ النَّاشِرُ

لَوْ أَنَّهُمْ قَدْ فَكَّرُواْ في قَوْمِهِمْ * وَهُمُومِهِمْ لأَجَادَ فِيهَا الخَاطِرُ

مِن أَيْنَ تَنْجَحُ يَا تُرَى إِنْ لَمْ تَكُنْ * بِهُمُومِ قَوْمِكَ شَاعِرَاً يَا شَاعِرُ

أَمْ كَيْفَ يَنْجَحُ شَاعِرٌ وَفُؤَادُهُ * مِمَّا يُعَاني النَّاسُ مِنهُ شَاغِرُ

مَا ضَرَّ لَوْ كَانَتْ قَصَائِدُ شِعْرِكُمْ * في كُلِّ طَاغٍ بِالْفَسَادِ يُجَاهِرُ

أَوْ في صَبيٍّ ضِمْنَ أَبْنَاءِ الْقُرَى * جَاثٍ عَلَى ضَوْءِ الشُّمُوعِ يُذَاكِرُ

كُونُواْ رِجَالاً وَانهَضُواْ وَاسْتَيْقِظُواْ * قَدْ أَحْدَقَتْ بِالمُسْلِمِينَ مخَاطِرُ

أَعْدَاؤُنَا يَتَهَيَّئُونَ لِوَثْبَةٍ * وَلِفَتْكِهِمْ بِالمُسْلِمِينَ تَآمَرُواْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَانيّ / المُؤَلِّف}

يَتْرُكُونَ الْعَالِم، وَيُكَرِّمُونَ الْعَوَالِم

ص: 6009

وَمَا أَجْمَلَ مَا قَالَهُ إِمَامُ الخَطَابَة، وَصَاحِبُ النَّبرَةِ الجَذَّابَة / الشّيخ كِشْك؛ اسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ لَك ـ مُشَنِّفَاً أَسْمَاعَنَا بِهَذِهِ الْقِصَّةِ المُثِيرَة، وَمُنْتَقِدَاً أَوْضَاعَنَا بِعِبَارَاتِهِ المَرِيرَة:

" لَقَدْ أَسِفْتُ وَمَلأَنيَ العَجَب، وَأَنَا أَقْرَأُ بِالأَمْسِ جَرِيدَةَ الجُمْهُورِيَّة: أَمِيرَةٌ عَرَبِيَّةٌ أَهْدَتْ إِلى رَاقِصَةٍ مِصْرِيَّةٍ سَيَّارَةً مِنْ طِرَازِ أَحْدَثِ سَيَّارَاتِ المَرْسِيدِس 00!!

وَلَمَّا جَاءَتِ السَّيَّارَةُ إِلى أَرْضِ الجُمْرُك؛ قَالُواْ لِلرَّاقِصَة: إِنَّ هَذِهِ السَّيَّارَةَ عَلَيْهَا جُمْرُكٌ قَدْرُهُ:

سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ جُنَيْه؛ فَمَاذَا تَفْعَلُ الرَّاقِصَةُ المِسْكِينَةُ الَّتي لَا تجِدُ عَشَاءَ أَوْلَادِهَا 00؟

ص: 6010

وَلَكَ أَنْ تَتَخَيَّل؛ إِذَا كَانَ جُمْرُكُ السَّيَّارَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ جُنَيْه؛ فَمَا هُوَ ثَمَنُ السَّيَّارَة 00؟!!

أَرْسَلَتِ السَّيِّدَةُ الرَّاقِصَةُ بَرْقِيَّةً عَاجِلَةً إِلى الأَمِيرَةِ تَشْكُو لَهَا سُوءَ أَحْوَالِهَا المَادِّيَّة؛ ممَّا جَعَلَهَا تَقِفُ عَاجِزَةً عَنْ دَفْعِ الجُمْرُك 00؟

فَمَا كَانَ مِنَ الأَمِيرَةِ بَارَكَ اللهُ فِيهَا؛ إِلَاّ أَن أَرْسَلَتْ إِلَيْهَا أَنِ اطْمَئِني؛ فَإِنيِّ قَادِمَةٌ إِلى الجَمَارِكِ لأَقُودَهَا لَكِ بِنَفْسِي؛ فَسَيَّارَاتُ الأُسَرِ المَالِكَةِ وَالأُمَرَاءِ مُعْفَاةٌ مِنَ الجَمَارِك، وَبَعْدَ أَن أَخْرُجَ بِهَا مِنَ الجَمَارِكِ يُمْكِنُكِ تَسَلُّمُهَا 00!!

ص: 6011

قُلْتُ سُبْحَانَ الله 00 هَلْ بحَثَتِ الأَمِيرَةُ في كُلِّ سُبُلِ الخَير؛ فَلَمْ تجِدْ لأَمْوَالِهَا مَوْضِعَاً؛ إِلَاّ أَنْ تُهْدِيَ سَيَّارَةً إِلى رَاقِصَة " 00؟! [الشَّيْخ كِشْك في " خُطَبِهِ المِنْبَرِيَّة / 1978 " بِتَصَرُّف 0 ص: 132/ 8]

هَلِ العَوَالِم؛ أَوْلى بِالرِّعَايَةِ مِنَ العَالِم 00؟!

هَلْ أَهْلُ الرَّقْصِ وَالطَّرَب؛ أَوْلى بِالرِّعَايَةِ مِن أَهْلِ العِلْمِ وَالأَدَب 00؟!

غَدَاً سَيَجِفُّ البِتْرُولُ وَيُصْبِحُ مَاؤُكُمْ غَوْرَاً؛ فَمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُون؛ وَإِلى مَتى هَذَا السَّفَهُ الَّذِي يَصِلُ إِلى حَدِّ الجُنُون 00؟! أَلَمْ تَعْمَلُواْ لحِسَابِ هَذَا اليَوْم 00؟ وَلَا لِيَوْمِ الحِسَابِ يَا قَوْم 00؟!

ص: 6012

لَوْ شَعَرَ بِالعُلَمَاء؛ أَمْثَالُ هَؤُلَاء؛ لَمَا وَقَعَتْ لَهُمْ كُلُّ هَذِهِ المَآسِي وَالآلَام، الَّتي نَبَّهَتْ إِلَيْهَا الأَقْلَام، وَنَوَّهَتْ بهَا أَجْهِزَةُ الإِعْلَام، مَسْمُوعَةً وَمَرْئِيَّةً وَمَقْرُوءَ ة، كُلُّهَا تُنَدِّدُ بِنَقْصِ الشَّهَامَةِ وَقِلَّةِ المُرُوءَ ة!!

فَمُشْكِلَتُنَا أَنَّ أَكْثَرَ الأَغْنِيَاءِ لَيْسُواْ بِطَيِّبِين، وَأَنَّ أَكْثَرَ الطَّيِّبِينَ لَيْسُواْ بِأَغْنِيَاء 00!!

اللهُمَّ أَصْلِحِ الأَغْنِيَاءَ وَاغْنِ الصَّالحِينَا، وَارْزُقْ أَهْلَ الدِّينِ مَالاً وَأَهْلَ المَالِ دِينَا 00!!

وَيَرْحَمُ اللهُ عَبْدَاً قَالَ آمِينَا

{قَيْسُ بْنُ المُلَوَّحِ الْعَامِرِيّ / مَجْنُونُ لَيْلَى}

الخَلِيفَةُ المَأْمُونُ وَتَقْدِيرُهُ لِلعُلَمَاء

ص: 6013

لَوْلَا رِعَايَةُ الأَغْنِيَاءِ لِلعُلَمَاءِ وَذَوِي الإِبْدَاع؛ لَشُغِلُواْ بِطَلَبِ المَعَاشِ عَنِ الْبَحْثِ وَالَاطِّلَاع، لَا سِيَّمَا في هَذَا الزَّمَنِ اللَّعِين، الَّذِي أَهمَلَتِ الجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ فِيهِ دَوْرَهَا نحْوَ المُبْدِعِين 00

أَلَا رَحِمَ اللهُ الخَلِيفَةَ المَأْمُون؛ الَّذِي كَانَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ يُؤَلِّفُ كِتَابَاً نَادِرَاً وَزْنَهُ ذَهَبَاً؛ مِمَّا أَشْعَلَ نَارَ التَّنَافُسِ بَينَ الكُتَّاب؛ فَأَتَوْا بِالعَجَبِ العُجَاب، في العُلُومِ وَالآدَاب 00!!

هَذَا زَمَانٌ لِلأَوائِلِ شَمْسُهُ * عَرَفُواْ القَصِيدَ بحُورَهُ وَقَوَافِيَه

أَيَّامَ كَانَ لِكُلِّ حُسْنٍ شَاعِرٌ * كَلِفٌ بِهِ وَلِكُلِّ شِعْرٍ رَاوِيَة

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّف}

هَارُونُ الرَّشِيدُ وَتَقْدِيرُهُ لِلعُلَمَاء

ص: 6014

قَالَ يحْبى بْنُ أَكْثَمَ القَاضِي: قَالَ ليَ الرَّشِيدُ يَوْمَاً: مَا أَنْبَلُ المَرَاتِب 00؟

قُلْتُ: مَا أَنْتَ فِيهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين، قَال: أَتَعْرِفُ أَجَلَّ مِنيِّ 00؟

قُلْتُ: لَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَعَزَّكَ الله، قَال: لَكِنيِّ أَعْرِف، قُلْتُ: وَمَن هَذَا أَصْلَحَكَ الله 00؟!

قَال: رَجُلٌ في حَلقَةٍ يَقُول: حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00

يَقْصِدُ بِذَلِكَ المحَدِّثِينَ وَالوُعَّاظ، قُلْتُ: أَهَذَا خَيرٌ مِنْكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين 00؟!!

قَالَ وَيْلَكَ؛ إِنَّ اسْمَهُ مُقْتَرِنٌ بِاسْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، نحْنُ نمُوتُ وَنَفْنى، وَالعُلَمَاءُ بَاقُون 0

[الدُّكتُور نَايِف في " نَفَائِسِ اللَّطَائِف " طَبْعَةِ بَيرُوت 0 ص: 125]

ص: 6015

وَالمَقْصُودُ بِاقْتِرَانِ اسْمِهِ بِاسْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ أَنَّ مَنْ يجِيئُونَ بَعْدَهُ يَقُولُون:

هَذَا الحَدِيثُ أَخَذْنَاهُ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَذْكُرُونَ اسْمَهُ ضِمْنَ هَذِهِ الأَسْمَاء، أَوْ يَقُولُون: هَذِهِ المَعْلُومَةُ قَرَأْنَاهَا في كِتَابِ فُلَانِ بْنِ فُلَان، الَّذِي جَمَعَ أَوْ شَرَحَ أَحَادِيثَ أَوْ سِيرَةَ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم في بَابِ كَذَا وَكَذَا 00!!

جَاءَتْ إِلى فَتْحٍ المَوْصِليِّ صُرَّةٌ فِيهَا خَمْسُونَ دِرْهمَاً؛ فَرَدَّهَا؛ فَقِيلَ لَهُ: يَقُولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

ص: 6016

" مَنْ آتَاهُ اللهُ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْئَاً مِنْ غَيرِ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلْيَقْبَلْهُ؛ فَإِنمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ عز وجل إِلَيْهِ "

[قَالَ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (101/ 3)، وَالحَدِيثُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: (7861)، الإِحْيَاء: 1565]

فَفَتَحَ فَتْحٌ الصُّرَّةَ وَأخَذَ مِنهَا دِرهمَا وَرَدَّ سَائِرَهَا 00!!

وَكَانَ الحَسَنُ يَرْوِي هَذَا الحَدِيثَ أَيضَاً، وَلَكِن حَمَلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ كِيسَاً وَرُزْمَة مِنْ رَقِيق ثِيَابِ خُرَاسَان؛ فَرَدَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَال:

" مَنْ جَلَسَ في مَقَامِي هَذَا وَقَبِلَ مِنَ النَّاس؛ لَقِيَ اللهَ عز وجل يَوْمَ القيَامَةِ وَلَيْسَ لَهُ خَلَاق " 0

[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَابِ آدَابِ الفَقِيرِ في قَبُولِ العَطَاء: 1565]

ص: 6017

وَلَكِنْ ظَاهِرُ الأَمْرِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ حَدِيثَاً، وَإِنمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الحَسَن رضي الله عنه، وَلَوْ صَحَّتْ نِسْبَتُهَا إِلَيهِ فَهْيَ سَقْطَةٌ مِنهُ غَفَرَ اللهُ لَه؛ فَرَسُولُ اللهِ خَيرٌ مِنهُ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَقْبَلُ العَطِيَّةَ وَالهَدِيَّةَ وَالهِبَة 0

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " كَانَ صلى الله عليه وسلم: يَقْبَلُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَيَرُدُّ عَلَى بَعْض " 0

وَأَحَادِيثُ قَبُولِهِ صلى الله عليه وسلم لِلهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَة؛ أَكْثَرُ مِن أَنْ تحْصَى 0

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ بِنَحْوِهِ في " الأَدَبِ المُفرَدِ " بِرَقْم: (596)، الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَاب قَبُولِ العَطَاء: 1564]

إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ يَذُبُّ عَنِ العُلَمَاء

ص: 6018

قَالَتِ امْرَأَةٌ لإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيّ: أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ العُلَمَاء؛ أَحَدُّ النَّاسِ وَأَضَنُّ النَّاس 00؟!

ـ أَضَنُّ النَّاسِ أَيْ أَبخَلُ النَّاس ـ فَقَالَ لهَا: أَمَّا الحِدَّة؛ فَلأَنَّ العِلْمَ مَعَنَا، وَالجَهْلُ مَعَ مخَالِفِينَا، وَهُمْ يَأْبَوْنَ إِلَاّ دَفْعَ عِلْمِنَا بجَهْلِهِمْ؛ فَمَنْ يُطِيقُ ذَلِك 00؟!

وَأَمَّا المَضَنَّةُ؛ فَلأَنَّ الدِّرْهَمَ الحَلَالَ أَصْبَحَ مُتَعَذِّرَاً في هَذِهِ الأَيَّام، وَنحْنُ لَا نُرِيدُهُ إِلَاّ مِن حَلَال؛ وَلِذَا نَضِنُّ بِهِ إِذَا مَا صَارَ إِلَيْنَا، فَلَا نُنْفِقُهُ إِلَاّ فِيمَا لَا بُدَّ مِنهُ " 0

[الدُّكتُور نَايِف في " نَفَائِسِ اللَّطَائِف " طَبْعَةُ بَيرُوت 0 المَكتَبَةُ العُمَرِيَّة 0 ص: 148]

ص: 6019

أَهْلُ المُرُوءَ ةِ وَإِكْرَامُهُمْ لِلعُلَمَاء

أَتَى رَجُلٌ خُرَاسَانيٌّ إِلى الإِمَامِ الجُنَيْدِ بمَال، وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنهُ، فَقَامَ لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الفُقَرَاء؛ فَقَالَ لَهُ الخُرَسَانيّ: مَا أُرِيدُ هَذَا، فَقالَ لَهُ الإِمَامُ الجُنَيْد: وَمَتى أَعِيشُ حَتىَّ آكُلَ كُلَّ هَذَا 00؟!

فَقَالَ الخُرَسَانِيّ: ما أُريدُ أَنْ تُنْفِقَه في أَكْلِ الزَّيْتِ وَالخلّ؛ بَل في الحَلَاوَاتِ وَالطَّيبَات، فَقَبِلَ منهُ؛ فَسُرَّ بِذَلِكَ الخُرَاسَانيُّ وَقَال: وَاللهِ مَا أَجِدُ في بَغْدَادَ أَحَقَّ بِهِ مِنْك؛ فَرَدَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ الجُنَيْدُ قَائِلاً: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ إِلَاّ مِنْ مِثْلِك 00!! [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَابُ آدَابِ الفَقِيرِ في قَبُولِ العَطَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة: 1565]

ص: 6020

انظُرْ ـ يَرْحَمُكَ الله ـ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ العُلَمَاء، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الأَغْنِيَاء 00!!

ص: 6021

تَوَاصُلُ العُلَمَاءِ وَتَوَادُّهُمْ وَتَعَاطُفُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ

وَقَدْ كَانَ السَّريٌّ بْنُ أَحْمَدَ السَّقْطِيّ؛ يَصِلُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ بَينَ الحِينِ وَالحِين، فَأَعْطَاهُ ذَاتَ مَرَّةٍ شَيْئَاً فَرَدَّه؛ فَقَالَ لَه السَّرِيّ:

" يَا أَحْمَد؛ احْذَر آفَةَ الرَّدّ؛ فَإِنهَا أَشَدُّ مِن آفَةِ الأَخْذ " 0

فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: أَعِدْ عَلَيَّ مَا قُلْت، فَأَعَادَه؛ فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ أَحْمَد: مَا رَدَدْتُ عَلَيْكَ إِلَاّ لأَنَّ عِنْدِي قُوتَ شَهْر؛ فَاحْبِسْهُ لي عِنْدَك، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْفِذْهُ إِلىّ 00!! [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِق 0 آدَابُ الفَقِيرِ في قَبُولِ العَطَاء: 1566]

ص: 6022

همُومٌ وَأَحْزَانٌ في حَيَاةِ العُلَمَاء

إِنَّ النُّفُوسَ تَضِيقُ وَهْيَ صَغِيرَةٌ * وَيَضِيقُ عَنهَا الكَوْنُ وَهْيَ كِبَارُ

{الشَّاعِرُ القَرَوِي // رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي أَوْ عَلِي الجَارِم}

وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارَاً * تَعِبَتْ في مُرَادِهَا الأَجْسَامُ

{المُتَنَبيِّ بِتَصَرُّف}

صَدَقَ أَحَدُ الكُتَّابِ عِنْدَمَا قَال: «الْكِتَابَةُ محْنَة، وَلَيْسَتْ مِهْنَة» 0

فَمَنْ صَحِبَ القَلَم؛ فَقَدْ صَحِبَ الأَلَم 00

ص: 6023

لَقَدْ رَأَيْتُ أَكْثَرَ مِنْ مُؤَلِّفٍ مُبْدِعٍ يَبِيعُ كُتُبَهُ عَلَى الأَرْصِفَة، أَوْ في المُوَاصَلَات، وَإِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعَى 00!!

قَالَ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ [الحَافِظُ الجَلِيل، فَارِسِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل] رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: " إِذَا رَأَيْتَ المِحْبَرَةَ في بَيْتِ إِنْسَانٍ؛ فَارْحَمْهُ، وَإِنْ كَانَ في كُمِّكَ شَيْءٌ؛ فَأَطْعِمْهُ " 0

[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 226/ 7]

ص: 6024

حَدَّثَ الحُمَيْدِيُّ عَنِ الإِمَامِ الحَافِظِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

" لَا تَدْخُلُ هَذِهِ المَحَابِرُ بَيْتَ رَجُلٍ؛ إِلَاَّ أَشْقَى أَهْلَهُ وَوَلَدَه " 0

[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 462/ 8]

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَرَّةً لِرَجُلٍ: مَا حِرْفَتُك 00؟

قَال: طَلَبُ الحَدِيث؛ قَالَ سُفْيَان: بَشِّرْ أَهْلَكَ بِالإِفْلَاس " 0

[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 462/ 8]

ص: 6025

فَأَتْعَسُ الخَلْقِ حَظَّاً صَاحِبُ القَلَمِ * وَذُو المَبَادِئِ وَالأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ

لِكُلِّ ذِي مَبْدَأٍ في عَيْشِهِ أَمَلٌ * وَكُلُّ ذِي أَمَلٍ سَيَعِيشُ ذَا أَلَمِ

فَيَا لَهُ عَاشِقَاً طَابَتْ مَنِيَّتهُ * لَهُ وَذُو العِشْقِ مجْنُونٌ فَلَا تَلُمِ

أَبْقَى الزَّمَانُ بَني الدُّنيَا وَقَيَّدَهُ * وَالطَّيرُ يُحْبَسُ مِنهُ جَيِّدُ النَّغَم

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

مَسَاكِينُ وَاللهِ نَحْنُ مَعْشَرَ الكُتَّاب؛ فَحَيَاتُنَا الخَاصَّةُ قَدْ تَكُونُ مَلِيئَةً بِالعَذَاب، وَمَعَ ذَلِكَ نُقَدِّمُ لِقُرَّائِنَا أَحْسَنَ مَا عِنْدَنَا، وَإِنْ قَهَرَتْنَا يَوْمَاً بَعْضُ ظُرُوفِنَا، وَغُلِبْنَا عَلَى أَمْرِنَا، فَصَوَّرْنَا بِكِتَابَاتِنَا: بَعْضَ هُمُومِ المجْتَمَعِ وَهُمُومِنَا؛ اتَّهَمُونَا بِالنَّظْرَةِ التَّشَاؤُمِيَّة 00!!

ص: 6026

إِن أَسَأْنَا لَا يَعْذُرُنَا أَحَد، وَإِن أَحْسَنَّا لَا يُقَدِّرُنَا أَحَد، وَقِلَّةُ التَّقْدِيرِ بَلَاءٌ كَبِير، في حَيَاةِ العُلَمَاءِ وَالبَاحِثِينَ وَالأُدَبَاء، وَلي أَن أَسْأَل كُلَّ شَاعِرٍ بَلْ وَكُلَّ شُوَيْعِر:

برَبِّكَ هَلْ جُزِيتَ عَنِ القَوَافي * بِغَيرِ أَجَدْتَ أَوْ لَا فُضَّ فُوكَا

جَزَاؤُكَ مِنْ كَرِيمٍ أَوْ بَخِيلٍ * رَقِيقَاً كَانَ شِعْرُكَ أَمْ رَكِيكَا

كَلَامٌ لَيْسَ يُغْني عَنْكَ شَيْئَاً * إِذَا لَمْ يَقْتُلِ الآمَالَ فِيكَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

يَا مِصْرُ ضِقْتِ بِنَا وَأَنْتِ بِلَادُنَا * وَصَفَا لِقَوْمٍ وِرْدُكِ المَوْرُودُ

{محْمُود غُنَيْم}

ص: 6027

دُورُ النَّشْل

يُقَالُ إِنَّ اليَهُودِيَّ إِذَا عَرَضْتَ عَلَيْهِ قِطْعَةَ لحْمٍ طَيِّبَةٍ بِثَمَنٍ رَخِيص: نَظَرَ إِلَيْكَ وَقَال: إِنَّهَا فَاسِدَة؛ لِيَبْخَسَ الثَّمَن 00 هَذَا هُوَ مَثَلُ النَّاشِرِ وَالمُؤَلِّفِ في هَذَا الزَّمَن 00!!

لَقَدْ تَعَامَلْتُ ـ أَوَّلَ مَا تَعَامَلْتُ ـ مَعَ نَاشِرٍ لِلتُّرَاث، عَرَضَ عَلَيَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنيِّ كِتَابيَ طِيلَةَ العُمْر، يَطْبَعُ وَيَرْبَحُ في نَظِيرِ مِاْئَةِ جُنَيْهٍ فَقَطْ لَا غَير 00!!

ثمَّ تَعَامَلْتُ مَعَ صَاحِبِ دَار، يُقَالُ لَهُ {0000ار} ، صَبَرْتُ عَلَيْهِ صَبْرَ المُعْتَمِدِ عَلَى ابْنِ عَمَّار؛ فَجَزَاني جَزَاءَ سِنِمَّار: كُنْتُ أَظُنُّهُ مِنَ الأَخْيَار، وَظَنَنْتُ بِهِ أَنيِّ فَقَدْتُ دِرْهَمَاً فَعَثَرْتُ عَلَى دِينَار؛ فَإِذَا بي كَالمُسْتَغِيثِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّار 00 فَمٌ يُسَبِّحُ وَيَدٌ تُذَبِّح 00!!

ص: 6028

ذِئْبٌ تَرَاهُ مُصَلِّيَاً * لَمْ يَدْرِ كَمْ هُوَ قَدْ رَكَعْ

يَدْعُو وَكُلُّ دُعَائِهِ * مَا لِلْفَرِيسَةِ لَا تَقَعْ

وَلَسْتُ أَقُولُ مَن هُوَ فَاعْرِفُوهُ * وَهَلْ في الأَرْضِ غَيرُ الأَرْضِ أَرْضُ

أَعْطَواْ لأَنْفُسِهمُ الحَقَّ في حَمْلِ رَايَةِ الدِّين، وَتَسَمَّواْ بِأَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين، وَهُمْ في الحَقِيقَةِ عَقَارِبُ وَحَيَّاتٌ وَثَعَابِين، إِذَا رَأَوُاْ الدِّرْهَمَ قَالُواْ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين 00!!

أَلَا لَيْتَ اللِّحَى كَانَتْ حَشِيشَاً فَتُعْلَفَهَا خيُولُ المُسْلِمِينَا

لَوَ انَّ الدِّينَ كَانَ لحَىً طِوَالاً لَكَانَ التَّيْسُ خَيرَ النَّاسِ دِينَا

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ لِيَزِيدَ بْنِ المُفَرِّغ، وَالأَخِيرُ لِيَاسِرٍ الحَمَدَاني / المُؤَلِّف}

ص: 6029

ثمَّ خُدِعْتُ في آخَرَ بِشَارِعِ رَمْسِيس؛ غَرَّتْني مِنهُ في الْبِدَايَةِ مُعَامَلَةٌ طَيِّبَةٌ وَتَلْبِيسٌ كَتَلْبِيسِ إِبْلِيس!!

مَنَحْتُ كِتَابَاً لِدَارِ [ال00ومِ] * كَعِقْدٍ وَحَبَّاتُهُ كَالنُّجُومِ

وَأَحْسَنْتُ في صَاحِبِ الدَّارِ ظَنيِّ * فَكَانَ مِثَالَ الْكَفِيلِ الظَّلُومِ

ظَنَنْتُ بِأَنَّ فُؤَادِي سَيَخْلُو * مِنَ الهَمِّ مَعْهُ فَزَادَتْ هُمُومِي

فَأَكْثَرُ النَّاشِرِينَ الْعَرَب كَعَصَا مُوسَى في الاِلْتِهَامِ، وَحُوتِ يُونُسَ في الاِلْتِقَامِ 00!!

مِلَّةُ القَوْمِ وَاحِدَة، ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْض؛ بِكُلِّ وَادٍ بَنُو سَعْد، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ 00!!

أُقَلِّبُ طَرْفي لَا أَرَى غَيْرَ تَاجِرٍ * يُفَكِّرُ في أَسْوَاقِهِ كَيْفَ يَكْسَبُ

{محْمُود غُنَيْم بِتَصَرُّف}

ص: 6030

لَمْ أَلْقَ صَاحِبَ دَارِ نَشْرٍ لِلتُّرَاثِ وَغَيْرَ جَائِرْ

فَيَقُولُ رَغْمَ يَقِينِهِ في رِبْحِهِ إِنيِّ مُغَامِرْ

وَيَظَلُّ يحْلِفُ لِلْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ في السُّوقِ خَاسِرْ

وَيَظَلُّ يَنْشُرُ فِيهِ قَدْ صَدَقَ الَّذِي سَمَّاهُ نَاشِرْ

{يَاسِر الحَمَدَاني / المُؤَلِّف}

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:

{لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِم} {النِّسَاء/148}

ص: 6031

عَنْ مجَاهِدٍ رضي الله عنه قَال: «هُوَ الرَّجُلُ يَنْزِلُ بِالرَّجُلِ فَلَا يُحْسِنُ ضِيَافَتَه؛ فَيَخْرُجُ مِن عِنْدِهِ فَيَقُول: أَسَاءَ ضِيَافَتي وَلَمْ يُحْسِن» 0 [الإِمَامُ الطَّبرِيُّ في تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الآيَة]

وَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ {إِلَاّ مَنْ ظُلِم} : «إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ يِجْهَرُ بِالسُّوء» 0

[الإِمَامُ الطَّبرِيُّ في تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الآيَة]

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: «مَطْلُ الْغَنيِّ ظُلْم»

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2288 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2400 / عَبْد البَاقِي]

ص: 6032

عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

«لَيُّ الْوَاجِد 00 [أَيْ مَطْلُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ]: يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَه» 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ بِرَقْم: 7065، رَوَاهُ الحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِه]

{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} {الشُّورَى/41}

ص: 6033

إِهْمَالُ أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ لِدَوْرِهَا نحْوَ المُبْدِعِينَ مِنَ البَاحِثِينَ المَوْهُوبِين

أَمَّا الصَّحَافَةُ للهِ دَرُّهَا؛ فَبَدَلاً مِن أَنْ تَهْتَمَّ بِالمَوْهُوبِينَ وَالمَوْهُوبَات ـ مِنَ الشُّبَّانِ وَالفَتَيَات ـ ذَهَبَتْ تَلْهَثُ خَلْفَ أَخْبَارِ السَّاقِطِينَ وَالسَّاقِطَات، وَالتَّشْهِيرِ بحَالَاتِ الَاغْتِصَاب 00 فُلَانَةٌ: ضَبَطُوهَا في شَقَّةٍ خَارِجَةٍ عَنِ الآدَاب، وَفُلَانَةٌ: تَزَوَّجَتْ عُرْفِيَّاً مِنْ بَوَّاب، وَفُلَانَةٌ: ضَرَبَتْ زَوْجَهَا بِالقُبْقَاب!!

