المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَقْدُ الأَحِبَّة: ======= حُرْمَةُ النُّوَاح، وَالحُزْنُ المُبَاح إِنَّ الحُزْنَ في حَدِّ ذَاتِهِ لَا - موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني

[ياسر الحمداني]

فهرس الكتاب

- ‌[مَقَالَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني]

- ‌أَصُونُ كَرَامَتي مِنْ قَبْلِ قُوتي

- ‌أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُول

- ‌إِعْصَار كَاتْرِينَا

- ‌إِنْقَاذُ السُّودَان؛ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان

- ‌الإِسْلَامُ هُوَ الحَلّ، وَلَيْسَ الإِرْهَابُ هُوَ الحَلّ

- ‌الْبَهَائِيَّة، وَادعَاءُ الأُلُوهِيَّة

- ‌الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان:

- ‌الدِّينُ النَّصِيحَة:

- ‌الشَّيْطَانُ الأَكْبَرُ

- ‌الفَنَّانَاتُ التَّائِبَاتُ

- ‌{أَرَاذِلُ الشُّعَرَاء}

- ‌الحُلْمُ الجَمِيل:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتجْوِيدِه:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الحَدِيثِ النَّبَوِيّ:

- ‌ فَضْلُ بِنَاءِ المَسَاجِد **

- ‌فُقَرَاء، لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌فِقْهُ الحَجِّ وَرَوْحَانِيَّاتُه:

- ‌قَصَائِدُ ابْتِهَالِيَّة:

- ‌لُغَتُنَا الجَمِيلَة:

- ‌مَقَامَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌أَنْقِذُونَا بِالتَّغْيِير؛ فَإِنَّا في الرَّمَقِ الأَخِير:

- ‌إِيرَان؛ بَينَ المِطْرَقَةِ وَالسِّنْدَان

- ‌الأَمِينُ غَيرُ الأَمِين

- ‌الإِرْهَابُ وَالأَسْبَابُ المُؤَدِّيَةُ إِلَيْه

- ‌الحَاكِمُ بِأَمْرِ الشَّيْطَان

- ‌الشَّاعِرُ المَغْرُور

- ‌الْفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالرُّوتِينُ في الدُّوَلِ المُتَخَلِّفَة

- ‌الْقِطَطُ السِّمَان

- ‌الْكُلُّ شِعَارُهُ نَفْسِي نَفْسِي

- ‌المَوْهُوبُونَ وَالمَوْهُومُون

- ‌بَعْضَ الَاهْتِمَام؛ يَا هَيْئَةَ النَّقْلِ الْعَامّ

- ‌ثَمَانِ سَنَوَات؛ يَا وَزَارَةَ الاتِّصَالات

- ‌جَمَاعَةُ الإِخْوَانِ المحْظُوظَة

- ‌دُورُ " النَّشْل

- ‌شَبَابُنَا وَالْقُدْوَةُ في عُيُونِهِمْ

- ‌شُعَرَاءُ الْفُكَاهَة؛ بَيْنَ الجِدِّيَّةِ وَالتَّفَاهَة

- ‌صَنَادِيقُ شَفَّافَة، وَنُفُوسٌ غَيرُ شَفَّافَة

- ‌ ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق

- ‌فَتَيَاتُ المَدَارِس، وَتَحَرُّشُ الأَبَالِس

- ‌قَتَلُواْ بِدَاخِلِنَا فَرْحَةَ الْعِيد

- ‌قَصِيدَةً مِنْ نَار؛ لِمَنْ يَتَّهِمُني بِسَرِقَةِ الأَشْعَار

- ‌قَنَاةٌ فَضَائِيَّةٌ تَلْفِتُ الأَنْظَار؛ بِالطَّعْنِ في نَسَبِ النَّبيِّ المخْتَار

- ‌مَتى سَيُنْصَفُ الضَّعِيف؛ في عَهْدِكَ يَا دُكْتُور نَظِيف

- ‌مُوَسْوِسُونَ لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌يَتْرُكُونَ المُشَرِّفِين؛ وَيُقَدِّمُونَ " المُقْرِفِين

- ‌يحْفَظُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَيَعْمَلُ بَنَّاءً

- ‌أَشْعَار بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌فَضْلُ الشِّعْر وَالشُّعَرَاء

- ‌مخْتَارَاتٌ مِنْ دِيوَاني:

- ‌الحَمَاسَةُ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌إِهْدَاءُ الحَمَاسَةِ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ الحَمَاسَة:

- ‌بَحْرُ الخَفِيف:

- ‌بَحْرُ الْبَسِيط:

- ‌بَحْرُ الرَّجَز:

- ‌بَحْرُ الرَّمَل:

- ‌بَحْرُ الوَافِر:

- ‌بَحْرُ المُتَدَارَك:

- ‌بَحْرُ المُتَقَارِب:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 2]:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 3]:

- ‌مجْزُوءُ الرَّمَل:

- ‌مجْزُوءُ الرَّجَز:

- ‌مجْزُوءُ الْوَافِر:

- ‌مجْزُوءُ الْكَامِل:

- ‌مُخَلَّعُ الْبَسِيط:

- ‌[مَنهُوكُ الرَّجَز

- ‌كِتَابُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌مُقَدِّمَةُ الرِّضَا بِالقَلِيل

- ‌تَمْهِيدُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌الفَقِيرُ الصَّابِر:

- ‌الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌عَفَافُ النَّفْس:

- ‌كِتَابُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظَاً:

- ‌أَحْكَامُ الجَنَائِز:

- ‌فَقْدُ الأَحِبَّة:

- ‌وَفَاةُ الحَبِيب:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌مُصِيبَةُ المَرَض:

- ‌مُصِيبَةُ السِّجْنِ وَالحَدِيثُ عَنِ المَظْلُومين:

- ‌هُمُومُ المُسْلِمِين:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ العُلَمَاء

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌[كِتَابُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌[مُقَدِّمَةُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌أَرْشِيفُ الحَمَدَاني:

- ‌انحِرَافُ الشَّبَاب:

- ‌البَيْتُ السَّعِيد

- ‌أَدَبُ الحِوَارِ في الإِسْلَام:

- ‌{الأَدَبُ مَعَ اللهِ وَرَسُولِهِ

- ‌ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجْ:

- ‌الدِّينُ الحَقّ:

- ‌الطِّيبَةُ في الإِسْلَام:

- ‌الْعِلْمُ وَالتَّعْلِيم:

- ‌العَمَلُ وَالكَسْب:

- ‌الكِبْرُ وَالغُرُور

- ‌المَمْلَكَةُ العَادِلَة:

- ‌بِرُّ الوَالِدَين:

- ‌نُزْهَةٌ في لِسَانِ الْعَرَب:

- ‌تَرْجَمَةُ الذَّهَبيّ؛ بِأُسْلُوبٍ أَدَبيّ [

- ‌حَالُ المُسْلِمِين:

- ‌رِجَالٌ أَسْلَمُواْ عَلَى يَدِ الرَّسُول:

- ‌فَوَائِدُ الصَّوْم:

- ‌زُهْدِيَّات:

- ‌(طَوَارِئُ خَطَابِيَّة)

- ‌فَضَائِلُ الصَّحَابَة:

- ‌مَدِينَةُ كُوسُوفُو:

- ‌مُعَلَّقَاتُ الأَدَبِ الإِسْلَامِيّ:

- ‌فَهْرَسَةُ سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء

الفصل: ‌ ‌فَقْدُ الأَحِبَّة: ======= حُرْمَةُ النُّوَاح، وَالحُزْنُ المُبَاح إِنَّ الحُزْنَ في حَدِّ ذَاتِهِ لَا

‌فَقْدُ الأَحِبَّة:

=======

حُرْمَةُ النُّوَاح، وَالحُزْنُ المُبَاح

إِنَّ الحُزْنَ في حَدِّ ذَاتِهِ لَا شِيَةَ فِيه، وَلَا في البُكَاء؛ وَلَكِنَّ الَّذِي يحْرُمُ الصُّرَاخُ وَالنُّوَاحُ وَالعَوِيل 0

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:

" اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ 00 فَأَتَاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ في غَاشِيَةِ ـ أَيْ حَاشِيَةِ ـ أَهْلِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ قَضَى " 00؟

* قَالُواْ: لَا يَا رَسُولَ الله، فَبَكَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَلَا تَسْمَعُون: إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ وَلَا بحُزْنِ القَلْب، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَم " 0 [قَضَى أَيْ مَات 0 رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1304 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 924 / عَبْد البَاقِي]

ص: 3999

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:

" دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبي سَيْفٍ القَيْن، وَكَانَ ظِئْرَاً لإِبْرَاهِيمَ ـ أَيْ زَوْجَاً لمُرْضِعَتِه ـ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يجُودُ بِنَفْسِه، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَان، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله 00؟

ص: 4000

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَة " 00 ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ وَالقَلْبَ يحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَاّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لمحْزُونُون " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا بِكَ لمحْزُونُونَ بِرَقْم: 1303]

عَن أَبي مَسْعُودٍ الأَنصاري رضي الله عنه قَال: " رُخِّصَ لَنَا في البُكَاءِ ثَمَّ المُصِيبَةِ ـ أَيْ عِنْدَ المُصِيبَةِ ـ مِن غَيرِ نَوح " 0

[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (19/ 3)، الإِمَامُ الطَّبَرَاني في الجَامِعِ الكَبِير]

ص: 4001

عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبي سُلَيْمَانَ ـ أَيْ خَالِدِ بْنِ الوَلِيد ـ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ " 0

قَالَ الإِمَامُ البُخَارِيّ: " وَالنَّقْع: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْس، وَاللَّقْلَقَة: الصَّوْت " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّت بِرَقْم: 1290]

لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُود

أَشَدُّ مَا يَكُونُ الأَمْرُ غَرَابَة: عِنْدَمَا يَصْبِرُ أَهْلُ المَيِّتِ عَلَى فَقْدِهِ وَيُظْهِرُونَ احْتِسَابَه، ثُمَّ تَصْدُرُ هَذِهِ الأَفَاعِيلُ النَّكْرَاء؛ عَمَّن أَتَواْ لِيُقَدِّمُواْ الْعَزَاء؛ يُذَكِّرُني حَالُهُمْ بِالمَثَلِ المِصْرِيِّ الْقَائِل:" أَهْلُ المَيِّتِ سَكَتُواْ؛ وَالمُعَزُّونَ قَطَّعُواْ ثِيَابَهُمْ " 00!!

ص: 4002

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّة " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1294 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 103، وَهُوَ في الْكَنْزِ بِرَقْم: 42437]

ص: 4003

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال:

" مُرَّ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِجِنَازَةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا وَأَنَا مَعَهُ، وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه؛ فَانْتَهَرَ عُمَرُ رضي الله عنه اللَاّتي يَبْكِينَ مَعَ الجِنَازَة؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" دَعْهُنَّ يَا ابْنَ الخَطَّاب؛ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَة، وَإِنَّ العَيْنَ دَامِعَة، وَإِنَّ العَهْدَ حَدِيث " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْمَيْ: 7677، 8382، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]

ص: 4004

عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَعَنَ اللهُ الخَامِشَةَ وَجْهَهَا، وَالشَّاقَّةَ جَيْبَهَا، وَالدَّاعِيَةَ بِالوَيْلِ وَالثُّبُور " 0 [حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (9223)، في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1585، وَهُوَ في الْكَنْز بِرَقْم: 42423]

عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " لَعَنَ اللهُ النَّائِحَةَ وَالمُسْتَمِعَة " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَد، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42435]

ص: 4005

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " صَوْتَانِ مَلْعُونَان: صَوْتُ مِزْمَارٍ عِنْدَ نَغْمَة، وَصَوْتُ وَيْلٍ عِنْدَ مُصِيبَة " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 3801، 427، وَوَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع 0 ص: 13/ 3]

إِنَّ مَنْ يَقْدُمُ عَلَى اللهِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَغْرِدُواْ لَه؛ لَا يَنُوحُونَ عَلَيْه 00!!

ص: 4006

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " صَوْتَانِ مَلْعُونَان: صَوْتُ مِزْمَارٍ عِنْدَ نَغْمَة، وَصَوْتُ وَيْلٍ عِنْدَ مُصِيبَة " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 3801، 427، وَوَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع 0 ص: 13/ 3]

ص: 4007

بَلْ إِنَّهُ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَازَةِ الَّتي تَصْحَبُهَا نَائِحَة

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُتَّبَعَ جِنَازَةٌ مَعَهَا رَانَّة "

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (12765)، وَصَحَّحَهُ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1583]

ص: 4008

حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتي نُهِيَ عَنهَا: قَالَ اللهُ عز وجل: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَن عَصَيْتَني؟

قَالَ عليه السلام: رَبِّ زَيَّنَتْ لي حَوَّاء؛ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: فَإِنيِّ أَعْقَبْتُهَا أَلَاّ تَحْمِلَ إِلَاّ كُرْهَا، وَلَا تَضَعَ إِلَاّ كُرْهَا، وَدَمَّيْتُهَا في الشَّهْرِ مَرَّتَين؛ فَلَمَّا سَمِعَتْ حَوَّاءُ ذَلِكَ رَنَّتْ؛ فَقَالَ لَهَا جَلَّ وَعَلَا: عَلَيْكِ الرَّنَّة، وَعَلَى بَنَاتِك " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3437]

ص: 4009

هَلْ يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبُكَاءِ الحَيّ 00؟

أَمَّا إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ أَحَادِيثَ صِحَاحَاً قَدْ قَالَتْ بِغَيرِ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهَا تَأْوِيلاً يحْتَاجُ تَفْصِيلاً:

عَنِ الفَارُوقِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " الميِّتُ يعَذَّبُ في قَبرِهِ بمَا نِيحَ عَلَيه "

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1292 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (927)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42465]

ص: 4010

عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " إِنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَد؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدَاً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار " سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بمَا نِيحَ عَلَيْه " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّت بِرَقْم: 1291]

وَوَرَدَ في حَدِيثٍ آخَرَ صَحِيحٍ أَنَّهُ يُعَذَّبُ أَيْضَاً يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَيْسَ في القَبرِ فَقَطْ:

عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَة " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (933)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (1000)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42471]

ص: 4011

وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" لَا إِسْعَادَ في الإِسْلَامِ وَلَا شِغَارَ وَلَا عَقر " 0

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ مخْتَصَرَاً في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: (1851)، وَالحَدِيثُ في " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42441]

وَالإِسْعَاد: هُوَ أَنْ تجَامِلَ المَرْأَةُ المَرْأَةَ بمُسَاعَدَتهَا في النِّيَاحَةِ 0

وَأَمَّا الشِّغَار: فَهْوَ زَوَاجٌ كَانَ يُتَزَوَّجُ بِهِ في الجَاهِلِيَّةِ قَدْ نَهَى عَنهُ الإِسْلَام: وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَتَّفِقُ مَعَ الرِّجُلِ أَنْ يَتزَوَّجَ أُخْتَهُ في مُقَابِلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ أُخْتَه، مِن غَيرِ مَا أَنْ يَدْفَعَا مَهْرَاً؛ وَلَقَدْ أَبْطَلَهُ الإِسْلَامُ لِمَا فِيهِ مِن هَضْمٍ لحُقُوقِ المَرْأَة 00!!

أَيْنَ الَّذِينَ يَتَشَدَّقُونَ بِالكَلَام؛ لِيرَواْ كَيْفَ أَنْصَفَ المَرْأَةَ الإِسْلَام 00؟!

ص: 4012

لَا تُدْخِلي الشَّيْطَانَ بَيْتَاً أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْه

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْت: غَرِيبٌ وَفي أَرْضِ غُرْبَة؛ لأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ فَكُنْتُ قَدْ تهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْه، إِذْ أَقَبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَني ـ أَيْ تجَامِلَني بِالنُّوَاحِ مَعِي ـ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال:

" أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلي الشَّيْطَانَ بَيْتَاً أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ " 00؟

فَكَفَفْتُ عَنِ البُكَاءِ فَلَمْ أَبْك " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: البُكَاءِ عَلَى المَيِّت بِرَقْم: 922، وَأَحْمَدُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 25933]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتِ السَّيِّدَةُ زَيْنَبُ رضي الله عنها ابْنَتُهُ صلى الله عليه وسلم بَكَتِ النِّسَاء؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

ص: 4013

" ابْكِينَ وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَان، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ العَيْنِ وَالقَلْب؛ فَمِنَ اللهِ عز وجل وَمِنَ الرَّحْمَة، وَمَا كَانَ مِنَ اليَدِ وَاللِّسَان؛ فَمِنَ الشَّيْطَان " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2127، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَال: " بَيْنَمَا نَحْنُ نَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ بَصُرَ بِامْرَأَةٍ لَا نَظُنُّ أَنَّهُ عَرَفَهَا، فَلَمَّا تَوَجَّهْنَا الطَّرِيقَ وَقَفَ حَتىَّ انْتَهَتْ إِلَيْه، فَإِذَا فَاطِمَةُ رضي الله عنها بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَخْرَجَكِ مِنْ بَيْتِكِ يَا فَاطِمَة " 00؟

قَالَتْ: أَتَيْتُ أَهْلَ هَذَا البَيْتِ فَرَحَّمْتُ إِلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ وَعَزَّيْتُهُمْ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الكُدَى " 00 أَيْ بَالَغْتِ في النَّدْبِ فَلَمْ تَدَعِي شَيْئَا 0

قَالَتْ رضي الله عنها: مَعَاذَ اللهِ أَن أَكُونَ بَلَغْتُهَا مَعَهُمْ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ في ذَلِكَ مَا تَذْكُر؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْتِ الجَنَّةَ حَتىَّ يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6574، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]

ص: 4014

اللهُ يَأْمُرُ بِالصَّبرِ وَهِيَ تَنهَى عَنه

حَضَرَتْ أَحَدَ الصَّالحِينَ الوَفَاةُ فَكَانَ يَقُولُ لأَهْلِ بَيْتِهِ: لَا تُدْخِلُواْ عَلَيْكُمْ نَائِحَةً وَلَا شَاقَّةً وَلَا حَالِقَة؛ فَإِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أَمَرَ بِالصَّبر وَهِيَ تَنهَى عَنه، وَنَهَى عَنِ الجَزَعِ وَهِيَ تَأْمُرُ بِه، آذَتِ الحَيَّ قَبْلَ المَيِّت، أَمِنْ رَبِّكُمْ تَسْتَغِيثُونَ، أَمْ بِقَضَائِهِ تَتَبرَّمُون 00؟

وَخَرَج أَحَد الأَذكيَاء مِن عِنْدِ أَحَدِ أَصْحَابِهِ فَسَأَلَهُ النَّاسُ عَن حَالِه، فَكَرهَ أَنْ يخبرَهمْ بِاحْتضَارِهِ فَقَالَ لهُمْ:" تَرَكْتُهُ يَأْمُرُ وَيَنهَى " 00 فَفَهِمُواْ أَنَّهُ بخَير، بَيْنَمَا كَانَ يَقْصِدُ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالوَصِيةِ وَيَنهَى عَنِ النُّوَاح 00!!

النَّائِحَاتُ سَرَابِيلُهُنَّ مِنْ قَطِرَان

ص: 4015

وَعَن أَبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِنْ الجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأَحْسَاب، وَالطَّعْنُ في الأَنْسَاب، وَالَاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُوم، وَالنِّيَاحَة، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا؛ تُقَامُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَان، وَدِرْعٌ ـ أَيْ وَقَمِيصٌ ـ مِنْ جَرَبٍ " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَابِ التَّشْدِيدِ في النِّيَاحَةِ بِرَقْم: 934، وَالإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 22405]

وَالقَطِرَان: هُوَ القَارُ المُذَاب 0

ص: 4016

وَفي رِوَايَةٍ أَخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مِنْ لَهَب " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 11755، وَصَحَّحَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1582]

وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَيُّمَا نَائِحَةٍ مَاتَت قَبْلَ أَنْ تَتُوب: أَلبَسَهَا اللهُ سِرْبَالاً مِنْ نَار وَأَقَامَهَا يَوْمَ القِيَامَة " 0

[حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " 0 ص: 13/ 3)، أَبُو يَعْلَى]

ص: 4017

عَن أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئَاً وَلَا يَعْصِينَكَ في مَعْرُوفٍ} {المُمْتَحِنَة/12}

كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَة؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِلَاّ آلَ فُلَان؛ فَإِنَّهُمْ كَانُواْ أَسْعَدُوني في الجَاهِلِيَّة؛ فَلَا بُدَّ لي مِن أَن أُسْعِدَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِلَاّ آلَ فُلَانٍ " 00

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: التَّشْدِيدِ في النِّيَاحَة بِرَقْم: 937]

وَفي رِوَايَةٍ لِلبُخَارِيّ: أَنهَا اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسْعَدَتهَا ثمَّ بَايَعَتْ؛ لأَنَّ الإِسْلَامَ يجُبُّ مَا قَبْلَه

ص: 4018

مَنْ يُمَزِّقُ ثَوْبَه: كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُقَاتِلَ رَبَّه

وَعَن أَبي مَسْعُودٍ البَلخِيِّ رضي الله عنه قَال:

" مَن أُصِيبَ بمُصِيبَةٍ فَمَزَّقَ ثَوْبَاً أَوْ ضَرَبَ صَدْرَاً فَكَأَنَّمَا أَخَذَ رُمحَاً يُرِيدُ أَنْ يُقَاتِلَ رَبَّه " 0

[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ بَاب: الرُّكنِ الثَّالِثُ مِنَ الصَّبرِ وَالشُّكر: 1481]

وَأُكَرِّرُ وَأَقُول: " إِنَّ النَّهْي الوَارِدَ في الأَحَادِيثِ إِنمَا هُوَ عَنِ الصُّرَاخِ وَالنَّدْبِ وَالعَوِيل، لَا عَنْ دَمْعِ العَينِ وَالْبُكَاءِ القَلِيل " 0

إِنَّ اللهَ يَرْحَمُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ

عَن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه قَال:

ص: 4019

" كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلى ابْنِهَا في المَوْت، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

" ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتحْتَسِبْ " 00 فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ أنهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَل، فَدُفِعَ الصَّبيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ـ أَيْ تَفُورُ ـ كَأَنَّهَا في شَنٍّ ـ أَيْ في قِرْبَةٍ ـ فَفَاضَتْ عَيْنَاه؛ فَقَالَ لَهُ سَعْد: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا 00؟!

ص: 4020

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ "

[البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (7377 / فَتْح)، وَمُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (923)، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: (9737)، وَفي الكَنْز: 42902]

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَال: " أَخَذَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلى ابْنِهِ إِبْرَاهِيم، فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ؛ فَأَخَذَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ في حِجْرِهِ فَبَكَى؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَن: أَتَبْكِي؛ أَوَلَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عَنِ البُكَاء 00؟!

ص: 4021

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا؛ وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْن: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَة 00 خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوب، وَرَنَّةِ شَيْطَان " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 1005]

وَرَنَّةُ الشَّيْطَانِ الخَبِيث؛ يُفَسِّرُهَا هَذَا الحَدِيث:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَمْ أَنهَ عَنِ البُكَاء، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَينِ أَحْمَقَينِ فَاجِرَين: صَوْتٌ عِنْدَ نَغْمَةِ مِزْمَارِ شَيْطَانٍ وَلَعِب ـ أَيِ الزَّغَارِيد ـ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَة " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (9325/ 5194)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42430]

ص: 4022

عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ في جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

" دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ العَيْنَ دَامِعَةٌ وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالعَهْدَ قَرِيبٌ " 0

[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1587]

وَلَكِنَّ البُكَاءَ حَرَّمَهُ قَوْمٌ؛ فَبِمَ احْتَجٌّواْ فِيمَا ذَهَبُواْ إِلَيْه 00؟

احْتَجُّواْ بِالآثَارِ وَالأَخْبَارِ التَّالِيَة:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ حَفْصَةَ رضي الله عنها بَكَتْ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ رضي الله عنه:

ص: 4023

مَهْلاً يَا بُنَيَّة؛ أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ بِرَقْم: 927]

وَلَكِنَّ البُكَاءَ لَفْظَةٌ عَامَّة، وَيُقْصَدُ بهَا في هَذَا الحَدِيثِ الصِّيَاحُ وَالعَوِيل، وَهَذِهِ المجْمُوعَةُ مِنَ الأَحَادِيثِ عَلَى مَا أَقُولُ دَلِيل:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَصِيحَ عَلَيْه، فَلَمَّا أَفَاقَ قَال: أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ عَلَيْه " 0

ص: 4024

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1292 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 930 / عَبْد البَاقِي]

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رضي الله عنه جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُول: وَاأَخَاه؛ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ "؟

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1290 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 927 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4025

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ لمَّا طُعِنَ عَوَّلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ ـ أَيْ صَاحَتْ؛ فَقَالَ رضي الله عنه: يَا حَفْصَة: أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " المُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّب " 00؟!

وَعَوَّلَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: يَا صُهَيْب: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ المُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّب " 00؟!

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ، بَاب: المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه بِرَقْم: 927]

الحَدِيثُ العُمْدَةُ في هَذَا البَاب

ثمَّ إِنَّ تِلْكَ الأَحَادِيثَ الَّتي نَصَّتْ عَلَى تَعْذِيبِ المَيِّتِ قِيلَ في تَأْوِيلِهَا كَلَامٌ كَثِير، جَاءَ في أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ تُخَصِّصُ تَعْمِيمَ تِلْكَ الأَحَادِيث، هَذَا بَعْضُهَا:

ص: 4026

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ رضي الله عنه قَال:

" تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه بمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَإِنيِّ لجَالِسٌ بَيْنَهُمَا أَوْ وَإِني جَلَسْتُ إِلى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلى جَنْبي، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه: لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكَاء؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:

" إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه " 0

ص: 4027

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: قَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ بَعْضَ ذَلِك، ثُمَّ حَدَّثَ قَال: صَدَرْتُ ـ أَيْ خَرَجْتُ ـ مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ مَكَّةَ حَتىَّ إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاء: إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ ـ أَيْ شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ ـ فَقَالَ رضي الله عنه: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْب 00؟

فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْب، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رضي الله عنه: ادْعُهُ لي، فَرَجَعْتُ إِلى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتحِلْ فَالحَقْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين، فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُول: وَاأَخَاهُ وَاصَاحِبَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

ص: 4028

" إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه " 00؟

فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رضي الله عنه ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ عُمَر؛ وَاللهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه " وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابَاً بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرْآن:

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {فَاطِر/18}

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عِنْدَ ذَلِك: وَاللهُ {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} {النَّجْم/43} " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1288 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 929 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4029

أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ أَخْطَأْ

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ رضي الله عنه قَال:

" كُنْتُ جَالِسَاً إِلى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ وَنحْنُ نَنْتَظِرُ جِنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَان، فَجَاءَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِد، فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بمَكَانِ ابْنِ عُمَر؛ فَجَاءَ حَتىَّ جَلَسَ إِلى جَنْبي فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ ـ أَيْ صُرَاخ ـ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَأَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَى عَمْرٍو أَنْ يَقُومَ فَيَنْهَاهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِه " 0

ص: 4030

فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللهِ مُرْسَلَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: كُنَّا مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب، حَتىَّ إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ في ظِلِّ شَجَرَة، فَقَالَ رضي الله عنه لي: اذْهَبْ فَاعْلَمْ لي مَنْ ذَاكَ الرَّجُل 00؟

ص: 4031

فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْب، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَمَرْتَني أَن أَعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاك، وَإِنَّهُ صُهَيْب، قَالَ رضي الله عنه: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا فَقُلْت: إِنَّ مَعَهُ أَهْلَه، قَال: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُه، فَلَمَّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَن أُصِيب، فَجَاءَ صُهَيْبٌ يَقُول: وَاأَخَاهْ 00 وَاصَاحِبَاهْ 00 فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ "؟!

فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَحَدَّثْتُهَا بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَر، فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ " إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَد " 0

ص: 4032

وَلَكِنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الكَافِرَ يَزِيدُهُ اللهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابَاً " 00 وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى؛ فَكَيْفَ يُعَذَّبُ إِن أَحَدٌ بَكَاه ـ أَيْ أَنَّ الضَّحِكَ وَالبُكَاءَ مِنَ الله ـ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " 0

وَفي رِوَايَةٍ: أَنهَا لَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُوني عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلَا مُكَذَّبَيْن، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يخْطِئ " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ بِرَقْم: 928]

مَزِيدٌ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ في المَسْأَلَة

وَلَكِنْ مَا تَفْسِيرُ هَذَا التَّنَاقُضُ بَينَ المجْمُوعَتَين، وَالكُلُّ صَحِيح 00؟

ص: 4033

تجِيبُكَ عَن هَذَا أَيْضَاً مجْمُوعَةٌ ثَالِثَة:

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا؛ وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ في قَبرِهَا " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1289 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 922 / عَبْد البَاقِي]

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ رضي الله عنه عَن أَبِيهِ قَال:

" ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَر: " المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه " 0

ص: 4034

فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؛ سَمِعَ شَيْئَاً فَلَمْ يحْفَظْهُ، إِنمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذَّب " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ، بَاب: المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه بِرَقْم: 931]

عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه قَال:

" ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ في قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِه " 00 فَقَالَتْ: وَهَلَ ـ أَيْ: نَسِيَ وَأَخْطَأ ـ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

ص: 4035

" إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآن " 00 قَالَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَة:

وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى القَلِيب، وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَال:" إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُول " 00 إِنَّمَا قَال: " إِنَّهُمْ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ " 00 ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى} {النَّمْل/80}

{وَمَا أَنْتَ بمُسْمِعٍ مَنْ في القُبُور} {فَاطِر/22} " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3979 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 932 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4036

وَهَذَا هُوَ الحَدِيثُ الَّذِي طَعَنَتْ فِيهِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَهِلَ فِيه، لِيَعْرِفَهُ القَارِئ:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " اطَّلَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ القَلِيبِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً " 00؟ فَقِيلَ لَه: تَدْعُو أَمْوَاتَاً 00؟!

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُون " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا جَاءَ في عَذَابِ القَبر بِرَقْم: 1370]

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

ص: 4037

" إِنَّمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لهُمْ حَقّ " 00 وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى} {النَّمْل/80}

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا جَاءَ في عَذَابِ القَبر بِرَقْم: 1371]

وَأَخْتِمُ كَلَامِي في هَذَا البَابِ بهَذَا الحَدِيثِ الّذِي يُعَدُّ عُمْدَةً أَيْضَاً في هَذَا المَوْضُوع:

عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ ـ أَيْ أَخْبرَتْ وَالِدَهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ـ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَذُكِرَ لهَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُول: " إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ "

ص: 4038

فَقَالَتْ عَائِشَة: يَغْفِرُ اللهُ لأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـ أَيِ ابْنِ عُمَر ـ أَمَّا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأ؛ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" إِنهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ في قَبْرِهَا " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1289 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 932 / عَبْد البَاقِي]

يَا وَيْلَ مَنْ يُوصَفُ بمَا لَيْسَ فِيه

ثُمَّ إِنَّ التَّعْذِيبَ المَذْكُورَ في قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ في قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " قَدْ يَكُونُ مُتَمَثِّلاً في سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ لَهُ: أَأَنْتَ كَذَلِك، أَأَنْتَ كَذَا وَكَذَا؟ كَمَا سَيَأْتي،

ص: 4039

لَا سِيَّمَا أَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُؤَكَّدَةٍ بِالمَوَاثِيق، في رِوَايَةِ المُغِيرَةِ الَّتي مَرَّتْ آنِفَاً بِرَقْم [550]

مُسْتَقِلَّةً بِذَاتهَا عَنِ ابْنِ عُمَر رضي الله عنه حَتىَّ في رِجَالِهَا، كَمَا وَرَدَتْ كَلِمَاتُهُ في القَلِيبِ أَيْضَاً مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَةٍ، هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ بَعْضُهَا:

ص: 4040

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَرَكَ قَتْلى بَدْرٍ ثَلَاثَاً، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَف، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَة، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَة، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً 00؟

فَإِنيِّ قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَني رَبِّي حَقَّا " 00

ص: 4041

فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ كَيْفَ يَسْمَعُواْ وَأَنىَّ يُجِيبُواْ وَقَدْ جَيَّفُواْ 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه؛ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُواْ " 00 ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُواْ فَأُلْقُواْ في قَلِيبِ بَدْر " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2875 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4042

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَة، فَتَرَاءَ يْنَا الهِلَال، وَكُنْتُ رَجُلاً حَدِيدَ البَصَرِ فَرَأَيْتُه، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي؛ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ أَمَا تَرَاه 00؟

فَجَعَلَ لَا يَرَاه، سَأَرَاه 00 وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي، ثمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَن أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ رضي الله عنه:

إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالأَمْسِ يَقُول: " هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدَاً إِنْ شَاءَ الله " 00

ص: 4043

فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا أَخْطَأُواْ الحُدُودَ الَّتي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجُعِلُواْ في بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض؛ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ انْتَهَى إِلَيْهِمْ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" يَا فُلَانَ بْنَ فُلَان، وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَان؛ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ حَقَّا 00؟

فَإِنيِّ قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَني اللهُ حَقَّا " 0

ص: 4044

قَالَ عُمَر: يَا رَسُولَ الله؛ كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادَاً لَا أَرْوَاحَ فِيهَا 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّواْ عَلَيَّ شَيْئَا "

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2873 / عَبْد البَاقِي]

مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْه: أَنَّ العَذَابِ قَدْ يَكُونُ محْمُولاً عَلَى النَّحْوِ الوَارِدِ في بَاقَةِ الأَحَادِيثِ التَّالِيَة:

ص: 4045

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَال:

" أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَة، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَاجَبَلَاهْ، وَاكَذَا وَاكَذَا، تُعَدِّدُ عَلَيْه، فَقَالَ رضي الله عنه حِينَ أَفَاق: مَا قُلْتِ شَيْئَاً إِلَاّ قِيلَ لي: أَأَنْتَ كَذَلِك " 00؟

قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِير: فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْه " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَغَازِي بَاب: غَزْوَةِ مُؤْتَةَ في أَرْضِ الشَّام بِرَقْم: (4268)، وَالمِشْكَاةُ بِرَقْم: 1745]

ص: 4046

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُول: وَاجَبَلَاه 00 وَاسَيِّدَاه 00 أَوْ نحْوَ ذَلِك: إِلَاّ وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ: أَهَكَذَا كُنْت " 00؟

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (1003)، في " الجَامِعِ " بِرَقْم: 10727]

ص: 4047

أَيْ يَهُزَّانِهِ بِشِدَّةٍ قَائِلِينَ لَهُ: أَهَكَذَا كُنْت 00؟

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيّ: إِذَا قَالُواْ وَاعَضُدَاهُ وَاكَاسِيَاه، وَانَاصِرَاهُ وَاجَبَلَاهُ وَنحْوَ هَذَا: يُتَعْتَعُ وَيُقَال: أَنْتَ كَذَلِك 00؟ أَنْتَ كَذَلِك " 00؟

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1594]

ص: 4048

قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنيُّ قَال:

" إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ رضي الله عنه أُغْمِيَ عَلَيْه؛ فَأَتَاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ حَضَرَ أَجَلُهُ فَيَسِّرْ عَلَيْهِ وَإِلَاَّ فَاشْفِهِ " 0

فَوَجَدَ رضي الله عنه خِفَّةً فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ أُمِّي قَالَتْ: وَاجَبَلَاه، وَاظَهْرَاه، وَمَلَكٌ رَفَعَ مِرْزَبَةً مِن حَدِيدٍ يَقُول: أَنْتَ كَذَا، فَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَقَمَعَني بِهَا " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 233/ 1]

عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَال:

" لَا تَنُوحُواْ عَلَيَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنحْ عَلَيْه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ لِغَيرِهِ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 1851]

ص: 4049

طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ يُوصِي مَنْ يَنُوحُ عَلَيْه

وَبِرَغْمِ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ التي كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الإِسْلَامِ إِلَاّ أَنَّ الوَاحِدَ مِنهُمْ كَانَ لَا يَرْضَى أَنْ يُوصَفَ ـ عَلَى كُفْرِهِ ـ إِلَاّ بمَا فِيه، وَاسْمَعْ لِقَوْلِ طَرَفَة: إِذَا مُتُّ فَانعِيني بِمَا أَنَا أَهْلُهُ * وَشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ

لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ يُوصِي مَنْ يَنُوحُ عَلَيْه

وَأَجْمَلُ مِنهُ قَوْلُ لَبِيد:

فَقُومَا فَقُولَا بِالَّذِي قَدْ عَلِمْتُمَا * وَلَا تخْمِشَا وَجْهَا وَلَا تحْلِقَا شَعَرْ

وَقُولَا هُوَ المَرْءُ الَّذِي لَا صَدِيقَهُ * أَضَاعَ وَلَا خَانَ الأَمِينَ وَلَا غَدَرْ

ص: 4050

إِلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَلَامِ عَلَيْكُمَا * وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ

بِدَعٌ لهَا العَجَب

إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَترُكُواْ مِن أُمُورِ الدِّينِ شَيْئَاً إِلَاّ وَابْتَدَعُواْ فِيهِ مَا قَدَرُواْ عَلَيْهِ مِنَ البِدَع، رَغْمَ أَنَّ الدِّينَ لَمْ يَترُكْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا 00!!

فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ يَقُولُون: " رَبِّنَا افْتَكَرُه " وَكَأَنَّ اللهَ جل جلاله قَدْ نَسِيَهُ لِيَتَذَكَّرَه 00؟

{لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طَهَ: 52]

وَفي العَزَاءِ يَقُولُون: " البَقِيَّةُ في حَيَاتِك " وَ " يَأْخُذُ مِن عُمْرِهِ وَيُعْطِيك " 0

وَلَا يخْفَى عَلَيْنَا طَبْعَاً مَا في هَذَا مِنَ الجَهْلِ وَالمُخَالَفَة 0

ص: 4051

وَأَحْيَانَاً يَقُولُون: " البَقَاءُ لله " 00 وَهَذِهِ العِبَارَةُ ـ وَإِنْ صَحَّتْ مِن حَيْثُ المَعْنى ـ إِلَاّ أَنَّهَا خِلَافُ السُّنَّة 00

عَن أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوه، لَا تَكِنُّواْ " 00 أَيْ لَا تَسْتَحُواْ 0

[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 3153]

وَمِنْ بِدَعِ الجَنَائِزِ أَيْضَاً: أَنْ يَمُوتَ لِلأَبَوَيْنِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدَان، فَيَرْزُقُهُمَا اللهُ بِثَالِثٍ؛ فَيُسَمِّيَانِهِ تَسْمِيَةً مُنْكَرَةً لِيَعِيش 00!!

ص: 4052

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " كَانَتْ حَوَّاءُ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَد؛ فَنَذَرَتْ لَئِن عَاشَ لَهَا وَلَدٌ تُسَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِث؛ فَعَاشَ لَهَا وَلَدٌ فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الحَارِث، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ وَحْيِ الشَّيْطَان " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4003]

ص: 4053

وَمِن أَطْرَفِ مَا يحْكَى في ذَلِك: أَنَّ رَجُلاً وَامْرَأَةً كَانَ لَا يَعِيشُ لَهُمَا وَلَد؛ فَلَمَّا رَزَقَهُمَا اللهُ بِوَلَد؛ سَمَّوْهُ محَمَّدَاً فَمَات، ثُمَّ رَزَقَهُمَا اللهُ بَعْدِ حِينٍ بِوَلَدٍ آخَر، فَسَمَّوْهُ إِبْرَاهِيمَ فَمَات، فَرَزَقَهُمَا اللهُ بَعْدِ حِينٍ بِبِنْتٍ، فَسَمَّوْهَا فَاطِمَةَ فَمَاتَتْ، فَأَقْسَمَا لَئِنْ رَزَقَهُمَا اللهُ بِرَابِعٍ لَيَخْسِفُنَّ بِاسْمِهِ الأَرْض، فَرُزِقَا بِوَلَدٍ فَسَمَّوْهُ مُصِيبَةً فَعَاش،

ص: 4054

وَرُزِقَا بِآخَرَ فَسَمَّوْهُ دَاهِيَةَ فَعَاش، وَرُزِقَا بِبِنْتٍ فَسَمَّوْهَا حَرِيقَةً فَعَاشَتْ، ثمَّ مَضَى مِنَ الدَّهْرِ مَا مَضَى، وَأُصِيبَ دَاهِيَةُ بِدَاءٍ عُضَال، حَارَ فِيهِ الأَطِبَّاء، وَسَاءَتْ بِهِ الأَحْوَال، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللهُ بَعْدَ طُولِ عَنَاء، وَفي هَذِهِ الأَثْنَاء؛ تَصَادَفَ مَرَضُ ابْنَتِهِ حَرِيقَة، وَسَفَرُ ابْنِهِ مُصِيبَة، فَكَانَ النَّاسُ يُعَزُّونَهُ قَائِلِين:

" اصْبرْ وَاحْتَسِبْ 00 في دَاهِيَة، جَلَبَ اللهُ لَكَ مُصِيبَة، وَعَجَّلَ لَكَ بِقِيَامِ حَرِيقَة " 00!!

