الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَقِيرُ الصَّابِر:
========
أَوَّلاً: مَنْزِلَةُ الفَقِيرِ عِنْدَ النَّاس
إِنَّ الفَقِيرَ هُوَ الفَقِيرُ في كُلِّ زَمَان، كُتِبَتْ عَليْهِ المَذَلَّةُ وَالهَوَان
إِنْ كَانَ ذَا أَدَبٍ وَظُرْفٍ قِيلَ عَنهُ أَخُو ضَلَالْ
أَوْ كَانَ ذَا نُسُكٍ وَدِينٍ قِيلَ عَنهُ مِنَ الثِّقَالْ
{محَمَّدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ عَمْرٍو البَاهِلِيّ}
فَإِذَا كَانَ كَرِيمَاً قالُواْ مُسْرِف، وَإِذَا كَانَ حَكِيمَاً قالُوا مُتَفَلْسِف، وَإِذَا كَانَ مُتَدَيِّنَاً قَالُواْ مُتَطَرِّف 00!!
مَتى يَتَكَلَّمْ يَهْزَئُواْ بِكَلَامهِ * وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَالُواْ عَدِيمُ بَيَانِ
{محَمَّدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ عَمْرٍو البَاهِلِيُّ بِتَصَرُّف}
وَلَمْ يَزَالُواْ بِهِ لَا يَدَعُونَه وَشُؤُونَه حَتىَّ إِنَّهُ لَيَتَمَنى أَنْ يجِدَ نَفَقَاً في الأَرْضِ أَوْ سُلَّمَاً في السَّمَاء؛ لِيَنْجُوَ بِهِ مِن هَذَا العَنَاء، وَلَوِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَضَعَ إِصْبَعَهُ بِفَمِ الحَيَّةِ فيُخرِجَهَا سُمَّاً فيَبْتَلِعَهُ؛ كَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَيهِ مِن بعْضِ مَا يَسْمَعُ وَيَرَى، وَإِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعَى00!!
فَالفَقِيرُ لَيْسَ لَهُ مَكَان، في هَذَا الزَّمَان؛ مُصَافَحَتُهُ تُنْقِضُ الوُضُوء، وَالقُرْبُ مِنهُ عَدوَى، وَالبُعْدُ عَنهُ غَنِيمَة 00!!
إِذَا سَأَلَ الْقُوتَ قَالُواْ أَسَاءَ * وَإِنْ وَصَفَ الْفَقْرَ قَالُواْ كَذَبْ
وَإِنْ قَالَ قَدْ بَادَ عَهْدُ الْكِرَامِ * يُقَالُ لَهُ قَدْ أَسَأْتَ الأَدَبْ
عَن أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَال:
" لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَة: كُنَّا نُحَامِلُ ـ أَيْ نَتَحَامَلُ عَلَى أَنْفُسِنَا ـ فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِير، فَقَالُواْ مُرَاءٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُواْ: إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا؛ فَنَزَلَت:
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (1415)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1018]
وَهَكَذَا الفَقِير: فَإِن أَحْسَنَ قِيلَ مُرَاءٍ كَذَّاب، وَإِن أَسَاءَ ضُوعِفَ لَهُ العَذَاب 00
وَحَسْبُ الفُقَرَاءِ أَنَّهُمْ فُقَرَاء، أَلَا صَدَقَ أَحَدُ الشُّعَرَاء:
الفَقْرُ مَوْتٌ غَيْرَ أَنَّ صَرِيعَهُ * يَبْقَى وَأَمَّا نَفْسُهُ فَتَزُولُ
وَهَكَذَا الفَقْرُ مُذْ كَانَ وَهُوَ مَوْتُ الأَحْيَاء؛ فَيَا مَنْ رَأَى مَوْتَى عَلَى قَيْدِ الحَيَاة 00؟!!
وَالنَّاسُ صِنْفَانِ مَوْتَي في حَيَاتِهِمُ * وَآخَرُونَ بِبَطْنِ الأَرْضِ أَحْيَاءُ
{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}
لَوْ لَمْ يَكُ في الفَقْرِ إِلَاّ أَنَّهُ يُلْجِئُ الكِرَامَ إِلى اللِّئَامِ لَكَفَى؛ وَلِذَا جَاءَ ذَمُّهُ عَلَى لِسَانِ النَّاسِ كَافَّة؛ أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يجْعَلُ العَفِيفَ يَسْرِق 00؟! وَالأَمِينَ يخُون 00؟! وَالكَرِيمَ يَبْخَل 00؟!
نَزَلَ قَوْمٌ ضُيُوفَاً عَلَى رَجُل، فَلَمْ يجِدْ في بَيْتِهِ مَا يَقْرِيهِمْ بِهِ؛ فَبَخَّلُوه، فَقَالَ لَهُمْ:
" بَيْتي يَبْخَلُ لَا أَنَا " 0
مَسَاكِينُ أَهْلُ الفَقْرِ حَتىَّ قُبُورُهُمْ * عَلَيْهَا تُرَابُ الذُّلِّ بَينَ المَقَابِرِ
حَتىَّ الكِلَابُ تَرْفَعُ أَذْيَالَهَا لِلغَنيِّ وَتَنْبَحُ عَلَى الفَقِير
يمْشِي الفَقِير مُطَأْطِئَاً مِن رَأْسِهِ * وَالنَّاسُ تُغْلِقُ دُونَهُ أَبْوَابَهَا
وَتَرَاهُ مجْفُوَّاً بِغَيرِ جِنَايَةٍ * وَيَرَى العَدَاوَةَ لَا يَرَى أَسْبَابَهَا
حَتىَّ الكِلَابُ إِذَا رَأَتْ أَهْلَ الغِنى * رَفَعَتْ لَهُمْ بِتَحِيَّةٍ أَذْنَابَهَا
وَإِذَا رَأَتْ يَوْمَاً فَقِيرَاً مَاشِيَاً * نَبَحَتْ عَلَيْهِ وَكَشَّرَتْ أَنيَابَهَا
{تُنْسَبُ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الأَحْنَف 0 بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف}
وَهَذَا هُوَ حَالُ الْفَقِيرِ في كُلِّ زَمَان: إِن خَرَجَ لِلْعَمَلِ عَانى مِنَ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَان، وَإِنْ قَعَدَ في بَيْتِهِ عَانى مِنَ الجُوعِ وَالحِرْمَان؛ فَلَا تُفَارِقُهُ الأَحْزَان، وَكَأَنَّ بَيْنَهُ وَبَينَ السَّعَادَةِ مَا بَينَ المِطْرَقَةِ وَالسِّنْدَان
فَالغَنيُّ فَقَطْ: هُوَ الَّذِي مِن حَقِّهِ أَنْ يَقْطِفَ مَا شَاءَ مِنَ الوُرُود، أَمَّا الفَقِيرُ فَلَوْ شَمَّ وَرْدَةً؛ لَقِيلَ لَهُ قَدْ جَاوَزْتَ الحُدُود!!
فَهْوَ أَضْيَعُ مِنَ الأَيْتَام في مَأْدُبَةِ اللِّئَام، وَمَهْمَا قُلْنَا مِنَ الكَلَام؛ فَلَنْ يُعَبِّرَ عَمَّا يَنْتَابُهُ مِن آلَام 00!!
وَمَنْ يَكُ ذَا فَقْرٍ يَعِشْ طُولَ عُمْرِهِ * ذَلِيلاً وَلَنْ يَلْقَى مِنَ النَّاسِ رَاحِمَا
فَإِمَّا يُقِيمُ عَلَى المَذَلَّةِ رَاضِيَاً * وَإِمَّا يُقِيمُ عَلَى المَذَلَّةِ رَاغِمَا
{يَاسِرٌ الحَمَدَانيّ}
ظُلْمُ المجْتَمَعِ لِلفَقِير
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَمْ يَتَكَلَّمْ في المَهْدِ إِلَاّ ثَلَاثَة: عِيسَى ابْنُ مَرْيم، وَصَاحِبُ جُرَيْج، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدَاً، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ يَا جُرَيْج، فَقَالَ يَا رَبّ، أُمِّي وَصَلَاتي 00؟!
فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ يَا جُرَيْج، فَقَالَ يَا رَبّ، أُمِّي وَصَلَاتي 00؟! فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِه، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ يَا جُرَيْج، فَقَالَ أَيْ رَبّ، أُمِّي وَصَلَاتي؟!
فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَقَالَت: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتىَّ يَنْظُرَ إِلى وُجُوهِ المُومِسَات ـ وَفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:
وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِن ـ فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجَاً وَعِبَادَتَه، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ 00 فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيَاً كَانَ يَأْوِي إِلى صَوْمَعَتِهِ ـ أَيْ صَوْمَعَةِ جُرَيْجٍ ـ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ؛ فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُواْ صَوْمَعَتَه، وَجَعَلُواْ يَضْرِبُونَهُ؛ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ 00؟!
قَالُواْ زَنَيْتَ بهَذِهِ البَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْك، فَقَالَ أَيْنَ الصَّبيُّ 00؟
فَجَاءواْ بِهِ، فَقَالَ ـ أَيْ جُرَيْج ـ دَعُوني حَتىَّ أُصَلِّي، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبيَّ، فَطَعَنَ في بَطْنِهِ وَقَال: يَا غُلَامُ مَن أَبُوك 00؟
قَالَ فُلَانٌ الرَّاعِي؛ فَأَقْبَلُواْ عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَقَالُواْ: نَبْني لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَب، قَالَ لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ فَفَعَلُواْ، وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِن أُمِّه، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ ـ أَيْ هَيْئَةٍ ـ حَسَنَة؛ فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللهُمَّ اجْعَلِ ابْني مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْه، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَال: اللهُمَّ لَا تَجْعَلْني مِثْلَه،
ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِع " 00 قَالَ ـ أَيْ أَبُو هُرَيْرَة: فَكَأَنيِّ أَنْظُرُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ في فَمِه، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَمَرُّواْ بجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونهَا وَيَقُولُون: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، وَهِيَ تَقُول: حَسْبيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل؛ فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْني مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَال: اللهُمَّ اجْعَلْني مِثْلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثَ ـ أَيِ الأُمُّ وَوَلَدُهَا ـ فَقَالَتْ: حَلْقَى ـ أَيْ أَوْجَعَ اللهُ حَلقَكَ ـ مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ فَقُلْتُ اللهُمَّ اجْعَلِ ابْني مِثْلَه، فَقُلْتَ اللهُمَّ لَا تَجْعَلْني
مِثْلَه، وَمَرُّواْ بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ، سَرَقْتِ؛ فَقُلْتُ اللهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْني مِثْلَهَا، فَقُلْتَ اللهُمَّ اجْعَلْني مِثْلَهَا 00؟!
قَالَ ـ أَيِ الغُلَام ـ إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارَاً؛ فَقُلْتُ اللهُمَّ لَا تَجْعَلْني مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ؛ فَقُلْتُ اللهُمَّ اجْعَلْني مِثْلَهَا " 0 [رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ نَحْوَهُ بِرَقْم:(3436 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ بِنَصِّهِ نُسْخَةِ فُؤَاد عَبْد البَاقِي بِرَقْم: 2550]
خُلِقَ الفَقِيرُ لخِدْمَةِ الأَغْنى وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارْ
مَا لاِبْنِ آدَمَ زَادَ في جَبَرُوتِهِ فَطَغَى وَجَارْ
{محْمُود غُنَيْم}
فَكَمْ غَفَرَ النَّاسُ ذَنْبَ الغَنيِّ * وَكَمْ أَلْصَقُواْ بِالفَقِيرِ التُّهَمْ
وَأَقْسِمُ لَنْ يَتَسَاوَى الأَنَامُ * فَمَا هُمْ سِوَى سَادَةٍ أَوْ خَدَمْ
{محْمُود غُنَيْم}
وَأَحْوَالُ الفُقَرَاء؛ هِيَ الَّتي جَعَلَتِ النَّاسَ يَطْلُبُونَ الأَغْنِيَاء؛ انْظُرْ إِلى عُرْوَةَ بْنِ الوَرْدِ وَهُوَ يَقُول:
ذَرُونِي لِلْغِنى أَسْعَى فَإِنيِّ * رَأَيْتُ النَّاسَ شَرُّهُمُ الفَقِيرُ
وَمِنهُ يَسْخَرُونَ إِذَا رَأَوْهُ * أَتَى وَلَوَ انَّهُ رَجُلٌ قَدِيرُ
فَيُقْصِيهِ الدَّنِيءوَتَزْدَرِيهِ * أَقَارِبُهُ وَيَنهَرُهُ الصَّغِيرُ
وَتَلْقَى ذَا الْغِنى وَلَهُ جَلَالٌ * يَكَادُ فُؤَادُ صَاحِبِهِ يَطِيرُ
حَقَّاً وَاللهِ صَدَقَ مَنْ قَال: " الدَّرَاهِمُ مَرَاهِم " 00!!
عَدْوَى الفَقْر
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَيْمَنَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحدِّثُ أَصْحَابهُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الفُقَرَاء، فَجَلَسَ إِلى جَنْبِ رَجُلٍ مِنَ الأَغْنِيَاء، فَكَأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ ثِيَابِهِ عَنه؛ فَتَغَيرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال:
" أَخَشِيتَ يَا فُلَانُ أَنْ يَعْدُوَ غِنَاكَ عَلَيْه، أَوْ أَنْ يَعْدُوَ فَقْرُهُ عَلَيْك "؟!