ص: 6034

وَشَعْبُنَا وَالحَمْدُ لله ـ الَّذِي لَا يحْمَدُ عَلَى مَكْرُوهٍ سِوَاه ـ عَاشِقٌ لِلفَضَائِحِ النَّكْرَاء، الَّتي تَأَلَّقَتْ فِيهَا الصَّحَافَةُ الصَّفْرَاء، وَإِذَا بحَثْتَ في ظِلِّ هَؤُلَاءِ عَنِ القُرَّاء؛ وَجَدْتَهُمْ: لَا يَقْرَءُ ونَ إِلَاّ لِلمَشَاهِير، تَسْأَلُ عَنِ الشُّهْرَةِ أَيْنَ مُسْتَقَرُّهَا وَمُسْتَوْدَعُهَا 00؟

فَيَقُولُونَ لَدَى أَجْهِزَةِ الإِعْلَام، تَسْأَلُ أَجْهِزَةَ الإِعْلَامِ عَن هَذَا الكَلَام 00؟

فَيَقُولُونَ إِنَّ الشَّعْبَ لَا يَقْرَأُ إِلَاّ لِلْمَشَاهِيرِ مِنَ الأَقْلَام، وَهَكَذَا: يحَمِّلُ كُلٌّ مِنهُمَا المَسْئُولِيَّةَ لِلآخَر، وَالضَّحِيَّةُ: نحْنُ مَعْشَرَ الكُتَّاب؛ وَلِذَا تَأَسَّفْتُ في شِعْرِي بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ قَائِلاً:

ص: 6035

يَا لَيْتَ إِعْلَامَنَا يَهْتَمُّ بِالأَدَبِ * مِثْلَ اهْتِمَامَاتِهِ بِالرَّقْصِ وَالطَّرَبِ

فَلَمْ يَضِعْ عَالِمٌ يَا صَاحِ في بَلَدٍ * كَمَا يَضِيعُ الْفَتى ذُو الْعِلْمِ في الْعَرَبِ

تجَاهَلُواْ النَّابِغِينَ المُبْدِعِينَ وَلَمْ * يُقَدِّمُواْ غَيْرَ أَقْزَامٍ ذَوِي حَدَبِ

كَالْبَحْرِ في الْقَعْرِ مُلْقَاةٌ لآلِؤُهُ * وَمَا عَلَى سَطْحِهِ يَطْفُو سِوَى الخَشَبِ

فَلَا تَغُرَّكَ أَضْوَاءٌ تُحِيطُ بِهِمْ * سُرْعَانَ مَا تخْتَفِي كَالنَّجْمِ ذِي الذَّنَبِ

يَا رَبِّ هَيِّئْ لَنَا مِن أَمْرِنَا رَشَدَاً * فَكَمْ تَعِبْنَا وَلَمْ نَرْبحْ سِوَى التَّعَبِ

وَكَمْ حُقُوقٍ لَنَا ضَاعَتْ بِلَا عِوَضٍ * وَكَمْ ظُلِمْنَا بِلَا ذَنْبٍ وَلَا سَبَبِ

مَنْ لِلأَدِيبِ سِوَاكَ يَصُونُ هَيْبَتَهُ * في ظِلِّ جِيلٍ بِلَا دِينٍ وَلَا أَدَبِ

ص: 6036

يَبْدُو أَنَّنَا خُلِقْنَا لِنُسْعِدَ الآخَرِينَ لَا لِنَسْعَد 00

كَمُطْرِبَةٍ تُشْجِي الأَنَامَ بِصَوْتِهَا * وَقَدْ حَمَلَتْ بَينَ الضُّلُوعِ مَآسِيَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

وَللهِ دَرُّ القَائِل:

لَا تحْسَبُواْ أَنَّ رَقْصِي بَيْنَكُمْ طَرَبَا * فَالطَّيْرُ يَرْقُصُ مَذْبُوحَاً مِنَ الأَلَمِ

ص: 6037

أُسْرَةُ الشَّاعِر حَافِظ إِبْرَاهِيم وَذُلُّهَا بَعْدَ مَوْتِه

وَلِذَا كُنْتُ كَثِيرَا مَا أَتمَثَّلُ بِأَبْيَات محْمُود غُنيم، الَّتي صَوَّرَ بِهَا أُسْرَةَ الشَّاعِر حَافِظ إِبْرَاهِيم، وَقَدْ تَشَرَّدَتْ مِنْ بَعْدِهِ وَذَاقَتِ الأَمَرَّيْن، وَأَلبَسَهَا الفَقْرُ لِبَاسَ الجُوع، وَإِنْ كَانَتْ في الحَقِيقَةِ عَارِيَةَ الجَسَد، وَلَا يَدْرِي مَا البُؤْسُ إلَاّ البُؤَسَاءُ الَّذِينَ ذَاقُوه، وَإِنْ كَانَ غَيرِي ذَاقَ الأَمَرَّيْنِ فَقَدْ أَكَلْتُهُمَا، وَاليَوْمَ أَطْلُبُهُمَا فَلَا أَجِدُهُمَا، وَأَسْلُو عَنهُمَا بِإِنْشَادِ هَذِهِ القَصِيدَة:

ص: 6038

لَنْ يَبْلُغَ المجْدَ شَعْبٌ مَاتَ شَاعُرُهُ * فَبَاتَ يَشْكُو بَنُوهُ رِقَّةَ الحَالِ

لَوْ كَانَ أَنْصَفَني دَهْرِي وَأَنْصَفَهُ * لَمْ يَشْكُ أَمْثَالُهُ بُؤْسَاً وَأَمْثَالي

يَا شِعْرُ وَيحَكَ لَا إِن عِشْتُ تَنْفَعُني * وَلَا تَقُوتُ إِذَا مَا مُتُّ أَطْفَالي

إِنْ رُمْتُ قُوتَاً فَإِنَّ الشِّعْر مِن خَزَفٍ * أَوْ رُمْتُ رِيَّاً فَإِنَّ الشِّعْرَ مِن آلِ

مَنْ يَشْتَرِي برَغِيفٍ وَاحِدٍ أَدَبِي * مَنْ يَشْتَرِيهِ بِمَا يَرْضَى مِنَ المَالِ

وَالآلُ هُوَ السَّرَاب، الَّذِي يحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً، حَتىَّ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يجِدْهُ شَيْئَا 00 وَهَكَذَا:

ص: 6039

لَقَدْ كَانَ القَرِيضُ سَمِيرَ قَلْبي * فَأَلهَتْني القُرُوضُ عَنِ القَرِيضِ

********

مَاذَا لَقِيتُ بِهِ عَلَى شَغَفِي بِهِ * لَا شَيْءَ إِلَاّ أَنَّني محْسُودُ

{محْمُود غُنَيْم}

وَسُبْحَانَ الله 00

هَلْ يحْسُدُوني عَلَى فَقْرِي فَيَا نَكَدِي * حَتى عَلَى الفَقْرِ لَا أَنجُو مِنَ الحَسَدِ

ص: 6040

لَيْتَ البَيْتَ الَّذِي أَسْكُنُ فِيه؛ كَانَ كَالبَيْتِ الَّذِي أَرْوِيه 00!!

وَيَا لَيْتَ اليَرَاعَ يَصِيرُ فَأْسَاً * وَيَا لَيْتَ الطُّرُوسَ تَصِيرُ أَرْضَاً

{اليَرَاع: هُوَ الْعُودُ الَّذِي كَانَ يُكْتَبُ بِه، وَالطُّرُوسُ هِيَ الدَّفَاتِر 0 محَمَّدٌ الأَسْمَر}

صَدَقَ وَاللهِ بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانيُّ عِنْدَمَا قَال:

الفَقْرُ في زَمَنِ اللِّئَامِ لأَهْلِ صَنعَتِنَا عَلَامَة

رَغِبَ الكِرَامُ إِلى اللِّئَامِ وَتِلْكَ أَشْرَاطُ القِيَامَة

ص: 6041

حَقَّاً وَاللهِ:

زَمَنٌ بِهِ فِرَقُ الذُّبَابْ * قَدْ أَصْبَحَتْ فَوْقَ السَّحَابْ

الرُّؤْيَةُ انعَدَمَتْ بِهِ وَبجَوِّهِ كَثُرَ الضَّبَابْ

النَّاسُ تَرْغَبُ في الْقُشُورِ بِهِ وَتَزْهَدُ في اللُّبَابْ

مَا فِيهِ أَرْخَصُ قَطُّ مِنْ دِيوَانِ شِعْرٍ أَوْ كِتَابْ

زَمَنٌ بِهِ أَهْلُ التُّرَاثِ لِفَقْرِهِمْ أَكَلُواْ التُّرَابْ

وَيُوَاجِهُ الأُدَبَاءُ فِيهِ كُلَّ أَنوَاعِ الصِّعَابْ

حَقُّ المُؤَلِّفِ صَارَ بِالإِكْرَاهِ يُغْتَصَبُ اغْتِصَابْ

ص: 6042

أَمْسَى فَرِيسَةَ نَاشِرٍ فَظٍّ لَهُ ظُفْرٌ وَنَابْ

زَمَنٌ عَجِيبٌ يَا صَدِيقِي مِنهُ شَعْرُ الرَّأْسِ شَابْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

أَدِيبٌ يحَذِّرُ ابْنَهُ مِنْ دِرَاسَةِ الأَدَب

وَلِذَا لَا نَعْجَبُ مِنْ محْمُود غُنيم، ذَلِكَ الشَّاعِرِ العَظِيم، الَّذِي أَوْصَى ابْنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ قَائِلاً:

أَبُوكَ امْرُؤٌ ضِمْنَ أَهْلِ الكَلَامِ * فَكُن أَنْتَ يَا ابْنِ امْرَأً عَمَلِيَّا

فَمَا احْتَقَرَ النَّاسُ مِثْلَ الأَدِيبِ * وَلَا احْتَرَمَ النَّاسُ إِلَاّ الغَنِيَّا

وَرَشِيد سَلِيم الخُورِي، الَّذِي يَصُوغُ قَصَائِدَهُ مِنَ النُّورِ، فَتَارَةً تَفِيضُ بِالبِشْرِ وَالسُّرُورِ، وَتَارَاتٍ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، مِنهَا هَذِهِ الأَبْيَاتُ رَقِيقَةُ الأُسْلُوب، الَّتي تَتَقَطَّعُ لَهَا القُلُوبُ وَتَذُوب:

ص: 6043

رَأَى بُنيَّ صِغَارَ الحَيِّ قَدْ غَنِمُواْ * في لَيْلَةِ العِيدِ أَشْيَاءً وَمَا غَنِمَا

فَجَاءَ يَطْلُبُ مَالاً لَسْتُ أَمْلِكُهُ * وَلَوْ أَتَى طَالِبَاً رُوحِي لَمَا حُرِمَا

فَرُحْتُ في كُلِّ مَا يَرْجُو أُؤَمِّلُهُ * فَكَانَ قَوْلي لَهُ أَمَلاً وَلي أَلَمَا

لَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ حَالي وَحَالَتَهُ * مَالَتْ لِنَاحِيَةٍ تَبْكِي الدُّمُوعَ دَمَا

أُدَبَاءُ مِصْر

مِنْ قَدِيمٍ وَفي كُلِّ عَصْر؛ وَشَكْوَى الأُدَبَاءِ في مِصْر؛ لَيْسَ لَهَا حَصْر، فَهَذَا يَاسِرُ بْنُ قَطَامِش 00 الشَّاعِرُ السَّاخِرُ المَوْهُوب، الَّذِي يَشْكُو دَائِمَاً بِأَنَّهُ عَائِشٌ عَلَى الهَامِش، وَهُوَ عَائِشٌ في القُلُوب، اسْتَمِعْ لَهُ وَهُوَ يَقُول، في شِعْرِهِ المَصْقُول:

أَضَعْتُ عُمْرِيَ بَينَ العِلْمِ وَالأَدَبِ * وَلَيْتَهُ ضَاعَ بَينَ اللهْوِ وَاللَّعِبِ

ص: 6044

وَإِنْ لَقِيتُمْ أَدِيبَاً لَا يُؤَيِّدُني * فِيمَا ذَكَرْتُ تَعَالَوْ وَاحْلَقُواْ " شَنَبي "

وَاسْتَمِعْ لَهُ أَيْضَاً وَهُوَ يَذْكُرُ ضِيقَ ذَاتِ اليَدِ، وَكَيْفَ يُغْرِي بَعْضَ الزَّوْجَاتِ بِالنَّكَدِ، فَيَقُولُ بِأُسْلُوبِهِ الكُومِيدِي:

أَضْحَى الشِّجَارُ بَدِيلاً عَن أَغَانِينَا * وَأَصْبَحَتْ في الهَوَى أَيَّامُنَا طِينَا

تَقُولُ لي زَوْجَتي لَوْ قَلَّ خَرْدَلَةً * مُرَتَّبُ الشَّهْرِ أَحْرَقْتُ الدَّوَاوِينَا

أَيْنَ الحَوَافِزُ يَا كَذَّابُ قَدْ ذَهَبَتْ * أَيْنَ العِلَاوَةُ قُلْتُ الحُبُّ يَكْفِينَا

صَاحَتْ وَقَالَتْ وَكَادَ الغَيْظُ يَقْتُلُهَا * هَلْ يُطْعِمُ الحُبُّ أَوْلَادِي وَيَسْقِينَا

أَمْ هَلْ سَيَدْفَعُ لِلْبَقَّالِ أُجْرَتَهُ * وَبَعْدَ هَذَا تَرَاهُ هَلْ سَيُعْطِينَا

ص: 6045

إِيَّاكَ أَنْ تَكْتُبَ الأَشْعَارَ ثَانِيَةً * أَصْبَحْتَ مِن أَجْلِهَا لِلنَّاسِ مَدْيُونَا

وَلَا يَفُوتُني طَبْعَاً ذِكْرُ عِمْلَاقِ الْعَمَالِيق، الشَّاعِرُ المَاهِرُ السَّاخِرُ وَالأَدِيبُ الرَّقِيق، ذُو النُّكْتَةِ اللَّطِيفَة / سَمِير أَحمَد خَلِيفَة، الشَّهِيرُ بِسَمِيرٍ القَاضِي، الَّذِي أَعَادَ إِلَيْنَا عَبَقَ الزَّمَانِ المَاضِي،

اسْمَعَ مَعِي لِهَذَا الشُّحْرُور، وَهُوَ يُعَرِّضُ بِغَلَاءِ المُهُور، وَيَذْكُرُ حَادِثَةً مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ مَغْمُور، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِعَمِّهِ المَذْكُور: هَلْ لَا زِلْتَ عِنْدَ رَأْيِكَ بَعْدَمَا تَغَيَّرَتِ الأُمُور 00؟

أُحِبُّ أَنَا لَيْلَى وَلَيْلَى تحِبُّني * وَلَكِن أَبُو لَيْلَى عَنِيدٌ وَمُفْتَرِيرِ

فَيَطْلُبُ مَهْرَاً لَا سَبِيلَ لِدَفْعِهِ * وَيَقْصِمُ ظَهْرِي عِنْدَ ذِكْرِ المُؤَخَّرِ

ص: 6046

أَيَرْفُضُني عَمِّي لأَنِّي مُوَظَّفٌ * وَأُنْفِقُ أَمْوَالي عَلَى حُسْنِ مَظْهَرِيرِ

وَعَمِّيَ جَزَّارٌ وَيَمْلِكُ مَطْعَمَاً * وَيَأْكُلُ بُفْتِيكَاً وَيَأْكُلُ جَمْبرِيرِرِ

يَقِيسُ نجَاحَ المَرْءِ بِالمَالِ وَحْدَهُ * وَلَوْ جَمَعَ الأَمْوَالَ مِن أَيِّ مَصْدَرِ

أَيَهْزَأُ بي عَمِّي وَيَكْرَهُ سِيرَتي * وَيَبْحَثُ عَنْ زَوْجٍ ثَرِيٍّ وَفَنْجَرِيرِ

وَقَدْ قَالَ إِنيِّ لَسْتُ أَمْلِكُ مَنْزِلاً * وَأَسْكُنُ في بَيْتٍ قَدِيمٍ مُؤَجَّرِ

وَلَا أَحْمِلُ المحْمُولَ كَالنَّاسِ في يَدِي * وَلَا مَالَ عِنْدِي كَيْ أَبِيعَ وَأَشْتَرِيرِ

وَيَزْعُمُ عَمِّي أَنَّني صِرْتُ صَائِعَاً * وَيَغْضَبُ جِدَّاً عِنْدَ رُؤْيَةِ مَنْظَرِيرِ

تجَاهَلَ أَخْلَاقِي وَعِلْمِي وَحِكْمَتي * وَقَالَ بِأَني فَاشِلٌ غَيرُ عَبْقَرِيرِ

ص: 6047

وَمَا كَانَ مِنهُمْ بَعْدَ طُولِ تَرَدُّدِي * سِوَى أَنَّ لَيْلَى زَوَّجُوهَا لِسَمْكَرِيرِ

أُدَبَاءُ رُوسْيَا

وَيُذَكِّرُني هَذَا أَيْضَاً؛ بِقَصِيدَةِ شَاعِرِنَا المحْبُوب / محَمَّدٍ الأَسْمَر، وَالَّتي بَعَثَ بِهَا إِلى أُدبَاءِ رُوسْيَا، عِنْدَمَا هَدَّدُواْ حُكُومَتَهُمْ بِالَانْتِحَارِ إِذَا لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيهِمْ؛ فَكَتَبَ يَقُولُ لَهُمْ:

شَكَتْ قَبْلَكُمْ في شِعْرِهَا الشُّعَرَاءُ * فَصَبرَاً جَمِيلاً أَيُّهَا الأُدَبَاءُ

رُوَيْدَكُمُ لَا تَتْرُكُونَا فَإِنَّكُمْ * حَقِيقَتُنَا وَالكُلُّ بَعْدُ هَبَاءُ

وَعيشُواْ كَمَا عِشْنَا بِمِصْرَ فإِنَّنَا * وَنحْنُ بَنُوهَا فَوْقَهَا غُرَبَاءُ

وَإِنَّا لَنَنْسَى مَا بِنَا مِنْ تَعَاسَةٍ * إِذَا كَانَ خَلْفَ سِتَارِهَا سُعَدَاءُ

ص: 6048

وَمَا ضَرَّنَا أَنْ يُنْكِرَ النَّاسُ فَضْلَنَا * إِذَا كَانَ فَضْلاً لَيْسَ فِيهِ خَفَاءُ

لَقَدْ كَانَ ظَني أَنَّكُمْ أَسْعَدُ الوَرَى * وَمَا لِلأَدِيبِ بِغَيرِ مِصْرَ شَقَاءُ

وَلَم أَدْرِ أَنَّ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ وَاحِدٌ * وَأَنَّا لَدَى كُلِّ البِقَاعِ سَوَاءُ

* * * * *

رُبَّ يَوْمٍ أَوْشَكْتُ أَن * أَقْطَعَ فِيهِ الوَتِينَا

وَأَعْدَدْتُ لاِنْتِحَارِي * حَبْلَ سُفُنٍ مَتِينَا

فَذَكَرْتُ طُمُوحَاتي * فَجَرَى دَمْعِي سَخِينَا

لهْفِي يَا مِصْرُ لَمْ أَجِدْ * فِيكِ دُنيَا وَلَا دِينَا

كِدْتُ آذُوقُ مِرَارَاً * قَبْلَ المَنُونِ مَنُونَا

الَانْتِحَارُ فِيكِ رُشْدٌ * وَإِن عَدُّوهُ جُنُونَا

{محَمَّدٌ الأَسْمَر بِتَصَرُّف}

- إِنَّ المَنِيَّةَ عِنْدَ الضَّيْمِ قِنْدِيدُ -

{المُتَنَبيِّ بِتَصَرُّف}

ص: 6049

وَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنْ تحْقِيقِ أُمْنيَتي * وَالدَّهْرُ يَبْعُدُ وَالآجَالُ تَقْتَرِبُ

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ لي، وَالمِصْرَاعُ الثَّاني لِصَفِيِّ الدِّينِ الحِلِّيّ}

أَمْسَى الحَكِيمُ مُشَرَّدَاً في الأَرْضِ يَنْشُدُ مَسْكَنَا

إِنيِّ تَقَصَّدَني الزَّمَانُ فَنِلْتُ ظُلْمَاً بَيِّنَا

وَأَرَادَ لي ثَوْبَ الشَّقَاءِ وَلَمْ يُرِدْ ثَوْبَ الهَنَا

آهٍ لَقَدْ نَالَ الجَمِيعُ هَنَاءَهُمْ إِلَاّ أَنَا

مَنْ ذَاقَ مَا قَدْ ذُقْتُهُ ضَاقَتْ بِعَيْنَيْهِ الدُّنَا

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ لِلشَّاعِرِ الْعَظِيم / محْمُود غُنيم، وَالأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

سَامحَهَا اللهُ مِن أَيَّام

سَامحَهَا اللهُ مِن أَيَّام؛ هَانَ فِيهَا الكِرَام، وَأُكْرِمَ فِيهَا اللِّئَام 00!!

ص: 6050

وَلمَّا كَانَ بِدَاخِلِ كُلٍّ مِنَّا شَيْطَان، يُزَيِّنُ لَهُ الإِثمَ وَالعُدْوَان، وَمَلَاكٌ يحُثُّنَا عَلَى الصَّبْرِ وَالسُّلوَان، يَتَجَلَّى في الَتَّقْوَى وَالإِيمَان، كَانَتْ تَدُورُ بَيْنَهُمَا حِوَارَاتٌ وَمُسَاجَلَاتٌ يَتَجَلَّى فِيهَا سِحْرُ البَيَان، مِنهَا الحِوَارُ التَّالي:

الشَّيْطَانُ الرَّجِيم: أَنْتَ الَّذِي جَلَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ المَتَاعِب؛ هَلْ رَأَيْتَ عَاقِلاً يَكُونُ مَعَهُ القَلَم، وَيَكْتُبُ نَفْسَهُ شَقِيَاً 00؟!

أَيْ: هَلْ رَأَيْتَ عَاقِلاً يَمْلِكُ الَاخْتِيَار، وَيخْتَارُ طَرِيقَ الشَّقَاءِ وَالعَذَابِ وَالنَّار 00؟!

أَنَّى لَكَ بِإِصْلَاحِ الكَوْن 00؟!

وَمَنْ قَالَ لَكَ أَصْلاً أَنَّهُ يحْتَاجُ إِلى إِصْلَاح 00؟!

إِنَّ عَقْلَكَ أَنْتَ فَقَطْ؛ هُوَ الَّذِي يحْتَاجُ إِلى إِصْلَاح 00!!

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الْقَائِل:

ص: 6051

لَئِنْ كُنْتُ مُحْتَاجَا إِلى العِلْمِ إِنَّني * إِلى الجَهْلِ في بَعْضِ المجَالِسِ أَحْوَجُ

وَمَا كُنْتُ أَرْضَى العَيْشَ بِالجَهْلِ صَاحِبَاً * وَلَكِنَّني أَرْضَى بِهِ حِينَ أُحْرَجُ

فَلِي فَرَسٌ لِلْعِلْمِ في البَيْتِ مُلْجَمٌ * وَلى فَرَسٌ لِلجَهْلِ * في النَّاسِ مُسْرَجُ

فَمَنْ شَاءَ تَقْويمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ * وَمَنْ شَاءَ تَعْويجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ

{محَمَّدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ عَمْرٍو البَاهِلِيّ}

وَلَرُبَّمَا مَنَعَ اللَّبِيبُ لِسَانَهُ * مِن أَنْ يجِيبَ وَإِنَّهُ لَفَصِيحُ

* * * * *

فَكُنْ رَجُلاً كَالضِّرْسِ يَرْسُو مَكَانَهُ * لِيَمْضُغَ لَا يَعْنِيهِ حُلْوٌ وَلَا مُرُّ

أَلَا تَرَى إِلى الحَشَائِشِ الصَّغِيرَةِ كَيْفَ تَتَّقِي أَذَى العَاصِفَة ـ بِأَنْ تَمِيلَ مَعَهَا حَيْثُ تَمِيل ـ فَتَسْلَمَ مِمَّا أَصَابَ النَّخِيل00؟!

ص: 6052

وَلِذَا قَالَ أَحَدُ الفَلَاسِفَة: " كُنْ ذَنَبَاً وَلَا تَكُنْ رَأْسَاً، فَإِنَّ الرَّأْسَ يَهْلِكُ وَالذَّنَبُ يَنْجُو " 0

[أَبُو نُعَيْمٍ في " الحِلْيَةِ " في الطَّبْعَةِ الرَّابِعَةِ لِدَارِ الكِتَابِ العَرَبيّ 0 بَيرُوت 0 ص: 113/ 8]

فَانْجُ بِنَفْسِكَ وَلَا إِخَالُكَ نَاجِيَا 00 جَهْلٌ يَعُولُكَ خَيرٌ مِن عِلْمٍ تَعُولُه 00!!

أَيْ جَهْلٌ يُرِيحُك؛ خَيرٌ مِن عِلمٍ يُتْعِبُ أَعْصَابَك، وَيُبَدِّدُ شَبَابَك؛ فَالعَقْلُ يُتْعِبُ صَاحِبَهُ في هَذَا الزَّمَان، الَّذِي انْقَلَبَ فِيهِ المِيزَان، وَصَارَتْ فِيهِ العَرَبَةُ قُدَّامَ الحِصَان 00!!

لَيْسَ يَدْرِي الهَمَّ غَيرُ المُبْتَلِي * طَالَ جُنحُ اللَّيْلِ أَوْ لَمْ يَطُلِ

لَا عَرَفْتُمْ مَا الهُمُومُ إِنَّهَا * شَيَّبَتْ رَأْسِي وَلَمْ أَكْتَهِلِ

سَهِرَتْ مِثْلِي النُّجُومُ وَلَكِنْ * فَارِقٌ بَينَ المُعَنىَّ وَالخَلِي

ص: 6053

لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي أَعْجَبَهَا * فَهْيَ لَا تَنْفَكُّ تَرْنُو مِن عَلِ

أَنَا لَا أَغْبِطُهَا خَالِدَةً * إِنَّمَا أَغْبِطُهَا لَمْ تَعْقِلِ

أَيُّهَا القَلْبُ الَّذِي أَرْهَقَني * السَّلَامَةُ في الجَهَالَةِ فَاجْهَلِ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ أَبُو مَاضِي}

وَللهِ دَرُّ مَنْ قَال:

وَأَصْمُتُ عَنْ بَعْضِ الأُمُورِ وَإِنْ يَكُنْ * بِقَلْبيَ مِنهَا ثَوْرَةٌ وَزَمَازِمُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

أَمْ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الفَيْلَسُوفِ الضَّرِير ـ الَّذِي تَطَيَّرُواْ بِهِ وَطَائِرُهُمْ مَعَهُمْ:

وَلَمَّا رَأَيْتُ الجَهْلَ في النَّاسِ فَاشِيَاً * تجَاهَلْتُ حَتىَّ قِيلَ عَنيَ جَاهِلُ

فَوَاعَجَبَاً كَمْ يَدَّعِي العَقْلَ نَاقِصٌ * وَوَاأَسَفَاً كَمْ يُظْهِرُ النَّقْصَ عَاقِلُ

إِذَا وَصَفَ الطَّائِيَّ بِالبُخْلِ مَادِرٌ * وَعَيَّرَ قُسَّاً بِالفَهَاهَةِ بَاقِلُ

ص: 6054

وَقَالَ الدُّجَى لِلشَّمْسِ مَا لَكِ قِيمَةٌ * وَفَاخَرَتِ الشُّهْبَ الحَصَى والجَنَادِلُ

فَهُبيِّ رِيَاحَ المَوْتِ هَيَّا وَأَطْفِئِي * سِرَاجَ حَيَاةٍ هَانَ فِيهَا الأَفَاضِلُ

{الجَنَادِلُ هِيَ الحِجَارَة 0 الْبَيْتُ الأَخِيرُ لحَافِظ إِبْرَاهِيم، وَالْبَاقِي لِلْمَعَرِّيّ 0 وَكُلُّهَا بِتَصَرُّف}

صَدَقَتْ لَعَمْرِي نُبُوءةُ المُصْطَفَى

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُول: يَا لَيْتَني مَكَانَه " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (7115 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2907/ 157/ عَبْد البَاقِي]

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 6055

" يَأْتي عَلَى النَّاسِ زَمَان؛ يَأْتي الرَّجُلُ الْقَبرَ فَيَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا لَيْتَني مَكَانَ صَاحِبِه، مَا بِهِ حُبُّ لِقَاءِ الله؛ إِلَاّ لِمَا يَرَى مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاء " 0 [قَالَ الذَّهَبيّ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]

وَهَا نحْنُ كَمْ مَرَرْنَا بِقُبُورِ الأَمْوَاتِ فَحَسَدْنَاهُمْ عَلَى مَوْتِهِمْ 00!!

فَمَا لِلمَرْءِ خَيْرٌ في الحَيَاةِ * إِذَا مَا عُدَّ ضِمْنَ المُهْمَلَاتِ

{قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَ ةِ بِتَصَرُّف}

مَيْتَاً خُلِقْتُ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ قَبْلِهَا * شَيْئَاً يمُوتُ فَمُتُّ حِينَ حَيِيتُ

{السَّمَوْءَ ل 0 بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

حَقَّاً وَاللهِ:

لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بمَيْتٍ * إِنَّمَا ذَاكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ

إِنمَا ذَاكَ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبَاً * كَاسِفَاً بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ

ص: 6056

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ فَقَطْ لِلبُحْتُرِيّ}

وَصَدَقَ مَنْ قَال:

" لئِنْ كَانَ بِالأَمْسِ ذكْرُ الأَمْواتِ حَيَاةَ القُلُوب؛ فَقَد صَارَ اليَوْمَ ذِكْرُ الأَحْيَاءِ مَمَاتَ القُلوب "

وَالنَّاسُ صِنْفَانِ مَوْتَي في حَيَاتِهِمُ * وَآخَرُونَ بِبَطْنِ الأَرْضِ أَحْيَاءُ

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

رُبَّ يَوْمٍ بَكَيْتُ مِنهُ فَلَمَّا * صِرتُ في غَيْرِهِ بَكَيْتُ عَلَيْهِ

{عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب}

فَعِشْتُ أَبْكِي عَلَى زَمَنٍ وَمِنْ زَمَنٍ

{ابْنُ الرُّومِي بِتَصَرُّف}

وَلَم أَزَلْ عَلَى تِلْكَ الحَال مَعَ نَفْسي 00 تَارَةً أُوَاسِيهَا وَتَارَةً أَبْكِيهَا 00!!

سَلِيمُ الزَّمَانِ كَمَنْكُوبِهِ * وَمَكْسُوُّهُ مِثْلُ مَسْلُوبِهِ

أَمَا في الزَّمَانِ فَتىً مَاجِدٌ * يُنَفِّسُ كُرْبَةَ مَكْرُوبِهِ

ص: 6057

وَآكِلُ أَطْعِمَةِ الأَدْنيَا * ءِ رَهْنٌ بِأَنْ يَسْتَخِفُّواْ بِهِ

يخَالُونَ أَنَّهُمُ بَلَّغُو * هُ بِالْقُوتِ أَفْضَلَ مَطْلُوبِهِ

{ابْنُ الرُّومِي}

مُعَانَاةُ البَاحِثِ وَالمُؤَلِّف، في المجْتَمَعِ الجَاهِلِ المُتَخَلِّف

أُعَاشِرُ مَنْ لَوْ عَاشَرَ القِرْدُ بَعْضَهُمْ * لَمَا رَدَّ عَنْ دَرْوِينَ مَا كَانَ يخْطُبُ

وَأُنْصِتُ مُضْطَرَّاً إِلى كُلِّ أَبْلَهٍ * كَأَنَّي بِأَسْرَارِ البَلَاهَةِ مُعْجَبُ

وَأَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُ البُهْمُ مَرَّةً * وَأُخْرَى تَعَافُ البُهْمُ مِمَّا أَشْرَبُ

{إِلْيَاس فَرَحَات}

ص: 6058

فَكَمْ قَدْ عِشْتُ أَيَّامَا؛ جَعَلْتُ فِيهَا العِظَامَا؛ مِنْ فَرْطِ القَحْطِ إِدَامَا، وَكَمْ بِتُّ مَا في بَيْتي غَيْرُ المِلْحِ وَالزَّيْتِ، فَلَقَدْ كُنْتُ مِن أُوْلَئِكَ المُعَذَّبِينَ الَّذينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبدَا، وَكَأَنمَا الشَّقَاءُ لَمْ يخْلَقْ إِلَاّ لأَجْلِي، عَضَّنَا الحَظُّ بِنَابِه، وَطَرَدَنَا عَنْ بَابِه، وَأَنَاخَ عَلَيْنَا بِكَلكَلِه؛ لِئَلَاّ نُشْرِكَهُ في مَأْكَلِه، وَحَطَّ بِنَا رَيْبُ المَنُون، وَطَالَتْ بِهِ السِّنُون؛ فَهَلَكَ المَالُ وَمَاتَ البَنُون،

ص: 6059

فَرَأَيْنَا مِنَ الأَهْوَال؛ مَا تَزُولُ مِنهُ الجِبَال، وَحُمِّلْنَا مِنَ الأَعْبَاء؛ مَا تَطُولُ عَنهُ الأَنْبَاء، وَنَزَلَ بِنَا مِنَ الهُمُومِ وَالأَحْزَان، وَالجُوعِ وَالحِرْمَان، وَالذُّلِّ وَالهَوَان، وَالظُّلْمِ وَالطُّغْيَان؛ مَا تَشِيبُ لهُ الوُلْدَان، وَتَقْشَعِرُّ مِنهُ الأَبْدَان؛ حَتىَّ صِرْنَا وَنحْنُ أَحْيَاء؛ أَوْلى بِالرَّحْمَةِ مِنَ الأَمْوَات 00!!