ص: 4055

كَلِمَةُ العَزَاءِ في الإِسْلَام

عَن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه قَال: " كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلى ابْنِهَا في المَوْت، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

" ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتحْتَسِبْ " 00 فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ أنهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبيُّ ** صلى الله عليه وسلم **

ص: 4056

وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَل، فَدُفِعَ الصَّبيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ـ أَيْ تَفُورُ ـ كَأَنَّهَا في شَنٍّ ـ أَيْ في قِرْبَةٍ ـ فَفَاضَتْ عَيْنَاه؛ فَقَالَ لَهُ سَعْد: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ "

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (7377 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (923)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42902]

فَضْلُ كَلِمَة: " إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون "

ص: 4057

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُواْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} {البَقَرَة/156}

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عَن هَذِهِ الآيَة: " نِعْمَ العِدْلَانِ وَنِعْمَ العِلَاوَة " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: الصَّبرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى بِرَقْم: 1302]

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي 00؟

فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيَقُول: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِه 00؟

ص: 4058

فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيَقُول: مَاذَا قَالَ عَبْدِي 00؟

فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَع؛ فَيَقُولُ الله سبحانه وتعالى: ابْنُواْ لِعَبْدِي بَيْتَاً في الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْد " 0

[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ وَالتِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: (1021)، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: (9700)، وَفي الْكَنْزِ بِرَقْم: 6552]

عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّ العِزَّةِ جل جلاله أَنَّهُ قَال: " ابْنَ آدَم: إِنْ صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى لَمْ أَرْضَ لَكَ ثَوَابَاً دُونَ الجَنَّة " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1597]

ص: 4059

وَعَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في فَضْلِهَا:

" مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مَا أُعطِيَتْ هَذِهِ الأُمَّة: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُواْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} {البَقَرَة/156}

وَلَو أُعْطِيَهَا أَحَد؛ لأُعْطِيَهَا يَعقُوبُ عليه السلام؛ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلى قَوْلِه: {يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ}

[الإِمَامُ الطَبرِيُّ في تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الآيَة: [يُوسُف / 84] طَبْعَةِ دَارِ الفِكْر 0 بَيرُوت: 43/ 2]

ص: 4060

وَعن أَبِي هِنْدٍ الدَّارِميِّ عَنْ سَيِّدِنَا النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعَاً؛ فَإِذَا بَلَغَ أَحَدَكُمْ مَوْتُ أَخِيهِ فَليَقُلْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، اللهُمَّ أَلحِقْهُ بِالصَّالحِينَ وَاخْلُفْ عَلَى ذُرَّيَّتِهِ في الغَابِرِين، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَوْمَ الدِّين، اللهُمَّ لَا تحْرِمْنَا أَجْرَه، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَه "

[رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِليَةِ وَالطَّبَرَانيُّ في الكَبِير، وَهُوَ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: (42216)، وَتَكَلَّمَ فِيهِ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: 331/ 2]

ص: 4061

وَعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعَاً؛ فَإِذَا بَلَغَ أَحَدَكُمْ وَفَاةُ أَخِيهِ فَليَقُلْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، اللهُمَّ وَإِنَّا إِلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون، اللهُمَّ اكْتُبْهُ عِنْدَكَ في عِلِّيِّين، وَاخْلُفْ عَقِبَهُ في الآخِرِين، اللهُمَّ لَا تحْرِمْنَا أَجْرَه، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَه " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَاني في الكَبِير، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 42217]

وَعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 4062

" مَن أُصِيبَ بمُصِيبَةٍ فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ فَأَحْدَثَ اسْترْجَاعَاً ـ أَيْ قَال: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ـ وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثلَ يَوْمِ أُصِيب " 0

[ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1600، وَهُوَ في كَنْزِ العُمَّالِ بِرَقْم: 6634، رَوَاهُ الإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ بِرَقْم: 9695]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:" مَنِ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ المُصِيبَةِ جَبرَ اللهُ مُصِيبَتَهُ وَأَحْسَنَ عُقبَاه، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفَاً صَالحَاً يَرْضَاه " 0 [ضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " 0 ص: (331/ 6)، رَوَاهُ الإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ بِرَقْم: 9689]

ص: 4063

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " مَنِ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ المُصِيبَةِ جَبرَ اللهُ مُصِيبَتَهُ وَأَحْسَنَ عُقبَاه، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفَاً صَالحَاً يَرْضَاه " 0 [ضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " 0 ص: (331/ 6)، الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: 9689]

الصَّبرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " مَرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي " 00؟

ص: 4064

قَالَتْ: إِلَيْكَ عَني فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتي ـ وَلَمْ تَعْرِفْهُ ـ فَقِيلَ لهَا: إِنَّهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ 00!!

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1283 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (926)، وَفي " الشُّعَب " بِرَقْم: 9702]

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: " أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبيٍّ لهَا؛ فَقَالَ لهَا صلى الله عليه وسلم:

" اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي " 00 فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالي بمُصِيبَتي 00؟!

ص: 4065

فَلَمَّا ذَهَبَ قِيلَ لهَا: إِنَّهُ رَسُولُ الله؛ فَأَخَذَهَا مِثْلُ المَوْت؛ فَأَتَتْ بَابَهُ فَلَمْ تجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَعْرِفْك، فَقَال صلى الله عليه وسلم:" إِنمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَة " أَوْ " عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَة "

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: (926)، وَالإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: 9702]

ص: 4066

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: " اشْتَكَى بَعْضُ أَوْلَادِ محَمَّدٍ الْبَاقِر؛ فَجَزِعَ عَلَيْه، ثُمَّ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ فَسُرِّيَ عَنه؛ فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ فَقَال: نَدْعُواْ اللهَ فِيمَا نُحِبّ، فَإِذَا وَقَعَ مَا نَكْرَهُ لَمْ نُخَالِفِ اللهَ فِيمَا أَحَبّ " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 408/ 4]

بَرَكَةُ العَزَاءِ الشَّرْعِيِّ الجَمِيل

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَات؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

ص: 4067

" قُولي: اللهُمَّ اغْفِرْ لي وَلَهُ، وَأَعْقِبْني مِنْهُ عُقْبى حَسَنَة " 00

فَقُلْتُ؛ فَأَعْقَبَني اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لي مِنْهُ: محَمَّدَاً صلى الله عليه وسلم " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ، بَاب: مَا يُقَالُ عِنْدَ المَرِيضِ وَالمَيِّت بِرَقْم: 919]

فَاحْمَدِ اللهَ عَلَى مَا اخْتَصَّكَ بِهِ مِنْ بَلَائِهِ وَقَضَائِهِ وَقُلْ:

أَنْزِلْ قَضَاكَ عَلَى الرِّضَى مِنيِّ بِهِ * إِنيِّ وَجَدْتكَ في البَلَاءِ رَفِيقَا

إِنْ صَبرْنَا فَأَمْرُ اللهِ نَافِذ، وَإِنْ جَزِعْنَا فَأَمْرُ اللهِ نَافِذ؛ فَتَحَلَّ بِالصَّبرِ الجَمِيل 00!!

ص: 4068

أَتَصْبرُ لِلبَلْوَى احْتِسَابَاً وَحِكْمَةً * فَتُؤْجَرَ أَمْ تَسْلُو سُلُوَّ البَهَائِمِ

{أَبُو تَمَّام 0 بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

اصْبرْ عَلَى سُنَنِ الْبَلَاءِ فَهَكَذَا مَضَتِ الدُّهُورْ

فَرَحٌ وَحُزْنٌ يَنْقَضِي لَا الحُزْنُ دَامَ وَلَا السُّرُورْ

{أَبُو العَتَاهِيَةِ بِتَصَرُّف}

فَقَدْتَ حَمِيمَكَ فَلَا تَفْقِدِ الأَجْر

إِذَا كُنْتَ قَدْ فَقَدْتَ حَمِيمَكَ فَلَا تَفْقِدِ الأَجْر 00!!

فَإِنْ كَانَ صَبرُكَ فِيهِ أَجْرٌ فَلَا يَكُن * فَقِيدُكَ لَا يَأْتي وَأَجْرُكَ يَذْهَبُ

*********

فَلَئِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ فَاصْبرْ لهَا * عَظُمَتْ مُصِيبَةُ مُبْتَلَىً لَا يَصْبِرُ

لَنْ يَرْجِعَ المَاضِي وَلَنْ يَتَحَقَّقَ الأَمَلُ البَعِيدْ

فَانْسَ الحَدِيثَ عَنِ الأَحِبَّةِ وَاللَّيَالي وَالصَّعِيدْ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي 0 بِتَصَرُّفٍ في الْقَافِيَتَين}

ص: 4069

{كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوْت، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرَّ وَالخَيْرِ فِتنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون} {الأَنْبِيَاء: 35}

فَمَا المَالُ وَالأَهْلُونَ إِلَاّ وَدَائِعُ * وَلَابُدَّ يَوْمَا أَنْ تُرَدَّ الوَدَائِعُ

وَهَكَذَا هُوَ المَوْت: لَا يَرْحَمُ صَغيرَاً، وَلَا يُعْفِي كَبِيرَاً 00 وَتَبَارَكَ القَائِل:

{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب} {الرَّعْد: 38}

كَذَا الأَيَّامُ لَا تُبْقِي عَزِيزَاً * وَسَاعَاتُ السُّرُورِ بِهَا قَلِيلَة

{مَا تَسْبقُ مِن أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُون} {العَنكَبُوت: 64}

ص: 4070

عَن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي: أَنَّ نَفْسَاً لَنْ تمُوتَ حَتىَّ تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا؛ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَجْمِلُواْ في الطَّلَب، وَلَا يحْمِلَنَّ

أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بمَعْصِيَةِ الله؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى: لَا يُنَالُ مَا عِنْدَه إِلَاّ بِطَاعَتِه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ بِرَقْم: (2085)، وَفي الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (2866)، الحِليَةُ لأَبي نُعَيْم]

ص: 4071

دَعِ الأَقْدَارَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ * وَطِبْ نَفْسَاً إِذَا حَكَمَ القَضَاءُ

وَلَا تجْزَعْ لحَادِثَةِ اللَّيَالي * فَمَا لحَوَادِثِ الدُّنيَا بَقَاءُ

وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ المَنَايَا * فَلَا أَرْضٌ تَقِيهِ وَلَا سَمَاءُ

وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ وَلكِن * إِذَا نَزَلَ القَضَا ضَاقَ الفَضَاءُ

*********

ص: 4072

قَدْ صَارَ ضَيْفَ اللهِ في دَارِ الرِّضَا * وَعَلَى الكَرِيمِ كَرَامَةُ الضِّيفَانِ

تَعْفُو المُلُوكُ عَنِ النَّزِيلِ بِسَاحِهَا * كَيْفَ النُّزُولُ بِسَاحَةِ الرَّحْمَن

مَن عَزَّى مُصَابَاً كَسَاهُ اللهُ تَعَالى مِن حُلَلِ الكَرَامَة

عَن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بمُصِيبَةٍ؛ إِلَاّ كَسَاهُ اللهُ تَعَالى مِن حُلَلِ الكَرَامَة يَوْمَ القِيَامَة " 0 [حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ وَالجَنَائِزِ بِأَرْقَام: 10691، 195، 109، وَفي سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1601]

ص: 4073

وَعَنْ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:

" مَن عَزَّى مُصَابَاً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِه " 0 [ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ وَالإِرْوَاءِ بِرَقْم: (765)، وَفي كَنْزِ العُمَّالِ بِرَقْم: 42608]

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَال:

" مَن عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدَاً في الجَنَّة " 0 [ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ وَالمِشْكَاةِ بِرَقْم: (2060)، وَفي كَنْزِ العُمَّالِ بِرَقْم: 42609]

ص: 4074

مُوَاسَاةُ أَهْلِ المَيِّت

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ حِينَ جَاءهُ خَبرُ اسْتِشْهَادِ جَعْفَرَ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه:

" اصْنَعُواْ لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامَاً؛ فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ " 0 [صَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 1751، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في الجَنَائِزِ وَفي سُننيِ الإِمَامَينِ ابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ بِرَقْمَيْ: 1610، 998]

عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ:

" لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى أَهْلِهِ فَقَال: " إِنَّ آلَ جَعْفَرٍ قَدْ شُغِلُواْ بِشَأْنِ مَيِّتِهِمْ فَاصْنَعُواْ لَهُمْ طَعَامَاً " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 1611]

ص: 4075

مَن أَدْرَكَ مُصِيبَتَهُ في رَسُولِ اللهِ هَانَتْ عَلَيْهِ مُصِيبَتُه

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَابَاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ كَشَفَ سِتْرَاً: فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبي بَكْر؛ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ رَجَاءَ أَنْ يخْلُفَهُ اللهُ فِيهِمْ ـ أَيْ يُقِرَّ عَيْنَهُ فِيهِمْ ـ بِالَّذِي رَآهُمْ فَقَال:

" يَا أَيُّهَا النَّاس: أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ؛ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بي عَنِ المُصِيبَةِ الَّتي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي؛ فَإِنَّ أَحَدَاً مِن أُمَّتي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتي " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (13837)، وَفي ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: (1599)، الْكَنْز: 42964]

ص: 4076

عَنْ سَابِطٍ الجُمَحِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بمصِيبَةٍ فَليَذكُرْ مُصِيبَتَهُ بي؛ فَإِنهَا مِن أَعْظَمِ المَصَائِب " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان 0 مجْمَعُ الزَّوَائِدِ 0 ص: (2/ 3)، الإِمَامُ الطَّبرَاني، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 6644]

وَاقْتَبَسَ هَذَا المَعْنى أَحَدُ الشُّعَرَاء فَأَنْشَدَ وَأَجَادَ الإِنْشَادَ حَيْثُ قَال:

اصْبر لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتجَلَّدِ * وَاعْلَمْ بِأَنَّ المَرْءَ غَيرُ مخَلَّدِ

وَإِذَا ذَكَرْتَ مُصِيبَةً تَشْجُو بِهَا * فَاذْكُرْ مُصَابَكَ في الحَبِيبِ محَمَّدِ

ص: 4077

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:

" دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبي سَيْفٍ القَيْن، وَكَانَ ظِئْرَاً لإِبْرَاهِيمَ ـ أَيْ زَوْجَاً لمُرْضِعَتِه ـ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يجُودُ بِنَفْسِه، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَان، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله 00؟

ص: 4078

وَمِن أَجْمَلِ مَا يمْكِنُ أَنْ يُقَالَ في التَّعَازِي قَوْلُ هَذَا الشَّاعِر:

تُرَى هَلْ أَسُوقُ إِلَيْكمْ عَزَائِي * وَكَيْفَ يُعَزِّي حَزِينٌ حَزِينَا

إِذَا نحْنُ في إِثْرِ كُلِّ عَزِيزٍ * بَكَيْنَا قَضَيْنَا الحَيَاةَ أَنِينَا

فَلِمَ البُكَاءُ إِذَن:

فَإِنَّ البُكَاءَ يُعَزِّي الحَزِينَا * وَلكِنَّهُ لَا يَرُدُّ الفَقِيدَا

ص: 4079

قَالَ الأَصْمَعِيّ: " شَهِدْتُ صَالِحَاً المُرِّيَّ عَزَّى رَجُلاً فَقَال: لَئِنْ كَانَتْ مُصِيبَتُكَ بِابْنِكَ لَمْ تُحْدِثْ لَكَ مَوْعِظَةً في نَفْسِك؛ فَهِي هَيِّنَةٌ في جَنْبِ مُصِيبَتِكَ في نَفْسِكَ فَإِيَّاهَا فَابْك " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 48/ 8]

الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مُعَزِّيَاً

وَلِذَا عَزَّى الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ صَدِيقَاً لَهُ فَقَال:

إِنيِّ مُعَزِّيكَ لَا أَنيِّ عَلَى ثِقَةٍ * مِنَ البَقَاءِ وَلَكِنْ سُنَّةُ الدِّينِ

فَمَا المُعَزِّي بِبَاقٍ بَعْدَ مَيِّتِهِ * وَلَا المُعَزَّى وَلَوْ عَاشَا إِلى حِينِ

ص: 4080

الْوَزِيرُ الْعَادلُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ مُعَزِّيَاً

عَزَّى الْوَزِيرُ الْعَادلُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ وَلَدَيْ عُمَرَ بْنَ أَبي عُمَرَ الْقَاضِيَ في أَبِيهِمَا فَقَالَ لَهُمَا: " مُصيبَةٌ قَدْ وَجَبَ أَجْرُهَا: خَيْرٌ مِنْ نِعْمَةٍ لَا يُؤَدَّى شُكْرُهَا " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 300/ 15]

ص: 4081

وَمِمَّا يَجْدُرُ قَوْلُهُ في التَّعَازِي قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا: {كُلُّ مَن عَلَيْهَا فَان {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذو الجَلَال والإِكْرَام} {الرَّحْمَن}

فَسُبْحَانَ مَنْ لَهُ الحَمْدُ عَلَى الدَّوام 00!!

فَيَوْمَاً مُعَزٍّ وَيَوْمَاً مُعَزَّىً * وَيَوْمَاً عَلَيَّ يَكُونُ العَزَاءُ

هَذَا 00

وَإِنَّ النَّفْسَ تَهْدَأُ بَعْدَ حِينٍ * إِذَا لَمْ تَلْقَ بِالجَزَعِ انْتِفَاعَا

ص: 4082

وَعَزَّى شَاعِرٌ بَعْضَ الخُلَفَاءِ بِابْنٍ لَهُ فَكَتَبَ إِلَيْه:

تَعَزَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ * لِمَا قَدْ تَرَى يَغْدُو الصَّغِيرُ وَيَكْبُرُ

تَعَذَّرَ أَنْ نَعْتَاضَ عَن أُمَّهَاتِنَا * وَآبَائِنَا وَالنَّسْلُ لَا يَتَعَذَّرُ

فَمَاتَ أَبٌ لَكَ لَا يُعَوَّضُ مِثْلُهُ * وَلِلدَّهْرِ مَعْرُوفٌ وَلِلدَّهْرِ مُنْكَرُ

تَعَزَّيْتَ عَمَّن أَثْمَرَتكَ حَيَاتُهُ * وَوَشْكُ التَّعَزِّي عَنْ ثَمَارِكَ أَجْدَرُ

فَصَبْرَاً عَلَى مَا قَدْ أُصِبْتَ فَإِنَّمَا * تَجَلَّتْ مُصِيبَةُ مُبْتَلٍ لَيْسَ يَصْبِرُ

[المُسْتَطْرَفُ في كُلِّ فَنٍّ مُسْتَظْرَف 0 البَابُ الثَّاني وَالثَّمَانُونَ في ذِكْرِ المَوْت]

ص: 4083

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الحَسَنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه ضَرَبَتِ امْرَأَتُهُ القُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً ثمَّ رُفِعَتْ؛ فَسَمِعُواْ صَائِحَاً يَقُول: أَلَا هَلْ وَجَدُواْ مَا فَقَدُواْ 00؟

فَأَجَابَهُ الآخَرُ: " بَلْ يَئِسُواْ فَانْقَلَبُواْ " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا يُكْرَهُ مِنَ اتخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُور بِرَقْم: (1330)، المِشْكَاة: 1749]

ص: 4084

ذِكْرَى الأَرْبَعِينَ وَالسَّنَوِيَّة

وَمِن السُّنَّةِ أَلَاّ يَطُولَ التَّعَازِي كَمَا هُوَ الحَالُ عِنْدَنَا في مِصْر: ذِكْرَى الأَرْبَعِين، وَذِكرَى الخَمْسِين، وَالسَّنَوِيَّة، وَطَلعَةُ المَوَاسِم 00!!

كَثْرَةُ التَّعَازِي المُبَالَغُ فِيهَا: لَمْ تَرِدْ في السُّنَّةِ وَلَا في القُرْآن؛ فَضْلاً عَلَى أَنَّهَا تُجَدِّدُ الأَحْزَان، وَللهِ مَنْ قَالَ في الأَمْثَال:

" يَا مُعَزِّيَاً بَعْدَ عَام: يَا مجَدِّدَاً الأَحْزَان " 0

فَنَسْأَلُ اللهَ جل جلاله أَنْ يُقَيِّضَ لهَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يجَدِّدُ لهَا دِينَهَا لَا حُزْنهَا؛ فَالأُمَّةُ الآن: لَا تحْتَمِلُ مَزِيدَاً مِنَ الأَحْزَان 00

ص: 4085

فَوَائِدُ التَّلْبِينَة؛ في مُدَاوَاةِ الْقُلُوبِ الحَزِينَة

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ؛ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِن أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلَاّ أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا؛ أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا؛ فَإِنيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " التَّلْبِينَةُ؛ مَجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيض، تُذْهِبُ بَعْضَ الحُزْن " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2216 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4086

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" عَلَيْكُمْ بِالْبَغِيضِ النَّافِع: التَّلْبِينَة؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِه: إِنَّهَا لَتَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ؛ كَمَا يَغْسِلُ الْوَسَخَ عَنْ وَجْهِهِ بِالمَاء " 0 [التَّلْبِينَة: حِسَاءٌ يُصْنَعُ مِنَ الدَّقِيقِ وَالْعَسَل]

تَقُولُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها: " وَكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى أَحَدٌ مِن أَهْلِهِ: لَمْ تَزَلِ الْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ حَتىَّ يَأْتيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْه: إِمَّا مَوْتٌ أَوْ حَيَاة " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7455، 8245]

ص: 4087

مُوَاسَاةُ مَنْ لَمْ تَعْرِفْ مِنَ المُسْلِمِين

وَالمُوَاسَاةُ تَكُونُ لجَمِيعِ المُسْلِمِين، مَن عَرَفْتَ مِنهُمْ وَمَنْ لَمْ تَعْرِف 00

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:

" مَرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: قَوْلِ الرَّجُلِ لِلمَرْأَةِ عِنْدَ القَبرِ اصْبرِي بِرَقْم: 1252]

ص: 4088

قِرَاءةُ القُرْآنِ عَلَى المَوْتَى

مِنَ البِدَعِ الشَّائِعَةِ بِدْعَةُ قِرَاءةِ القُرْآنِ عَلَى المَقَابِر:

إِنَّ قِرَاءةَ القُرْآنِ عَلَى المَقَابِرِ بِدْعَةٌ لَمْ تَرِدْ عَنِ الرَّعِيلِ الأَوَّلِ وَلَا عَنِ التَّابِعِين، وَمَنْ قَالَ بِغَيرِ هَذَا فَليَأْتِنَا بحَدِيثٍ وَاحِدٍ وَلَوْ ضَعِيفَاً يُؤَيِّدُ بِهِ كَلَامَه 00!!

ص: 4089

وَلَوْ كَانَ لَهُ في الدِّينِ أَصْلٌ لَفَعَلَهُ الصِّدِّيقُ عَلَى قَبرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَفَعَلَهُ الفَارُوقُ عَلَى قَبرِ الصِّدِّيق، إِنَّمَا كُلُّ مَا ثَبُتَ بِالدَّلِيلِ فَقَطْ هُوَ قِرَاءةُ " يس " عَلَى رَأْسِ المحْتَضِرِ ـ وَهْوَ يحْتَضِرُ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ قَبْلَ خُرُوجِ الرُّوح ـ أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَبِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلطَان، لَمْ تَرِدْ في السُّنَّةِ وَلَا في القُرْآن 00!!

قَالَ سبحانه وتعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيَّاً} [يَس: 70]

وَقَالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا أَنْتَ بمُسْمِعٍ مَنْ في القُبُور} [فَاطِر: 22]

ص: 4090

أَمَّا مَا نُقِلَ إِلَيْنَا عَنْ بَعْضِ القُدَامَى في جَوَازِهَا: فَصُورَةُ القِرَاءةِ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ كَمَا هِيَ اليَوْم / مُقرِئٌ وَسُرَادِقٌ 000 إِلخ، وَإِنَّمَا أَجَازُواْ فَقَطْ أَنْ يَقرَأَ الوَلَدُ بِنَفسِهِ ثُمَّ يَقُول: وَهَبْتُ ثَوَابَ ذَلِكَ لِوَالِدِي، بَلْ وَحَتىَّ هَذَا لَا دَلِيلَ عِنْدَهُمْ عَلَيْه، وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّواْ بحَدِيثٍ لَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلاً يَقُول:

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " يَا رَسُولَ الله: إِنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنحُجُّ عَنهُمْ وَنَدْعُو لهُمْ؛ فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ: إِنَّهُ لَيَصِلُ إِلَيْهِمْ وَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إِذَا أُهْدِيَ إِلَيْه " 0

[البَكْرِيّ 0 الإِكْمَال: (313/ 2)، أَمَّا رَأَيُ مَالِكٍ وَأَحْمَد: فَهُوَ نَقْلاً عَنْ مجَلَّةِ التِّبْيَان 0 الجَمْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ 0 عَدَد: 11/ 18]

ص: 4091

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَة: " وَأَمَّا القِرَاءةُ الدَّائِمَةُ عَلَى القُبُور؛ فَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ السَّلَف، وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ في القِرَاءةِ عَلَى القَبر؛ فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ في أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنه، وَرَخَّصَ فِيهَا في الرِّوَايَةِ المُتَأَخِّرَة؛ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ دَفْنِهِ بِفَوَاتِحِ الْبَقَرَةِ وَخَوَاتِمِهَا، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَوّصَى عِنْدَ قَبرِهِ بِالْبَقَرَة 0

ص: 4092

وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ الدَّفْن، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِك؛ وَلِهَذَا فُرِّقَ في الْقَوْلِ الثَّالِثِ بَينَ القِرَاءةِ حِينَ الدَّفْنِ وَالقِرَاءةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الدَّفْن؛ فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ لَا يُعْرَفُ لَهَا أَصْل " 0 [شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في " الفَتَاوَى الكُبرَى " طَّبْعَةِ مَكْتَبَةِ ابْنِ تَيْمِيَةَ بِالْقَاهِرَة 0 ص: 317/ 24]

ـ أَمَّا قِرَاءةُ الفَاتحَةِ عَلَى المُتَوَفَّى؛ فَلَيْسَ لَهَا أَصْلٌ في الدِّين، غَيرَ حَدِيثٍ وَاحِدٍ تَأْخُذُهُ العَامَّةُ عَلَى عَوَاهِنِهِ دُونَ مَا تَدْقِيقٍ وَلَا تحْقِيق:

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَال:

ص: 4093

" صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَلَى جِنَازَة، فَقَرَأَ بِفَاتحَةِ الكِتَاب، قَالَ رضي الله عنه: لِيَعْلَمُواْ أَنهَا سُنَّةٌ " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: قِرَاءةِ فَاتحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجِنَازَة بِرَقْم: 1335 / فَتْح]

" فَقَرَأَ بِفَاتحَةِ الكِتَابِ " هُنَا ـ كَمَا في الرِّوَايَاتِ الشَّارِحَة: أَيْ جَهَرَ بهَا في صَلَاةِ الجِنَازَة، لَا قَرَأَهَا تَرَحُّمَاً عَلَى المَيِّتِ كَمَا يَفْعَلُ عَامَّةُ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنَ المُسْلِمِين 0

ص: 4094

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةٍ وَجَهَرَ حَتىَّ أَسْمَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ رضي الله عنه: سُنَّةٌ وَحَقٌّ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: 1987]

ص: 4095

وَمِمَّا وَجَدْتُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل أَنَّهُ يُمْكِنُ الاِسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى أَنَّ المَقَابِرَ لَا يُقْرَأُ فِيهَا الْقُرْآنُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا تَجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ مَقَابِر؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَة " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 780]

ص: 4096

مَا يَصِلُ المَيِّتَ ثَوَابُهُ بَعْدَ المَوْت

الْكَثِيرُونَ يَنْفُونَ انْتِفَاعَ الإِنْسَانَ بِشَيْءٍ مِنَ الثَّوَابِ مِن غَيْرِهِ وَيَسْتَنِدُونَ إِلىَ هَذِهِ الآيَةِ فَيَقُولُون: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} {النَّجْم/39}

إِنَّهُ مِنْ كَمَالِ جَمَالِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا: أَنَّهُ قَالَ في هَذِهِ المَسْأَلَة:

{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {الأَنعَام/164}

ص: 4097

فَلَا تَضُرُّكَ جِنَايَةُ غَيرِك، بَيْنَمَا يَنْفَعُكَ سَعْيُهُ مِن أَجْلِ خَيرِك: كَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ، وَشَفَاعَتِهِ، وَصَدُقَاتِهِ؛ فَالآيَةُ إِنَّمَا تُطَمْئِنُ المُسْلِمَ أَنَّ شَرَّ غَيرِهِ لَا يُصِيبُه، فَلَا يُصِيبُ الإِنْسَانَ إِلَاّ مَا سَعَى؛ أَلَا قَرَأُواْ مَا قَبْلَهَا جَيِّدَاً، وَمَا بَعْدَهَا مُؤَكِّدَاً:{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بمَا في صُحُفِ مُوسَى {36} وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى {37} أَلَاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {38} وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى {39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى {40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى} {النَّجْم}

ص: 4098

وَلِذَا رَدَّ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الْفَتَاوَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ هَذَا المَفْهُومَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ المُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الأُمَّةِ أَنَّ المُؤْمِنَ يَنْتَفِعُ بِمَا لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ: كَدُعَاءِ المَلَائِكَةِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ؛ كَمَا في قَوْله جَلَّ وَعَلَا: {الَّذِينَ يحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيم}

{غَافِر/7}

وَدُعَاءُ النَّبِيِّين، وَالمُؤْمِنِين، وَاسْتِغْفَارُهُمْ؛ كَمَا في قَوْله جَلَّ وَعَلَا:

{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم} {التَّوْبَة/103}

ص: 4099

وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: «مَنْ شَهِدَ الجِنَازَةَ حَتىَّ يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاط، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتىَّ تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَان» 00 قِيل: وَمَا القِيرَاطَان؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْن» 00 أَيْ مِنَ الحَسَنَات 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1325 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 945 / عَبْد البَاقِي]

فَهُوَ جل جلاله قَدْ يَرْحَمُ المُصَلِّيَ عَلَى المَيِّتِ بِدُعَائِهِ لَهُ، وَيَرْحَمُ المَيِّتَ أَيْضَاً بِدُعَاءِ هَذَا الحَيِّ لَهُ» 0

ص: 4100

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلَاثَة: إِلَاّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَة، أَوْ عِلمٍ يُنْتَفَعُ بِه، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه " 0

[أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الوَصِيَّةِ بِرَقْم: 1631]

وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمَاً عَلَّمَهُ وَنَشَرَه، وَوَلَدَاً صَالحَاً تَرَكَه، وَمُصْحَفَاً وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدَاً بَنَاهُ أَوْ بَيْتَاً لَابْنِ السَّبِيلِ بَنَاه " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (242)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 43657]

ص: 4101

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " سَبْعٌ يجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ في قَبرِهِ بَعْدَ مَوْتِه: مَن عَلَّمَ عِلْمَاً، أَوْ أَجْرَى نَهْرَاً، أَوْ حَفَرَ بِئْرَاً، أَوْ غَرَسَ نخْلاً، أَوْ بَنىَ مَسْجِدَاً، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفَاً، أَوْ تَرَكَ وَلَدَاً يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِه " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (5915)، رَوَاهُ الإِمَامُ الْبَزَّار]

ص: 4102

ـ أَمَّا الصَّدَقَةُ الجَارِيَة؛ فَهَذَا الحَدِيثُ خَيرُ مِثَالٍ في ذَلِك:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:

" أَصَابَ عُمَرُ أَرْضَاً بخَيْبَر؛ فَأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَال رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنيِّ أَصَبْتُ أَرْضَاً بخَيْبر، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ؛ فَمَا تَأْمُرُني بِهِ 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا "

فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُبْتَاع ـ أَيْ عَلَى أَنْ لَا يُبَاعَ وَلَا يُشْتَرَى ـ وَلَا يُورَّثُ وَلَا يُوهَب؛ فَتَصَدَّقَ عُمَرُ في الفُقَرَاءِ وَفي القُرْبى وَفي الرِّقَاب، وَفي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْف، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوف، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقَاً غَيرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً " 0 [أَيْ غَيرَ مُدَّخِرٍ لِنَفْسِهِ مِنهَا شَيْئَا0رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1633]

ص: 4103

ـ وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّالحُ وَمَا يَعُودُ عَلَى أَبِيهِ مِنَ اسْتِغْفَارِهِ لَه؛ فَهَذَا الحَدِيثُ خَيرُ مِثَالٍ في ذَلِك:

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ في الجَنَّة؛ فَيَقُولُ أَنَّى لي هَذَا 00؟! فَيُقَال: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَك " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَفي الصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 1617، 1598، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبي شَيْبَة]

ص: 4104

الصَّدَقَةُ عَنِ المُتَوَفىَّ بَعْدَ مَوْتِه

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنهَا؛ فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنهَا؛ أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنهَا 00؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2756 / فَتْح]

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبي مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً، وَلَمْ يُوصِ؛ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَن أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" نَعَمْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1630 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4105

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصَ بْنِ وَائِلٍ رضي الله عنه أَنَّ العَاصَ بْنَ وَائِلٍ ـ أَيْ جَدَّهُ ـ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مِائَةُ رَقَبَة؛ فَأَعْتَقَ ابْنُهُ هِشَامٌ خَمْسِينَ رَقَبَة؛ فَأَرَادَ ابْنُهُ عَمْرٌو أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ الخَمْسِينَ البَاقِيَة؛ فَقَالَ رضي الله عنه: حَتىَّ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ إِنَّ أَبي أَوْصَى بِعَتْقِ مِائَةِ رَقَبَة، وَإِنَّ هِشَامَاً أَعْتَقَ عَنْهُ خَمْسِينَ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ رَقَبَة؛ أَفَأُعْتِقُ عَنْهُ 00؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمَاً فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ؛ بَلَغَهُ ذَلِك " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " وَفي " الجَامِعِ " بِرَقْمَيْ: 2883، 9422]

ص: 4106

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ العَاصَ بْنَ وَائِلٍ ـ أَيْ جَدُّ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه نَذَرَ في الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَة ـ أَيْ مِاْئَةَ نَاقَة ـ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ العَاصِ نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَة، وَأَنَّ عَمْرَاً سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِك؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَمَّا أَبُوك: فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيد، فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ: نَفَعَهُ ذَلِك " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6704، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 484]

ص: 4107

ثَوَابُ الوَالِدَيْنِ في فَقْدِ الوَلَد

عَنْ لجْلَاجٍ العَامِرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ العَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِه؛ ابْتَلَاهُ اللهُ في جَسَدِهِ، أَوْ في مَالِهِ، أَوْ في وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِك؛ حَتىَّ يُبَلِّغَهُ المَنْزِلَةَ الَّتي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ تَعَالى " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 3090]

ص: 4108

وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في جَسَدِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِه: حَتىَّ يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: (494)، كَمَا صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 7846]

رَوَى أَبُو سَلْمَى الرَّاعِي رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " بَخٍ بَخٍ بِخَمْسٍ مَا أَثْقَلَهُنَّ في المِيزَان: لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَسُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَاللهُ أَكْبر، وَالْوَلَدُ الصَّالحُ يُتَوَفىَّ لِلْمَرْءِ فَيَحْتَسِبُه "

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في ظِلَالِ الجَنَّةِ بِرَقْم: 781]

ص: 4109

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي 00؟

فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيَقُول: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِه 00؟

فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيَقُول سبحانه وتعالى: مَاذَا قَالَ عَبْدِي 00؟

فَيَقُولُون: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَع؛ فَيَقُولُ اللهُ سبحانه وتعالى: ابْنُواْ لِعَبْدِي بَيْتَاً في الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْد "

[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: (1021)، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: (9700)، وَفي الكَنْزِ بِرَقْم: 6552]

تَدْمَعُ العَيْنُ وَيحْزَنُ القَلْب، وَلَا نَقُولُ إِلَاّ مَا يُرْضِي الرَّبَّ

ص: 4110

عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيم: " إِنَّ العَينَ تَدْمَع، وَالقَلبَ يحْزَن، وَلَا نَقُولُ إِلَاّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لمحْزُونُون " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1303 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2315)، وَهُوَ في الْكَنْزِ بِرَقْم: 42479]

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:

ص: 4111

" دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبي سَيْفٍ القَيْنِ وَكَانَ ظِئْرَاً لإِبْرَاهِيمَ ـ أَيْ زَوْجَاً لمُرْضِعَتِه ـ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يجُودُ بِنَفْسِه؛ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَان؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟!

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَة " 00 ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

ص: 4112

" إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ وَالقَلْبَ يحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَاّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لمحْزُونُونَ "

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا بِكَ لمحْزُونُونَ بِرَقْم: 1303]

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" لَوْ عاشَ إِبْرَاهِيمُ لَكَانَ صِدِّيقَاً نَبِيَّا " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (9403/ 5272)، رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِر]

يُكْمِلُ رِضَاعَهُ في الجَنَّةِ

ص: 4113

عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ حِينَ تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَبِيبِ المُصْطَفَى قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" إِنَّ لَهُ مُرْضِعَاً في الجَنَّة " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا قِيلَ في أَوْلَادِ المُسْلِمِين بِرَقْم: 1382]

ص: 4114

عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْني، وَإِنَّهُ مَاتَ في الثَّدْي؛ وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ ـ أَيْ مُرْضِعَتَينِ ـ تُكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ في الجَنَّة " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الفَضَائِلِ بَاب: رَحْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِلصِّبْيَانِ وَالعِيَالِ بِرَقْم: (2316)، وَفي الكَنْزِ بِرَقْم: 32210]

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَال: " مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرَاً؛ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُدْفَنَ في البَقِيعِ وَقَال:

" إِنَّ لَهُ مُرْضِعَاً تُرْضِعُهُ في الجَنَّة "[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 18550]

ص: 4115

وَلَا نَنْسَى مَوْقِفَهُ يَوْمَئِذٍ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا خَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ وَفَاتِه: عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَال: " انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيم؛ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِه، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتىَّ يَنْجَلِي " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ بِكِتَابِ الجُمُعَةِ بَاب: الدُّعَاءِ في الخُسُوف بِرَقْم: (1060)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الكُسُوفِ بِرَقْم: 904]

ص: 4116

لَاحِظ يَرْحَمُكَ اللهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَترُكهُمْ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ وَهْوَ شَرَفٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَابْنِهِ إِبْرَاهِيم، وَلَكِنْ قَالَ لهُمْ مَا قَدْ قَال؛ لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ رَبِّ العَالمِينَ لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى 0

ص: 4117

أَبُو طَلحَةَ وَأُمُّ سُلَيْم

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: " مَاتَ ابْنٌ لأَبي طَلْحَةَ مِن أُمِّ سُلَيْمٍ رضي الله عنهما؛ فَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُواْ أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتىَّ أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ؛ فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِب، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِك؛ فَوَقَعَ بِهَا [أَيْ جَامَعَهَا]، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنهَا قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَة؛ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَاً أَعَارُواْ عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُواْ عَارِيَتَهُمْ؛ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ 00؟

قَالَ لَا، قَالَتْ فَاحْتَسِبِ ابْنَك،

ص: 4118

فَغَضِبَ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَقَالَ: تَرَكْتِني حَتىَّ تَلَطَّخْتُ ثمَّ أَخْبَرْتِني بِابْني 00؟!

