الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَرَاذِلُ الشُّعَرَاء}
==========
إِنَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلى السَّاحَة؛ سَيَرَاهَا مُسْتَبَاحَة؛ بَعْدَمَا أَصْبَحَ الشِّعْرُ اليَوْمَ مِهْنَةَ مَنْ لَا مِهْنَةَ لَه، وَكُلُّ مَنْ دَقَّ مِسْمَار؛ زَعَمَ بِأَنَّهُ نَجَّار؛ وَلِذَا كَتَبْتُ هَذِهِ الأَفْكَار؛ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَار؛ لِهَذَا الْبَعْر؛ الَّذِي يَزْعُمُونَ بِأَنَّهُ شِعْر 00
جِيلٌ رَأَى التَّجْدِيدَ في إِعْجَامِهِ * لَمَّا أَحَسَّ العَجْزَ عَن إِعْرَابِهِ
وَمَا أَجْمَلَ مَا قَالَهُ الدُّكْتُور مُصْطَفَى السِّبَاعِي في كِتَابِ هَكَذَا عَلَّمَتْني الحَيَاة: " مَا كُلُّ مَن أَمْسَكَ بِالْقَلَمِ كَاتِبَاً، وَلَا كُلُّ مَنْ سَوَّدَ الصُّحُفَ أَدِيبَاً، وَلا كُلُّ مَن أَبْهَمَ التَّعْبِيرَ فَيْلَسُوفَاً " 0 [الدُّكتُور مُصْطَفَى السِّبَاعِي في ((هَكَذَا عَلَّمَتْني الحَيَاة " طَبْعَةُ دَارِ السَّلامِ بِالْقَاهِرَة 0 بِرَقْم: 177]
وَعَجْزُهُمْ هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَهُمْ يحَاوِلُونَ التَّقْلِيلَ مِنْ شَأْنِ الشِّعْرِ العَمُودِي، وَيَتَّهِمُونَ أَهْلَهُ بِالإِغْلَاقِ وَالجُمُودِ، مَثَلُهُمْ في ذَلِكَ مَثَلُ الثَّعْلَبِ وَالعُنْقُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّعْلَبَ رَأَى عُنْقُودَاً فَأَعْجَبَهُ، فَظَلَّ يَقْفِزُ لِيَنَالَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَقَال: إِنَّهُ حَامِض 00!!
وَلِذَا حَاوَلُواْ تَطْوِيرَهُ وَتَيْسِيرَهُ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِم؛ فَأَفْسَدُوهُ عَلَيْنَا، وَلَمْ يَصِلُواْ إِلى شَيْء، وَللهِ مَنْ قَال:
يحَلِّلُونَ بِزَعْمٍ مِنهُمُ عُقَدَاً * وَبِالَّذِي وَضَعُوهُ زَادَتِ العُقَدُ
فَلَهُمْ شِعْرٌ: لَا يَفْهَمُهُ إِلَاّ اللهُ وَالرَّاسُخُونَ في العِلْمِ، بِرَغْمِ أَنَّ خَيرَ الشِّعْرِ السَّهْلُ المُمْتَنِع، وَشَاعِرُ الشُّعَرَاءِ الفُحُول؛ مَنْ نَفْهَمُ كُلُّنَا مِنْ شِعْرِهِ مَا يَقُول، فَهَؤُلَاءِ جِيلٌ مِنَ الشُّعَرَاء؛ العَبْقَرِيَّةُ عِنْدَهُمْ: أَنْ تَقُولَ مَا لا يُفْهَم، وَإِذَا سَأَلْتَهُمْ قَالُواْ: نحْنُ المجَدِّدُون 00 مجَدِّدُونَ الخَيْبَة 00!!