فَلقَدْ رَمَانِي الدَّهْرُ * بِثَالِثَةِ الآثَافِي

وَلَا يَدْرِي مَا في الخُفِّ * إِلَاّ اللهُ وَالإِسْكَافِي

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

يَا رَبِّ إِنيِّ مُمْتَعِضْ * لَكِنَّني لَا أَعْتَرِضْ

وَلَدَيْكَ يَا رَبيِّ سَنَحْتَسِبُ المَثُوبَةَ وَالْعِوَضْ

كَمْ ذَا لَقِيتُ بِمِصْرَ مِن حُزْنٍ وَمِن أَمْرٍ مُمِضْ

كَمْ كُنْتُ أُرْفَسُ تَارَةً فِيهَا وَتَارَاتٍ أُعَضْ

ص: 6060

كَمْ قَدْ مَرِضْتُ فَلَمْ أَجِدْ ثَمَنَ الدَّوَاءِ مِنَ المَرَضْ

كَمْ بِتُّ يَوْمَاً جَائِعَاً مَعَ قُدْرَتي أَن أَقْتَرِضْ

النِّيلُ يَا ابْنَ النِّيلِ فَاضَ بخَيْرِهِ لِمَ لَمْ تَفِضْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

وَهَكَذَا: شَرَّدَتْنَا الأَيَّام، وَاسْتَلْوَى بِنَا الحَظُّ وَضَاعَتِ الأَحْلَام 00!!

ص: 6061

خُلِقَ السُّرُورُ لِمَعْشَرٍ خُلِقُواْ لَهُ ? - وَخُلِقْتَ لِلعَبَرَاتِ وَالأَحْزَانِ

وَمنَعَّمٍ لَمْ يَلْقَ إِلَاّ لَذَّةً * في طَيِّهَا شَجَنٌ مِنَ الأَشْجَانِ

وَالنَّاسُ غَادٍ في الشَّقَاءِ وَرَائِحٌ * يَشْقَى لَهُ الرُّحَمَاءُ وَهْوَ يُعَاني

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي بِتَصَرُّف، بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الأَوَّلِ فَهُوَ لِبَكْرِ بْنِ النَّطَّاح}

لَيْتَنا كُنَّا طُيُورَا * نَرْعَ نَهْرَاً أَوْ غَدِيرَا

نَرْشُفِ المَاءَ النَّمِيرَا * نَلْقُطِ الحَبَّ النَّثِيرَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي، أَوْ جُبرَان خَلِيل جُبرَان}

ص: 6062

أَلَا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ * فَعَيْشِي قَدْ غَدَا لَا خَيْرَ فِيهِ

أَلَا رَحِمَ المُهَيْمِنُ نَفْسَ حُرٍّ * تَصَدَّقَ بِالوَفَاةِ عَلَى أَخِيهِ

{المُهَلَّبُ بْنُ أَبي صُفْرَة بِتَصَرُّف}

وَكَمَا قَالَ أَحَدُ الحُكَمَاء: " أَشَدُّ مِنَ المَوْت؛ مَا إِنْ نَزَلَ بِكَ أَحْبَبْتَ لأَجْلِهِ المَوْت، وَأَحْلَى مِنَ الحَيَاة؛ مَا إِنْ فَارَقْتَهُ أَبْغَضْتَ لأَجْلِهِ الحَيَاة " 0

ص: 6063

لَوْ كَانَ أَمْرِي في يَدِي * لَوَدِدْتُ لَوْ لَمْ أُولَدِ

{لِلشَّاعِرِ الْعَظِيم / محْمُود غُنيم، أَوْ لِصَدِيقِهِ محَمَّدٍ الأَسْمَر}

فَكُلَّ يَوْمٍ أَقُولُ * غَدَاً الضِّيقُ يَنْفَكُّ

وَدَوْمَاً غَدِي وَأَمْسِي * وَيَوْمِي كُلُّهَا ضَنْكُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6064

المَلَكُ الكَرِيم: إِنَّ الهُمُومَ وَالأَحْزَان؛ مَثَلُهَا مَثَلُ الحَجَرِ الَّذِي يُرْمَى لأَعْلَى؛ لَهُ نِهَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَبَعْدَهَا يَبْدَأُ في السُّقُوط، وَمَثَلُهَا أَيْضَاً؛ مَثَلُ البَدْرِ الَّذِي يَبْدَأُ هِلَالاً، ثُمَّ يَظَلُّ يَكْبرُ وَيَكْبر، حَتىَّ إِذَا مَا تَمَّ وَاكْتَمَل؛ بَدَأَ في النُّقْصَان، وَحَوْلَ هَذَا المَعْنى قَالَ الشَّاعِرُ قَدِيمَاً:

وَإِذَا غَلَا شَيْءٌ عَلَيَّ تَرَكْتُهُ * فَيَكُونُ أَرْخَصَ مَا يَكُونُ إِذَا غَلَا

{محْمُود الوَرَّاق}

ص: 6065

فَالدَّاعِيَةُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْصَهِرَ أَمَامَ الهُمُومِ وَالأَحْزَان، مَثَلُهُ في ذَلِكَ مَثَلُ المَاء، مَهْمَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ النِّيرَان، وَبَلَغَ المَبْلَغَ في الغَلَيَان؛ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِن إِطْفَائِهَا إِذَا مَا صُبَّ عَلَيْهَا 00!!

ص: 6066

فَكُنْ مِثْلَ كُوبِ الذَّهَب؛ انْكِسَارُهُ بَطِيء، وَإِذَا مَا انْكَسَرَ فَإِصْلَاحُهُ يَسِير 00!!

وَلَا تَكُنْ كَكُوبِ الفَخَّار؛ الَّذِي انْكِسَارُهُ سَرِيع، وَإِذَا مَا انْكَسَرَ فَإِصْلَاحُهُ أَمْرٌ عَسِير 00!!

ص: 6067

فَرِفْقَاً بِقَلْبٍ صَرِيعِ الأَسَى * كَفَاهُ الزَّمَانُ وَعُدْوَانُهُ

أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّهُ وَاتِرِي * وَمَا انْفَكَّ تَنْزِلُ أَحْزَانُهُ

وَإِنَّ الزَّمَانَ كَمَا تَعْلَمُونَ * يَمُوتُ وَلَمْ يُرْوَ ظَمْآنُهُ

يَلِينُ فَتُنْسَى إِسَاءَ اتُهُ * وَيَقْسُو فَيُنْكَرُ إِحْسَانُهُ

كَتَمْتُ الشِّكَاةَ عَلَى أَنَّهَا * لَرَاحَةُ قَلْبي وَسُلْوَانُهُ

وَأَمْسَكْتُ عَيْنيَّ أَنْ تَدْمَعَا * وَفي القَلْبِ قَدْ ثَارَ بُرْكَانُهُ

أَقُولُ لَهُ خَشْيَةَ الشَّامِتِينَا * تجَلَّدْ فَلِلْمَجْدِ أَثْمَانُهُ

تمَاسَكْ قَلِيلاً فَلَسْتَ الَّذِي * تَلِينُ لَدَى الخَطْبِ عِيدَانُهُ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 6068

فَاحْتَسِبِ اللهَ فِيمَا أَصَابَك، وَقَدِيمَاً قِيل:

" مَن عَتَبَ عَلَى الدَّهْرِ طَالَتْ مَعْتَبَتُه " 0

كَمِ الدَّهْرُ أَبْكَى قَبْلَ عَيْنِكَ شَاعِرَاً * وَأَضْحَكَهُ وَالحُكْمُ للَّهِ دُونَهُ

وَمَنْ سَبَّهُ قَدْ صَارَ بِاللهِ كَافِرَاً * وَمَن عَانَدَ الأَيَّامَ أَبْدَى جُنُونَهُ

ص: 6069

نحْسٌ مُسْتَمِرّ

فَيَا صَاحِبي هَوِّن عَلَى نَفْسِكَ الأَسَى * فَفِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يَنْبَلِجُ الفَجْرُ

{قَالَ عَنْتَرَةُ ابْنُ شَدَّاد: وَفي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يُفْتَقَدُ الْبَدْرُ، وَالْبَاقِي زِيَادَاتٌ مِن عِنْدِي}

الشَّيْطَانُ الرَّجِيم: بَلْ قُلْ: وَفي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يَنْبَلِجُ الفَقْرُ

ص: 6070

المَلَكُ الكَرِيم: لَقَدْ قِيلَ في الأَمْثَال " إِنْ كُنْتَ سِنْدَانَاً فَاصْبِرْ، وَإِنْ كُنْتَ مِطْرَقَةً فَأَوْجِع " 00!!

الشَّيْطَانُ الرَّجِيم: وَاللهِ مَا الصَّبْرُ إِلَاّ قَسْوَة 00!!

المَلَكُ الكَرِيم: دَعْكَ مِنِ اصْبِرْ، تجَلَّدْ 00

الشَّيْطَانُ الرَّجِيم:

مَا فَتَّ في عَضُدِ الحَزِينِ وَهَدَّهُ * شَيْءٌ كَقَوْلِكَ لِلحَزِينِ تجَلَّدِ

وَإِذَا الفَتى لَبِسَ الأَسَى فَكَأَنَّمَا * بِصَنِيعِهِ قَدْ قَالَ لِلْبُؤْسِ اقْعُدِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

ص: 6071

المَلَكُ الكَرِيم:

لَيْسَتْ مُصِيبَتُكَ الَّتي بِكَ بَلْ مُصِيبَتُكَ القُنُوطْ

فَلَطَالَمَا سَقَطَ الشُّجَاعُ وَقَامَ مِنْ بَعْدِ السُّقُوطْ

{الشَّاعِرُ القَرَوِي / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

ثُمَّ قَالَتِ المَلَائِكَةُ لِبَعْضِهَا بَعْدَ يَأْسِهَا: دَعُوه 00

فَإِنَّ النَّفْسَ تَهْدَأُ بَعْدَ حِينٍ * إِذَا لَمْ تَلْقَ بِالجَزَعِ انْتِفَاعَا

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

الشَّيَاطِينُ: بَلْ قُولُواْ:

وَإِنَّ النَّفْسَ تجْزَعُ بَعْدَ حِينٍ * إِذَا لَمْ تَلْقَ بِالصَّبْرِ انْتِفَاعَا

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي بِتَصَرُّف}

ص: 6072

فَالنَّحْسُ أَمْرٌ مُؤَكَّدْ * وَالسَّعْدُ إِحْدَى الأَمَانيانِ

لَا ذُو الصَّلَاحِ مخَلَّدْ * وَلَا أَخُو الشَّرِّ فَانيانِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

وَهَكَذَا 00

أُرِيدُ أَضْحَكُ لِلدُّنيَا وَيَمْنَعُني * أَن عَاقَبَتْني عَلَى بَعْضِ ابْتِسَامَاتياتِ

وَمَا حَيَاةُ امْرِئٍ أَمْسَتْ مَدَامِعُهُ * مَقْسُومَةً بَينَ أَنَّاتٍ وَآهَاتِ

* * * * *

فَكَمْ قَدْ حُرِمْنَا وَكَمْ قَدْ ظلِمْنَا * إِلى أَنْ نَسِينَا مَذَاقَ السَّعَادَة

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6073

حَتىَّ إِنَّهُ لَوْ قِيلَ لي هَلُمَّ إِلى السَّعَادَةِ لَقُلْتُ: حَسْبي الْيَوْمَ مَا أَنَا فِيه 00

مِنْ سُوءِ حَظِّي أَنَّ نَفْسِيَ لَا تَني * لَكِنَّهَا مُنِيَتْ بِحَظٍّ أَسْوَدِ

يَا لَيْتَ شعْرِي كَمْ أَقُولُ لهَا انهَضِي * وَتَقُولُ أَحْدَاثُ الزَّمَانِ لهَا اقْعُدِيدِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر بِتَصَرُّف}

يَبْدُو أَنيِّ لِلأَبَد؛ سَأَعِيشُ في كَبَد 00

كُلَّمَا طَيْرُ السَّعَادَة * بِالقُرْبِ مِنيِّ اسْتَقَرَّا

وَأَرَدْتُ أَن أَصْطَادَه * نَفَرَ مِنيِّ وَفَرَّا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

أَيْنَمَا يَذْهَبُ الحَزِينُ يَلْقَى جِنَازَة، في كُلِّ وَادٍ بَنُو سَعْد 00!!

مَا غَادَرَتْني نَكْبَةٌ إِلَاّ وَأَتْبَعَهَا أُخَرْ

هَمٌّ يَزُولُ بِمِثْلِهِ كَالشَّوْكِ يُنْزَعُ بِالإِبَرْ

ص: 6074

{الشَّاعِرُ القَرَوِي // رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

فَلَقَدْ كَانَ كُلُّ مَا حَوْلي يَقُولُ لي: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يحِبُّ الفَرِحِين؛ حَتى أَنِّي لَمْ أَعُدْ أُفَكِّرُ في الفَرَجِ خَشْيَةَ أَن يَهْرَبَ لمجَرَّدِ عِلْمِهِ أَني أُفَكِّرُ فِيه 00!!

إِلى اللهِ أَشْكُو أَنَّني كُلَّ لَيْلَةٍ * إِذَا نِمْتُ لَمْ أَعْدِمْ طَوَارِقَ أَوْهَامِيامِ

فَإِنْ كَانَ شَرَّاً فَهْوَ لَا بُدَّ وَاقِعٌ * وَإِنْ كَانَ خَيرَاً فَهْوَ أَضْغَاثُ أَحْلَامِ

{أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ التُّنُوخِيّ}

نحْسٌ مُسْتَمِرّ 00 حَتى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِليَّ أَنَّي لَوْ تَاجَرْتُ في الأَكْفَانِ لمَا مَاتَ أَحَد، وَلَوْ عَمِلْتُ " مِسَحَّرَاتي " لَمَا طَلَعَ هِلَالُ العِيد 00!!

مَا أَبْعَدَ الخَيْرَ في الدُّنيَا لِطَالِبِهِ * وَأَقْرَبَ الشَّرَّ مِنْ نَفْسٍ تحَاذِرُهُ

ص: 6075

{محْمُود سَامِي البَارُودِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

كَمْ شَاعِرٍ في مِصْرَ فَذٍّ لَيْسَ يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِه

فَتَرَاهُ لَيْلَ نَهَارَ يَشْكُو في الْقَصَائِدِ ظُلْمَ قَوْمِه

النَّاسُ بَعْدَ الْعِيدِ تُفْطِرُ وَهْوَ مُضْطَرٌّ لِصَوْمِه

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

وَلِذَا كُنْتُ كَثِيرَاً مَا أَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ القَائِل:

إِنَّ * حَظِّي * كَدَقِيقٍ * فَوْقَ شَوْكٍ بَعْثَرُوهُ

ثمَّ * قَالُواْ * لِحُفَاةٍ * يَوْمَ رِيحٍ اجْمَعُوهُ

فَلَمَّا * لَمْ * يَسْتَطِيعُواْ * قَالَ قَوْمٌ اتْرُكُوهُ

إِنَّ مَنْ كَانَ شَقِيَّاً * أَنْتُمُ لَنْ تُسْعِدُوهُ

لدَرَجَةِ أَنيِّ قُلْتُ وَأَنَا في مُقْتَبَلِ العُمُر:

يَا لَيْتَمَا رَجَعَ الزَّمَانُ الأَوَّلُ * زَمَنُ الشَّبَابِ الضَّاحِكُ المُتَهَلِّلُ

عَهْدٌ تَرَحَّلَتِ البَشَاشَةُ إِذْ مَضَى * وَأَتَى الأَسَى فَأَقَامَ لَا يَتَرَحَّلُ

ص: 6076

لَوْ كَانَتِ الأَيَّامُ تَعْقِلُ مِثْلَنَا * عَاتَبْتُهَا لَكِنَّهَا لَا تَعْقِلُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي 0 بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الأَخِير}

وَهَلْ يَفْرَحُ بِالعِيد؛ إِنْسَانٌ غَيرُ سَعِيد؟!

كَانَ يَأْتي عَلَيَّ الهِلَالُ تِلْوَ الهِلَالِ تِلْوَ الهِلَال؛ وَأَنَا عَلَى هَذَا الحَال؛ وَلِذَا كُنْتُ إِذَا رَمَقَهُ بَصَرِي شَخَصَ إِلَيْهِ وَقَال:

يَا ابْنَ الظَّلَامِ أَمَا تَعِبْتَ مِنَ السُّرَى * أَبَدَاً تَرُوحُ عَلَى الأَنَامِ وَتَغْتَدِيدِ

شَيَّبْتَ نَاصِيَةَ القُرُونِ وَلَمْ تَزَلْ * طِفْلاً تُطَالِعُنَا بِوَجْهٍ أَمْرَدِ

قَالُواْ عَجِبْنَا مَا لِشِعْرِكَ نَائِحَاً * في العِيدِ مَا هَذَا بحَالِ مُعَيِّدِ

مَا حِيلَةُ العُصْفُورِ قَصُّواْ رِيشَهُ * وَرَمَوْهُ في قَفَصٍ وَقَالُواْ غَرِّدِ

{محْمُود غُنَيْم}

ص: 6077

عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ * بمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ فِيهِ تَجْدِيدُ

أَتَيْتَ لِلنَّاسِ لَا لي إِنَّني تَعِسٌ * قَسَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ الدَّهْرِ يَا عِيدُ

وَكَيْفَ أَفْرَحُ وَالأَحْدَاثُ محْزِنَةٌ * في القَلْبِ هَمٌّ وَفي العَيْنَيْنِ تَسْهِيدُ

مَا لي وَلِلْعِيدِ هَيَّا يَا زَمَانُ بِنَا * فَكَيْفَ يَشْهَدُهُ قَوْمٌ مَنَاكِيدُ

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ لِلْمُتَنَبيِّ، وَالْبَاقِي لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي}

أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ في شَبِيبَتِهِ * فَسَرَّهُمْ وَأَتَينَاهُ عَلَى الهَرَمِ

{المُتَنَبيِّ}

أَلَمْ تَرَ أَنِّي مِنْ ثَلَاثِينَ حَجَّةً * أَرُوحُ وَأَغْدُو دَائِمَ الحَسَرَاتِ

{دِعْبِلٌ الخُزَاعِيّ}

تَشَكَّى زُهَيرٌ مِن ثمَانِينَ حَجَّةً * وَإِنيِّ لأَشْكُو مُذْ بَلَغْتُ ثمَانِيَا

ص: 6078

فَيَا مَنْ لِقَلْبٍ لَا تَنَامُ همُومُهُ * وَيَا مَنْ لِعَينٍ لَا تَنَامُ اللَّيَالِيَا

المَوْهُوبُونَ وَالمَوْهُومُون

المَلَكُ الكَرِيم: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَاب؛ فَاتَّقِ اللهَ وَاصْبِرْ 0

وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً * تجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ

{الإِمَامُ الشَّافِعِيّ}

خَلِيلِيَ إِنَّ العِلْمَ صَعْبٌ مِرَاسُهُ * وَإِنَّ عَزِيزَ الْقَوْمِ فِيهِ يُهَانُ

وَهَكَذَا البَدْرُ لَا يَظْهَرُ دَائِمَاً إِلَاّ في الظَّلَام، وَالأَحْجَارُ الْكَرِيمَةُ لَا تَكُونُ إِلَاّ تحْتَ الأَقْدَام 00!!

إِنَّ نجَاحَ المَوْهُومِين؛ لَا يُقَلِّلُ أَبَدَاً مِنْ شَأْنِ المَوْهُوبِين؛ فَالبرْمِيلُ الْفَارِغُ هُوَ الَّذِي يحْدِثُ الرَّنِين!!

ص: 6079

{قُلْ لَا يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيث} {المَائِدَة/100}

فَمَا كُلُّ مَنْ نَظَمَ القَصَائِدَ شَاعِرٌ * وَلَا كُلُّ مَنْ قَالَ النَّسِيبَ مُتَيَّمُ

{رَبُّ السَّيْفِ وَالْقَلَم / محْمُود سَامي البَارُودِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

لَيْسَ التَّكَحُّلُ في العَيْنَيْنِ كَالكَحَلِ* وَلَا الجَبَانُ إِذَا مَا كَرَّ كَالبَطَلِ

فَالصُّبْحُ يُغْني عَنِ المِصْبَاحِ يَا وَلَدِي * وَفي ضِيَا الشَّمْسِ مَا يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ وَالأَخِيرُ لِلْمُتَنَبيِّ، وَالثَّاني لِلشَّرِيفِ الرَّضِيِّ بِتَصَرُّف، وَالثَّالِثُ لَابْنِ الرُّومِيّ}

وَيَبِينُ عِتْقُ الخَيْلِ مِن أَصْوَاتهَا

{المُتَنَبيِّ}

وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلا شُرُفَاتِهَا * رِجَالٌ فَزَالُواْ وَالجِبَالُ جِبَالُ

ص: 6080

وَالبَيْضُ الفَاسِدُ دَائِمَاً هُوَ الَّذِي يَطْفُو عَلَى سَطْحِ المَاء 00!!

وَلِذَا أَصْبَحَتْ مِصْر: أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالْبَحْر 00

فَوْق الرَّأْسِ يَحْمِلُ * الأَقْذَارَ وَالأَعْفَان

وَتَدُوسُ أَرْجُلُهْ * اليَاقُوتَ وَالمَرْجَان

وَهَكَذَا يَسْفُلُ * الرَّاجِحُ في المِيزَان

{أَفْكَارٌ جَيِّدَةٌ قَرَأْتُهَا في شِعْرِ ابْنِ الرُّومِيِّ فَقُمْتُ بِنَظْمِهَا وَتَهْذِيبِهَا}

وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الدُّنيَا:

إِذَا أَقْبَلَتْ بَاضَ الحَمَامُ عَلَى الوَتَدْ * وَإِن أَدْبَرَتْ بَصَقَ الحِمَارُ عَلَى الأَسَدْ

* * * * *

وَيُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمٍ * وَتُنْكِرُ العَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدِ

{المُتَنَبيِّ}

وَمَن أَرَادَ هِجَاءَ الحُسْنِ قَالَ لَنَا * الشَّمْسُ نَمَّامَةٌ وَاللَّيْلُ قَوَّادُ

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ لي، وَالآخَرُ لَابْنِ المُعْتزّ}

ص: 6081

نمَّامَةٌ: لأَنهَا تَفْضَحُ العِبَاد، وَقَوَّادٌ: لأَنَّهُ سِتْرٌ عَلَى الزُّنَاةِ وَالعُصَاة، وَالعِيَاذُ بِالله 00!!

كَمْ مِنْ كَوَادِرَ في الصُّحُفْ * لَيْسَتْ جَوَاهِرَ بَلْ صَدَفْ

فَكَلَامُهُمْ غَثٌّ وَمُضْطَرِبٌ وَأَكْثَرُهُ حَشَفْ

وَيُقَالُ عَنهُمْ هَؤُلَاءِ هُمُ النَّوَابِغُ لِلأَسَفْ

فَنُّ الْكِتَابَةِ كَانَ يُوجَدُ في الزَّمَانِ المُنْصَرِفْ

أَيَّامَ كَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظِرُ المَقَالَةَ في شَغَفْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

غَيرَ أَنَّ الأَدَبَ الرَّاقِيَ دَائِمَاً؛ هُوَ الَّذِي يَفْرِضُ في النِّهَايَةِ نَفْسَه؛ فَالبَيْضَةُ لَا تَكْسِرُ الحَجَر، وَإِنْ يَبْغِ عَلَيْكَ قَوْمُكَ لَا يَبْغِ عَلَيْكَ الْقَمَر 00

فَيَا ضَاربَاً حَجَرَاً بِالْعَصَا * ضَرَبْتَ عَصَاكَ وَلَيْسَ الحَجَرْ

ص: 6082

فَاصْبِرْ 00 {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئَاً وَيجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرَاً كَثِيرَا} {النِّسَاء/19}

وَالمحَنُ وَالشَّدَائِدُ هِيَ الَّتي تَصْنَعُ الرِّجَال، فَرُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَة، وَرُبَّمَا صَحَّتِ الأَجْسَامُ بِالعِلَلِ!!

كَالرَّوْضِ أَضْحَكَهُ الغَمَامُ البَاكِي

{ابْنُ زَيْدُون}

فَلَا يُوجَدُ شَاعِرٌ وَلَا أَدِيبٌ وَلَا كَاتِبٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْض، أَبْدَعَ في التِّرَاجِيدْيَا وَالأَدَبِ السَّاخِر؛ مِن غَيرِ أَنْ يُعَانيَ مُرَّ المُعَانَاة، وَيَرَى المَوْتَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاة، وَلَوْلَا المَوْجُ مَا كَانَتْ بحُور، وَلَوْلَا الظُّلْمَةُ مَا عُرِفَ نُور، وَكَمَا قَالُواْ في الأَمْثَالِ السَّائِرَة: النَّائِحَةُ الثَّكْلَى لَيْسَتْ كَالمُسْتَأْجَرَة 0

صَبرَاً آلَ يَاسِر

ص: 6083

فَلَئِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ فَاصْبرْ لهَا * عَظُمَتْ مُصِيبَةُ مُبْتَلٍ لَا يَصْبِرُ

* * * * *

قَدْ يُنعِمُ اللهُ بِالبَلْوَى وَإِن عَظُمَتْ * وَيَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ القَوْمِ بِالنِّعَمِ

{أَبُو تَمَّام}

وَالدَّهْرُ يحْزِنُنَا لِيَوْمِ سُرُورِنَا * وَاليُسْرُ لَنْ تَلْقَاهُ قَبْلَ عَسِيرِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

وَمَنْ تَكُنِ العَلْيَاءُ هِمَّةَ نَفْسِهِ * فَكُلُّ الَّذِي يَلْقَاهُ فِيهَا محَبَّبُ

{محْمُود سَامِي الْبَارُودِي}

وَمَنْ صَحِبَ الدُّنيَا بِعِفَّةِ رَاهِبِ * فَأَيَّامُهُ محْفُوفَةٌ بِالمَصَائِبِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوِ الشَّاعِرُ الْقَرَوِي}

ص: 6084

لَا تحْسَبَنَّ طَرِيقَ الجَنَّةِ مَفرُوشَاً بِالوُرُودِ وَالشُّمُوع، بَلْ بِالشَّوْكِ وَالدُّمُوع، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَة، وَسِلْعَةُ اللهِ الجَنَّة، وَلَوْ كَانَتْ رَخِيصَةً؛ لَنَالَهَا كُلُّ النَّاس 00!!

أَلَمْ تَنْظُرْ إِلى الأَنْبِيَاءِ كَمْ كُذِّبُواْ وَعُذِّبُواْ وَافْتَقَدُواْ النَّاصِرَ وَالمُعِين، حَتىَّ أَتَاهُمْ مِنَ اللهِ النَّصْرُ المُبِين؟

وَلِذَا قَالَ سَيِّدُنَا لُقْمَانُ لَابْنِهِ وَهْوَ يَعِظُهُ: {وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُور} {لُقمَان: 17}

لأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الدَّعْوَةِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُبْتَلَى؛ وَلِذَا قَالَ عز وجل:

{وَتَوَاصَوْاْ بِالحَقِّ وَتَوَاصَواْ بِالصَّبْرِ} {العَصْر/3}

ص: 6085

وَكَأَنَّ الآيَةَ تَقُولُ بِلِسَانِ الحَال: " مَن أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ إِلى الحَقّ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالصَّبر " 0

مِنْ وَاجِبِ النَّاسِ أَنْ يَتُوبُواْ * لَكِنَّ تَرْكَ الذُّنُوبِ أَوْجَبْ

وَالدَّهْرُ في صَرْفِهِ عَجِيبٌ * وَغَفلَةُ النَّاسِ عَنهُ أَعْجَبْ

وَالصَّبْرُ في النَّائِبَاتِ صَعْبٌ * لَكِنْ فَوَاتُ الثَّوَابِ أَصْعَبْ

وَكُلُّ مَا تَرْتجِي قَرِيبٌ * وَالمَوْتُ مِنْ دُونِ ذَاكَ أَقرَبْ

الرَّاحَةُ دَائِمَاً؛ لَا تَأْتِي إِلَاّ بِطُلُوعِ الرُّوح

عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزَائِمُ

{المُتَنَبيِّ}

لَوْلَا المَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ * فَالجُودُ يُفْقِرُ وَالإِقْدَامُ قَتَّالُ

{المُتَنَبيِّ}

لَنْ يُدْرِكَ المجْدَ مَنْ لَمْ يَرْكَبِ الخَطَرَا * وَلَا يَنَالُ العُلَا مَنْ قَدَّمَ الحَذَرَا

ص: 6086

وَمَن أَرَادَ العُلَا عَفْوَاً بِلَا تَعَبٍ * قَضَى الحَيَاةَ وَلَمْ يُدْرِكْ بِهَا الوَطَرَا

{صَفِيُّ الدِّينِ الحِلِّيّ}

فَالمجْدُ لَا يَبْنِيهِ بَانِيهِ بِأَسْمَنْتٍ وَمَاءْ

يُبْنى بِأَشْلَاءِ الضَّحَايَا ثُمَّ يُطْلَى بِالدِّمَاءْ

{محْمُود غُنَيْم}

فَمَهْرُ المجْدِ غَالٍ * وَبَعْضُ المَهْرِ مَوْتُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني أَوْ محْمُود غُنَيْم}

وَالآمَالُ لَا تُنَالُ * إِلَاّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ

ص: 6087

فَمَن أَرَادَ أَكْلَ التِّينِ فَلْيَتَحَمَّلِ الأَشْوَاك؛ فَالرَّاحَةُ دَائِمَاً لَا تَأْتِي إِلَاّ بَعْدَ طُلُوعِ الرُّوح، وَهَكَذَا 0

أُعِدَّتِ الرَّاحَةُ الكُبْرَى لِمَنْ تَعِبَا * وَفَازَ بِالمجْدِ مَنْ لَمْ يَأْلُهُ طَلَبَا

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

النَّاسُ جَارٌ في الحَيَاةِ لِغَايَةٍ * وَمُضَلَّلٌ يجْرِي بِغَيرِ عِنَانِ

وَالمجْدُ في الدُّنيَا وَلَيْسَ بهَيِّنٍ * عُلْيَا المَرَاتِبِ لَمْ تُتَحْ لجَبَانِ

فَاصْبرْ عَلَى نُعْمَى الحَيَاةِ وَبُؤْسِهَا * نُعْمَى الحَيَاةِ وَبُؤْسُهَا سِيَّانِ

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي بِتَصَرُّف}

ص: 6088

وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُرَوِّضُ نَفْسَهُ * عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ

{أَبُو الْعَتَاهِيَة 0 بِتَصَرُّف}

فَإِنْ تَأَزَّمَ أَمْرٌ فَانْتَظِرْ فَرَجَاً * فَأَضْيَقُ الأَمْرِ أَدْنَاهُ مِنَ الفَرَجِ

{المِصْرَاعُ الأَخِيرُ فَقَطْ لأَبي العَتَاهِيَة}

سَحَابَةُ صَيْفٍ عَنْ قَلِيلٍ سَتَنْجَلِي

{ابْنُ شَبْرَمَة بِتَصَرُّف}

وَتحْتَ الرَّغْوَةِ اللَّبنُ الصَّرِيحُ

{نَضْلَة، وَقِيلَ أَبُو محْجَنِ الثَّقَفِيّ}

ص: 6089

وَلَرُبَّ دَاهِيَةٍ يَضِيقُ بِهَا الفَتى * ذَرْعَاً وَعِنْدَ اللهِ مِنهَا المَخْرَجُ

ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا * فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ

{الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله}

{حَتىَّ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} {يُوسُف/110}

اصْبِرْ قَلِيلاً يَا أَخِي * فَالصَّبْرُ مِفْتَاحُ الفَرَجْ

أَنىَّ سَتُصْبِحُ نَاقِدَاً * لَوْ لَمْ تَعِشْ بَيْنَ الهَمَجْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6090

اصْبِرْ لَعَلَّ اللهَ يحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَا، وَعَمَّا قَلِيلٍ سَوْفَ يُؤْتي أَدَبُكَ أُكُلَهُ وَلَوْ بَعْدَ حِين 00!!