فَانْطَلَقَ حَتىَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بَارَكَ اللهُ لَكُمَا في غَابِرِ [أَيْ سَالِفِ] لَيْلَتِكُمَا " 00 فَحَمَلَتْ؛ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ [أَيْ في الْغَزْو]، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى المَدِينَةَ [أَيْ إِذَا رَجَعَ] مِنْ سَفَرٍ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقَاً [أَيْ لَا يَبِيتُ خَارِجَهَا لِيَدْخُلَهَا ضُحَىً]؛ فَدَنَوْا مِنَ المَدِينَة، فَضَرَبَهَا المخَاض، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه

ص: 4119

[أَيْ أَقَامَ عَلَيْهَا لِيَرْعَاهَا]، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو طَلْحَة رضي الله عنه: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُني أَن أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَل، وَقَدِ احْتُبِسْتُ بِمَا تَرَى؛ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها: يَا أَبَا طَلْحَة؛ مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِد؛ انْطَلِقْ؛ فَانْطَلَقْنَا، وَضَرَبهَا المخَاضُ حِينَ قَدِمَا؛ فَوَلَدَتْ غُلَامَاً، فَقَالَتْ لي أُمِّي: يَا أَنَس؛ لَا يُرْضِعْهُ أَحَدٌ حَتىَّ تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَنَس: فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَم [حَدِيدَةٌ تُسْتَخْدَمُ في الكَيّ]؛

ص: 4120

فَلَمَّا رَآني قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ " 00؟

قُلْتُ نَعَمْ، فَوَضَعَ المِيسَمَ وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَجْوَةٍ مِن عَجْوَةِ المَدِينَة، فَلَاكَهَا في فِيهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ ذَابَتْ، ثمَّ قَذَفَهَا في فيِ الصَّبيّ؛ فَجَعَلَ الصَّبيُّ يَتَلَمَّظُهَا [أَيْ يَبْلَعُهَا وَهُوَ يُنْكِرُ طَعْمَهَا]؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" انْظُرُواْ إِلىَ حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ " 00 فَمَسَحَ صلى الله عليه وسلم وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ الله " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2144 / عَبْدُ الْبَاقِي]

ص: 4121

بَرَكَةُ الصَّبرِ الجَمِيل

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: " اشْتَكَى ابْنٌ لأَبي طَلْحَةَ رضي الله عنه فَمَات، وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِج، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئَاً وَنَحَّتْهُ في جَانِبِ البَيْت، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه قَال: كَيْفَ الغُلَام 00؟

قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاح، وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أنهَا صَادِقَة، فَبَاتَ فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَات،

ص: 4122

فَصَلَّى مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بمَا كَانَ مِنْهُمَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا في لَيْلَتِكُمَا "

قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَار: " فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ القُرْآن "

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1301 / فَتْح]

وَمَنْ يَدْرِي فَلَعَلَّ ذَلِكَ الصَّبيَّ الَّذِي مَاتَ لَوْ عَاشَ لأَرْهَقَهُمَا طُغْيَانَاً وَكُفْرَا 00!!

ص: 4123

تَعْلِيقٌ جَمِيلٌ لِفَضِيلَةِ الشِّيخ كِشْك

اسْتَمِعْ مَعِي إِلى فَضِيلَةِ الشِّيخْ كِشْك رحمه الله وَهُوَ يُصَوِّرُ هَذَا المَشْهَدَ المُؤَثِّرَ بِعِبَارَات: تَتَحَدَّرُ لهَا العَبَرَات؛ فَيَقُولُ مَا مخْتَصَرُه:

ص: 4124

" كَانَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ طَلحَة، وَكَانَتْ تُحِبُّ زَوْجَهَا حُبَّاً شَدِيدَاً، وَكَانَ رَجُلاً صَالحَاً، فَرَزَقَهُمَا اللهُ بِمَوْلُودٍ فَسَمَّوْهُ عُمَيْرَاً، وَمَرِضَ عُمَيرٌ وَاشْتَدَّ مَرَضُه، وَقَلبُ الأُمِّ هُوَ قَلبُ الأُمّ، هَمَّ أَبُو طَلحَةَ لِلخُرُوجِ إِلى لُقمَةِ العَيْشِ وَقَبْلَ أَنْ يخْرُجَ مَالَ إِلى الغُلَامِ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْه، وَلَمْ تَرْحَمْ سَكَرَاتُ المَوْتِ الغُلَامَ وَلَا أُمَّ الغُلَام، فَاخْتَرَمَتْ جَسَدَهُ الضَّعِيف، وَانْتَزَعَتِ الرُّوحَ مِنْ بَيْنِ الصُّلبِ وَالتَّرَائِب، وَمَاتَ الغُلَام، فَمَاذَا فَعَلَتْ أُمُّهُ 00؟

هَلْ شَقَّتْ لِذَلِكَ جَيْبَاً 00؟ هَلْ لَطَمَتْ لِذَلِكَ خَدَّاً 00؟ هَلْ دَعَتْ بِدَعْوَى الجَاهِلِيَة 00؟

ص: 4125

هَلْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ السَّبَب، أَنْتَ الَّذِي قَصَّرْتَ في عِلَاجِ الغُلَامِ وَطَلَبَتِ الطَّلَاقَ أَوِ الخُلع 00؟

لَمْ يحْدُثْ مِن هَذَا شَيْء، فَمَاذَا فَعَلَتْ 00؟

قَدَّمَتْ لَهُ العَشَاءَ ثُمَّ دَخَلَتْ حُجْرَتَهَا وَازَّيَّنَتْ، فَأَصَابَهَا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ بَعْدَمَا فَرَغ: لَقَدْ أَخَذْتُ وَدِيعَةً مِنْ بَني فُلَانٍ فَقَضَيْتُ بهَا حَاجَتي ثُمَّ طَلَبُوهَا مِني وَلَا أُرِيدُ رَدَّهَا 00؟

فَزَجَرَهَا وَقَالَ رُدِّيهَا، فَقَالَتْ: احْتَسِبِ اللهَ في ابْنِكَ يَا أَبَا طَلحَة " 0 [فَضِيلَةُ الشَّيْخ / عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ " بِتَصَرُّف]

ص: 4126

مَوْتُ الثَّلَاثَةِ تَأْشِيرَةٌ لِدُخُولِ الجَنَّة

عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُواْ الحِنْثَ ـ أَيِ الحُلُمَ ـ إِلَاّ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا قِيلَ في أَوْلَادِ المُسْلِمِين بِرَقْم: 1381]

ص: 4127

عَن أَبي هرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مِنْ مُسْلِمَينِ يَمُوتُ لَهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُواْ الحِنْث؛ إِلَاّ أَدْخَلَهُمَا اللهُ بفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ الجَنَّة، يُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُواْ الجَنَّةَ فَيَقُولُون: حَتىَّ يَدْخُلَ آبَاؤُنَا، فَيُقَال: ادخُلُواْ الجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيّ، وَالأَلبَانيُّ في الجَامِعِ وَالنَّسَائِيِّ وَالجَنَائِزِ بِأَرْقَام: 10719، 1876، 16، الشُّعَب: 9747، الكَنْز: 6567]

ص: 4128

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَا مِن مُسْلِمَينِ يَمُوتُ لهُمَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُواْ الحِنْث: إِلَاّ جِيءَ بهِمْ يَومَ القِيَامَةِ حَتىَّ يُوقَفُواْ عَلَى بَاب الجَنَّةِ فَيُقَالُ لهُمُ: ادْخُلُواْ الجَنَّةَ فَيَقُولُون: حَتىَّ يَدْخُلَ آبَاؤُنَا، فَيُقَالُ لهُمُ: ادخُلُوا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيب بِرَقْم: 2003، رَوَاهُ الطَّبرَانيّ]

ص: 4129

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَيَلجَ النَّارَ إِلَاّ تَحِلَّةَ القَسَم " 00 وَتحلةُ القَسَمِ هِيَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا، كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّا} [مَرْيم: 71]

[البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1251 / فَتْح، وَمُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2632، وَفي " الشُّعَب ": 9742، وَفي " الكَنْز ": 6620]

ص: 4130

وَالمَقصُودِ بِالوُرودِ هُنَا كَمَا قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رحمه الله في شَرْحِهِ لهَذَا الحَدِيثِ: " لَيْسَ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ بِالكُلِّيَّةِ وَلَا حَتىَّ قَدْرَاً يَسِيرَاً، بَلْ هُوَ العُبُورُ عَلَى الصِّرَاط: وَهْوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّم، عَافَانَا اللهُ وَإِياكم مِنهَا " 0 [الإِمَامُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِهِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ بِاخْتِصَار 0 دَارُ إِحْيَاءِ التُّرَاثِ العَرَبي 0 بَيرُوت: 181/ 16]

ص: 4131

وَعَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَة رضي الله عنه قَال:

" لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُودُ حِمْلاً لَهُ فَقُلتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا لَك 00؟

فَقَالَ رضي الله عنه: لي عَمَلِي ـ أَيْ حَمَلَ سُؤَالَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مُدَاعَبَةً ـ فَقُلْتُ: أَلَا تحَدِّثُني شَيْئَاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟

فَقَالَ أَبُو ذَرّ: " مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ لَمْ يَبْلُغُواْ الحِنْثَ إِلَاّ غَفَرَ اللهُ لَهُمَا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُم " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسائيِّ بِرَقْم: 1874، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: 9748، الكَنْزُ بِرَقْم: 6564]

ص: 4132

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ رضي الله عنه عَنِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا رَجَاءُ قَالَتْ:

" كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ لي فِيهِ بِالبَرَكَة؛ فَإِنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ لي ثَلَاثَة، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَمُنْذُ أَسْلَمْت " 00؟

قَالَتْ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" جُنَّةٌ حَصِينَة " 0 [قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (6/ 3)، رَوَاهُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 20258، 20259]

أَيْ: حِصْنٌ مِنَ النَّارِ حَصِين 0

ص: 4133

مَوْتُ الثَّلَاثَةِ أَمَانٌ مِنْ دُخُولِ النَّار

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بِصَبيٍّ لَهَا فَقَالَتْ: يَا نَبيَّ اللهِ ادْعُ اللهَ لَهُ فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " دَفَنْتِ ثَلَاثَة " 00؟

قَالَتْ نَعَمْ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَقَدِ احْتَظَرْتِ بحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّار " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ البِرِّ وَالصِّلَةِ وَالآدَاب، بَاب: فَضْلِ مَنْ يَموتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبُه بِرَقْم: 2636]

أَيِ اسْتَتَرْتِ بِسَاتِرٍ شَدِيدٍ مِنهَا 0

ص: 4134

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " جَاءتِ امْرَأَةٌ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَشْتَكِي، وَإِني أَخَافُ عَلَيْه؛ قَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً 00 قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَقَدِ احْتَظَرْتِ بحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّار " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ البِرِّ وَالصِّلَةِ وَالآدَاب، بَاب: فَضْلِ مَنْ يَموتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبُه بِرَقْم: 2636]

فَقْدُ الَاثْنَينِ حِجَابٌ مِنَ النَّار

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم اجْعَلْ لَنَا يَوْمَاً ـ أَيْ يَعِظُهُنَّ فِيه ـ فَكَانَ ممَّا وَعَظَهُنَّ بِهِ أَنْ قَال: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ كَانُواْ حِجَابَاً مِنَ النَّار " 00 قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَان 00؟

ص: 4135

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَاثْنَان " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَب بِرَقْم: 1250]

وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " جَاءتِ امْرَأَة إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله: ذَهَبَ الرِّجَالُ بحَدِيثِكَ فَاجْعَل لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمَاً نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا ممَّا عَلَّمَكَ اللهُ؟

ص: 4136

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اجْتَمِعْنَ في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، في مَكَانِ كَذَا وَكَذَا " 00 فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ ثُمَّ قَال:" مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا ـ أَيْ في حَيَاتهَا وَحُضُورِهَا ـ مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلَاّ كَانَ لهَا حِجَابَاً مِنْ النَّار " 0

فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوِ اثْنَيْن 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَاثْنَيْن " 0 [البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (7310 / فَتْح)، وَمُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2633)، وَفي " الشُّعَب ": (9743)، وَفي " الكَنْز ": 6569]

ص: 4137

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَار:

" لَا يَمُوتُ لإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتحْتَسِبَهُ؛ إِلَاّ دَخَلَتِ الجَنَّة " 00

فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَوِ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللهِ 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَوِ اثْنَيْن " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2632 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4138

عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحَصِيبِ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَال:

" كُنتُ ثُمَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ كُنْتُ لَدَيْه ـ فَبَلَغَهُ أَنَّ امْرَأَة مِنَ الأَنْصَارِ مَاتَ ابْنٌ لهَا فَجَزِعَتْ عَلَيْه؛ فَقَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أَصْحَابُه، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ المَرْأَةِ قِيلَ لِلمَرْأَة: إِنَّ نَبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يدْخُلَ يُعَزِّيهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " أَمَا إِنَّهُ بَلَغَني أَنَّك جَزِعْتِ عَلَى ابْنِك "؟

قَالَتْ: يَا نَبيَّ اللهِ مَا ليَ لَا أَجْزَعُ وَأَنَا رَقُوبٌ لَا يَعِيشُ لي وَلَد 00؟!

ص: 4139

ـ أَيْ كَيْفَ لَا أَحْزَنُ وَشَأْني وَأَنَا لَا وَلَدَ لي شَأْنُ مَنْ تَرْقُبُ مَوْتَ زَوْجِهَا لِتَرِثَهُ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنمَا الرَّقُوبُ الَّتي يَعِيشُ وَلَدُهَا؛ إِنَّهُ لَا يمُوتُ لَامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ نَعْمَةٌ [أَيْ بَهِيمَةٌ] أَوْ ثَلَاثَةٌ منْ وَلَدِهِ يَحْتَسِبُهُمْ إِلَاّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة " 0

فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:

بِأَبي وَأُمِّي ـ أَيْ أَفْدِيكَ بِأَبي وَأُمِّي ـ وَاثْنَين 00؟

قَالَ نَبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَاثْنَين " 0

[قَالَ فِيهِ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 المجْمَعِ ص: (8/ 3)، الإِمَامُ البَزَّار]

ص: 4140

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" مَنِ احْتَسَبَ ثَلَاثَةً مِنْ صُلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّة " 00 فَقَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَوِ اثْنَان 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَوِ اثْنَان " 00 قَالَتِ المَرْأَة: يَا لَيْتَني قُلْتُ وَاحِدَاً " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 10913، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 1872]

ص: 4141

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَاحْتَسَبَهُمْ دَخَلَ الجَنَّة " 0

فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاثْنَان 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَاثْنَان " 00

فَقَالَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ لجَابر: وَاللهِ إِنيِّ لأَرَاكُمْ لَوْ قُلتُمْ وَاحِدَاً قَالَ صلى الله عليه وسلم: وَوَاحِد " 0 [حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " التَّرْغِيبِ " بِرَقْم: (2006)، وَهُوَ في " الشُّعَب ": (9745)، وَفي " الكَنْزِ ": 8678]

ص: 4142

عَن أَبِي ثَعْلَبَةَ الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَال:

" مَاتَ لي يَا رَسُولَ اللهِ وَلَدَانِ في الإِسْلَام، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدَانِ في الإِسْلَامِ أَدْخَلَهُ اللهُ عز وجل الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمَا " 00

قَالَ أَبُو ثَعْلَبَة: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَقِيَني أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ رضي الله عنه:

أَنْتَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْوَلَدَيْنِ مَا قَال 00؟

قُلْتُ نَعَمْ؛ فَقَالَ رضي الله عنه: لَئِنْ قَالَهُ لي أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا غُلِّقَتْ عَلَيْهِ حِمْصُ وَفِلَسْطِين " 0 [أَيْ مِنَ الكُنُوز 0 وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (7/ 3)، الإِمَامُ أَحْمَدُ في " مُسْنَدِهِ " بِرَقْم: 26678]

ص: 4143

مِنَ النَّاسِ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ مَدِينَةٌ بِأَكْمَلِهَا

عَنِ الحَارِثِ بْنِ أُقَيْشٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مِنْ مُسْلِمَينِ يَمُوتُ لهُمَا أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ إِلَاّ أَدْخَلَهُمَا اللهُ الجَنَّة " 00 قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ وَثَلَاثَة 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَثَلَاثَة " 00 قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ وَاثْنَان 00؟

ص: 4144

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَاثْنَان، وَإِنَّ مِن أُمَّتي لَمَنْ يَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتىَّ يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا، وَإِنَّ مِن أُمَّتي لَمَنْ يَدْخُلُ بِشَفَاعَتِهِ الجَنَّةَ أَكْثَرُ مِنْ مُضَر " 0

[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (8/ 3)، الإِمَامُ أَحْمَدُ في " مُسْنَدِهِ " بِرَقْم: 22157]

يجُرُّ أَبَاهُ مِنْ ثَوْبِهِ حَتىَّ يُدْخِلَهُ الجَنَّة

وَعَن أَبي حَسَّانَ رضي الله عنه قَال: " قُلْتُ لأَبي هُرَيْرَة: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ ليَ ابْنَان؛ فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئَاً تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا 00؟

ص: 4145

قَالَ نَعَمْ: صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الجَنَّةِ ـ أَيْ كَالسَّمَكِ الصَّغِيرِ يَسْبَحُ في أَنهَارِ الجَنَّة ـ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ أَوْ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ أَوْ بِيَدِهِ كَمَا آخُذُ أَنَا بِصِنْفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا ـ أَيْ بِذَيْلِهِ ـ فَلَا يَتَنَاهَى أَوْ يَنْتَهِي حَتىَّ يُدْخِلَهُ اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّة " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ البِرِّ وَالصِّلَةِ وَالآدَاب بِرَقْم: (2635)، وَالإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: 9752]

ص: 4146

عَن أَبي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَيَصْبِرَانِ وَيحْتَسِبَانِ فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَدَا " 0

[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 21373]

ص: 4147

مَنْ مَاتَ لَهُ وَاحِد

بِالفِعْلِ نَصَّتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ وَلَدٌ وَاحِدٌ دَخَلَ الجَنَّة، مِنهَا هَذِهِ النُّخْبَة:

وَعَنِ ابنِ عَباس رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" يَا عَائِشَة: مَنْ كَانَ لَه فَرَطَانِ مِن أُمَّتي أَدْخَلَهُ اللهُ بهِمَا الجَنَّة " 00

قَالَتْ: يَا نَبيَّ اللهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ وَاحِد 00؟

ص: 4148

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَمَن كَانَ لَهُ فَرَطٌ وَاحِدٌ يَا مُوَفَّقَة " 00

قَالَتْ: يَا نَبي اللهِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَط 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَأَنَا فَرَطُ مَنْ لَا فَرَطَ لَهُ، لَمْ يُصَابُواْ بِمِثْلِي " 0 [ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في " التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (1062)، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: (9751)، وَفي الكَنْزِ بِرَقْم: 6621]

ص: 4149

وَعَنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُواْ الحِنْث: إِلَاّ تَلَقَّوْهُ مِن أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِن أَيِّهَا شَاءَ دَخَل " 0 [حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (10711)، وَفي سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: (1604)، رَوَاهُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 17187]

رِسَالَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى مُعَاذِ بْنِ جَبَل

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ تُوُفِّيَ ابْنٌ لَهُ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: سَلَامُ اللهِ عَلَيْك، فَإِني أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ 0

ص: 4150

أَمَّا بَعْد

فَأَعْظَمَ اللهُ لَكَ الأَجْر، وَأَلهَمَكَ الصَّبر، وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الشُّكْر؛ فَإِنَّ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَأَهْلِينَا وَأَوْلَادَنَا مِنْ مَوَاهِبِ اللهِ الهَنِيئَةِ وَعَوَارِيهِ المُسْتَوْدَعَة، يمَتَّعُ بهَا الرَّجُلُ إِلى أَجَلٍ وَيَقضِيهَا إِلى وَقْتٍ مَعْلُوم، وَإِنَّا نَسْأَلُهُ الشُّكْرَ عَلَى مَا أَعْطَى، وَالصَّبرَ عَلَى مَا ابْتَلَى، وَكَانَ ابْنُكَ مِنْ مَوَاهِبِ اللهِ الهَنِيئَة، وَعَوَارِيهِ المُسْتَوْدَعَة، مَتَّعَكَ اللهُ بِهِ في غِبْطَةٍ وَسُرُور، وَقَبَضَهُ مِنْكَ بِأَجْرٍ كَثِير، الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ وَالهُدَى إِنِ احْتَسَبْتَه؛ فَاصْبرْ وَلَا يُحْبِطْ جَزَعُكَ أَجْرَكَ فَتَنْدَم، وَاعْلَمْ أَنَّ الجَزَعَ لَا يَرُدُّ مَيِّتَاً وَلَا يَدْفَعُ حُزْنَاً، وَمَا هُوَ نَازِلٌ فَكَأَنْ قَدْ:[أَيْ فَكَأَنْ قَدْ نَزَل]، وَالسَّلَام " 0 [ضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ ص:(3/ 3)، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَأَبُو نُعَيْم، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 42963]

ص: 4151

ادْخُلِ الجَنَّةَ بِثَوَابِ صَبرِكَ عَلَى فَقْدِ وَلَدِك

عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه قَال: " كَانَ نَبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَس؛ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِه، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِير، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْه، فَهَلَك؛ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِه؛ فَحَزِنَ عَلَيْه، فَفَقَدَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " مَالي لَا أَرَى فُلَانَاً " 00؟!

ص: 4152

قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَك؛ فَلَقِيَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّه 00؟

فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَك؛ فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَال: " يَا فُلَان 00 أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْك: أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَك، أَوْ لَا تَأْتيَ غَدَاً إِلى بَابٍ مِن أَبْوَابِ الجَنَّةِ إِلَاّ وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَك "؟

قَالَ يَا نَبيَّ الله، بَلْ يَسْبِقُني إِلى بَابِ الجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لي، لهُوَ أَحَبُّ إِليّ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" فَذَاكَ لَك " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في أَحْكَامِ الجَنَائِزِ وَفي الجَامِعِ وَفي سُنَنِ النَّسَائِيِّ بِأَرْقَام: 109، 13923، 2088، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ في الحِليَة]

ص: 4153

يَنْتَظِرُكَ عَلَى بَابِ الجَنَّة

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى، عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً قَال:" إِنَّ رَجُلاً كَانَ يَأْتِي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ابْنٌ لَه، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَتُحِبُّه " 00؟

فَقَالَ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ الله، أَحَبَّكَ اللهُ كَمَا أُحِبُّه، فَفَقَدَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:" مَا فَعَلَ ابْنُ فُلَان " 00؟!

قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَات، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِيه:

ص: 4154

" أَمَا تحِبُّ أَلَاّ تَأْتيَ بَابَاً مِن أَبْوَابِ الجَنَّةِ إِلَاّ وَجَدْتَهُ يَنْتَظِرُك " 00؟

فَقَالَ الرَّجُلُ ـ أَيْ أَبُو الوَلَد: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَوْ لِكُلِّنَا 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " بَلْ لِكُلِّكُمْ " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في التَّرْغِيب وَفي المِشْكَاةِ بِرَقْمَيْ: 2007، 1756، وَالأُسْتَاذ شُعيب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 15595]

ص: 4155

عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَفَقْدُ الوَلَد

وَهَذَا الصَّحَابيُّ هُوَ سَيِّدُنَا عُثمَانُ بْنُ مَظعُونٍ رضي الله عنه كَمَا تُوَضِّحُ هَذِهِ الرِّوَايَة:

عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِك رضي الله عنه قَال: " تُوُفيَ ابْنٌ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَاشْتَدَّ حُزنُهُ عَلَيْهِ حَتىَّ اتخَذَ في دَارِهِ مَسْجِدَاً يَتَعَبَّدُ فِيه، فَبَلَغَ ذَلكَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَال:

" يَا عُثْمَان: إِنَّ اللهَ جل جلاله لَم يَكتُبْ عَلَيْنَا الرَّهْبَانِيَّةَ، إِنمَا رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتي الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، يَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُون: إِنَّ لِلجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوابٍ وَللنَّارِ سَبْعَةُ أَبْوَاب، فَمَا يَسُرُّكَ أَلَاّ تَأْتي بَابَاً مِنهَا إِلَاّ وَقَدْ وَجَدْتَ ابْنَكَ إِلى جَنْبِكَ آخِذَاً بِثَوْبِكَ يَشْفَعُ لَكَ عِنْدَ رَبِّك جل جلاله 00؟

ص: 4156

قَالَ بَلَى، قِيل: يَا رسُولَ الله، وَلَنَا في فَرَطِنَا [أَيْ فِيمَا الْتَقَمَهُ المَوْتُ مِن أَطْفَالِنَا] مَا لِعُثْمَان؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ، لِمَنْ صَبرَ مِنْكُمْ وَاحْتَسَب " 0

[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: (9761)، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 8674]

عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ رضي الله عنه عَن أَبيهِ أَنَّ رَجُلاً مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ ابْنٌ قَدْ أَدْرَكَ ـ أَيْ بَلَغَ مَبْلَغَ السَّعْيِ ـ وَكَانَ يَأْتي مَعَ أَبِيهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ، فَوَجَدَ ـ أَيْ حَزِنَ ـ عَلَيْهِ أَبُوهُ قَرِيبَاً مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ لَا يَأْتي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم 00!!

ص: 4157

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا أَرَى فُلَانَاً " 00؟

قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ابْنَهُ تُوُفِّيَ فَوَجَدَ عَلَيْه، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَآه:

" أَتحِبُّ لَوْ أَنَّ عِنْدَكَ ابْنَكَ كَأَحْسَنِ الصِّبْيَانِ وَأَكْيَسِهِمْ 00؟

" أَتحِبُّ لَوْ أَنَّ عِنْدَكَ ابْنَكَ كَأَجْرَأِ الصِّبْيَانِ جُرْأَةً 00؟

" أَتحِبُّ لَوْ أَنَّ عِنْدَكَ ابْنَكَ كَأَفضَلِ الكُهُولِ وَأَسْرَاهُمْ 00؟

أَوْ يُقَالُ لَك: ادْخُلِ الجَنَّةَ بِثَوَابِ مَا قَدْ أَخَذْنَا مِنْك " 00؟

ص: 4158

وَالمَعْنى: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْك: أَنْ يَعُودَ ابْنُكَ مُعَافَىً كَأَحْسَنِ مَا كَان: أَجْرَأِ الصِّبْيَان، وَأَشْجَعِ الفِتيَان، أَمْ تَصْبرُ عَلَى فَقدِهِ وَيُدْخِلُكَ صَبْرُكَ الجَنَّةَ في أَمَان 00؟

[رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَحْمَدُ قَرِيبَاً مِنهُ في " مُسْنَدِهِ " بِرَقْم: (15416)، وَهُوَ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 42960]

يَدْعُو عَلَى وَلَدِهِ؛ لِيَدَّخِرَ اللهُ لَهُ أَجْرَهُ في الصَّبرِ عَلَيْه

حَتىَّ أَنَّا لَمْ نَعُدْ نَتَعَجَّبُ إِذَا سَمِعْنَا بَعْضَ الصَّحَابَةِ ـ لِكَثْرَةِ مَا عَلِمَ عَنْ ثَوَابِ فَقْدِ الوَالَد ـ يَتَمَنى فَقْدَ وَلَدِه؛ لَا لِشَيْءٍ إِلَاّ لعِظَمِ ثَوَابِ فَقدِ الأَوْلَاد 00!!

ص: 4159

وَعَنِ ابْنِ شَوْذَبَ رضي الله عنه قَال: " إِنَّ رَجُلاً كَانَ لَهُ ابْنٌ لَم يَبْلُغِ الحُلُمَ، فَأَرْسَلَ إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ رضي الله عنه: إِنَّ لي إِلَيْكُمْ حَاجَةً، إِنْ تَفعَلُوهَا ـ أَيْ إِنْ شِئتُمْ فَافْعَلُوهَا ـ قَالُواْ نَعَمْ، فَقَالَ رضي الله عنه: إِني أُرِيدُ أَن أَدعُوَ عَلَى ابْني هَذَا أَنْ يَقبِضَه اللهُ إِلَيْهِ وَتُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِي 00!!

فَسَأَلوهُ عَنْ ذَلِك، فَأَخْبرَهُمْ أَنَّهُ رَأَى في نَوْمِهِ كَأَنَّ النَّاسَ جُمِعُواْ لِيَومِ القِيَامَة، فَأَصَابَ النَّاسَ عَطَشٌ شَدِيد، فَإِذَا الوُلدَانُ قَدْ خَرَجُواْ مِنَ الجَنَّةِ مَعَهُمُ الأَبَارِيق، فَأَبْصَرْتُ ابْنَ أَخٍ لي ـ أَيْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ ـ فَقُلتُ: يَا فُلَانُ اسْقِني 00؟

فَقَالَ يَا عَمّ: إِنَّا لَا نَسْقِي إِلَاّ الآَبَاء 00!!

ص: 4160

فَأَحبَبْتُ أَنْ يجْعَلَ اللهُ وَلَدِي هَذَا فَرَطَاً لي؛ فَدَعَا وَأَمَّنُواْ، فَلَمْ يَلبَثِ الغُلَامُ إِلَاّ يَسِيرَاً حَتىَّ مَات " [الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَب: 9766]

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير رضي الله عنه أَنَّهُ طَلَعَ عَلَيْهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ يَوْمَاً فَقَال:

" إِنيِّ لأَعْلَمُ خَيرَ حَالَاتِه " 00 قَالواْ: وَمَا هُوَ 00؟

قَالَ رضي الله عنه: " أَنْ يَمَوتَ فَأَحْتَسِبَه " 00!!

[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَب: 9767]

هَلْ يُعَامَلُ أَوْلَادُ المُشْرِكِينَ بِذَنْبِ أَبَوَيْهِمْ 00؟

ص: 4161

إِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَال: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} {الأَنعَام/164}

وَقَالَ جَلَّ شَأْنُه: {وَأَنْ لَّيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى} 00!! {النَّجْم/40}

وَقَالَ أَصْدَقُ القَائِلِين: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} 00!! {المُدَّثِّر/38}

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 4162

" مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَة، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِه، كَمَا تُنْتِجُونَ البَهِيمَةَ هَلْ تجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتىَّ تَكُونُوا أَنْتُمْ تجْدَعُونَهَا 00؟

قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يمُوتُ وَهُوَ صَغِير 00؟

ـ أَيْ لَمْ تَسْتَبِنْ بَعْدُ تَنْشِئَتُه ـ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" اللهُ أَعْلَمُ بمَا كَانُوا عَامِلِين " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ القَدَرِ بِرَقْم: (6599)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ القَدَرِ أَيْضَاً بِرَقْم: 2658]

فَبَعْضُهُمْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ وَبَعْضُهُمْ يَدْخُلُ النَّار، كَمَا سَتَأْتي بِذَلِكَ الآثَارُ وَالأَخْبَار

ص: 4163

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَن أَوْلَادِ المُشْرِكِينَ فَقَال: " اللهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بمَا كَانُواْ عَامِلِين " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: (1383)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ القَدَرِ أَيْضَاً بِرَقْم: 2660]

أَيْ مَن عَلِمَهُ اللهُ مِنهُمْ أَنَّهُ سَيُصْبِحُ إِنْ كَبرَ صَالحَاً أَدْخَلَهُ الجَنَّة، وَمَن عَلِمَهُ اللهُ مِنهُمْ أَنَّهُ سَيُصْبِحُ إِنْ كَبرَ فَاجِرَاً أَدْخَلَهُ النَّار 00

ص: 4164

أَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ في ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال: " سَأَلَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ رضي الله عنها النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا في الجَاهِلِيَّة 00؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " هُمَا في النَّار " 0

فَلَمَّا رَأَى الكَرَاهِيَةَ في وَجْهِهَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لأَبْغَضْتِهِمَا " 0

ص: 4165

قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله؛ فَوَلَدِي مِنْك 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " في الجَنَّة، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ المُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ في الجَنَّة، وَإِنَّ المُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ في النَّار، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} {الطُّور/21}

[حَسَّنَهُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 1131، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

ص: 4166

فَلَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الحَدِيثَ الأُسْتَاذ شُعيب الأَرْنَؤُوط في تحْقِيقِهِ لِلْمُسْنَدِ وَنَقَلَ عَنِ الإِمَامِ الجَوْزِيِّ في كِتَابِهِ جَامِعِ المَسَانِيدِ قَوْلَ الإِمَامِ الجَوْزِيّ: " في إِسْنَادِهِ محَمَّدُ بْنُ عُثْمَان؛ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُه، وَلَا يَصِحُّ في تَعْذِيبِ الأَطْفَالِ حَدِيث " 0 [الأُسْتَاذ شُعيب الأَرْنَؤُوط في تحْقِيقِهِ لِلْمُسْنَدِ عِنْدَ الحَدِيث بِرَقْم: 1131، وَهَذَا الْكَلَامُ أَيْضَاً في كَنْزُ الْعُمَّال ح 0 ر: 4623]

ص: 4167

وَقِيلَ: إِنَّ اللهَ جل جلاله سَيَبْعَثُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ رَسُولاً لِيَخْتَبرَهُمْ وَهُوَ سبحانه وتعالى يَعْلَمُ الكَافِرَ مِنَ المُؤْمِن؛ وَلَكِنْ لِيُتِمَّ سبحانه وتعالى سُنَّتَهُ في ابْتِلَاءِ عِبَادِهِ وَامْتِحَانِهِمْ، وَفي النِّهَايَةِ يَدْخُلُ مُؤْمِنُهُمُ الجَنَّةَ وَكَافِرُهُمُ النَّار، هَذَا 00 وَاللهُ تَعَالى أَعْلَى وَأَعْلَمُ بِالصَّوَاب 0

يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الفَتَاوَى الكُبرَى في ذَلِك:

" ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ جَاءً في حَدِيثٍ إِسْنَادُهُ مُقَارِبٌ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 4168

" إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَة؛ فَإِنَّ اللهَ يَمْتَحِنُهُمْ وَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ رَسُولاً في عَرْصَةِ القِيَامَة، فَمَن أَجَابَهُ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ وَمَن عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّار " 00

فَهُنَاكَ يَظْهَرُ فِيهِمْ مَا عَلِمَهُ اللهُ سبحانه وتعالى، وَيجْزِيهِمْ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْعِلْم، وَهُوَ إِيمَانُهُمْ أَوْ كُفْرُهُمْ، وَهَذَا أَجْوَدُ مَا قِيلَ في أَطْفَالِ المُشْرِكِين " 0 [شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في " الفَتَاوَى الكُبرَى " طَّبْعَةِ مَكْتَبَةِ ابْنِ تَيْمِيَةَ بِالْقَاهِرَة 0 ص: 246/ 4]

ص: 4169

وَقَالَ أَيْضَاً شَيْخُ الإِسْلَامِ في مَوْضِعٍ آخَرِ مِنَ الْفَتَاوَى:

" وَأَطْفَالُ الكُفَّار: أَصَحُّ الأَقْوَالِ فِيهِمْ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ عَامِلِين، وَطَائِفَةٌ جَزَمُواْ بِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ في الجَنَّة، وَاخْتَارَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَغَيرُه؛ وَاحْتَجُّواْ بحَدِيثِ الإِسْرَاءِ الَّذِي فِيهِ رُؤْيَا النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ وَحَوْلَهُ أَوْلَادٌ كَثِيرُون؛ قِيل: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَطْفَالُ المُشْرِكِين 00؟

قال صلى الله عليه وسلم: " وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين " 00

ص: 4170

وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَال: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ عَامِلِين، وَلَا نحْكُمُ لِمُعَيَّنٍ مِنهُمْ بجَنَّةٍ وَلَا نَار؛ وَقَدْ جَاءَ في عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ في عَرَصَاتِ الْقِيَامَة؛ يُؤْمَرُونَ وَيَنهَوْنَ فَمَن أَطَاعَ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَن عَصَى دَخَلَ النَّار " 0 [شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في " الفَتَاوَى الكُبرَى " طَّبْعَةِ مَكْتَبَةِ ابْنِ تَيْمِيَةَ بِالْقَاهِرَة 0 ص: 303/ 4]

وَيُؤَيِّدُ قَوْلي في ذَلِكَ وَالَّذِي أَقَرَّهُ شَيْخُ الإِسْلَام؛ هَذَانِ الحَدِيثَانِ الشَّرِيفَان، اللَّذَانِ يَدُلَاّنِ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ مُعَلَّقٌ بمَا هُمْ عَامِلُون:

ص: 4171

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى جَنَازَةِ صَبيٍّ مِنَ الأَنْصَار؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ طُوبى لِهَذَا؛ عُصْفُورٌ مِن عَصَافِيرِ الجَنَّة؛ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَوَ غَيرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَة؛ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلاً، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلاً، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلَابِ آبَائِهِمْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2662 / عَبْد البَاقِي]

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِيمَنْ مَاتَ مِن أَوْلَادِ المُشْرِكِينَ مِمَّن عَلِمَ اللهُ صَلَاحَهُمْ إِن عَاشُواْ:

ص: 4172

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَال: " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:

" مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا " 00؟

فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ الله، فَسَأَلَنَا يَوْمَاً فَقَالَ:" هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا " 00؟

قُلْنَا: لَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَكِني رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَاني فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَاني إِلى الأَرْضِ المُقَدَّسَة، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ أَحَدُ الرُّوَاة:

ص: 4173

إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ في شِدْقِهِ حَتىَّ يَبْلُغَ قَفَاه، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَه؛ قُلْتُ: مَا هَذَا 00؟!

قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتىَّ أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ ـ أَيْ حَجَرٍ ـ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَه، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الحَجَرُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَه، فَلَا يَرْجِعُ إِلى هَذَا حَتىَّ يَلْتَئِمَ رَأْسُه، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَه؛

قُلْتُ: مَنْ هَذَا 00؟!

ص: 4174

قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِع، يَتَوَقَّدُ تحْتَهُ نَارَاً، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُواْ حَتىَّ كَادَ أَنْ يخْرُجُواْ، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُواْ فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاة؛ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا 00؟!

قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتىَّ أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَر، وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَة، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي في النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بحَجَرٍ في فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَان، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيخْرُجَ رَمَى في فِيهِ بحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَان؛ فَقُلْتُ: مَا هَذَا 00؟!

ص: 4175

قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتىَّ انْتَهَيْنَا إِلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَة، وَفي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَان، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بي في الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَاني دَارَاً لم أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا: فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَان، ثمَّ أَخْرَجَاني مِنْهَا فَصَعِدَا بي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَاني دَارَاً هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ: فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَاب؛ قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانيَ اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَاني عَمَّا رَأَيْت 00؟!

ص: 4176

قَالَا: نَعَمْ؛ أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يحَدِّثُ بِالكَذِبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتىَّ تَبْلُغَ الآفَاق؛ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَة، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُه: فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَار؛ يُفْعَلُ بِهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَة، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ في الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاة،

ص: 4177

وَالَّذِي رَأَيْتَهُ في النَّهَرِ آكِلُواْ الرِّبَا، وَالشَّيْخُ في أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاس، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّار، وَالدَّارُ الأُولى الَّتي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ المُؤْمِنِين، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاء، وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ فَارْفَعْ رَأْسَك، فَرَفَعْتُ رَأْسِي: فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَاب؛ قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُك، قُلْتُ: دَعَاني أَدْخُلُ مَنْزِلي؛ قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَك " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا قِيلَ في أَوْلَادِ المُشْرِكِين بِرَقْم: 1297]

ص: 4178

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَكْثَرَ وُضُوحَاً مِن هَذِهِ جَاءَ فِيهَا:

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَال:

" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا " 00؟

فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ:

ص: 4179

" إِنَّهُ أَتَاني اللَّيْلَةَ آتِيَان، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَاني ـ أَيْ أَرْسَلَاني ـ وَإِنَّهُمَا قَالَا لي انْطَلِقْ، وَإِني انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَة، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ـ أَيْ يَشْدَخُهَا ـ فَيَتَهَدْهَدُ الحَجَرُ هَهُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتىَّ يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَان 00!!

ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولى؛ قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَان 00؟!

ص: 4180

قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ـ أَيْ بحَدِيدَةٍ مَعْقُوفَةِ الطَّرْفِ كَالمِخْلَب ـ وَإِذَا هُوَ يَأْتي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ ـ أَيْ يُجَرِّحُ ـ شِدْقَهُ إِلى قَفَاه، وَمَنْخِرَهُ إِلى قَفَاه، وَعَيْنَهُ إِلى قَفَاه، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالجَانِبِ الأَوَّل، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتىَّ يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَان، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولى؛ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَان 00؟!

ص: 4181

قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّور، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَات، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاة، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِن أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللهَبُ ضَوْضَوْا ـ أَيْ صَاحُواْ وَصَرَخُواْ ـ قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاء؟!

ص: 4182

قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّم، وَإِذَا في النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَح، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَة، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثمَّ يَأْتي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرَاً، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرَاً، قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَان 00؟!

ص: 4183

قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً ـ أَيْ رُؤْيَةً ـ وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا ـ أَيْ يُذْكِيهَا ـ وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا 00؟!

قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ ـ أَيْ وَافِيَةُ النَّبَات ـ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيع، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً في السَّمَاء، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِن أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطّ، قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا، مَا هَؤُلَاء 00؟!