وَهَلْ في المَوْرُوثِ أَخْطَاء؛ حَتى تَكُونَ لَنَا فِيهِ آرَاء 00؟ وَهَلِ التَّجْدِيدُ بِالهَدْمِ أَمْ بِالبِنَاء 00؟
سَكَتْنَا فَقَالُواْ العِيُّ وَالْعَجْزُ دَاؤُهُمْ * وَأَكْبرُ مَا يُضْني مِنَ القَوْلِ فَاجِرُه
وَلَيْسَ قَدِيمَاً مَا تجَدَّدَ نَفْعُهُ * وَلَيْسَ جَدِيدَاً مَا تَغُرُّ مَظَاهِرُه
فَيَسْطَعُ نُورُ الشَّمْسِ وَهْيَ قَدِيمَةٌ * فَهَلْ كَانَ ضَوْءُ الكَهْرَبَاءِ يُنَاظِرُه
{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّفٍ يَسِير}
إِنَّ العَيْبَ لَيْسَ في التَّجْدِيد، وَلَكِنَّ العَيْبَ فِيمَنْ يَكْتُبُ وَلا يُجِيد 00!!
فَالجَدِيدُ غَيرُ الجَيِّد: لَا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَ الأَوْرَاقِ الَّتي فِيهَا يُقَيَّد 00
فَلَكَ اللهُ يَا أَمِيرَ الشُّعَرَاء، أَيْنَ أَنْتَ لِتَرُدَّ عَلَى هَؤُلَاء 00؟
أَيْنَ أَنْتَ صَفْقَةٌ لَمْ يَشْهَدْهَا حَاطِب 00 أَيْنَ أَنْتَ إِذْ تَقُول:
الشِّعْرُ مِن غَيرِ مَا مَعْنىً يُزَيِّنُهُ * فَإِنَّمَا هُوَ تَقْطِيعٌ وَأَوْزَانُ
لَيْتَ الشِّعْرَ كَمَا كَانَا * بِمَعْنَاهُ لا مَبْنَاهُ
لا تَقْطِيعَاً وَأَوْزَانَا * مِثْلَمَا الْيَوْمَ نَرَاهُ
ضَيَّعُواْ المَبْنى مِن أَجْلِ المَعْنى، وَلَمَّا لَمْ يَصِلُواْ إِلى شَيْءٍ وَتَأَكَّدَ لَهُمْ ضَعْفُهُمْ؛ ضَيَّعُواْ الاِثْنَينِ مَعَاً 0
هَذَواْ بِشِعْرٍ لَهُمْ مَرِيضِ * فَذَاعَ ذَا عَنهُمُ وَطَارَا
فَاسْتَحْسَنُواْ الهَذْيَ في الْقَرِيضِ * وَصَارَ في شِعْرِهِمْ شِعَارَا
لِذَا انْزَوَى الشِّعْرُ في الحَضِيضِ * وَكَادَ أَنْ يَشْهَدَ احْتِضَارَا
" وِبحَلْوَنَة في سَلْوَنَة * سَاقُواْ الهَبَلْ عَالشَّيْطَنَة "
{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}
جَاءَ في لِسَانِ الْعَرَب: " هَذى يَهْذي هَذْيَاً وَهَذَيَانَاً: أَيْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيرِ مَعْقُولٍ في مَرَضٍ أََوْ غَيرِه، وَهَذَى: إِذَا هَذَرَ بِكَلَامٍ لَا يُفْهَم " 0
وَاللهِ لَوْ كَانَ خَيْرَاً مَا سَبَقُونَا إِلَيْه 00!!