وَإِنَّ امْرَاً يَسْعَى ثَلَاثِينَ حَجَّةً * إِلى مَنهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لَقَرِيبُ

{أَبُو الْعَتَاهِيَة}

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْر، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْب، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَا " 0

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالظِّلَالِ بِرَقْمَيْ: 6806، 315، رَوَاهُ أَحْمَد: 2800، وَالبَيْهَقِيُّ في الشُّعَب: 10000]

ص: 6091

اصْبِرْ عَلَى الزَّمَنِ الْعَصِيبْ * فَلِكُلِّ مجْتَهِدٍ نَصِيبْ

وَتَعَلَّمِ الصَّبْرَ الجَمِيلَ إِذَا نَظَرْتَ إِلى الحَبِيبْ

سَتَجِيءُ أَيَّامٌ غَدَاً أَصْفَى مِنَ اللَّبَنِ الحَلِيبْ

فَالصَّبْرُ يَأْتي دَائِمَاً مِنْ بَعْدِهِ فَرَجٌ قَرِيبْ

مَنْ كَانَ في كَنَفِ الإِلَهِ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يخِيبْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6092

القَصَائِدُ الوَرْدِيَّة

وَيُوَاصِلُ المَلَاكُ قَوْلَهُ فَيَقُول:

أَيُّهَذَا الشَّاكِي وَمَا بِكَ دَاءٌ * كُنْ جَمِيلاً تَرَى الوُجُودَ جَمِيلَا

إِنَّ شَرَّ الجُنَاةِ في الأَرْضِ نَفْسٌ * تَتَمَنىَّ قَبْلَ الرَّحِيلِ الرَّحِيلَا

فَتَرَى الشَّوْكَ في الغُصُونِ وَتَعْمَى * أَنْ تَرَى الزَّهْرَ فَوْقَهُ إِكْلِيلَا

هُوَ عِبْءٌ عَلَى الحَيَاةِ ثَقِيلٌ * مَنْ يَظُنُّ الحَيَاةَ عِبْئَاً ثَقِيلَا

أَعْقَلُ النَّاسِ في الحَيَاةِ أُنَاسٌ * عَلَّلُوهَا فَأَحْسَنُواْ التَّعْلِيلَا

قُلْ لِقَوْمٍ يَسْتَنْرِفُونَ المَآقِى * هَلْ شَفَيْتُمْ مَعَ البُكَاءِ غَلِيلَا

ص: 6093

كُلُّ مَنْ يجْمَعُ الهُمُومَ عَلَيْهِ * أَخَذَتْهُ الهُمُومُ أَخْذَاً وَبِيلَا

كُنْ مَعَ الفَجْرِ نَسْمَةً تُوسِعُ الأَزْ * هَارَ شَمَّاً وَتَارَةً تَقْبِيلَا

لَا سَمُومَاً مِنَ السَّوَافي اللَّوَاتي * تَمْلأُ الأَرْضَ في الظَّلَامِ عَوِيلَا

كُنْ بُلْبُلاً في عُشِّهِ يَتَغَنىَّ * وَمَعَ الكَبْلِ لَا يُبَالي الكُبُولَا

لَا غُرَابَاً يُطَارِدُ الجِيَفَ في الأَرْ * ضِ وَبَوْمَاً في اللَّيْلِ يَبْكِي الطُّلُولَا

أَدْرَكَتْ كُنهَهَا طُيُورُ الرَّوَابي * فَمِنَ العَارِ أَنْ تَظَلَّ جَهُولَا

تَتَغَنىَّ وَعُمْرُهَا بَعْضُ عَامٍ * أَفَتَبْكِي وَقَدْ تَعِيشُ طَوِيلَا

كُلَّمَا أَمْسَكَ الغُصُونَ سُكُونٌ * صَفَّقَتْ لِلْغُصُونِ حَتىَّ تَمِيلَا

ص: 6094

فَتَعَلَّمْ حُبَّ الطَّبِيعَةَ مِنهَا * وَاتْرُكِ القَالَ لِلْوَرَى وَالقِيلَا

فَالَّذِي يَتَّقِي العَوَاذِلَ يَلْقَى * دَائِمَاً في كُلِّ شَخْصٍ عَذُولَا

فَإِذَا مَا وَجَدْتَ في الرَّوْضِ ظِلاًّ * فَتَفَيَّأْ بِهِ إِلى أَنْ يحُولَا

وَمَصِيرُ الوَرْدِ في الرِّيَاضِ ذُبُولٌ * كُن حَكِيمَاً وَاسْبِقْ إِلَيْهِ الذُّبُولَا

وَتَرَقَّبْ إِذَا السَّمَاءُ اكْفَهَرَّتْ * مَطَرَاً في السُّهُولِ يحْبي السُّهُولَا

كُلُّ نجْمٍ إِلى الأُفُولِ وَلَكِن * آفَةُ النَّجْمِ أَنْ يَخَافَ الأُفُولَا

مَا أَتَيْنَا إِلى الحَيَاةِ لِنَشْقَى * فَأَرِيحُواْ أَهْلَ العُقُولِ العُقُولَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6095

وَيُوَاصِلُ المَلَاكُ قَوْلَهُ فَيَقُول:

كُنْ بَلْسَمَاً إِنْ صَارَ غَيرُكَ أَرْقَمَا * وَتُرُجَّةً إِنْ صَارَ غَيرُكَ عَلْقَمَا

لَا تَطْلُبنَّ محَبَّةً مِن أَحْمَقٍ * فَالمَرْءُ لَيْسَ يحِبُّ حَتىَّ يَفْهَمَا

أَحْسِنْ وَإِنْ لَمْ تَلْقَ عُمْرَكَ شَاكِرَاً * أَيَّ الجَزَاءِ الغَيْثُ يَبْغِي إِن هَمَى

كَرِهَ الدُّجَى فَاسْوَدَّ إِلَاّ شُهْبَهُ * بَقِيَتْ لِتَضْحَكَ مِنهُ كَيْفَ تجَهَّمَا

لَوْ تَعْشَقُ البَيْدَاءُ أَمْسَتْ أَرْضُهَا * زَهْرَاً وَصَارَ سَرَابُهَا الخَدَّاعُ مَا

فَالْهُ بِوَرْدِ الرَّوْضِ عَن أَشْوَاكِهِ * وَانْسَ العَقَارِبَ إِنْ رَأَيْتَ الأَنجُمَا

ص: 6096

لَاحَ الجَمَالُ لِعَاقِلٍ فَأَحَبَّهُ * وَرَآهُ * ظِنِّينٌ * فَظَنَّ * وَرَجَّمَا

فَارْفُقْ بِإِخْوَانِ الحَمَاقَةِ إِنَّهُمْ * مَرْضَى فَإِنَّ الحُمْقَ شَيْءٌ كَالعَمَى

وَاعْمَلْ لإِسْعَادِ الوَرَى وَهَنَائِهِمْ * إِنْ شِئْتَ تَسْعَدْ في الحَيَاةِ وَتَنعَمَا

مَنْ ذَا يُكَافِئُ زَهْرَةً فَوَّاحَةً * أَمْ مَنْ يُثِيبُ البُلْبُلَ المُتَرَنِّمَا

لَوْ لَمْ يَكُنْ في الأَرْضِ إِلَاّ حَاقِدٌ * لَتَبَرَّمَتْ بِوُجُودِهِ وَتَبرَّمَا

يَا صَاحِ خُذْ رُوحَ المحَبَّةِ عَنهُمَا * إِنيِّ وَجَدْتُ الحُبَّ شَيْئَاً قَيِّمَا

لَوْ مَا شَذَتْ هَذِي وَهَذَا مَا شَدَا * عَاشَتْ مُذَمَّمَةً وَعَاشَ مُذَمَّمَا

ص: 6097

أَحْبِبْ يَصِيرُ الكُوخُ قَصْرَاً نَيرَاً * أَبْغِضْ يَصِيرُ القَصْرُ سِجْنَاً مُظْلِمَاً

جأَيْقِظْ شُعُورَكَ بِالمحَبَّةِ إِن غَفَا * لَوْلَا الشُّعُورُ النَّاسُ كَانُواْ كَالدُّمَى

مَا الكَأْسُ لَوْلَا الخَمْرُ غَيرَ زُجَاجَةٍ * وَالصَّدْرُ لَوْلَا الحُبُّ إِلَاّ أَعْظُمَا

لَا تحْقِدَنَّ عَلَى الغَنيِّ لِفَاقَةٍ * مَاتَ الرَّسُولُ وَلَمْ يُوَرِّثْ دِرْهَمَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6098

كَمْ تَشْتَكِي وَتَقُولُ إِنَّكَ مُعْدِمُ * وَالأَرْضُ مِلْكُكَ وَالسَّمَا وَالأَنجُمُ

وَلَكَ الحُقُولُ وَزَهْرُهَا وَأَرِيجُهَا * وَنَسِيمُهَا وَالبُلْبُلُ المُتَرَنِّمُ

وَالمَاءُ حَوْلَكَ فِضَّةٌ رَقْرَاقَةٌ * وَالشَّمْسُ فَوْقَكَ عَسْجَدٌ يَتَضَرَّمُ

وَالنُّورُ يَرْسِمُ في السُّفُوحِ وَفي الذُّرَى * صُوَرَاً مُزَخْرَفَةً وَحِينَاً يَهْدِمُ

وَكَأَنَّهُ الفَنَّانُ يَعْرِضُ عَابِثَاً * آيَاتِهُ قُدَّامَ مَنْ يَتَعَلَّمُ

وَكَأَنَّهُ بِصَفَائِهِ وَبَرِيقِهِ * بَحْرٌ تَحُومُ بِهِ الطُّيُورُ الحُوَّمُ

ص: 6099

لَا تَشْكُوَنَّ إِلى العِبَادِ فَإِنَّمَا * تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلى الَّذِي لَا يَرْحَمُ

هَشَّتْ لَكَ الدُّنيَا فَمَا لَكَ وَاجِمَاً * وَتَبَسَّمَتْ فَعَلَامَ لَا تَتَبَسَّمُ

إِنْ كُنْتَ * مُكْتَئِبَاً لِعِزٍّ قَدْ مَضَى * هَيْهَاتَ يُرْجِعُهُ إِلَيْكَ تَوَجُّمُ

أَوْ كُنْتَ تُشْفِقُ مِن حُلُولِ مُصِيبَةٍ * هَيْهَاتَ يَمْنَعُ أَنْ تَحُلَّ تَجَهُّمُ

أَوْ كُنْتَ جَاوَزْتَ الشَّبَابَ فَلَا تَقُلْ * شَاخَ الزَّمَانُ فَإِنَّهُ لَا يَهْرَمُ

ص: 6100

انْظُرْ فَمَا زَالَتْ تُطِلُّ عَلَى الوَرَى * صُوَرٌ تَكَادُ لِحُسْنِهَا تَتَكَلَّمُ

مَا بَينَ أَشْجَارٍ كَأَنَّ غُصُونَهَا * أَيْدٍ تُصَفِّقُ تَارَةً وَتُسَلِّمُ

وَعُيُونِ مَاءٍ دَافِقَاتٍ في الثَّرَى * تَشْفِي السَّقِيمَ كَأَنَّمَا هِيَ زَمْزَمُ

بِحَدِيقَةٍ فُتنَ النَّسِيمُ بِحُسْنِهَا * فَغَدَا يُدَنْدِنُ تَارَةً وَيُرَنِّمُ

وَكَأَنَّهُ صَبٌّ بِبَابِ جَمِيلَةٍ * مُتَوَسِّلٌ مُسْتَعْطِفٌ مُسْتَرْحِمُ

وَالجَدْوَلُ الجَذْلَانُ يَضْحَكُ لَاهِيَاً * وَالنَّرٌجِسُ الوَلْهَانُ مُغْفٍ يَحْلُمُ

وَعَلَى الصَّعِيدِ خَمِيلَةٌ مِنْ سُنْدُسٍ * وَعَلَى الهِضَابِ لِكُلِّ حُسْنٍ مَبْسِمُ

ص: 6101

صُوَرٌ وَآيَاتٌ تَفِيضُ بَشَاشَةً * وَكَأَنَّ بَارِئَهَا بِهَا يَتَبَسَّمُ

أَتَزُورُ رُوحُكَ جَنَّةً فَتَجُوزَهَا * كَيْ مَا تَزُورَكَ بِالظُّنُونِ جَهَنَّمُ

وَتَرَى الحَقِيقَةَ مُشْرِقَاً إِصْبَاحُهَا * فَتَعَافُهُ سَفَهَاً لِمَا تَتَوَهَّمُ

يَا مَنْ يُؤَرِّقُهُ غَدٌ في يَوْمِهِ * قَدْ بِعْتَ مَا تَدْرِي بِمَا لَا تَعْلَمُ

قُمْ بَادِرِ اللَّذَّاتِ قَبْلَ فَوَاتِهَا * مَا كُلُّ يَوْمٍ مِثْلَ هَذَا مَوْسِمُ

أَحْبَابَنَا مَا أَجْمَلَ الدُّنيَا بِكُمْ * لَا تَقْبُحُ الدُّنيَا وَفِيهَا أَنْتُمُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6102

فَيَا مَنْ تَعَوَّدَ أَنْ يَرْقُبَ * مِنَ العَيْشِ جَانِبَهُ الأَسْوَدَا

إِذَا نَعَبَ الْبُومُ فَوْقَ الرُّبى * فَكَمْ بُلْبُلٍ فَوْقَهَا غَرَّدَا

{نِعْمَةُ الحَاجّ 0 بِتَصَرُّف}

ص: 6103

وَهُنَا وَبَعْدَ هَذِهِ القَصَائِدِ الوَرْدِيَّة؛ دَارَ بَيْني وَبَينَهُ الحِوَارُ التَّالي:

قُلْتُ السَّمَاءُ كَئِيبَةٌ مُتَجَهِّمَا * قَالَ ابْتَسِمْ يَكْفِي التَّجَهُّمُ في السَّمَا

قُلْتُ الَّتي كَانَتْ بِقَلْبي جَنَّةً * قَدْ صَيرَتْهُ بِالصُّدُودِ جَهَنَّمَا

قَالَ ابْتَسِمْ وَاهْنَأْ فَلَوْ قَارَنْتَهَا * قَضَّيْتَ عُمْرَكَ كُلَّهُ مُتَأَلِّمَا

قُلْتُ العِدَى في ظُلْمِنَا بَلَغُواْ المَدَى * أَأُسَرُّ وَالأَعْدَاءُ حَوْليَ في الحِمَى

قَالَ ابْتَسِمْ مَا دَامَ بَيْنَكَ وَالرَّدَى * شِبرٌ فَإِنَّكَ بَعْدُ لَنْ تَتَبَسَّمَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6104

تَصَبرْ أَيُّهَا المَرْءُ اللَّبِيبُ * لَعَلَّكَ بَعْدَ صَبْرِكَ لَا تخِيبُ

إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى اليَأْسِ القُلُوبُ * وَضَاقَ لِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيبُ

وَعَمَّتْنَا المَصَائِبُ وَاسْتَقَرَّتْ * وَأَرْسَتْ في أَمَاكِنِهَا الخُطُوبُ

وَلَمْ تَرَ لَانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهَاً * وَلَا أَغْنى بِحِيلَتِهِ الأَرِيبُ

أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ * يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ المُسْتَجِيبُ

وَكُلُّ النَّائِبَاتِ إِذَا تَوَالَتْ * تَوَلَّتْ وَانجَلَى فَرَجٌ القَرِيبُ

{أَبُو حَاتِم / هَكَذَا في المُسْتَطْرَف}

ص: 6105

فَكَمْ لَيْلَةٍ بِتَّ في كُرْبَةٍ * يَكَادُ الرَّضِيعُ لَهَا أَنْ يَشِيبْ

فَمَا أَصْبَحَ الصُّبْحُ حَتىَّ أَتَى * مِنَ اللهِ نَصْرٌ وَفَتْحٌ قَرِيبْ

وَهَكَذَا 00 بِبَقِيَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ في الحُشَاشَة، وَبِهَذِهِ الأَشْعَارِ الَّتي تَفِيضُ بِالْبَشَاشَة؛ كَانَ يَضْمَحِلُّ الْيَأْسُ مِنْ طَرِيقِي وَيَتَلَاشَى 00

ص: 6106

تَعَوَّدْتُ أَعْشَقُ كُلَّ مَا يُطْلِقُ العَقْلَا * وَأَتْبَعُ أَقْوَالَ الأَئِمَّةِ وَالنَّقْلَا

وَسَائِلَةٍ أَيُّ المَذَاهِبِ مَذْهَبي * وَهَلْ كَانَ فَرْعَاً في الدِّيَانَاتِ أَمْ أَصْلَا

فقُلْتُ لَهَا لَمْ يَقْتنِ المَرْءُ مَذْهَبَاً * وَإِنْ جَلَّ إِلَاّ كَانَ في عُنْقِهِ غُلَاّ

أَنَا آدَمِيٌّ كَانَ يحْسِبُ أَنَّهُ * هُوَ الكَائِنُ الأَسْمَى وَشِرْعَتُهُ الفُضْلَى

وَأَنَّ لَهُ الدُّنيَا الَّتي هُوَ بَعْضُهَا * وَأَنَّ لَهُ الأُخْرَى إِذَا صَامَ أَوْ صَلَّى

تَتَلْمَذْتُ لِلإِنْسَانِ حِينَاً قَدِ انْقَضَى * فَلَقَّنَني غَيَّاً وَعَلَّمَني جَهْلَا

ص: 6107

إِلى أَنْ رَأَيْتُ البَدْرَ يَسْطَعُ في الدُّجَى * لِذِي مُقْلَةٍ حَسْرَى وَذِي مُقْلَةٍ جَذْلى

وَعَايَنْتُ كَيْفَ النَّهْرُ يَبْذُلُ مَاءَهُ * فَمَا يَبْتَغِي شُكْرَاً وَلَا يَدَّعِي فَضْلَا

وَكَيْفَ تُغَذِّي الأَرْضُ الأَمَ نَبْتِهَا * وَأَقْبَحَهُ شَكْلاً كَأَحْسَنِهِ شَكْلَا

وَهِمْتُ بِمَا اخْتَارَ الغَدِيرُ لِنَفْسِهِ * وَيَا حُسْنَ مَا اخْتَارَ الغَدِيرُ وَيَا أَحْلَى

تجِئُ إِلَيْهِ الطَّيرُ ظَمْئَى فَتَرْتَوِي * وَإِنْ وَرَدَتْهُ الإِبْلُ لَمْ يَزْجُرِ الإِبْلَا

وَيَطَّهَّرُ الذِّئْبُ الأَثِيمُ بِمَائِهِ * فَلَمْ يُعْدِهِ إِثْمٌ وَلَا طُهْرُهُ يَبْلَى

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6108

مَرَارَةُ المَأْسَاة، وَحَرَارَةُ المُوَاسَاة

وَأَحْيَانَاً كَانَ يَأْتِيني هَذَا المَلَاكُ في صُورَةِ صَدِيقٍ لي شَاعِرٍ، طَالَمَا شَجَّعَني يُقَالُ لَهُ عَمْرو 00

وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِلى ذِي مُرُوءَ ةٍ * يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أَوْ يَتَوَجَّعُ

{بَشَّارُ بْنُ بُرْد}

وَالصَّدِيقُ الوَفيُّ لَا يَظْهَرُ إِلَاّ عِنْدَ الآلَام؛ كَالفُوسْفُورِ الَّذِي لَا يُضِيءُ إِلَاّ وَقْتَ الظَّلَام 00!!

وَمَا أَكْثَرَ الإِخْوَانَ حِينَ تَعُدُّهُمْ * وَلَكِنَّهُمْ في النَّائِبَات قَلِيلُ

وَلَا خَيرَ في وُدِّ امْرِئٍ مُتَمَلِّقٍ * إِذَا الرِّيحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تمِيلُ

{الإِمَامُ الشَّافِعِيِّ بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6109

وَلِذَا قِيل: جَزَى اللهُ النَّوَائِبَ كُلَّ خَيرٍ * عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي

إِنَّ المَعَادِنَ في الشَّدَائِدِ تَظْهَرُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6110

أَتَاني هَذَا الصَّدِيقُ الغَالي، في إِحْدَى اللَّيَالي، وَدَارَ بَيْنَنَا الحِوَارُ التَّالي ـ وَكُنْتُ أَحْكِي وَأَشْكِي وَأَبْكِي؛ مِنْ سُوءِ الحَالِ وَقِلَّةِ المَالِ وَتحَطُّمِ الآمَال؛ فَنَهَضَ وَاحِدٌ مِمَّنْ ضَمَّهُمُ المجْلِسُ وَقاَل: رِفْقاً بِنَا وَبِنَفْسِكَ يَا يَاسِر، أَمَا مَلَلْتَ مِنَ الشَّكْوَى 00؟! وَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَمَلّ 00؟!

فَقَالَ عَمروٌ وَقَدْ رَقَّ لِمَا سَمِعَ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الدَّمْعِ حُزْنَاً عَلَى صَاحِبِه:

لَكَ لَا تَشْكُو وَلَا تَتَبَرَّمُ * وَصَدْرُكَ فَيَّاضٌ وَفَمُّكَ مُلْجَمُ

يَفِيضُ لِسَانُ المَرْءِ إِنْ ضَاقَ صَدرُهُ * وَيَطْفَحُ مَا بِالقِدْرِ وَالقِدْرُ مُفْعَمُ

فَلَمْ أَرَ مِثْلَكَ بَينَ لحيَيْهِ جَنَّةٌ * وَبَينَ حَشَاهُ وَالتَّرَاقِي جَهَنَّمُ

ص: 6111

لَقَدْ كَانَ في شَكْوَى مَآسِيكَ رَاحَةٌ * وَلَكِنَّمَا تَشْكُو لِمَنْ لَيْسَ يَرْحَمُ

لَعَمْرِي بِقَلْبي مِثْلُ مَا أَنْتَ وَاجِدٌ * فنَمْ عَلَّنَا في النَّومِ بِالمجْدِ نحْلُمُ

فَقُلْتُ هَدَاك يَا عَمْرُو مِن أَخٍ * فَذَلِكَ لَا يُغْني فَلَيْتَكَ دِرْهَمُ

فَمَا أَنَاْ مِمَّنْ تخْطِئُ العَينُ مِثْلَهُ * وَلكِنْ تَعَامَى القَوْمُ عَنِّيَ أَوْ عَمُواْ

سَلَوتُ عَنِ العَلْيَاءِ رَغْمَ الَّذِي مَضَى * فَمَا ليَ بَعْدَ سُلُوِّهَا لَسْتُ أَنعَمُ

وَعُدْتُ لِرُشْدِي وَاتَّهَمْتُ فَضَائِلِي * عَلَى أَنَّهَا شَمْسٌ تُضِيءُ وَأَنجُمُ

وَطَلَّقْتُ آمَالي وَقُلْتُ لَهَا انهَضِي * فَإِنَّ سَبِيلَ اليَأْسِ أَهْدَى وَأَقْوَمُ

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي بِأَيَّةِ مَنْطِقٍ * بمِصْرَ حُظُوظُ النَّابِغِينَ تُقَسَّمُ

ص: 6112

فكَمْ رَصَدَ الأَفْلَاكَ في مِصْرَ أَكْمَهٌ * وَزَلْزَلَ أَعْوَادَ المَنَابِرِ أَبْكَمُ

دَفَنْتُ بِهَا أَحْلى سِنِينيَ سَاكِنَاً * كَمَا سَكَنَتْ أَهْرَامُهَا وَالمُقَطَّمُ

تَعَللَّتُ دَهْرَاً بِالمُنى فَإِذَا بِهَا * قَوَارِيرُ مِنْ مَسِّ الصِّبَا تَتَحَطَّمُ

شُهُورَاً وَأَيَّامَاً مَشَيْتُ وَأَخْمُصِي * عَلَى الشَّوْكِ مِنْ طُولِ السُّرَى تَتَوَرَّمُ

كَأَنِّي إِطَارٌ دَائِرٌ حَوْلَ نَفسِهِ * يَطُولُ بِهِ المَسْعَى وَلَا يَتَقَدَّمُ

فُصُولاً بَدَأَنَاهَا وَسَوْفَ نُعِيدُهَا * دَوَالَيْكَ وَاللَّحْنُ المُكََرَّرُ يُسْأَمُ

وَمَنْ يَكُ ذَا قُرْبَى وَصِهْرٍ فَإِنَّني * بِمِصْرَ غَرِيبٌ لَا قَرِيبٌ وَلَا حَمُو

أَيُذْوَى شَبَابي بَينَ جُدْرَانِ حُجْرَةٍ * إِذَا قُورِنَتْ فَغَيَابَةُ الجُبِّ أَرْحَمُ

ص: 6113

أَكَادُ مِنَ الصَّمْتِ المُخَيِّمِ فَوْقَهَا * إِذَا حُسِبَ الأَحْيَاءُ لَمْ أَكُ مِنهُمُ

أُصَاحِبُ مَنْ لَا يُصْحَبُونَ وَإِنَّني * بَعِيدٌ بِإِحْسَاسِي وَرُوحِيَ عَنهُمُ

أَلَا سَاعَةً يَمْحُو بِهَا الدَّهْرُ ذَنْبَهُ * فَقَدْ طَالَمَا أَشْكُو وَمَا أَتَأَلَّمُ

وَمَا صَدَّعَ القَلْبَ العَظِيمُ وَإِنَّمَا * تَصَدَّعَ قَلْبي بِالَّذِي هُوَ أَعْظَمُ

حَمَلْنَا عَلَى الأَقْدَارِ وَهْيَ بَرِيئَةٌ * وَقُلْنَا هِيَ الأَقْدَارُ تُعْطِي وَتَحْرِمُ

وَرُبَّ أُمُورٍ يخْجِلُ الحُرَّ ذِكْرُهَا * يَضِيقُ بِهَا صَدْرِي الفَسِيحُ وَأَكْتُمُ

فَيَا لَيْتَني أَغْضَيْتُ جَفْني عَلَى القَذَى * وَعَلَّمْتُ نَفْسِي بَعْضَ مَا ليْسَ تَعْلَمُ

{66 % مِنَ الْقَصِيدَةِ لمحْمُود غُنَيْم، وَ 22 % مِنهَا للأَسْمَر، 6 % لَابْنِ زَيْدُون}

ص: 6114

أَقَمْتُ لِسُوءِ حَظِّي في بِلَادٍ * تحَارُ لِفَهْمِ مَا فِيهَا العُقُولُ

كَرِهْتُ بِهَا جَمِيعَ النَّاسِ حَتىَّ * كَأَنَّ الطَّائِرَ الغِرِّيدَ غُولُ

بِلَادٌ لَا يَعِيشُ بِهَا كَرِيمٌ * وَلَا يَحْيى بِهَا إِلَاّ بخِيلُ

وَبَاعُ المُصْلِحِينَ بِهَا قَصِيرٌ * وَبَاعُ المُفْسِدِينَ بِهَا طَوِيلُ

وَلَيْسَ المَوْتُ فِيهَا مُسْتَحِيلاً * وَلَكِنَّ البَقَاءَ المُسْتَحِيلُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر بِتَصَرُّف، بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الأَخِير}

وَطَنٌ رَفَعْنَاهُ لأَعْلَى مُرْتَقَى * فَأَبَى سِوَى أَنْ يَسْتَكِينَ إِلى الشَّقَا

أَفَكُلَّمَا جَاءَ الزَّمَانُ بمُصْلِحٍ * لأُمُورِهِمْ قَالُواْ عَلَيْهِ تَزَنْدَقَا

فَكَأَنمَا لَمْ يَكْفِهِمْ مَا قَدْ جَنَواْ * وَكَأَنَّمَا لَمْ يَكْفِهِ أَن أَخْفَقَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّف}

ص: 6115

بِلَادٌ تَفِرُّ مِنَ الصَّالحَاتِ * فِرَارَ السَّلِيمِ مِنَ الأَجْرَبِ

يُهَانُ بِهَا العَبْقَرِيُّ الأَدِيبُ * وَيُكْرَمُ فِيهَا الحَقِيرُ الغَبيبِ

{حَافِظ إِبْرَاهِيم}

بُعْدُ المَسَافَات، بَينَ الإِمْكَانِيَّاتِ وَالطُّمُوحَات

آهٍ ثُمَّ آهٍ ثُمَّ آه؛ تَعَبٌ كُلُّهَا الحَيَاة 00

نَظَرْتُ إِلى أَمْوَالي * فَيَئِسْتُ مِن آمَالي

فَطُمُوحِيَ كَبِيرٌ * وَلَكِنْ بَاعِي قَصِيرٌ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

وَالمَالُ مِنَ العِلْمِ * كَالمَاءِ مِنَ الزَّرْعِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

صَحِيحٌ أَنَّ المَالَ لَيْسَ هَدَفَاً لِلعُلَمَاء، غَيرَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ تُغْنِيهِمْ عَنِ السُّؤَالِ وَتُعِينُهُمْ عَلَى التَّحْصِيل 0

وَيَرْحَمُ اللهُ سُفيَانَ الثَّوْرِيّ؛ حَيْثُ كَانَ يَقُولُ عَنْ فَضْلِ الغِنى وَالمَالِ في يَدِ العُلَمَاء:

ص: 6116

" كَانَ المَالُ فِيمَا مَضَى يُكْرَه، أَمَّا اليَوْمَ فَهْوَ تِرْسُ المُؤْمِن، لَوْلَا هَذِهِ الدَّنَانِيرُ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ المُلُوك ـ أَيْ جَعَلُونَا مَنَادِيلَ لأَوْسَاخِهِمْ، نحِلُّ لهُمْ مَا حَرَّمَ الله، وَنحَرِّمُ لهُمْ مَا أَحَلَّ الله ـ فَمَنْ كَانَ في يَدِهِ مِن هَذَا المَالِ شَيْءٌ فَليُصْلِحْه؛ فَإِنَّا في زَمَان؛ مَنِ احْتَاجَ فِيه؛ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْذُلُ دِينُه "

[ابْنُ الخَطِيبِ في " المِشْكَاةِ " بِرَقْم: 5291]

همُومٌ ثِقَال

مَاذَا تَبَقَّى لَنَا يَا مِصْرُ مَا تَرَكَتْ * فِينَا المَصَائِبُ عَظْمَاً غَيرَ مَكْسُورِ

* * * * *

لَعِبَ البِلَا بِمَعَالمِي وَرُسُومِي * وَقُبِرْتُ حَيَّاً تحْتَ رَدْمِ هُمُومِيومِ

{أَبُو الْعَتَاهِيَة}

لَقَدْ أَنْشَبَتْ حَادِثَاتُ الزَّمَانِ * * مخَالِبَهَا بي وَأَنيَابَهَا

{ابْنُ الرُّومِي}

ص: 6117

وَمَنْ تَعْلَقْ بِهِ حُمَةُ الأَفَاعِي * يَعِشْ إِن عَاشَ مُعْتَلاًّ سَقِيمَا

{أَبُو العَلَاءِ المَعَرِّيّ بِتَصَرُّف}

أَظَلَّنَا الْغَمّ، وَأَذَلَّنَا الهَمّ، وَنَزَلَ بِنَا الْعَذَابُ الجَمّ، وَلَمْ يُوَاسِنَا خَالٌ وَلَا عَمّ 00!!