ص: 4184

قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلى رَوْضَةٍ عَظِيمَة، لَم أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَن، قَالَا ليَ: ارْقَ فِيهَا، فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّة، فَأَتَيْنَا بَابَ المَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَا لَهُمُ: اذْهَبُواْ فَقَعُواْ في ذَلِكَ النَّهَر، وَإِذَا نهَرٌ مُعْتَرِضٌ يجْرِي كَأَنَّ مَاءهُ المَحْضُ في البَيَاض، فَذَهَبُواْ فَوَقَعُواْ فِيهِ ثمَّ رَجَعُواْ إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُواْ في أَحْسَنِ صُورَة، قَالَا لي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْن، وَهَذَاكَ ـ أَيْ

ص: 4185

هَذَا الَّذِي هُنَاكَ ـ مَنْزِلُك، فَسَمَا بَصَرِي صُعُدَاً فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ ـ أَيِ السَّحَابَةِ ـ البَيْضَاء، قَالَا لي: هَذَاكَ مَنْزِلُك، قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللهُ فِيكُمَا ذَرَاني فَأَدْخُلَهُ، قَالَا: أَمَّا الآنَ فَلَا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ، قُلْتُ لهُمَا: فَإِني قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبَاً؛ فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت 00؟!

ص: 4186

قَالَا لي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُك: أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَة، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاق، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَاني، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ في النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا،

ص: 4187

وَأَمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّم، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي في الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَة " 00 فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِين: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين 00؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين، وَأَمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُواْ شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنَاً وَشَطْرٌ قَبِيحَاً فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحَاً وَآخَرَ سَيِّئَاً تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ التَّعْبِيرِ بَاب: تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْح بِرَقْم: 7047]

ص: 4188

وَهَذَا بِالطَّبْعِ وَاللهُ أَعْلَمُ مَقْصُودٌ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنهُمْ وَعَلِمَ اللهُ سبحانه وتعالى بِاطِّلَاعِهِ عَلَى الغَيْبِ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ عَلَى الإِسْلَام؛ وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يُفَسَّرُ مَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ مِن أَوْلَادِ المُسْلِمِينَ أَوِ المُشْرِكِين، وَمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِن أَوْلَادِ المُشْرِكِينَ أَوِ المُسْلِمِين، كَهَذَيْنِ الحَدِيثَين:

عَن أَسْلَمَ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ في الجَنَّة 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" النَّبيُّ في الجَنَّة، وَالشَّهِيدُ في الجَنَّة، وَالمَوْلُودُ في الجَنَّة، وَالْوَئِيدُ في الجَنَّة "

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 2521]

ص: 4189

وَعَن أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ الغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ كَافِرَاً، وَلَوْ عَاشَ لأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانَاً وَكُفْرَاً " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2661 / عَبْد البَاقِي]

كَيْفَ يُعَامَلُ أَوْلَادُ المُؤْمِنِينَ؟

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنهَا قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:

" ذَرَارِيُّ المُؤْمِنِين 00؟

ـ أَيْ أَطْفَالُهُمُ الصِّغَار ـ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " ـ أَيْ ممَّا أَنْشَأَهُمْ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ ـ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِلَا عَمَل 00؟!

ص: 4190

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِين " 00 قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَرَارِيُّ المُشْرِكِين 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مِنْ آبَائِهِمْ " ـ أَيْ مِمَّا أَنْشَأَهُمْ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ ـ قُلْتُ: بِلَا عَمَل 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " اللهُ أَعْلَمُ بمَا كَانُوا عَامِلِين " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 4712]

أَيْ: إِن خَيرَاً فَخَير، وَإِنْ شَرَّاً فَشَرّ 00!! {أ 0 هـ}

هَذَا 00 وَثمَّةَ أَحَادِيثُ أُخْرَى صَحِيحَةٌ قَطَعَتْ بِأَنَّهُمْ ـ أَيْ أَطْفَالُ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ ـ في الجَنَّة، كَهَذِهِ الْبَاقَةِ الْعَطِرَة:

ص: 4191

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَطْفَالُ المُؤْمِنِينَ في جَبَلٍ في الجَنَّة، يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَّة؛ حَتىَّ يَرُدَّهُمْ إِلى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة " 0 [صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين 0 صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 1023، 1467، رَوَاهُ الحَاكِم]

عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" أَوْلَادُ المُشْرِكِين؛ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّة " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ الصَّحِيحِ " بِرَقْم: (4351)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ في الأَوْسَط]

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

ص: 4192

" سَأَلْتُ رَبيِّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ اللَاّهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ ـ أَيِ الأَطْفَالَ ـ فَأَعْطَانِيهِمْ " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (5905)، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَالدَّارُ قَطْنيّ]

حَتىَّ السَّقْطُ يَجُرُّ أُمَّهُ بِسُرَرِهِ إِلى الجَنَّة

بَلْ وَحَتى السَّقطُ الَّذِي تُنزِلُهُ المَرْأَةُ لهَا في الصَّبرِ عَلَيْهِ أَجْرٌ كَبِير 00!!

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه؛ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسُرَرِهِ إِلى الجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْه " 0

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1609، وَفي الجَامِعِ بِرَقْم: 13020، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: 9763، الكَنْزِ بِرَقْم: 6577]

ص: 4193

عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" وَالنُّفَساءُ يجُرهَا وَلَدُهَا يَومَ القيَامَة بسُرُرِهِ إِلى الجَنَّة " 0

[حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 7889، وَفي التَّرْغِيب بِرَقْم: 1396، رَوَاهُ أَحْمَدُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَب بِرَقْم: 9764]

وَالنُّفَسَاءُ هُنَا: هِيَ التي يمُوتُ وَلَدُهَا وَهْيَ في النِّفَاس 0

ص: 4194

عَن أَحَدِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" يُقَالُ لِلْوِلْدَانِ يَوْمَ القِيَامَة: ادْخُلُواْ الجَنَّة؛ فَيَقُولُون: يَا رَبِّ حَتىَّ يَدْخُلَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا؛ فَيَأْتُون: [أَيْ آبَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ]؛ فَيَقُولُ اللهُ جل جلاله: مَا لي أَرَاهُمْ محْبَنْطِئِين؟ [أَيْ مُتَثَاقِلِين]

ادْخُلُواْ الجَنَّة؛ فَيَقُولُون: يَا رَبِّ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا؛ فَيَقُولُ جل جلاله: ادْخُلُواْ الجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ " [قَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد: إِسْنَادُهُ جَيِّد 0 ح / ر: 16971، وَوَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع 0 ص: 11/ 3]

ص: 4195

عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ السَّقطَ لَيُرَاغِمُ رَبَّهُ إِذَا أَدْخَلَ أَبَوَيْهِ النَّار؛ فَيقَال: أَيُّهَا السَّقطُ المرَاغِمُ رَبهُ أَدْخِلْ أَبَوَيْكَ الجَنة، فَيَجُرِّهمَا بِسُرَرِه ـ أَيْ بِالحَبْلِ السُّرِّيّ ـ حَتىَّ يُدخِلَهُمَا الجَنَّة " 0

[ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في " ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (1608)، وَهُوَ في " الشُّعَب " بِرَقْم: (9763)، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 6577]

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رضي الله عنه قَال: " مَاتَ ابنٌ لِدَاودَ عليه السلام؛ فَجَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعَاً شَدِيدَاً، فَقَالَ لهُ اللهُ جل جلاله: " مَا كَانَ يعْدِلُ عِنْدَك " 00؟

قَالَ عليه السلام: كَانَ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ مِلءِ الأَرْضِ ذَهَبَاً؛ قَالَ لَهُ جل جلاله:

" إِنَّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ عَلَى قَدْرِ ذَلِك " 0

ص: 4196

أَيْ لَكَ مِلءُ الأَرْضِ مِنَ الأَجْرِ وَالحَسَنَات، أَوْ لَكَ مِنَ الأَجْرِ كَمَا لَوْ كُنْتَ أَنْفَقتَ هَذَا القَدْرَ مِنَ الذَّهَبِ في سَبِيلِ الله 00!!

[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: (9765)، وَالجَامِعُ لِمُعَمَّرٍ الأَزْدِيّ 0 ص: 140/ 11]

مَنْ رَأَى مُصِيبَةَ غَيرِهِ هَانَتْ عَلَيْهِ مُصِيبَتُه

أُصِيبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ بِابْنٍ لَهُ وَأَوْلَادُنَا أَكبَادُنَا تمْشِي عَلَى الأَرْضِ؛ فَاعْتَزَلَ النَّاسَ وَاسْتَبَدَّ بِهِ الحُزْن، فَوَفَدَ في هَذِهِ الأَثنَاءِ عَلَى الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ رَجُلٌ عَبْسِيٌّ ضَرِيرٌ محَطَّمُ الوَجْه؛ فَسَأَلَهُ مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا 00؟!

ص: 4197

فَقَالَ الرَّجُلُ العَبْسِيّ: نَزَلتُ أَنَا وَوَلَدٌ لي صَغِيرٌ وَادِيَاً وَأَنَا لَا أَرَى أَحَدَاً أَكثَرَ مِنَّا أَمْوَالَا، فَطَرَقَنَا سَيْل ـ أَيْ أَصَابَنَا لَيْلاً ـ فَذَهَبَ بِمَالي، فَبَيْنَمَا نحْنُ كَذَلِكَ لَا أَدْرِي أَيْنَ أَتَوَجَّهُ إِذْ عَدَا بَعِيرِي، فَوَضَعْتُ الصَّبيَّ تحْتَ شَجَرَةٍ وَانطَلَقتُ خَلفَه، فَمَا أَنْ جَاوَزْتُهُ غَيرَ بَعِيدٍ حَتىَّ سَمِعْتُ صُرَاخَه 00 فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَأْسُ الذِّئْبِ في بَطْنِه، فَلَمَّا تَأَكَّدْتُ مِنْ مَوْتِهِ قُلتُ: أَتَّبِعُ البَعِيرَ وَوَيْلٌ أَهْوَنُ مِنْ وَيْلَين، فَنَفَحَني ـ أَيْ فَرَفَسَني ـ في وَجْهِي فَحَطَّمَهُ وَضَيَّعَ عَيْني، فَأَخَذَهُ الوَلِيدُ ـ وَكَانَ صَدِيقَاً لَعُرْوَة ـ فَتَعَزَّى بِقِصَّتِهِ عَزَاءً جَمِيلاً وَمَنْ رَأَى مُصِيبَةَ غَيرِهِ هَانَتْ عَلَيْهِ مُصِيبَتُه 00!!

ص: 4198

[عُيُونَ الأَخْبَارِ لَابْنِ قُتَيْبَة 0 طَبْعَةُ بَيرُوت: 74/ 3]

وَيْلٌ لِلشَّجِيِّ مِنَ الخَلِيّ

وَنَظَرَ رَجُلٌ إِلى امْرَأَةٍ بِالبَصْرَةِ فَقَال: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذِهِ النَّضَارَةِ وَمَا ذَاكَ إِلَاّ مِنْ قِلَّةِ الحُزْنِ فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَني يَا عَبْدَ الله؛ إني لَفِي حُزْنٍ لَا يُشَارِكُني فِيهِ أَحَد، وَوَيْلٌ لِلشَّجِيِّ مِنَ الخَلِيّ 00!!

فَقَالَ لهَا: وَكَيْفَ ذَلِك 00؟!

قَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي ذَبَحَ يَوْمَاً شَاةً، وَكَانَ لي صَبِيَّانِ مَلِيحَانِ يَلعبَان، فَقَالَ أَحَدُهِمَا للآخَر: أَترِيدُ أَن أُرِيَكَ كَيْفَ يَذْبَحُ أَبي الشَّاة 00؟

ص: 4199

قَالَ نَعَمْ، فَأَخَذَه فَذَبحَه، فَمَا شَعَرْنَا بِهِ إِلَاّ متَشَحِّطَاً في دَمِه، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الصُّرَاخ وَالعَوِيلُ خَافَ الصَّبيُّ وَهَرَبَ إِلى الجَبَل، فَطَلَعَ عَلَيْهِ ذِئْبٌ فَأَكَلَه، فَخَرَجَ أَبُوهُ وَرَاءهُ يَطلُبُهُ فَمَاتَ في البَيْدَاءِ عَطَشَاً 00!!

[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ الأُولى 0 بَاب: مَوْتِ الوَلَدِ بِاخْتِصَار: 1884]

العَاقِلُ يَفْعَلُ في المُصِيبَةِ مَا يَفْعَلُهُ الجَاهِلُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّام

مَاتَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك، فَعَزَّاهُ رَجُلٌ مجُوسِي يَعْرِفُهُ فَقَالَ لَه:

" يَنْبَغِي للعَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَ اليَوْمَ مَا يَفْعَلُهُ الجَاهِلُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّام " 0

فَقَالَ ابْنُ المبَارَك: " اكتُبُواْ هَذَا عَنه " 0

ص: 4200

[الإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاء " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ بَاب: الرُّكنِ الثَّالِثُ مِنَ الصَّبرِ وَالشُّكر: 1481]

انْظُرْ: كَتَبَ عَنهُ برَغْمِ أَنَّهُ مجُوسِيّ؛ لأَنَّهُ قَالَ حِكمَةً، وَفي الأَثَر:

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ حَيْثُمَا وَجَدَهَا فَهْوَ أَحَقُّ بهَا " 0

[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (4169)، وَابْنُ كَثِير: 35/ 6]

كَيْفَ ضَرَبَتْ بِصَبرِهَا الخَنْسَاء؛ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في حُسْنِ العَزَاء 00؟

ص: 4201

تَأَمَّلْ مَوْقِفَ الخَنْسَاءِ قَبْلَ وَبَعْدَ الإِسْلَام؛ لِتَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الدِّينَ لَهُ مَفْعُولُ السِّحْرِ في النُّفُوس: أَلَا تَرَاهَا كَيْفَ رَثَتْ أَخَاهَا صَخْرَاً في كُلِّ وَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَتِهَا لِلإِسْلَام، وَكَيْفَ صَبرَتْ وَاحْتَسَبَتْ وَلَمْ تُظْهِرْ مِنَ الجَزَعِ مَا أَظهَرَتْهُ عَلَى أَخِيهَا عِنْدَ مَوْتِ بَنِيهَا الأَرْبَعَةِ في مَعْرَكَةِ القَادِسِيَّة بَعْدَمَا عَرَفَتِ الإِسْلَامِ 00؟!

وَيُقَال: إِنهَا سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَا مَعْنَاهُ وَفَحْوَاهُ: لَمْ أَبْكِ عَلَى أَوْلَادِي فَلَذَاتِ أَكْبَادِي؛ لأَنيِّ عَلِمْتُ ثَوَابَ الَاسْتِشْهَادِ، أَمَّا أَخِي: فَلَمْ يمُتْ عَلَى الإِسْلَامِ وَإِنمَا عَلَى دِينِ الآبَاءِ وَالأَجْدَادِ؛ أَلَا يَدْعُوني هَذَا لِطُولِ البُكَاءِ وَالجَزَعِ وَالسُّهَادِ 00؟!

ص: 4202

وَهَا هِيَ إِلَيْكُمُ الحَادِثَةُ كَامِلَةً بحَذَافِيرِهَا كَمَا في كِتَابِ الَاسْتِيعَابِ لَابْنِ عَبْدِ البرّ:

عَن أَبي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ ـ وَكَانَ شَاعِرَاً ثِقَةً ـ عَن أَبِيهِ قَالَ بِاخْتِصَار:

ص: 4203

" عَلِمَتِ الخَنْسَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ بحَرْبِ القَادِسِيَّة وَمَعَهَا بَنُوهَا أَرْبَعَةُ رِجَال؛ فَقَالَتْ لَهُمْ مِن أَوَّلِ اللَّيْل: يَا بَنيَّ إِنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ طَائِعِين، وَهَاجَرْتم مخْتَارِين، وَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ إِنَّكُمْ لَبَنُواْ رَجُلٍ وَاحِد، كَمَا أَنَّكُمْ بَنُو امْرَأَةٍ وَاحِدَة: مَا خُنْتُ أَبَاكُمْ وَلَا فَضَحْتُ خَالَكُمْ، وَلَا هَجَّنْتُ حَسَبَكُمْ وَلَا غَبَّرْتُ نَسَبَكُمْ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللهُ لِلمسْلِمِينَ مِنَ الثَّوَابِ الجَزِيلِ في حَرْبِ الكَافِرِين، وَاعْلَمُواْ أَنَّ الدَّارَ البَاقِيَةَ خَير مِنَ الدَّار الفَانِيَة؛ يَقُولُ اللهُ سبحانه وتعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}

ص: 4204

{آلِ عِمْرَان/200}

فَإِذَا أَصبَحْتُمْ غَدَاً إِنْ شَاءَ اللهُ سَالمِين: فَاغْدُواْ إِلى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُسْتَبْصِرِين، وَباللهِ عَلَى أَعْدَائِهِ مُسْتَنْصِرِين، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الحَرْبَ قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا، وَاضْطَرَمَتْ لَظَىً عَلَى سَيَّاقِهَا؛

فَعَلَيْكُمْ بِوَطِيسِهَا، وَمجَالَدَةِ رَئِيسِهَا، عِنْدَ احْتِدَامَ خَمِيسِهَا ـ أَيِ الْزَمُواْ قَلْبَ المَعْرَكَةِ وَتَعَقَّبُواْ قَائِدَهَا عِنْدَ التِحَامِ الجَيْشَين ـ تَظْفَرُواْ بِالغُنمِ وَالكَرَامَة، في دَارِ الخُلدِ وَالمُقَامَة، فَاسْتَقْبَلَ بَنُوهَا كَلَامَهَا أَحْسَنَ اسْتِقْبَال، وَبَاتُواْ عَازِمِينَ عَلَى الثَّبَاتِ وَالَاسْتِبْسَال، فَلَمَّا أَضَاءَ لهُمُ الصُّبْحُ بَكَّرُواْ إِلى سَاحَةِ القِتَال، فَشَدَّ عَلَى العِدَى أَوَّلهُمْ وَقَال:

ص: 4205

يَا إِخْوَتي إِنَّ العَجُوز النَّاصِحَة * قَدْ نَصَحَتْنَا إِذْ دَعَتْنَا البَارِحَة

مَقَالَةً ذَاتَ بَيَانٍ وَاضِحَة * فَبَاكِرُواْ الحَرْبَ الضُّرُوسَ الكَالحَة

وَإِنمَا تَلقَوْنَ ثَمَّ الصَّائِحَة * مِن آل سَاسَانَ الكِلَابِ النَّابحَة

قَدْ أَيْقَنُواْ مِنْكُمْ بوَقْعِ الجَائِحَة * وَأَنْتُمُ بَينَ حَيَاةٍ صَالحَة

أَوْ مِيتَةٍ تُورِثُ غُنْمَاً رَابِحَة

وَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتىَّ اسْتُشْهِدَ رحمه الله، ثمَّ حَمَلَ الثَّاني وَهُوَ يَقُول:

إِنَّ العَجُوزَ ذَاتَ الحَزْمِ وَالجَلَدْ * والنَّظَرِ الأَوْفَقِ وَالرأْيِ السََّددْ

قَدْ أَمَرَتْنَا بِالسَّدَادِ وَالرَّشَدْ * نَصِيحَة مِنهَا وَبِرَّا بِالوَلَدْ

فَبَاكِرُواْ الحَرْبَ حُمَاةً في العَدَدْ * إِمَّا لِفَوْزٍ بَارِدٍ عَلَى الكَبِدْ

ص: 4206

أَوْ مِيتَةٍ تُورِثُكُمْ عِزَّ الأَبَدْ * في جَنَّةِ الفِرْدَوسِ وَالعيْشِ الرَّغَدْ

فَقَاتَلَ حَتىَّ اسْتُشْهِدَ رحمه الله، ثُمَّ حَمَلَ الثَّالِثُ وَهُوَ يَقُول:

وَاللهِ لَا نَعْصِي العَجُوزَ حَرْفَا * قَدْ نَصَحَتْنَا حَدَبا وَعَطْفَا

نُصْحَا وَبِرَّا صَادِقَا وَلُطْفَا * فَبَادِرُواْ الحَربَ الضَّرُوسَ زَحْفَا

حَتىَّ تَلُفُّواْ آلَ كِسْرَى لَفَّا * أَوْ تَكْشِفُوهُمْ عَن حِمَاكُمْ كَشْفَا

إِنَّا نَرَى التَّقْصِيرَ مِنْكُمْ ضَعْفَا * فَقَاتِلُوهُمْ نَجْدَةً وَزُلْفَى

فَقَاتَلَ حَتىَّ اسْتشْهِدَ رحمه الله، ثمَّ حَمَلَ الرَّابِعُ وَهُوَ يَقُول:

لسْتُ لخَنسَاء وَلَا لِلأَخْرمِ * وَلَا لعَمْرٍو ذِي السَّناءِ الأَقْدمِ

إِن لَمْ أَكُنْ نَسْرَاً في الجَيْشِ الأَعْجَمِى * أَمْضِي عَلَى الهَولِ الخِضَمِّ الخِضْرَمِ

ص: 4207

إِمَّا لِفَوزٍ عَاجِلٍ وَمَغْنَمِ * أَو لِوَفَاةٍ في السَّبِيلِ الأَكْرَمِ

فَقَاتَلَ حَتىَّ قُتِلَ رضي الله عنه وَعَن إِخْوَتِه، فَبَلَغَهَا الخَبرُ فَقَالَتْ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَّفَني بِقَتْلِهِمْ، وَأَرْجُو مِنْ رَبي أَنْ يجْمَعَني بهِمْ في مُسْتَقَرِّ رَحمَتِه، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يُعْطِي الخَنْسَاءَ أَرْزَاقَ أَوْلَادِهَا الأَرْبَعَة: لكُلِّ وَاحِدٍ مِاْئَتي دِرْهَمٍ حَتىَّ قُبِضَتْ رضي الله عنها " 0

[الَاسْتِيعَاب 0 لَابْنِ عَبْدِ البرِّ بِرَقْم: 3317]

الحَسَنُ البَصْرِيُّ وَأَجْمَلُ عِبَارَاتِ العَزَاء

جَزِعَ رَجُلٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ تُوُفِّيَ فَشَكَا ذَلكَ إِلى الحَسَنِ البَصْرِيِّ فَقَالَ لَه:

" هَلْ كَانَ ابْنُكَ يَغِيبُ عَنْك 00؟

ص: 4208

قالَ الرَّجُل: نَعَمْ، كَانَ مَغِيبُهُ عَنيِّ أَكْثَرَ مِن حُضُورِه؛ فَقَالَ الحَسَن:

فَاترُكْه غَائِبَاً، فَإِنهُ لَمْ يَغِبْ عَنْكَ غَيْبَةً الأَجْرُ لَكَ فِيهَا أَعْظَمُ مِن هَذِهِ الغَيْبَة " 0

مَا أُثِرَ قَوْلُهُ عَنِ الأُمَّهَاتِ الثَّكَالى

قِيلَ لأَعْرَابِيَّةٍ مَاتَ ابْنُهَا: مَا أَحْسَنَ عَزَاءَك 00؟

فَقَالَتْ: إِنَّ فَقْدِي إِيَّاه: أَمَّنَني كُلَّ فَقْدٍ سِوَاه 00!!

وَإِنَّ مُصِيبَتي فِيهِ هَوَّنَتْ عَلَيَّ كُلَّ المَصَائِبِ بَعْدَه، ثمَّ أَنْشَأَتْ تَقُول:

مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ فَليَمُتْ * فَعَلَيْكَ كُنْتُ أُحَاذرُ

دَخَلَ المَأْمُونُ عَلَى أُمِّ الفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ يُعَزِّيهَا بابْنِهَا الفَضْل، فَقَال: يَا أَمَةَ الله، إنَّك لَمْ تَفْقِدِي إِلَاّ رُؤْيَته، وَأَنَا وَلَدُكِ مَكَانَه 00!!

ص: 4209

فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ إِنَّ ابْنَاً أَفَادَني وَلَدَاً مِثْلَكَ لجَدِيرٌ أَن أَجْزَعَ عَلَيْه 00!!

حُزْنُ الأُمَّهَات

وَقَالَ آخَر:

إِنْ لَمْ تَمُتْ أُمُّكَا * غَمَّاً فَاعْذُرِ الأُمَّا

قَدْ أَشْفَقَتْ بَعْدَكَا * أَنْ تخْتَصِرَ الهَمَّا

صَدَقَ الَّذِي قَالَ الحَيَاةُ غُرُورُ

وَهَذِهِ أُمٌّ تُوُفيَ ابْنُهَا وَهْوَ في رَيْعَانِ شَبَابِه؛ فَقَالَ هَذَا الشَّاعِرُ يحْكِي قِصَّتَهَا:

قَالَتْ وَقَدْ هَدَّ ابْتِسَامَتَهَا الأَسَى * صَدَقَ الَّذِي قَالَ الحَيَاةُ غُرُورُ

أَكَذَا نمُوتُ وَتَنْقَضِي أَحْلَامُنَا * في لحْظَةٍ وَإِلى التُّرَابِ نَصِيرُ

فَتَفَتَّتَتْ أَكْبَادُنَا بِكَلَامِهَا * إِنَّ البُكَاءَ عَلَى الشَّبَابِ مَرِيرُ

أَجْمَلُ عِبَارَاتِ الرِّثَاءِ لِلأَبْنَاءِ وَالآبَاء

ص: 4210

وَمَاتَ ابْنٌ لأَعْرَابي فَاشْتَدَّ حُزْنُهُ عَلَيْه ـ وَكَانَ الأَعْرَابيُّ يُكَنى بِهِ ـ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ صَبرْتَ لَكَانَ ثَوَابُكَ أَعْظَمَ فَقَال:

كَيْفَ السُّلوُّ وَكَيْفَ أَنْسَى ذِكْرَهُ * وَإِذَا دُعِيتُ فَإِنمَا أُدْعَى بِهِ

وَقَالَ أَعْرَابيٌّ يَرْثِى ابْنَهُ:

فَأَنْظُرُ حَوْلي لَا أَرَى غَيرَ قَبرِهِ * كَأَنَّ جمِيعَ الأَرْضِ عِنْدِي لَهُ قَبرُ

وَلَمَّا دَعَوْتُ الصَّبرَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ * أَجَابَ الأَسَى طَوْعَا وَلَمْ يجِبِ الصَّبرُ

فَإِنْ يَنْقَطِعْ مِنهُ الرَّجَاءُ فَلَمْ يَزَلْ * بِقَلبي عَلَيْهِ الحُزْنُ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ

وَقَالَ أَعْرَابيٌّ آخَرُ يَرْثِى ابْنَهُ:

بُنيَّ لَئِنْ ضَنَّتْ جُفُونٌ بِمَائهَا * فَكَمْ قَرِحَتْ مِنيِّ عَلَيْكَ جُفُونُ

دَفَنْتُ بِكَفِّي بَعْضَ نَفْسِي فَأَصْبَحَتْ * وَلِلنَّفْسِ مِنهَا دَافِنٌ وَدَفِينُ

ص: 4211

وَقَالَ آخَرُ أَيْضَاً يَرْثِى ابْنَهُ:

وَرَبَّيْتُ فِيهِ لرَيْبِ الزَّمَانِ * فَللهِ تَرْبِيَتي وَالتَّعَبْ

أَيْ وَظَلَلتُ أُرَبِّيهِ لِسَنَوَات، ثمَّ تَوَفَّاهُ اللهُ وَمَات، فَاللهُ وَحْدَهُ يُعَوِّضُني: عَن أَسَفِي وَحَزَني 00!!

كَفْكِفْ دُمُوعَكَ لَا تُفِيدُ الأَدْمُعُ

وَلَا تَفُوتُني طَبْعَاً رَائِعَةُ أَبي ذُؤَيْبٍ الهَذَليّ، الشَّهِيرَةُ في بَنِيهِ الأَرْبَعَة:

أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ * وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يجْزَعُ

هَذِي الدُّمُوعُ أَرَاكَ تَذْرِفُهَا سُدَىً * كَفْكِفْ دُمُوعَكَ لَا تُفِيدُ الأَدْمُعُ

أَبُنيَّ شِعْرِي لَسْتُ أَمْلِكُ غَيْرَهُ * مَاذَا عَسَايَ سِوَى الرِّثَاءِ سَأَصْنَعُ

وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا * أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ

ص: 4212

وَاحَرَّ قَلْبي كَيْفَ يخْطَفُكَ الرَّدَى * وَيَضُمُّ مِنْكَ الجِسْمَ هَذَا البَلْقَعُ

قَالُواْ العُيُونُ يَضُرُّهَا حُزْنُ الفَتى * وَالحُزْنُ أَقْسَى في القُلُوبِ وَأَوْجَعُ

تِلْكُمْ هِيَ الدُّنيَا وَهَذَا دَأْبهَا * تَغْتَالُ مِنَّا مَنْ تَشَاءوَتَنزِعُ

إِنْ تُضْحِكِ اليَوْمَ الفَتى وَتَسُرَّهُ * فَغَدَاً إِلَيْهِ المُبْكِيَاتُ سَتُسْرِعُ

وَإِذَا سَقَتْهُ الشَّهْدَ يَوْمَاً في الْغَدِ * يَأْتِيهِ كَأْسُ النَّائِبَاتِ المُتْرَعُ

*********

ص: 4213

شَغَلَني الحُزْنُ لَكَ عَنِ الحزْنِ عَلَيْك

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: " لَمَّا مَاتَ ذَرُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ الهَمَدَانيُّ قَعَدَ عُمَرُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ وَهُوَ يَقُول: يَا بُنيّ؛ شَغَلَني الحُزْنُ لَكَ عَنِ الحُزْنِ عَلَيْك، فَلَيْتَ شِعْرِي [أَيْ لَيْتَني أَعْرِف]: مَا قُلْتَ وَمَا قِيلَ لَك 00؟

اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَهُ بِطَاعَتِكَ وَبِبِرِّي؛ فَقَدْ وَهَبْتُ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِن حَقَّي؛ فَهَبْ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِن حقِّك 00 وَقِيلَ إِنَّهُ قَال: انْطلَقْنَا وَتَرَكْنَاك، وَلَوْ أَقَمْنَا مَا نَفَعْنَاك " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 389/ 6]

ص: 4214

وَقَفَ محَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَلَى قَبرِ ابْنِهِ فَقَال:

" اللهُمَّ إِني أَرْجُوكَ لَهُ وَأَخَافُكَ عَلَيْهِ؛ فَحَقِّقْ رَجَائي فِيهِ وَأَمِّن خَوْفي عَلَيْه، اللهُمَّ إِنيِّ أَصْبَحْتُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُ مَا وَجَبَ لي عَلَيْهِ فَاغْفِرْ لَهُ مَا وَجَبَ لَكَ عَلَيْه؛ فَإِنَّكَ أَجْوَدُ وَأَكْرَم " 00

وَوَقَفَ أَعْرَابيٌّ آخَرُ عَلَى قَبرِ ابْنِهِ فَقَال: " اللهُمَّ إِنيِّ قَدْ وَهَبْتُ لَهُ مَا قَصَّر فِيهِ مِنْ برِّي فَهَبْ لي مَا قَصَّر فِيهِ مِن طَاعَتِك " 0

ص: 4215

حُكْمُ رِثَاءِ المَيِّت

وَالرِّثَاءُ لَا حَرَجَ فِيه، وَقَدْ سَمِعَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم 0

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ بُنيَ عَلَيّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمجْلِسِكَ مِنيِّ، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْر، حَتىَّ قَالَتْ جَارِيَة:" وَفِينَا نَبيٌّ يَعْلَمُ مَا في غَدٍ " فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَقُولي هَكَذَا وَقُولي مَا كُنْتِ تَقُولِين " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4001 / فَتْح]

ص: 4216

فَقَدَ أَبْنَاءهُ السَّبْعَة

وَهَذَانِ أَبَوَان، ابْتَلَاهُمَا الزَّمَان: بِفَقْدِ سَبْعَةٍ مِنَ أَوْلَادِهُمَا، كَانُواْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِمَا، وَفِلْذَةَ أَكْبَادِهمَا؛ فَأَنْشَأَ يَقُولُ أَبُوهمَا وَكَانَ شَاعِرَاً:

وَكُنْتُ أَبَا سَبْعَةٍ كَالبُدُورِ * أُفَقِّي بِهِمْ أَعْيُنَ الحَاسِدِينَا

فَمَرُّواْ عَلَى حَادِثَاتِ الزَّمَانِ * إِلى أَن أَبَادَتْهُمُ أَجْمَعِينَا

وَحَسْبُكَ مِنْ نَكْبَةٍ بِامْرِئٍ * تَرَى حَاسِدِيهِ لَهُ رَاحِمِينَا

*********

ص: 4217

ابْنُ الرُّومِيِّ الشَّاعِرُ وَفَقْدُ الوَلَد

وَمَاتَ الَابْنُ الأَوْسَطُ لَابْنِ الرُّومِيِّ فَوَجَدَ عَلَيْهِ وَجْدَاً شَدِيدَاً؛ فَرَثَاهُ بِقَوْلِه:

بُكَاؤُكُمَا يَشْفِي وَإِنْ كَانَ لَا يجْدِي * فَيَا رَوْعَةَ المُهْدَى وَيَا لَوْعَةَ المُهْدِيدِ

أُلَامُ لِمَا أُبْدِي عَلَيْهِ مِنَ الأَسَى * وَإِنيِّ لأُخْفِي مِنهُ أَضْعَافَ مَا أُبْدِيدِ

أَيخْطَفُ مِني المَوْتُ أَوْسَطَ صِبْيَتي * كَأَنْ قَدْ تَعَمَّدَ خَطْفَ وَاسِطَةِ العِقْدِ

وَهَلْ أَغْنَتِ العَينُ الفَتى بَعْدَ سَمْعِهِ * أَوِ السَّمْعُ بَعْدَ العَينِ يَهْدِي كَمَا تَهْدِيدِ

ص: 4218

لَقَدْ أَنْجَزَتْ فِيهِ المَنَايَا وَعِيدَهَا * وَأَخْلَفَتِ الآمَالُ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِ

طَوَاهُ الرَّدَى عَني فَأَضْحَى مَزَارُهُ * بَعِيدَاً عَلَى قُرْبٍ قَرِيبَاً عَلَى بُعْدِ

وَمِن أَرَقِّ وَأَعْذَبِ مَا قِيلَ في فَقْدِ الرَّضِيعِ وَمَا يُسَبِّبُهُ مِنَ الحَسَرَات؛ قَوْلُ إِلْيَاس فَرَحَات:

يُهْنِيكَ مَوْتُكَ يَا بُنيَّ كَأَنَّهُ * نَوْمُ الرَّضِيعِ عَلَى ذِرَاعِ المُرْضِعِ

كَمْ قُبْلَةٍ ذَهَبَتْ إِلى شَفَتَيْكَ مِنْ * قَلْبي الحَزِينِ الْوَالِهِ المُتَقَطِّعِ

حَتىَّ إِذَا وَجَدَتْ مِهَادَكَ خَالِيَاً * عَادَتْ فَصَارَتْ جَمْرَةً في أَضْلُعِيعِ

عِنْدَمَا يُجْرِي الجَرَّاحُ عَمَلِيَّةً جِرَاحِيَّةً لَابْنِهِ

المَرِيضِ فَيَمُوتُ فِيهَا بَينَ يَدَيْه

وَهَذَا طَبِيبٌ جَرَّاحٌ أَجْرَى عَمَلِيَّةً جِرَاحِيَّةً لَابْنِهِ فَمَاتَ فِيهَا بَينَ يَدِيْه:

ص: 4219

بِرُوحِي مَنْ تَذُوبُ عَلَيْهِ رُوحِي * وَذُقْ يَا قَلْبُ مَا صَنَعَتْ يَدَاكَا

أَرَاكَ هَجَرْتَني هَجْرَاً طَوِيلاً * وَمَا عَوَّدْتَني مِنْ قَبْلُ ذَاكَا

يَعَزُّ عَلَيَّ حِينَ أُدِيرُ عَيْني * أُفَتِّشُ في مَكَانِكَ لَا أَرَاكَا

وَهَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَرْجَأْتُهُ لأَخْتِمَ بِهِ الحَدِيثَ عَنْ فَقْدِ الوَلَد؛ لِعِظَمِ فَضْلِ اللهِ تَعَالى عَلَيْنَا فِيه:

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، سلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ، رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ، صَبرَ أَوْ لَمْ يَصْبرْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ دُونَ الجَنَّة "

ص: 4220

[وَثَّقَ الهَيْثَمِيُّ رِجَالَهُ إِلَاّ رَجُلاً ضَعَّفَهُ في " المجمع " 0 ص: (10/ 3)، الطَّبَرَاني، وَفي " الكَنْز " بِرَقْم: 6614]

فَقْدُ البِنْت

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:

" شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللهِ جَالِسٌ عَلَى القَبْر، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَان " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَابِ: مَنْ يَدْخُلُ قَبرَ المَرْأَة 0 بِرَقْم: (1342)، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 42399]

عَن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " قَالَ رَبُّكُمْ تبارك وتعالى: إِذَا قَبَضْتُ كَرِيمَةَ عَبْدِي وَهُوَ بِهَا ضَنِينٌ فَحَمِدَني عَلَى ذَلِك: لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابَاً دُونَ الجَنَّةِ إِذَا حَمَدَني "

ص: 4221

وَقِيل: المَقْصُودُ بِالكَرِيمَةِ عَيْنُه، وَقِيلَ أَهْلُه، وَكَرِيمَةُ الرَّجُلِ كُلُّ عَزِيزٍ عَلَيْه {اللِّسَان: 513/ 12}

[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في " الصَّحِيحَةِ " بِرَقْم: (2010)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: (9959]

تَوْبَةُ مَالِكِ بْنِ دِينَار

هَلْ تَعْلَمُونَ بِدَايَةَ مَالِكِ بْنِ دِينَار 00؟

ص: 4222

حَكَاهَا رضي الله عنه بِنَفْسِهِ فَقَال: " لَقَدْ كُنْتُ إِنْسَانَاً فَاسِقَاً، لَمْ أَدَعْ مَعْصِيَةً مِنَ المَعَاصِي إِلَاّ فَعَلتُهَا، حَتىَّ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ كُنْتُ في أَبْغَضِ الأَمَاكِنِ إِلى الله: في الأَسْوَاق، فَسَمِعْتُ رَجُلاً يَقُولُ لِلبَائِع: أَكْرِمْني؛ فَأَنَا عِنْدِي ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَشَّرَ مَن أَدْخَلَ السُّرُورَ عَلَى البَنَات 0

فَقُلتُ في نَفْسِي: أَتَزَوَّجُ حَتىَّ يَرْزُقَني اللهُ ثَلَاثَ بَنَات، ثمَّ عُدْتُ فَقُلتُ في نَفْسِي: وَمَنْ يُزَوِّجُكَ يَا مَالِكُ وَأَنْتَ قَدْ شَاعَ فِسْقُكَ بَينَ النَّاس 00؟!

ص: 4223

فَبَدَأْتُ في التَّوْبَةِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً حَتىَّ تَزَوَّجْت، وَحَمَلَتْ زَوْجَتي وَأَنجَبَتْ بِنْتَاً، فَسَمَّيْتُهَا فَاطِمَة، وَظَلَلتُ عَلَى بَقِيَّةٍ مِنَ الفِسْقِ لَمْ تُفَارِقني: فَكُنْتُ كُلَّ لَيْلَةٍ أَشْرَبُ الخَمْر، حَتىَّ آذَانِ الفَجْر، حَتىَّ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ كُنْتُ كَعَادَتي أَشْرَبُ الخَمْر، فَإِذَا بِابْنَتي تَسْتَيْقِظُ في وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ اللَّيْلِ وَتَأْتي فَتَكْسِرُ كَأْسَ الخَمْرِ مِنْ يَدِي؛ فَقُلتُ في نَفْسِي: إِنَّ اليَدَ الّتي كَسَرَتِ الكَأْسَ لَيْسَتْ يَدَ فَاطِمَة، فَقَرَّرْتُ الإِقْلَاعَ عَنْ شُرْبِ الخَمْر، لَكِنَّ القَرَارَ لَمْ يَكُنْ صَارِمَاً، حَتىَّ حَدَثَ الحَادِثُ الّذِي غَيَّرَ مجْرَى حَيَاتي: مَاتَتْ فَاطِمَة 00!!

ص: 4224

فَعُدْتُ سِكِّيرَاً فَاسِقَاً أَشَدَّ مِمَّا كُنْت، حَتىَّ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقُلتُ: وَاللهِ لأَسْكَرَنَّ اللَّيْلَةَ سَكْرَةً مَا سَكِرْتُ مِثلَهَا مِنْ قَبْل 00!!