قَال: يَا رَسُولَ الله، أَوَشَرٌّ الغِنى 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ؛ إِنَّ غِنَاكَ يَدْعُوكَ إِلى النَّار، وَإِنَّ فَقْرَه يَدْعوهُ إِلى الجنَّة " 0
قَالَ ـ أَيِ الغَنيّ: فَمَا ينْجِيني مِنهُ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " تُوَاسِيه " 00 قَالَ إِذَن أَفْعَل " 0
[ابْنُ القَيِّمِ في عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ بِالبَابِ الثَّالِثِ وَالعِشْرِين]
وَسِيروا في الأَرْضِ وَانظرُواْ:
مَنْ كَانَ يملِكُ ثَرْوَةً أَوْ مَالَا * مَلَكَ الرِّقَابَ بمَالِهِ وَتَعَالى
وَعَلَا رُءوسَ القَوْمِ وَاسْتَمَعُواْ لَهُ * وَرَأَيْتَهُ بَيْنَ الْوَرَى مخْتَالَا
لَوْلَا دَرَاهِمُهُ الَّتي في جَيْبِهِ * لَرَأَيْتَهُ شَرَّ البَريَّةِ حَالَا
فَإِذَا تَكَلَّمَ كَاذِبَاً قَالُواْ لَهُ * لَا فُضَّ فُوكَ لَقَدْ صَدَقْتَ مَقَالَا
وَإِذَا الفَقِيرُ أَصَابَ قَالُواْ لَمْ تُصِبْ * وَكَذَبْتَ يَا هَذَا وَقُلْتَ ضَلَالَا
إِنَّ الدَّرَاهِمَ في البِلَادِ بِأَسْرِهَا * تَكْسُو الرِّجَالَ مَهَابَةً وَجَلَالَا
فَهِيَ اللِّسَانُ لِمَن أَرَادَ فَصَاحَةً * وَهِيَ السِّلَاحُ لِمَن أَرَادَ قِتَالَا
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَات، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِب، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِق، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِن، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِين، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَة " 00 قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَة 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الرَّجُلُ التَّافِهُ في أَمْرِ الْعَامَّة " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4036، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَد]
أَثَرُ الغِنى وَالإِفْلَاس؛ في الحُبِّ بَينَ النَّاس
فَأَنْطَقَتِ الدَّرَاهِمُ بَعْدَ صَمْتٍ * أُنَاسَاً بَعْدَمَا كَانُواْ سُكُوتَا
فَمَا عَطَفُواْ عَلَى أَحَدٍ بِفَضْلٍ * وَلَا عَرَفُواْ لمَكْرُمَةٍ ثُبُوتَا
{الإِمَامُ الشَّافِعِيّ}
وَللهِ مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ وَقَدِ اغْتَنى عَنهُ؛ فَبَدَأَ يَتَهَرَّبُ مِنهُ؛ فَقَالَ لَهُ وَكَانَ شَاعِرَاً:
تَرَاني مُقْبِلاً فَتَصُدَّ عَنيِّ * وَتمْضِي مُسْرِعَاً كَيْ لَا أَرَاكَا
سَيُغْنِيني الَّذِي أَغْنَاكَ عَنيِّ * فَلَا فَقْرِي يَدُومُ وَلَا غِنَاكَا
وَلِذَا قَالَ الآخَرُ بمُجَرَّدِ أَنْ رَأَى الدُّنيَا تجْرِي في يَدِ صَاحِبِه:
لَمَّا صَدِيقي صَارَ مِن أَهْلِ الغِنى * أَيْقَنْتُ أَنِّي صِرتُ دُونَ صَدِيق
وَقَالَ الآخَر:
إِذَا لَمْ يَكُن بِيَدَيَّ مَالٌ هَجَرْتَني * وَإِنْ كَانَ لي مَالٌ فَأَنْتَ صَدِيقِي
{أَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَيْتٍ لِلْبُحْتُرِيّ}
أَلَا صَدَقَ مَنْ قَال:
فَصَاحَةُ بَشَّارٍ وَخَطُّ ابْنِ مُقْلَةٍ * وَحِكْمَةُ لُقْمَانٍ وَزُهْدُ ابْنِ أَدْهَمِ
لَوِ اجْتَمَعُواْ في المَرْءِ وَالمَرْءُ مُفْلِسٌ * وَنَادَواْ عَلَيْهِ لَا يُبَاعُ بِدِرْهَمِ
*********
فَالنَّاسُ إِخْوَانُ مَنْ دَامَتْ لَهْ النِّعَمُ * وَالوَيْلُ لِلْمَرْءِ لَوْ زَلَّتْ بِهِ القَدَمُ
فَالمَالُ كَالرُّوحِ مَنْ قَلَّتْ دَرَاهِمُهُ * حَيٌّ كَمَنْ مَاتَ إِلَاّ أَنَّهُ صَنَمُ
لَمَّا رَأَيْتُ أَخِلَائِي وَحَاشِيَتي * وَالْكُلُّ محْتَجِبُ عَنيِّ وَمحتَشِمُ
أَبْدَواْ جَفَاءً وَهَجْرَاً لي فَقُلتُ لهُمُ * أَذْنبْتُ ذَنْبَاً فَقَالُواْ ذنْبُكَ الْعَدَمُ
{ابْنُ كَثِير بِتَصَرُّف، وَرَدَتْ في كِتَابِ المُسْتَطْرَف}
ثَانِيَاً: مَنْزِلَةُ الفَقِيرِ عِنْدَ الله
عَن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ:
" يَا أَبَا ذَرّ: انْظُرْ إِلى أَرْفَعِ ـ أَيْ أَشْرَفِ ـ رَجُلٍ في المسْجِدِ في عَيْنَيْك " 00؟
فَنَظَرْتُ فَإذَا رَجُلٌ عَليْهِ حُلَّةٌ ـ أَيْ عَبَاءةٌ ـ فَقُلتُ هَذَا يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" انْظُرْ إِلى أَوْضَعِ رجُلٍ في المَسْجِد " 0
فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَجُلٌ عَليْهِ أَخْلَاق ـ أَيْ ثِيَابٌ بَالِيَة ـ فَقُلتُ هَذَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه: لهَذَا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَة؛ خَيرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِن هَذَا " 0
[قَالَ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: 258، 265/ 10، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيبِ بِرَقْم: 3204]
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرٌ مِن أَلْفٍ مِثْلِهِ إِلَاّ الإِنْسَان " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (5394، 2183)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَال:
" مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " مَا تَقُولُونَ في هَذَا " 00؟
قَالُواْ: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَح، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّع، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَع، ثمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا تَقُولُونَ في هَذَا " 00؟
قَالُواْ: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَح، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّع، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَع؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِتَرْقِيمِ فَتْحِ البَارِي بِرَقْم: 5091]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" سَيَأْتي أُنَاسٌ مِن أُمَّتي يَوْمَ القِيَامَة: نُورُهُمْ كَضَوْءِ الشَّمْس " 0
قُلْنَا: مَن أُولَئِكَ يَا رَسُولَ الله 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " فُقَرَاءُ المُهَاجِرِين، وَالَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمُ المَكَارِه، يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ في صَدْرِه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6650، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" أَحَبُّ العِبَادِ إِلى اللهِ صلى الله عليه وسلم: الفَقِيرُ القَانِعُ بِرِزْقِهِ، الرَّاضِي عَنِ اللهِ عز وجل " 0
[الإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الغَزَاليُّ في " مُكَاشَفَةُ القُلُوب " بَابِ فَضْلِ الفُقَرَاء]
البَطَرُ في بَعْضِ الأَغْنِيَاء
عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه قَال:
" كُنْتُ في أَصْحابِ الصُّفَّة، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا مِنَّا إِنْسَان عَلَيْهِ ثَوْبٌ تَامّ، وَأَخَذَ العَرَقُ في جُلُودِنَا طُرُقَا؛ مِن الغُبَارِ وَالوَسَخ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" ليُبْشِرْ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِين " 00 إِذ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ شَارَةٌ حَسَنَة، فَجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ إِلَاّ كَلَّفَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْتي بِكَلَامٍ يَعْلُو كَلَامَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ هَذَا وَضَرْبَه ـ أَيْ وَشَاكِلَتَهُ ـ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ كَلَيِّ البَقَرِ بِلِسَانهَا المَرْعَى ـ أَيِ العُشْبَ ـ كَذَلِكَ يَلْوِي اللهُ سبحانه وتعالى أَلْسِنَتَهُمْ وَوُجُوهَهُمْ في النَّار " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (261/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
مَنزِلَةُ الفَقِيرِ القَانِع
وَأَوحَى اللهُ إِلى سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عليه السلام أَنِ اطلُبْني عِنْدَ المنْكَسِرَةِ قُلُوبهُمْ 00!!
قالَ وَمَن هُمْ 00؟
قَالَ جل جلاله: " الفُقَرَاءُ الصَّادِقُون " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ في كِتَابِ " فَضِيلَةِ الفُقَرَاءِ الرَّاضِينَ القَانِعِين " 0 ص: 1556]
وَقَالَ أَيْضَاً صلى الله عليه وسلم: " يَقُولُ اللهُ يَومَ القِيَامَة: أَينَ صَفْوتي مِن خَلقِي 00؟
فَتَقُولُ المَلَائِكَة: وَمَن هُمْ يَا رَبَّنَا 00؟
فَيَقُولُ جل جلاله: " فُقَرَاءُ المُسْلِمِين، القَانِعُون بِعَطَائِي، الرَّاضُونَ بِقَدَرِي، أَدْخِلُوهُمُ الجنَّة، فَيَدْخُلُونهَا فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُون، وَالنَّاسُ في الحِسَابِ يَتَرَدَّدُون " 0
[الغَزَاليُّ في الإِحْيَاء: (1556)، وَفي المُكَاشَفَة 0 ص: (120)، وَالقَزْوِينيُّ بِنَحْوِهِ في أَخْبَارِ قَزْوِينَ 0 ص: 326/ 2]
عَن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَغْبَطُ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الحَاذ ـ أَيْ قَلِيلُ المَتَاع ـ ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلَاة، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ في السِّرّ، وَكَانَ غَامِضَاً في النَّاسِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِع، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافَاً فَصَبرَ عَلَى ذَلِك، ثمَّ نَقَدَ بِيَدِهِ ـ أَيْ حَفَرَ بِيَدِهِ في الأَرْضِ ـ فَقَال: عُجِّلَتْ مَنِيَّتُه، قَلَّتْ بَوَاكِيه، قَلَّ تُرَاثُه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " المِشْكَاةِ " بِرَقْم: (5189)، وَالحَدِيثُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 21663، 21693]
الفُقَرَاءُ المُسْتَضْعَفُونَ
وَهَذِهِ بُشْرَى لِلْفُقَرَاءِ المُسْتَضْعَفِينَ وَالمَظْلُومِين:
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَاب؛ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْمَي: 2622، 2854]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" كَمْ مِن أَشْعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه، مِنْهُمْ البَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ "
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (3854)، وَفي " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: 4573]
أَهْلُ الجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّار
عَن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّة 00؟
كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّف، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّار؟
كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر " 00 وَالجَوَّاظ: هُوَ عَظِيمُ الجِسْم 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (4918)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2853]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ أَهْلَ النَّار: كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر، جَمَّاعٍ مَنَّاع [أَيْ صَاحِبُ ثَرْوَةٍ بخِيل] وَأَهْلُ الجَنَّة: الضُّعَفَاءُ المَغْلُوبُون "
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 7010، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيبِ وَالجَامِع، وَحَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، [وَقَالَ فِيهِ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم]
الجَعْظَرِيّ: هُوَ الفَظُّ الغَلِيظ، وَالجَوَّاظ: هُوَ عَظِيمُ الجِسْم 0
شَرُّ عِبَادِ اللهِ وَخَيْرُ عِبَادِ الله
عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ الله 00؟
الفَظُّ المُسْتَكْبِر، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بخَيْرِ عِبَادِ الله 00؟
الضَّعِيفُ المُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْن ـ أَيْ مَنْ لَا يَمْلُكُ إِلَا ثَوْبَينِ قَدِيمَينِ ـ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّ اللهُ قَسَمَه " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيب بِرَقْم: (3198)، وَهُوَ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 22360]
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" أَلَا أُخْبِرُكَ عَنْ مُلُوكِ الجَنَّة " 00؟
قُلْتُ بَلَى، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعَف، ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَه ـ أَيْ لَا يَمْلُكُ إِلَاّ ثَوْبَينِ قَدِيمَينِ لَا أَحَدَ يَهْتَمُّ بِه ـ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه " 0 [ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 4115]
وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ لَيْسَتْ دَعْوَةً لِلضَّعْفِ كَمَا يُفَسِّرُهَا العِلمَانِيُّونَ وَالمُسْتَشْرِقُون، وَلَكِنَّهَا دِفَاعٌ عَنِ الضُّعَفَاء، وَبمَثَابَةِ العَزَاءِ لَهُمْ عَمَّا ابْتَلَاهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ الضَّعْف 0
كَرَامَةُ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ يَوْمَ القِيَامَة
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تجْتَمِعُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُقَال: أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الأُمَّةُ وَمَسَاكِينُهَا 00؟
فَيَقُومُون، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ 00؟
فَيَقُولُون: رَبَّنَا، ابْتَلَيْتَنَا فَصَبرْنَا، وَوَلَّيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانَ غَيرَنَا، فَيُقُولُ اللهُ عز وجل: صَدَقْتُمْ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ النَّاس، وَتَبْقَى شِدَّةُ الحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ وَالسُّلْطَان "
قَالُواْ: فَأَيْنَ المُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " تُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِيُّ مِنْ نُور، وَيُظَلَّلُ عَلَيْهِمُ الغَمَام، يَكُونُ ذَلِكَ اليَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى المُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَار " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " التَّرْغِيب " بِرَقْم: (3590)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِه]
عَن سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ الجُمَحِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: " إِنَّ فُقَرَاءَ المسْلِمِينَ يَزِفُّون كَمَا يَزُفُّ الحَمَام، فَيُقَالُ لَهُمْ قِفُواْ للحِسَاب، فَيَقُولُون: وَاللهِ مَا تَرَكْنَا شَيْئَاً نحَاسَبُ بِه؛ فَيَقُولُ اللهُ جل جلاله: صَدَقَ عبَادي؛ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِينَ عَامَا 00!!