وَأَحْكِي لَكُمْ قِصَّتي مَعَ شِرْذِمَةٍ مِنْ سُفَهَائِهِمْ، أَتَوْني فَقَالَ قَائِلُهُمْ: أَنْتَ لَمْ تَتَقَبَّلِ الشِّعْرَ الحُرَّ أَصْلاً
وَذَلِكَ الشِّعْرُ مِثْلُكَ لَيْسَ يَفْهَمُهُ * فَقُلْتُ لَسْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَا
آسِفْ يَا امْرَأَ التَّيْس 00
مَعِدَتي لَا تَهْضِمُ * الحَامِضَ مِنَ الشِّعْرِ
فَشِعْرُكُمْ مِنْ رُخْصِهِ * يُبَاعُ بِغَيرِ سِعْرِ
وَعِنْدَ فَسَادِ الذَّوْقِ * يَسْتَوِي التُّرْبُ بِالتِّبرِ
كَثْرَةٌ لَا قَدْرَ لَها * فَأَلْفُ صِفْرٍ كَالصِّفْرِ
شِعْرُنَا إِنْ كَانَ عَبْدَاً * فَضَّلُوهُ عَلَى الحُرِّ
فَلْتَهْنَأْ خَفَافِيشُكُمْ * بِالدُّجَى أَهَلَّ فَجْرِي
فَتَشَنَّجُواْ وَقَالُواْ: أَفْكَارٌ مُتَسَلِّطَةٌ عَلَيْك 00 فَقُلْتُ: لَا ضَيرَ مَا دَامَتْ صَحِيحَة، أَفَهَذَا خَيرٌ، أَمْ أَن أَتحَرَّرَ هَذَا التَّحَرُّرَ المُطْلَق 00 حَتىَّ مِنَ العَقْلِ وَالمَنْطِق، كَالبَعِيرِ الجَامِحِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسّ 00؟!
لَيْتَ شِعْرِي: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ؛ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنَا 00؟!
فَالشِّعْرُ مِن غَيرِ مَا وَزْنٍ وَقَافِيَةٍ * خُنْثَى فَلَا هُوَ بِالأَنْثَى وَلا الرَّجُلِ
إِنْ صَحَّ عِنْدَكُمُ شِعْرٌ بِدُونِهِمَا * أَسْمَعْتُكُمْ أَلفَ بَيْتٍ مِنهُ مُرْتجَلِ
فَتَاللهِ لَشَعْرُ ذَلِكَ الأَحْمَقِ المُتَشَاعِر، الَّذِي لَمَّا نَظَمَ بَيْتَينِ قَافِيَةُ الأَوَّلِ رَاء، وَقَافِيَةُ الآخَرِ زَاي؛ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا شِعْرٌ فَاسِدٌ لَا يَصْلُح، قَالَ وَلِمَ 00؟!
قَالُواْ: لأَنَّ القَافِيَةَ الأُولى رَاء، بَيْنَمَا الأُخْرَى زَايْ؛ فَقَالَ بِعَبْقِرِيَّتِه: لَا تَنْقُطْهَا 00!!
أَقُول: لَشِعْرُهُ وَاللهِ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِليَّ مِنْ ذَلِكَ النَّثْر، الَّذِي اسْتَخَفُّواْ بِهِ عُقُولَ النَّاسِ وَأَوْهَمُوهُمْ أَنَّهُ شِعْر؛ وَلِذَا دَخَلَ في هَذِهِ الصِّنَاعَةِ كُلُّ مَنْ دَبَّ وَدَرَج؛ فَاسْوَدَّ وَجْهُهَا، وَكَسُفَ بَالُهَا، وَكَثُرَ فِيهَا الهَرَجُ وَالمَرَج؛ فَوَقَعَ الشِّعْرُ مِنهُمْ في بَلَاءٍ وَحَرَج 00
خَلَتِ المحَافِلُ مِنْ بَلَابِلِهِ فَمَا * تَقَعُ العُيُونُ سِوَى عَلَى حَشَرَاتِهِ