فَظَلَلتُ أَشْرَبُ وَأَشْرَبُ حَتىَّ سَقَطْتُ مَغْشِيَّاً عَلَيّ، فَرَأَيْتُ في غَشْيَتي كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَالنَّاسُ يحَاسَبُون، وَنَادَى مُنَادٍ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ دِينَار 00؟

فَأَقْبَلتُ وَأَنَا تَرْتَعِدُ فَرَائِصِي، وَإِذْ بي وَحْدِي وَقَدِ اخْتَفَى النَّاسُ مِن حَوْلي، فَطَلَعَ عَلَيَّ تِنِّينٌ عَظِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَني، فَفَرَرْتُ مِنهُ حَتىَّ لَقِيتُ شَيْخَاً كَبِيرَاً فَقُلتُ لَهُ: أَنْقِذْني يَرْحَمُكَ الله 00؟

ص: 4225

فَقَالَ لي: أَنَاْ شَيْخٌ كَبِير، لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَلَكِن خُذْ هَذَا الطَّرِيقَ عَلَّكَ تَنْجُو، فَسَلَكْتُهُ وَظَلَلتُ أَجْرِي فَإِذَا بِالنَّارِ أَمَامِي، وَالتِّنِّينُ مِن خَلْفِي، فَعُدْتُ إِلى الشَّيْخِ وَقُلْتُ لَهُ: مَا العَمَل 00؟!

فَقَال: عَلَيْكَ بِهَذَا الجَبَل؛ عَلَّكَ تَنْجُو، فَصَعَدْتُ الجَبَلَ فَوَجَدْتُ خُضْرَةً وَصِبْيَةً يَلعَبُون، فَلَمَّا رَأَوْني قَالُواْ: يَا فَاطِمَة، يَا فَاطِمَة، أَدْرِكِي أَبَاكِ؛ فَجَاءتْ فَأَخَذَتْني بِيَدِهَا اليُمْنى وَدَفَعَتِ التِّنِّينَ بِاليَدِ الأُخْرَى، وَقَعَدَتْ في حِجْرِي كَمَا كَانَتْ تَصْنَعُ في الدُّنيَا 00!!

فَقُلتُ لهَا: يَا فَاطِمَةُ مَا هَذَا الثُّعْبَانُ العَظِيم 00؟

فَقَالَتْ: هَذَا عَمَلُكَ السَّيِّئُ يَا أَبَتِ 00!!

فَقُلتُ: وَمَن هَذَا الشَّيْخُ الضَّعِيف 00؟

ص: 4226

قَالَتْ: هَذَا عَمَلُكَ الصَّالحُ يَا أَبَتِ، أَنْتَ أَضْعَفتَهُ، وَلَوْلَا أَنَّني مُتُّ لَكَ لَمَا وَجَدْتَ اليَوْمَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْك، يَا أَبَتِ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَنْ تخْشَعَ قُلُوبهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقّ 00؟!

فَاسْتَيْقَظْتُ مِنْ نَوْمِي وَأَنَا أَقُولُ آنَ يَا رَبّ، آنَ يَا رَبّ، ثمَّ اغْتَسَلْتُ وَذَهَبْتُ إِلى المَسْجِدِ لأُصَلِّي الفَجْر، فَوَجَدْتُ الإِمَامَ يَقْرَأُ بهَذِهِ الآيَة:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَنْ تخْشَعَ قُلُوبهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقّ} {الحَدِيد/16}

يَقُولُ مَالِكُ بْنُ دِينَار: فَفَهِمْتُ عَنْ رَبِّي: أَيْ أَدْرَكْتُ مُرَادَ اللهِ مِن هَذِهِ الأَحْدَاثِ فَانْتَبَهْت 0

[الرَّسَائِلُ الرَّبَّانِيَّةُ لِلأُسْتَاذِ عَمْرو خَالِد]

ص: 4227

وَقَدْ يُصْبِحُ المَوْتُ أَقْسَى النِّكَاتِ

وَمِن أَرَقِّ مَا قِيلَ في مَوْتِ البَنَاتِ قَوْلُ الشَّاعِر:

فَمَوْتُكِ يَا مُهْجَتي نُكْتَةٌ * وَقَدْ يُصْبِحُ المَوْتُ أَقْسَى النِّكَاتِ

فَيَا لَيْتَ لِلمَوْتِ مِثْلِيَ بِنْتٌ * لِيُدْرِكَ مَا هُوَ مَوْتُ البَنَاتِ

*********

فَقْدُ الأُمّ

اسْتَمِعْ لِمَا قَالَهُ أَحَدُ الأُمَرَاءِ في أُمِّه:

خَفَضْتُ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ رَحْمَتي بهَا * وَهَانَ لأُمِّيَ أَن أَذِلَّ وَأَخْضَعَا

أَرُوحُ أَمِيرَاً في البِلَادِ محَكَّمَاً * وَأَغْدُو شَفِيعَاً في الذُّنُوبِ مُشَفَّعَا

عَلَى مِثْلِهَا فَليَبْكِ مَنْ كَانَ بَاكِيَا

ذِكْرَيَاتُ حَنَانِ الأُمِّ بَعْدَ فَقْدِهَا

أَئِنُّ فَتَشْعُرُ في صَدْرِهَا * كَأَنَّ أَنِينيَ وَخْزُ الإِبَرْ

فَتُلْهِبُ خَدِّيَ مِنْ لَثْمِهَا * وَتمْسَحُ مِن أَدْمُعِي مَا انحَدَرْ

ص: 4228

تَوَدُّ لَوَ انَّ الفِدَا مُمْكِنٌ * فَتَفْدِي حَيَاتِي بِنُورِ البَصَرْ

وَدَارَ الزَّمَانُ بِأَحْدَاثِهِ * وَمَرَّ عَلَى عِقْدِنَا فَانْتَثَرْ

وَجَرَّدَ أُمِّيَ مِنيِّ كَمَا * تُجَرِّدُ كَفُّ الخَرِيفِ الشَّجَرْ

وَرُحْتُ أَخُوضُ غُمَارَ الحَيَاةِ * وَدُونَ الحَيَاةِ زِحَامُ البَشَرْ

فَأَعْثُرُ بِالمَكْرِ وَالإِحْتِيَالِ * وَأُمْنى عَلَى عِفَّتي بِالضَّرَرْ

حَيَاةٌ بِأَيَّامِهَا مَا يَسُوءُ * عَلَى أَنَّ في بَعْضِهَا مَا يَسُرْ

بَلَوْنَا بِهَا خُلُقَ الأَصْدِقَاءِ * وَكَمْ قَدْ وَجَدْنَا بهَا مِن عِبَرْ

خَبرْنَا الأَسَىكَيْفَ يُدْمِي القُلُوبَا * وَيَعْصِرُهَا قَبْلَ أَنْ يَنحَسِرْ

إِذَا مَا تمَنىَّ رُجُوعَ الشَّبَابِ * أُنَاسٌ تمَنَّيْتُ عَهْدَ الصِّغَرْ

انْشِغَالُ قَلْبِ الأُمِّ وَحَنِينُهَا إِلى أَبْنَائِهَا المُغْتَرِبِين

ص: 4229

خُضْنَا البِحَارَ عَلَى المَعَاشِ فَلَيْتَني * أَلْقَيْتُ نَفْسِي فِيهِ لِلأَسْمَاكِ

أَنْفَقْتِ عُمْرَكِ تَطْلُبِينَ رُجُوعَنَا * وَتجُولُ كُلَّ سَفِينَةٍ عَيْنَاكِ

مَا مَرَّتِ النَّسَمَاتُ بي وَقْتَ الدُّجَى * إِلَاّ عَرَفْتُ بِطِيبِهَا رَيَّاكِ

وَالبَدْرُ لَمْ يَظْهَرْ لِعَيْنيَ مَرَّةً * إِلَاّ ذَكَرْتُ بِوَجْهِهِ رُؤْيَاكِ

أَشْقَى البَرِيَّةِ كُلِّهَا أُمٌّ قَضَتْ * أَيَّامَهَا في وِحْدَةِ النُّسَّاكِ

مَاتَتْ مُلَوَّعَةَ الفُؤَادِ وَعَيْنُهَا * تجْتَالُ بَينَ البَابِ وَالشُّبَّاكِ

*********

لَمَّا سَكَنْتِ مِنَ السَّمَاءِ بجَنَّةٍ * فَاضَتْ عَلَيْكِ العَينُ بِالأَنهَارِ

عَجَبَاً لأُمٍّ تَسْتَقِرُّ بجَنَّةٍ * قَدْ غَادَرَتْ أَبْنَاءهَا في النَّارِ

فَقْدُ الأَبّ

ص: 4230

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا قُتِلَ أَبي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْني عَنْهُ، وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَاني، فَجَعَلَتْ عَمَّتي فَاطِمَةُ تَبْكِي؛ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِين، مَا زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتىَّ رَفَعْتُمُوه "

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: (1244)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بِرَقْم: 2471]

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ رضي الله عنه قَال:

ص: 4231

" جِيءَ بِأَبي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِه، حَتىَّ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبَاً ـ أَيْ غُطِّيَ فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَن أَكْشِفَ عَنْهُ فَنهَانِي قَوْمِي، ثمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنهَانِي قَوْمِي، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ هَذِه " 00؟

فَقَالُواْ: ابْنَةُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْروٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" فَلِمَ تَبْكِي " 00؟! أَوْ " لَا تَبْكِي؛ فَمَا زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتىَّ رُفِع " 0

ص: 4232

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: الدُّخُولِ عَلَى المَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ بِرَقْم: (1293)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2471]

فَزْعَةُ الَابْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ أَبِيهِ وَقَدْ مُثِّلَ بِه

ص: 4233

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَتَلَهُ المُشْرِكُونَ ثمَّ مَثَّلُواْ بِه: فَجَدَعُواْ كِلَاهُمَا ـ أَيْ خِصْيَتَيْهِ ـ وَأُذُنَيْه، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلى مَا صَنَعُواْ بِهِ وَصِحْت، فَجَاءتِ الأَنْصَارُ فَسَجَّوْهُ بِثَوْب، ثُمَّ إِني كَشَفْتُ الثَّوْبَ فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا صُنِعَ به صِحْت، فَجَاءتِ الأَنْصَارُ فَسَجَّوْهُ بِالثَّوْب، وَذَلِكَ بِعَين رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ الأَنْصَارُ حَتىَّ أَتَواْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُواْ: يَا رَسُول الله أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ جَابر 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " دَعُوه " 0

ص: 4234

[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (19/ 3)، الإِمَامُ الطَّبَرَاني في الأَوْسَط]

المَوْتُ لَهُ رَوَائِح

ص: 4235

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَاني أَبي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ رضي الله عنه: مَا أُرَاني إِلَاّ مَقْتُولاً في أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِني لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنَاً فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرَاً، فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيل، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ في قَبْر، ثمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَن أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً ـ أَيْ مِنْ قَرِيبٍ ـ غَيْرَ أُذُنِه " 0

ص: 4236

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: هَلْ يُخْرَجُ المَيِّتُ مِنَ القَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّة؟ بِرَقْم: 1351]

عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبيِّ بْنُ سَلُول، وَكَيْفَ صَلَّى

عَلَيْهِ رَغْمَ كُلِّ إِسَاءَاتِهِ الرَّسُول

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَابْنُهُ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله، أَعْطِني قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ 00؟

فَأَعْطَاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ فَقَال: " آذِني أُصَلِّي عَلَيْه " 00 فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَيْسَ اللهُ نهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى المُنَافِقِين 00؟!

ص: 4237

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْن؛ قَالَ تَعَالى: {اسْتَغْفِرْ لهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لهُمْ} {التَّوْبَة / 80}

فَصَلَّى عَلَيْه، فَنَزَلَتْ:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدَاً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} 00!! {التَّوْبَة / 84} " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بِرَقْم: (1269)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَة بِرَقْم: 2400]

هَذَا هُوَ عُمَر

ص: 4238

عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُول، دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْه، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا 00 أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ 00؟!

فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: " أَخِّرْ عَنيِّ يَا عُمَر " 00 فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَال:

" إِني خُيِّرْتُ فَاخْتَرْت، لَوْ أَعْلَمُ أَني إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا " 0

ص: 4239

فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْصَرَف، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَاّ يَسِيرَاً حَتىَّ نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءة:

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدَاً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} 00!! {التَّوْبَة/84}

فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَاب: مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ وَالَاسْتِغْفَار بِرَقْم: 1366]

وَمِن أَجْمَلِ مَا يمْكِنُ أَنْ يُقَالَ في الأَبِ قَوْلُ هَذَا الشَّاعِر:

أَبي خَانَني فِيكَ الرَّدَى فَتَقَوَّضَتْ * بِمَوْتِكَ أَحْلَامِي كَبَيْتٍ مِنَ التِّبْنِ

ص: 4240

فَأَرْفَعُ مجْدِي كَانَ أَنَّكَ لي أَبٌ * وَأَعْظَمُ فَخْرِي كَانَ قَوْلُكَ لي يَا ابْني

عَلَى ذَلِكَ القَبْرِ السَّلَامُ فَذِكْرُهُ * أَرِيجٌ بِهِ نَفْسِي عَنِ العِطْرِ تَسْتَغْني

نَظُنُّ لَنَا الدُّنيَا وَمَا فَوْقَ ظَهْرِهَا * وَلَيْسَتْ لَنَا إِلَاّ كَمَا البَحْرُ لِلسُّفْنِ

إِذَا مَا مَاتَ آدَمُ أَبُو البَشَر؛ فَهَلْ يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ البَشَر 00؟

وَقَالَ آخَرُ يُعَزِّي صَاحِبَاً لَهُ مَاتَ وَالِدُهُ:

أُعَزِّيكَ لَا أَنيِّ أَظُنُّكَ جَازِعَاً * عَلَيْهِ وَلَكِنىِّ أَقُومُ بِوَاجِبيبِ

وَكَيُفَ أُعَزِّي مَنْ بَرَى الدَّهْرَ خِبرَةً * وَأَدْرَكَ مَا في طِبِّهِ مِن عَجَائِبِ

فَلَا تَأْسَ مِن وَقْعِ الخُطُوبِ وَإِنْ جَنَتْ * عَلَيْكَ فَإِنَّ النَّاسَ مَرْعَى النَّوَائِبِ

إِذَا مَا الرَّدَى أَوْدَى بِآدَمَ قَبْلَنَا * فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ نَسْلِهِ غَيرَ ذَاهِبِ

ص: 4241

وَمَا مَاتَ مَن أَبْقَاكَ تَهْتِفُ بِاسْمِهِ * وَتَذْكُرُ عَنهُ صَالحَاتِ المَنَاقِبِ

وَمَاتَ وَالِدُ أَحَدِ الشُّعَرَاءِ فَرَثَاهُ كَمَا يَقُولُونَ:

بِشِعْرٍ يُقَطِّعُ أَقْسَى القُلُوب

قَالَ فِيه:

وَكَمْ قَدْ عَبِثْتُ بِأَوْرَاقِهِ * وَنِمْتُ عَلَى صَدْرِهِ المُتعَبِ

وَمَكْتَبُهُ بَلْ وَفِنْجَالُهُ * عَلَى حَالِهِ بَعْدُ لَمْ يُشْرَبِ

وَحُجْرَتُهُ مُوقَدٌ نُورُهَا * كَأَنَّ أَبي بَعْدُ لَمْ يَذْهَبِ

*********

عَلَى المَقَاعِدِ بَعْضٌ مِنْ مَلَابِسِهِ * وَذَا كِتَابٌ مَعَاً كُنَّا قَرَأْنَاهُ

{نِزَار قَبَّاني}

إِنَّ التَّأَمُّلَ في الحَيَاةِ يَزِيدُ أَوْجَاعَ الحَيَاة

ص: 4242

وَيَرْحَمُ اللهُ ذَلِكَ الشَّاعِرَ الَّذِي رَقَّ لِتِلكَ الفَتَاةِ التي تَذَكَّرَتْ مَوْتَ وَالِدِهَا الأَبَرِّ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهَا مِنَ الدَّمْعِ حَزَنَاً عَلَيْهِ فَصَبَّرَهَا وَقَال؛ لَمَّا رَأَى حُزْنَهَا قَدْ طَال:

إِنَّ التَّأَمُّلَ في الحَيَاةِ يَزِيدُ أَوْجَاعَ الحَيَاة

فَدَعِي الكَآبَةَ وَالأَسَى وَاسْتَرْجِعِي مَرَحَ الفَتَاة

وَاعْلَمِي أَنَّهُ يحْزَنُ في قَبرِهِ لحُزْنِكِ، تمَامَاً كَمَا كَانَ يَسْعَدُ في حَيَاتِهِ لِسَعَادَتِك 00!!

وَمَاتَ وَالِدُ أَحَدِ الشُّعَرَاء، فَلَمْ تَمْضِ سِوَى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ حَتىَّ مَاتَ أَخُوه، فَقَالُواْ لَهُ: مَا أَصْبرَكَ عَلَى المَوْت 00 مَاتَ أَبُوكَ وَلَمْ تَمْضِ أَيَّامٌ حَتىَّ مَاتَ أَخُوك 00!!

فَقَالَ لهُمْ:

وَهَلْ تَبْقَى النَّضَارَةُ في الفُرُوعِ * إِذَا مَا أَيْبَسَ المَوْتُ الأُصُولَا

ص: 4243

وَأَخْتِمُ مَوْتَ الأَبِ بهَذَا الحَدِيث:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " مَن أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ في قَبرِهِ فَليَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدَه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيح، ابْنُ حَبَّانَ وَأَبُو يَعْلَى]

ص: 4244

فَقْدُ الأَخّ

قَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانيّ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلىَ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِنَعْيِ أَخِيه؛ فَقَالَ لَهُ رحمه الله:

" ادْنُ فَكُلْ؛ فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِين: قَالَ جَلَّ وَعَلَا:

{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} {الزُّمَر/30} [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 499/ 3]

ص: 4245

عَائِشَةُ رضي الله عنها وَفَقْدُ أَخِيهَا

وَعَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ رضي الله عنه قَال:

لَمَّا مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ رضي الله عنه قَامَتْ أُخْتُهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَلَى قَبرِهِ وَقَالَتْ:

وَكُنَّا كَنَدْمَانيْ جُذَيمَةَ حِقْبَةً * مِنَ الدَّهْرِ حَتىَّ قِيلَ لَنْ نَتَصَدَّعَا

فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكَاً * لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا

[التِّرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ بِرَقْم: (1055) قَالَ الأَلبَانيّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 المِشْكَاة: (1718)، وَالْبَيْتَانِ لمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَة]

ص: 4246

ابْنُ عَبَّاسٍ وَفَقْدُ أَخِيه

وَنُعِيَ أَخٌ لَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فَاسْتَرْجَعَ وَتَنَحَّى عَنِ الطَّريقِ فَصَلَّى رَكْعَتَين؛ فَقِيلَ لَهُ في ذَلِك: يَا ابْنَ عَبَّاس: أَتَسْتَقْبِلُ مَوْتَ أَخِيكَ بِالصَّلَاة 00؟

فَقَالَ لهُمْ رضي الله عنه: أَلَمْ تَقْرَءواْ قَوْلَهُ سبحانه وتعالى:

{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبرِ وَالصَّلَاة} [البَقَرَة: 45]

[ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ كَثِير، وَالبَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: (9682)، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ في سُنَنِهِ 0 ص: 632/ 2]

ص: 4247

عُمَرُ رضي الله عنه وَفَقْدُ أَخِيه

وَلَمَّا اسْتُشْهِدَ زَيْدُ بْنِ الخَطَّابِ أَخُو عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه في مَعْرَكَةِ اليَمَامَةِ ـ وَكَانَ في صُحْبَةِ رَجُلٍ مِنْ بَني عَدِيّ ـ فَلَمَّا أَنْ مَاتَ زَيْدٌ رَجَعَ صَاحِبُهُ ذَاكَ إِلى المَدِينَة، فَلَما رَآهُ عُمَرُ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ لَهُ:{خَلَّفْتَ زَيْدَاً ثَاوِيَاً وَأَتَيْتَني}

وَكَانَ عُمرُ رضي الله عنه كَثِيرَاً مَا يَقُول:

" مَا هَبَّتِ الصِّبَا إِلَاّ وَأَنَا أَجِدُ مِنهَا رِيحَ زَيْد " 0 [الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 5008، وَابْنُ عَبْدِ البرِّ في الَاسْتِيعَاب، وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء، وَالإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِه]

ص: 4248

مُوسَى عليه السلام، وَفَقْدُ أَخِيهِ هَارُونَ عليه السلام

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالَا: " إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا أَوْحَى إِلىَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ أَنيِّ مُتَوَفيِّ هَارُون؛ فَأْتِ بِهِ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا؛ فَانْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ عليهما السلام نَحْوَ ذَلِكَ الجَبَل، فَإِذَا هُمْ فِيهِ بِشَجَرَةٍ مَثَّلَهَا بِبَيْتٍ مَبْنيّ، وَإِذَا هُمْ فِيهِ بِسَرِيرٍ عَلَيْهِ فُرُش، وَإِذَا فِيهِ رِيحٌ طَيِّب، فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ إِلىَ ذَلِكَ الجَبَلِ وَالْبَيْتِ وَمَا فِيهِ أَعْجَبَهُ وَقَال: يَا مُوسَى إِنيِّ لأَحِبُّ أَن أَنَامَ عَلَى هَذَا السَّرِير؛ قَالَ لَهُ مُوسَى عليه السلام: فَنَمْ عَلَيْهِ؛

ص: 4249

قَالَ هَارُونُ عليه السلام: إِنيِّ أَخَافُ أَنْ يَأْتيَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَغْضَبُ عَلَيَّ؛ قَالَ لَهُ مُوسَى: لَا تَرْهَبْ؛ أَنَا أَكْفِيكَ رَبَّ هَذَا الْبَيْت؛ فَنَمْ، فَقَالَ عليه السلام: يَا مُوسَى، يَا مُوسَى؛ بَلْ نَمْ مَعِي؛ فَإِنْ جَاءَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ غَضِبَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ جَمِيعَاً، فَلَمَّا نَامَا: أَخَذَ هَارُونَ عليه السلام المَوْت، فَلَمَّا وَجَدَ حِسَّهُ قَال: يَا مُوسَى؛ خَدَعْتَني، فَلَمَّا قُبِضَ عليه السلام رُفِعَ ذَلِكَ الْبَيْتُ وَذَهَبَتْ تِلْكَ الشَّجَرَة، وَرُفِعَ السَّرِيرُ إِلىَ السَّمَاء، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلىَ بَني إِسْرَائِيلَ وَلَيْسَ مَعَهُ هَارُونُ قَالُواْ: إِنَّ مُوسَى قَتَلَ هَارُونَ وَحَسَدَهُ حُبَّ بَني إِسْرَائِيلَ لَهُ،

ص: 4250

وَكَانَ هَارُونُ عليه السلام آلَفَ عِنْدَهُمْ وَأَلْيَنَ لَهُمْ مِنْ مُوسَى، وَكَانَ في مُوسَى عليه السلام بَعْضُ الْغِلَظِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: وَيْحَكُمْ؛ إِنَّهُ كَانَ أَخِي، أَفَتَرَوْنَني أَقْتُلُه 00؟!

فَلَمَّا أَكْثَرُواْ عَلَيْهِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَينِ ثُمَّ دَعَا اللهَ جَلَّ وَعَلَا؛ فَنَزَلَ بِالسَّرِيرِ حَتىَّ نَظَرُواْ إِلَيْهِ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْض، فَصَدَّقُوه " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4109]

ص: 4251

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَواْ مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُواْ} {الأَحْزَاب/69}

عَن عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ في شَرْحِ هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَة: " صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ عليهما السلام الجَبَل، فَمَاتَ هَارُونُ عليه السلام؛ فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: أَنْتَ قَتَلْتَهُ؛ كَانَ أَشَدَّ حُبَّاً لَنَا مِنْك، وَأَلْيَنَ لَنَا مِنْك؛ فَآذَوْهُ في ذَلِك؛ فَأَمَرَ اللهُ المَلَائِكَةَ فحَمَلَتْهُ، فَمَرُّواْ بِهِ عَلَى مجَالِسِ بَني إِسْرَائِيل، حَتىَّ عَلِمُواْ بِمَوْتِهِ، فَدَفَنُوه، وَلَمْ يَعْرِفْ قَبْرَهُ إِلَاّ الرَّخَم، وَإِنَّ اللهَ جَعَلَهُ أَصَمَّ أَبْكَم " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4110]

ص: 4252

أَبُو العَتَاهِيَةِ وَفَقْدُ أَخِيه

وَلَا تَفُوتُنَا طَبْعَاً في فَقْدِ الأَخِ قَصِيدَةُ أَبي العَتَاهِيَةِ الشَّهِيرَةُ الَّتي تَغَنَّتْ بهَا كُتُبُ الأَدَب:

أَلَا مَنْ لي بِأُنْسِكَ يَا أُخَيَّا * وَمَنْ لي أَن أَبُثَّكَ مَا لَدَيَّا

كَفَى حُزْنَاً بمَوْتِكَ ثُمَّ أَنيِّ * نَفَضْتُ تُرَابَ قَبرِكَ عَنْ يَدَيَّا

طَوَتكَ خُطُوبُ دَهْرِكَ بَعْدَ نَشْرٍ * كَذَاكَ خُطُوبُهُ نَشْرَاً وَطَيَّا

وَكَانَتْ في حَيَاتِكَ لي عِظَاتٌ * فَأَنْتَ الْيَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا

دَعَوْتُكَ يَا أَخَيَّ فَلَم تجِبْني * فَرُدَّتْ دَعْوَتي يَأْسَا عَلَيَّا

ص: 4253

بمَوْتِكَ مَاتَتِ اللَّذَّاتُ مِنيِّ * وَكَانَت حَيَّةً إِذْ كُنْتَ حَيَّا

فَوَاأَسَفَا عَلَيْكَ وَحَرَّ شَوْقِي * إِلَيْكَ لَوَ انَّ ذَلِكَ رَدَّ شَيَّا

°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°

أَخِي وَحَبِيبي أَيُّ رُزْءٍ أَصَابَني * فَجَفَّ لِوَقْعَتِهِ بحَلْقِيَ رِيقِيقِ

وَصِرْتُ كَأَنيِّ في جَحِيمٍ مِنَ الأَسَى * وَإِنْ كُنْتُ مِنْ دَمْعِي شَبِيهَ غَرِيقِ

°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°

ص: 4254

بِئْسَتِ الدَّارُ المُفَرِّقَة

عَن يونسَ بن عبَيد رضي الله عنه قَال:

" لَمَّا مَاتَ سَعِيدُ بْنُ أَبي الحَسَنِ حَزِنَ عَلَيْهِ الحَسَنُ ـ أَيْ أَخُوهُ ـ حُزْنَاً شَديدَاً، وَأَمْسَكَ عَنِ الكَلَامِ حَتىَّ عُرِفَ ذَلِكَ في مجْلِسِهِ وَحَدِيثِه؛ فَكُلِّمَ في ذَلكَ فَقَال:

" الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يجْعَلِ الحُزْنَ عَارَاً عَلَى يَعْقُوب، ثُمَّ قَال: بِئْسَتِ الدَّار المُفَرِّقَة " 0 [الطَّبَقَاتُ الكُبرَى لَابْنِ سَعْد 0 دَار صَادِر 0 بَيرُوت: 178/ 7]

ص: 4255

دُمُوعُ الخَنْسَاءِ عَلَى أَخَوَيْهَا

نَظَرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلى الخَنسَاءِ وَبهَا نُدُوبٌ في وَجْهِهَا ـ أَيْ شُحُوبٌ ـ فَقَال: " مَا هَذَا النُّدُوبُ يَا خَنْسَاء 00؟!

قَالَتْ: مِنْ طُولِ البُكَاءِ عَلَى أَخَوَيَّ، فَقَالَ لها: إِنَّ أَخَوَيْكَ في النَّار، قَالَتْ: ذَلِكَ أَدْعَى لحُزْني عَلَيْهِمَا؛ إِنيِّ كُنْتُ أُشْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنَ القَتْل، وَأَنَا اليَوْمَ أُشْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنَ النَّارِ ثُمَّ أَنْشَدَتْ:

وَقَائِلَةٍ وَالنَّعْشُ قَدْ فَاتَ خَطْوَهَا * لِتُدْرِكَهُ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى صَخْرِ

أَلَا ثَكِلَتْ أُمُّ الَّذِينَ غَدواْ بِهِ * إِلى القَبرِ مَاذَا يحْمِلونَ إِلى القَبرِ

ص: 4256

وَأَعْظِمْ بِقَوْلهَا:

أَلَا يَا صَخْرُ لَا أَنْسَاكَ حَتىَّ * أُفَارِقَ مُهْجَتي وَيُشَقُّ رَمْسِي

يُذَكِّرُني طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْرَا * وَأَبْكِيهِ لِكُلِّ غُرُوبِ شَمْسِ

وَلَوْلَا كَثْرَةُ البَاكِينَ حَوْلي * عَلَى إِخْوَانهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي

وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِن * أُعَزِّي النَّفْسَ عَنهُ بِالتَّأَسِّي

وَمِنْ شِعْرِهَا فِيهِ أَيْضَاً قَوْلُهَا:

وَإِنَّ زَيْدَاً لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ * كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نَارُ

وَقَوْلُهَا: أَلَا يَا صَخْرُ إِن أَبْكَيْتَ عَيْني * فَقَدْ أَضْحَكْتَني زَمَنَاً طَوِيلَا

ص: 4257

المُرُوءةُ وَنُبْلُ الأَخْلَاق

وَدَخَلَتِ الخَنْسَاءُ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَلَيْهَا صِدَار ـ أَيْ ثَوْبٌ قَصِيرٌ تَلبِسُهُ المَرْأَةُ لِتُغَطِّيَ بِهِ صَدْرَهَا ـ فَقَالَتْ لهَا: مَا هَذَا يَا خَنْسَاء 00؟!

وَاللهِ لَقَدْ تُوفي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا لَبِسْتُه 00؟

قَالَتْ: إِنَّ لَهُ مَعْنىً دَعَاني إِلى لِبَاسِه؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَبي زَوَّجَني سَيِّدَ قَوْمِه، وَكَانَ رَجُلاً مِتْلَافَاً، فَأَسْرَفَ في مَالِهِ حَتىَّ نَفِد، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ في مَالي فَأَتْلَفَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِليَّ فَقَال: إِلى أَيْنَ يَا خَنْسَاء 00؟

ص: 4258

قلت: إِلى أَخِي صَخْر، فَأتَينَاهُ فَقَسَّمَ مَالَهُ شَطْرَيْن، ثمَّ خَيرَنَا في أَحْسَنِ الشَّطْرَيْن، فَرَجَعْنَا مِن عِنْدِهِ، فَلَمْ يَزَلْ زَوْجِي حَتىَّ أَذْهَبَ جَمِيعَهُ، ثمَّ التَفَتَ إِليَّ فَقَال: إِلى أَيْنَ يَا خَنْسَاء 00؟

قُلتُ: إِلى أَخِي صَخْر، فَقَسَّمَ الشَّطْرَ البَاقِيَ إِلى شَطْرَينِ وَخَيرَنَا في أَفْضَلَ الشَّطْرَين، فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ [أَيْ زَوْجَةُ صَخْر]: أَمَا تَرْضَى أَنْ تُشَاطِرَهُمْ مَالَكَ حَتىَّ تخَيرَهُمْ بَينَ الشَّطْرَين؟!

ص: 4259

فَأَنْشَأَ يَقُول:

وَاللهِ لَا أَمْنَحُهَا شِرَارَهَا * فَلَوْ هَلَكْتُ قَدَّدَتْ خِمَارَهَا

وَاتخَذَتْ مِنْ شَعَرٍ صِدَارَهَا * وَهْيَ حَصَانٌ قَدْ كَفَتْني عَارَهَا

فَآلَيْتُ أَلَا يُفَارِقَ الصِّدَارُ جَسَدِي مَا بَقِيت 00!!

[في " الْعِقْدِ " وَفي " الإِصَابَةِ في مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة " طَبْعَةِ دَارِ الجِيل 0 بَيرُوت: 616/ 7]

اللَّهُمَّ ارْزُقْ عِبَادَكَ الطَِّيِّبِينَ وَالرُّحَمَاء، وَأَهْلَ المَعْرُوفِ وَالمحْسِنِينَ وَالنُّبَلَاء، وَصَفْوَةَ المُؤْمِنِينَ وَالأَتْقِيَاء: بِأُمَّهَاتٍ وَأَخَوَاتٍ وَبَنَاتٍ بِزَوْجَاتٍ كَالخَنْسَاء 00

ص: 4260

وَقَالَتْ أَيْضَا:

أَلَا مَا لعَيْني أَلَا مَالهَا * لَقَدْ أَخْضَلَ الدَّمْعُ سِرْبَالهَا

أَيْ: بَلَّلَ الدَّمْعُ ثَوْبهَا، وَهْيَ اسْتِعَارَةٌ مَكنِيَّةٌ جَمِيلَة: حَيْثُ شَبَّهَتْ رَحِمَهَا اللهُ العَينَ بِالمَرْأَةِ البَاكِيَةِ التي بَلَّلَتْ ثِيَابهَا بِدُمُوعِهَا، ثمَّ حَذَفَتِ المُشَبَّهَ بِهِ ـ وَهْوَ المَرْأَة ـ وَاسْتَعَارَتْ مِنْ صِفَاتهَا السِّرْبَالَ: أَيِ الثَّوْب 0

وَقَالَتْ أَيْضَا:

أَعيْنيَّ جُودَا وَلَا تجْمُدَا * أَلَا تَبْكيَان لِصَخْرِ النَّدَى

أَلَا تبْكِيَانِ الجَرِيءَالجَوَادَ * أَلَا تَبْكِيَانِ الفَتى السَّيِّدَا

ص: 4261

وَلَمَّا دَعَوْتُ الصَّبرَ بَعْدَكَ وَالأَسَى * أَجَابَ الأَسَى طَوْعَاً وَلَمْ يجِبِ الصَّبرُ

فَأَنْظُرُ حَوْلي لَا أَرَى غَيرَ قَبرِهِ * كَأَنَّ جمِيعَ الأَرْضِ عِنْدِي لَهُ قَبرُ

فَتىً يَشْتَرِي حُسْنَ الثَّنَاءِ بِمَالِهِ * إِذَا السَّنَةُ الشَّهْبَاءُ قَلَّ بِهَا القَطْرُ

تَرَى القَوْمَ حِينَ البَأْسِ يَنْتَظِرُونَهُ * إِذَا شَتَّ رَأْيُ القَوْمِ أَوْ حَزَبَ الأَمْرُ

بِمَوْتِكَ صِرْنَا يَا أَخِي وَكَأَنَّنَا * نجُومُ سَمَاءٍ خَرَّ مِنْ بَيْنِهَا البَدْرُ

فَلَيْتَكَ كُنْتَ الحيَّ في النَّاسِ يَا أَخِي * وَكُنْتُ أَنَا المَيْتُ الَّذِي ضَمَّهُ القَبرُ

ص: 4262

فَإِنْ يَنْقَطِعْ مِنْكَ الرَّجَاءُ فَإِنَّمَا * بِقَلْبي عَلَيْكَ الحُزْنُ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ

{الأَوَّلُ وَالثَّاني وَالأَخِيرُ لأَبي تمَّام، وَالثَّالِثُ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الأَحْنَف، وَالخَامِسُ لِلرَّاعِي النُّمَيرِيّ}

فَقْدُ الأُخْت

مَاتَتْ مَنْ كُنْتُ لَدَيهَا * أَعَزَّ مِنْ وَلَدَيْهَا

كَانَتْ بحَقٍّ مَلَاكَاً * رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهَا

فَقْدُ الزَّوْج

ص: 4263

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفي أَرْضِ غُرْبَة؛ لأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ فَكُنْتُ قَدْ تهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْه، إِذْ أَقَبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَني ـ أَيْ تجَامِلَني بِالنُّوَاحِ مَعِي ـ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: " أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلي الشَّيْطَانَ بَيْتَاً أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهُ مَرَّتَيْن "؟

فَكَفَفْتُ عَنِ البُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَائِزِ، بَاب: البُكَاءِ عَلَى المَيِّت بِرَقْم: 922]

ص: 4264

عِوَضُ الصَّابِرِين

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال:

" لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا سَلَمَةَ الْوَفَاةُ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: إِلى مَنْ تَكِلُني 00؟

فقال رضي الله عنه: " اللهُمَّ إِنَّكَ لأُمِّ سَلَمَةَ خَيرٌ مِن أَبي سَلَمَة " 0

فَلَمَّا تُوُفيَ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 293، رَوَاهُ الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى]

ص: 4265

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " مَا مِن عَبْدٍ تُصِيبهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُول: إِنَّا للهِ وَإِنا إِلَيْهِ رَاجِعُون، اللَّهُمَّ أْجُرْني في مُصِيبَتي وَاخْلُفْ لي خَيرَاً مِنهَا؛ إِلَاّ أَجَرَهُ اللهُ في مُصِيبَتَه وَأَخْلَفَ لَهُ خَيرَاً منهَا " 00 فَلَمَّا تُوُفيَ أَبُو سَلَمَةَ رضي الله عنه قُلْتُ: مَن خَيْرٌ مِن أَبي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟

ثُمَّ عَزَمَ اللهُ لي [أَيْ قَدَّرَ اللهُ لي] فَقُلْتُهَا؛ فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ الله " 0

[رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 918 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4266

عَن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إِلى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، اللهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتي فَأْجُرْني فِيهَا وَعَوِّضْني مِنْهَا؛ إِلَاّ آجَرَهُ اللهُ عَلَيْهَا وَعَاضَهُ خَيْرَاً مِنْهَا؛ تَقُولُ أُمُّ سَلَمَة: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ ذَكَرْتُ الَّذِي حَدَّثَني عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، اللهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتي هَذِهِ فَأْجُرْني عَلَيْهَا، فَإِذَا أَرَدْتُ أَن أَقُولَ وَعِضْني خَيْرَاً مِنْهَا قُلْتُ في نَفْسِي: أُعَاضُ خَيْرَاً مِن أَبِي سَلَمَة 00؟! ثُمَّ قُلْتُهَا؛ فَعَاضَني اللهُ سبحانه وتعالى محَمَّدَاً صلى الله عليه وسلم وَآجَرَني في مُصِيبَتي " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1598، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَب: 9697، وَفي الكَنْزِ بِرَقْم: 6633]

ص: 4267

وَجَاءَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْحَاكِمِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا قَالَتْ رضي الله عنها: " وَكُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَن أَقُولَ وَأَبْدِلْني بِهَا خَيرَاً مِنهَا قُلْتُ: وَمَن خَيرٌ مِن أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَلَمْ أَزَلْ حَتىَّ قُلْتُهَا؛ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه وَعَن وَالِدِهِ: فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَرَدَّتْهُ، وَخَطَبَهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَرَدَّتْهُ؛ فَبَعَثَ إِلَيْهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَخْطُبَهَا؛ فَقَالَتْ مَرْحَبَاً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِرَسُولِهِ، أَقْرِئْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنيِّ امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ غَيرَى ـ أَيْ ذَاتُ صِبْيَةٍ وَغَيُور ـ وَأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِن أَوْلِيَائِي شَاهِدَاً؛ فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا قَوْلُكَ إِنيِّ مُصْبِيَة؛ فَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا سَيَكْفِيكِ صِبْيَانَكِ،

ص: 4268

وَأَمَّا قَوْلُكِ إِنيِّ غَيرَى؛ فَسَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاء: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنهُمْ شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ إِلَاّ سَيَرْضَاني؛ فَقَالَتْ لاِبْنِهَا: قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَزَوَّجَهَا إِيَّاه، وَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم:" لَا أَنْقُصُكِ مِمَّا أَعْطَيْتُ أُخْتَكِ فُلَانَةً: جَرَّتَينِ وَرَحَاتَينِ وَوِسَادَةً مِن أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيف " 00 يَقُولُ عُمَرُ بْنُ أَبي سَلَمَةَ رضي الله عنه: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِيهَا وَهِيَ تُرْضِعُ زَيْنَب؛ فَكَانَتْ غَفَرَ اللهُ لَهَا: إِذَا جَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْهَا فَوَضَعَتْهَا في حِجْرِهَا تُرْضِعُهَا؛

ص: 4269

فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيِيَّاً كَرِيمَاً؛ فَيَرْجِعُ صلى الله عليه وسلم؛ فَفَطِنَ لَهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه وَكَانَ أَخَاً لَهَا مِنَ الرَّضَاعَة؛ فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَهَا ذَاتَ يَوْم؛ فَجَاءَ عَمَّارٌ رضي الله عنه فَدَخَلَ عَلَيْهَا؛ فَانْتَشَطَ زَيْنَبَ مِن حِجْرِهَا وَقَال: دَعِي هَذِهِ المَقْبُوحَةَ المَشْقُوحَة [أَيِ المُبْعَدَة]، الَّتي قَدْ آذَيْتِ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ في الْبَيْتِ وَيَقُول: أَيْنَ زَنَاب، مَالي لَا أَرَى زَنَاب 00؟

فَقَالَتْ رضي الله عنها: جَاءَ عَمَّارٌ فَذَهَبَ بِهَا؛ فَبَنىَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِهِ " [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص 0 رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 6759]

ص: 4270

مِنْ نَوَادِرِ أَخْبَارِ الأَصْمَعِيّ

قَالَ الأَصْمَعِيّ: دَخَلتُ المَقَابِرَ وَمَعِي صَاحِبٌ لي، فَإذَا جَاريَة عَلَى قَبرٍ غَايَةٌ في الجَمَال، وَعَلَيهَا مِنَ الحُلِيِّ وَالحُلَل مَا لَمْ أَرَهُ عَلَى النِّسَاءِ قَطّ، كَانَتْ تَبْكِي بِعَينٍ غَزِيرَةِ وَصَوتٍ شَجيّ 00

بُكَاءٌ يَجْعَلُ الأَفْرَاحَ مَأْتَمْ

فَالْتَفَتُّ إِلى صَاحِبي وَقُلتُ: هَلْ رَأَيْتَ أَعْجَبَ مِن هَذَا 00؟!