ذَهَبْتُ أَشْكُو لِعَمِّي؛ فَزَادَ بِرَدِّهِ هَمِّي، وَذَهَبْتُ أَشْكُو لخَالي؛ فَوَجَدْتُ حَالَهُ أَسْوَأَ مِن حَالي، وَكَمَا قَالُواْ في الأَمْثَالِ:" يَا حَامِلَ هَمِّ النَّاسِ مَنْ يحْمِلُ هَمَّك " 00؟!

لهْفِي عَلَى حَاجَةٍ في النَّفْسِ هَامَ بِهَا * قَلْبي وَقَصَّرَ عَن إِدْرَاكِهَا بَاعِي

{محْمُود سَامِي البَارُودِي}

لَوْ كُلُّ مَا يَتَمَنىَّ المَرْءُ يُدْرِكُهُ * مَا كُنْتَ تَلْقَى امْرَأً في الكَوْنِ مَهْمُومَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6118

فَيَا لَكِ دُنيَا حُسْنُهَا بَعْضُ قُبْحِهَا * وَيَا لَكَ كَوْنَا قَدْ حَوَى بَعْضُهُ الكُلَاّ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنيَا بِأَيْدِينَا * إِلَاّ بَقِيَّةُ دَمْعٍ في مَآقِينَا

كانَتْ مَنَازِلُنَا بالعِزِّ شَامخَةً * لَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ إِلَاّ في مَغَانِينَا

فَلمْ نَزَلْ وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تَقْلِبُنَا * ظَهْرَاً لِبَطْنٍ هُنَا بَدَأَتْ مَآسِينَا

حَتىَّ غَدَوْنَا لِمَنْ نُعْطِيهِ نَسْأَلُهُ * وَلَا قَرِيبٌ وَلَا خِلٌّ يُوَاسِينَا

{حَافِظ إِبْرَاهِيم بِتَصَرُّف}

دُنيَا رَأَيْنَا بِهَا الهَوَانَا * بِالأَمْسِ كَانَتْ عَلَى هَوَانَا

* * * * *

فَيَا لَشَجَا حَلْقٍ بِهِ المُرُّ عَالِقٌ * وَيَا لأَسَى قَلْبٍ مِنَ الحُزْنِ مَلآنِ

تَعَوَّضْتُ مِنْ ضِحْكٍ بِضَنْكٍ وَمِن هَوَىً * بِهُونٍ وَمِن إِخْوَانِ صِدْقٍ بِخَوَّانِ

ص: 6119

{ابْنُ خَفَاجَةَ الأَنْدَلَسِيّ}

فَكُنَّا وَكُنَّا غَيرَ أَنَّا تَضَعْضَعَتْ * قُوَانَا وَأَيُّ النَّاسِ لَا يَتَضَعْضَعُ

تَقَضَّتْ خَيَالَاتٌ وَجَاءَتْ حَقِيقَةٌ * تُصَدِّعُ مِن أَكْبَادِنَا مَا تُصَدِّعُ

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَخُطُّ مُؤَلَّفَاً * وَلَا أَشْتَكِي فِيهِ وَلَا أَتَوَجَّعُ

{الْبَيْتَانِ الأَوَّلَانِ لمحَمَّدٍ الأَسْمَر، وَالأَخِيرُ لِلْمُتَنَبيِّ}

فَضَاقَتْ بِآمَالي بِلَادٌ عَرِيضَةٌ * فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَضِيقُ بِها اللَّحْدُ

عَرَفْتُ نُجُومَ الأُفْقِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ * وَحُبِّبَ لي وَجْهُ الدُّجَى وَهْوَ مُسْوَدُّ

وَقَائِلَةٍ وَالدَّمْعُ يَمْلأُ جَفْنَهَا * أَمِثْلُكَ يَبْكِي أَيُّهَا الرَّجُلُ الجَلْدُ

وَمَا نحْنُ في الأَيَّامِ إِلَاّ سَفِينَةٌ * فَيَخْفِضُهَا جَزْرٌ وَيَرْفَعُهَا مَدُّ

ص: 6120

بِلَادٌ تَرَبَّى المجْدُ في حُجُرَاتِهَا * صَغِيرَاً فَلَمَّا شَبَّ مَاتَ بِهَا المجْدُ

وَإِنْ سَاءَ عَيْشُ المَرْءِ في أَوَّلِ الصِّبَا * فَأَغْلَبُ ظَنيِّ أَنَّهُ سَيِّءٌ بَعْدُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

تَأَمَّلتُ مَا قَدْ مَضَى مِن عُمُرْ * وَنَقَّلْتُ في ذِكْرَيَاتي البَصَرْ

حَيَاةٌ بِأَيَّامِهَا مَا يَسُوءُ * عَلَى أَنَّ في بَعْضِهَا مَا يَسُرْ

بَلَوْنَا بِهَا خُلُقَ الأَصْدِقَاءِ * وَكَمْ قَدْ وَجَدْنَا بهَا مِن عِبَرْ

وَدَارَ الزَّمَانُ بِأَحْدَاثِهِ * * وَمَرَّ عَلَى عِقْدِنَا فَانْتَثَرْ

وَرُحْتُ أَخُوضُ غُمَارَ الحَيَاةِ * * وَدُونَ الحَيَاةِ زِحَامُ البَشَرْ

فَأَعْثُرُ بِالمَكْرِ وَالإِحْتِيَالِ * * وَأُمْنى عَلَى عِفَّتي بِالضَّرَرْ

مَوَاجِعُ مَا أَدْرَكَتْهَا الشُّيُوخُ * مَرَرْنَا بِهَا في رَبِيعِ العُمُرْ

ص: 6121

خَبرْنَا الأَسَىكَيْفَ يُدْمِي القُلُوبَا * وَيَعْصِرُهَا قَبْلَ أَنْ يَنحَسِرْ

إِذَا مَا تمَنىَّ رُجُوعَ الشَّبَابِ * * أُنَاسٌ تَمَنَّيْتُ عَهْدَ الصِّغَرْ

وَلَيْسَ الخَلِيُّ كَمِثْلِ الشَّجِيِّ * كَمَا الصَّفْوُ لَيْسَ كَمِثْلِ الكَدَرْ

وَرُحْنَا إِلى النِّيلِ نَشْكُو إِلَيْهِ * فَأَبْدَى حَنَانَ الرَّحِيمِ الأَبَرْ

نَبُثُّ أَبَا مِصْرَ مَا نَالَنَا * فَيَغْرَقُ في دَمْعِهِ المُنحَدِرْ

{الْقَصِيدَةُ بِأَكْمَلِهَا لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي، بِاسْتِثْنَاءِ رُبْعِهَا الثَّاني فَهُوَ لِلشَّاعِرِ المَهْجَرِي عَقْلٍ الجُرّ}

يَا نَهْرُ ذَا قَلْبي أَرَاهُ كَمَا أَرَاكَ مُكَبَّلَا

وَالفَرْقُ أَنَّكَ سَوْفَ تَنْشَطُ مِن عِقَالِكَ وَهْوَ لَا

شَرُّ البَلِيَّةِ مَا يُضْحِكُ

فَقَالَ لي عَمْرٌو: الَّذِي يَأْكُلُ الحُلْوَ يَأْكُلُ المُرّ 00!!

ص: 6122

مَنْ يَصْحَبِ الدَّهْرَ يَأَكُلْ * فِيهِ سَمِينَاً وَغَثَّا

فَالْبِسْهُ يَوْمَاً جَدِيدَاً * وَيَوْمَاً آخَرَ رَثَّا

{بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانيّ}

فَقُلْتُ لَهُ: وَأَيْنَ هُوَ الجَدِيدُ يَا عَمْرو؛ وَثَوْبِي كَمَا تَرَى:

تَتَغَنىَّ إِحْدَى نَواحِيهِ صَوْتَاً * فتَشُقُّ الأُخْرَى عَلَيْهِ الجُيُوبَا

فَإِذَا مَا لُمْتُهُ قَالَ مَهْلاً * لَا يَكُونُ الكَرِيمُ إِلَاّ طَرُوبَا

{ابْنُ الرُّومِي}

فَلَقَدْ أَهْزَلْتُ حَتىَّ * محَتِ الشَّمْسُ خَيَاليالِ

وَلَقَدْ أَفْلَسْتُ حَتىَّ * حَلَّ أَكْلِي لِعِيَاليالِ

* * * * *

الفَقْرُ يَقْتُلُني وَيَمْلأُ كَاسِي * وَبَدَأْتُ أُشْهِرُ في الْوَرَى إِفْلَاسِي

لَا الجَيْبُ يَعْمُرُ بِالنُّقُودِ وَلَا يَدِي * فِيهَا فُلُوسٌ مِثْلَ كُلِّ النَّاسِ

الفُولُ أَكْلِي مَا حَيِيتُ وَإِنَّني * مُتَحَرِّقٌ شَوْقَاً إِلى القُلْقَاسِ

ص: 6123

قَدْ كِدْتُ يَا قَوْمِي أَصِيحُ مُنَهِّقَاً * وَتخَلَّعَتْ مِن أَكْلِهِ أَضْرَاسِي

البَطْنُ خَالٍ كَالجُيُوبِ وَأَشْتَهِي * مَا في المَسَامِطِ مِنْ لحُومِ الرَّاسِ

وَإِذَا مَشَيْتُ رَأَيْتَني مُتَهَالِكَاً * وَأَكَادُ أَلفِظُ جَائِعَاً أَنْفَاسِي

وَأَمُرُّ بِالحَاتي فَأَهْتِفُ قَائِلاً * كَمْ ذَا يُكَابِدُ مُفْلِسٌ وَيُقَاسِي

وَيَظَلُّ يَنخَلِعُ الحِذَاءُ بمِشْيَتي * فَمَقَاسُ صَاحِبِهِ خِلَافُ مَقَاسِي

لَوْ كَانَ هَذَا الفَقْرُ شَخْصَاً مِثْلَنَا * لَقَطَعْتُ مِنهُ رَأَسَهُ بِالفَاسِ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

فَقَالَ عَمْرو: لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْك؛ تَتَبَسَّم 00 حَتىَّ وَأَنْتَ تَتَأَلَّم 00!!

فَقُلتُ لَهُ: لَيْسَ تَبَسُّمَاً يَا عَمْرو، وَلَكِنَّهُ الحُزْنُ عِنْدَمَا يَزِيدُ عَن حَدِّهِ؛ يَنْقَلِبُ إِلى ضِدِّهِ 00

ص: 6124

كَمَا تُكْسِبُ الحُمَّى الخُدُودَ احْمِرَارَهَا

{الشَّاعِرُ القَرَوِي / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

نَعَمْ إِنَّ كِتْمَاني هُمُومِيَ مُؤْلِمُ * وَلَكِنَّ إِظْهَارِي هُمُومِيَ أَعْظَمُ

فَبي كُلُّ مَا يُبْكِي العُيُونَ أَقَلُّهُ * وَإِنْ كُنْتُ مِنهُ دَائِمَاً أَتَبَسِّمُ

وَتَضْحَكُ سِنُّ المَرْءِ وَالقَلْبُ مُوجَعٌ * وَيَرْضَى الفَتى عَن حَظِّهِ وَهْوَ مُفْعَمُ

{الْبَيْتَانِ الأَوَّلَانِ لِتَمِيمِ بْنِ المُعِزِّ المِصْرِيّ 0 بِتَصَرُّف، الأَخِيرُ فَقَطْ لِدِيكِ الجِنّ 0 بِتَصَرُّف}

وَشَرُّ البَلِيَّةِ مَا يُضْحِكُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

وَكَمْ فِيكِ يَا مِصْرُ مِنْ مِضْحِكَاتٍ * وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكَاءِ

{المُتَنَبيِّ بِتَصَرُّف}

كُلُّ المَصَائِبِ قَد تَمُرُّ عَلَى الْفَتى * فَتهُونُ غَيرَ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ

{ابْنُ أَبي عُيَيْنَة}

ص: 6125

وَحَسْبُكَ مِنْ نَكْبَةٍ بِامْرِئٍ * تَرَى حَاسِدِيهِ لَهُ رَاحِمِينَا

وَقَدِيمَاً قِيل: " مَهْمَا كَانَتْ مَرَارَةُ الدَّوَاء؛ فَأَمَرُّ مِنهُ الدَّاء، وَأَمَرُّ مِنَ الدَّاء: شَمَاتَةُ الأَعدَاء " 00 لِذَلِكَ لَا تَكَادُ تَرَاني إِلَاّ مُتَبَسِّمَاً 00

حَرِيصٌ عَلَى أَنْ تُرَى بي كَآبَةٌ * فَيَفْرَحَ وَاشٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ

{الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ بِتَصَرُّف}

وَتجَلُّدِي * لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ * أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَسْتَسْلِمُ

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ فَقَطْ لأَبي ذُؤَيْبٍ الهَذَليّ 0 بِتَصَرُّف}

فَقَالَ أَنْتَ إِنْسَانٌ * أَمْثَالُكَ قَلِيلُونَا

فَقُلْتُ أَعْلَمُ لَكِنْ * لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

هَذَا 00 وَمَنْ رَأَى مَا رَأَيْتُ؛ قَالَ أَكْثَرَ مِمَّا قُلتُ 00!!

ص: 6126

قَالَ الجِدَارُ لِلْمِسْمَار: آذَيْتَ وَآنَيْتَ وَضَاقَتْ بِكَ أَنْفَاسِي 00!!

قَالَ المِسْمَار: مِنْ شِدَّةِ الطَّرْقِ عَلَى رَاسِي 00!!

اليَأْسُ وَالإِحْبَاطُ مِنْ نَاحِيَة، وَالفَقْرُ مِنْ نَاحِيَة 00 بِكُلٍّ ابْتُلِينَا وَكُوِينَا، وَتَدَاوَيْنَا فَمَا شُفِينَا 00!!

وَاليَأْسُ مَوْتٌ غَيرَ أَنَّ صَرِيعَهُ * يَبْقَى وَأَمَّا نَفْسُهُ فَتَزُولُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

فَكَمْ قَدْ حُرِمْنَا وَكَمْ قَدْ ظُلِمْنَا * وَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنَ الحَادِثَاتِ

أَرُوحُ وَأَغْدُو وَلَكِن حَزِينَاً * وَبَعْضُ الحَيَاةِ كَمِثْلِ المَمَاتِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

أُصِبْنَا مِنَ الدُّنيَا بِمَا لَوْ قَلِيلُهُ * أُصِيبَتْ بِهِ الأَيَّامُ صَارَتْ لَيَالِيَا

تمُرُّ اللَّيَالي لَيْلَةٌ إِثْرَ لَيْلَةٍ * وَأَحْزَانُ قَلْبي بَاقِيَاتٌ كَمَا هِيَا

ص: 6127

فَمَا تُنْبِتُ الغَبرَاءُ غَيرَ مَصَائِبٍ * وَمَا تُمْطِرُ الأَفْلَاكُ إِلَاّ دَوَاهِيَا

وَمَنْ لَمْ يُعَانِ الظُّلْمَ طُولَ حَيَاتِهِ * يَظُنُّ شِكَايَاتِ النُّفُوسِ تَشَاكِيَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

عِنْدَمَا تَبْكِي الشُّمُوعُ بِالدُّمُوع

وَلَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلوا بُؤْسَ حَالِ فَتىً:

ضَنَّتْ عَلَيْهِ بِالبُكَاءِ عُيُونُهُ فَبَكَى جَبِينُه

{شَفِيق مَعْلُوف}

فَكَمْ قَدْ هَدَّنَا التَّعَب، في بَسَاتِينِ الحِكْمَةِ وَالأَدَب 00

مَنْ يَلقَ مَا لَاقَيْتُ مِن أَشْوَاكِهَا * يَيْأَسْ وَيَزْهَدْ طَيِّبَ الثَّمَرَاتِ

{ابْنُ الرُّومِي}

ص: 6128

وَلِذَا جَاءَ الحَدِيثُ ذَا شُجُون، يُبْكِي العُيُونَ وَيُقَرِّحُ الجُفُون، كَلَامٌ في ظَاهِرِهِ وَأَلفَاظٌ وَعِبَارَات، وَآلَامٌ في بَاطِنِهِ عِنْدَهَا تَتَحَدَّرُ العَبرَات، فَهَذِهِ الحِكْمَةُ وَهَذِهِ دُمُوعُهَا، عِنْدَمَا تَبْكِي شُمُوعُهَا!!

إِنَّ * لِلَّيْلِ * دُمُوعَاً * لَا * تَرَاهَا * المُقْلَتَانِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

وَليسَتْ دُمُوعِي مِثْلَ غَيْرِيَ مِنْ مَاءٍ * وَلَكِنْ مَزِيجٌ مِنْ دُمُوعٍ وَدِمَاءٍ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

فَأَحْيَانَاً أُسْلِمُ رَأْسِيَ إِلى الفِكْر؛ فَلَا أَنْتَبِهُ إِلَاّ وَالعَيْنَانِ تجْرِيَان 00!!

لَوْ جِئْتَني وَرَأَيْتَني لَظَنَنْتَني * مَيْتَاً وَمِن عَيْنَيْهِ سَالَتْ رُوحُهُ

{الشَّاعِرُ القَرَوِي / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي 0 بِتَصَرُّف}

أَظَلُّ كَأَني في جَحِيمٍ مِنَ الأَسَى * وَإِنْ كنْتُ مِنْ دَمْعِي شَبِيهَ غَرِيقِ

ص: 6129

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

حَتىَّ لَقَدْ صِرْتُ كَالشُّمُوعِ * مِنِ احْتِرَاقِي وَمِنْ دُمُوعِي

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

حَتىَّ كَادَتْ أَنْ تَبْيَضَّ عَيْنَايَ مِنَ الحُزْن؛ وَلَوْلَا الدُّمُوع: لَاحْتَرَقَتِ الضُّلُوع 00!!

فَنهَارِيَ أَصْبَحَ كَاللَّيْلِ مِنْ شِدَّةِ السَّوَاد، وَلَيْلِيَ أَصْبَحَ كَالنَّهَارِ مِنْ شِدَّةِ السُّهَاد 00!!

أَيَنَامُ قَلْبٌ لَا تَنَامُ همُومُهُ

وَمَا النَّوْمُ إِلَاّ التِقَاءَ الجُفُونِ * فَكَيْفَ أَنَامُ وَلَا تَلْتَقِيقِ

* * * * *

خَلِيلِيَ هَلْ طَالَ الدُّجَى أَمْ تَقَيَّدَتْ * كَوَاكِبُهُ أَمْ ضَلَّ عَنْ نَهْجِهِ الْغَدُ

أَمْ مُسِخَ النَّهَارُ لَيْلاً وَأَنَا لَا أَدْرِي 00؟!

أَمِ الشَّمْسُ قَدْ مُسِخَتْ كَوْكَبَاً * فَجَاءَتْ لَنَا في عِدَادِ النُّجُومِ

{ابْنُ المُعْتَزّ 0 بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6130

أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انجَلِ * بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ

{امْرُؤُ القَيْس}

رَمَتْني * اللَّيَالي * عَنْ * قِسِيِّ * النَّوَائِبِ * فَمَا * أَخْطَأَتْني مُرْسَلَاتُ * المَصَائِبِ

أُقَضِّي نهَارِي * بِالأَمَاني الكَوَاذِبِ * وَآوِي * إِلى * لَيْلٍ * بَطِيئِ * الكَوَاكِبِ

{ابْنُ زَيْدُون}

لَوْ كَانَ مَا بيَ في صَخْرٍ لَفَتَّتَهُ * فَكَيْفَ يحْمِلُهُ خَلْقٌ مِنَ الطَّينِ

فَقَالَ عَمْرو:

طَالَتْ شِكَاتُكَ أَيُّهَا الغِرِّيدُ * فَانعَبْ إِذَا لَمْ يَنْفَعِ التَّغْرِيدُ

عِشْرُونَ عَامَاً في الكِنَانَةِ صبْحُنَا * فِيهَا الأَنِينُ وَلَيْلُنَا التَّسْهِيدُ

سُبْحَانَكَ اللهُمَّ كَمْ مِن حِكْمَةٍ * لَكَ ضَلَّ فِيهَا الرَّأْيُ وَهْوَ سَدِيدُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ محْمُود غُنيم}

أَيَّامٌ لَا تُنْسَى

ص: 6131

فَقُلتُ لَهُ: نَعَمْ يَا عَمْرو؛ مُنْذُ بِضْعَةَ عَشَرَ عَامَاً وَأَنَا أَطْرُقُ أَبْوَابَ المَشَاهِيرِ مِنَ الدُّعَاةِ وَالكُتَّاب، بِالجَوَامِعِ وَالجَامِعَاتِ وَدَارِ العُلُومِ وَالآدَاب، وَأَبْوَابَ الصُّحُفِ وَالمجَلَاتِ وَمَرَاكِزِ رِعَايَةِ الشَّبَاب؛ أَبحَثُ عَنْ فُرْصَةٍ لِلْوُصُولِ إِلى صَحِيفَةٍ أَوْ مجَلَّةٍ أَكْتُبُ فِيهَا، حَتىَّ رَجَعْتُ في النِّهَايَةِ بِخُفَّيْ حُنَين، وَتَأَكَّدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَسِيرُ في أَحَدِ طَرِيقَيْن: إِمَّا طَرِيقٍ مَسْدُود، أَوْ طَرِيقٍ لَيْسَ لَهُ آخِر 00!!

سَعَيْتُ بِلَا جَدْوَى طَوِيلاً وَلَا أَمَلْ * وَلَاقَيْتُ في مَسْعَايَ مَا لَيْسَ يُحْتَمَلْ

لَقَدْ بَلِيَا خُفَّا حُنَينٍ مِنَ السُّرَى * بِلَا نَاقَةٍ يَا صَاحِ عُدْنَا وَلَا جَمَلْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6132

قَطَعْنَا الأَرْضَا، طُولاً وَعَرْضَا، خَلْفَ سَرَابٍ بِقِيعَة؛ حَتىَّ بَلَغْنَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا 00!!

فَقَدْ طَوَّفْتُ بِالآفَاقِ حَتىَّ * رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالإِيَابِ

{امْرُؤُ القَيْس}

ضَاقَتْ عَلَيَّ بِوُسْعِهَا الآفَاقُ

خَلِيلَيَ إِن أَجْزَعْ فَقَدْ ظَهَرَ العُذْرُ * وَإِن أَسْتَطِعْ صَبْرَاً فَمِنْ شِيمَتي الصَّبْرُ

فَشَرَّقْتُ حَتىَّ اجْتَزْتُ سَبْعِينَ وِجْهَةً * وَغَرَّبْتُ حَتىَّ قِيلَ هَذَا هُوَ الخِضْرُ

{البَيْتُ الأَوَّلُ لاِبْنِ زَيْدُون}

كَرَحَّالَةٍ طَافَ المَدَائِنَ وَالقُرَى * كَسَتْهُ يَدُ الأَيَّامِ حُلَّةَ خَائِبِ

ص: 6133

وَلَمْ أَكُنْ لأَنْسَى مَا كَانَ يَنْتَابُني مِنَ الذُّعْرِ أَثْنَاءَ عُبُورِيَ البَوَّابَات، وَدُخُوليَ إِلى هَذِهِ الكُلِّيَّات؛ لأُقَابِلَ تِلْكَ الشَّخْصِيَّات، وَكَأَنَّني مِنَ الخَوْفِ لِصٌّ محْتَال؛ فَأَنْظُرُ ذَاتَ اليَمِينِ لأَنْظُرَ ذَاتَ الشِّمَال!!

إِنْ لَاحَ طَيْفٌ قُلْتُ يَا عَينُ انْظُرِي * أَوْ عَمَّ صَمْتٌ قُلْتُ يَا أُذْنُ اسْمَعِي

خَوْفَاً مِنْ زَبَانِيَةِ جَهَنَّم، وَأَنَا أُنْشِدُ في سِرِّيَ قَصِيدَةَ النَّمْلَةِ وَالمُقَطَّم 00!!

أَنَاخَ بيَ الخَوْفُ حَتىَّ كَأَنِّي * أَسِيرُ عَلَى الحَبْلِ فَوْقَ المحِيطِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

كَلُّ هَذَا وَأَنَا أَحْمِلُ كُتُبي وَدَفَاتِرِي الضَّخْمَة، وَأَطُوفُ بِهَا عَلَى دُورِ النَّشْرِ وَالمُؤَسَّسَاتِ الْفَخْمَة 0

حِمْلِي لَهَا حَطَّ عَنيِّ * * حِمْلَ السِّنِينَ الثِّقَالِ

{جُورْج صَيْدَح}

ص: 6134

الغَابَةُ السَّمْرَاءُ مِن حَوْلي يُغَلِّفُهَا الضَّبَابْ

تَهَبُ السِّيَادَةَ لِلْقَوِيِّ وَمَنْ لَهُ ظُفْرٌ وَنَابْ

وَأَنَا وَرَاءَ الغِيلِ تَطْلُبُني الأَسِنَّةُ وَالحِرَابْ

مُتَرَقِّبٌ لِلْهَوْلِ يَرْعَشُ في يَدِي هَذَا الكِتَابْ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي؟}

كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِمْ 00

وَتَعْلَمُ نَفْسِي أَنَّهُمْ مِثْلُ غَيرِهِمْ * وَلَكِنَّني أَسْتَدْفِعُ اليَأْسَ رَاجِيَا

فَكَمْ مَرَّةٍ أَحْسَنْتُ ظَنيَ فِيهِمُ * فَكَلَّفَني إِحْسَانيَ الظَّنَّ غَالِيَا

{الأَوَّلُ لإِيلِيَّا أَبي مَاضِي، وَالأَخِيرُ لهَاشِمٍ الرِّفَاعِيّ}

وَكَمْ مِنْ بَرْقٍ خُلَّبٍ لَقِيتُهُ مِنهُمْ، كَانَ يَدْهُنُ لي مِنْ قَارُورَةٍ فَارِغَة، وَعَدَني وَعْدَاً حَسَنَاً، وَلَكِنْ لَيْتَهُ كَانَ وَعْدَاً غَيرَ مَكْذُوب 00!!

أَنَاْ الْغَنيُّ وَأَمْوَالي المَوَاعِيدُ

{المُتَنَبيِّ}

ص: 6135

تجِدُ الوَاحِدَ مِنهُمْ؛ في كِبرِ فِرْعَوْنَ وَعُجْبِ قَارُونَ وَكَأَنَّهُ قَدِ اقْتَحَمَ العَقَبَة 00!!

يَدَّعِي أَنَّهُ مَالِكُ العِيرِ وَمَلِكُ النَّفِير، وَهُوَ لَا في العِيرِ وَلَا النَّفِير 00!!

إِنْ في صُدُورِهِمْ إِلَاّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيه، فَالوَاحِدُ مِنهُمْ:

ذُو نَفْخَةٍ وَكَأَنَّ اللهَ أَنْشَأَهُ * مِسْكَاً وَسَائِرُ خَلقِ اللهِ مِنْ طِينِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي 0 وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ بَيْتٍ لَابْنِ حَيُّوسْ}

فَتَرَاهُ مِنْ كِبْرِهِ؛ يَكَادُ يخْرِقُ الأَرْضَ أَوْ يَبْلُغَ الجِبَالَ طُولَا 00

وَكَأَنمَا الدُّنيَا لِفَرْطِ غُرُورِهِ * كَمُلَتْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ لَا تَكْمُلُ

وَيَظُنُّ أَنَّ الوَرْدَ يَنْشُرُ عِطْرَهُ * مِن أَجْلِهِ وَلَهُ يُغَنيِّ البُلبُلُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

أَكَادُ مِنْ كِبْرِهِ أَقُولُ لَهُ:

ص: 6136

انْظُرْ إِليَّ وَلَا تُغْضِبْكَ فَلْسَفَتي * وَعُدَّهَا ليَ مِنْ بَعْضِ الحَمَاقَاتِ

تَكَلَّمْ؛ فَقَدْ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكَلَّمْ 00

فَإِذَا مَا تَكَلَّمَ؛ وَجَدْتُهُ عِجْلاً جَسَدَاً لَهُ خُوَار، كَمَثَلِ الحِمَارِ يحْمِلُ الأَسْفَار 00!!