* * * * * * *
كَمْ بَيْنَنَا اليَوْمَ مِن حَيٍّ قَصَائِدُهُ * تُمِيتُ كُلَّ شُعُورٍ صَالِحٍ فِينَا
هَلَاّ أَتَاكَ حَدِيثُ القَوْمِ حِينَ مَضَواْ * في مِصْرَ يَسْتَنْكِرُونَ الضَّادَ وَالدِّينَا
مِن أَنْفُسٍ مَرِضَتْ لَمْ يَشْفِ عِلَّتَهَا * هَدْيُ السَّمَاءِ وَلَا نُصْحُ النَّبِيِّينَا
وَمحْنَةُ الضَّادِ لَا زَالَتْ تُطَالِعُنَا * بهَا الصَّحَافَةُ حِينَاً قَدْ تَلَا حِينَا
شِعْرٌ إِذَا مَا انْتَقَدْنَا فِيهِ قَائِلَهُ * فَبِالجُمُودِ أَوِ الإِغْلَاقِ يَرْمِينَا
لَا تَسْتَبِينُ سَنَا الإِلهَامِ فِيهِ وَلَا * يُرْضِي المَلَائِكَ أَوْ يُرْضِي الشَّيَاطِينَا
لَمَّا بَدَا قَلِقَ الأَوْزَانِ مُضْطَرِبَاً * فَرَّتْ عَلَى خَجَلٍ مِنهُ قَوَافِينَا
خَلَا المَيْدَانُ إِلَاّ مِن نَقِيقٍ * بِهِ شُعَرَاؤُنَا طَلَعُواْ عَلَيْنَا
فَلَا الأَذْهَانُ تَفْهَمُ مَا قَرَأْنَا * وَلَا الآذَانُ تهْضِمُ مَا سَمِعْنَا
فَإِنَّا لَا نَرَى التَّجْدِيدَ هَدْمَاً * لِمَا عَهِدَ الجُدُودُ بِهِ إِلَيْنَا
وَلَكِنَّا نُؤَيِّدُهُ بِنَاءً * وَنُكْبِرُهُ إِذَا مَا كَانَ فَنَّا
وَلَيْسَ تَطَاوُلاً في غَيْرِ نُضْجٍ * بِهِ تَعِبُواْ وَنحْنُ بِهِ تَعِبْنَا
فَمَا تجْدِيدُهُمْ إِلَاّ انحِرَافَاً * وَلَمْ نَعْرِفْ مَنِ المَسْئُولُ مِنَّا
أَمَّا قُرَّاءُ الشِّعْرِ فَأَقُولُ لَهُمْ:
أَوَاشْتَبَهَ القُرْآنُ * عَلَيْكُمْ يَا هَؤُلَاءِ
فَلَمْ تُفَرِّقُواْ بَينَ * الأَنعَامِ وَالشُّعَرَاءِ
فَمَنْ لي بِذِي حِسٍّ رَفِيعٍ وَمُرْهَفِ * يُفَرِّقُ بَينَ الشِّعْرِ وَالهَذَيَانِ
وَأَنْتَ أَيُّهَا الشِّعْر، لَا تَبْتَئِسْ وَلَا تحْزَن 00
مَا طَارَ طَيرٌ وَارْتفَعْ * إِلَاّ كَمَا طَارَ وَقَعْ
وَبَعْد
إِنَّمَا الشِّعْرُ مَا تَدَفَّقَ عَذْبَاً * في بِنَاءٍ فَأَحْكَمُواْ بُنيَانَه
أَسْمِعُونَا إِذَا اسْتَطَعْتُمْ قَرِيضَاً * لا خَيَالاتِ جَالِسٍ في حَانَة
فَهَجَرْتُمْ قَوَافيَ المُتَنَبيِّ * وَأَبَنْتُمْ بِعِلْمِكُمْ نُقصَانَه
إِنَّني مَا الْتَقَيْتُ في الرَّوْضِ يَوْمَاً * بِغُرَابٍ مُزَاحِمَاً كَرَوَانَه
جَدِّدُواْ مَا اسْتَطَعْتُمُ في المَعَاني * وَقِفُواْ لَا تحَطِّمُواْ أَوْزَانَه
لَيْسَتِ الفِكْرَةُ الجَدِيدَةُ تَأْبَى * عَرْضَهَا في جَزَالَةٍ وَرَصَانَة
رَبِّ إِنِّي عَلَى القَدِيمِ مُقِيمٌ * وَأَعُدُّ الخَلَاصَ مِنهُ خِيَانَة