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": رِجَالُهُ ثِقَاتٌ بِاسْتِثْنَاءِ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيَاد، وَقَدْ وُثِّقَ عَلَى ضَعْفِه 0 ص: (261/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في " الكَبِيرِ " بِرَقْم: (5508)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 16615]
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " يَزُفُّون كَمَا يَزِفُّ الحَمَام " 00 أَيْ يُسْرِعُونَ في جَمَاعَات؛ وَمِنهُ قَوْلُهُ جل جلاله:
{فَأَقبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّون} {الصَّافات: 94}
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " طُوبى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبِيلِ اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُه، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاه، إِنْ كَانَ في الحِرَاسَةِ كَانَ في الحِرَاسَة، وَإِنْ كَانَ في السَّاقَةِ كَانَ في السَّاقَة، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَه، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 2887]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَال:
" كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهُ صلى الله عليه وسلم وَطَلَعَتِ الشَّمْس؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَأْتي اللهَ قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ كَنُورِ الشَّمْس " 00 فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَحْنُ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لا وَلَكُمْ خَيْرٌ كَثِير، وَلَكِنَّهُمْ الفُقَرَاءُ وَالمُهَاجِرُونَ، الَّذِينَ يحْشَرُونَ مِن أَقْطَارِ الأَرْض، طُوبى لِلْغُرَبَاء، طُوبى لِلْغُرَبَاء، طُوبى لِلْغُرَبَاء " 00 فَقِيل: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " نَاسٌ صَالحُونَ في نَاسِ سَوْءٍ كَثِير، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 7072، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيب: 3188، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح]
حَتىَّ أَهْلُ الجَنَّة لَا يُسَوَّى بَينَ فُقَرَائِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمْ
عَن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّة، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِين، وَأَصْحَابُ الجَدِّ ـ أَيِ الغِنى ـ محْبُوسُون، غَيرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلى النَّار ـ أَيْ أَنَّ المحْبُوسِينَ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَطْ، الَّذِينَ كَانُواْ فُقَرَاءَ في الدُّنيَا ـ وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّار، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6547)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2736]
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي الْوَرْدِ عَنْ مُؤَذِّنِ بِشْرِ بْنِ الحَارِثِ قَال:
" رَأَيْتُ بِشْرَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في المَنَامِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟
قَال: غَفَرَ لي؛ قُلْتُ: فَمَا فُعِلَ بِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل 00؟
قَال: غُفِرَ لَهُ؛ فَقُلْتُ: مَا فُعِلَ بِأَبي نَصْرٍ التَّمَّار؟
[وَكَانَ قَدْ ضَعُفَ في محْنَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ فَوَافَقَهُمْ]
قَال: هَيْهَاتَ، ذَاكَ في عِلِّيِّين؛ فَقُلْتُ: بِمَاذَا نَالَ مَا لَمْ يَنَالاِه 00؟
فَقَال: بِفَقْرِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى بُنَيَّاتِه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 574/ 10]
يَوْمَ يَقُولُ الغَنيُّ يَا لَيْتَني كُنْتُ فَقِيرَا
عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَن أَحَدِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِمِائَةِ عَام؛ حَتىَّ يَقُولَ الغَنيّ: يَا ليْتَني كُنْتُ عَيْلاً ـ أَيْ فَقِيرَاً ـ فَقَالَ الصَّحَابَة: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِّهِمْ لَنَا بِأَسْمَائِهِمْ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هُمُ الَّذِينَ إِذَا كَانَ مَكْرُوهٌ بُعِثُوا لَه، وَإِذَا كَانَ مَغْنَم؛ بُعِثَ إِلَيْهِ سِوَاهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يحْجَبُونَ عَنِ الأَبْوَاب " 0 [حَسَّنَهُ حَمْزَةُ الزَّيْنُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: (22997)، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ: رِجَالُهُ رِجَالُ أَبي زَيْدٍ الحُوَارِيّ، وَقَدْ وُثِّقَ عَلَى ضَعْفِه 0 ص: (260/ 10)، وَفي الكَنْز: 16628]
وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغنِيَائِهِمْ بخَمْسِمِاْئَةِ عَام " 00 قُلْنَا وَمَن هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هُمُ الَّذِينَ إِذَا كَانَ مَهْلَكٌ بُعِثُوا لَه، وَإِذَا كَانَ مَغْنَمٌ بُعِثَ إِلَيْهِ غَيرُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يحْجَبُونَ عَلَى أَبْوَابِ السُّلْطَان " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": فِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ، وَمَنْ وُثِّقَ عَلَى ضَعْفِه 0 ص: (260/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
أَيْ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
يَا إِخْوَتي مَا لي أُذَادُ عَنِ الَّذِي * أَبْغِي وَأُسْعَطُ بِالَّذِي لَا يُحْمَدُ
أَإِذَا تَكُونُ كَريهَةٌ أُدْعَى لَهَا * وَإِذَا الغَنَائِمُ قُسِّمَتْ أُسْتَبْعَدُ
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاء؛ بِخَمْسِمِائَةِ عَام " 0
[صحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2353، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: (7933)، وَحَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {وَإِنَّ يَوْمَاً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} {الحَجّ: 47}
عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " اشْتَكَى فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِمْ أَغْنِيَاءَهُمْ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا مَعْشَرَ الْفُقَرَاء؛ أَلا أُبَشِّرُكُمْ 00؟
أَنَّ فُقَرَاءَ المُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْم: خَمْسِمِائَةِ عَام " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (7976/ 13936)، رَوَاهُ الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة]
الفُقَرَاءُ هُمْ أَوَلُ النَّاسِ دُخُولاً الجَنَّةَ يَوْمَ القِيَامَةِ
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " هَلْ تَدْرُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن خَلْقِ الله "؟!
قَالُواْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن خَلْقِ الله: الفُقَرَاءُ وَالمُهَاجِرُون، الَّذِينَ تُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُور، وَيُتَّقَى بِهِمُ المَكَارِه، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ في صَدْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً؛ فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِه: إِيتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ؛ فَتَقُولُ المَلَائِكَة: نَحْنُ سُكَّانُ سَمَائِكَ وَخِيرَتُكَ مِن خَلْقِك؛ أَفَتَأْمُرُنَا أَنْ نَأْتِيَ هَؤُلَاءِ فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ 00؟!
قَالَ تبارك وتعالى: إِنَّهُمْ كَانُواْ عِبَادَاً يَعْبُدُونَني لَا يُشْرِكُونَ بي شَيْئَا، وَتُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُور، وَيُتَّقَى بِهِمُ المَكَارِه، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ في صَدْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً؛ فَتَأْتِيهِمُ المَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدَّار " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6570، وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَة الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيبِ وَالصَّحِيحَة]
قَدْ يَقُولُ قَائِل: أَمَّا " الفُقَرَاء " فَتَنْطَبِقُ عَلَيْنَا وَالحَمْدُ لله، وَأَمَّا " المُهَاجِرُون " فَأَنىَّ لَنَا بهَا؟!
غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَخِي؛ أَمَا سَمِعْتَ قَطُّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:
وَعَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نهَى اللهُ عَنْه " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (10)، وَأَصْحَابُ السُّنَن، وَالحَدِيثُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 6767]
عَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" المُؤْمِنُ مَن أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الخَطَايَا وَالذُّنُوب " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 3934]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ أَوَّلَ ثُلَّةٍ ـ أَيْ جَمَاعَةٍ ـ تَدْخُلُ الجَنَّةَ الفُقَرَاءُ المُهَاجِرُون: الَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمُ المَكَارِه، وَإِذَا أُمِرُواْ سَمِعُواْ وَأَطَاعُواْ، وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَةٌ إِلى السُّلْطَان؛ لَمْ تُقْضَ لَهُ، حَتىَّ يمُوتَ وَهِيَ في صَدْرِه، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يَدْعُو يَوْمَ القِيَامَةِ الجَنَّةَ فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، فَيَقُول: أَيْ عِبَادِيَ الَّذِينَ قَاتَلُواْ في سَبِيلِي وَقُتِلُوا، وَأُوذُواْ في سَبِيلِي وَجَاهَدُواْ في سَبِيلِي؛ ادْخُلُواْ الجَنَّة، فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَاب، وَتَأْتي المَلَائِكَةُ فَيَسْجُدُونَ فَيَقُولُون: رَبَّنَا، نحْنُ نُسَبِّحُ بحَمْدِكَ الليْلَ وَالنَّهَارَ وَنُقَدِّسُ لَك؛ مَن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آثَرْتهُمْ عَلَيْنَا 00؟!
فَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل: هَؤُلَاءِ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلواْ في سَبِيلِي وَأُوذُواْ في سَبِيلِي؛ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِم المَلَائِكَةُ مِنْ كُلِّ بَاب، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بمَا صَبرْتمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدَّار " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْغِيب بِرَقْم: 1373، وَوَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ ص: 259/ 10، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ، وَأَحْمَد]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " أَتَعْلَمُ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي 00؟
قَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " المُهَاجِرُونَ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلىَ بَابِ الجَنَّةِ وَيَسْتَفْتِحُون؛ فَيَقُولُ لَهُمُ الخَزَنَة ـ أَيْ خَزَنَةُ الجَنَّة ـ أَوَ قَدْ حُوسِبْتُمْ 00؟
فَيَقُولُون: بِأَيِّ شَيْءٍ نُحَاسَب؛ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَسْيَافُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا في سَبِيلِ اللهِ حَتىَّ مِتْنَا عَلَى ذَلِك؛ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيَقِيلُونَ فِيهِ أَرْبَعِينَ عَامَاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا النَّاس " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 2389]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ أَيْضَاً: " تَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتي الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا " 00 فَقِيلَ صِفْهُمْ لَنَا 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " الدَّنِسَةُ ثِيَابهُمْ، الشَّعِثَةُ رُءُوسُهُمْ، الَّذِينَ لَا يُؤْذَنُ لهُمْ عَلَى السُّدَّات ـ أَيْ لَا تُفْتَحُ لهُمُ الأَبْوَاب ـ وَلَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَات، تُوكَلُ بهِمْ مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا ـ أَيْ تَعْرِفُهُمْ وَتحِبُّهُمْ ـ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعْطَونَ الَّذِي لَهُمْ "
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ ص: 260/ 10، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 3823، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " حَوْضِي: كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّان، أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْج، وَأَحْلَى مِنَ العَسَل، وَأَطْيَبُ رِيحَاً مِنَ المِسْك، أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاء، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدَاً، أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودَاً: صَعَالِيكُ المُهَاجِرِين " 0
قَالَ قَائِل: وَمَن هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الشَّعِثَةُ رُءوسُهُمْ، الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمْ، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، لَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَد، وَلَا يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَات، الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يَأْخُذُونَ الَّذِي لَهُمْ "[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6162، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" تَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتي الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفَاً " 00 فَقِيلَ صِفْهُمْ لَنَا 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، الشَّعِثَةُ رُءوسُهُمْ، الَّذِينَ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ عَلَى السُّدَّات ـ أَيْ لَا تُفْتَحُ لهُمُ الأَبْوَاب ـ وَلَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَات، تُوكَلُ بهِمْ مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا ـ أَيْ تَعْرِفُهُمْ وَتحِبُّهُمْ ـ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعْطَونَ الَّذِي لَهُمْ "
[وَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ ص: 260/ 10، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (3823)، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط]
الفُقَرَاءُ هُمْ أَوَلُ النَّاسِ وُرُودَاً عَلَى الحَوْضِ يَوْمَ القِيَامَة
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " حَوْضِي: كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّان، أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْج، وَأَحْلَى مِنَ العَسَل، وَأَطْيَبُ رِيحَاً مِنَ المِسْك، أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاء، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدَاً، أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودَاً: صَعَالِيكُ المُهَاجِرِين "، قَالَ قَائِل: وَمَن هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الشَّعِثَةُ رُءوسُهُمْ، الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمْ، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، لَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَد، وَلَا يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَات، الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يَأْخُذُونَ الَّذِي لَهُمْ " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ بِرَقْم: 7374، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6162، وَالْعَلَاّمَة الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4303]
أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَحُبُّهَا لِلمَسَاكِين
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تُفَرِّقُ في اليَوْمِ الوَاحِد؛ مِاْئَةَ أَلفِ دِرْهَمٍ يُوَجِّهُهَا إِلَيْهَا مُعَاوِيَة، وَإِنَّ ثَوْبَهَا لمَرْقُوع، فَتَقُولُ لهَا الجَارِيَة: لَوِ اشْتَرَيْتِ لَكِ بِدِرْهَمٍ لحْمَا تُفْطِرِينَ عَلَيْه 00؟
فتَقُولُ رضي الله عنها: لَوْ ذَكَّرْتِني لَفَعَلْت " 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ الطَّبْعَةُ الأُولى لِدَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة: 1555، أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 6745]
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَد أَوصَاهَا قَائِلاً: عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِن أَرَدتِ اللُّحُوقَ بي؛ فَليَكْفِكِ مِنَ الدُّنيَا كَزَادِ الرَّاكِب، وَإِيَّاكِ وَمجَالسَةَ الأَغْنِيَاء، وَلَا تَنْزِعِي دِرْعَكِ [أَيْ ثَوْبَكِ] حَتىَّ تَرْقَعِيه " 0
[صَحَّحَهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7867، وَالحَدِيثُ في الكَنْزِ بِرَقْم: 7094، وَفي شُعَبِ الإِيمَانِ بِرَقْم: 6181]
مَكَانَةُ الفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ** صلى الله عليه وسلم **
عَن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " ابْغُوني الضُّعَفَاءَ ـ أَيِ اخْلُفُوني فِيهِمْ بخَير ـ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: 2594، وَفي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 1702، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 17107]
عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتي ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3735]
وَعَن أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَال:
" كَانَ رَسُولُ اللهِ جل جلاله يَسْتَفْتِحُ ـ أَيْ يَلْتَمِسُ البرَكَةَ ـ بِصَعَالِيكِ المُسْلِمِين " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (262/ 10)، رَوَاهُ الطَّبَرَانيّ]
يَقُولُ المَنَاوِيُّ رحمه الله في كِتَابِهِ الشَّهِير / فَيْضِ القَدِير:
" أَيْ بِدُعَاءِ فُقَرَائِهِمُ الَّذِينَ لَا مَالَ لهُمْ وَلَا جَاه، تَيَمُّنَا بهِمْ، وَلأَنهُمْ لَانْكِسَارِ خَوَاطِرِهِمْ؛ يَكُونُ دُعَاؤُهُمْ أَقْربَ للإِجَابَة، وَالصُّعْلُوكُ مَنْ لَا مَالَ لَه " 0 [المَنَاوِيُّ في فَيْضِ القَدِيرِ ص: 219/ 5]
وَصِيَّةُ الإِسْلَامِ بِالفَقِير
وَكَانَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يَقُول:
" مَلْعُونٌ مَن أَكْرَمَ بِالغِنى وَأَهَانَ بِالفَقْر " 00!!
[الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ طَبْعَةِ دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 ص: 1555، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 7091، نَوَادِرُ الأُصُول 0 بِرَقْم: 84]
وَقَالَ يحيى بْنُ مُعَاذ: " حُبُّكَ الفُقَرَاءَ مِن أَخْلَاقِ المُرْسَلِين، وَإِيثَارُكَ مُجَالَسَتَهُمْ مِن عَلَامَةِ الصَّالحِين، وَفِرَارُكَ مِنْ صُحْبَتِهِمْ مِن عَلَامَةِ المُنَافِقِين " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ 0 ص: 1555، مُكَاشَفَةُ القُلُوبِ 0 بَابُ فَضْلِ الفُقَرَاء، فَيْضُ القَدِيرِ لِلمَنَاوِيّ: 208/ 2]
بِضُعَفَائِكُمْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُون
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَاّ بِضُعَفَائِكُمْ " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2896 / فَتْح]
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا: بِدَعَوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانِيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: 3178]
مَكَانَةُ الفُقَرَاءِ عِنْدَ التَّابِعِين
جَاءَ فَقِيرٌ إلى مجْلِسِ سُفْيَانَ الثَّوْريِّ رحمه الله فَقَالَ لَهُ تخطَّ ـ أَيْ تخَطَّ الرِّقَابَ ـ لَوْ كُنْتَ غَنِيَّاً لَمَا قَرَّبتُك، وَكَانَ الأَغْنِيَاءُ مِن أَصْحَابِهِ يَوَدُّونَ أَنهُمْ كَانُواْ فُقَرَاءَ لِكَثْرَةِ تَقْرِيبِهِ لِلفُقَرَاءِ وإِعْرَاضِهِ عَنِ الأَغْنِيَاء؛ حَتىَّ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَال: مَا رَأَيْتُ الغَنيَّ في مجْلِسٍ أَذَلَّ وَلَا أَحْقَرَ مِنه في مجْلِسِ الثَّوْرِيّ، وَلَا رَأَيْتُ الفَقِيرَ في مجْلِسٍ أَعَزَّ مِنهُ في مجْلِسِه " 00 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " دَارِ الوَثَائِق: 1555، الجَرْحُ وَالتَّعْدِيل 0 دَار إِحْيَاءِ التُّرَاثِ العَرَبي: 100/ 1]
ثَرْوَةُ الفَقِيرِ هِيَ أَخْلَاقُه
وَحَسْبُكُمْ عَنْ فَضْلِ الفَقْرِ عَلَى الغِنى أَيْضَاً؛ أَنَّ الفَقِيرَ إِذَا أَحَبَّهُ النَّاسُ فَإِنهُمْ يحِبُّونَهُ لِذَاتِهِ وَصفَاتِهِ، وَجَمِيلِ خِصَالِهِ، أَمَّا الغَنيُّ فَأَكثَرُ مَنْ يحِبُّونَهُ يحِبُّونَهُ مِن أَجْلِ مَالِه 00!!
فَالفَقِيرُ يَرَى النَّاسَ عَلَى حَقَائِقِهَا، أَمَّا الغَنيُّ فَيَلبَسُونَ لَهُ أَلْفَ قِنَاعٍ وَقِنَاع 00!!
وَحَسْبُكُمْ عَنْ فَضْلِ الفَقِيرِ أَيْضَاً مَا وَضَعَهُ اللهُ في نَفسِهِ مِنَ الطِّيبَةِ وَحُبِّ الخَيرِ لِلغَير؛ حتى أَنَّ الأَمْثَالَ العَامِّيةَ صَوَّرَتْ هَذَا؛ فجَاءَ فِيهَا مَثَلٌ سَائِرٌ في ذَلِكَ يَقُولُونَ فِيه:
" طَلَبَ الغَنيُّ شَقْفَةً؛ كَسَرَ الفَقِيرُ لَهُ زِيرَه " 0
عِنْدَمَا يَكُونُ وَالي المُسْلِمِينَ أَفْقَرَهُمْ
نَزَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه بَلْدَةَ حِمْصٍ بِالشَّام، فَقَالَ اكْتُبُواْ لي فُقَرَاءَكُمْ؟
فَرَفَعُواْ إِلَيْهِ رُقْعَةً فِيهَا اسْمُ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ الوَالي؛ فَتَعَجَّبَ عُمَرُ وَسَأَلهُمْ: كَيْفَ يَكُونُ أَمِيرُكُمْ فَقِيرَاً 00؟!
قَالُواْ إِنَّهُ لَا يمْسِكُ مَالاً ـ أَيْ يُنْفِقُ كُلَّ مَا يحْصُلُ عَلَيْهِ أَوَّلاً بِأَوَّل عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين ـ فَبَكَى عُمَرُ ثمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِأَلفِ دِينَار؛ فَجَاءَ مكْتَئِبَاً حَزينَاً؛ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَحَدَثَ أَمْر 00؟!
قَالَ أَشَدُّ مِنْ ذَلك، ثُمَّ جَعَلَهَا صُرَرَاً وَفَرَّقَهَا وَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُول: " يَدْخُلُ فُقَراءُ المُسْلِمينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ، بخَمْسِمِائَةِ سَنَة، حَتىَّ إِنَّ الرَّجُلَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ لَيَدْخُلُ في غُمَارِهِمْ ـ أَيْ في جُمُوعِهِمْ ـ فَيُؤْخَذُ بِيَدِهِ فيُسْتَخْرَج " 0
[صَحَّحَ الأَلبَانيُّ الْعِبَارَةَ الأُولى مِنهُ في سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2351، ذَكَرَهُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاء: 1554، الكَنْز: 16625]
أَكْثَرُ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الفُقَرَاء، وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ وَالنِّسَاء
عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ ـ أَيِ اطَّلَعْتُ في رِحْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ ـ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاء، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6449)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2737]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اطَّلَعْتُ في الجَنَّة ـ أَيْ في رِحْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاج ـ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاء، وَاطَّلَعْتُ في النَّار؛ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الأَغْنِيَاءَ وَالنِّسَاء " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6611، قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: إِسْنَادُهُ جَيِّد0ص: 261/ 10]
غَنيٌّ وَفَقِيرٌ عَلَى بَابِ الجَنَّة
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الجَنَّة: مُؤْمِنٌ غَنيٌّ وَمُؤْمِنٌ فَقِير، كَانَا في الدُّنيَا، فأُدْخِلَ الفَقِيرُ الجَنَّةَ وَحُبِسَ الغَنيُّ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يحْبَس، ثمَّ أُدْخِلَ الجَنَّة، فَلَقِيَهُ الفَقِيرُ فَيَقُول: أَيْ أَخِي: مَاذَا حَبَسَك؛ وَاللهِ لَقَدْ احْتُبِسْتَ حَتىَّ خِفْتُ عَلَيْك 00؟!
الحَمَاسَةُ الحَمَدَانِيَّة [مَنهُوكُ الرَّجَز 0 لحْنُ مُونُولُوج أُهُو أَنَا أُهُو أَنَا]:
=======================================
طَالَتْ بِنَا التَّوَسُّلَاتْ * يَا هَيْئَةَ المُوَاصَلَاتْ
كَمْ قَدْ شَكَوْنَا لَمْ نجِدْ * مِنْكُمْ سِوَى المُمَاطَلَاتْ
مَتى يَكُونُ بَيْنَنَا * وَبَيْنَكُمْ تَفَاعُلَاتْ
مَتى سَتَبْحَثُونَ مَا * يُصِيبُنَا مِنْ مُشْكِلَاتْ
مَتى نَرَى قَرَارَكُمْ * يَخْلُو مِنَ المجَامَلَاتْ
{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
سَنَعْبُرُ المُضَايَقَاتِ كَيْفَمَا تَكُون
{عِصَام الْغَزَالي بِتَصَرُّف}
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
{أَفْعَلُ/يَفْعَلُ/}
لي جَدَّةٌ تَرْأَفُ بي أَحْنى عَلَيَّ مِن أَبي
وَكُلُّ شَيْءٍ سَرَّني تَذْهَبُ فِيهِ مَذْهَبي
إِن غَضِبَ الأَهْلُ عَلَيَّ كُلُّهُمْ لَمْ تَغْضَبِ
مَشَى أَبي يَوْمَاً إِليَّ مِشْيَةَ المُؤَدِّبِ
غَضْبَانَ قَدْ هَدَّدَ بِالضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبِ
فَلَمْ أَجِدْ لي مِنه غَيْرَ جَدَّتي مِنْ مَهْرَبِ
فَأَوْقَفَتْني خَلْفَهَا أَنْجُو بِهَا وَأَخْتَبي
وَهْيَ تَقُولُ لأَبي بِلَهْجَةِ المُؤَنِّبِ
وَيْحٌ لَهُ وَيْحٌ لَهُ ذَا الْوَلَدِ المُعَذَّبِ
أَلَمْ تَكُنْ تَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ إِذْ أَنْتَ صَبي
{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي بِتَصَرُّف}
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
أَهْلُ الشِّبَعِ في الدُّنيَا
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:
" تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " كُفَّ جُشَاءَكَ عَنَّا؛ فَإِنَّ أَطْوَلَكُمْ جُوعَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَكْثَرُكُمْ شِبْعَاً في دَارِ الدُّنْيَا " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ الإِمَامَينِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَةَ بِرَقْمَيْ: 2487، 3350، وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 4491، 343]
عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَطْوَلُ النَّاسِ شِبْعَاً في الدُّنيَا: يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَكْثَرُكُمْ جُوعَاً في دَارِ الدُّنْيَا " 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: غَرِيبٌ صَحِيحُ الإِسْنَاد، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 6545]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَكْثَرُ النَّاسِ شِبْعَاً في الدُّنْيَا؛ أَطْوَلُهُمْ جُوعَاً في الآخِرَة " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 1199، 343، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْم، وَفي " كَنْزِ العُمَّالِ " بِرَقْم: 16578]
الرَّجُلُ الَّذِي طَلَبَ مِنهُ سَيِّدُنَا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ لَه
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَان، مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَضْطَرِب؛ فَقَامَ يَدْعُو اللهَ لَهُ أَنْ يُعَافِيَهُ، فَقَالَ لَهُ يَا مُوسَى: إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي يُصِيبُهُ خَبْطٌ مِن إِبْلِيس، وَلَكنَّهُ جَوَّعَ نَفْسَهُ لي فَهُوَ الَّذِي تَرَى، أَنْظُرُ إِلَيْهِ في كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ أَتَعَجَّبُ مِنْ طَاعَتِه؛ فَمُرْهُ فَليَدْعُ لَك؛ فَإِنَّ لَهُ عِنْدِي كُلَّ يَوْمٍ دَعْوَة " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (266/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيّ]
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ مِن أُمَّتي مَنْ لَوْ جَاءَ أَحَدَكُمْ يَسْأَلُهُ دِينَارَاً لَمْ يُعْطِهِ، وَلَوْ سَأَلَهُ دِرْهَمَاً لَمْ يُعْطِهِ، وَلَوْ سَأَلَهُ فِلْسَاً لَمْ يُعْطِهِ، وَلَوْ سَأَلَ اللهَ الجَنَّةَ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، ذُو الطِّمْرَيْن ـ أَيْ لَا يَمْلُكُ إِلَا ثَوْبَينِ قَدِيمَينِ ـ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (264/ 10)، أَخْرَجَهُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ]
قَالَ خَالِدٌ الفَزْر: " كَانَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ مِنَ البَكَّائِين، وَكَانَ ضَيِّقَ الحَالِ جِدَّاً ـ أَيْ كَانَ فَقِيرَاً مِسْكِينَاً ـ فَجَلَسْتُ وَهُوَ مُتَخَلٍّ يَدْعُو فَقُلْتُ: لَوْ دَعَوتَ اللهَ أَنْ يُوسِّعَ عَلَيْك 00؟!