ص: 4271

قَال: لَا وَالله، وَلَا أَحْسَبُني أَرَاه، ثُمَّ دَنَوْنَا مِنهَا فَقُلنَا لهَا: يَا أَمَةَ اللهِ إِنَّا نَرَاكِ حَزِينَةً وَمَا عَلَيْكِ مِنَ الثِّيَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى الحُزْن 00؟!

فَأَنشَأَتْ تَقُول:

أَيَا مَنْ تَسَلْ عَنْ سِرِّ حُزْنيَ إِنَّني * رَهِينَةُ هَذَا القَبرِ يَا فَتَيَانِ

وَمَا ليَ لَا أَبْكِي عَلَى مَنْ لَوَ انَّهُ * تَقَدَّمَ يَوْمِي يَوْمَهُ لَبَكَاني

وَإِنيِّ لأَسْتَحْيِيهِ وَالتُّرْبُ بَيْنَنَا * كَمَا كُنْتُ أَسْتَحْيِيهِ حِينَ يَرَاني

{الْبَيْتُ الثَّاني فَقَطْ لِلْخَنْسَاءِ بِتَصَرُّف}

ص: 4272

ثمَّ انخَرَطَتْ في البُكَاءِ وَجَعَلَتْ تَقُول:

يَا صَاحِبَ القَبرِ يَا مَنْ كَانَ يَنعَمُ بي * بَالاً وَيُكْثِرُ في الدُّنيَا مُوَاسَاتي

قَدْ زُرْتُ قَبرَكَ في حَلْيٍ وَفي حُلَلٍ * كَأَنَّني لَسْتُ مِن أَهْلِ المُصِيبَاتِ

قَدْ كُنْتَ تَفْرَحُ بي في زِينَتي وَلِذَا * أَتَيْتُ قَبرَكَ رَافِلَةً بِزِينَاتي

ص: 4273

وَقَالَتْ أُخْرَى:

طَوَى المَوْتُ مَا بَيْني وَبَينَ أَحِبَّتي * وَلَيْسَ لِمَا تَطْوِي المَنِيَّةُ نَاشِرُ

وَكُنْتُ أُحَاذِرُ أَن أَرَى المَوْتَ قَبْلَهُمْ * فَلَمْ يَبْقَ لي شَيْءٌ عَلَيْهِ أُحَاذِرُ

لَئِن عَمُرَتْ دُورٌ بِمَنْ لَا أُحِبُّهُ * لَقَدْ عَمُرَتْ مِمَّن أُحِبُّ المَقَابِرُ

يَغُرُّ الْفَتى مَرُّ اللَّيَالي هَنِيئَةً * وَهُنَّ بِهِ عَمَّا قَلِيلٍ غَوَادِرُ

{أَبُو نُوَاسٍ بِتَصَرُّف 0 بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الرَّابِعِ فَهُوَ لآخَر}

ص: 4274

زَوْجَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بَعْدَ مَقْتَلِه

لَمَّا دُفِنَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَقَفَتْ زَوْجَتُهُ نَائِلَةُ عَلَى قبرِهِ، فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ:

وَمَا ليَ لَا أَبْكي وَتَبْكِي صَوَاحِبي * وَقَدْ ذَهَبَتْ عَنَّا فُضُولُ أَبي عَمْرٍو

ثمَّ انصَرَفَتْ إِلى مَنزلهَا فَقَالَتْ: " إِنيِّ رَأَيْتُ الحزْنَ يَبْلَى كَمَا يَبْلَى الثوْب، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَبْلَى حُزْني عَلَى عُثمَان ـ وَكَانَتْ مِن أَجْمَلِ جَمِيلَاتِ قُرَيْشٍ بِلَا مُنَازِع ـ تَزَوَّجَهَا بادئاً ذَا بَدْءٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْر رضي الله عنه، فَلَمَّا أَنْ مَاتَ عَنهَا وَهْيَ لَا تَزَالُ بِحُسْنِهَا تَزَوَّجَهَا عُمَر، فَلَمَّا مَاتَ عَنهَا وَهْيَ لَا زَالَتْ بحُسْنِهَا تَزَوَّجَهَا عُثمَان، فَلَمَّا مَاتَ عَنهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، ثمَّ قَالَتْ: مَا الَّذِي يُعْجِبُ فيَّ الرِّجَال 00؟

ص: 4275

قَالُواْ لهَا: ثَغْرُكِ وَشَعْرُكِ؛ فَدَعَت بِفِهْرٍ فَهَشَّمَتْ بِهِ ثَغْرَهَا، وَدَعَتْ بمِقَصٍّ فَقَصَّتْ بِهِ شَعْرَهَا وَقَالَتْ: واللهِ لَا أُقعِدَنَّ مِني رَجُلاً مَقعَدَ عُثمَانَ أَبَدَاً 00!!

وَكَمَا بَدَأْتُ حَدِيثِيَ عَنْ فَقْدِ الزَّوْجِ بِأُمِّ سَلَمَة؛ أَخْتِمُهُ أَيْضَاً بِأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ الدَّرْدَاء رضي الله عنهما؛ لِتَسْمَعَهُ وَتَعِيَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ وَفِيَّةٌ مخْلِصَةٌ أَحَبَّتْ زَوْجَهَا حُبَّاً جَمَّا، فَلَمَّا مَاتَ عَنهَا وَفَارَقَهَا أَصَابهَا حُزْنٌ شَدِيد، وَلَمْ تُفَكِّرْ في زَوْجٍ جَدِيد، وَلَا شَعُرَتْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ سَعِيد، وَبِرَغْمِ فَرْطِ جمَالهَا وَقِلَّةِ مَالهَا وَسُوءِ حَالهَا؛ رَدَّتْ رَاغِبِيهَا وَاعْتَكَفَتْ عَلَى تَرْبِيَةِ عِيَالهَا، تِلْكَ الَّتي أُهْدِيهَا هَذِهِ القِصَّة:

ص: 4276

عَن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَيُّمَا امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ عَنهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ؛ فَهِيَ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (2704، 1281)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ في الْكَبِير]

عَنْ سَلْمَى بِنْتِ جَابِرٍ رضي الله عنها أَنَّ زَوْجَهَا اسْتُشْهِد؛ فَأَتَتْ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقَالَتْ: إِنيِّ امْرَأَةٌ قَدِ اسْتُشْهِدَ زَوْجِي، وَقَدْ خَطَبَني الرِّجَالُ فَأَبَيْتُ أَن أَتَزَوَّجَ حَتىَّ أَلْقَاه؛ فَتَرْجُو لي إِنِ اجْتَمَعْتُ أَنَا وَهُوَ أَن أَكُونَ مِن أَزْوَاجِهِ 00؟

قَالَ رضي الله عنه: نَعَمْ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 3822، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]

ص: 4277

خَطَبَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبي سُفيَانَ رضي الله عنه أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ وَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " المَرْأَةُ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا في الدُّنيَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ " بِرَقْم: 1281]

ص: 4278

ذَهَبَ حُسْنُ الخُلُقِ بخَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَة

أَمَّا الّتي تَزَوَّجَتْ ثمَّ نَدِمَتْ ـ بَعْدَمَا رَأَتْ مِنَ الفَارِقِ الكَبِيرِ بَينَ زَوْجِهَا الأَوَّلِ حَسَنِ الخُلُقِ وَهَذَا الّذِي ابْتُلِيَتْ بِه؛ فَأَسُوقُ إِلَيْهَا هَذَا الحَدِيث:

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها وَكَانَتِ امْرَأَةً حَسْنَاءَ لِدَرَجَةِ أَنَّ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَغَارُ مِنهَا، قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:

" يَا رَسُولَ الله: إِنَ المَرْأَةَ مِنَّا تَتَزَوَّجُ زَوْجَينِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَة، ثُمَّ تمُوتُ فَتَدْخُلُ الجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعْهَا 00 مَنْ يَكُونُ زَوْجُهَا 00؟

ص: 4279

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أُمَّ سَلَمَة، إِنَّهَا تخَيرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقَاً؛ فَتَقُول: أَيْ رَبّ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقَاً في دَارِ الدُّنيَا فَزَوِّجْنِيه 00 يَا أُمَّ سَلَمَة: ذَهَبَ حُسْنُ الخُلُقِ بخَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَة " 0 [أَنْكَرَهُ الأَلبَانيُّ في " التَّرْغِيب "، وَضَعَّفَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجمع: (418/ 10)، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ، وَهُوَ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 45582]

ص: 4280

فَقْدُ الزَّوْجَة

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَة؛ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَاّ خَدِيجَةُ فَيَقُول صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لي مِنْهَا وَلَدٌ " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ المَنَاقِبِ في بَاب: تَزْوِيجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ رضي الله عنها وَفَضْلِهَا بِرَقْم: 3818]

ص: 4281

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِشَيْءٍ يَقُول:

" اذْهَبُواْ بِهِ إِلىَ فُلَانَة؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَة، اذْهَبُواْ بِهِ إِلىَ فُلَانَة؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَة " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7339]

ص: 4282

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ في فِدَاءِ أُسَارَاهُمْ: بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في فِدَاءِ أَبي الْعَاصِ بِقِلَادَة، كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنىَ عَلَيْهَا؛ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَال:

" إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا "؟ فَقَالُواْ نَعَمْ " 0

[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 26362، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: 2692]

ص: 4283

مُصَابُ الزَّوْجِ الوَفيِّ في زَوْجَتِه

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

" قَدِمْنَا مِنْ سَفَر، فَتَلَقَّوْنَا بِذِي الحُلَيْفَة، وَكَانَ غِلْمَانُ الأَنْصَارِ يَتَلَقَّوْنَهُمْ إِذَا قَدِمُواْ، فتَلَقَّوْاْ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ رضي الله عنه فَنَعَوْاْ إِلَيْهِ امْرَأَتَه، فَتَقَنَّعَ يَبْكِي؛ فَقُلْتُ لَهُ: سُبْحَانَ الله؛ أَنْتَ مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكَ في السَّابِقَةِ مَا لَكَ، تَبْكِي عَلَى امْرَأَة " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4927]

ص: 4284

عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " هَلَكَتِ امْرَأَةٌ لي، فَأَتَاني محَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يُعَزِّيني بهَا فَقَال: إِنَّهُ كَانَ في بَني إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مجْتَهِد، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَة، وَكَانَ بهَا مُعْجَبَاً، وَلهَا مُحِبَّاً فَمَاتَتْ؛ فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدَاً شَدِيدَاً، وَلَقِيَ عَلَيْهَا أَسَفَاً، حَتىَّ خَلَا في بَيْتٍ وَغَلَّقَ عَلَى نَفْسِه، وَاحْتَجَبَ مِنْ النَّاس، فَلَمْ يَكُنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ أَحَدَا، وَإِنَّ امْرَأَةً سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ لي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا، لَيْسَ يُجْزِئُني فِيهَا إِلَاّ مُشَافَهَتُه، فَذَهَبَ النَّاسُ وَلَزِمَتْ بَابَهُ وَقَالَتْ:

ص: 4285

مَا لي مِنهُ بُدّ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: إِنَّ هَهُنَا امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَفْتِيَكَ وَقَالَتْ إِن أَرَدْتُ إِلَاّ مُشَافَهَتَه، وَقَدْ ذَهَبَ النَّاس، وَهِيَ لَا تُفَارِقُ الْبَاب؛ فَقَال: ائْذَنُوا لهَا، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: إِني جِئْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ في أَمْرٍ، قَال: وَمَا هُوَ 00؟

قَالَتْ: إِني اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لي حُلِيَّاً، فَكُنْتُ أَلْبَسُهُ وَأُعِيرُهُ زَمَانَاً، ثمَّ إِنَّهُمْ أَرْسَلُواْ إِليَّ فِيهِ أَفَأُؤَدِّيهِ إِلَيْهِمْ 00؟

ص: 4286

فَقَالَ رضي الله عنه: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانَاً 00؟

فَقَالَ ذَلِكِ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أَعَارُوكِيهِ زَمَانَاً؛ فَقَالَتْ: أَيْ يَرْحَمُكَ الله: أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ اللهُ ثمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْك 00؟!

فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ اللهُ بِقَوْلهَا " 0 [الإِمَامُ مَالِكٌ في " المُوَطَّإِ " بِرَقْم: 559]

ص: 4287

وَمِن أَرَقِّ وَأَجْمَلِ مَا قِيلَ في فَقْدِ الزَّوْجَةِ قَوْلُ المُتَنَبيِّ:

وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمَنْ فَقَدْنَا * لَفُضِّلَتِ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ

وَمَا تَأْنِيثُنَا لِلشَّمْسِ عَيْبَاً * وَلَا التَّذْكِيرُ فَخْرَاً لِلْهِلَالِ

{المُتَنَبيِّ بِتَصَرُّف}

وَقَوْلُ رَبِّ السَّيْفِ وَالْقَلَم [محْمُود سَامي البَارُودِي]:

يَا مَوْتُ فِيمَ فَجَعْتَني في زَوْجَةٍ * كَانَتْ خُلَاصَةَ عُدَّتي وَعَتَادِي

إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ صِبَايَ بِفَقْدِهَا * هَلَاّ رَحِمْتَ بِفَقْدِهَا أَوْلَادِي

ص: 4288

وَقَوْلُ الآخَر:

أَحِبَّاءَنَا بِنْتُمْ عَنِ الدَّارِ فَاشْتَكَتْ * لِبُعْدِكُمُ آصَالَهَا وَضُحَاهَا

وَفَارَقْتُمُ البَلَدَ المُبَارَكَ فَاسْتَوَتْ * رُسُومُ مَبَانِيهَا وَخِصْبُ كَلَاهَا

كَأَنَّكُمُ يَوْمَ الرَّحِيلِ رَحَلتُمُ * بِنَوْمِي فَعَيْني لَا تُصِيبُ كَرَاهَا

وَكَانَتْ دُمُوعِي في البُكَاءِ عَزِيزَةً * فَسَحَّتْ دُمُوعِي بَعْدَكُمْ بِدِمَاهَا

يَرَاني خَلِيلِي بَاسِمَاً فَيَظُنُّني * سَعِيدَاً وَأَحْشَائِي الأَنِينُ كَوَاهَا

رَعَى اللهُ أَيَّامَاً بِطِيبِ جِوَارِكُمْ * تَقَضَّتْ وَحَيَّاهَا الحَيَا وَسَقَاهَا

فَمَا قُلْتُ إِيهٍ بَعْدَهَا لِمُسَامِرٍ * مِنَ النَّاسِ إِلَاّ قَالَ قَلْبيَ آهَا

ص: 4289

عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيرَاً مِنهَا، إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُون

للهِ عَهْدٌ مَرَّ لي في ظِلِّهَا * أَبْكِي عَلَيْهِ وَتَارَةً أَبْكِيهَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضٍ}

مَضَتِ الَّتي كَانَتْ كَزَنْبَقَةِ الرُّبَى * في طُهْرِهَا وَأَرِيجِهَا وَصِفَاتهَا

فَكَأَنَّمَا الأَغْصَانُ أَثْقَلَهَا الأَسَى * أَفَمَا تَرَاهَا قَوَّسَتْ هَامَاتهَا

وَمَشَى النَّسِيمُ إِلى الزُّهُورِ مُعَزِّيَاً * يَبْكِي وَتَمْسَحُ كَفُّهُ عَبَرَاتهَا

وَاللهِ لَنْ تَفِيَ النُّفُوسُ بِحُبِّهَا * حَتىَّ تَفِيضَ اليَوْمَ مِن حَسَرَاتهَا

ص: 4290

وَمِنَ الطَّرِيفِ حَوْلَ هَذَا المَعْنى: أَني كُنْتُ قَدْ فَقَدْتُ أَوْرَاقَاً مِنْ كِتَابٍ لي؛ فَجَزِعْتُ عَلَيْهَا جَزَعَاً شَدِيدَاً، وَظَلَلتُ أَبحَثُ عَنهَا عُمُرَاً مَدِيدَاً؛ آمِلاً في العُثُورِ عَلَيْهَا فَلَمْ يُمْكِني ذَلِك؛ فَكُنْتُ أُرَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَة:

{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيرَاً مِنهَا، إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُون} [القَلَم: 32]

وَهَذِهِ الآيَةُ مِنْ بَرَكَتِهَا أَنَّ كُلَّ مَنْ فَقَدَ شَيْئَاً بِإِمْكَانِهِ تَرْدِيدُهَا، فَيُمْكِنُ لِلزَّوْجِ الحَزِينَ أَنْ يُرَدِّدَهَا إِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ الوَفِيَّةُ العَرُوب، الّتي كَانَ يحِبُّهَا حُبَّاً جَمَّا؛ عَسَى أَنْ يجِدَ فِيهَا الصَّبرَ وَالسُّلوَان، وَالحِسْبَةَ وَالعَزَاء 0

ص: 4291

فَقْدُ الخَال

رَأَيْتُ الخَطْبَ جَلَّ عَنِ العَزَاءِ * فَفَاضَ الشِّعْرُ يَنْطِقُ بِالرِّثَاءِ

وَفَاضَ الدَّمْعُ مِن عَيْني غَزِيرَاً * كَأَنَّ عُيُونَنَا يُنْبُوعُ مَاءِ

فَيَا مَنْ قَدْ حَزِنْتَ لِفَقْدِ خَالٍ * تجَمَّلْ إِنَّهُ حُكْمُ القَضَاءِ

وَدِدْنَا أَنْ يَعِيشَ النُّبْلُ دَهْرَاً * وَأَنْ تحْيى المَكَارِمُ في ارْتِقَاءِ

وَكُنَّا نَبْتَغِي لِلجُودِ عُمْرَاً * وَنَرْجُو لِلنَّدَى طُولَ البَقَاءِ

وَلَكِنَّ المَنِيَّةَ عَاجَلَتْنَا * وَأَوْدَتْ بِالكَرِيمِ أَبي السَّخَاءِ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 4292

فَقْدُ العَمّ

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَرَّ عَلَى حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَال: " لَوْلَا أَنْ تجِدَ صَفِيَّةُ في نَفْسِهَا؛ لَتَرَكْتُهُ حَتىَّ تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ حَتىَّ يُحْشَرَ مِنْ بُطُونهَا، وَقَلَّتْ الثِّيَابُ وَكَثُرَتْ الْقَتْلَى ـ أَيْ يَوْمَ أُحُدٍ ـ فَكَانَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ يُكَفَّنُونَ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ثُمَّ يُدْفَنُونَ في قَبْرٍ وَاحِد، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ قُرْآنَاً فَيُقَدِّمُهُ إِلى الْقِبْلَة " 0 [حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: (2729)، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ 0 ص: 24/ 3]

وَالعَافِيَة: هِيَ الطُّيُورُ وَالسِّبَاع 0

ص: 4293

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ في شُهَدَاءِ أُحُد: " أُتِيَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَى عَشَرَةٍ عَشَرَة، وَحَمْزَةُ هُوَ كَمَا هُوَ، يُرْفَعُونَ وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 1513]

وَفي حَدِيثٍ آخَرَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه رَوَاهُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:

" صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاة " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 4414، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]

ص: 4294

فَقْدُ الجَدّ

فَقَبْرُكَ فِيهِ العِلْمُ وَالزُّهْدُ يَا جَدُّ * إِلى كُلِّ رُكْنٍ في المَكَارِمِ يمْتَدُّ

وَقَائِلَةٍ وَالدَّمْعُ يمْلأُ جَفْنَهَا * أَمِثْلُكَ يَبْكِي أَيُّهَا الرَّجُلُ الجَلْدُ

وَمَا نحْنُ في الأَيَّامِ إِلَاّ سَفِينَةٌ * فَيَخْفِضُنَا جَزْرٌ وَيَرْفَعُنَا مَدُّ

{البَيْتُ الأَوَّلُ لِلشَّاعِرِ الْعَظِيم / هَاشِمٍ الرِّفَاعِي، وَالبَيْتَانِ الأَخِيرَانِ لمحَمَّدٌ الأَسْمَر}

ص: 4295

فَقْدُ الصَّدِيق

عَن أَبي هرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" يَقُولُ اللهُ تَعَالى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَاّ الجَنَّة " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الرِّقَاقِ بَاب: العَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ الله بِرَقْم: (6424)، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 6561]

ص: 4296

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّمِيمِيّ الحَنْبَلِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الْعَتَكِيُّ قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ يَقُولُ لجَمَاعَة عِنْدَهُ: مِنْ تَعُدُّونَ الْغَرِيبَ في زمَانِكُمْ 00؟

فَقَالَ رَجُل: الْغَرِيبُ مِنْ نَأْى عَنْ وَطَنِه، وَقَالَ آخِر: الْغَرِيبُ مِنْ فَارَقَ أَحْبَابَه؛ فَقَالَ إِبْرَاهِيم: الْغَرِيبُ في زَمَانِنَا: رَجُلٌ صَالِحٌ عَاشَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالحِين؛ إِن أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ آزَرُوه، وَإِنْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أَعَانُوه، وَإِنِ احْتَاجَ إِلىَ سَبَبٍ مِنَ الدُّنْيَا مَانُوه، ثُمَّ مَاتُواْ وَتَرَكُوه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 363/ 13]

ص: 4297

وَعَلَّنَا نَذْكُرُ حِينَ طَلَبَتْ بَعْضُ قَبَائِلِ العَرَبِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفَرَاً مِن أَصْحَابِهِ يُقْرِئُونَهُمُ القُرْآن؛ فَاصْطَفَى مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلاً مِن خِيرَةِ الصَّحَابَةِ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ فَغَدَرُواْ بهِمْ وَقَتَلُوهُمْ، في الحَادِثَةِ المَعْرُوفَةِ بِبِئْرِ مَعُونَة؛ فَحَزِنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ حُزْنَاً شَدِيدَاً 00

ص: 4298

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: " بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَقْوَامَاً مِنْ بَني سُلَيْمٍ إِلى بَني عَامِرٍ في سَبْعِين، فَلَمَّا قَدِمُواْ قَالَ لهُمْ خَالي: أَتَقَدَّمُكُمْ؛ فَإِن أَمَّنُوني حَتىَّ أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَاّ كُنْتُمْ مِنيِّ قَرِيبَاً، فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوه، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَوْمَأُواْ إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنهُ فَأَنْفَذَه، فَقَالَ رضي الله عنه: اللهُ أَكْبر، فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَة، ثمَّ مَالُواْ عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَاّ رَجُلاً أَعْرَجَ صَعِدَ الجَبَل " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَاب: مَنْ يَنْكُبُ في سَبِيلِ الله بِرَقْم: 2801]

ص: 4299

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرَاً حِينَ قُتِلَ القُرَّاء ـ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَزِنَ حُزْنَاً قَطُّ أَشَدَّ مِنْه " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1300 / عَبْدُ الْبَاقِي]

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَنَسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً قَال:

" فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ؛ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ 000 إِلخ الحَدِيثِ بِنَحْوِه " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6394 / فَتْح]

ص: 4300

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ؛ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبْعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُواْ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَة، كَانُواْ يُدْعَوْنَ القُرَّاء، فَمَكَثَ شَهْرَاً يَدْعُو عَلَى قَتَلَتِهِمْ "

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ المَسَاجِدِ 0 بَاب: اسْتِحْبَابِ القُنُوتِ في جَمِيعِ الصَّلَاةِ إِذَا نَزَلَتْ بِالمُسْلِمِينَ نَازِلَة بِرَقْم: 677]

ص: 4301

وَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ في مَوْتِ الصَّدِيقِ هَذَانِ الْبَيْتَانِ:

وَمَا ليَ لَا أَبْكِي عَلَى صَاحِبي وَلَوْ * تَقَدَّمَ يَوْمِي يَوْمَهُ لَبَكَانِيَا

فَإِنْ يَكُ أَفنَتْهُ اللَّيَالي بِمَوْتِهِ * فَذِكرَاهُ فِينَا سَوْفَ تُفْني اللَّيَالِيَا

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ لِلْخَنْسَاءِ بِتَصَرُّف، وَالثَّاني لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي}

ص: 4302

يَا سَعْدُ لَوْ كُنْتُ دَمْعَاً فِيكَ مُنْسَكِبَا * قَضَيْتُ نَحْبي وَلَمْ أَقْضِ الَّذِي وَجَبَا

{أَبُو طَالِبٍ المَأْمُونيّ}

أَيْنَ مُؤنِسُ الدَّارِ * وَصَاحِبُ أَسْرَارِي

مَنْ وَقَفَ جَانِبي * حِينَ قَلَّتْ أَنصَارِي

أَيْنَ أَحْبَابٌ لَنَا يَا قَوْمُ أَيْنَا * فَارَقُونَا فَكَأَنَّا مَا الْتَقَيْنَا

°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°

ص: 4303

أَمَّا المُصَابُ فَكَانَ شَرَّ مُصَابِ * يَا فَجْعَةَ الإِخْوَانِ وَالأَصْحَابِ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

كَمْ مِن أَخٍ لي صَالِحٍ * بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدَا

ذَهَبَ الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ * وَبَقِيتُ مِثْلَ السَّيْفِ فَرْدَا

{عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِب}

تَوَلىَّ إِخْوَتي وَبِقِيتُ فَرْدَاً * وَحِيدَاً في دِيَارِهِمُ شَرِيدَا

{الشَّرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيّ}

حَقَّاً وَاللهِ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك 00!!

ص: 4304

وَكَمْ تَطِيشُ سِهَامُ المَوْتِ مخْطِئَةً * عَنيِّ وَتُصْمِي أَخِلَاّئِي وَإِخْوَاني

{الشَّرِيفُ المُرْتَضَى}

يُفَارِقُني مَنْ لَا أَطِيقُ فِرَاقَهُ * وَيَصْحَبُني في النَّاس مَنْ لَا أَطِيقُهُ

*********

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ * لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلَاّ الفَرْقَدَانِ

{عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِب}

ص: 4305

فَتىً كَانَ أَنعَمَ مِنْ جَاهِلٍ * فَأَصْبَحَ أَتْعَسَ مِنْ شَاعِرِ

أَضَاعَ الغِنى وَأَضَاعَ الصِّحَابَا * وَرُبَّ مَرِيضٍ بِلَا زَائِرِ

أَشَدُّ مِنَ الدَّهْرِ مَكْرَاً بَنُوهُ * فَوَيْلٌ لِمَنْ لَيْسَ بِالمَاكِرِ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ محْمُود سَامِي البَارُودِي}

تَذَكُّرٌ وَحَنِين

وَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقِّ مَا قِيلَ في ذِكْرَى الصَّدِيق:

عَامٌ مَضَى لَوْ أنَّهُ يَتَكَلَّمُ * لَرَوَى لَنَا عَجَبَ العَجَائِبِ عَنْكُمُ

ص: 4306

المجْدُ مَطْلَبُكُمْ وَأَنْتُمْ سُهَّدٌ * وَالمجْدُ حُلْمُكُمُ وَأَنْتُمْ نُوَّمٌ

وَحَسِبْتُمُ شُمَّ الجِبَالِ سَلَالِمَاً * نُصِبَتْ لَكُمْ كَيْ تَصْعَدُواْ فَصَعَدْتمُ

وَبَكَى الأَحِبَّةُ حَوْلَكُمْ وَجُفُونُكُمْ * تَعْصِي البُكَا حُزْنُ الجَبَابِرِ أَبْكَمُ

وَكَذَا الحَيَاةُ قَدِيمُهَا وَجَدِيدُهَا * ذِكْرَى نُسَرُّ بِهَا وَأُخْرَى تُؤْلِمُ

{الأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ الأُولى إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّف}

ص: 4307

وَهَوَّنَ حُزْني عَن خَلِيلِيَ أَنَّني * إِذَا شِئْتُ لَاقَيْتُ الَّذِي مَاتَ صَاحِبُه

{نَهْشَلُ بْنُ حَرَّى بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

أَلَا أَيُّهَا المَوْتُ الَّذِي لَيْسَ تَارِكِي * أَرِحْنى فَقَدْ أَفنَيتَ كُلَّ خَلِيلِ

أَرَاكَ بَصِيرَاً بالَّذِينَ أُحِبُّهُمْ * كَأَنَّكَ تَنْحُو نَحْوَهُمْ بِدَلِيلِ

{الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب}

ص: 4308

فَقْدُ المُقْرِئ

يَا مُقْرِئَ الشَّرْقِ هَذَا الصَّوْتُ مِنْ ذَهَبِ * سَلِمْتَ لِلدَّينِ يَا قُمْرِيَّةَ العَرَبِ

يَا مُرْسِلَ الصَّوْتِ تَهْتَزُّ القُلُوبُ لَهُ * وَتَسْبَحُ الرُّوحُ في دُنيَا مِنَ العَجَبِ

لَا زَالَ تَرْتِيلُنَا لِلذِّكْرِ في وَخَمٍ * حَتىَّ بَدَا مِنْكَ في أَثْوَابِهِ القُشُبِ

جَعَلْتَ لِلذِّكْرِ وَالْقُرَّاءِ مَنْزِلَةً * في النَّاسِ تَسْمُو عَلَى الأَلقَابِ وَالرُّتَبِ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 4309

تَرَكَ الدُّنيَا صَلَاحْ * وَمَضَى عَنَّا وَرَاحْ

عَصَفَ المَوْتُ بِنَجْمٍ * في سَمَاءِ الدِّين لَاحْ

يُعْلِنُ الحَقَّ قَوِيَّاً * لَيْسَ يَخْشَى لَوْمَ لَاحْ

بُلبُلٌ بِالذِّكْرِ شَادٍ * طَارَ مَبْسُوطَ الجَنَاحْ

مَا عَلَا في الجَوِّ حَتىَّ * خَرَّ مخْضُوبَ الجِرَاحْ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 4310

فَقْدُ الخَطِيبِ وَالشَّيْخ

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنْظَرِين} {الدُّخَان/29}

حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَة: " بِفَقْدِ المُؤْمِنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً " 00 أَيْ أَنَّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ يَبْكِيَانِ عَلَى المُؤْمِنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحَا 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3679]

ص: 4311

أَهَاجَ لَنَا الحُزْنُ العُيُونَ البَوَاكِيَا * وَأَسْهَدَ مَوْتُ الشَّيْخِ مِنَّا المَآقِيَا

أَلَا قَاتَلَ اللَّهُ البُكَاءَ فَإِنَّهُ * بمَا في فُؤَادِي كَانَ لِلقَوْمِ وَاشِيَا

لَقَدْ بِتُّ يُضْنِيني حَدِيثُ أَقَارِبي * إِذَا مَا رَأَواْ دَمْعِي عَلَى الخَدِّ جَارِيَا

سَيَرْثَى لِحَالي اللَاّئِمُونَ عَلَى الْبُكَا * إِذَا حَمَلُواْ في قَلْبِهِمْ بَعْضَ مَا بِيَا

أَأَسْلُو وَفي السُّلْوَانِ نَارٌ وَلَوْعَةٌ * وَأَكْتُمُ وَالكِتْمَانُ يُدْمِي فُؤَادِيَا

طَلَبْنَا عَلَى البَلْوَى مُعِينَاً فَفَاتَنَا * يُوَاسِيكَ مَنْ يحْتَاجُ فِيكَ مُوَاسِيَا

أَيَا مَوْتُ لَوْ تَدْرِي فَجِيعَتَنَا بِهِ * لَقَدْ كُنْتَ جَبَّارَاً وَقَدْ كُنْتَ قَاسِيَا

ص: 4312

بَكَيْنَاهُ بِالآلامِ مِلْءَ نُفُوسِنَا * وَبِالحُزْنِ قَتَّالاً وَبِالدَّمْعِ جَارِيَا

فَأَبْكِي عَلَيْهِ تَارَةً إِنْ ذَكَرْتُهُ * وَأَبْكِي إِذَا أَبْصَرْتُ في النَّاسِ بَاكِيَا

وَمَا ليَ لَا أَبْكِي عَلَى مَنْ لَوَ انَّهُ * تَقَدَّمَ يَوْمِي يَوْمَهُ لَبَكَانِيَا

أُصِبْنَا مِنَ الدُّنيَا بِمَا لَوْ قَلِيلُهُ * أُصِيبَتْ بِهِ الأَيَّامُ صَارَتْ لَيَالِيَا

وَمَنْ لَمْ تُضَرِّسْهُ المَنُونُ بِنَابهَا * يَظُنُّ شِكَايَاتِ النُّفُوسِ تَشَاكِيَا

فَيَا مَنْ لِقَلْبٍ لَا تَنَامُ همُومُهُ * وَيَا مَنْ لِعَينٍ لَا تَنَامُ اللَّيَالِيَا

تمُرُّ اللَّيَالي لَيْلَةٌ إِثْرَ لَيْلَةٍ * وَأَحْزَانُ قَلْبي بَاقِيَاتٌ كَمَا هِيَا

فَمَا تُنْبِتُ الغَبرَاءُ غَيرَ مَصَائِبٍ * وَمَا تُمْطِرُ الأَفْلَاكُ إِلَاّ دَوَاهِيَا

ص: 4313

لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْفَتى كَيْفَ يَتَّقِي * إِذَا هُوَ لَمْ يجْعَلْ لَهُ اللهَ وَاقِيَا

أَحَقَّاً خَطِيبَ العَصْرِ لَسْتَ بِعَائِدٍ * إِلَيْنَا وَأَنْ لَا مُلْتَقَى بِكَ ثَانِيَا

تَقِيٌّ عَهِدْنَاهُ إِلى البِرِّ مُسْرِعَاً * إِذَا غَيرُهُ في البِرِّ أَبْدَى تَوَانِيَا

سَخِيٌّ إِذَا ضَاقَ الزَّمَانُ عَلَى الفَتى * وَجَاءَ لَهُ يَلْقَى المُنى وَالأَمَانِيَا

وَلَيْسَ لَعَمْرِي مَنْ يَبِيتُ عَلَى النَّدَى * كَمَنْ بَاتَ مِنْ ثَوْبِ الفَضَائِلِ عَارِيَا

يَجُودُ إِذَا ضَنَّ الأَنَامُ بِمَالِهِمْ * وَإِن عُدْتَ مِنْ دَارٍ لَهُ عُدْتَ رَاضِيَا

ص: 4314

وَلَيْسَ لَعَمْرِي مَنْ يَبِيتُ عَلَى النَّدَى * كَمَنْ بَاتَ مِنْ ثَوْبِ الفَضَائِلِ عَارِيَا

قَضَى عُمْرَهُ يَسْعَى لِكُلِّ فَضِيلَةٍ * وَيَعْشَقُ في صُنعِ الجَمِيلِ التَّفَانِيَا

قَضَى عُمْرَهُ مِثْلَ الزُّهُورِ فَعُمْرُهَا * قَصِيرٌ وَلَكِنْ تَتْرُكُ العِطْرَ زَاكِيَا

لَئِنْ شِئْتَ إِحْصَاءً لِكُلِّ صِفَاتِهِ * لأَعْجَزْتَ عَنْ سَرْدِ الصِّفَاتِ المَعَانِيَا

ص: 4315

عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ كَمْ كَانَ ذَا تُقَىً * وَكَمْ كَانَ ذَا بِرٍّ وَكَمْ كَانَ حَانِيَا

وَلَيْسَ لَعَمْرِي مَنْ يَمُوتُ عَلَى الهُدَى * كَمَنْ مَاتَ مِنْ ثَوْبِ الفَضَائِلِ عَارِيَا

{بَعْضُهَا لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي، وَأَكْثَرُهَا لإِيلِيَّا أَبي مَاضِي، وَالْبَيْتُ الْعَاشِرُ لِلْخَنْسَاء}

ص: 4316

تَسَاوَتِ النَّاسُ في البَلوَى سوَى العَرَبِ

تَسَاوَتِ النَّاسُ في البَلوَى سوَى العَرَبِ * هَيْهَاتَ مَا هَانَ قَوْمٌ مِثْلَمَا هَانُواْ

أَمَنْ يَمُوتُ وَلَا سِتْرٌ يُظَلِّلُهُ * كَمَن عَليْهِ أَكَالَيلٌ وَتِيجَانُ

لَا تَضْحَكُواْ وَبِأَرْضِ الشَّامِ نَائِحَةٌ * وَلَا تَنَامُواْ وَفي لُبْنَانَ سَهْرَانُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ إِيلِيَّا أَبُو مَاضٍ}

ص: 4317

قِفْ نَبْكِ أَعْلَامَ الهُدَى

قِفْ نَبْكِ أَعْلَامَ الهُدَى * وَنُوفِّهِمْ حَقَّ الرِّثَاء

لَا صَوْتَ بَعْدُ وَلَا صَدَى * غَيْرَ التَنَهُّدِ وَالبُكَاء

{الشَّاعِرُ القَرَوِي // رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

لَعَمْرُكَ مَا وَارَى التُّرَابُ محَمَّدَاً * وَلَكِنَّهُ وَارَى تُرَابَاً وَأَعْظُمَا

ص: 4318

أَمَا تَرَى أَنَّ سَيْفَ الحَقِّ قَدْ صَدَأَا * وَأَنَّ دِينَ الهُدَى وَالشَّرْعِ قَدْ رُزِئَا

وَأَنَّ شَمْسَ المَعَالي وَالعُلَى غَرَبَتْ * وَأَنَّ نُورَ التُّقَى وَالعِلْمِ قَدْ طُفِئَا

يَرْمِي بِلَفْظٍ يُزِيلُ السُّقْمَ أَيْسَرُهُ * فَلَو يُعَالَجُ مَلْسُوعٌ بِهِ بَرِئَا

وَحُرِّ وَعْظٍ يُذِيبُ الصَّخْرَ أَهْوَنُهُ * حَتىَّ لَوِ اخْتَارَ مَقْرُورٌ بِهِ دَفِئَا

المَوْتُ حَقٌّ يَذُوقُ الْكُلُّ سَكْرَتَهُ * وَلَا يُحَابي يَصِيدُ اللَّيْثَ وَالرَّشَأَا

مَا غَادَرَ المَوْتُ عَدْنَانَاً وَلَا مُضَرَاً * وَلَمْ يَذَرْ يَعْرُبَاً كَلَاَّ وَلَا سَبأَا

يَا لَيْتَ أُذْنيَ قَدْ صُمَّتْ وَلَا سَمِعَتْ * في رُزْئِهِ مِنْ فَمِ الدَّاعِي لَهُ نَبَأَا

{كَمَالُ الدِّينِ حَسَنُ بْنُ مُظَفَّرٍ الشَّيْبَانيّ}

ص: 4319

كَلمَةُ تَأْبِينٍ لفَقِيدِ المُسْلِمِين / الإِمَامِ الشَّعْرَاوِي

لَقَدْ كُنْتُ كَثِيرَاً مَا أَقُول: أَنَا دَعْوَةُ الرَّجُلِ الصَّالِح / الإِمَامِ محَمَّد متْوَليِّ الشَّعْرَاوِي: وَذَلِكَ أَنيِّ بَصُرْتُ بِهِ يَوْمَاً في إِحْدَى الإِشَارَاتِ فَأَشَرْتُ لأُمِّيَ عَلَيْه، وَسَاقَتْني قَدَمَايَ مَسْرُورَاً إِلَيْه، فَإِذَا بِهِ يَفْتَحُ بَابَ سَيَّارَتِهِ وَيَضُمُّني بَيْنَ ذِرَاعَيْه، وَيَدْعُو لي بِالخَير 00!!