عَلَمٌ وَمِنْ أَدَبِ العُلُومِ عَدِيمُ * مَا كُلُّ مَنْ شَرِبَ المُدَامَ نَدِيمُ

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ لِيَاسِرٍ الحَمَدَاني، وَالآخَرُ لِشَاعِرٍ آخَر}

يُظْهِرُونَ الخَوْفَ عَلَى العَرَبِيَّة؛ وَمَا خَوْفُهُمْ عَلَيْهَا إِلَاّ كَخَوْفِ الدِّبَّةِ الَّتي قَتَلَتْ صَاحِبَهَا 00!!

طُبُولٌ جَوْفَاء، تَسْمَعُ لهَا طَحْنَاً وَلَا تَرَى طَحِينَا، كَالبِرْمِيلِ الفَارِغ؛ لَا تجِدُ مِنهُ إِلَاّ رَنِينَا 00!!

ص: 6137

كَأَنَّهُمْ جُذْوَةٌ مِنْ نَار، وَلَكِنَّهَا كَنَارِ الحُبَاحِب؛ فَنَثْرُهِمْ تُصِيبُكَ بِدُوَارٍ كَدُوَارِ المَرَاكِب، وَأَبْيَاتُ شِعْرِهِمْ أَوْهَنُ مِنْ بَيْتِ العَنَاكِب، أَبْدَلُواْ الحِمَارَ وَالبَعِيرَ بِالخِنزِيرَةِ وَالتِّمْسَاحَةِ وَخَرَجُواْ في مَوَاكِب، وَلَمْ يَزَلِ المَرْكُوبُ أَفْضَلَ مِنَ الرَّاكِب 00!!

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال: " إِنَّكُمْ في زَمَانٍ، الصَّلَاةُ فِيهِ طَوِيلَة، وَالخُطْبَةُ فِيهِ قَصِيرَة، وَعُلَمَاؤُهُ كَثِير، وَخُطَبَاؤُهُ قَلِيل، وَسَيَأْتي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ؛ الصَّلَاةُ فِيهِ قَصِيرَة، وَالخُطْبَةُ فِيهِ طَوِيلَة، خُطَبَاؤُهُ كَثِير، وَعُلَمَاؤُهُ قَلِيل " 0

ص: 6138

[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (285/ 7)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِيرِ]

وَبَغَّضَني في عِليَةِ القَوْمِ * أَنهُمْ * ثِيَابٌ بِهَا مَا شِئْتَ مِنْ كُلِّ سَافِلِ

كَمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونهَا 00 لَوْ أَنهُمْ كَانُواْ يَعْقِلُون 00!!

رُءوسٌ ضِخَامٌ كَمِثْلِ الْعُجُولْ * سِوَى أَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عُقُولْ

وَمِن عَجَبٍ أَنَّ إِعْلَامَنَا * يَدُقُّ لأَمْثَالِهِمْ بِالطُّبُولْ

فَتَسْمَعُ مِنهُمْ كَلَامَاً عَجِيبَاً * تَكَادُ الجِبَالُ لَهُ أَنْ تَزُولْ

وَشَعْبُ الْكِنَانَةِ شَعْبٌ جَهُولْ * يُقَابِلُ إِسْفَافَهُمْ بِالْقَبُولْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

وَكَمْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ بِلَا ثَمَرٍ * وَفي السَّمَا كَمْ غَمَامَاتٍ بِلَا مَطَرٍ

{جُبرَان خَلِيل جُبرَان بِتَصَرُّف}

ص: 6139

عَلَى الشِّعْرِ عِبْءٌ هَذِهِ الحَشَرَاتُ * إِذَا كَانَ لَا ظِلٌّ وَلَا ثمَرَاتُ

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ لِيَاسِرٍ الحَمَدَاني، وَالآخَرُ لِشَاعِرٍ آخَر}

كُنْتُ أَظُنُّ بِذَهَابي إِلى وَادِيهِمْ؛ أَنيِّ حَامِلٌ التَّمْرَ إِلى البَصْرَة، فَوَجَدْتُني بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرْع 00!!

وَالغَرَابَةُ أَنهُمْ كَانُواْ يُقِرُّونَ لي بِالمَوْهِبَة، وَلَكِنْ لَمْ يَأْخُذُواْ بِيَدِي؛ حَتىَّ أَنيِّ كُنْتُ أُوشِكُ وَهُمْ يَقُولُونَ لي:" إِنَّا نَرَاكَ نَابِغَةً؛ وَنَرَاكَ عَبْقَرِيَّاً " أَن أَقُولُ لهُمْ: " وَلَكِنيِّ أَرَاكُمْ قَوْمَاً تجْهَلُون " 0

وَبَعْضُهُمْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَد؛ مَا في نَظْرَتِهِ مِنَ الغِلِّ وَالحَسَد 00!!

ص: 6140

فَبَدَلاً مِن أَنْ يَقُولُواْ: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَمَا أُوتيَ؛ قَالُواْ: أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا 00؟!

وَيْلَكُمْ أَسْخَنَ اللهُ أَعْيُنَكُمْ 00

اللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ * وَاللهُ يَعْلَمُ حَيْثُ يجْعَلُ رِزْقَهُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

نَظَرُواْ صَنِيعَ اللهِ بي فَعُيُونهُمْ * في جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ في نَارِ

{محَمَّدٌ التِّهَامِي}

حَسَدَاً مِن عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ 00

إِنْ يحْسُدُوني فَإِنيِّ غَيرُ لَائِمِهِمْ * قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الفَضْلِ قَدْ حُسِدُواْ

فَدَامَ لي وَلهُمْ مَا بي وَمَا بِهِمُ * وَمَاتَ أَكْثَرُهُمْ غَيْظَاً بمَا يجِدُ

{بَشَّارُ بْنُ بُرْد}

وَلَكِن أَعُودُ فَأَقُول:

هَلْ يحْسُدُ النَّاسُ شَيْئَاً غَيرَ محْمُودِ * لَا عَاشَ مَن عَاشَ يَوْمَاً غَيرَ محْسُودِ

ص: 6141

{المِصْرَاعُ الأَوَّلُ لِيَاسِرٍ الحَمَدَاني، وَالآخَرُ لِدِعْبِلٍ الخُزَاعِيّ}

وَالعَجِيبُ أَنَّكَ مَهْمَا تَنْصَحُهُمْ وَتَعِظُهُمْ؛ أَنْ يَتَّقُواْ اللهَ في شَأْنِ النَّاشِئَةِ مِنَ المَوْهُوبِينَ النَّابِغِين؛ لَا يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ إِلَاّ طُغْيَانَاً كَبِيرَا؛ فَالوَاحِدُ مِنهُمْ؛ أَضْحَكُ مِنْ ضَرْطِهِ وَيَضْرِطُ مِنْ ضَحِكِي 00!!

أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوَىً لِلمُتَكَبِّرِين 00؟!

فَأَفْضَلُهُمْ اليَوْمَ أَعْوَرٌ بَينَ عُمْيَان؛ وَلِذَا صَارَ الأَعْمَش؛ كَحَّالاً في هَذَا الزَّمَان 00!!

فَذُؤْبَانُهُمْ يَدْعُونَهَا أُسُدَ الشَّرَى * وَقَدْ مَنَحُواْ اسْمَ الحُوتِ لِلسَّرَطَانِ

أَسَامٍ وَأَلقَابٌ يَغُرُّ سَرَابُهَا * وَلَيْسَ بِهَا شَيْءٌ سِوَى اللَّمَعَانِ

فَلَلْمَوْتُ خَيرٌ مِن حَيَاةٍ ذَمِيمَةٍ * إِذَا الْقِرْدُ كَانَ جَلَالَةَ السُّلْطَانِ

ص: 6142

{الْبَيْتَانِ الأَوَّلَانِ لمحَمَّدٍ الأَسْمَر بِتَصَرُّف}

وَالحَظُّ حِينَ يُوَاتي * يَعْمَلُ الأَعْمَى سَاعَاتياتِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني 0 وَهُوَ في أَصْلِهِ مَثَلٌ محْدَث}

مِمَّا يُزَهِّدُ قَلْبي فِيكِ يَا بَلَدِي * أَسْمَاءُ مُعْتَمِدٍ تَعْلُو وَمُعْتَضِدِ

أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ في غَيرِ مَوْضِعِهَا * كَالقِطِّ يحْكِي انْتِفَاخَاً صُورَةَ الأَسَدِ

{ابْنُ رَشِيقٍ بِتَصَرُّف}

وَكَمْ مِنْ مَشْهُورِينَ لَيْسُواْ بمَوْهُوبِين، وَكَمْ مِنْ مَوْهُوبِينَ لَيْسُواْ بمَشْهُورِين 00!!

حَتىَّ النُّحَاةَ قَصَدْتهُمْ فَوَجَدْتهُمْ * ذُرِّيَّةً هِيَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ألَا صَدَقَ ابْنُ الرُّومِيِّ مَنْ قَال:

إِنَّ لَيْتَاً وَإِنَّ لَوَّاً عَنَاءُ

ص: 6143

وَأَقْسَى هَذِهِ المحَاوَلَاتِ المَرِيرَة؛ صَدْمَتي في الشَّخْصِيَّاتِ الشَّهِيرَة، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ وَقْعُ الصَّدْمَةِ في الْقُلُوب؛ عِنْدَمَا تُصْدَمُ في الإِنْسَانِ المَوْهُوب 00 فَقُولُواْ لي بِاللهِ عَلَيْكُمْ:

عَلَى أَيِّ بَابٍ أَطْلُبُ الإِذْنَ بَعْدَمَا * حُجِبْتُ عَنِ البَابِ الَّذِي أَنَا حَاجِبُه

{التُّوتُ الْيَمَانيّ}

بِالمِلْحِ نُصْلِحُ مَا نخْشَى تَغَيُّرَهُ * فَكَيْفَ بِالمِلْحِ لَوْ حَلَّتْ بِهِ الغِيرُ

الْوَاحِدُ مِنهُمْ قَدْ يَعْتَذِرُ عَنْ بَعْضِ لِقَاءَاتِ التِّلِيفِزْيُون، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُفَكِّرْ في التَّنوِيهِ بِأَصْدِقَائِهِ رَغْمَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ مَوْهُوبُون؛ أَيْنَ مَا قَرَأْنَاهُ عَنْ شَهَامَةِ الْعَرَب، وَمَا عُرِفُواْ بِهِ مِنَ الإِيثَار 00؟!

ص: 6144

أَيْنَ مَا دَرَسْنَاهُ في الأَدَب؛ عَنِ المُرُوءةِ مِنَ الأَخْبَارِ وَالأَشْعَار 00؟!

يَرْحَمُ اللهُ ذَلِكَ الحَكِيمَ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ صَدِيقَانِ كَانَا لَا يَفْتَرِقَان؛ فَسَأَلَ رِفَاقَهُ:

مَا بَالُهُمَا كَمُوسَى وَهَارُونَ لَا يَفْتَرِقَان 00؟!

فَقِيلَ لَهُ: صَدِيقَان؛ فَقَال: " فَمَا بَالي أَرَى أَحَدَهُمَا غَنِيَّاً وَالآخَرَ فَقِيرَا " 00؟!!

يَرحَمُ اللهُ زَمَانَاً؛ كَانَ الأُدَبَاءُ فِيهِ ثَمَراً بِلَا شَوْك؛ فَقَدْ أَصْبَحُواْ الْيَوْمَ شَوْكَاً بِلَا ثَمَر، وَكَانَتْ قُلُوبهُمْ رَقِيقَةً؛ فَصَارَتْ أَقْسَى مِنَ الحَجَر، وَكَانَ شِعَارُهُمْ: لَا عَاشَ مَن عَاشَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، أَمَّا شِعَارُهُمْ في هَذَا الزَّمَان: نَفْسِي نَفْسِي وَمِنْ بَعْدِيَ الطُّوفَان، فَنيَ الْعَصِيرُ وَبَقِيَ الثَّجِير 00!!

ص: 6145

وَكُنَّا نَسْتَطِبُّ إِذَا مَرِضْنَا * فَصَارَ سِقَامُنَا بِيَدِ الطَّبِيبِ

اخْتَفَى سُوقُ الأَدَب، وَطَفَا سُوءُ الأَدَب 00 عَلَى مَنْ تَقْرَأُ مَزَامِيرَكَ يَا دَاوُد 00؟!

غَزَلْتُ لهُمْ غَزْلاً رَقِيقَاً فَلَمْ أَجِدْ * لِغَزْليَ نَسَّاجَاً فَكَسَّرْتُ مِغْزَلي

* * * * *

وَلَوْ أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْني رِمَاحُهُمْ * نَطَقْتُ وَلَكِنَّ الرِّمَاحَ قِصَارُ

{عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِب 0 بِتَصَرُّف}

وَهَكَذَا: فَحِينَمَا ذَهَبْتُ أَتَلَفَّتُ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَال؛ حَتىَّ أَجِدَ أَخَاً أَوْ نِصْفَ أَخٍ يَقِفُ بجَانِبي في محْنَتي ـ وَالمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيه، وَرُبَّ أَخٍ لَكَ لَمْ تَلِدْهُ أُمُّك ـ لَمْ أَجِدْ 00

وَلَوْ أَنىِّ عَثَرْتُ عَلَى صَدِيقٍ * لأَنْسَتْني الصَّدَاقَةُ بَعْضَ هَمِّي

ص: 6146

صَحِبْتُ بمِصْرَ بَعْضَ النَّاسِ جَهْلاً * بِهِ وَنَبَذْتُهُ مِنْ بَعْدِ عِلْمِ

زَعَمْتُ بِأَنَّهُ خِلٌّ وَفىٌّ * فَكَذَّبَتِ اللَّيَالي فِيهِ زَعْمِي

صَدَقَ المُتَنَبيِّ عِنْدَمَا قَال:

شَرُّ البِلَادِ مَكَانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ * وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الإِنْسَانُ مَا يَصِمُ

أَيْنَ مَنْ كَانُواْ كِرَامَا * أَيْنَ أَخْلَاقُ الْقُدَامَى

كَمْ رَأَيْنَا في بِلَادِ النِّيلِ آلَامَاً جِسَامَا

مِن عَذَابٍ وَصِعَابٍ * كَسَّرَتْ مِنَّا الْعِظَامَا

لَيْسَ يَلْقَى مُبْدِعُوهَا * مِن أُوْلي الأَمْرِ اهْتِمَامَا

كَمْ لَيَالٍ قَدْ سَهِرْنَا * لَمْ نَذُقْ فِيهَا مَنَامَا

لَا تَلُمْني في كَلَامِي * أَدْرَكَ الْبَدْرُ التَّمَامَا

إِنَّهَا يَا صَاحِ سَاءَتْ * مُسْتَقَرَّاً وَمُقَامَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6147

مَا أَيْسَرَ أَنْ يَقُولَ المُفَكِّرُ أَوِ الأَدِيب: لَا نُرِيدُ لِلْعُمْيَانِ أَنْ يُبْصِرُواْ، وَلَكِنَّ الرَّغبَةَ في مَرْضَاةِ الله؛ هِيَ الَّتي تحْمِلُنَا عَلَى تحَمُّلِ المُعَانَاة 00!!

هَذَا 00 وَوَاللهِ مَا حَكَيْنَا كُلَّ مَا رَأَيْنَا، وَمَا اعْتَدَيْنَا وَلَا جَنَيْنَا، وَمِن غَيرِ ذَنْبٍ جُنيَ عَلَيْنَا 00!!

فَهَذَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِير، وَمَا خَفِيَ أَعْظَم 00!!

وَتَتَخَيَّلِ البَلَاء: الَّذِي لَقِيتُهُ بِهَؤُلَاء؛ تَتَوَاضَعُ لَهُمْ رَغْمَ عِلْمِكَ أَنَّ الكِبرَ عَلَى أَهْلِ الكِبرِ صَدَقَة!!

أَهَنْتُ لهُمْ نَفْسِي لأُكْرِمَهَا بِهِمْ * وَلَنْ يُكْرِمَ النَّفْسَ الَّذِي لَا يُهِينُهَا

{بَيْتٌ قَالَهُ أَعْرَابيّ}

وَلَرُبَّمَا انْتَفَعَ الفَتى بِعَدُوِّهِ * كَالسُّمِّ أَحْيَانَاً يَكُونُ دَوَاءَا

{الطِّغْرَائِيّ}

ص: 6148

إِنَّ الهَوَانَ لَا يَهُونُ إِلَاّ عَلَى الأَذِلَاّء 00

وَلَا يَنْسَى لهِيبَ السَّوْطِ إِلَاّ * إِذَا مَا شَاهَدَ العَلَفَ الحِمَارُ

* * * * *

وَإِنَّ الضَّغْنَ بَعْدَ الضَّغْنِ يَبْدُو * رُوَيْدَا بَاعِثَاً دَاءً دَفِينَا

{عَمْرُو بْنُ كُلْثُوم 0 بِتَصَرُّف}

فَالأَدِيبُ الحَسَّاسُ كَالمِرْآة: إِن أَرَيْتَهَا حَسَنَاً؛ أَرَتْكَ حَسَنَاً، وَإِن أَرَيْتَهَا قَبِيحَاً؛ أَرَتْكَ مَا أَرَيْتَهَا، أَوْ كَالأَرْض: إِنْ زَرَعْتَهَا تُفَّاحَاً أَنْبَتَتْ لَكَ تُفَّاحَاً، وَإِنْ زَرَعْتَهَا حَنْظَلاً؛ أَنْبَتَتْ لَكَ مَا زَرَعْتَهُ فِيهَا!!

فَتَاللهِ لَقَدْ كَانَا * بِأَيْدِيهِمْ أَنْ نَكُونَا

كَخَاتَمِ سُلَيْمَانَا * لَكِنَّهُمْ جَعَلُونَا

مِثْلَ عَصَا ابْنِ عِمْرَانَا * تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6149

هَذَا 00 وَإِنْ كَانَ مَطْلَبي فَقَطْ أَنْ تَنهَضَ المُرُوءةُ بِأَحَدِهِمْ فَيَتَوَسَّطَ لي عِنْدَ أَيَّةِ قَنَاةٍ مِنَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّة، الَّتي يَظْهَرُ فِيهَا بِصُورَةٍ دَوْرِيَّة، أَوْ لَدَى أَيِّةِ إِذَاعَةٍ محَلِّيَّة، أَوْ أَيَّةِ صَحِيفَةٍ مُعَارِضَةٍ أَوْ قَوْمِيَّة، وَلَكِنَّهُمُ اثَّاقَلُواْ إِلى الأَرْض 00!!

لَا أَدْرِي وَاللهِ مَاذَا أَقُول 00؟ غَيرَ أَن أُرَدِّدَ قَوْلَ الشَّاعِر:

وَكُلٌّ يَرَى طُرُقَ الشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى * وَلَكِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ قَائِدُ

{المُتَنَبيِّ}

لَيْتَهُمْ كَانُواْ قُرُودَاً فَحَكَوْا * شِيَمَ الفَضْلِ كَمَا تحْكِي القُرُودْ

{ابْنُ الرُّومِي}

وَلَكِن أَعُودُ فَأَقُول:

إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلمَرْءِ نَفْسٌ كَرِيمَةٌ * فَكَيْفَ سَتَسْعَى نَفْسُهُ لِلمَكَارِمِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6150

وَمَنْ لَمْ يجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورَاً؛ فَمَا لَهُ مِنْ نُور 00!!

يَتَحَدَّثُونَ عَنِ المَبَادِئِ وَالقِيَمْ * وَبِلَا ضَمَائِرَ هُمْ وَلَيْسَ لهُمْ ذِمَمْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

فَمَا أَدْرِي وَاللهِ كَيْفَ انحَطُّواْ إِلى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ الحِطَّة، وَهُمْ أَسَاتِذَةٌ في الأَدَب 00!!

قَوْمٌ تَوَاصَواْ بِتَرْكِ البرِّ بَيْنَهُمُ * تَقُولُ ذَا شَرُّهُمْ بَلْ ذَاكَ بَلْ هَذَا

{أَبُو نُوَاس}

الَّذِي يَقْدِرُ مِنهُمْ لَا يُقَدِّر، وَالَّذِي يُقَدِّرُ مِنهُمْ لَا يَقْدِر، هَذَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُقَدِّر 00!!

وَالَّذِي يَسْتَطِيع مِنهُمْ؛ لَيْسَتْ عِنْدَهُ مُرُوءة، وَالَّذِي عِنْدَهُ مُرُوءة؛ لَا يَسْتَطِيع، هَذَا 00 لَوْ وَجَدْتَ فِيهِمْ مَن عِنْدَهُ مُرُوءَ ة 00!!

ص: 6151

بِيئَةٌ وَبِيئَة، وَمَعَادِنُ رَدِيئَة 00 حَقَّاً وَاللهِ صَدَقَ المُتَنَبيِّ إِذْ يَقُول:

بِلَادٌ مَا اشْتَهَيْتَ رَأَيْتَ فِيهَا * فَلَمْ يَنْقُصْ بِهَا إِلَاّ الْكِرَامُ

* * * * *

إِلى اللهِ أَشْكُو أَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ * * مِنَ النَّاسِ أَفْني المَوْتُ خِيرَةَ أَهْلِهَا

* * * * *

فَلَمْ أَسَلْ قَطُّ عَنْ قَوْمٍ عَرَفْتُهُمُ * بِالجُودِ وَالفَضْلِ إِلَاّ قِيلَ قَدْ زَالُواْالُ

{أَبُو العَتَاهِيَة 0 بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" تَذْهَبُونَ الخَيِّرَ فَالخَيِّر " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2935، 1781، رَوَاهُ الحَاكِم]

ص: 6152

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى: جَعَلَ الدُّنيَا كُلَّهَا قَلِيلاً، وَمَا بَقِيَ مِنهَا إِلَاّ الْقَلِيلُ مِنَ الْقَلِيل، وَمَثَلُ مَا بَقِيَ مِنهَا كَالثَّغَب [بَقِيَّةُ المَاء]، شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُه " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7904]

وَهَكَذَا بَكَيْنَا مَرَّتَين: مَرَّةً عَلَى الأَحْيَاءِ غَيرِ الأَوْفِيَاء، وَأُخْرَى عَلَى الأَوْفِيَاءِ غَيرِ الأَحْيَاء 00

وَمَا حَيَاةُ امْرِئٍ أَمْسَتْ مَدَامِعُهُ * مَقْسُومَةً بَينَ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ

نَظْرَةُ المجْتَمَعِ إِلى المَوْهُوبِ غَيرِ المُؤَهَّل

ص: 6153

فَالمَرْءُ في الدُّوَلِ النَّامِيَةِ بمَكَانَتِهِ الَاجْتِمَاعيَةِ وَمَرْكَزِهِ المَرْمُوق، حَتىَّ وَلَو كَانَ أَحْمَقَ منْ دَبَّ وَدَرَج، لَا بِذَاتِهِ حَتىَّ لَوْ كَانَ أَعْظَمَ حَكِيمٍ فَوْقَ صَعِيدِ الأَرْضِ وَتحْتَ أَدِيمِ السَّمَاء؛ وَلِذَا سَفَّهُواْ كَلَامَ العُظَمَاء، وَعَظَّمُواْ كَلَامَ السُّفَهَاء؛ ذَلِكَ لأَنهُمْ؛ يَنْظُرُونَ أَوَّلَ مَا يَنْظُرُونَ إِلى شَهَادَةِ القَائِلِ وَلَيْسَ إِلى قَوْلِه؛ فَالمُؤَهَّلُ غَيرُ المَوْهُوبِ عِنْدَهُمْ؛ أَفْضَلُ بِكَثِيرٍ مِنَ المَوْهُوبِ غَيرِ المُؤَهَّل، وَلَوْ فَعَلَ لهُمْ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ بَشَر؛ لَقَالُواْ كَذَّابٌ أَشِر 00!!

ص: 6154

يُذَكِّرُني هَذَا وَاللهِ؛ بِالآيَةِ الكَرِيمَةِ الَّتي تَقُول: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابَاً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ {14} لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} {الحِجْر}

فَكَأَنيِّ بِلُقْمَانَ الحَكِيمِ الَّذِي سَارَتْ بخَبرِهِ الرُّكْبَان، وَصَارَ مَضْرِبَ الأَمْثَال، لَوْ ظَهَرَ لَقَالُواْ:

" مِن أَيِّ جَامِعَةٍ تخَرَّجَ السَّفِيه " 00؟!

بَلْ وَكَأَنيِّ بِالمُتَنَبيِّ لَوْ مَا انْتَفَضَ فَزَالَ القَبرُ وَالكَفَنُ ـ وَكَانَ قَدْ أُشِيعَ في مجْلِسِ كَافُورٍ الإِخْشِيدِيِّ أَنَّهُ قَدْ مَات؛ فَبَعَثَ إِلَيْهِ، بَعْدَ غَضْبَتِهِ عَلَيْهِ؛ بِأَبْيَاتٍ يَقُولُ لَهُ فِيهَا:

يَا مَنْ نُعِيتُ عَلَى بُعْدٍ بِمَجْلِسِهِ * كُلٌّ بِمَا زَعَمَ النَّاعُونَ مُرْتَهَنُ

ص: 6155

كَمْ قَدْ قُتِلْتُ وَكَمْ قَدْ مُتُّ عِنْدَكُمُ * ثُمَّ انْتَفَضْتُ فَزَالَ القَبرُ وَالكَفَنُ

كَأَنِّي بِهَذَا العِمْلَاقِ ـ عَلَى عِظَمِ مَكَانَتِهِ ـ لَوْ انْتَفَضَ فَزَالَ القَبْرُ وَالكَفَنُ؛ لأَعَادُوهُ إِلى قَبْرِهِ وَقَالُواْ لَهُ: مَا الَّذِي أَخْرَجَك 00؟! إِنَّهُ لَمْ يَعُدْ زَمَانَك 00!!

وَأَمَّا الفَيْلَسُوفُ الضَّرِير / أَبُو العَلَاءِ المَعَرِّيّ ـ الَّذِي تَطَيَّرُواْ بِهِ وَطَائِرُهُمْ مَعَهُمْ ـ فَكَأَني بِهِ لَوْ بُعِثَ مِنْ قَبرِهِ؛ لأَلقَوْهُ أَرْبَعَاً وَعِشْرِينَ سَاعَةً في التَّخْشِيبَةِ بحجَّةِ عَدَمِ حَمْلِ إِثْبَات شَخْصِيَّة 00!!

ص: 6156

هِجْرَةُ العُلَمَاء

أَصْبَحْتُ في الدُّنيَا أَرُوحُ وَأَغْتَدِي * وَإِخَالُني في غَيرِ أَرْضِي أَحْرُثُ

{ابْنُ الرُّومِي}

أَعِيشُ في وَطَني لَكِنْ كَمُغْتَرِبٍ * فِيهِ وَقَدْ قَلَّ في أَهْلِيهِ أَمْثَالي

{رَبُّ السَّيْفِ وَالْقَلَم / محْمُود سَامي البَارُودِي بِتَصَرُّف}

فَكَمْ حُرِمْنَا وَكَمْ ظُلِمْنَا * وَكَمْ رَأَيْنَا مِنَ الحَوَادِثْ

فَأَتْعَسُ الخَلْقِ فَيْلَسُوفٌ * وَكَاتِبٌ مُصْلِحٌ وَبَاحِثْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6157

حَقَّاً وَاللهِ: " أَوَّلُ مَا يَضِيعُ العَالِمُ بَينَ أَهْلِه " 00!!

أَلُو الْفَضْلِ في أَوْطَانِهِمْ غُرَبَاءُ * تَفِرُّ وَتَنأَى عَنهُمُ القُرَبَاءُ

{أَبُو العَلَاءِ المَعَرِّيّ}

حَدَّثَ الأَشْجَعِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: " إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ في الْعَالِمِ جِيرَانُه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 517/ 8]

وَانْظُرْ إِلى هِجْرَةِ العُلَمَاءِ مِنَ الدُّوَلِ النَّامِيَة، نَظَرَاً لِمَا يُعَانُونَ فِيهَا مِنَ الذُّلِّ وَالهَوَان، وَتَدَهْوُرِ حُقُوقِ الإِنْسَان، هَلْ لَوْ كَانْ في بِلَادِهِمْ خَير، كَانَ يَهْجُرُهَا الطِّير 00؟!

ص: 6159

يُشِيرُونَ بِالبَنَانِ إِلى عُظَمَاءِ الغَرْب، وَإِذَا مَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِعَظِيم؛ بَدَءُ واْ يَبْحَثُونَ فِيهِ عَنِ القِطَطِ الفَاطِسَةِ وَيخْتَلِقُونَ لَهُ الأَخْطَاء، كَاليَهُودِيِّ الَّذِي إِذَا لَقِيَ لحْمَاً رَخِيصَاً قَالَ إِنَّهُ مُنْتِن 00!!

وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ مَنْ يَتَبَنىَّ أَفْكَارِي؛ لجَعَلْتُ مِنَ الحَرَكَةِ الأَدَبِيَّةِ الَّتي هِيَ كَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ خَاوِيَةٍ عَلَى عُرُوشِهَا؛ أَفْضَلَ مِنْ قَصْرٍ مَشِيد 00!!

قَدْ يَقُولُ قَائِل: لَوْ كَانَ ذَا حِيلَةٍ لَتَحَوَّل 00

لَا يَسْكُنُ المَرْءُ في أَرْضٍ يُهَانُ بِهَا * إِلَاّ مِنَ العَجْزِ أَوْ مِنْ قِلَّةِ الحِيَلِ

* * * * *

ص: 6160

وَفي الأَرْضِ مَنأَىً لِلكَرِيمِ عَنِ الأَذَى * وَفِيهَا لِمَنْ عَانىَ مِنَ الظُّلْمِ مخْرَجُ

{الشَّنْفَرَى بِتَصَرُّف}

لَا تَصْبُوَنَّ إِلى وَطَن فِيهِ تُضَامُ وَتُمْتَهَن

وَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُقِيمَ بِحَيْثُ يَغْشَاكَ الدَّرَن

وَارْحَلْ عَنِ الدَّارِ الَّتي قَدْ تَعْتَرِيكَ بِهَا المحَن

وَطُفِ البِلَادَ فَأَيُّهَا أَرْضَاكَ فَاخْترْهُ سَكَن

{الحَرِيرِي صَاحِبُ المَقَامَات}

ص: 6161

عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتىَّ تَنْقَطِعَ التَّوْبَة، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتىَّ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا "[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 13426، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 16463 / إِحْيَاءُ التُّرَاث]

إِنَّ السَّفَرَ في الحَقِيقَةِ لَيْسَ أَمْرَاً يَسِيرَاً، بَلْ يحْتَاجُ مَالاً كَثِيرَاً: مَالٌ أُسَافِرُ بِهِ وَأُنْفِقُ مِنهُ في غُرْبَتي، وَمَالٌ يُنْفِقُ مِنهُ أَهْلِي في غَيْبَتي 00

ص: 6163

وَمَنْ يَدْرِي إِذَا سَافَرْتُ أَرْضَاً * أُرِيدُ العَيْشَ أَيَّهُمَا أُلَاقِي

أَفَالعَيْشَ الَّذِي أَنَا أَرْتجِيهِ * أَمِ الفَقْرَ الَّذِي أَنَاْ فِيهِ بَاقِ

{المُثَقِّبُ الْعَبْدِيّ 0 بِتَصَرُّف}

وَهَلْ يَصُونُ النَّاسُ دَمَاً ضَيَّعَهُ أَهْلُه 00؟!