فَقُولُواْ لأُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَبْغُونَهَا عِوَجَا:
الشِّعْرُ حَيْثُ يُقَالُ مَنْ ذَا قَالَهُ * لَا الشِّعْرُ حَيْثُ يُقَالُ مَنْ ذَا بَالَهُ
* * * * * * *
وَلَرُبَّ شِعْرٍ فَاتِرٍ مُبْتَذَلِ * لَا هُوَ بِالنَّثْرِ وَلَا بِالزَّجَلِ
مِنَ القَوَافي وَمِنَ الْوَزْنِ خَلِي * بِهِ يُشَجُّ الرَّأْسُ لَا بِالجَنْدَلِ
مَنْ نَظَمَ الشِّعْرَ بِلَا مُسْتَفْعِلِ * فَإِنَّمَا أَصَابَهُ في مَقْتَلِ
فَإِن أَبَيْتُمْ إِلَاّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَلَكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِيِن، وَاعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُون، لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم 00 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الأَرْض 0
يَمُوتُ رَدِيءُ الشِّعْرِ مِنْ قَبْلِ أَهْلِهِ * وَجَيِّدُهُ يَبْقَى وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُه
{دِعْبِلٌ الخُزَاعِيّ}
{بِقَلَم / يَاسِر الحَمَدَاني}
يَاسِر الحَمَدَاني 0
في ذِكْرَى إِمَامِ الدُّعَاة / الإِمَام محَمَّد متْوَليِّ الشَّعْرَاوِي
==============================
في نَفْسِ هَذَا التَّارِيخ {17/ 6 / 1998} رَحَلَ عَنْ دُنيَانَا إِمَامُ الدُّعَاة / الإِمَام محَمَّد متْوَليِّ الشَّعْرَاوِي 00 لَقَدْ كُنْتُ كَثِيرَاً مَا أَقُول: أَنَا دَعْوَةُ الرَّجُلِ الصَّالِح / الإِمَامِ الشَّعْرَاوِي: وَذَلِكَ أَنيِّ بَصُرْتُ بِهِ يَوْمَاً في إِحْدَى الإِشَارَاتِ فَأَشَرْتُ لأُمِّيَ عَلَيْه، ثُمَّ سَاقَتْني قَدَمَايَ مَسْرُورَاً إِلَيْه، فَإِذَا بِهِ يَفْتَحُ بَابَ سَيَّارَتِهِ وَيَضُمُّني بَيْنَ ذِرَاعَيْه، وَيَدْعُو لي بِالخَير 00!!
وَمِنْ بَرَكَاتِهِ عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ أَنْ يَكُونَ تَأْبِينيَ فِيهِ آنَذَاك؛ هُوَ أَوَّلَ شَيْءٍ نَشَرْتُهُ في حَيَاتي، وَكَانَ بجَرِيدَةِ لِوَاءِ الإِسْلَام؛ وَهَا هِيَ ذِكْرَاهُ الْعَطِرَةُ تُهِلُّ عَلَيْنَا هَذَا الْعَام، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَتْرُكَهَا تَمُرُّ مُرُورَ الكِرَام، في الوَقْتِ الَّذِي يَهْتَزُّ عَرْشُ الإِعْلَام؛ لِلْمُغَنِّينَ وَالمُمَثِّلِينَ وَأَبْطَالِ الأَفْلَامِ، وَتُغْفَلُ ذِكْرَى هَذِهِ الأَعْلَام 00!!