ص: 4320

وَمِنْ بَرَكَاتِهِ عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ أَنْ يَكُونَ تَأْبِينيَ فِيه: هُوَ أَوَّلَ شَيْءٍ نَشَرْتُهُ في حَيَاتي، وَكَانَ بجَرِيدَةِ اللِّوَاءِ الإِسْلَامِيِّ عَقِبَ وَفَاتِهِ بِأُسْبُوع، وَهَذَا هُوَ نَصُّ التَّأْبِين:

" كَان رَجُلاً بحَقّ؛ يَصدُقُ فِيهِ قَولُهُ تَعَالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَّدُنَّا عِلْمَا} {الكَهْف/65}

ص: 4321

كَانَ رحمه الله بحْرَاً لَا سَاحِلَ لَه، حَدِيثُهُ تَطْرَبُ لَهُ النُّفُوس، وَلَا تَنْفَدُ في شَرْحِهِ الدُّرُوس، يُشْفَى بِهِ مَنْ في قَلْبِهِ مَرَض 00

فَمُطَالِبٌ بِإِعَادَةٍ وَمُطَالِبٌ * بِزِيَادَةٍ وَمُكَبِّرٌ وَمُهَلِّلُ

إِنْ تَقْصِدْهُ في الْفُتْيَا؛ فَعَلَى الخَبِيرِ سَقَطْت، وَإِنْ تَقْصِدْهُ في التَّفْسِيرِ فَهُوَ ابْنُ بجْدَتِهَا؛ فَتَبَارَكَ مَن آتَاهُ الحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ البَيَان 0

وَيَبِينُ عِتْقُ الخَيْلِ مِن أَصْوَاتهَا

{المُتَنَبيِّ}

ص: 4322

سَلَامٌ عَلَى التَّفْسِيرِ بَعْدَ إِمَامِنَا * سَلَامٌ عَلَى أَيَّامِهِ النَّضرَاتِ

عَلَى الدِّينِ وَالدُّنيَا عَلَى العِلْمِ وَالحِجَا * عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَي عَلَى الحَسَنَاتِ

أَبَانَ لَنَا القُرْآنَ حُكْمَاً وَحِكْمَةً * وَفَرَّقَ بَينَ النُّورِ وَالظُّلُمَاتِ

فَفِىالغَرْبِ مَهْمُومٌ وَفي الشَّرْقِ جَازِعٌ * وَفي مِصْرَ بَاك دَائِمُ الحَسَرَاتِ

وَلَيْسَ البُكَا يُوفِيهِ حَقَّاً وَلَو بَكَتْ * عَلَيهِ عُيُون الشِّعْرِ بِالعَبَرَاتِ

لَقَدْ كُنْتُ أَخْشَى عَادِيَ المَوْتِ بَعْدَهُ * فَأَصْبَحْتُ أَخْشَى أَنْ تَطُولَ حَيَاتي

{حَافِظ إِبْرَاهِيم 0 بِتَصَرُّف}

ص: 4323

كَانَتْ تُعَدُّ بِلَادُنَا بِكَ شَيْخَنَا * بَينَ المحَافِلِ زَهْرَةَ البُلْدَانِ

لَوْ كَانَ لِلذِّكْر الحَكيمِ بَقِيَّةٌ * لَمْ تَأْتِ بَعْدُ رُثِيتَ في القُرآنِ

وَأَنَا الَّذِي أُرْثِي النُّجُومَ إِذَا هَوَتْ * فَتَعُودُ بِالأَفْلَاكِ لِلدَّوَرَانِ

{وَالأَخِيرُ لأَمِيرِ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي ـ البَيْتَانِ الأَوَّلُ وَالأَخِيرُ فَقَطْ}

عَمَّرَ فِينَا عُمُرَاً طَوِيلاً حَتىَّ حَسَدَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِ الأَرْضَ فَاسْتَأْثَرَتْ بِه 00!!

فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَحسَنَ مَثوَاهُ، كَانَ وَلَا زَالَ وَسَيَظَلُّ عِنْدَ النَّاسِ وَجِيهَا 00

إِلى اللهِ أَشْكُو أَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ * مِنَ النَّاسِ أَفْني المَوْتُ خِيرَةَ أَهْلِهَا

ص: 4324

فَلَمْ أَسَلْ قَطُّ عَنْ قَوْمٍ عَرَفْتُهُمُ * بِالجُودِ وَالفَضْلِ إِلَا قِيلَ قَدْ زَالُواْ

{أَبُو العَتَاهِيَة 0 بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

وَهَكَذَا بَكَيْنَا مَرَّتَين: مَرَّةً عَلَى الأَحْيَاءِ غَيرِ الأَوْفِيَاء، وَأُخْرَى عَلَى الأَوْفِيَاءِ غَيرِ الأَحْيَاء 00

وَمَا حَيَاةُ امْرِئٍ أَمْسَتْ مَدَامِعُهُ * مَقْسُومَةً بَينَ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ

ص: 4325

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى: جَعَلَ الدُّنيَا كُلَّهَا قَلِيلاً، وَمَا بَقِيَ مِنهَا إِلَاّ الْقَلِيلُ مِنَ الْقَلِيل، وَمَثَلُ مَا بَقِيَ مِنهَا كَالثَّغَب [بَقِيَّةُ المَاء]، شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُه " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7904]

عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" تَذْهَبُونَ الخَيِّرَ فَالخَيِّر " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2935، 1781، رَوَاهُ الحَاكِم]

ص: 4326

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى: جَعَلَ الدُّنيَا كُلَّهَا قَلِيلاً، وَمَا بَقِيَ مِنهَا إِلَاّ الْقَلِيلُ مِنَ الْقَلِيل، وَمَثَلُ مَا بَقِيَ مِنهَا كَالثَّغَب [بَقِيَّةُ المَاء]، شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُه " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7904]

عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّل، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْر: [أَيْ بَقِيَّةٌ لا خَيرَ فِيهَا]، لَا يُبَالِيهِمُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6434 / فَتْح)، وَالإِمَامُ أَحْمَدُ في ((مُسْنَدِهِ)) بِرَقْم: 17274]

ص: 4327

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ مِنَ الجَفْنَة: [أَيْ: لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ الجَيِّدُ مِنْ بَينِ التَّمْرِ الَّذِي اخْتَلَطَ فِيهِ الجَيِّدُ بِالرَّدِيء]؛ فَلَيَذْهَبَنَّ خِيَارُكُمْ، وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُمْ " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ بِرَقْم: 8337، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4038]

ص: 4328

أَفي كُلِّ يَوْمٍ لِلمَنِيَّةِ غَارَةٌ * تُغِيرُ عَلَى سِرْبِ النُّفُوسِ فَتَخْطَفُ

لَئِنْ كَانَ فَقْدُ النَّاسِ للبَدْرِ مُؤْسِفَاً * فَيَزْدَادُ في اللَّيْلِ البَهِيمِ التَّأَسُّفُ

لَقَدْ كُنْتَ حَقَّاً في حَيَاتِكَ كَعْبَةً * يُلَاذُ بِهَا وَاليَوْمَ ذِكْرُكَ مُصْحَفُ

{الْبَيْتَانِ الأَوَّلُ وَالأَخِيرُ لِصَفِيِّ الدِّينِ الحِلِّيِّ بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 4329

أَيْ: كُنْتَ في حَيَاتِكَ كَالكَعْبَةِ قِبْلَةً لِلْمُسْلِمِين، وَصَارَ ذِكْرُكَ ـ أَيْ تَفْسِيرُكَ الْيَوْمَ ـ مُصْحَفَاً مُفَسَّرَاً يَقْرَأُهُ وَيَسْمَعُهُ المُسْلِمُون 0

مَا مَاتَ إِلَاّ مَنْ تَطَاوَلَ عُمْرُهُ فَأُذِيقَ ثُكْلَكْ

لَا ذَاقَ ثُكْلَكَ ذَائِقٌ حَتىَّ نَرَى في النَّاسِ مِثْلَكْ

{ابْنُ الرُّومِيّ}

ص: 4330

يمُوتُ بمَوْتِهِ خَلقٌ كَثِيرُ

لَعَمْرُكَ مَا الرَّزِيَّةُ فقْدُ مَالٍ * ولَا فَرَسٌ يَمُوتُ ولَا بَعِيرُ

وَلَكِنَّ الرَّزيَّةَ فَقْدُنَا مَن * يمُوتُ بِمَوْتِهِ خَلقٌ كَثِيرُ

وَلَكن حَسْبنَا أَنَّهُ مَا مَاتَ إِلَاّ وَالعَالَمُ العَرَبيُّ ـ مِنَ الخَلِيجِ إِلى المحِيطِ ـ يَعْرِفُونَه كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهمْ

ص: 4331

فَبَعْضُ النَّاسِ يُدْفَنُ في تُرَابٍ * وَبَعْضُ النَّاسِ يُدْفَنُ في الحَشَايَا

{الشَّاعِرُ الْقَرَوِيّ / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

وَهَكَذَا:

مَوْتُ الكَرِيمِ حَيَاةٌ لَا نَفَادَ لَهَا * قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ في النَّاسِ أَحْيَاءُ

{مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ، وَكُنيَتُهُ: أَبُو محْفُوظٍ الْكَرْخِيّ}

ص: 4332

وَأَخِيرَاً لَا يَسَعُني إِلَاّ أَن أَقُولَ لَه:

ذِكْرَاكَ فِينَا رَغْمَ مَوْتِكَ حَيَّةٌ * مَهْمَا تَغِبْ عَنَّاً فَلَسْتَ بغَائِبِ

فَقْدُ الأَدِيبِ وَالعَالِمِ وَالصَّحَفِيّ

وَلَكِن أُنَاشِدُكُمُ اللهَ مَعْشَرَ القُرَّاء؛ أَلَاّ تَتَمَثَّلُواْ بهَا إِلَاّ فِيمَنْ يَسْتَحِقّ:

مَا زَالَ يَعْتَنِقُ اليَرَاعَةَ بِالْغَدَاةِ وَبِالعَشِيّ

حَتىَّ انْتَهَى السَّفَرُ الطَّوِيلُ وَفَازَ بِالنَّوْمِ الهَنيّ

فَرَثَاهُ بِالْعَبَرَاتِ كُلُّ أَخٍ أَدِيبٍ عَبْقَرِيّ

ص: 4333

المَشْرِقَانِ عَلَيْكَ يَنْتَحِبَانِ * قَاصِيهِمَا في مَأْتَمٍ وَالدَّاني

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

يَا كَوْكَبَاً مَا كَانَ أَقَصَرَ عُمْرَهُ * وَكَذَاكَ عُمْرُ كَوَاكِبِ الأَسْحَارِ

طَالَ السُّرَى وَفَقَدْنَا بَعْدَكَ الرَّشَدَا

عُدْ لِلأَحِبَّةِ أَوْ فَابْعَثْ لَنَا أَحَدَا * طَالَ السُّرَى وَفَقَدْنَا بَعْدَكَ الرَّشَدَا

هَا رُبْعُ قَرْنٍ تَقَضَّى مُذْ رَحَلتَ وَمَا * زَالَتْ سَفِينَتُنَا تجْرِي بِغَيرِ هُدَى

لِلْمَوْتِ فِينَا سِهَامٌ وَهْيَ صَائِبَةٌ * مَنْ فَاتَهُ اليَوْمَ سَهْمٌ لَمْ يَفُتْهُ غَدَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضٍ}

ص: 4334

يَا سَيِّدِي إِنَّا نَسِيرُ بِقَفْرَةٍ * طَالَ الطَّرِيقُ بِهَا وَقَلَّ المَاءُ

وَللهِ مَنْ قَالَ في الأَزْجَال:

" بمُوتُهْ مَاتِ الكَلَامْ * وِيَامَا أَمْتَعْنَا كَلَامُه "

" وِمِين دَامِتْ لُهْ أَيَّامْ * لَمَّا تِدُومْ أَيَّامُهْ "

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ لي، وَالآخَرُ لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 4335

" لَوْ كَانِ الزَّمَانْ بِيْعُودْ * كُنْتِ أَفْرَحْ وَاتهَنىَّ "

" لَكِن عُمْرُهْ مَا بِيْجُودْ * وِيْرَجَّعْ مَا رَاحْ مِنَّا "

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي}

فَمَا كَانَ زَيْدٌ مَوْتُهُ مَوْتَ وَاحِدٍ * وَلَكِنَّهُ بُنيَانُ قَوْمٍ تهَدَّمَا

{عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيب}

ص: 4336

وَكَمْ حَاوَلَ الأَنْذَالُ إِطْفَاءَ نُورِهِ * فَلَا شَمْسُهُ غَابَتْ وَلَا ضَوْءهُ خَبَا

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

كُنْتُ إِذَا مَا ذَهَبْتُ لِزِيَارَتِهِ:

أُحَدِّقُ فِيهِ وَفي المَكْتَبَة * كَمَا تَفْعَلُ الْقِطَّةُ الطَّيِّبَة

********

وَكُنْتُ إِذَا حَدَّثتُ أَلْقَاهُ شَاعِرَاً * لَبِيبَاً رَفِيعَ الحِسِّ وَالذَّوْقِ وَالفَنِّ

فَلَا يجِدُ المُصْغِي إِلَيْهِ سَآمَةً * وَمَا قَالَ إِلَاّ قُلْتُ مِنْ طَرَبٍ زِدْني

ص: 4337

فَقْدُ الشَّاعِر

وَلَكِن أُنَاشِدُكُمُ اللهَ مَعَاشِرَ القُرَّاءِ أَلَاّ تَتَمَثَّلُواْ بهَا إِلَاّ فِيمَنْ يَسْتَحِقّ:

عَهِدْتُكَ شَاعِرَاً فَذَّاً بَلِيغَاً * سَمَتْ آيَاتُهُ مَبْنىً وَمَعْنى

فَمَا أَحْلَى قَصِيدَكَ في عِتَابٍ * يُسَاقُ إِلى الصَّدِيقِ وَقَدْ تجَنىَّ

وَمَنْ قَرَأَ التَّغَزُّلَ مِنْكَ يَوْمَاً * يحِسُّ بِلَوْعَةِ القَلْبِ المُعَنى

كَذَلِكَ كَانَ لِلشُّعَرَاءَ تَاجَاً * فَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ عَلَيْهِ أَثْنى

فَلَمْ يَتَمَلَّقِ الحُكَّامَ يَوْمَاً * وَلَا بِمَدِيحِهِمْ يَوْمَاً تَغَنىَّ

خَلَا المَيْدَانُ إِلَاّ مِن نَقِيقٍ * بِهِ شُعَرَاؤُنَا طَلَعُواْ عَلَيْنَا

فَلَا الأَذْهَانُ تَفْهَمُ مَا قَرَأْنَا * وَلَا الآذَانُ تَهْضِمُ مَا سَمِعْنَا

فَإِنَّا لَا نَرَى التَّجْدِيدَ هَدْمَاً * لِمَا عَهِدَ الجُدُودُ بِهِ إِلَيْنَا

ص: 4338

وَلَكِنَّا نُؤَيِّدُهُ بِنَاءً * وَنُكْبِرُهُ إِذَا مَا كَانَ فَنَّا

وَلَيْسَ تَطَاوُلاً في غَيْرِ نُضْجٍ * بِهِ تَعِبُواْ وَنحْنُ بِهِ تَعِبْنَا

فَمَا تجْدِيدُهُمْ إِلَاّ انحِرَافَاً * وَلَمْ نَعْرِفْ مَنِ المَسْئُولُ مِنَّا

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

فَإِنْ تَفُقِ الأَنَامَ وَأَنْتِ مِنهُمْ * فَإِنَّ المِسْكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ

{المُتَنَبيِّ}

هَلَاّ أَتَاكَ حَدِيثُ القَوْمِ حِينَ مَضَواْ * في مِصْرَ يَسْتَنْكِرُونَ الضَّادَ وَالدِّينَا

مِنْ جَانِبِ الخُلْدِ في ظِلِّ النَّبِيِّينَا * رُوحٌ أَطَلَّتْ عَلَى أَرْجَاءِ وَادِينَا

تَأَلَّقَتْ في رُبَا الإِسْلَامِ مَعْرِفَةً * وَأَشْرَقَتْ في فَمِ الدُّنيَا عَنَاوِينَا

قَدْ فَاتَ صَاحِبَهَا التَّكْرِيمُ عَن حَسَدٍ * حَيَّاً فَسُقْنَاهُ بَعْدَ المَوْتِ تَأْبِينَا

ص: 4339

كَانَتْ قَصَائِدُهُ أَنغَامَ عِزَّتِنَا * وَلَمْ تَزَلْ مُعْرِبَاتٍ عَن أَمَانِينَا

تِلكَ الدَّوَاوِينُ قَدْ خَلَّفْتَهَا قِمَمَاً * لِلْعَالَمِينَ جَلَتْ أَمْجَادَ مَاضِينَا

لِلدِّينِ وَالشِّعْرِ أَعْمِدَةً محَصَّنَةً * حَتىَّ لَقَدْ أَصْبَحَا أَقْوَى صَيَاصِينَا

يَا مُبْدِعَاً لمَعَاني الشِّعْرِ مُشْرِقَةً * قَدْ مَاتَ لَكِنَّهُ أَحْيى مَلَايِينَا

كَمْ بَيْنَنَا اليَوْمَ مِن حَيٍّ قَصَائِدُهُ * تمِيتُ كُلَّ شُعُورٍ صَالِحٍ فِينَا

هَلَاّ أَتَاكَ حَدِيثُ القَوْمِ حِينَ مَضَواْ * في مِصْرَ يَسْتَنْكِرُونَ الضَّادَ وَالدِّينَا

مِن أَنْفُسٍ مَرِضَتْ لَمْ يَشْفِ عِلَّتَهَا * هَدْيُ السَّمَاءِ وَلَا نُصْحُ النَّبِيِّينَا

وَمحْنَةُ الضَّادِ لَا زَالَتْ تُطَالِعُنَا * بِهَا الصَّحَافَةُ حِينَاً قَدْ تَلَا حِينَا

ص: 4340

شِعْرٌ إِذَا مَا انْتَقَدْنَا فِيهِ قَائِلَهُ * فَبِالجُمُودِ أَوِ الإِغْلَاقِ يَرْمِينَا

لَا تَسْتَبِينُ سَنَا الإِلهَامِ فِيهِ وَلَا * يُرْضِي المَلَائِكَ أَوْ يُرْضِي الشَّيَاطِينَا

لَمَّا بَدَا قَلِقَ الأَوْزَانِ مُضْطَرِبَاً * فَرَّتْ عَلَى خَجَلٍ مِنهُ قَوَافِينَا

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

كَانَ في رِقَّةِ الحَمَامِ وَلَكِن * أَيُّ نَسْرٍ في الجَوِّ جَالَ مجَالَهْ

كُلَّمَا جَدَّدُواْ لَهُ سُوءَ فِعْلٍ * وَجَدُوهُ مجَدِّدَاً إِغْفَالَهْ

سَائِرٌ في طَرِيقِهِ لَا يُبَالى * وَذِئَابُ الفَلَاةِ تَعْوِي حِيَالَهْ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

ص: 4341

للهِ قَوْسٌ لَا تَطِيشُ سِهَامُهُ

فَللهِ سَيفٌ لَا يُفَلُّ سِطَامُهُ * وَللهِ قَوسٌ لَا تَطِيشُ سِهَامُهُ

ثَكِلَ الشَّرْقُ فَتَاهُ * لَيْتَني كُنْتُ فِدَاهُ

لَيْتَني كُنْتُ أَصَمَّاً * عِنْدَمَا النَّاعِي نَعَاهُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضٍ}

ص: 4342

قَدْ أَعْجَزَ الشُّعَراءَ طُولَ حَيَاتِهِ * وَاليَوْمَ أَعْجَزَهُمْ بِنَدْبِ وَفَاتِهِ

هَيْهَاتَ يُوجَدُ في العُرُوبَةِ شَاعِرٌ * كُفْؤٌ لِيُرْثيَهُ بِمِثْلِ لُغَاتِهِ

لَوْ كَانَ وَحْيٌ بَعْدَ وَحْيِ محَمَّدٍ * لَانْشَقَّ ذَاكَ الوَحْيُ عَن آيَاتِهِ

السِّحْرُ في نَفَثَاتِهِ وَالزَّهْرُ في * نَفَحَاتِهِ وَالدَّهْرُ بَعْضُ رُوَاتِهِ

مَا رَامَ شَارِدَ حِكْمَةٍ في نَظْمِهِ * إِلَاّ أَصَابَ صَمِيمَهَا بِحَصَاتِهِ

وَلَكَمْ مَرَرْتُ بحَاسِدِيهِ لِفَضْلِهِ * رغْمَ الْقِلَي يَرْوُونَ مِن أَبْيَاتِهِ

ص: 4343

وَهَذِهِ نخْبَةٌ ممَّا قِيلَ في فَقْدِ الآخَرِين 0

وَلَكِن أُنَاشِدُكُمُ اللهَ مَعَاشِرَ القُرَّاءِ أَلَاّ تَتَمَثَّلُواْ بهَا إِلَاّ فِيمَنْ يَسْتَحِقّ:

يَا زَيْدُ يَا خَيرَ فِتْيَانِ العَشِيرَةِ مَنْ * يُفْجَعْ بمِثْلِكَ في الدُّنيَا فَقَدْ فُجِعَا

*********

لَوْ كَانَ يَدْرِي المَيْتُ مَاذَا بَعْدَهُ * بِالحَيِّ قَالَ عَجِبْتُ مِنهُ وَصَبْرِهِ

غُصَصٌ تَكَادُ تَفِيضُ مِنهَا نَفسُهُ * وَتَكَادُ تخْرُجُ رُوحُهُ مِنْ صَدْرِهِ

{دِيكُ الجِنّ}

ص: 4344

بِبَغْدَادَ هُولَاكُو وَبِالقُدْسِ هِتْلَرُ

مَلأْنَا لَكَ الأَقْدَاحَ يَا مَنْ بِحُبِّهِ * سَكِرْنَا كَمَا الصُّوفيُّ في اللهِ يَسْكَرُ

تحَاصِرُنَا كَالمَوْتِ أَلفُ مُصِيبَةٍ * بِبَغْدَادَ هُولَاكُو وَبِالقُدْسِ هِتْلَرُ

{محْمُود غُنيم}

بَكَاكَ أَخٌ لَمْ يَتَّصِلْ بِقَرَابَةٍ * أَلَا إِنَّ إخْوَانَ الصَّفَاءِ أَقَارِبُ

{دِيكُ الجِنّ}

أَيَا صَاحِ طَالَ اللَيْلُ أَمْ خَانَني صَبْرِي * فَخَيَّلَ لي أَنَّ الكَوَاكِبَ لَا تَسْرِيرِ

فَبي مِنْكَ مَا يُوهِي القُوَى غَيرَ أَنَّني * بُنِيتُ كَمَا يُبْنى الكِرَامُ عَلَى الصَّبْرِ

ص: 4345

محَاكَ الرَّدَى مِنْ نَاظِرَيَّ وَمَا محَا * خَيَالَكَ مِنْ قَلْبي وَذِكْرَاكَ مِنْ فِكْرِيرِ

وَإِنيِّ لَبَاكٍ مَا حَيِيتُ وَلَوْ بَكَى * عَلَى المَيْتِ مَيْتٌ جُدْتُ بِالدَّمْعِ في قَبرِيرِ

{الْبَيْتُ الأَخِيرُ فَقَطْ لحَسَّانِ بْنِ ثَابِت}

عَجِبْتُ لِصَبْرِي بَعْدَهُ وَهْوَ مَيِّتٌ * وَكُنْتُ امْرَأً أَبْكِي دَمَاً وَهْوَ غَائِبُ

سِوَى أَنَّهَا الأَيَّامُ قَدْ صِرْنَ كُلُّهَا * عَجَائِبَ حَتىَّ لَيْسَ فِيهَا عَجَائِبُ

{أَبُو تَمَّام}

بَكَيْتُكَ بِدَمْعِي * أَكْثَرَ مِن أَشْعَارِي

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 4346

يَا شُؤْمَ طَائِر أَخْبَارٍ مُبَرِّحَةٍ * يَطِيرُ قَلْبي لهَا مِنْ بَينِ أَضْلَاعِي

لَا زِلْتُ أَفْزَعُ مِنْ يَأْسٍ إِلى طَمَعٍ * حَتىَّ تَرَبَّع يَأْسِي فَوْقَ أَطْمَاعِي

*********

حَطَّمَ المَوتُ الدُّرُوعَا * وَكَوَى الحُزْنُ الضُّلُوعَا

وَبَكَى جَفْنُ القَلَمْ

{الشَّاعِرُ القَرَوِي // رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

ص: 4347

فَهُمْ في الشَّرَابِ الَّذِي نَحْتَسِي * وَهُمْ في الطََّعَامِ الَّذِي نَأْكُلُ

وَهُمْ في القُلُوبِ وَهُمْ في العُقُولِ * وَفِيمَا نَقُولُ وَمَا نَفْعَلُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

عَادَ مِن أَحَدِ الأَسْفَارِ فَمَاتَ إِثْرَ عَوْدَتِه:

نجَوْتَ مِنَ الدُّنيَا وَمِن حَدَثَانهَا * وَمِنْ فِتَنٍ في الأَرْضِ مُسْتَعرَاتِ

فَمَا كَانَ ظَنيِّ أَنَّ رحْلَتَكَ الَّتي * نَهَضْتَّ إِلَيْها آخِرَ الرَّحَلَاتِ

*********

ص: 4348

بَكَتْ بِالدَّمْعِ لَعَمْرِي * عَلَيْك عُيُونُ الشِّعْرِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

لَمْ يحْفُرُواْ لَكَ إِنًّمَا هِيَ كُوَّةُ الأَمَلِ البَعِيدْ

فَاذْكُرْ بهَا الوَطَنَ الشَّقِيَّ وَأَنْتَ في الوَطَنِ السَّعِيدْ

وَهَذِهِ نخْبَةٌ ممَّا قِيلَ في فَقْدِ أَصْحَابِ الحِرَف:

ص: 4349

إِنْ كَانَ رُتبَةً بِالقُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ مَثَلاً أَوْ قَائِدَاً بِالجَيْش، أَوْ ذَا مَنْصِبٍ في كَبِير:

وَلَوْ كَانَ الخُلُودُ بِفَضْلِ قَوْمٍ * عَلَى قَوْمٍ لَكَانَ لَنَا الخُلُودُ

أَلَمْ تَعْلَمْ أَخِي أَنَّ المَنَايَا * غَدَرْنَ بِهِ وَهُن لَهُ جُنُودُ

لِيَذْهَبَ مَن أَرَادَ فَلَسْتُ آسَى * عَلَى مَنْ مَاتَ بَعْدَكَ يَا [يَزِيدُ]

{جَرِير}

ص: 4350

قِفْ أَيُّهَا الغَادِي عَلَيْكَ سَلَامُ * بِأَبي المَكَارِمِ تَذْهَبُ الأَيَّامُ

بَكَتِ المُرُوءةُ بَعْدَ مَوْتِكَ سَيِّدَاً * وَهَوَى بِفَقْدِكَ لِلوَفَاءِ إِمَامُ

وَطَوَى الرَّدَى عَلَمَاً بِنُبْلِ خِصَالِهِ * وَفِعَالِهِ تَتَفَاخَرُ الأَعْلَامُ

لِمَنِ العَزَاءُ أَسُوقُهُ وَالكُلُّ في * جَنْبَيْهِ لِلْخَطْبِ الأَلِيمِ سِهَامُ

حَرُّ الأَسَى بَيْنَ الضُّلُوعِ كَأَنَّهُ * في القَلْبِ مِن هَوْلِ المُصَابِ ضِرَامُ

وَالعَيْنُ تهْمِي وَالدُّمُوعُ ذَوَارِفٌ * وَالنَّاسُ خَلْفَكَ شَفَّهَا الإِيلَامُ

إِنيِّ رَأَيْتُ غَدَاةَ فَقْدِكَ مَوْكِبَاً * تَبْدُو عَلَيْهِ مَرَارَةٌ وَزِحَامُ

فَلَئِن حَنَواْ هَامَاتهِمْ فَلَطَالَمَا * خُفِضَتْ لِمِثْلِكَ في الحَيَاةِ الهَامُ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 4351

فَقْدُ ذَوِي الأَخْلَاقِ الحَسَنَة

إِنْ كَانَ لَبِيبَاً أَرِيبَاً ثَاقِبَ الفِكْرِ بَعِيدَ النَّظَر:

أَبَعْدَكَ تَعْرِفُ الصَّبْرَ العُيُونُ * وَقَدْ ذَهَبَتْ بِزَهْرَتِكَ المَنُونُ

رَمَتْكَ يَدُ الزَّمَانِ بِشَرِّ سَهْمٍ * فَلَمَّا أَنْ رَحَلْتَ بَكَى الخَئُونُ

لَئِن عَمَّرْتَ فِينَا رُبْعَ قَرْنٍ * فَعَقْلُكَ لَا تَجِيءُ بِهِ قُرُونُ

سَتَبْكِيكَ الكَوَاكِبُ في الدَّيَاجِي * كَمَا تَبْكِيكَ في الرَّوْضِ الغُصُون

وَمَا أَرْوَاحُنَا إِلَاّ أُسَارى * وَمَا أَجْسَادُنَا إِلَاّ سُجُونُ

ص: 4352

وَمَا في الكَونِ مِثْلُ الكَوْنِ فَانٍ * كَمَا تَفْنى الدِّيَارُ كَذَا القَطِينُ

سَيَبْكِي إِخْوَةٌ قَدْ غِبْتَ عَنهُمْ * وَأُمٌّ ثَاكِلٌ وَأَبٌ حَزِينُ

قَدِ ازْدَانَتْ بِكَ الفِتيَانُ طِفْلاً * كَمَا يَزْدَانُ بِالتَّاجِ الجَبِينُ

أَلَا لَا يَشْمَتِ الأَعْدَاءُ فِينَا * فَكُلُّ فَتىً بمَصْرَعِهِ رَهِينُ

*********

ص: 4353

وَإِنْ كَانَ عَفِيفَاً دَمِثَ الأَخْلَاقِ لَينَ العَرِيكَةِ طَيِّبَ السَّرِيرَةِ فَقُلْ:

لَا يُضْمِرُ الفَحْشَاء تحْتَ ردَائِهِ * حُلْوٌ شَمَائِلُهُ عَفِيفُ المِئْزَرِ

{مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَة}

كَانَ طَيِّبَاً، وَكَانَ حُلْمُهُ أَنْ يَرَى كُلَّ النَّاسِ طَيِّبِين 00!!

وَإِنْ كَانَ وَفِيَّاً، فَقُلْ في وَفَائِهِ:

أَفي حَتىَّ لَوْ كَانَ * في الوَفَاءِ وَفَاتي

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 4354

رِثَاءُ الجَوَّادِ وَالسَخِيِّ وَقَاضِي الحَاجَاتِ وَصَاحِبِ الصَّنَائِعِ وَالمَعْرُوف:

مَلكَ المُصَابُ عَلَيَّ كُلَّ جِهَاتي * إِنْ كانَ مِنْ صَبرٍ لَدَيْكَ فهاتِ

فَنَظَمْتُ بِالْعَبَرَاتِ بحْراً كامِلاً * وَأَقَمْتُ بالزَّفَراتِ تَفْعِيلَاتي

نَبْكِي لأَطْوَلِنَا يَدَاً وَأَبَرِّنَا * كَفَّاً وَأَسْبَقِنَا إِلىَ الْقَصَباتِ

[عَلِي الجَارِم بِتَصَرُّف]

ص: 4355

للهِ دَرُّكَ مِنْ فَتى فَجَعَتْ بِهِ * يَومَ الخَمِيسِ حَوَادِثُ الأَيَّامِ

هَشٌ إِذَا نَزَلَ الوفُودُ بِبَابِهِ * سَهلُ الحِجَابِ مُؤَدَّبُ الخُدَّامِ

وَإِذَا رَأَيْتَ صَدِيقَهُ وَشَقِيقَهُ * لَمْ تَدْرِ أَيَّهُمَا أَخَا الأَرْحَامِ

{أَبُو الحَسَنِ التُّهَامِي، كَمَا تُنْسَبُ لَابْنِ هَرْمَة}

ص: 4356

أَجَرْتَ أُنَاسَاً القَدَرُ * يُعَادِيهِمْ فَعَادَاكَا

{ابْنُ الرُّومِيِّ بِتَصَرُّف}

لَقَدْ كُنْتَ شَمْسَاً نُورُهَا مِنْ طِبَاعِهَا * فَكَيْفَ بِأَنْ نَلْقَاكَ غَيرَ مُنِيرِ

وَكُنْتَ سَحَابَاً ضَاقَ بِالمَاءِ ذَرْعُهُ * فَكَيْفَ بِأَنْ نَلْقَاكَ غَيرَ مَطِيرِ

{ابْنُ الرُّومِي}

قَدْ كُنْتُ أُسْرِفُ في مَالي وَتخْلِفُ لي * فَعَلَّمَتْني وَفَاتُكَ كَيْفَ أَقْتَصِدُ

*********

ص: 4357

لَئِنْ كَانَ لَمْ يُعْطَ الخُلُودَ فَإِنَّهُ * بِسِيرَتِهِ الغَرَّاءِ في النَّاسِ خَالِدُ

وَإِنْ كَانَ رَجُلاً صَالحَاً بَرَّاً بِالمُوَاطِنِينَ قَاضِيَاً لحَوَائِجِهِمْ فَمَاتَ فَجَاءواْ بِرَجُلٍ سُوء؛ فَتَمَثَّلْ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ الظَّرِيف:

رَاحَ الَّذِي كُنَّا نَعِيشُ بجُودِهِ بَينَ الْوَرَى

وَأَتَى الَّذِينَ حَيَاتهُمْ وَوُجُودُهُمْ مِثْلُ الخَرَا

ص: 4358

فَكَأَنَّهُ رَمَضَانُ في إِحْسَانِهِ * وَكَأَنَّهُ في حُسْنِهِ شَوَّالُ

ذَهَبَ الَّذِي أَوْصَاهُ آدَمُ إِذْ مَضَى * بِعِيَالِهِ فَهُمُ عَلَيْهِ عِيَالُ

ذَهَبَ الَّذِي مَا كَانَ يَمْطُلُ وَعْدَهُ * عِنْدَ التَّعَامُلِ وَالرِّجَالُ رِجَالُ

أَوْدَى {محَمَّدٌ بْنُ نَصْرٍ} بَعْدَمَا * ضُرِبَتْ بِهِ في جُودِهِ الأَمْثَالُ

{ابْنُ الرُّومِيِّ بِتَصَرُّف}

ص: 4359

سَأَلْتُ النَّدَى وَالجُودَ مَا لي أَرَاكُمَا * تَبَدَّلْتُمَا عِزَّاً بِذُلٍّ مُؤَبَّدِ

وَمَا بَالُ رُكْنِ المجْدِ أَمْسَى مُهَدَّمَاً * فَقَالَا أُصِبْنَا في ابْنِ سَعْدٍ محَمَّدِ

فَقُلتُ فَهَلَاّ مُتُّمَا بَعْدَ مَوْتِهِ * وَقَدْ كُنتُمَا عَبْدَيْهِ في كُلِّ مَشْهَدِ

فَقَالَا أَقَمْنَا كَيْ نُعَزَّى بِفَقْدِهِ * ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَتْلُوهُ في الغَدِ

*********

يَعِيشُ النَّدَى مَا عَاشَ فِينَا محَمَّدٌ * فَإِنْ مَاتَ قَامَتْ لِلسَّخَاءِ مَآتِمُ

{أَبُو جُبَيْلٍ البرْجَمِيُّ بِتَصَرُّف}

ص: 4360

وَصَفَ الزَّمَانَ لَنَا وَجَادَ بِنَفسِهِ * لِتَكُونَ بُرْهَانَاً عَلَى حَدَثَانِهِ

قَالَ احْذَرُواْ غَدْرَ الزَّمَانِ مُؤَكِّدَاً * بِوَفَاتِهِ مَا قَالَهُ بِلِسَانِهِ

**********

أَيَا رَنَّة النَّاعِي عَبَثْتِ بِمَسْمِعَي * وَأَجَّجْتِ نَارَ الحُزْنِ مَا بَيْنَ أَضْلُعِي

وَأَخْرَسْتِ مِنيِّ مِقْولاً ذَا بَرَاعَةٍ * يَصُوغُ أَفَانِينَ الْقَرِيضِ المُرصَّعِ

نَعَيْتِ إِلَيَّ الْعَدْلَ وَالْفَضْلَ وَالتُّقَى * فَأَوْقَفْتِ آمَالي وَأَجرَيْتِ أَدمُعِي

{النَّاصِرُ دَاوُد}

ص: 4361

بَعْضُ الظُّرُوفِ الخَاصَّة

خَرَجَ مِنْ السِّجْنِ أَوْ عَادَ مِنَ المَنْفَى أَوْ مِنْ رِحْلَةِ اسْتِكْشَافٍ كَالتَّنْقِيبِ عَلَى البِتْرُولِ، أَوْ عَادَ مِن عَمَلٍ شَاقٍّ بِالمَنَاجِمِ في الصَّحْرَاءِ فَمَاتَ بَعْدَ رُجُوعِه:

عَادَ الحَبِيبُ مِنَ المَنْفَى وَمَاتَ فَمَا * أَدْرِي أَأَبْكِي حَبِيبي أَمْ أُهَنِّيهِ

وَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ في ظُرُوفٍ غَامِضَةٍ فَقُلْ:

ص: 4362

وَقِيلَتْ أَقَاوِيلُ في مَوْتِهِ * فَمِنهَا الصَّوَابُ وَمِنهَا الخَطَأ

وَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ صَبرَاً ـ أَيْ جِيءَ بِهِ لِيُقْتَلَ فَانْقَادَ مَعَهُمْ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَقْتُول:

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " قَتْلُ الصَّبْر: لَا يَمُرُّ بِذَنْبٍ إِلَاّ محَاه " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (4360)، رَوَاهُ الإِمَامُ الْبَزَّار]

ص: 4363

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أُمَّتي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَة، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ في الآخِرَة، عَذَابُهَا في الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْل " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِأَرْقَام: 1396، 959، 4278]

وَإِنْ كَانَ زَعِيمَاً سِيَاسِيَّاً أَوْ دِينِيَّاً فَتَمَّ اغْتِيَالُه؛ فَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقِّ مَا قِيلَ في ذَلِك:

نَادَى يُطَالِبُ بِالحُقُوقِ فَلَمْ يَكُن * غَيرُ الرَّصَاصِ لَهُ جَوَابَ نِدَائِهِ

{الشَّاعِرُ الْقَرَوِيّ / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

ص: 4364

وَإِنْ كَانَ قَدْ وَاتَتْهُ المَنِيَّةُ وَهُوَ يُعِدُّ لِلسَّفَر؛ فَمِن أَحْسَنِ مَا قِيلَ في ذَلِكَ قَوْلُ الْقَرَوِيِّ أَيْضَاً:

دَهَاكَ المَوْت لَمْ يُمْهِلكَ حَتىَّ * تُعِدَّ حَقِيبَةَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ

وَإِنْ كَانَ في صُحْبَةِ صَدِيقٍ لَهُ فَاخْتَارَهُ المَوْتُ وَتَرَكَ صَدِيقَهُ؛ فَمِمَّا قِيلَ في ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضَاً:

يَكْفِيكَ أَنَّ المَوْتَ لَمْ يَقِ صَاحِبَاً * وَيَقِي الَّذِي يَدْرِي بِأَنَّكَ صَاحِبُه

أَوْ كَانَا صَدِيقَينِ فَتَعَرَّضَا لحَادِثٍ؛ فَمِن أَحْسَنِ مَا قِيلَ في ذَلِكَ أَيْضَاً:

رَضِيتُ بِرُزْئِي بَعْدَ {سَعْدٍ} إِذَا نجَا * {سَعِيدٌ} وَبَعْضُ الشَّرَّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

وَلَمْ يَكُ يُنْسِيني مُصَابٌ أُصِبْتُهُ * مُصِيبَةَ {سَعْدٍ} مَا مَشَيْتُ عَلَى الأَرْضِ

{أَبُو خِرَاشٍ الهَذَليُّ بِتَصَرُّف}

ص: 4365

وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَاً بِأَمَانَتِهِ فَوَليَ مَنْصِبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَن هُوَ عَلَى النَّقِيضِ مِنهُ تَمَامَاً فَقُلْ:

مجِيءُ هَذَا كَمَوْتِ هَذَا * فَلَسْتَ تَخْلُو مِنَ المَصَائِبْ

{ابْنُ الرُّومِي}

فَرَحٌ تحَوَّلَ إِلى مَأْتم

وَإِنْ كَانَ عَرِيسَاً وَمَاتَ يَوْمَ زِفَافِهِ فَقُلْ:

بِالأَمْسِ هَنَّأتُهُ بِالْعَقْدِ إِذْ عُقِدَا * وَاليَوْمَ شَيَّعْتُهُ بِالدَّمْعِ إِذ فُقِدَا

لِلْمَوْتِ فِينَا سِهَامٌ وَهْيَ صَائِبَةٌ * مَنْ فَاتَهُ اليَوْمَ سَهْمٌ لَمْ يَفُتْهُ غَدَا

*********

فَكُنَّا نُرَجِّي فَرْحَةً بِزِفَافِهِ * فَوَاحَسْرَتَا قَدْ أَصْبَحَ العُرْسُ مَأْتمَا

وَصَارَتْ بِهِ تِلْكَ التَّهَاني تَعَازِيَاً * وَنَاحَ الَّذِي قَدْ جَاءَ كَيْ يَتَرَنمَا

فَأَيُّ فُؤَادٍ لَا يَذُوبُ لِمِثْلِهِ * وَأَيُّ سُرُورٍ لَا يَكُونُ محَرَّمَا

ص: 4366

فِيمَنْ مَاتَ بِمَرَضِ السُّكَّر

وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ بِمَرَضِ السُّكَّرِ فَقُلْ:

أَوْدَى بِهِ السُّكَّرُ المُضْني وَلَا عَجَبٌ * قَدْ يُورِثُ المُرَّ بَعْضُ الحُلْوِ أَحْيَانَا

فِيمَنْ قُتِلَ وَلَمْ يُتَوَصَّلْ إِلى قَاتِلِه

وَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يُتَوَصَّلْ إِلى قَاتِلِهِ فَقُلْ:

وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ يَكثُرَ البُكَا * عَلَيْهِ قَتِيلٌ لَيْسَ يُعْرَفُ قَاتِلُه

فِيمَنْ مَاتَ في أَحَدِ الحَرَمَين

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ مَاتَ في أَحَدِ الحَرَمَيْنِ بُعِثَ آمِنَاً يَوْمَ القِيَامَة " 0

[حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (319/ 2)، الإِمَامُ الطَّبَرَاني في الصَّغِيرِ وَالأَوْسَط]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ؛ فَإِنيِّ أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 5437، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]

ص: 4367

فِيمَنْ مَاتَ يَوْمَ الجُمُعَة

وَإِنْ مَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقُلْ لهُمْ:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَة؛ إِلَاّ وَقَاهُ اللهُ فِتنَةَ القَبر " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6646، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 1074]

ص: 4368

فِيمَنْ مَاتَ بِالطَّاعُونِ أَوْ تحْتَ الهَدْمِ أَوْ بِدَاءٍ في البَطْنِ

وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ غَرِيقَاً أَوْ حَرِيقَاً أَوْ بِالكَبِدِ أَوِ الطُّحَالِ أَوِ الكُلَى وَنحْوِه، أَوْ بِالطَّاعُونِ أَوْ تحْتَ الهَدْمِ في زِلزَالٍ أَوْ نحْوِهِ، أَوْ كَانَتِ المُتَوَفَّاةُ امْرَأَةً قَدْ مَاتَتْ حَالَ وَضْعِهَا فَقُلْ لأَهَالي هَؤُلَاءِ جَمِيعَاً: عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" الشُّهَدَاءُ خَمْسَة: المَطْعُونُ وَالمَبْطُونُ وَالغَرِقُ وَصَاحِبُ الهَدْمِ وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ الله " 0

[البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَاب: الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ 0 بِرَقْم: (2829)، وَمُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بِرَقْم: 1914]

ص: 4369

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يمْشِي بِطَرِيق؛ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ؛ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَه " 00 ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الشُّهَدَاءُ خَمْسَة: المَطْعُونُ وَالمَبْطُونُ وَالغَرِيق، وَصَاحِبُ الهَدْمِ وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ الله " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الأذَانِ بَاب: التَّهْجِيرِ بِرَقْم: (654)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بِرَقْم: 1914]

وَالمَبْطُونُ هُوَ مَنْ مَاتَ بِدَاءٍ في البَطْنِ أَيْ: بِالَاسْتِسْقَاءِ أَوْ بِالكَبِدِ أَوْ بِالفَشَلِ الكُلَوِيِّ وَنحْوِه

ص: 4370

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ " 00؟

قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ قُتِلَ في سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيد؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتي إِذَنْ لَقَلِيل "؛ قَالُواْ: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قُتِلَ في سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ مَاتَ في سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ مَاتَ في الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ مَاتَ في البَطْنِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيد " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بَاب: بَيَانِ الشُّهَدَاء بِرَقْم: 1915]

ص: 4371

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللهِ بْنَ ثَابِت، فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ ـ أَيْ أَخَذَتْهُ سَكَرَاتُ المَوْتِ فَأُغْمِيَ عَلَيْه ـ فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ؛ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال:" غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيع " 00 فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْن؛ فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" دَعْهُنَّ، فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ " قَالُواْ: وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ الله 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " المَوْت "؛ قَالَتِ ابْنَتُه: وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدَاً؛ فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ [أَيْ جَهَّزْتَ فَرَسَكَ وَسِلَاحَك]؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَة "؟!