سُبْحَانَ العَالِمِ بِأَحْوَالِ عِبَادِهِ؛ فَقَالَ لَهُمْ في نَفْسِ السُّورَة:

{إِلَاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلَا {98} فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوَّاً غَفُورَا} {النِّسَاء}

مَا ضَرَّ لَوْ وَسِعَتْنَا بِلَادُنَا 00؟!

ص: 6164

إِنَّ العَيْبَ في الحَقِيقَةِ لَيْسَ في البِلَاد، وَإِنَّمَا في طِبَاعِ العِبَاد، وَفي الظُّلْمِ وَالاِسْتِبْدَاد 00

لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلَادٌ بِأَهْلِهَا * وَلَكِنَّ أَخْلَاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ

{عَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ}

فَالأَدِيبُ في الدُّوَلِ المُتَخَلِّفَة: كُلَّمَا طَارَ كَسَرُواْ جَنَاحَه 0

كَمْ قَدْ ظُلِمْتُ كَثِيرَاً فِيكِ يَا بَلَدِي * وَلَمْ أَجِدْ قَوْلَةَ الإِنْصَافِ مِن أَحَدِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6165

لَقَدْ لَقِيتُ فِيهَا بَلَاءً مخْتَلِفَاً أَلوَانُه، لَوْ تحَدَّثْتُ بِهِ لَقِيلَ مجْنُون، وَلَوْ سَكَتُّ لأُصِبْتُ فِعْلاً بِالجُنُون؛ وَلِذَا مَلأَتْ كِتَابيَ الشُّجُون، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون؛ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنهَا فَإِن عُدْنَا فَإِنَّا ظَالمُون 0

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامَاً؛ يُرْفَعُ فِيهَا العِلْم، وَيَنْزِلُ فِيهَا الجَهْل " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (7065 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2672 / عَبْد البَاقِي]

ص: 6166

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعَاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَاد، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاء؛ حَتىَّ إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسَاً جُهَّالاً، فَسُئِلُواْ فَأَفْتَوْا بِغَيرِ عِلْمٍ فَضَلُّواْ وَأَضَلُّواْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (100 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2673 / عَبْد البَاقِي]

ص: 6167

وَلأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاء: يَكُونُ بِقَبْضَِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ رَفْعِ الْعِلْم 00

عَن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَظَرَ إِلىَ السَّمَاءِ يَوْمَاً فَقَال: " هَذَا أَوَانُ يُرْفَعُ الْعِلْم "[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان، وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيّ]

عَن أَبي أُمَيَّةَ اللَّخْمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الأَصَاغِر " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (2207، 695)، وَرَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]

ص: 6168

إِلى كَمْ مُقَامِي في بِلَادٍ كَهَذِهِ * تَسَاوَى بِهَا آسَادُهَا وَكِلَابُهَا

أُقَلِّدُهَا الدُّرَّ الثَّمِينَ وَإِنَّهُ * لَعَمْرُكَ شَيْءٌ أَنْكَرَتْهُ رِقَابُهَا

{بَهَاءُ الدِّينِ الزُّهَير}

أَبَيْتُ جِوَارَهَا أَرْضَا * بِغَيرِ الظُّلْمِ لَا تَرْضَى

بِلَادٌ ظُلْمُهَا أَمْسَى * عَلَى أَبْنَائِهَا فَرْضَا

فَلَوْ عَرَضَ الزَّمَانُ عَلَى * رِجَالِ بِلَادِنَا عَرْضَا

وَقَالَ مَنَحْتُكُمْ يَا قَوْ * مُ طُولَ الأَرْضِ وَالعَرْضَا

بِشَرْطٍ وَاحِدٍ أَنْ لَا * يُنَازِعَ بَعْضُكُمْ بَعْضَا

لَكَانَ جَوَابهُمْ في صَوْ *تِ رَجُلٍ وَاحِدٍ رَفْضَا

ص: 6169

نَظَرْتُ فَلمْ أَجِدْ في مِصْـ * ـرَ إِلَاّ الحِقْدَ وَالبُغْضَا

فَدَاءُ عَدَائِنَا اسْتَعْصَى * وَبَيْتُ إِخَائِنَا انْقَضَّا

مَسَكْتُ يَدَ الإِخَاءِ فَمَا * وَجَدْتُ بِقَلْبِهِ نَبْضَا

هُمُومٌ في نَوَاحِي الصَّدْرِ * يَزْحَمُ بَعْضُهَا بعْضَا

فَقَلْبي صَارَ مُسْتَشْفَى * وَكُلُّ جَوَارِحي مَرْضَى

{الشَّاعِرُ القَرَوِي / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

ص: 6170

الأَحْلَامُ وَالأَمَانيّ

وَلِذَا قُلْتُ أَخِيرَاً، بَعْدَمَا فَكَّرْتُ كَثِيرَاً: مَن أَرَادَ هُنَا تحْقِيقَ الأَحْلَام؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنَام؛ فَأَخْلَدْتُ إِلى الأَحْلَامِ وَالأُمْنِيَّات، وَقَضَيْتُ بِضْعَ سِنِينَ أُخْرَيَات:

أَحْيى عَلَى أَمَلِي وَكَمْ مِنْ شَاعِرٍ * يحْيى كَمَا أَحْيى عَلَى الأَوْهَامِ

وَإِذَا الحَقِيقَةُ أَعْجَزَتْكَ فَرُبَّمَا * أَدْرَكْتَ مَا أَعْيَاكَ بِالأَحْلَامِ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ محْمُود غُنيم}

ص: 6171

وَأَحْيَانَاً تخَفِّفُ الأَحْلَام؛ بَعْضَ مَا في اليَقَظَةِ مِن آلَام، غَيرَ أَنَّهُ وَبَعْدَ اليَقَظَةِ تَتَضَاعَفُ الآلَام 00

إِنَّ الأَمَانيَ وَالأَحْلَامَ تَضْلِيلُ

{كَعْبُ بْنُ زُهَيْر}

وَلَا عَيبَ في الأَحْلَامْ * إِلَاّ أَنَّهَا أَحْلَامْ

فَالحُبُّ الحَقِيقِي لَا * يُوجَدُ إِلَاّ في الأَفلَامْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6172

هَذَا هُوَ بِاخْتِصَارٍ مِشْوَارِي مَعَ العِلْم، أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جَاءنَا 00

عِشْرُونَ عَامَاً في طَريقِيَ سَائِرٌ * وَالمَرْءُ قَدْ يَبْلَى مَعَ الأَيَّامِ

وَحَسِبْتُ آلَامِي انْتَهَتْ لَمَّا انْتَهَى * فَإِذَا النِّهَايَةُ أَعْظَمُ الآلَامِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

كَقَوْمٍ سَرَواْ طِيلَةَ اللَّيْل، وَلَكِن أَصْبَحُواْ؛ وَلَمْ يحْمَدِ القَوْمُ السُّرَى 00!!

ص: 6173

تمَنىَّ أُنَاسٌ أَنْ يَنَالُواْ مَكَانَتي * وَلَمْ يَعْلَمُواْ كَيْفَ اجْتَرَعْتُ مَرِيرَهَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني 0 يُقَالُ جَرَعَ الدَّوَاءَ وَتجَرَّعَهُ وَاجْتَرَعَهُ، الْكُلُّ صَحِيح 0 لِسَانُ الْعَرَب}

كُنْتُ أَفْرَغُ مِنْ كِتَابٍ لأَبْدَأَ في كِتَاب، وَمَا كُنْتُ أَنَامُ حَتىَّ يَنَامَ ظَالِعُ الكِلَاب، أَوْ يَتَبَيَّنَ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر 00!!

دَهْرٌ مَضَى وَأَنَا في المَكْتَبَاتِ صَبي * قَصِيدَةُ الشِّعْرِ أُمِّي وَالْكِتَابُ أَبي

بَيْنَ المَرَاجِعِ أَقْضِي الْيَوْمَ في نَهَمٍ * حَتىَّ لَقَدْ عَرَفَتْني أَرْفُفُ الْكُتُبِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

أَضُمُّ الْكِتَابَ إِلى أَضْلُعِي * كَأَنيِّ مَلَكْتُ الثُّرَيَّا مَعِي

ص: 6174

لَكَ اللهُ يَا حَافِظ؛ كَأَنَّكَ تُعَبِّرُ عَمَّا يجِيشُ في صَدْرِي وَأَنْتَ تَقُول:

أَفَتِلْكَ عَاقِبَتي وَذَاكَ مَآلي * خُطُّواْ المَضَاجِعَ وَادْفِنُواْ آمَاليالِ

لَا تَخْدَعُوني بِالمُنى وَحَدِيثِهَا * قَدْ كَانَ ذَلِكَ في الزَّمَانِ الخَاليالِ

فَلَقَدْ بَرِمْتُ بِمِصْرَ حِينَ وَجَدْتُّهَا * قَبرَ النُّبُوغِ وَمَسْرَحَ الجُهَّالِ

بَلَدٌ تَسَرْبَلَ بِالحَرِيرِ جَهُولُهُ * وَمَشَى الأَدِيبُ بِهِ بِلَا سِرْبَالِ

إِنْ شِئْتَ أَنْ تحْيَا بِمِصْرَ فَلَا تَكُن * حَيَّ الضَّمِيرِ تَعِشْ خَلِيَّ البَالِ

وَاظْفَرْ بِذِي جَاهٍ فَعِشْ في ظِلِّهِ * أَوْ عِشْ بِلَا جَاهٍ وَلَا أَمْوَالِ

اللهُ يَشْهَدُ لَوْ أَرَدْتُّ بَلَغْتُهُ * لَكِنَّ مَاءَ الوَجْهِ عِنْدِي غَاليالِ

ص: 6175

وَمِنَ العَجَائِبِ وَالعَجَائِبُ جَمَّةٌ * قُرْبُ الدَّوَاءِ وَمَا إِلَيْهِ وُصُولُ

كَالنُّوقِ في البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا * وَالمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا محْمُولُ

* * * * *

صَبَرْنَا إِلى أَنْ مَلَّ مِنْ صَبْرِنَا الصَّبْرُ * وَقُلْنَا غَدَاً أَوْ بَعْدَهُ يَنْجَلِي الأَمْرُ

سَلَامٌ عَلَى الدُّنيَا سَلَامٌ عَلَى الوَرَى * إِذَا مَا عَلَا الْعُصْفُورُ وَانخَفَضَ النَّسْرُ

سَيَذْكُرُني قَوْمِي إِذَا عِيبَ جَهْلُهُمْ * وَفي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ

{البَيْتُ الأَخِيرُ فَقَطْ لأَبي فِرَاسٍ الحَمَدَانيِّ بِتَصَرُّف}

ص: 6176

الذَّنْبُ يَرْجِعُ لِلصَّحَافَة * وَإِلى وَزَارَاتِ السَّخَافَة

كَمْ قَدَّمُواْ لِلنَّاسِ فَنَّاً هَابِطَاً بِاسْمِ الثَّقَافَة

كَمْ عَبْقَرِيٍّ ضَيَّعُوهُ كَانَ يُعْرَفُ بِالحَصَافَة

مَا حَاوَلَتْ تِلْكَ الجِهَاتُ الْبَحْثَ عَنهُ وَاكْتِشَافَة

أَكَلَ الْبُقُولَ وَغَيْرُهُ أَكَلَ الْقَطَائِفَ وَالْكُنَافَة

كَمْ بَينَ مِصْرٍ وَالتَّقَدُّمِ يَا صَدِيقِي مِنْ مَسَافَة

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6177

أَلَا فَابْكُواْ:

فَتىً غَضَّ الإِهَابِ دَفَنْتُمُوهُ * بِآمَالٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدُ

زَمَانٌ ضَاعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ * فَلَا المَأْمُونُ فِيهِ وَلَا الرَّشِيدُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني، بِاسْتِثْنَاءِ المِصْرَاعِ الثَّاني مِنَ الْبَيْتِ الأَوَّلِ فَهُوَ لَابْنِ الرُّومِي}

دَوْرُ الأَغْنِيَاءِ في رِعَايَةِ العُلَمَاء

لَقَدْ كَانَتْ بهَذَا البَيْتِ المَرِيرِ خَاتمَةُ الكِتَاب، وَلَكِنْ كَعَادَةِ القُرَّاءِ الَّذِينَ أَكْثرُهُمْ مِنَ الشَّبَاب: لَا يحِبُّونَ النِّهَايَةَ الأَلِيمَة، حَتىَّ وَإِنْ كَانَتْ صَادِقَة، وَلِذَا أَسُوقُ إِلَيْكُمْ بَعْضَ العِبَارَاتِ المُنِيرَةِ الزَّاهِيَة، بَعْدَ تِلْكَ العَبرَاتِ المَرِيرَةِ الدَّامِيَة 00

ص: 6178

إِنَّ القَارِئَ بِطَبِيعَتِهِ ضَعِيفُ الكَاهِل، وَلَعَلَّهُ أَمْسَكَ بِالْكِتَابِ لِيَهْرَبَ مِنَ الهُمُومِ وَالمَشَاكِل، لَا لِيَقْرَأَ فِيهِ عَنهَا؛ فَلَدَيْهِ مَا يَكْفِيهِ مِنهَا؛ وَلِذَا أُضِيفُ وُرَيْقَاتٍ يَسِيرَة، إِلى هَذِهِ الخَاتمَةِ الأَخِيرَة؛ لأَرْسِمَ بهَا الَابْتِسَامَةَ عَلَى شَفَتَيْه، وَأُقِرَّ بِذَلِكَ عَيْنَيْه، وَأُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَيْه 00

وَلَكِنْ يَعَزُّ عَلَيَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ ثَرْوَتِنَا في الآلَامِ وَالأَحْلَام، وَأَنْ يَنْقَضِيَ الأَمْرُ عَلَى مجَرَّدِ كَلَام، عَلَيْكَ يَا أَخِي؛ كُلَّمَا رَأَيْتَ بَاحِثَاً مَوْهُوبَاً، أَوْ عَالِمَاً محْبُوبَاً، وَرَأَيْتَ أَنَّكَ بِهِ مَبْهُور؛ أَنْ تَتَذَكَّرَ أَنَّ في الدُّوَلِ الفَقِيرَةِ أَلْفُ بَاحِثٍ هُوَ أَفْضَلُ مِنهُ غَيرُ مَشْهُور، ادْعُ اللهَ لَهُمْ وَأَنْتَ سَاجِد، وَكُنْ لَهُمْ خَيرَ مُسَاعِد 00

ص: 6179

هَذَا عَنْ جُهْدِ المُقِلّ، الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ غَيرَهُ محْدُودُ الدَّخْل، أَمَّا مِنَ النَّاحِيَةِ السَّرِيعَةِ وَالْعَمَلِيَّة: فَهَذَا كَمَا قُلْنَا آنِفَاً عَلَى الطَّبَقَةِ الثَّرِيَّة، فَمِنَ المُؤْسِفِ أَنْ تَسْبِقَنَا الدُّولُ الكَافِرَة؛ في تَبَنيِّ المَوْهُوبِينَ وَالعَبَاقِرَة، إِنَّ الأَعْمَالَ الخَيرِيَّةَ في الدُّوَلِ المُتَقَدِّمَات؛ تَقُومُ عَلَى الجُهُودِ الذَّاتِيَّةِ وَالتَّبرُّعَات، وَلَيْسَ عَلَى الحُكُومَات 00

لَيْتَ رِجَالَ الأَعْمَالِ العَرَب؛ يَلْتَفِتُونَ قَلِيلاً إِلى أَوْطَانهِمْ، وَيَنْظُرُونَ بِعَينِ الرَّحْمَةِ إِلى المُبْدِعِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ مِنَ التَّعَب، وَرُبَّمَا لَا يجِدُ أَهْلُوهُمْ ثمَنَ أَكْفَانهِمْ، أَلَا تَأْخُذُهُمْ فِيهِمْ رَأْفَة 00؟!

ص: 6180

لَيْتَهُمْ يُنْشِؤُونَ جَمْعِيَّةً خَيرِيَّةً لِتَبَنِّيهِمْ مَادِّيَّاً وَأَدَبِيَّاً؛ فَهُمْ أَوْلى مِنَ المُعَوَّقِينَ ذِهْنِيَّاً، وَالمَوْهُوبِينَ فَنِيَّاً، وَالأُمَّةُ في حَاجَةٍ إِلى عُقُولِهِمُ الجِسَام، لَا سِيَّمَا في مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّام، الَّتي تُبَاعُ فِيهَا وَتُشْتَرَى أُمَّةُ الإِسْلَام 00

هَلْ لَاعِبُ الكُرَةِ وَالمُغَنيِّ عِنْدَنَا؛ أَفْضَلُ مِنَ المُفَكِّرِ أَوِ الكَاتِبِ الإِسْلَامِيّ؛ حَتىَّ نُنْشِئَ مَدَارِسَ لِرِعَايَةِ المَوْهُوبِينَ رِيَاضِيَّاً، وَنَتْرُكَ المَوْهُوبِينَ عِلْمِيَّاً وَفِكْرِيَّاً وَأَدَبِيَّاً 00؟!

ص: 6181

يَقُولُ الْكَاتِبُ الْكَبِير أَحْمَد بَهْجَت بِتَصَرُّف: " عِنْدَما انهارَ الاِتحَادُ السُّوفِيتي؛ كُلُّ دُوَلِ العَالَمِ أَخَذَتْ عُلَمَاءَ الذَّرَّة ـ الَّذِينَ كَانَ الْوَاحِدُ مِنهُمْ يَعِيشُ عِيشَةَ مَلِكٍ في رُوسْيَا 00

وَكَانَ أَقَلُّ مَنْ مَعَهُ * لَهُ عِشْرُونَ طَبَّاخَا

{ابْنُ الرُّومِي}

إِلَاّ نحنُ ـ مَعْشَرَ العَرَب ـ أَخَذْنَا رَاقِصَاتِ البَالِيه " 00!!

مَنِ الَّذِي سَيَتَصَدَّى لإِسْرَائِيلَ إِنْ كَرَّرَتْ فِكْرَةَ الغَزْوِ لمِصْرَ مَرَّةً أُخْرَى 00؟!

ص: 6182

هَلْ {فُلَانٌ} : لَاعِبُ الكُرَةِ الْوَجِيه، أَوْ {فُلَانَةٌ}: رَاقِصَةُ الْبَالِيه؛ هُمُ الَّذِينَ سَيَتَصَدَّوْنَ لَهُمْ، أَمِ الأَسْمَاءُ المُشْرِقَة / كَالدُّكْتُور مُصْطَفَى مُشَرَّفَة، وَالإِمَامِ المُصْلِح محَمَّد عَبْدُه، وَالمَوْهُوبُونَ فِكْرِيَّاً وَإِدَارِيَّاً وَعِلْمِيَّاً وَعَسْكَرِيَّاً، كَمْ مِنْ مُبْدِعِينَ مِن أَمْثَالِ هَؤُلَاء؛ دَفَنَهُمُ الإِهْمَالُ وَهُمْ أَحْيَاء، عَاشُواْ وَمَاتُواْ في الظَّلَام، جَهِلَتْهُمْ أَوْ قُلْ تجَاهَلَتْهُمْ أَجْهِزَةُ الإِعْلَام 00!!!

أَرْضُ الْكِنَانَةِ مُنْجِبَة * كَمْ أَنْبَتَتْ مِنْ مَوْهِبَة

لَكِنَّمَا تِلْكَ المَوَاهِبُ وَالْعُقُولُ مُعَذَّبَة

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6183

إِنَّ رِعَايَتَهُمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ المُرُوءَ ةِ وَإِنْزَالِ النَّاسِ مَنَازِلهَمْ؛ لَكَانَتْ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:

{وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ مِن خَيرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله} {المُزَّمِّل: 20}

لَيْتَ شِعْرِي:

هَلْ لَوْ لَمْ يخْلُقِ اللهُ جَنَّةً أَوْ نَارَاً؛ مَا كُنْتَ تَلْقَى أَهْلاً لِلمَعْرُوف 00؟!

هَلْ لَوْ لَمْ يجْعَلِ اللهُ ثَوَابَاً وَعِقَابَاً؛ مَا كُنْتَ تَلْقَى لِلخَيرِ أَحْبَابَاً 00؟!

عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 6184

" صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْء، وَالصَّدَقَةُ خُفْيَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ في العُمُر، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَة، وَأَهْلُ المَعْرُوفِ في الدُّنيَا هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ في الآخِرَة، وَأَهْلُ المُنْكَرِ في الدُّنيَا هُمْ أَهْلُ المُنْكَرِ في الآخِرَة " 0

[صَحَّحَهُ شَيْخُ المحَدِّثِينَ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجامِعِ " بِرَقْم: (3796)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ]

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَهْلُ المَعْرُوف " 0

[ضَعَّفَهَا شَيْخُ المحَدِّثِينَ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " إِثْرَ الحَدِيثِ السَّابِق، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ]

ص: 6185

لَيْتَني أَجِدُ مَنْ يَتَبَنىَّ فِكْرَةَ إِنْشَاءِ هَذِهِ الجَمْعِيَّة، أَوْ إِصْدَارِ مجَلَّةٍ أَدَبِيَّة، تُعْنىَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّة، وَتَرْعَى المَوَاهِبَ الأَدَبِيَّة، وَتخْلُو مِنَ المجَامَلَةِ وَالمحْسُوبِيَّة؛ حَتى نُعِيدَ بِهَا تِلْكَ العُصُورِ الذَّهَبِيَّة 0

فَأَكْثَرُ المجَلَاّتِ المَوْجُودَةِ غَايَةٌ في الرَّدَاءة؛ وَلَا تَتَمَتَّعُ بِالْكَفَاءة، وَلَا تَسْتَحِقُّ حَتىَّ الْقِرَاءة،

وَلنَتَذَكَّرْ أَنَّ ضَبْطَ العَمَل؛ أَهَمُّ مِنَ العَمَل، وَاخْتِيَارُ الإِدَارَة؛ أَوَّلُ خُطْوَةٍ في طَرِيقِ المَهَارَة،

وَالشَّخْصُ المُنَاسِبُ لَيْسَ فَقَطْ أَنْ يَكُونَ مِنَ العَبَاقِرَة، بَلْ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَنَفْسٍ طَاهِرَة،

وَحِسٍّ أَدَبيٍّ وَطَبِيعَةٍ شَاعِرَة 0

ص: 6186

فَمِمَّا يُؤْثَرُ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَوْلُه:

" إِلى اللهِ أَشْكُو ضَعْفَ الأَمِينِ وَقُوَّةَ الخَائِن " 0

[المَيْدَانيُّ في مجْمَعِ الأَمْثَالِ بِتَصَرُّف 0 ص: 452/ 2]

وَلَيْسَ شَرْطَاً أَنْ يَكُونَ حَاصِلاً عَلَى أَعْلَى الشَّهَادَات؛ لأَنَّ الدِّرَاسَةَ تُعْطِي عِلْمَاً وَلَا تُعْطِي مَوْهِبَةً، فَكُلُّ مَوْهُوبٍ دَارِس، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ دَارِسٍ مَوْهُوبَا، وَلَا كُلُّ مَنْ نَالَ الدُّكْتُورَاةَ في الأَدَبِ أَدِيبَاً؛ فَكَمْ مِنْ مُتَخَصِّصٍ في شَيْءٍ غَيرِ مَوْهُوبٍ فِيه، وَكَمْ مِنْ مَوْهُوبٍ في شَيْءٍ غَيرِ مُتَخَصِّصٍ فِيه 00

ص: 6187

وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الَّذِي تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ المُبْدِعِينَ أَكْثَرَ مِنهُمْ إِبْدَاعَاً؛ وَأَطْوَلَ مِنهُمْ بَاعَاً، إِنَّنَا نُعَلِّقُ الآمَال؛ عَلَى اللهِ ثمَّ عَلَى أَهْلِ المَعْرُوفِ مِنْ رِجَالِ الأَعْمَال، لَيْتَهُمْ يَهْتَمُّونَ وَلَوْ قَلِيلاً بِالدِّين، كَمَا يَهْتَمُّونَ بِالدُّنيَا، لَيْتَهُمْ يَعْمَلُونَ عَمَلاً عَظِيمَاً مِن أَجْلِ الدِّين، كَمَا يَعْمَلُونَ أَعْمَالاً عَظِيمَةً مِن أَجْلِ الدُّنيَا، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَهْلَ خَيرٍ صَالحِين، يَعْطِفُونَ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين، إلَاّ أَنَّ في العُلَمَاءِ وَالبَاحِثِين؛ مَن هُمْ أَشَدُّ مِنهُمْ مَسْكَنَةً وَفَقْرَا 00

مَسَاكِينُ أَهْلُ العِلْمِ حَتىَّ قُبُورُهُمْ * عَلَيْهَا تُرَابُ الذُّلِّ بَينَ المَقَابِرِ

* * * * *

ص: 6188

وَالنَّاسُ بِالنَّاسِ مَا دَامَ السَّخَاءُ بهِمْ * وَالعُسْرُ وَاليُسْرُ سَاعَاتٌ وَأَوْقَاتُ

وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَا بَينَ الوَرَى رَجُلٌ? * تُقْضَى عَلَى يَدِهِ لِلنَّاسِ حَاجَاتُ

كَمْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ فَضَائِلُهُمْ * وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ في النَّاسِ أَمْوَاتُ

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلَاثَة: إِلَاّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَة، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِه، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: (1631)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 43655]

ص: 6189

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ عِلمَاً عَلَّمَهُ وَنَشَرَه، وَوَلَدَاً صَالحَاً تَرَكَه، وَمُصْحَفَاً وَرَّثَه، أَوْ مَسْجِدَاً بَنَاه، أَوْ بَيْتَاً لَابْنِ السَّبِيلِ بَنَاه " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: (242)، وَالحَدِيثُ في الكَنْزِ بِرَقْم: 43657]

وَأَعُودُ إِلى قُرَّائِيَ الأَعِزَّاء، وَإِلى الجَانِبِ المُشْرِقِ في حَيَاةِ العُلَمَاء، وَالَّذِي يُسَاعِدُهُمْ عَلَى مُوَاصَلَةِ العَطَاء، وَعَلَى اسْتِئْنَافِ العَمَل؛ أَلَا وَهُوَ التَّفَاؤُلُ الأَمَل 0

ص: 6190

بِالأَمَلِ تَسْتَمِرُّ الحَيَاة

المَلَكُ الكَرِيم: تَعَبٌ يَطُولُ مَعَ الرَّجَاءِ لِكَادِحٍ * خَيْرٌ لَهُ مِنْ رَاحَةٍ في اليَأْسِ

{الْعَبَّاسُ بْنُ الأَحْنَف 0 بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف}

كُنْ ثَابِتَاً مِثْلَ الجَبَلْ * مَهْمَا تُوَاجِهُ يَا بَطَلْ

لَا تَنْدُبَنَّ مُصِيبَةً أَوْ تَبْكِيَنَّ عَلَى طَلَلْ

أَوْ تَيْأَسَنَّ لِعَثْرَةٍ فَالْيَأْسُ مِفْتَاحُ الْفَشَلْ

وَكَأَنَّني بِكَ عَنْ قَرِيبٍ سَوْفَ تَرْفُلُ في الحُلَلْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 6191

وَتَقَدَّسْتْ أَسْمَاءُ مَنْ قَال:

{وَلَا تَيْأَسُواْ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَاّ القَوْمُ الكَافِرُونَ} {يُوسُف/87}

الرَّوْحُ هُوَ النَّسِيمُ العَلِيل، وَالرِّيحُ الطَّيِّبَة، وَرَوْحُ اللهِ أَيْ فَرَجُهُ وَرَحْمَتُه 0 {اللِّسَان، القُرْطُبي}

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقَال:

" الشِّرْكُ بِالله، وَالإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ الله، وَالقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله " 0

[حَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (4603، 2051)، وَوَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط]

ص: 6192

فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا * وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ

بَيْنَمَا عِيسَى عليه السلام جَالِس، وبجِوَارِهِ شَيْخٌ يَعْمَلُ بِالمحْرَاثِ في أَرْضِه؛ إِذ قَالَ عليه السلام:" اللهُمَّ انْزَعْ مِنهُ الأَمَل " 00 فَوَضَعَ الشَّيْخُ المحْرَاثَ وَاضْطَجَعَ عَلَى الأَرْض 00!!

فَلَبِثَ عليه السلام سَاعَةً ثمَّ قَال ـ وَالرَّجُلُ عَلَى هَذِهِ الحَال: " اللهُمَّ ارْدُدْ إِلَيْهِ الأَمَل " فَنَهَضَ الرَّجُلُ وَأَخَذَ المحْرَاثَ وَجَعَلَ يَعْمَل 00!!

ص: 6193

فَتَعَجَّبَ نَبيُّ اللهِ عِيسَى عليه السلام، وَسَأَلَ الرَّجُلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: بَيْنَمَا أَنَا أَعْمَلُ إِذْ قَالَتْ لي نَفْسِي: إِلى مَتى تَعْمَلُ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِير؛ فَأَلقَيْتُ المحْرَاثَ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى الأَرْض، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَالَتْ لي نَفْسِي: وَاللهِ لَا بُدَّ مِنَ العَيْشِ مَا بَقِيت؛ فَقُمْتُ إِلى محْرَاثِي 00!!