عَلَيْهِ سَلَامُ اللهِ كَمْ كَانَ ذَا تُقَىً * وَكَمْ كَانَ ذَا بِرٍّ وَكَمْ كَانَ حَانِيَا
وَلَيْسَ لَعَمْرِي مَنْ يَبِيتُ عَلَى الهُدَى * كَمَنْ بَاتَ مِنْ ثَوْبِ الفَضَائِلِ عَارِيَا
" كَان رَجُلاً بحَقّ؛ يَصدُقُ فِيهِ قَولُهُ تَعَالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَّدُنَّا عِلْمَا} {الكَهْف/65}
كَانَ رحمه الله بحْرَاً لَا سَاحِلَ لَه، حَدِيثُهُ تَطْرَبُ لَهُ النُّفُوس، وَلَا تَنْفَدُ في شَرْحِهِ الدُّرُوس، يُشْفَى بِهِ مَنْ في قَلْبِهِ مَرَض 00
فَمُطَالِبٌ بِإِعَادَةٍ وَمُطَالِبٌ * بِزِيَادَةٍ وَمُكَبِّرٌ وَمُهَلِّلُ
إِنْ تَقْصِدْهُ في الْفُتْيَا؛ فَعَلَى الخَبِيرِ سَقَطْت، وَإِنْ تَقْصِدْهُ في التَّفْسِيرِ فَهُوَ ابْنُ بجْدَتِهَا؛ فَتَبَارَكَ مَن آتَاهُ الحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ البَيَان 0
وَيَبِينُ عِتْقُ الخَيْلِ مِن أَصْوَاتهَا
كَانَتْ تُعَدُّ بِلَادُنَا بِكَ شَيْخَنَا * بَينَ المحَافِلِ زَهْرَةَ البُلْدَانِ
لَوْ كَانَ لِلذِّكْر الحَكيمِ بَقِيَّةٌ * لَمْ تَأْتِ بَعْدُ رُثِيتَ في القُرآنِ
سَلَامٌ عَلَى التَّفْسِيرِ بَعْدَ إِمَامِنَا * سَلَامٌ عَلَى أَيَّامِهِ النَّضرَاتِ
عَلَى الدِّينِ وَالدُّنيَا عَلَى العِلْمِ وَالحِجَا * عَلَى البرِّ وَالتَّقْوَي عَلَى الحَسَنَاتِ
أَبَانَ لَنَا القُرْآنَ حُكْمَاً وَحِكْمَةً * وَفَرَّقَ بَينَ النُّورِ وَالظُّلُمَاتِ
فَفِىالغَرْبِ مَهْمُومٌ وَفي الشَّرْقِ جَازِعٌ * وَفي مِصْرَ بَاك دَائِمُ الحَسَرَاتِ
وَلَيْسَ البُكَا يُوفِيهِ حَقَّاً وَلَو بَكَتْ * عَلَيهِ عُيُون الشِّعْرِ بِالعَبَرَاتِ
لَقَدْ كُنْتُ أَخْشَى عَادِيَ المَوْتِ بَعْدَهُ * فَأَصْبَحْتُ أَخْشَى أَنْ تَطُولَ حَيَاتي
عَمَّرَ فِينَا عُمُرَاً طَوِيلاً حَتىَّ حَسَدَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِ الأَرْضَ فَاسْتَأْثَرَتْ بِه 00!!