ص: 4372

قَالُواْ: القَتْلُ في سَبِيلِ اللهِ تَعَالى؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى القَتْلِ في سَبِيلِ الله: المَطْعُونُ شَهِيد، وَالغَرِقُ شَهِيد، وَصَاحِبُ ذَاتِ الجَنْبِ شَهِيد، وَالمَبْطُونُ شَهِيد، وَصَاحِبُ الحَرِيقِ شَهِيد، وَالَّذِي يَمُوتُ تحْتَ الهَدْمِ شَهِيد، وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ بجُمْعٍ ـ أَيْ وَوَلَدُهَا في بَطْنِهَا ـ شَهِيدٌ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 3111]

ص: 4373

وَذَاتُ الجَنْبِ هِيَ مَا يُعْرَفُ لَدَى الأَطِبَّاءِ بِاسْمِ " البرْسَام " 0 وَهُوَ التِهَابٌ وَتَوَرُّمٌ حَوْلَ الرِّئَة، أَوْ هُوَ مَنْ يَمُوتُ بِالكَبِد، أَوِ بِالطُّحَال، أَوِ بِالكُلَى 0

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُه: لَمْ يُعَذَّبْ في قَبرِه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 1064، وَالأُسْتَاذ شُعيب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حَبَّانَ وَفي المُسْنَدِ بِرَقْم: 18312]

ص: 4374

حَتىَّ مَنْ يَمُوتُ بِالدَّرَنِ شَهِيد 00

عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " السُّلُّ شَهَادَة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: 6004/ 3691]

وَتِلْكَ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ سبحانه وتعالى بِهَؤُلَاء؛ نَظَرَاً لِمَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ التَّعْذِيبِ وَالشَّقَاء:

ص: 4375

عَن أَبي الْيَسَرِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:

" اللهُمَّ إِنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ الهَدْم، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْغَرَقِ وَالحَرِيق، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَني الشَّيْطَانُ عِنْدَ المَوْت، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أَمُوتَ في سَبِيلِكَ مُدْبِرَاً، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أَمُوتَ لَدِيغَاً " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: (5533)، وَفي " الجَامِعِ الصَّحِيحِ " بِرَقْم: 2162]

ص: 4376

فِيمَنْ مَاتَ دِفَاعَاً عَنِ النَّفْس

وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ وَهْوَ يُدَافِعُ عَنْ نَفسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ أَهْلِهِ فَقُلْ لَهُمْ: عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالي 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَلَا تُعْطِهِ مَالَك " 00

قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَني 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " قَاتِلْه " 00

قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَني 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَأَنْتَ شَهِيد " 00

قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُه 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هُوَ في النَّار " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 140 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4377

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " نِعْمَ المِيتَةُ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ دُونَ حَقِّه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (6775/ 697)، وَأَعَلَّهُ في الضَّعِيفَةِ مُوَافِقَاً الإِمَامَ الهَيْثَمِيّ، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومَاً فَلَهُ الجَنَّة " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4086، وَالْعَلَاّمَةُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْمَيْ: 7084، 7055]

ص: 4378

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" مَن أُتِيَ عِنْدَ مَالِهِ فَقُوتِلَ فَقَاتَلَ فَقُتِل؛ فَهُوَ شَهِيد " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 5948، كَمَا صَحَّحَهُ أَيْضَاً في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 2581]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَن أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيد " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6829، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامَينِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبي دَاوُدَ بِرَقْمَيْ: 1420، 4771]

ص: 4379

عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقْرِنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيد " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4096، كَمَا صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2780]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ فَيُقَاتِلَ فَيُقْتَل؛ إِلَاّ قُتِلَ شَهِيدَاً " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (10704)، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6874 / إِحْيَاءُ التُّرَاث]

ص: 4380

رَوَى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسَ عَن أَبِيهِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه قَال: " جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: الرَّجُلُ يَأْتِيني فَيُرِيدُ مَالي 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " ذَكِّرْهُ بِالله " 00

قَال: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" فَاسْتَعِن عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنَ المُسْلِمِين " 00؟

قَال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلي أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِين 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" فَاسْتَعِن عَلَيْهِ بِالسُّلْطَان " 00 قَال: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنيِّ 00؟

ص: 4381

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتىَّ تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرَة، أَوْ تَمْنَعَ مَالَك " 0 [حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: 4081]

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيد " 0

ص: 4382

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ الإِمَامَينِ التِّرْمِذِيِّ النَّسَائِيِّ بِرَقْمَيْ: 2421، 4095، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 1652]

فِيمَنْ مَاتَتَ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَادَ جَبْرَاً، فَلَمَّا دَخَلَ سَمِعَ النِّسَاءَ يَبْكِينَ وَيَقُلْنَ: كُنَّا نحْسَبُ وَفَاتَكَ قَتْلاً في سَبِيلِ الله 00!!

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ إِلَاّ مَنْ قُتِلَ في سَبِيلِ الله؛ إِنَّ شُهَدَاءَكُمْ إِذَنْ لَقَلِيل 00

ص: 4383

الْقَتْلُ في سَبِيلِ اللهِ شَهَادَة، وَالبَطْنُ شَهَادَة ـ أَيْ مَنْ يمُوتُ بِدَاءٍ في البَطْنِ ـ وَالحَرَقُ شَهَادَة، وَالغَرَقُ شَهَادَة، وَالمَغْمُومُ يَعْني الهَدِمَ شَهَادَة، وَالمجْنُونُ شَهَادَة، وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ بجُمْعٍ ـ أَيْ وَوَلَدُهَا في بَطْنِهَا ـ شَهِيدَة " 00 قَالَ رَجُلٌ: أَتَبْكِينَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِد 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " دَعْهُنَّ، فَإِذَا وَجَبَ ـ أَيْ فَإِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ ـ فَلَا تَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ بَاكِيَةٌ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامُ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 3194]

فَالمَقْصُودُ بِالمَرْأَةِ الَّتي تمُوتُ بجَمْعٍ هِيَ التي تمُوتُ وَوَلَدُهَا في بَطْنِهَا قَدْ تمَّ خَلْقُه، وَقِيلَ هِيَ الَّتي تمُوتُ بِكْرَاً لَمْ يَطْمِثْهَا بَشَر 0

ص: 4384

فِيمَنْ مَاتَ غَرِيقَاً

وَإِنْ تُوُفيَ غَرَقَاً في البَحْرِ فَقُلْ:

يَا أَيُّهَا البَطَلُ الشَّهِيدُ تَحِيَّتي * أُهْدِيكَهَا أَوْ إِنْ تَشَأْ فَرِثَائِياءِ

مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ مَوْتِكَ أَنمَا * شَمْسُ الأَصِيلِ غُرُوبهَا في المَاءِ

{الأَوَّلُ فَقَطْ لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي}

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ المَطْعُونُ وَالمَبْطُونُ وَالغَرِقُ وَصَاحِبُ الهَدْمِ وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ الله " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابِ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ 0 بِرَقْم: (2829)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بِرَقْم: 1914]

ص: 4385

عَن أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " المَائِدُ في الْبَحْر ـ أَيْ رَاكِبُهُ ـ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْء؛ لَهُ أَجْرُ شَهِيد، وَالْغَرِيقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْن " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (11588)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 2493]

وَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقَّ مَا قِيلَ في مَوْتِ الْغَرِيقِ مَا قَالَهُ ابْنُ الرُّومِيِّ في زَوْجَةِ صَدِيقٍ لَهُ كَانَتْ تَسْتَحِمُّ في البَحْرِ فَابْتَلَعَتْهَا الأَمْوَاج؛ فَقَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ في ذَلِكَ يُوَاسِيه:

لَعَلَّ الَّذِي ذَهَبَتْ لَهُ عُرْيَانَةً * كَسَاهَا مِنَ اللَّحْدِ الَّذِي هُوَ أَسْتَرُ

وَإِنْ كَانَ في المَاءِ الطَّهَارَةُ كُلُّهَا * فَلَلتُّرْبُ أَحْيَانَاً مِنَ المَاءِ أَطْهَرُ

ص: 4386

فِيمَنْ مَاتَ لَدِيغَاً أَوْ أَكَلَهُ السَّبْع

عَن أَبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ فَصَلَ في سَبِيلِ اللهِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ ـ أَيْ خَرَجَ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ ـ فَهُوَ شَهِيد، أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ ـ أَيْ أَلْقَاهُ مِنْ فَوْقِ ظَهْرِهِ ـ أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ ـ أَيْ زَاحِفَةٌ مِنَ الزَّوَاحِفِ ـ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِه، أَوْ بِأَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللهُ؛ فَإِنَّهُ شَهِيد، وَإِنَّ لَهُ الجَنَّة " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 6413]

ص: 4387

عَنْ رَبِيعٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " الطَّعْنُ وَالطَّاعُون، وَالهَدْمُ وَأَكْلُ السَّبْع، وَالْغَرَقُ وَالحَرَق، وَالْبَطْنُ وَذَاتُ الجَنْب؛ شَهَادَة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: 7400، أَخْرَجَهُ المَقْدِسِيُّ في الضِّيَاء]

مَوْتُ الغَرِيب

قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: لَيْسَ يُبْكِيني أَنَّهُ مَات، إِنمَا يُبْكِيني: أَنَّهُ مَاتَ بَعيدَاً عَنْ وَطَنه، وَفي بَلَدٍ غَيرِ بَلَدِه، وَصَاحِبُ هَذَا الكَلَامِ لَا أَجِدُ لَهُ شَيْئَاً أَقُولُهُ خَيرَاً مِن هَذَيْنِ الحَدِيثَين:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه قَال:

ص: 4388

" تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِالمَدِينَة، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:

" يَا لَيْتَهُ مَاتَ في غَيْرِ مَوْلِدِه "؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ النَّاس: وَلِمَ يَا رَسُولَ الله 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ في غَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ في الجَنَّة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6656، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَة الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيحِ وَفي مِشْكَاةِ المَصَابِيح، وَفي سُنَنيِ الإِمَامَينِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَةَ بِرَقْمَيْ: 1832، 1614، وَالأُسْتَاذ شُعيب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حَبَّان]

ص: 4389

طُوبى للغُرَبَاء

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ الإِسلَامَ بَدَأَ غَرِيبَاً وَسَيَعُودُ غَرِيبَاً، فَطُوبى للغُرَبَاء، أَلَا إِنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِن يَمُوتُ في أَرْضِ غُرْبَة غَابَ فِيهَا بَوَاكِيه؛ إِلَاّ بَكَتْ عَلَيْه السَّمَاءوَالأَرْض " 0 [الدَّيْلَمِيُّ في " الفِرْدَوْسِ " بِرَقْم: (6084)، وَهُوَ في " الشُّعَب ": (9888)، وَجُمْلَةُ الغُرَبَاءِ في صَحِيحِ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 145]

ص: 4390

وَيحْكَى أَنَّهُ كَانَ في بَني إِسْرَائِيلَ زَمَنَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام رَجُلٌ فَاسِقٌ سِكِّير؛ فَضَجَّ مِنهُ أَهْلُ البَلدَةِ وَتَضَرَّعُواْ إِلى اللهِ عَزَّ جَلّ؛ فَأَوْحَى اللهُ إِلى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام أَنَّ في البَلدَةِ الفُلَانِيَّةِ رَجُلٌ فَاسِقٌ سِكِّيرٌ فَأَخْرِجْهُ؛ فَأَخْرَجَهُ سَيِّدُنَا مُوسَى عليه السلام مِنَ البَلدَة 00!!

فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلى إِحْدَى القُرَى المجَاوِرَة، فَأَمَرَ اللهُ عَزَّ جَلَّ كَلِيمَهُ مُوسَى عليه السلام بِإِخْرَاجِهِ مِن تِلكَ القَرْيَة؛ فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ إِلى مَفَازَةٍ نَائِيَةٍ عَنِ النَّاسِ لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا مَاء، غَيرَ جَوَارِحِ الطُّيُورِ وَالسِّبَاع 00!! [مُكَاشَفَةِ القُلُوبِ البَابِ الثَّالِث 0 ص:(13)، وَضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ بِنَحْوِهِ مخْتَصَرَاً في " المجْمَع " 0 ص: 317/ 2]

ص: 4391

فَمَرِضَ ذَلِكَ الرَّجُلُ في تِلكَ المَفَازَةِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ المَرَض؛ فَتَلَفَّتَ ذَاتَ الشِّمَالِ وَذَاتَ اليَمِين؛ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّ رَفِيقٍ أَوْ مُعِين، فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ بَكَى وَقَال: لَوْ كَانَتْ بجُوَارِي وَالِدَتي أَوْ وَلَدِي أَوْ زَوْجَتي أَوِ ابْنَتي؛ لَسَهِرَواْ عَلَيَّ وَتَبِعُواْ إِنْ مُتُّ وَبَكَوْني، وَلَوْ كَانَ وَالِدِي حَاضِرَاً لَتَوَلى أَمْرِي وَدَفْني، وَلَوْ كَانَ أَوْلَادِي حُضُورَاً لَمَشَواْ خَلْفَ جِنَازَتي وَبَكَوْني وَقَالُواْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدِنَا الطَّرِيدِ الشَّرِيدِ وَتجَاوَزْ عَنه 00!!

ص: 4392

اللهُمَّ حَرَمْتَني مِنْ وَالِدِي وَوَلَدِي فَلَا تحْرِمْني مِنْ رَحْمَتِك، اللهُمَّ قَدْ أَحْرَقْتَ بِفِرَاقِهِمْ قَلْبي في حَيَاتي؛ فَلَا تحْرِقني بِنَارِكَ بَعْدَ وَفَاتي 00!!

فَأَرْسَلَ اللهُ جل جلاله حَوْرَاءَ مِنَ الجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ أُمِّه، وَحَوْرَاءَ عَلَى صُورَةِ أُخْتِه، وَحَوْرَاءَ عَلَى صُورَةِ زَوْجَتِه، وَأَرْسَلَ مَلَائِكَةً عَلَى صُورَةِ أَوْلَادِهِ فَطَابَتْ نَفسُهُ وَقَرَّتْ عَيْنُهُ وَخَرَجَتْ رُوحُه 00!!

فَأَوْحَى اللهُ جل جلاله إِلى سَيِّدِنَا مُوسَى عليه السلام أَنِ اذْهَبْ إِلى الأَرْضِ الفُلَانِيَّة، فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ فِيهَا وَليٌّ مِن أَوْلِيَائِي فَاشْهَدْهُ وَتَوَلَّ أَمْرَه 00!!

ص: 4393

فَذَهَبَ نَبيُّ اللهِ مُوسَى إِلى ذَلِكَ المَوْضِعِ فَكَانَتِ المُفَاجَأَة؛ فَتَعَجَّبَ مُوسَى وَسَأَلَ اللهَ ** عز وجل ** لِذَلِكَ تَفْسِيرَا، فَحَكَى لَهُ جل جلاله عَنْ ذِلَّتِهِ وَمَرَضِهِ في غُرْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ لَه: يَا مُوسَى: إِذَا مَاتَ الغَرِيبُ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الأَرْضِ رَحْمَةً لَه؛ فَكَيْفَ لَا أَرْحَمُهُ وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِين 00؟

فِيمَنْ مَاتَ مُرَابِطَاً

وَإِنْ كَانَ مِنْ قُوَّاتِ حَرَسِ الحُدُودِ فَاسْتُشْهِدَ أَثنَاءَ الخِدْمَة، أَوْ كَانَ رَجُلَ أَمْنٍ عَلَى صَرْحٍ أُقِيمَ لخِدْمَةِ المُسْلِمِينَ فَمَاتَ في حِرَاسَتِهِ فَبَشِّرْ أَهْلَهُ بهَذَا الحَدِيث:

ص: 4394

عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَة؛ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِه، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُه، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الفَتَّان " 00 أَيْ عَذَابَ الْقَبْرِ وَفِتْنَتَهُ 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1913 / عَبْد البَاقِي]

ص: 4395

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَنْ مَاتَ مُرَابِطَاً في سَبِيلِ الله؛ أُجْرِيَ عَلَيْهِ أَجْرُ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَل، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّان، وَبَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنَاً مِنَ الْفَزَع " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (11490/ 6544)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 2767]

ص: 4396

عَنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " كُلُّ مَيْتٍ يخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَاّ المُرَابِط؛ فَإِنَّهُ يَنمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ القَبر " 0

[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبي دَاوُدَ بِرَقْمَيْ: 1621، 2500]

ص: 4397

عَنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" كُلُّ مَيْتٍ يخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَاّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطَاً في سَبِيلِ الله؛ فَإِنَّهُ يَنمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ فِتنَةَ القَبر " 0 [صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين 0 المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: (2637)، رَوَاهُ ابْنُ حَبَّانَ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4624]

ص: 4398

عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ رضي الله عنه قَال:

" مَرَّ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ في المُرَابَطٍ لَهُ وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ؛ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ السِّمْطِ بحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟

قَالَ بَلَى، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:

" رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ أَوْ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِه، وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ القَبْرِ وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلى يَوْمِ القِيَامَة " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ في كِتَابِ فَضَائِلِ الجِهَادِ بَاب: فَضْلِ المُرَابَط 0 بِرَقْم: 1665]

ص: 4399

عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَنْ مَاتَ مُرَابِطَاً في سَبِيلِ الله؛ أَمَّنَهُ اللهُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبر " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (6545/ 11491)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ]

وَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقِّ مَا قِيلَ في المُرَابِطِ وَرَجُلِ الحِرَاسَةِ أَوِ الشُّرْطَةِ نَظِيفِ اليَد؛ قَوْلُ الشَّاعِر:

قَدَّمْتَ عُمْرَكَ لِلأَوْطَانِ قُرْبَانَا * عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَلَمْ تَسْتَوْفِ أَثْمَانَا

كَمْ بِتَّ لَيْلَكَ وَالدَّهْمَاءُ هَاجِعَةٌ * مُسَهَّدَاً دَامِيَ العَيْنَينِ يَقْظَانَا

ص: 4400

فِيمَنْ مَاتَ بِدَابَّتِه

أَيَّاً كَانَتْ هَذِهِ الدَّابَّة: سَيَّارَة، أَوْ مُوتُوسِيكْل، أَوْ مَرْكَبَةً عَامَّةً 000 إِلخ 0

عَن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ صُرِعَ عَنْ دَابَّتِهِ فَهُوَ شَهِيد " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (6336)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ]

ص: 4401

فِيمَنْ مَاتَ شَهِيدَاً

أَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ شَهِيدَاً؛ فَبَخٍ بَخٍ لِلشَّهِيد، وَطُوبى ثُمَّ طُوبى لِلشُّهَدَاء 00

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْء؛ إِلَاّ الشَّهِيد يَتَمَنىَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَة " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِهَادِ وَالسَّير بِرَقْم: 2817، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بِرَقْم: 1877]

ص: 4402

عَنِ البَرَاءَ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَال: " أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِم 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَسْلِمْ ثمَّ قَاتِلْ " فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِل؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرَاً " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجِهَادِ وَالسَّيرِ بِرَقْم: (2808)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بِرَقْم: 1900]

ص: 4403

قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" يَا رَسُولَ الله، مَا بَالُ المُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ في قُبُورِهِمْ إِلَاّ الشَّهِيد 00؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً "

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 2053]

ص: 4404

لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُون

عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا قُتِلَ العَبْدُ في سَبِيلِ اللهِ فَأَوَّلُ قَطْرَة تَقْطُرُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِهِ يُكَفِّرُ اللهُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا، ثُمَّ يُرْسِلُ لَهُ اللهُ برَيْطَة ـ أَيْ بِقُمَاشَةٍ بَيْضَاءَ ـ مِنَ الجَنَّةِ فتُقْبَضُ فِيهَا نَفْسُهُ، وَبِجَسَد مِنَ الجَنَّة حَتىَّ تُرَكَّبُ فِيهِ رُوحُه، ثُمَّ يَعْرُجُ مَعَ المَلَائِكَةِ كَأنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ مُنْذُ خَلَقَهُ الله، حَتىَّ يُؤْتَى بِهِ الرَّحْمَنُ عز وجل، وَيَسْجُدُ قَبْلَ المَلَائِكَةِ ثُمَّ تَسْجُدُ المَلَائِكَةُ بَعْدَهُ ثمَّ يُغْفَرُ لَهُ ويُطَهَّرُ،

ص: 4405

ثمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلى الشُّهَدَاءِ فَيَجِدُهُمْ في رِيَاضٍ خُضْرٍ وَثيَابٍ مِن حَرِير، عِنْدَهُمْ نُون ـ أَيْ حُوتٌ ـ وَثَوْرٌ يُلَقِّنَانَهُم ـ أَيْ يُرِيَانَهُمْ مِنْ ظَرْفِهِمَا ـ كُلَّ يَوْمٍ بِشَيْءٍ لَمْ يُلَقِّنَاهُ بِالأَمْس: يَظَلُّ الحُوتُ في أَنْهَارِ الجَنَّةِ فَيَأْكُلُ مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ مِن أَنْهَارِ الجَنَّة، فَإِذَا أَمْسَى وَكَزَهُ الثَّوْرُ بِقَرْنِهِ فَذَكَّاهُ فَأَكَلُواْ مِنْ لحْمِهِ، فَوَجَدُواْ في طَعْمِ لحْمِهِ كُلَّ رَائحَةٍ مِن أَنهَارِ الجَنَّة، وَيَلبَثُ الثَّوْرُ نَافِشَا ـ أَيْ رَاعِيَاً ـ في الجَنَّةِ يَأْكُلُ مِنْ ثمَرِ الجَنَّة، فَإِذَا أَصْبَحَ عَدَا عَلَيْهِ الحُوتُ فَذَكَّاهُ بِذَنَبِهِ فَأَكَلُواْ مِنْ لحْمِهِ، فَوَجَدُواْ في طَعْمِ لحْمِهِ كُلَّ ثمرَةٍ في الجَنَّة،

ص: 4406

يَنْظُرُونَ إِلى مَنَازلهِمْ يَدْعُونَ اللهَ بِقِيَامِ السَّاعَة، فَإِذَا تَوَفى اللهُ العَبْدَ المُؤْمِنَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلَكَينِ بِخِرْقَةٍ مِنَ الجَنَّة، وَرَيحَانٍ مِنْ رَيحَانِ الجَنَّةِ فَقَال: أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة: اخْرُجِي إِلى رَوْحٍ وَرَيحَان، وَرَبٍّ رَاضٍ غَيرِ غَضْبَان، اخْرُجِي فَنِعْمَ مَا قَدَّمْتِ؛ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رَائحَةِ مِسْكٍ وَجَدَهَا أَحَدُكُمْ بِأَنْفِهِ، وَعَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ مَلَائِكَة يَقُولُون: سُبْحَانَ الله؛ لَقَدْ جَاءَ مِنَ الأَرْضِ اليَوْمَ رُوحٌ طَيِّبَة؛ فَلَا يمُرُّ ـ أَيْ فَلَا يمُرُّ هَذَا العَبْدُ المُؤْمِنُ ـ بِبَابٍ إِلَاّ فُتِحَ لَه، وَلَا مَلَكٍ إِلَاّ صَلَّى عَلَيْهِ وَيَشْفَع،

ص: 4407

حَتىَّ يُؤْتَى بِهِ إِلى اللهِ عز وجل فَتَسْجُدُ المَلَائِكَةُ قَبْلَهُ ثُمَّ يَقُولُون: رَبَّنَا هَذَا عَبْدُكَ فُلَانٌ تَوَفَّيْنَاهُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ فَيَقُول: مُرُوهُ بِالسُّجُودِ فَيَسْجُدُ النَّسَمَة ـ أَيْ فَتَسْجُدُ هَذِهِ النَّفْسُ المُؤْمِنَةُ ـ ثمَّ يُدْعَى مِيكَائِيلُ فَيُقَال: اجْعَلْ هَذِهِ النَّسَمَةَ مَعَ أَنْفُسِ المُؤْمِنِينَ حَتىَّ أَسْأَلَكَ عَنهَا يَوْمَ القِيَامَة؛ فَيُؤْمَرُ بِقَبْرِهِ فَيُوَسَّعُ لَهُ طُولُهُ سَبْعِينَ وَعَرْضُهُ سَبْعِين، وَيُنْبَتُ فِيهِ الرَّيْحْان، وَيُبْسَطُ لَهُ الحَرِيرُ فِيه، وَعَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ يَقُولُون: سُبْحَانَ الله؛ لَقَدْ جَاءَ مِنَ الأَرْضِ جِيفَةٌ وَنَسَمَةٌ خَبِيثَة،

ص: 4408

لَا يُفْتَحُ لَهُ بَابُ السَّمَاء؛ فَيُؤْمَرُ بجَسَدِهِ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ في القَبر، وَيُمْلأُ حَيَّاتٍ مِثْلَ أَعْنَاقِ البُخْت ـ أَيِ مِثْلَ أَعْنَاقِ الجِمَالِ غِلَظَاً ـ تَأْكُلُ لحْمَهُ فَلَا يَدَعْنَ مِن عِظَامِهِ شَيْئَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْء منَ القُرْآنِ نَوَّرَهُ وَإِلَاّ جُعِلَ لَهُ نُورٌ مِثْلَ نُورِ الشَّمْس، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلى الجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلى مَقْعَدِهِ في الجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيَّا، وَإِذَا تَوَفى اللهُ العَبْدَ الكَافِرَ أَرْسَلَ إِلَيه مَلَكَين، وَأَرْسَلَ إِلَيهِ بقِطْعَةِ بِجَاد ـ أَيْ بِقُمَاشَةٍ غَلِيظَةٍ ـ أَنْتَنَ مِنْ كُلِّ نَتِن، وَأَخْشَنَ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ فَقَال: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الخَبِيثَة، اخْرُجِي إِلى جَهنَّمَ وَعَذَابٍ أَلِيم، وَرَبٍّ عَلَيْكِ

ص: 4409

سَاخِط، اخْرُجِي فَسَاءَ مَا قَدَّمْتِ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ جِيفَةٍ وَجَدَهَا أَحَدُكُمْ بِأَنْفِهِ قَطّ، ثُمَّ يُرْسَلُ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ صُمٌّ عُمْيٌ مَعَهُمْ فَطَاطِيسُ ـ أَيْ مَطَارِقُ عَظِيمَةٌ ـ مِن حَدِيد، لَا يُبْصِرُونَه فَيرْحَمُونَه، وَلَا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَيَرْحَمُونَه، فَيَضْرِبُونَه وَيَخْبِطُونَه، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ نَارٍ فَيَنْظُرُ إِلى مَقْعَدِهِ مِنَ النَّارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّة؛ يَسأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيْه ـ أَيْ عَذَابَهُ في قَبرِهِ ـ فَلَا يَصِلُ إِلى مَا وَرَاءهُ مِنَ النَّار " 0

[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (328/ 2)، عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ هَنَّادٍ في الزُّهْدُ مخْتَصَرَاً بِرَقْم: 168]

ص: 4410

وَلَعَلَّ أَهْلَ الشَّهِيدِ يَحُزُّ في نُفُوسِهِمْ مَصْرَعُ ابْنِهِمْ، وَتُؤْلِمُهُمُ الطَّرِيقَةُ الَّتي مَاتَ بِهَا؛ وَتخْفِيفَاً عَلَيْهِمْ؛ أَسُوقُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْبُشْرَى الَّتي قَالَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلشُّهَدَاءِ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ:

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

((مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ القَتْل؛ إِلَاّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسَّ القَرْصَة "

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 7940، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ الإِمَامَينِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَة]

ص: 4411

وَهَذِهِ بَعْضُ الأَشْعَارِ الَّتي يمْكِنُ التَّمَثُّلُ بهَا في الشَّهِيد، وَلَكِن أُنَاشِدُكُمُ اللهَ أَلَاّ تَتَمَثَّلُواْ بهَا إِلَاّ فِيمَنْ يَسْتَحِقّ؛ فَالشُّهَدَاءُ كَثُرُواْ في هَذِهِ الأَيَّام، لَا سِيَّمَا عِنْدَ أَهْلِ الإِعْلَام: كَشُهَدَاءِ الحُبِّ وَالغَرَام، وَشُهَدَاءِ الطَّرَبِ وَالأَنغَام 000 إِلَخ هَذِهِ الأَوْهَام 00!!

تَرَدَّى ثِيَابَ المَوْتِ حُمْرَاً فَمَا انْتَهَى * بِهِ اللَّيْلُ إِلَاِّ وَهْوَ مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرُ

{أَبُو تَمَّام}

رَدِّدُواْ الأَشْعَارَ في ذِكْرَى الشَّهِيدْ * وَارْفَعُواْ الأَعْلَامَ في يَوْمِ الفَقِيدْ

إِنَّ قَوْمَاً أَنْتَ عُنوَانٌ لَهُمْ * لَنْ يَنَالَ الدَّهْرُ مِنهُمْ مَا يُرِيدْ

يَا فَتى الإِقْدَامِ يَا خَيرَ الجُنُودْ * قَدْ جَرَى الدَّمْعُ دَمَاً فَوْقَ الخُدُودْ

نمْ قَرِيرَ العَيْنِ قَدْ عَلَّمْتَنَا * كَيْفَ بِالرُّوحِ لَدَى الخَطْبِ نجُودْ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 4412

فَيَا أَيُّهَا البَطَلُ الشَّهِيدُ تَحِيَّتي * أُقَدِّمُهَا أَوْ إِنْ تَشَأْ فَرِثَائِيَا

فَإِنْ تَكُ أَفنَتْكَ اللَّيَالي سَرِيعَةً * فَذِكْرَاكَ فِينَا سَوْفَ تُفْني اللَّيَالِيَا

عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ كَمْ كَانَ ذَا تُقَىً * وَكَمْ كَانَ ذَا بِرٍّ وَكَمْ كَانَ حَانِيَا

{الْبَيْتَانِ الأَوَّلُ وَالثَّاني لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي، وَالأَخِيرُ لإِيلِيَّا أَبي مَاضِي 0 وَكُلُّهَا بِتَصَرُّف}

بُشْرَاكِ يَا أُمَّ حَارِثَة

عَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ رضي الله عنها أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ابْنُهَا حَارِثَةُ قَدِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْر ـ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبي؛ فَإِنْ كَانَ في الجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْه، وَإِلَاّ سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَع 00؟

ص: 4413

فَقَالَ لهَا صلى الله عليه وسلم: " هَبِلْتِ ـ أَيْ وَهِمْتِ يَا أُمَّ حَارِثَة ـ أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ 00؟!

إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَة، وَإِنَّهُ في الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى " 0

[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الرِّقَاقِ بَاب: صِفَةِ الجَنَّةِ وَالنَّار بِرَقْم: (6567)، وَالبَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: 9760]

أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ طُيُورٌ تَسْبَحُ في رِيَاضِ الجَنَّة

ص: 4414

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُد؛ جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُمْ في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ في ظِلِّ الْعَرْش، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُواْ: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ في الجَنَّةِ نُرْزَق؛ لِئَلَاّ يَزْهَدُوا في الجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الحَرْب 00؟

فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ:

ص: 4415

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} {آلِ عِمْرَان/169} " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2388، وَالأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم:2520، وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم 0 المُسْتَدْرَك: 2444]

عَنْ مَسْرُوقٍ الهَمَدَانيِّ رضي الله عنه قَال:

" سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ أَيِ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ هَذِهِ الآيَة:

{وَلَا تحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} {آلِ عِمْرَان/169}

ص: 4416

قَالَ رضي الله عنه: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَرْوَاحُهُمْ في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْش، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءتْ، ثمَّ تَأْوِي إِلى تِلْكَ القَنَادِيل، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً فَقَال: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئَاً 00؟

قَالُواْ: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا 00؟!

فَفَعَلَ ذَلِكَ بهِمْ ثَلَاثَ مَرَّات؛ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُواْ مِن أَنْ يُسْأَلُواْ قَالُواْ: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تُرَدَّ أَرْوَاحُنَا في أَجْسَادِنَا حَتىَّ نُقْتَلَ في سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى؛ فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُواْ " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الإِمَارَةِ بَاب: بَيَانِ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاء بِرَقْم: 1887]

ص: 4417

يَهُونُ القَتْلُ في سَبِيلِ اللهِ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ مَصِيرُ الشُّهَدَاء

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ـ أَيْ أَبُوهُ رضي الله عنه يَوْمَ أُحُد: لَقِيَني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " يَا جَابِرُ مَا لي أَرَاكَ مُنْكَسِرَاً " 00؟

قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اسْتُشْهِدَ أَبي وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنَاً؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاك "؟

قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ الله 00؟

ص: 4418

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدَاً قَطُّ إِلَاّ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحَاً ـ أَيْ وَجْهَاً لِوَجْه ـ فَقَالَ سبحانه وتعالى: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِك 00؟

قَالَ رضي الله عنه: يَا رَبِّ تُحْيِيني فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً؛ فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَه: إِنَّهُ سَبَقَ مِني أَنهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُون، قَالَ رضي الله عنه: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي " 00 فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} {آلِ عِمْرَان/169}

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِع، وَحَسَّنَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: (3010)، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 190]

ص: 4419

عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَال:

يُغْفَرُ لَهُ في أَوَّلِ دَفعَة ـ أَيْ في أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِه ـ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّة، وَيجَارُ مِن عَذَابِ القَبر، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكبَر، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَار: اليَاقُوتَةُ مِنهُ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَينِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِين، وَيَشْفَعُ في سَبْعِينَ مِن أَقَارِبِه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 1663]

عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 4420

" لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَال: يَغْفِرُ لَهُ في أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِه، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّة، وَيُجَارُ مِن عَذَابِ الْقَبر، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبر، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَان، وَيُزَوَّجُ مِنَ الحُورِ الْعِين، وَيُشَفَّعُ في سَبْعِينَ إِنْسَانَاً مِن أَقَارِبِه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 2799]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:

{وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ يُقتَلُ في سَبِيل اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُون} [البَقَرَة: 154]

عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ في طَيرٍ خُضْرٍ تَعْلَقُ شَجَرَ الجَنَّة " 0

ص: 4421

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 1641]

عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في هَذِهِ الآيَة:

" إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ في طَيرٍ بِيضٍ يَأْكُلْنَ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّة، وَإِنَّ مَسَاكِنَهُمْ سِدْرَةُ المُنْتَهَى)) 0

[ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبرِيّ: 2325]

وَمِن أَرَقِّ مَا قِيلَ في مَشْهَدِ الأُمّ، الَّتي أَقْبَلَتْ تُهَرْوِلُ بَعْدَ انْتِهَاءِ المَعْرَكَة؛ تَبْحَثُ عَنِ ابْنِهَا بَينَ القَتْلَى وَالجَرْحَى، مَا قَالَهُ في ذَلِكَ الشَّاعِرُ ذُو القَرِيحَةِ المُلْهَمَة / مُصْطَفَى عِكْرِمَة:

ذَهَبَتْ تُسَائِلُ عَنْ فَتَاهَا * لَهْفَى يُسَابِقُهَا أَسَاهَا

السُّهْدُ أَضْنَاهَا وَنَارُ الشَّوْقِ يَحْرِقُهَا لَظَاهَا

وَتَكَادُ لَوْلَا الصَّبْرُ وَالإِيمَانُ تَهْمِي مُقْلَتَاهَا

*********

ص: 4422

بِالأَمْسِ وَدَّعَهَا وَهَبَّ يَحُثُّ لِلسَّاحِ المَسِيرَا

وَتَعَاهَدَا أَنْ سَوْفَ يَكْتُبُ بِالدَّمِ النَّصْرَ الكَبِيرَا

أَتُرَاهُ وَفَّى نَذْرَهُ أَمْ أَنَّهُ أَمْسَى أَسِيرَا

*********

قَالَتْ سَأَسْأَلُ مَن أَرَاهُ لِيَطْمَئِنَّ الآنَ قَلْبي

قَالُواْ أَتَعْنِينَ الفَتى المِغْوَارَ قَالَتْ إِي وَرَبيِّ

قَالُواْ رَأَيْنَاهُ بِوَجْهِكِ إِنَّ وَجْهَكِ عَنهُ يُنْبي

*********

رَأَتِ الجِرَاحَ بِصَدْرِهِ فَاسْتَبْشَرَتْ تخْتَالُ كِبْرَا

كَانَتْ جِرَاحُ الصَّدْرِ تَهْتِفُ إِنَّني وَفَّيْتُ نَذْرَا

إِنىِّ وَرَبِّكِ لَمْ أُدِرْ يَا أُمُّ لِلأَعْدَاءِ ظَهْرَا

*********

فَدَنَتْ تُقَبِّلُهُ فَقَالُواْ مُلْتَقَاكُمْ في الخُلُودْ

قَالَتْ وَدَمْعُ الفَرْحَةِ الكُبْرَى تَلأْلأَ في الخُدُودْ

حَسْبي إِذَا ذُكِرَ الشَّهِيدُ بِأَنَّني أُمُّ الشَّهِيدْ

*********

ص: 4423