[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ 0 طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِيّ 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 كِتَابُ ذِكرِ المَوْتِ: 1841]

ص: 6194

العَزْمُ وَالجِدّفَعَلَيْكَ أَنْ تَسْعَى وَلَيْسَ عَلَيْكَ إِدْرَاكُ النَّجَاحْ

{بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانيّ}

عَلَى المَرْءِ أَنْ يَسْعَى بِمَا يَسْتَطِيعُهُ * وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَاعِدَهُ الدَّهْرُ

*******

فَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مَنَالٌ * إِذَا مَا الجِدُّ كَانَ لهُمْ رِكَابَا

وَمَا نَيْلُ المَطَامِحِ بِالتَّمَنيِّ * وَلَكِنْ تُؤْخَذُ الدُّنيَا غِلَابَا

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

ص: 6195

وَمَنْ رَامَ نَيْلَ العُلَا لَمْ يَنَمْ

{المُتَنَبيِّ}

حُبُّ السَّلَامَةِ يُثْني عَزْمَ صَاحِبِهِ * عَن المَعَالي وَيُغْرِي المَرْءَ بِالكَسَلِ

{الطِّغْرَائِيّ}

وَمَنْ طَلَبَ العُلَا سَهِرَ اللَّيَالي

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

وَلَمْ يَبْعُدْ عَلَى نَفْسٍ مَرَامٌ * إِذَا رَكِبَتْ لَهُ الهِمَمَ البِعَادَا

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

ص: 6196

فَالجِدُّ يُدْنِي كُلَّ أَمْرٍ شَاسِعٍ * وَالجِدُّ يَفْتَحُ كُلَّ بَابٍ مُغْلَقِ

{الإِمَامُ الشَّافِعِيّ}

عَزْمُ الشَّبَابِ هُوَ القَضَاءُ وَمُبْتَغَاهُ هُوَ القَدَرْ

فَارْفَعْ جَبِينَكَ لِلحَيَاةِ وَلَا تَذِلَّ لِمُقْتَدِرْ

الكَوْنُ مِلْكُكَ وَالحَيَاةُ بِعَزْمِ أَمْرِكَ تَأْتَمرْ

مَا شِئْتَ مِن حَقٍّ فَلَا تَنهَضْ إِلَيْهِ عَلَى حَذَرْ

تَسْعَى الذِّئَابُ لِصَيْدِهَا وَسْطَ الظَّلَامِ المُنْتَشِرْ

أَمَّا الأُسُودُ فَلَا تخَافُ المَوْتَ أَو تخْشَى الخَطَرْ

ص: 6197

كُنْ كَالصُّقُورِ مُقَامُهَا فَوْقَ السَّحَابِ مَعَ القَمَرْ

لَا كَالغُرَابِ يُطَارِدُ الجِيَفَ الحَقِيرَةَ في الحُفَرْ

مَنْ ذَلَّ تَدْهَكُهُ السَّنَابِكُ في مَتَاهَاتِ العُمُرْ

وَتَلِينُ غَّطْرَسَةُ الزَّمَانِ إِلى الأَبيِّ مِنَ البَشَرْ

{مُصْطَفَى عِكْرِمَة، أَوْ عِيسَى النَّاعُورِي؟}

ص: 6198

سِرُّ النَّجَاحِ إِلى الأَمَامْ * فَإِلى الأَمَامِ عَلَى الدَّوَامْ

وَإِلى الأَمَام أَكَانَ عَصْرُكَ عَصْرَ حَرْبٍ أَوْ سَلَامْ

نِعْمَ الشِّعَارُ لِمَن أَرَادَ لِنَفْسِهِ عَيْشَ الكِرَامْ

زَاحِمْ وَسِرْ نحْوَ الأَمَامِ فَإِنَّمَا الدُّنيَا زِحَامْ

هِيَ مَوْكِبٌ مَنْ نَامَ فِيهِ فَلَنْ يَكُونَ لَهُ قِيَامْ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 6199

إذَا المَرْءُ يَوْمَاً أَرَادَ الحَيَاةَ * فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ

وَلَا بُدَّ لِلَّيْلِ أَنْ يَنْجَلِي * وَلَا بُدَّ لِلقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِرْ

{أَبُو الْقَاسِمِ الشَّابي}

لِذَا امْتَطَيْتُ الجِدَّ في المَنْشَطِ وَالمَكْرَه، وَحَلَفْتُ باللهِ:

لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنى * فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلَاّ لِصَابِرِ

ص: 6200

فَقُلْتُ يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبي؛ فَحَسَرْتُ عَنْ ذرَاعَيَّ، وَشَمَّرْتُ عَنْ سَاقَيَّ، وَجَمَعْتُ لِلأَمْرِ جَرَامِيزي، وَشَدَدْتُ لَهُ حَيَازِيمي، وَقَرَعْتُ لَهُ ظُنْبُوبي، وَوَضَعْتُ حَبْلِي عَلَى غَاربي، وَأَلْقَيْتُ دَلْوِيَ في الدِّلَاءِ، ثُمَّ مخَرْتُ في بحْرِ الحَيَاةِ بِذَاتِ أَلوَاحٍ وَدُسُر 00!!

وَجُدْتُ بِنَفْسٍ لَا يجَادُ بمِثْلِهَا * وَقُلْتُ اطْمَئِنيِّ حِينَ سَاءَتْ ظُنُونهَا

* * * * *

ص: 6201

حَتىَّ * رَكِبْتُ * المَوْتَا * في * سَبِيلِ * الحَيَاةِ

وَمَنْ * ضَاقَ * ذَرْعُهُ * رَكِبَ * المُعْجِزَاتِ

- أَنَا الغَرِيقُ فَمَا خَوْفي مِنَ البَلَلِ -

{المُتَنَبيِّ}

وَضَرَبْتُ بِفَقْرِيَ عُرْضَ الحَائِط، بَلْ وَتحَدَّيْتُهُ قائلاً:

يَا فَقْرُ جُرْ وَافْعَلْ مَعِي مَا شِئْتَهُ لَن أَنْتَحِرْ

مَنْ كَانَ يَا فَقْرِي بِقَعْرِ البِئْرِ كَيْفَ سَيَنحَدِرْ

- لَيْسَ بَعْدَ المَوْتِ مَوْتُ -

ص: 6202

فَإِنْ تَكُنِ الخَنْسَاءَ إِنيَ صَخْرُهَا * وَإِنْ تَكُنِ الزَّبَّاءَ إِنيِّ قَصِيرُهَا

وَبَعْدَ أَنْ كُنْتُ أَشْكُو مِنَ الفَقْرِ أَصْبَحْتُ أَقُولُ لِنَفْسِي:

لَا تَلْقَ فَقْرَكَ إِلَاّ غَيرَ مُكْتَرِثٍ * مَا دَامَ يَصْحَبُ فِيهِ رُوحَكَ البَدَنُ

{المُتَنَبيِّ}

وَعِشْتُ لآمَالي * وَاسْتَعْذَبْتُ التَّعْذِيبَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

أَبَدَاً لَنْ تُخْنَقَ آمَالي * سَأُحَطِّمُ يَوْمَاً أَغْلَالي

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي}

ص: 6203

أَجْرُ العَبْدِ عَلَى حُزْنِه

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعَبْد، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُكَفِّرُهَا مِنَ العَمَل؛ ابْتَلَاهُ اللهُ عز وجل بِالحُزْنِ لِيُكَفِّرَهَا عَنْهُ " 0 [حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع ص: (192/ 10)، وَالحَدِيثُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 24708]

ص: 6204

وَقِيلَ إِنَّ نَبيَّ اللهِ دَاوُدَ عليه السلام قَالَ لِرَبِّهِ: " يَا رَبّ، مَا جَزَاءُ الحَزِينِ الَّذِي يَصْبرُ عَلَى المَصَائِبِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِك؟ قَالَ عز وجل: " جَزَاؤُهُ: أَن أُلْبِسَهُ لِبَاسَ الإِيمَانِ فَلَا أَنْزِعُهُ عَنهُ أَبَدَا "

[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ في " كِتَابِ الصَّبرِ وَالشُّكْر " ص: 1415]

وَتَذَكَّرْ أَنَّ انْدِثَارَ الْكُتَّابِ أَمَارَةٌ مِن أَمَارَاتِ السَّاعَة: أَنْ يَظْهَرَ الْعِلْم، وَتَتَرَاجَعَ الْكِتَابَةُ وَالأَدَب 00

ص: 6205

عَن عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَفْشُوَ المَالُ وَيَكْثُر، وَتَفْشُوَ التِّجَارَة، وَيَظْهَرَ العِلْم، وَيَبِيعَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ فَيَقُول: لَا حَتىَّ أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَني فُلَان، وَيُلْتَمَسَ في الحَيِّ العَظِيمِ الْكَاتِبُ فَلَا يُوجَد " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4456]

فَلَا تَبْكِ عَلَى فَوْتِ مَا قَدْ فَات، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ آت 00

{مَن عَمِلَ صَالِحَاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} {النَّحْل/97}

ص: 6206

عَن الزُّبَيرِ بْنِ عَدِيٍّ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اصْبِرُواْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَاّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتىَّ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 7068 / فَتْح]

وَلِذَا صِرْتُ أَقُولُ لِهَذَا الزَّمَنِ الْعَجِيب:

لَا أَرْتَضِيكَ وَإِنْ صَفَوْتَ لأَنَّني * أَدْرِي بِأَنَّكَ لَا تَدُومُ عَلَى الصَّفَا

زَمَنٌ إِذَا أَعْطَى اسْتَرَدَّ عَطَاءَهُ * وَإِذَا قَسَا هَيْهَاتَ أَنْ يَتَعَطَّفَا

{تَمِيمُ بْنُ المُعِزِّ المِصْرِيّ بِتَصَرُّف}

ص: 6207

وَصِرْتُ كُلَّمَا وَقَعَتْ عَيْنَايَ عَلَى هَذَا البَيْتِ القَائِل:

غَزَلْتُ لَهُمْ غَزْلاً رَقِيقَاً فَلَمْ أَجِدْ * لِغَزْليَ نَسَّاجَاً فَكَسَّرْتُ مِغْزَلي

تهَكَّمْتُ بِصَاحِبِهِ وَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَفَتُرِيدِينَ أَنْ تَكُوني كَالَّتي نَقَضَتْ غَزْلهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثَا؟! {بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان} {الحُجُرَات}

ص: 6208

وَكُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى ثَوْبيَ المُمَزَّقِ الَّذِي:

تَتَغَنىَّ إِحْدَى نَواحِيهِ صَوْتَاً * فتَشُقُّ الأُخْرَى عَلَيْهِ الجُيُوبَا

فَإِذَا مَا لُمْتُهُ قَالَ مَهْلاً * لَا يَكُونُ الكَرِيمُ إِلَاّ طَرُوبَا {ابْنُ الرُّومِي}

قُلْتُ لِنَفْسِي: قَدْ يُدْرِكُ المجْدَ الفَتى وَلَوَ انَّهُ * صِفْرُ اليَدَيْنِ وَثَوْبُهُ مَرْقُوعُ

{ابْنُ هِرْمَةَ بِتَصَرُّف}

ص: 6209

أَمَّا الحَدِيثُ القَائِل:

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُول: يَا لَيْتَني مَكَانَه " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحيحِهِ بِرَقْم: (7115 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ بِرَقْم: 157 / عَبْد البَاقِي]

ص: 6210

فَكُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قُلْتُ لِنَفْسِي: لِمَ اخْترْتَ هَذَا الحَدِيثَ لِتُعَبِّرَ بِهِ عَن حَالِك 00؟!

أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الحَدِيثِ القَائِل ـ وَلَا يَفُلُّ الحَدِيثَ إِلَاّ الحَدِيث:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِه، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيَاً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُل: اللهُمَّ أَحْيِني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرَاً لي، وَتَوَفَّني إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرَاً لي " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحيحِهِ بِرَقْم: (6351 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ بِرَقْم: 2680 / عَبْد البَاقِي]

ص: 6211

وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَاً عَمَلُهُ الجَنَّة " 00 قَالُواْ: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ الله 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا، وَلَا أَنَا، إِلَاّ أَنْ يَتَغَمَّدَني اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحمَة؛ فَسَدِّدُواْ وَقَارِبُواْ، وَلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْت؛ إِمَّا محْسِنَاً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرَاً، وَإِمَّا مُسِيئَاً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِب " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَرْضَى بَابِ تمَني المَرِيضِ المَوْت 0 حَدِيثٌ رَقْم: 5673]

ص: 6212

عَن عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّهُ آخَى بَينَ رَجُلَين، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا وَمَاتَ الآخَرُ بَعْدَه، فَصَلَّيْنَا عَلَيْه، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" مَا قُلْتُمْ " 00؟

قَالُواْ: دَعَوْنَا لَهُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ أَلحِقْهُ بِصَاحِبِه؛

ص: 6213

فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

" فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ صَلَاتِه 00؟! وَأَيْنَ عَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِه 00؟!

فَلَمَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْض " 0

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: (1985)، وَصَحَّحَهُ أَيْضَاً في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: 2524]

أَمَّا فِكْرَةُ التَّخَلُّصِ مِنَ الحَيَاةِ فَنَبَذْتُهَا مِنْ رَأْسِي؛ وَقُلْتُ لِنَفْسِي: دَعِ الَّذِي حَدَّدَ لَكَ بِدَايَتَهَا يحَدِّدُ لَكَ نِهَايَتَهَا 00

ص: 6214

أَمَّا عَنْ تَأَخُّرِ نَشْرِ مُؤَلَِّفَاتي؛ فَكُنْتُ أَجِدُ بَعْضَ المُوَاسَاةِ؛ في هَذِهِ الْكَلِمَاتِ: حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: " إِنَّهُمَا عَالِمَان: فَعَالِمُ الدُّنْيَا عِلْمُهُ مَنْشُور، وَعَالِمُ الآخِرَةِ عِلْمُهُ مَسْتُور " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 435/ 8]

أَمَّا عَنِ المَشَاهِيرِ الَّذِينَ قَصَدْتُهُمْ؛ فَكُنْتُ أَعُودُ فَأَقُولُ لِنَفْسِي:

أَنْتَ الَّذِي اتخَذْتَ المُضِلِّينَ عَضُدَا؛ إِذْ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُب؛ أَنْ تُفَكِّرَ مِمَّنْ تَطْلُب 0

ص: 6215

فَلَا تَجْزَعَنَّ عَلَى أَيْكَةٍ * أَبَتْ أَنْ تُظِلَّكَ أَغْصَانُهَا

احْتَسِبِ الله، عَسَى أَنْ يُبْدِلَنَا رَبُّنَا خَيرَاً مِنهُمْ، إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُون 00

وَكُنْتُ أَقُولُ لِنَفْسِي ـ خَشْيَةَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتهَا ـ صَبرَاً يَا نَفْسُ صَبرَاً؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ عَلَى نَصِيبِهِ في الدُّنيَا؛ فَلَيْسَ لَهُ في الآخِرَةِ مِنْ نَصِيب!!

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيرَاً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورَا} {الفُرْقَان: 10}

{قُلْ أَذَلِكَ خَيرٌ أَمْ جَنَّةُ الخُلدِ الَّتي وُعِدَ المُتَّقُون} {الفُرْقَان: 15}

ص: 6216

عُلَمَاءُ السَّوْءِ وَطَلَبُ الدُّنيَا وَالمجْد

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا بِهِ أَهْلَ زَمَانِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لأَهْلِ الدُّنْيَا؛ لِيَنَالُواْ بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ؛ فَهَانُواْ عَلَيْهِمْ " 0

[صَحَّحَهُ شَيْخُ المحَدِّثِينَ الأَلبَانيُّ في المِشْكَاةِ بِرَقْم: (263)، وَحَسَّنَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 257]

ص: 6217

وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الدَّسْتَوَائِيِّ رضي الله عنه قَال: قَرَأْتُ في كِتَابٍ بَلَغَني أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عِيسَى عليه السلام: " تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَل، وَلَا تَعْمَلُونَ لِلآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لَا تُرْزَقُونَ فِيهَا إِلَاّ بِالْعَمَل، وَإِنَّكُمْ عُلَمَاءَ السَّوْء؛ الأَجْرَ تَأْخُذُون، وَالْعَمَلَ تُضَيِّعُون، يُوشِكُ رَبُّ الْعَمَلِ أَنْ يَطْلُبَ عَمَلَه، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ الدُّنْيَا العَرِيضَةِ إِلى ظُلْمَةِ القَبْرِ وَضِيقِه!!

اللهُ نَهَاكُمْ عَنِ الخَطَايَا كَمَا أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام؛ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ سَخِطَ رِزْقَهُ وَاحْتَقَرَ مَنْزِلَتَه، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ وَقُدْرَتِه 00؟!!

ص: 6218

كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ اتَّهَمَ اللهَ فِيمَا قَضَى لَهُ؛ فَلَيْسَ يَرْضَى شَيْئَاً أَصَابَه 00؟!!

كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ دُنْيَاهُ آثَرُ عِنْدَهُ مِنْ آخِرَتِه، وَهُوَ في الدُّنْيَا أَفْضَلُ رَغْبَة 00؟!

كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ مَصِيرُهُ إِلى آخِرَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاه، وَمَا يَضُرُّه؛ أَشْهَى أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا يَنْفَعُه 00؟!!

كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَطْلُبُ الكَلَامَ لِيُخْبِرَ بِه، وَلَا يَطْلُبُهُ لِيَعْمَلَ بِه " 00؟! [الطَّبرَانيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ في الشُعَبِ رَقْم:(1917)، وَالمَنَاوِيُّ في فَيْضِ القَدِير 0 ص: 508/ 5]

ص: 6219

وَكُنْتُ أَقُولُ لَهَا دَائِمَاً: مَا عِنْدَ اللهِ خَيرٌ وَأَبْقَى، وَدَائِمَا يجْعَلُ اللهُ الدُّنيَا للمُتَكَبرِين، وَالآخِرَةُ يجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوَّاً في الأَرْضِ وَلَا فَسَادَا 00!!

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدَاً حَسَنَاً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنيَا ثمَّ هُوَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ المحْضَرِين} {القَصَص: 61}

إِنَّ غَدَاً لِنَاظِرِهِ قَرِيبُ

{قُرَادُ بْنُ أَجْدَعَ الْكَلْبيّ}

ص: 6220

وَهَذَا هُوَ الَّذِي هَوَّنَ عَلَيْنَا مَا رَأَيْنَا: إِنَّهُ الأَمَل؛ فَقَدْ كُنْتُ عَلَى أَمَلٍ بِرَغْمِ طُولِ الأَمَد؛ بِأَنيِّ لَن أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبيِّ شَقِيَّا 00

فَلَقَدْ رُوِيَ عَن أَحَدِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ قَال:

" لَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ تَعَالى حَاجَةً، مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَة، فَمَا قَضَاهَا، وَلَا يَئِسْتُ مِنْ قَضَائِهَا " 0

أَلَا صَدَقَ اللهُ عز وجل إِذْ يَقُول: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} {التَّغَابُن/11}

ص: 6221

سُبْحَانَ مَنْ يَهْدِي بَصَائِرَنَا * كَمْ مِنْ بَصِيرٍ قَلْبُهُ أَعْمَى

وَصَدَقَ عز وجل إِذْ يَقُول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه، إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِه، قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرَا} {الطَّلَاق/3}

وقدْ قِيلَ في الأَمْثَال: " مَنْ طَلَبَ بَابَاً: أَعْطَاهُ اللهُ مِفْتَاحَه " 0

{وَمَا لَنَا أَلَاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} {إِبْرَاهِيم/12}

وَهَكَذَا كُنْتُ وَلَا زِلْتُ:

أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ في غَدِهَا * مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ

{الطِّغْرَائِيّ}

ص: 6222

القُلُوبُ الطَّيِّبَة

إِنَّ الحَيَاةَ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةَ المَضَرَّات؛ فَإِنَّهَا لَا تخْلُو مِنَ المَسَرَّات، وَكَمَا أَنَّ أَهْلَ النَّذَالَةِ فِيهَا أُلُوف؛ فَلَا زَالَتْ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِن أَهْلِ المَعْرُوف، شَجَّعُوني كَثِيرَاً وَحَاوَلُواْ أَنْ يجِدُواْ لي مكَانَاً بَينَ الصُّفُوف 0

ص: 6223

كَمْ مِنْ أَدِيبٍ قَدْ أَتَاني قَائِلاً * يَا أَيُّهَا السَّارِي مَكَانَكَ تحْمَدِ

يَا مُنْشِدَ الشِّعْرِ المَلِيءِ مَرَارَةً * أَهْوَاكَ إِنْ تُنْشِدْ وَإِنْ لَمْ تُنْشِدِ

مَا دُمْتَ في الدُّنيَا فَلَا تَكُ يَائِسَاً * إِنَّ اليَؤُوسَ كَمَيِّتٍ لَمْ يُلْحَدِ

لَا تَيْأَسَنَّ مِنَ النَّجَاحِ لِعَثْرَةٍ * مَا لَا يُنَالُ اليَوْمَ يُدْرَكُ في الْغَدِ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

ص: 6224

وَكَمْ مِن أُسْتَاذٍ جَامِعِيٍّ لَقِيتُهُ في أُولَيَاتِ حَيَاتي؛ فَكَانَ لي مُشَجِّعَاً وَبي مُعْجَبَاً، وَضَمَّني قَائِلاً:

أَضْنَاكَ طُولُ السُّرَى وَالسَّيرِ يَا وَلَدِي * فَاخْلَعْ رِدَاءَكَ وَامْسَحْ جُرْحَكَ الدَّامِي

حَيَّيْتُ فِيهِ طَالِبَاً لِلْعِلْمِ أَمْعَنَ في طِلَابِهْ

أَعْيىَ عَلَى قُرَّائِهِ عَن أَنْ يَسِيرُواْ في رِكَابِهْ

رِفْقَاً بِقَارِئِكَ الدَّءُ وبِ فَقَدْ شَكَا مِنْ فَرْطِ مَا بِهْ

للهِ دَرُّكَ كَاتِبَاً لَمْ يَبْغِ رِبحَاً مِنْ كِتَابِهْ

وَلَرُبَّمَا امْتَلأَتْ جُيُوبُ النَّاشِرِينَ عَلَى حِسَابِهْ

وَلَرُبَّمَا كَانَ الدُّعَاءُ لَهُ فَقَطْ أَقْصَى ثَوَابِهْ

{محْمُود غُنَيْم}

ص: 6225

أَذْكُرُ مِن هَؤُلَاءِ الدُّكْتُور أَحْمَد هِيكَل / الْعَمِيدَ الأَسْبَقَ لِكُلِّيَّةِ دَارِ الْعُلُوم، وَأَحْسَنَ مَنْ تَقَلَّدُواْ وَزَارَةَ الثَّقَافَةِ في الْقَرْنِ الْعِشْرِين، وَالدُّكْتُور عَبْد الصَّبُور شَاهِين، وَأَخِي الَّذِي ضَنَّتْ بِهِ الأَمْصَار / الأُسْتَاذ محْمُود نَصَّار، وَأَغْلَى الأَحْبَاب، وَالشَّهْدَ المُذَاب / الصَّدِيقَ الشَّاعِر محَمَّد عَبْد الوَهَاب 0

أَيَاسِرُ لي في النَّابِغِينَ فَرَاسَةٌ * تَعَوَّدْتُ مِنهَا أَنْ تَقُولَ فَتَصْدُقَا

وَقَدْ خَبرَتْني عَنْكَ أَنَّكَ مَاجِدٌ * سَتَرْقَى إِلى العَلْيَاءِ أَبْعَدَ مُرْتَقَىقَا

فَوَفَّيْتُكَ التَّكْرِيمَ قَبْلَ أَوَانِهِ * وَقُلْتُ أَطَالَ اللهُ لِلسَّيِّدِ البَقَا

وَأَضْمَرْتُ مِنهُ لَفْظَةً لَمْ أَبُحْ بِهَا * إِلى أَن أَرَى إِظْهَارَهَا لي مُطْلَقَا

ص: 6226

فَإِن عِشْتُ أَو إِنْ مُتُّ فَاذْكُرْ بِشَارَتي * وَأَوجِبْ بِهَا وَعْدَاً عَلَيْكَ محَقَّقَا

وَكُنْ ليَ في الأَوْلَادِ وَالأَهْلِ حَافِظَاً * وَلَا تُنْسِكَ النَّعْمَاءُ أَيَّامَ الشَّقَا

{الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ بِتَصَرُّف}

وَكُنْتُ أَقُولُ لَهُ:

إِن حَقَّقْتُ هَذَا الحُلْمَا * وَبَلَغْتُ المجْدَ يَوْمَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

فَجِئْ إِليَّ، وَأَعِدْ هَذَا الحَدِيثَ عَلَيَّ، وَقُلْ: سُبْحَانَ الَّذِي أَبْدَلَكَ حُسْناً مِنْ بعْدِ سُوء 00 وَسَوْفَ تَكُونُ مِنيِّ يَوْمَئِذٍ بمكَانَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى 00

وَهَكَذَا:

مَشَيْنَاهَا خُطَىً كُتِبَتْ عَلَيْنَا * وَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خُطَىً مَشَاهَا

وَمَنْ كَانَتْ مَنِيَّتُهُ بِأَرْضٍ * فَلَيْسَ بِمَيِّتٍ فِيمَا سِوَاهَا

* * * * *

ثُمَّ انْقَضَتْ تِلْكَ السِّنُونَ وَأَهْلُهَا * فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُمْ أَحْلَامُ

ص: 6227

{أَبُو تَمَّام}

مُنىً إنْ تَكُن حَقَّا تَكُن أَحْسَنَ المُنى * وَإِلَاّ فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنَاً رَغْدَا

* * * * *

وَأَخِيرَاً

أَخْتِمُ هَذَا الْعَمَلَ بِقَصِيدَتي الَّتي أَقُولُ فِيهَا:

حَتىَّ مَتى رَبيِّ تَسِيلُ مَدَامِعِي * وَأَنَا أَرَى تَهْمِيشَهُمْ لِبَدَائِعِي

فَلَقَدْ لَقِيتُ بِمِصْرَ ظُلْمَاً بَيِّنَاً * وَإِلَيْكَ يَا رَبيِّ شَكَوْتُ مَوَاجِعِي

وَلَرُبَّمَا لَاقَى فَظَائِعَ بَعْضُهُمْ * لَكِنَّهَا لَيْسَتْ كَمِثْلِ فَظَائِعِي

فَامْنُن عَلَى نَهْرِي بِغَيْثٍ هَاطِلٍ * أُسْقَى بِهِ كَيْ لَا تَجِفَّ مَنَابِعِي

لَوْ كُنْتُ مِنْ بَلَدِي لَقِيتُ رِعَايَةً * لَحَظِيتُ مِنْ زَمَنٍ بِصِيتٍ ذَائِعِ

لَاقَيْتُ مَا يَكْفِي لِقَتْلِ قَبِيلَةٍ * لَوْ لَمْ أُقَابِلْهُ بِصَدْرٍ وَاسِعِ

ص: 6228

فَمَتى سَيُنْشَرُ لي فَقَدْ تَعِبَتْ مِنَ الْـ * إِمْسَاكِ بِالأَقْلَامِ رَبِّ أَصَابِعِي

وَتَمَقَّقَتْ عَيْني لِطُولِ قِرَاءتي * وَتَصَفُّحِي لِدَفَاتِرِي وَمَرَاجِعِي

فَالنَّشْرُ سُوقٌ فِيهِ سُوءٌ وَاضِحٌ * وَلِذَا بِهِ كَسَدَتْ جَمِيعُ بَضَائِعِي

نَقِمُواْ عَلَيَّ لأَنَّ شِعْرِي صَادِقٌ * وَلأَنَّهُ شِعْرٌ جَرِيءٌ وَاقِعِي

كَثُرَ الْفَسَادُ بِبَرِّنَا وَبِبَحْرِنَا * وَلِذَا اتَّجَهْتُ لَهُ بِنَقْدِي اللَاّذِعِ

إِنْ كَانَ قُدِّرَ أَن أَمُوتَ مُهَمَّشَاً * في مِصْرَ كَلَاّ لَنْ تَمُوتَ رَوَائِعِي

إِنيِّ قَدِ اسْتَوْدَعْتُ عِنْدَكَ تِرْكَتي * وَلَدَيْكَ رَبيِّ لَنْ تَضِيعَ وَدَائِعِي

ص: 6229

عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " مَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً مَكْتُوبَةً قَطّ؛ إِلَاّ قَالَ حِينَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ: " اللهُمَّ إِنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ يخْزيني، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ صَاحِبٍ يُؤْذِيني، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ أَمَلٍ يُلْهِيني، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ فَقْرٍ يُنْسِيني، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ غِنىً يُطْغِيني " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع ": رَوَاهُ البَزَّار، وَفِيهِ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَدْ وُثِّق 0 ص: 110/ 10]

فَنَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنَ الفَقْرِ إِلَاّ إِلَيْك، وَمِنَ الذُّلِّ إِلَاّ لَك، وَمِنَ الخَوْفِ إِلَاّ مِنْك 00

ص: 6230

اللَّهُمَّ أَلهِمْنَا الصَّبْرَ والثَّبَات، وَاكْفِنَا شَرَّ المَصَائِبِ وَالآفَات، وَاجْعَلْ مَا هُوَ آت: خَيرَاً مِمَّا قَدْ فَات، يَا وَاسِعَ الرَّحَمَات، وَأَغْنِ بِفَضْلِكَ أَهْلَ العِلْمِ عَنِ الْعَالَم، وَارْحَمْنَا فَإِنَّكَ بِنَا رَاحِم؛ فَلَقَدْ تَكَسَّرَتْ ضُلُوعُهُمْ؛ مِنَ السَّعْيِ في الْبِلَاد، وَتحَدَّرَتْ دُمُوعُهُمْ؛ مِنْ إِيذَاءِ الْعِبَاد، وَتَبَخَّرَتْ شُمُوعُهُمْ؛ مِنْ طُولِ السُّهَاد 0

أَخِي الكَرِيم: احْرِصْ بَعْدَ قِرَاءَ تِكَ الكِتَابَ أَنْ تُعِيرَهُ لإِخْوَانِكَ وَجِيرَانِك؛ فَصَدَقَةُ العِلْمِ تَعْلِيمُه، وَالدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِه، وَلأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدَاً؛ خَيرٌ لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَم

ص: 6231

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ العِلْمَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ بِه؛ كَمَثَلِ الَّذِي يَكْنزُ الكَنزَ فَلَا يُنْفِقُ مِنه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 5835، 3479، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ وَالْكَبِير]

فَلَا تَمْنَعْ كِتَابَاً مُسْتَعِيرَاً * فَإِنَّ الْبُخْلَ لِلإِنْسَانِ عَارُ

أَلَمْ تَسْمَعْ حَدِيثَاً عَنْ ثِقَاتٍ * جَزَاءُ الْبُخْلِ عِنْدَ اللهِ نَارُ

ص: 6232

وَمَنْ كَانَتْ لَدَيْهِ مَلحُوظةٌ قَدْ تَنْفَعُ المُسْلِمِين، أَوْ أَيَّةُ إِضَافَة، أَوْ كَانَتْ في حَيَاتِهِ قِصَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِ الكِتَاب؛ فَسَوْفَ أَكُونُ في غَايَةِ السُّرُورِ لَوْ تَفَضَّلَ عَلَيَّ بِهَا؛ فَالْكَاتِبُ كَالحَالِب، وَالْقَارِئُ كَالشَّارِب، وَلَا تَنْسَوْنَا مِنْ صَالِحِ دُعَائِكُمْ، اجْعَلُواْ لَنَا مِنهُ نَصِيبَاً مَفْرُوضَا 0

اللهُمَّ اجْعَلْ كُلَّ كِتَابَاتي؛ في مِيزَانِ حَسَنَاتي، وَاغْفِرْ لي كَثْرَةَ شَكَاتي 00

سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبحَمْدِك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْت، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْك 0

{الفَقِيرُ إِلى عَفْوِ الرَّحْمَنِ / يَاسِر الحَمَدَاني}

°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°

ص: 6233