فَرَحِمَهُ اللهُ وَأَحسَنَ مَثوَاهُ، كَانَ وَلَا زَالَ وَسَيَظَلُّ عِنْدَ النَّاسِ وَجِيهَا 00
إِلى اللهِ أَشْكُو أَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ * مِنَ النَّاسِ أَفْني المَوْتُ خِيرَةَ أَهْلِهَا
***********
فَلَمْ أَسَلْ قَطُّ عَنْ قَوْمٍ عَرَفْتُهُمُ * بِالجُودِ وَالفَضْلِ إِلَا قِيلَ قَدْ زَالُواْ
وَهَكَذَا بَكَيْنَا مَرَّتَين: مَرَّةً عَلَى الأَحْيَاءِ غَيرِ الأَوْفِيَاء، وَأُخْرَى عَلَى الأَوْفِيَاءِ غَيرِ الأَحْيَاء 0
وَمَا حَيَاةُ امْرِئٍ أَمْسَتْ مَدَامِعُهُ * مَقْسُومَةً بَينَ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى: جَعَلَ الدُّنيَا كُلَّهَا قَلِيلاً، وَمَا بَقِيَ مِنهَا إِلَاّ الْقَلِيلُ مِنَ الْقَلِيل، وَمَثَلُ مَا بَقِيَ مِنهَا كَالثَّغَب [بَقِيَّةُ المَاء]، شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُه " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7904]
عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تَذْهَبُونَ الخَيِّرَ فَالخَيِّر " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2935، 1781، رَوَاهُ الحَاكِم]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى: جَعَلَ الدُّنيَا كُلَّهَا قَلِيلاً، وَمَا بَقِيَ مِنهَا إِلَاّ الْقَلِيلُ مِنَ الْقَلِيل، وَمَثَلُ مَا بَقِيَ مِنهَا كَالثَّغَب [بَقِيَّةُ المَاء]، شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُه " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7904]
عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّل، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْر: [أَيْ بَقِيَّةٌ لا خَيرَ فِيهَا]، لَا يُبَالِيهِمُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6434 / فَتْح)، وَالإِمَامُ أَحْمَدُ في ((مُسْنَدِهِ)) بِرَقْم: 17274]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ مِن أَغْفَالِه: [أَيْ: لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ الجَيِّدُ مِنْ بَينِ التَّمْرِ الَّذِي اخْتَلَطَ فِيهِ الجَيِّدُ بِالرَّدِيء]؛ فَلَيَذْهَبَنَّ خِيَارُكُمْ، وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4038]
أَفي كُلِّ يَوْمٍ لِلمَنِيَّةِ غَارَةٌ * تُغِيرُ عَلَى سِرْبِ النُّفُوسِ فَتَخْطَفُ
لَئِنْ كَانَ فَقْدُ النَّاسِ للبَدْرِ مُؤْسِفَاً * فَيَزْدَادُ في اللَّيْلِ البَهِيمِ التَّأَسُّفُ
لَقَدْ كُنْتَ حَقَّاً في حَيَاتِكَ كَعْبَةً * يُلَاذُ بِهَا وَاليَوْمَ ذِكْرُكَ مُصْحَفُ
أَيْ: كُنْتَ في حَيَاتِكَ كَالكَعْبَةِ قِبْلَةً لِلْمُسْلِمِين، وَصَارَ ذِكْرُكَ ـ أَيْ تَفْسِيرُكَ الْيَوْمَ ـ مُصْحَفَاً مُفَسَّرَاً يَقْرَأُهُ وَيَسْمَعُهُ المُسْلِمُون 0
وَلَكن حَسْبنَا أَنَّهُ مَا مَاتَ إِلَاّ وَالعَالَمُ العَرَبيُّ [مِنَ الخَلِيجِ إِلى المحِيطِ] يَعْرِفُونَه كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهمْ
فَبَعْضُ النَّاسِ يُدْفَنُ في تُرَابٍ * وَبَعْضُ النَّاسِ يُدْفَنُ في الحَشَايَا
وَهَكَذَا:
مَوْتُ الكَرِيمِ حَيَاةٌ لَا نَفَادَ لَهَا * قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ في النَّاسِ أَحْيَاءُ
وَأَخِيرَاً لَا يَسَعُني إِلَاّ أَن أَقُولَ لَه:
ذِكْرَاكَ فِينَا رَغْمَ مَوْتِكَ حَيَّةٌ * مَهْمَا تَغِبْ عَنَّاً فَلَسْتَ بغَائِبِ
يَاسِر الحَمَدَاني 0