فَالْتَفَتَ يَمِينَاً وَشِمَالاً، فَلَمْ يَرَ أَحَدَاً، فَأَخَذَ حَصَاةً، فَرَمَى بِهَا إِلَيّ؛ فَإِذَا هِيَ تِبرَةٌ في كَفِّي ـ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ ذَهَب ـ وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنهَا، ثمَّ قَالَ رحمه الله: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَه؛ فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ 00؟
قَالَ رحمه الله: اسْتَنْفِقْهَا " 00 أَيْ أَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسِك 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 406/ 6]
يَرَاهُ النَّاسُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المُزَنيّ: " ثَلَاثَةٌ يحِبُّهُمُ الله: رَجُلٌ قَلِيلُ النَّوْم ـ أَيْ كَثِيرُ القِيَام ـ قَلِيلُ الطَّعَام، قَلِيلُ الكَلَام " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بِتَصَرُّف طَبْعَةِ الحَافِظِ العِرَاقِي 0 لِدَارِ الوَثَائِقْ المِصْرِيَّةِ بَابُ فَضِيلَةِ الجُوع: 964]
حَقِيرٌ عِنْدَ النَّاسِ عَظِيمٌ عِنْدَ المَلَائِكَة
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ في بَعْضِ سِكَكِ المَدينَة، فَرَأَى رَجُلاً أَسْوَدَ مَيِّتَاً قَدْ رَمَواْ بِهِ في الطَّرِيق؛ فَسَأَلَ بَعْضَ مَنْ ثَمَّ عَنهُ ـ أَيْ سَأَلَ مَنْ كَانَ هُنَاكَ عَنهُ ـ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَمْلُوكُ مَن هَذَا " 00؟
قَالُواْ ممْلُوكٌ لآلِ فُلَان، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَكُنْتُم تَرَوْنَهُ يُصَلِّي " 00؟
قَالُواْ كُنَّا نَرَاهُ أَحْيَانَا يُصَلِّي وَأَحْيَانَا لَا يُصَلِّي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" قُومُواْ فَاغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوه " فَقَامُواْ فَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوه، وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْه، فَلَمَّا كَبَّرَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله " 00 فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَه؛ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ:
يَا رَسُولَ الله، سَمِعْنَاكَ لَمَّا كَبَّرتَ تَقُول:" سُبْحَانَ اللهِ سُبْحَانَ الله " 00 فَلِمَ قُلْتَ " سُبْحَانَ اللهِ سُبْحَانَ الله "؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " كَادَتِ المَلَائِكَةُ أَنْ تحُولَ بَيْني وَبَيْنَه؛ مِنْ كَثْرَةِ مَا صَلُّواْ عَلَيْه " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " إِسْنَادُهُ جَيِّد 0 ص: (266/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ]
وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " ثَلَاثَةٌ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغَيرِ حِسَاب: رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَلَقٌ يَلْبِسُه ـ أَيْ ثَوْبٌ آخَرُ يُغَيِّرُ فِيه ـ وَرَجُلٌ لَمْ يَنْصُبْ عَلَى مُسْتَوْقَدٍ قِدْرَيْن ـ أَيْ مَا وَضَعَ قِدْرَيْنِ عَلَى النَّارِ لِفَقْرِهِ وَقِلَّةِ طَعَامِه ـ وَرَجُلٌ دَعَا بِشَرَابٍ فَمَا قِيلَ لَهُ أَيُّهَا تُرِيد " 00 أَيْ: لَمْ يخَيِّرُوهُ لِهَوَانِهِ عَلَيْهِمْ 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " ص: 1555]
حَتىَّ الصَّحَابَةُ يَدْخُلُ فُقَرَاؤُهُمْ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ
حَتىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ـ وَكَانَ مِن أَغْنِيَاءِ الصَّحَابَة ـ رَغْمَ كَوْنِهِ مِنَ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ مَالِهِ وَغِنَاه:
عَن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا خَشْفَةً بَينَ يَدَيَّ ـ أَيْ صَوْتَ مِشْيَةٍ ـ فَقُلْتُ مَا هَذَا 00؟
قَالَ بِلَال، فَمَضَيْتُ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الجَنَّةِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ وَذَرَارِيُّ المُسْلِمِين ـ أَيْ أَوْلَادُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ ـ وَلَمْ أَرَ أَحَدَاً أَقَلَّ مِنْ الأَغْنِيَاءِ وَالنِّسَاء 00؟!!
قِيلَ لي: أَمَّا الأَغْنِيَاء؛ فَهُمْ هَاهُنَا بِالبَابِ يُحَاسَبُونَ وَيُمَحَّصُون ـ أَيْ يُطَهَّرُونَ وَيخَلَّصُونَ مِنْ ذُنُوبهِمْ ـ وَأَمَّا النِّسَاء: فَأَلْهَاهُنَّ الأَحْمَرَان: الذَّهَبُ وَالحَرِير، ثُمَّ خَرَجْنَا مِن أَحَدِ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَة، فَلَمَّا كُنْتُ عِنْدَ الْبَابِ أُتِيتُ بِكِفَّة، فَوُضِعْتُ فِيهَا وَوُضِعَتْ أُمَّتي في كِفَّة، فَرَجَحْتُ بِهَا، ثُمَّ أُتيَ بِأَبي بَكْرٍ رضي الله عنه فَوُضِعَ في كِفَّة، وَجِيءَ بجَمِيعِ أُمَّتي في كِفَّةٍ فَوُضِعُواْ، فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَجِيءَ بِعُمَرَ فَوُضِعَ في كِفَّة، وَجِيءَ بجَمِيعِ أُمَّتي فَوُضِعُواْ، فَرَجَحَ عُمَر، وَعُرِضَتْ أُمَّتي رَجُلاً رَجُلاً، فَجَعَلُوا يَمُرُّون، فَاسْتَبْطَأْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْف، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الإِيَاس؛ فَقُلْتُ:
عَبْدُ الرَّحْمَن 00؟!
فَقَال: بِأَبي وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله ـ أَيْ أَفْدِيكَ بِأَبي وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله ـ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ؛ مَا خَلَصْتُ إِلَيْكَ حَتىَّ ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ أَبَدَا، إِلَاّ بَعْدَ المُشَيِّبَات ـ أَيْ إِلَاّ بَعْدَ أَنْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُؤْمَرُ بي إِلى النَّارِ مِنْ شِدَّةِ الحِسَاب ـ قَالَ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاك " 00؟!
قَالَ مِنْ كَثْرَةِ مَالي 00 أُحَاسَبُ وَأُمحَّص " 0
وَفي بَعْضِ الأَثَر: " رَأَيْتُهُ ـ أَيْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْف ـ يَدْخُلُ الجَنَّةَ زَحْفَاً " 0 [صَحَّحَهُ حَمْزَةُ الزَّيْنُ بِالمُسْنَد: 24723، الإِحْيَاء: 1553، وَالزِّيَادَةُ لِلسِّيُوطِيِّ في تَدْرِيبِ الرَّاوِي 0 الرِّيَاض: 173/ 1]
فَانْظُرْ إِلى عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ أَحَدُ العَشْرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّة: كَيْفَ شُدِّدَ عَلَيْهِ الحِسَابُ لَا لِمَكْرُوهٍ بَيْدَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الأَغْنِيَاء 00!!
وَقَدْ تُكُلِّمَ في هَذَا الحَدِيثِ الأَخِير؛ فَإِنْ كَانَ الكَلَامُ في سَنَدِهِ فَمَرَدُّ الأَمْرِ في ذَلِكَ إِلى عُلَمَاءِ الأُصُول، بَيْدَ أَني لَمْ أَقْرَأْ لأَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ عِنْدِي كَالهَيْثَمِيِّ وَالأَلبَانيِّ أَنَّهُ كَذَّبَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ، لَا هُوَ وَلَا الَّذِي بَعْدَه؛ وَإِلَاّ لَحَذَفْتُهُ كَغَيرِه، وَهُوَ قَيْدُ البَحْثِ وَالمُرَاجَعَة 0
أَمَّا إِنْ كَانَ الكَلَامُ في مَعْنَاه؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى ذَلِك: فَأَيٌّ مِنَ الحَدِيثَيْنِ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ دُخُولِهِ الجَنَّة، بَيْدَ أَنهُمَا نَصَّا فَقَطْ عَلَى شِدَّةِ الحِسَابِ وَصُعُوبَةِ الوُصُول، وَاللهُ جل جلاله أَعْلَى وَأَعْلَم 0
حَتىَّ الأَنْبِيَاءُ يَدْخُلُ فُقَرَاؤُهُمُ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
" الأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليه السلام بِأَرْبَعِينَ عَامَاً، وَإِنَّ فُقَرَاءَ المُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ عَامَا " 0 [وَافَقَهُ الذَّهَبيُّ وَابْنُ يُونُس، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع ": رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَفي بَعْضِهِمْ خِلَاف، وَفِيهِ رَاوٍ لَيِّن: 105/ 8، 262/ 10، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ، وَهُوَ في " الكَنْزِ ": 16622]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ صلى الله عليه وسلم: " آخِرُ الأَنْبِيَاءِ دُخُولاً الجَنَّةَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام؛ لمَكَانِ مُلكِه، وَآخِرُ أَصْحَابي دُخُولاً الجَنَّةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْف؛ لأَجْلِ غِنَاه " 0
وَلَا غَضَاضَةَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا النَّبيِّ الكَرِيم، وَلَا يَتَعَارَضُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ جل جلاله:
{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} {ص/25}
[الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ في كِتَابِ " الفَقْرِ وَالزُّهْدِ بَابِ فَضِيلَةِ الفَقْرِ مُطْلَقَاً " 0 ص: 1551]
أَحَجَّاجُ إِمَّا أَنْ تَمُنَّ بِرَدِّهِ * عَلَيَّ وَإِلَاّ الآنَ فَاقْتُلْني مَعَهْ
أَحَجَّاجُ لَا تَفْجَعْ بِهِ إِنْ قَتَلْتَهُ * أَبَاهُ وَزَوْجَتَهُ وَأَبْنَاءَ أَرْبَعَة
أَحَجَّاجُ لَا تَتْرُكْ عَلَيْهِ جَمَاعَةً * مِنَ الأَهْلِ وَالجِيرَانِ يَبْكُونَ مَصْرَعَه
{بِنْتُ عَبَّادِ بْنِ أَسْلَمَ البَكْرِيّ}
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
مَهْلاً أَبَيْتَ اللَّعْنَ لَا تَأْكُلْ مَعَهْ * إِنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ
وَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا إِصْبَعَهْ * يُدْخِلُهَا حَتىَّ يُوَارِي أَشْجَعَهْ
وَكَأَنَّمَا يَطْلُبُ شَيْئَاً ضَيَّعَهْ
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
مَتى يَبْلُغُ البُنيَانُ يَوْمَاً تَمَامَهُ * إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُه
بَل وَحَتى أَغْنِيَاءُ الكُفَّارِ يَدْخُلونَ النَّارَ قَبْلَ فُقَرَائِهِمْ:
عَن أَبي بَرْذَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ فُقَرَاءَ المُسْلِمِينَ لَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِمِقْدَارِ أَرْبَعِينَ عَامَا؛ حَتىَّ يَتَمَنىَّ أَغْنِيَاءُ المُسْلِمِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَوْ كَانُواْ فُقَرَاءَ في الدُّنيَا، وَإِنَّ أَغْنِيَاء الكُفَّارِ لَيَدْخُلُونَ النَّارَ قَبْلَ فُقَرَائِهِم بِمِقْدَارِ أَرْبَعِينَ عَامَا؛ حَتىَّ يَتَمَنىَّ أَغْنِيَاءُ الكُفَّارِ لَوْ كَانُواْ فُقَرَاءَ في الدُّنيَا " 0
[الرَّوْيَانيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ في مُسْنَدِهِمَا بِرَقْمَيْ: (770، 883)، الكَنْزُ بِرَقْم: 16620]
وَعَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَة، فَيَعْتَذِرُ اللهُ جل جلاله إِليْهِ كَمَا يَعْتَذِرُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ في الدُّنيَا: فَيَقُول: وَعِزَّتي وَجَلَالي، مَا زَوَيْتُ عَنْكَ الدُّنيَا لهَوَانِك عَليّ، وَلكِنْ لِمَا أَعْدَدْتُ لَكَ مِنَ الكَرَامَةِ وَالفَضِيلَة، اخْرُجْ يَا عَبْدِي إِلي هَذِهِ الصُّفُوف:
فَمَن أَطْعَمَكَ فيَّ أَوْ كَسَاكَ فيَّ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهِي؛ فَخُذْ بِيَدِهِ فَهُوَ لَك، وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ قَدْ أَلجَمَهُمُ العَرَق، فَيَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ وَيَنْظُرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ؛ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُدْخِلُهُ الجَنَّة " 0
[قَالَ الزَّرْعِيُّ في نَقْدِ المَنْقُولِ لَا أَصْلَ لَهُ: (223)، وَفي كَشْفِ الخَفَاءِ بِرَقْم: (68)، ذَكَرَهُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاء: 1552]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أَكْثِرُواْ مَعْرِفَةَ الفُقَرَاءِ وَاتخِذُواْ عِنْدَهُمْ الأَيَادِيَ؛ فَإِنًّ لَهُمْ دَوْلَةً يَوْمَ القِيَامَة " 00
قَالواْ: وَمَا دَوْلتُهُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟!!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا كَان يَوْم القِيَامَةِ قِيلَ لهُم: انْظُرُواْ مَن أَطْعَمَكُمْ كِسْرَة أَوْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً أَوْ كَسَاكُمْ ثَوْباً؛ فخُذُواْ بِيَدِهِ ثُمَّ امْضُواْ بِهِ إِلي الجَنَّة " 0
[أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ 0 " الكَنْزُ " بِرَقْم: (16582)، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في لِسَانِ المِيزَانِ هَذَا مَوْضُوع: (128/ 6)، وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّرْعِيُّ في " نَقْدِ المَنْقُولِ " بِرَقْم: (223)، وَقَالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ في " الإِحْيَاءِ " ضَعِيف: 1553]
وَرَوَى حُجَّةُ الإِسْلَامِ أَبُو حَامِدٍ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ بَابِ فَضِيلَةِ الفَقْرِ وَالجُوعِ حَدِيثَاً عَظِيمَاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذَلِك، وَهَذَا الحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَلَامٌ كَثِير 00
{وَقِيلَتْ أَقَاوِيلُ في ضَعْفِهِ}
إِلَاّ أَنيِّ ذَكَرْتُهُ لأَنَّهُ حِكْمَةٌ بَالِغَة، وَالحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ حَيْثُمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا:
عَن سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَى أُسَامَةَ يَوْمَاً فَقَال:
" إِنَّ أَقَرَبَ النَّاسِ مِنَ اللهِ جل جلاله يَومَ القِيَامَة مَنْ طَالَ جُوعُهُ وَعَطَشُهُ وَحُزْنُهُ في الدُّنيَا، الأَحْفيَاءُ الأَتْقِيَاء الَّذِينَ إِنْ شُهِدُواْ لَمْ يُعْرَفُواْ، وَإِن غَابُواْ لَمْ يُفْتَقَدُواْ، تَعْرِفُهُمْ بِقَاعُ الأَرْض، وَتحُفُّ بِهِمْ مَلَائِكَةُ السَّمَاء، نَعِمَ النَّاسُ بِالدُّنيَا وَنَعِمُواْ بِطَاعَةِ اللهِ عز وجل، افْتَرَشَ النَّاسُ الفُرُشَ الوَثِيرَةَ وَافْتَرَشُواْ الجِبَاهَ وَالرُّكَب ـ كِنَايَةً عَنْ كَثرَةِ قِيَامِهِمُ اللَّيْل ـ ضَيَّعَ النَّاسُ فِعْلَ النَّبيّينَ وَأَخْلَاقَهُمْ وَحَفِظُوهَا هُمْ، تَبْكِي الأَرْضُ إِذَا فُقِدُواْ، وَيَسْخَطُ الجَبَّارُ عَلَى كُلِّ بَلْدَةٍ لَيْسَ فِيهَا مِنهُمْ أَحَد، لَمْ يَتَكَالَبُواْ عَلَى الدُّنيَا تَكَالُبَ الكِلَابِ عَلَى الجِيف، أَكَلُواْ العَلَق،
وَلَبِسُواْ الخِرَق، شُعْثاً غُبرَاً، يَرَاهُمُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ أَنَّ بِهِمْ دَاءً وَمَا بِهِمْ دَاء، وَيُقَالُ قَدْ خُولِطُواْ فَذَهَبَتْ عُقُولهُمْ، وَمَا ذَهَبَتْ عُقُولهُمْ، وَلَكِنْ نَظَرَ القَوْمُ بِقُلُوبِهِمْ إِلى أَمْرِ اللهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنهُمْ الدُّنيَا؛ فَهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنيَا يَمْشُونَ بِلَا عُقُول، عَقَلُواْ حِينَ ذَهَبَتْ عُقُولُ النَّاس، لَهُمُ الشَّرَفُ في الآخِرَة، يَا أُسَامَة: إِذَا رَأَيتَهُمْ في بَلْدَةٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَمَانٌ لأَهْلِ تِلكَ البَلْدَة، وَلَا يُعَذِّبُ اللهُ قَوْمَاً هُمْ فِيهِمْ، الأَرْضُ بِهِمْ فَرِحَة، وَالجبَّارُ عَنهُمْ رَاضٍ، اتخِذْهُمْ لنَفْسِكَ إِخْوَانَاً عَسَى أَنْ تَنجُوَ بِهِمْ " 0
وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ: " فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَمَانٌ لأَهلِ تِلْكَ البَلْدَة " هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِبف: [الحَارِثُ في " مُسْنَدِهِ " بِرَقْم: 347]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِذَا أَرَادَ اللهُ بِأَهْلِ الأَرْضِ عَذَابَاً، فَنَظَرَ إِلى مَا بِهِمْ مِنَ الجُوعِ وَالعَطَش؛ صَرَفَ عَنهُم العَذَاب " 0 [الدَّيْلَمِيُّ في " الفِرْدَوْسِ " في الحَدِيثِ الَّذِي بِرَقْم: (8392)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 16641]
الفُقَرَاءُ عَاتَبَ اللهُ فِيهِمْ نَبِيَّهُ مَرَّتَيْن
عَن خَبَّابٍ رضي الله عنه قَال:
" جَاءَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ؛ فَوَجَدَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ صُهَيْبٍ وَبِلالٍ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ رضي الله عنه قَاعِدَاً في نَاسٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ مِنَ المُؤْمِنِين، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَوْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حَقَرُوهُمْ؛ فَأَتَوْهُ فَخَلَوْا بِهِ وَقَالُواْ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ تجْعَلَ لَنَا مِنْكَ مجْلِسَاً تَعْرِفُ لَنَا بِهِ العَرَبُ فَضْلَنَا؛ فَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَأْتِيكَ فَنَسْتَحْيِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ مَعَ هَذِهِ الأَعْبُد؛ فَإِذَا نحْنُ جِئْنَاكَ فَأَقِمْهُمْ عَنْكَ فَإِذَا نحْنُ فَرَغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهُمْ إِنْ شِئْت؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم " نَعَمْ "؛ قَالُواْ:
فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابَاً؛ فَدَعَا بِصَحِيفَةٍ وَدَعَا عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لِيَكْتُبَ وَنحْنُ قُعُودٌ في نَاحِيَةٍ؛ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَال: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِن حِسَابِهِمْ مِن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ {52} وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولُواْ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ {53} وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة} {الأَنعَام}
فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتىَّ وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِه، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا؛ فَأَنْزَلَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} : أَيْ وَلَا تجَالِسِ الأَشْرَاف 0
{تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}
يَعْني عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِس 0
{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطَا} {الكَهْف/28}
أَيْ هَلاكَاً 00 أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَع، ثمَّ ضَرَبَ لهُمْ مَثَلَ الرَّجُلَيْنِ وَمَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ يَقُولُ خَبَّاب:
" فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتي يَقُومُ فِيهَا؛ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ حَتىَّ يَقُوم "
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4127]
هَكَذَا كَانَتْ نَظْرَةُ الغَنيِّ الكَافِرِ إِلى فُقَرَاءِ المُسْلِمِين، وَلَا عَجَبَ أَنْ يُفَكِّرَ الكَافِرُونَ بِهَذِهِ العَقْلِيَّة؛ فَكَمَا قِيل:" لَيْسَ بَعْدَ الكُفرِ ذَنْب " 00 فَلَقَدْ قَالُواْ ـ لُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ـ قَالُواْ أَكْبرَ مِنْ ذَلِك 00 قَالُواْ: كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْنَا غُلَامٌ يَتِيمٌ وَنُطَأْطِئُ رُءوسَنَا لَه 00؟!!
وَقَالَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَة: " أَيُنزَلُ عَلَى محَمَّدٍ وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيشٍ وَسَيِّدُهَا 00؟!
وَيُترَكُ أَبُو مَسْعُودٍ عَمْرُو بنُ عُمَيرٍ الثَّقَفِيّ، سَيِّدُ ثَقِيف؛ وَنحْنُ عُظَمَاءُ القَرْيَتَين 00؟!
فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَة: {وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ {31} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ، نحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَات؛ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضَاً سُخْرِيَّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يجْمَعُونَ} {الزُّخْرُف}
[ابْنُ هِشَامٍ في سِيرَتِهِ 0 دَارُ الجِيل 0 بَيْرُوت: 207/ 2]
ـ وَالفُقَرَاءُ أَيْضَاً؛ عَاتَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَبَا بَكْر 00
عَن عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو المُزَنيِّ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ رضي الله عنهم في نَفَرٍ فَقَالُواْ: وَاللهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِن عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا؛ فَقَالَ أَبُو بَكْر: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ 00؟
فَأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" يَا أَبَا بَكْر، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ 00 لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّك " 00 فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَال: يَا إِخْوَتَاه، أَغْضَبْتُكُمْ 00؟
قَالُواْ لَا، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَخِي " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2504 / عَبْد البَاقِي]
وَكُلُّنَا يَعْرِفُ مَا حَكَاهُ القُرْآنُ في شَأْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الصَّحَابيِّ الأَعْمَى، حَيْثُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِن أَشْرَافِ قُرَيْشٍ يَدْعُوهُمْ إِلى الإِسْلَام، فَشَقَّ ذَلكَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَرَكَهُ بِالبَابِ بُرْهَةً؛ حَتىَّ يَفْرُغَ مِمَّا في يَدَيْه؛ فَعَاتَبَهُ اللهُ في ذَلِكَ وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ جل جلاله:
{عَبَسَ وَتَوَلي {1} أَنْ جَاءهُ الأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3} أَو يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرَى {4} أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى {5} فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى {6} وَمَا عَلَيْكَ أَلَا يَزَّكَّى {7} وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى {8} وَهُوَ يخْشَى {9} فَأَنْتَ عَنهُ تَلَهَّى {10} كَلَاّ إِنهَا تَذْكِرَة {11} فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَه} {عَبَسَ}
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " أُنْزِلَ عَبَسَ وَتَوَلى في ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى؛ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُول: يَا رَسُولَ اللهِ أَرْشِدْني، وَعِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِين؛ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرِضُ عَنهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ وَيَقُول:
" أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسَاً " 00؟
فَيَقُولُ لَا 00 فَفِي هَذَا أُنْزِل " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 3331، وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]
إِنَّ اللهَ جل جلاله لَا يَصْرِفُ الدُّنيَا عَنِ العَبْدِ إِلَاّ إِذَا كَانَ يحِبُّه
عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً حَمَاهُ الدُّنيَا، كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يحْمِي سَقِيمَهُ المَاء " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في النَّلْخِيصِ بِرَقْم: (7464)، وَحَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2036]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا لَيَحْمِي عَبْدَهُ المُؤْمِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّه؛ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْه " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في النَّلْخِيصِ بِرَقْم: (7465)، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 23622، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ وَفي التَّرْغِيب]
وَعَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ اللهَ جل جلاله يحْمِي عَبْدَهُ المُؤْمِن؛ كَمَا يحْمِي الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ مَرَاتِعِ الهَلَكَة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2036، وَهُوَ في الشُّعَب بِرَقْم: 10451، وَفي الكَنْزِ بِرَقْم: 6826]
لَوْ يَعْلَمُ الفُقَرَاءُ مَا في الفَقْرِ مِنَ الأَجْر 00!!
عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَوْ تَعْلَمُونَ مَا ادُّخِرَ لَكُمْ: مَا حَزِنْتُمْ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْكُمْ " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في التَّرْغِيبِ وَالجَامِعِ بِرَقْمَيْ: 3208، 9392، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في مُسْنَدِ الشَّامِيِّين]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنَةً؛ يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ في الدُّنيَا، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، فَأَمَّا الْكَافِر: فَيُطْعَمُ بحَسَنَاتِهِ في الدُّنيَا، فَإِذَا أَفْضَى إِلىَ الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بهَا خَيْرَاً "[قَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَفي المُسْنَد: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " لَا يُصِيبُ عبْدٌ مِنَ الدُّنيَا شَيْئاً؛ إِلَاّ نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ ثَمَّ الله ـ أَيْ عِنْدَ الله ـ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَرِيمَا " 0 [صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " التَّرْغِيب " بِرَقم: (3220)، ابْنُ أَبي الدُّنيَا وَالبَيْهَقِيُّ في " الشُّعَبِ " بِرَقْم: 10676]
عَن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَوْ أَنَّ رَجُلاً يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلىَ يَوْمِ يَمُوتُ هَرِمَاً، في مَرْضَاةِ اللهِ عز وجل؛ لَحَقَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة " 0
[صَحَّحهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ الصَّحِيحَة، قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَد: إِسْنَادُهُ جَيِّد]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن محَمَّدِ بْنِ أَبي عُمَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَوْ أَنَّ عَبْدَاً خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلى يَوْمِ يمُوتُ هَرِمَاً، في طَاعَةِ اللهِ عز وجل؛ لحَقَّرَهُ ذَلِكَ اليَوْم، وَلَوَدَّ أَنَّهُ يُرَدُّ إِلى الدُّنيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَاب " 0
[رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 المجْمَع: 225/ 10، وَصَحَّحهُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيب: 3597، الكَنْز: 43120، المُسْنَد: 17198]
وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " إِنَّ مُوسَى عليه السلام قَال: أَيْ رَبّ، عَبْدُكَ المُؤْمِنُ مُقَتَّرٌ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا 00؟!
فَيُفْتَحُ لَهُ بَابُ الجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا؛ قَالَ جل جلاله: يَا مُوسَى، هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ؛ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: أَيْ رَبّ، وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِك؛ لَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْن، يُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَة، وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ؛ لَمْ يَرَ بُؤْسَاً قَطّ، ثُمَّ قَالَ مُوسَى عليه السلام: أَيْ رَبّ، عَبْدُكَ الْكَافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا 00؟!
فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ فَيُقَال: يَا مُوسَى، هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ؛ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: أَيْ رَبّ، وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِك؛ لَوْ كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَة، وَكَانَ هَذَا مَصِيرَه؛ كَأَنْ لَمْ يَرَ خَيرَاً قَطّ " 0 [قَالَ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ ": فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَدَرَّاجٌ وَقَدْ وُثِّقَا عَلَى ضَعْفِهِمَا 0 ص: (266/ 10)، وَهُوَ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم:(11358)، وَفي " الكَنْزِ " بِرَقْم: 16666]
وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تَقُولُ المَلَائِكَةُ يَا رَبّ: عَبْدُكَ المؤْمِنُ تَزْوِي عَنهُ الدُّنيَا وَتعَرِّضُهُ للبَلَاء وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِكَ؟!
فَيَقُول: اكْشِفُواْ عَنْ ثَوَابِه؛ فَإِذَا رَأَواْ ثَوَابَهُ تَقُولُ المَلَائِكَةُ يَا رَبّ؛ مَا يَضُرُّهُ مَا أَصَابَهُ في الدُّنيَا، وَتَقُولُ المَلَائِكَةُ يَا رَبّ: عَبْدُكَ الكَافِرُ تَبْسُطُ لَهُ الدُّنيَا وَتَزْوِي عَنهُ البَلَاءَ وَقَدْ كَفَرَ بِك؟!
[الحِليَةُ لأَبي نُعَيْم، جَامِعُ الأَحَادِيثِ القُدُسِيَّةِ بِرَقْم: (318)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 16667]
فَيَقُولُ اكْشِفُواْ عَن عِقَابه؛ فَإِذَا رَأَواْ عِقَابَهُ قَالُواْ يَا رَبّ، مَا يَنْفَعُهُ مَا أَصَابَهُ في الدُّنيَا "؟
وَعَن عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ قَال: " مَرَّ نَبيٌّ مِنَ الأَنْبيَاءِ بِسَاحِلٍ، فَإِذَا هُوَ برَجُلٍ يَصْطَاد، فَقَالَ بِسْمِ اللهِ وَأَلقَى الشَّبَك، فَلَمْ يخْرجْ فِيهِ شَيْء 00!!
ثمَّ مَرَّ بِآخَرَ فَوَجَدَهُ يَقُولُ باسْمِ الشَّيْطَانِ وَيُلْقي بِالشَّبَك، فَيَخْرُجُ وَبِهِ مِنَ السَّمَك: مَا كَانَ يَتَقَاعَسُ مِنْ كَثْرَتِه 00!!
فَقَالَ هَذَا النَّبيُّ عليه السلام: يَا رَبّ، مَا هَذَا وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِيَدِك 00؟!
فَقَالَ جل جلاله لمَلَائِكَتِهِ: " اكْشِفُواْ لِعَبْدي عَنْ مَنْزِلَتَيْهِمَا، فَلَمَّا رَأَى مَا أَعَدَّ اللهُ لِهَذَا منَ الكَرَامَة، وَلِذَاكَ مِنَ الهَوَان؛ قَالَ رَضِيتُ يَا رَبّ " 0
[الزُّهْدُ لَابْنِ المُبَارَكِ بِرَقْم: (621)، الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقْ 0 بَابُ فَضِيلَةِ الفَقر: 1555]
أَيُّهُمَا أَفْضَل: الغَنيُّ الشَّاكِرُ أَمِ الفَقِيرُ الصَّابِر 00؟!
وَاللهِ يَا أَخِي مِنْ قَدِيمٍ وَالنَّاسُ مخْتَلِفُونَ حَوْلَ هَذَا الأَمْر ـ أَعْني المُفَاضَلَةَ بَينَ الشُّكْرِ وَالصَّبر ـ فَمِنهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الشَّاكِرَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الصَّابِر، وَمِنهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الصَّابِرَ أَعْظَمُ دَرَجَة 0
أُمُورٌ قَبْلَنَا اختَلَفُواْ عَلَيْهَا * وَطَالَ البَحثُ وَاتَّصَلَ الحِوَارُ
{محْمُود غُنَيْم}
نَعَمْ يَا أَخِي، كِلَاهُمَا نِصْفُ الإِيمَان ـ كَمَا نَصَّتْ عَلَى ذَلِكَ الأَحَادِيثُ في مَوَاطِنَ كَثِيرَة ـ لَكِنْ نَاهِيكَ في ذَلِكَ أَنَّ كَلِمَةَ الصَّبْر [بِدُونِ مُشْتَقَّاتِهَا]: ذَكَرَهَا القُرْآنُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّة، أَمَّا كَلِمَةُ الشُّكْر: فَلَمْ تَرِدْ في القُرْآنِ الكَرِيمِ إِلَاّ مَرَّةً وَاحِدَة، وَجَاءتْ نَكِرَة 00!!
لَكَ اللهُ يَا أَخِي، أَفَمَنْ يَصْبِرُ وَهُوَ مُضْطَرّ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَفَرَّ مِنَ الصَّبْر: كَمَنْ يُسَلِّكُ أَسْنَانَهُ بِالشُّكْر 00؟! إِنَّكَ لأَنتَ الحَلِيمُ الرَّشِيد 00!!
أَفَشُكْرُ الشَّبْعَانِ * يَسْتَوِي في المِيزَانِ
مَعَ صَبْرِ الجَوْعَانِ
فَقُدْرَةُ الغَنيِّ عَلَى الشُّكْر: أَيْسَرُ بِكَثِيرٍ مِنْ قُدْرَةِ الفَقِيرِ عَلَى الصَّبر 0
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِهِ يَوْمَاً: " أَيُّ النَّاسِ خَير " 00؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُوسِرٌ غَنيٌّ يُعْطِي حَقَّ نَفْسِهِ وَمَالِه، فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" نِعْمَ الرَّجُلُ هَذَا وَلَيْسَ بِه، وَلَكِن خَيرُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ؛ وَالحَاصِلُ ـ أَيْ وَقَعَدَ ـ يُعْطِي جُهْدَه " 0 [ابْنُ عَدِيٍّ في " الضُّعَفَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الفِكْر 0 بَيرُوت 0 ص: 238/ 4]
وَجُهْدُ الفَقِيرِ المُقِلِّ هَذَا لَا يُسْتَهَانُ بِه؛ فَهْوَ عِنْدَ اللهِ خَيرٌ مِنَ الأُلُوفِ المُؤَلَّفَة، الَّتي قَدْ لَا تُسَاوِي شَيْئَاً بِالنِّسْبَةِ إِلى ثَرْوَةِ صَاحِبِهَا 00!!
وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْف " 0
قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ وَكَيْف 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَان، فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِه، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِير، فَأَخَذَ مِن عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا " 0
[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 2528، وَفي مُشْكِلَةِ الْفَقْرِ بِرَقْم: (119)، وَفي الجَامِعِ بِرَقْم: 5919، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان]
سُئِلَ المَسِيحُ عليه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مَرَّا بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَيُّهُمَا أَفْضَل 00 أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَتَخَطَّاهَا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَخَذَهَا وَأَنْفَقَهَا في طَاعَةِ الله 00؟!
فَقَالَ عليه السلام: الَّذِي تخَطَّاهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْه " 0
[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " بِالبَابِ العِشْرِين]
وَيَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ في كِتَابِهِ القَيِّمِ " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين " مَا مخْتَصَرُه:
" وَلَقَدْ رَأَيْنَا كَيْفَ كَانَتِ الدُّنيَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ قَبِلَهَا لأَنْفَقَهَا كُلَّهَا في سَبِيلِ الله، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعِيشَ عِيشَةَ الفُقَرَاء؛ لِمَا في الصَّبْرِ عَلَيْهَا مِنَ المَثُوبَةِ وَالجَزَاء، وَلَوْ كَانَ الشُّكْرُ أَعْظَمَ أَجْرَاً لَفَعَل " 0
[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " بِتَصَرُّف 0 البَابُ العِشْرُون]
وَبِالطَّبْعِ أَنَا لَا يخْفَى عَلَيَّ أَنَّ هُنَاكَ فِئَةً مِمَّنْ تَنَاوَلُواْ المَسْأَلَة؛ الفَضْلُ عِنْدَهَا لَيْسَ بِالفَقْرِ وَلَا الغِنى، إِنمَا هُوَ بحَسَبَ التَّقْوَى وَالإِيمَان، وَطَاقَةِ كُلِّ إِنْسَان، وَهَذِهِ الفِئَةُ ـ مَعَ احْترَامِنَا لهَا الشَّدِيد ـ لَمْ تَأْتِنَا بجَدِيد، ثمَّ أَنهَا احْتَجَّتْ عَلَى كَلَامِهَا بِشَاهِدٍ بَعِيد؛ إِذْ أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ التَّقْوَى مِقْيَاسُ التَّفَاضُلِ بَينَ النَّاسِ عُمُومَاً، وَلَيْسَ بَينَ الفُقَرَاءِ وَالأَغْنِيَاءِ فَقَطْ؛ يَقُولُ جل جلاله:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} {الحُجُرَات/13}
فَنُقْطَةُ الخِلَافِ هِيَ: إِذَا اسْتَوَى فَقِيرٌ وَغَنيٌّ في التَّقْوَى وَالعِبَادَات؛ أَيُّهُمَا أَفْضَل 00؟
وَلَن أُجِيبَ أَنَا، لَكِنْ سَيُجِيبُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" يَدْخُلُ الفُقَرَاءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاء؛ بخَمْسِمِائَةِ عَام 00 نِصْفِ يَوْمٍ " 0
[صحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (2353)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 16592]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
{وَإِنَّ يَوْمَاً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} {الحَجّ: 47}
هَذَا 00 وَكُلُّ الأَحَادِيثِ الَّتي قَدَّمْنَاهَا سَالِفَاً يُسْتَشْهَدُ بهَا في ذَلِك؛ لإِثْبَاتِ فَضْلِ أَهْلِ الفَقْرِ عَلَى أَهْلِ الغِنى، إِنَّ الأَحَادِيثَ الَّتي ثَوَّبَتْ فَضْلَ فَقْرِ الفَقِيرِ أَكْثَرُ مِن أَنْ تحْصَى، وَأَكْثَرُهَا لَمْ يجْعَلْ صَبرَهُ شَرْطَاً، وَإِنمَا جَاءَ التَّثْوِيبُ لِمَا يخْتَصُّ بِهِ الفَقْرُ مِنَ البَلَاء، في حِينِ أَنَّهُ لَا تُوجَدُ أَحَادِيثُ عَلَى الإِطْلَاقِ مَدَحَتْ غِنى الغَنيّ ـ اللهُمَّ إِلَا مَشْرُوطَاً بِالإِنْفَاقِ في سَبِيلِ الله ـ
بَلْ عَلَى العَكْس تَمَامَاً؛ ذَمَّتِ الغِنى وَحَذَّرَتْ مِنهُ 0
ثمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا أَعْيَتْهُمُ الحِيلَةُ في الرَّدّ؛ بَدَأُواْ يَبْحَثُونَ عَنْ كُلِّ مَا ثَوَّبَ الشُّكْرَ وَقَدَّمُوهُ لَنَا، وَهَذَا خَلطٌ آخَر، فَالشَّاكِرُ لَا غُبَارَ عَلَيْه، لَكِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا هُنَا كَمَا نَقُول: هُوَ الفَضْلُ بَينَ الفَقْرِ وَالغِنى وَفي أَيِّهِمَا الأَجْر، وَلَيْسَ عَنْ فَضْلِ الشُّكْرِ وَالصَّبر 0
وَمِمَّا قَدْ قَالُوهُ: إِنَّ الصَّبرَ دَرَجَاتٌ وَالشُّكْرَ دَرَجَات؛ وَفَضْلُ كُلِّ صَابِرٍ أَوْ شَاكِرٍ بحَسْبِ دَرَجَتِه، وَهَذَا كَلَامٌ لَا يُعَدُّ تَأْوِيلاً وَلَا يَسُدُّ غَلِيلاً: فَكُلُّ عِبَادَةٍ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا هَذَا الكَلَام، وَلَيْسَ الصَّبرُ وَالشُّكْرُ فَقَطْ: فَالذَّاكِرُونَ دَرَجَات، وَالمُصَلُّونَ دَرَجَات، وَالصَّائِمُونَ دَرَجَات، وَكَذَا كُلُّ العِبَادَات 00!!
وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ جل جلاله: {إِنْ يَكُن غَنِيَّاً أَوْ فَقِيرَاً فَاللهُ أَوْلى بهِمَا} {النِّسَاء: 135}
وَقَالُواْ: إِنَّ الآيَةَ لَمْ تُفَرِّقْ بَينَ فَقِيرٍ وَغَنيّ 0
وَنَسُواْ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ جَاءتْ في مَعْرِضِ الكَلَامِ عَنِ القَضَاء، حَيْثُ أَمَرَتْ بِالتَّسْوِيَةِ بَينَ الفَقِيرِ وَالغَنيّ: فَلَا نجَامِلُ الغَنيَّ لأَجْلِ غِنَاه، وَلَا نحْكُمُ لِلْفَقِيرِ شَفَقَةً عَلَيْه 00
يَقُولُ جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقرَبِين، إِنْ يَكُن غَنِيَّاً أَوْ فَقِيرَاً فَاللهُ أَوْلى بِهِمَا؛ فَلَا تَتَّبِعُواْ الهَوَى أَنْ تَعْدِلُواْ، وَإِنْ تَلوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَا} [النِّسَاء: 135]{أَ: هـ}
[الإِمَامُ القُرْطُبيُّ في " تَفْسِيرِهِ " طَبْعَةِ دَارُ الشَّعْبِ 0 القَاهِرَة: 413/ 5]
وَأَقُول: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ القَضِيَّةِ نِزَاعَاً بَينَ الفَقِيرِ وَالغَنيّ؛ إِلَا أَنَّ البَصِيرَ لَا يخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ بَاطِنَهَا نِزَاعٌ بَينَ الفَقْرِ وَالغِنى، وَالبَحْثُ عَن أَيِّهُمَا أَفْضَل 00؟
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الفَقْرَ أَفْضَلُ لِسَبَبَين:
أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الفَقْرَ لَا يُعَرِّضُ صَاحِبَهُ لِفِتْنَةِ الدُّنيَا كَالغِنى 00
عَن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَال: حِينَ قَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالِ البَحْرَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَافَاهُ الأَنْصَارُ لِيَأْخُذُواْ مِنهُ ـ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَال:
" أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ " 00؟
قَالُواْ أَجَلْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" فَأَبْشِرُواْ وَأَمِّلُواْ مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِني أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا؛ وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 4015]
وَعَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَال:
" ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ " 00!!
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 2464]
ثَانِيهِمَا: أَنَّ الفَقْرَ قَاسٍ لَا يُطَاقُ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنْفُس، بخِلَافِ الغِنى، وَالأَجْرُ عَلَى قَدْرِ المَشَقَّة؛ وَلِذَا كَانَتْ لِلفَقِيرِ الفَاقِدِ في الإِسْلَامِ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ لِلغَنيِّ الوَاجِد 00
رَأْيٌ قَيِّم لَابْنِ القَيِّم
يَقُولُ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ في كِتَابِهِ القَيِّم / عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين:
" شَرَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ قِتَالَ الكُفَّار، وَشَرَعَ الكَفَّ عَنِ الرُّهْبَان؛ لَاعْتِزَالهِمْ عَنِ الدُّنيَا وَزُهْدِهِمْ فِيهَا، فَمَضَتِ السُّنَّةُ بِأَن لَا يُقَاتَلواْ وَلَا تُضْرَبَ عَلَيْهِمُ الجِزْيَة 00
هذا 00 وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ وَأَعْدَاءُ رَسُولِهِ وَدِينِهِ؛ فَاعْلَم أَنَّ الزُّهْدَ فِيهَا عِنْدَ اللهِ بمَكَان، وَكَذَلِكَ اسْتَقَرَّت حِكْمَتُهُ في شَرْعِهِ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الوَاجِدِ أَعْظَمُ مِن عُقُوبَةِ الفَاقِد: فَهَذَا الزَّاني المحْصَنُ عُقُوبَتُهُ الرَجْم، وَعُقُوبَةُ مَنْ لَمْ يُحْصَنِ الجَلْدُ وَالتَّغْرِيب 00 وَهَكَذَا يَكُونُ ثَوَابُ الفَاقِدِ أَعْظَمَ مِنْ ثَوَابِ الوَاجِد " 0
[الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " بِالبَابِ الثَّالِثِ وَالعِشْرِين]
عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رضي الله عنه قَال:
" خَرَجَ رَسُولُ اللهِ في أَصْحَابِهِ إِلى بَقِيعِ الغَرقَد ـ أَيِ المَقَابِر ـ فَقَال صلى الله عليه وسلم:
" السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُور، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نجَّاكُمُ اللهُ مِنهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ " 00؟!
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: " هَؤُلَاءِ خَيرٌ لي مِنْكُمْ " 00 فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ إِخوَانُنَا، أَسلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا، وَهَاجَرْنَا كَمَا هَاجَرُواْ، وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُواْ، وَأَتَواْ عَلَى آجَالهِمْ، فَمَضَواْ فِيهَا وَبَقِينَا في آجَالِنَا؛ فَمَا بجْعَلُهُمْ خَيرَا مِنَّا 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُواْ مِنَ الدُّنيَا وَلَمْ يَأْكُلُواْ مِن أُجُورِهِمْ شَيْئَا، وَخَرَجُواْ وَأَنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ ـ أَيْ شَهِيدٌ عَلَى حُسْنِ خَاتِمَتِهِمْ ـ وَإِنَّكُمْ قَدْ أَكَلتُمْ مِن أُجُورِكُمْ، وَلَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي " 0
فَلَمَّا سَمِعَهَا القَوْمُ وَاللهِ عَقَلُوهَا وَانْتَفَعُواْ بِهَا، قَالواْ: وَإِنَا لمحَاسَبُونَ بِمَا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنيَا، وَإِنَهُ لَيُنْقِصُ بِهِ مِن أُجُورِنَا 00؟!
فَأَكَلُواْ وَاللهِ طَيِّبَاً، وَأَنْفَقُواْ قَصْدَاً، وَقَدَّمُواْ فَضْلَا " 0
[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " بِالبَابِ رَقم: (23)، وَابْنِ المُبَارَكِ في " الزُّهْد " بِرَقم: 498]
انْظُرْ مَا جَرَّتْهُ كَثْرَةُ الأَمْوَالِ عَلَى أَهْلِ الغِنى: حَمَلَهُمْ حُبُّ المَالِ عَلَى أَنْ قَطَعُواْ أَرْحَامَهُمْ، وَأَكَلُواْ الحُقُوقَ وَظَلَمُواْ العِبَاد 00!!
أَلَا تَرَى كَيْفَ رَبَطَ اللهُ جل جلاله بَينَ البَغْيِ وَالغِنى فَقَالَ سبحانه وتعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَواْ في الأَرْض، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاء، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير} {الشُّورَى: 27}
رَأْيٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَة
وَقَالَ أَيْضَاً شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الفَتَاوَى الكُبرَى:
" إِنَّ الصَّلَاحَ في الفُقَرَاءِ أَكْثَرُ مِنهُ في الأَغْنِيَاء، كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ في الأَغْنِيَاءِ فَهُوَ أَكْمَلُ مِنهُ في الفُقَرَاء، فَهَذَا في هَؤُلَاءِ أَكْثَر، وَفي هَؤُلَاءِ أَكْثَر ـ أَيْ كَثِيرٌ أَيْضَاً ـ لأَنَّ فِتْنَةَ الغِنى أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْر؛ فَالسَّالِمُ مِنهَا أَقَلّ، وَمَنْ سَلِمَ مِنهَا: كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ سَلِمَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ فَقَطْ؛ وَلِهَذَا صَارَ النَّاسُ يَطْلُبُونَ الصَّلَاحَ في الفُقَرَاء؛ لأَنَّ المَظَنَّةَ فِيهِمْ أَكْثَر، وَاللهُ أَعْلَم " 0
[شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في " الفَتَاوَى الكُبرَى " 0 ص: 131 ـ 132/ 11]
هَذَا 00
وَلَطَالَمَا كَانَ الهَلَاكُ مِنَ الغِنى * وَسَلَامَةُ الإِنْسَانِ في إِمْلَاقِهِ
إِذَا مَا أَرَادَ اللهُ إِهْلَاكَ نَمْلَةٍ * سَمَتْ بجَنَاحَيْهَا إِلى الجَوِّ تَصْعَدُ
إِنَّ الصَّحَابَةَ مَا فَتَحُواْ الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا إِلَاّ بِالجُوع، ولَا طُوِيَتْ لهُمُ الأَرْضُ إِلَاّ بِالجُوع، وَلَا اجْتَبَاهُمُ اللهُ جل جلاله إِلَاّ بِه 0
فَضْلُ الجُوعِ وَالحِرْمَانِ يَوْمَ القِيَامَة
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في قَولِهِ جل جلاله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَات، وَبَشِّرِ الصَّابِرِين} {البَقَرَة/155}
قَال رضي الله عنه: " أَخْبَرَ جل جلاله المُؤْمِنينَ أَنَّ الدُّنيَا دَارُ بَلَاء، وَأَنَّهُ مُبْتَلِيهِمْ فِيهَا، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبر، وَبَشَّرَهُمْ فَقَالَ جل جلاله:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِين} {البَقَرَة/155}
ثمَّ أَخْبرَهمْ أَنَّهُ هَكَذَا فَعَلَ بِأَنْبِيَائِهِ وَصَفْوَتهِ؛ يُطَيِّبُ نُفُوسَهُمْ، فَقَالَ سبحانه وتعالى:
{مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءوَالضَّرَّاءوَزُلْزِلواْ} {البَقَرَة/214}
أَمَّا البَأْسَاءُ فَالفَقْر، وَأَمَّا الضَّرَّاءُ فالسَّقَم، وَزُلْزِلْواْ بِالفِتنِ وَأَذَى النَّاسِ إِيَّاهُمْ " 0
[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: (9687)، وَالطَّبرِيُّ في تَفْسِيرِهِ 0 طَبْعَةُ دَارِ الفِكْر 0 ص: 61/ 26]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَواْ مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءوَالضَّرَّاءوَزُلزِلواْ حَتىَّ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتى نَصْرُ الله، أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيب} {البَقَرَة: 214}
دَعْوَةُ الفَقِيرِ المُضْطَرّ
قَالَ رَجُلٌ لِبِشْرِ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه ادْعُ اللهَ لي فَقَدْ أَضَرَّ بي العِيَال 00؟
فَقَالَ لَهُ بِشْر: إِذَا قَالَ لَكَ عِيَالُكَ لَيْسَ عِنْدَنَا دَقِيقٌ وَلَا خُبز؛ فَادْعُ اللهَ لي أَنْتَ عِنْدَئِذٍ؛ فَإِنَّ دُعَاءَكَ أَفْضَلُ مِنْ دُعَائي 00!!
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " الطَبْعَةِ الأُولى لِدَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة 0 ص: 1561]
ذَلِكَ لأَنَّهُ مُضْطَرّ، وَاللهُ يجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه 0
بُشْرَاهُ صلى الله عليه وسلم لِلفُقَرَاء
عَن عِمْرَانَ بْنِ الحُصَين رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللهَ يحِبُّ عَبْدَهُ المُؤْمِنَ الفَقِيرَ المُتَعَفِّفَ أَبَا العِيَال " 0
[ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: (4121)، ذَكَرَهُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاء: (1548)، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 7091]
فُقَرَاءُ الصُّفَّة
[الصُّفَّةُ: ظُلَّةٌ كَالخَيْمَةِ كَانَتْ في المَسْجِدِ النَّبَوِيّ، يَأْوِي إِلَيْهَا مَنْ لَا مَأْوَى لَهُ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِين]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " لَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ سَبْعِينَ رَجُلاً " 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4292]
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرو النَّضْرِيِّ رضي الله عنه وَذَكَرَ قُدُومَهُ لِلمَدِينَةِ فَقِيرَاً فَقَال:
" فَنَزَلتُ في الصُّفةِ مَعَ رَجُل، فَكَانَ بَيْني وَبَيْنَه كُلَّ يَومٍ مُدٌّ مِنَ التَّمْر، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَعْضَ الصَّلوات، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الصِّفَّة: يَا رَسُولَ الله، أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ وَتخَرَّقَتْ عَنَّا الخُنُف ـ أَيْ جَمْعُ خَنِيف: وَهُوَ رِدَاءٌ رَدِيءٌ غَلِيظ ـ فَصَعَدَ صلى الله عليه وسلم المِنْبرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنى عَلَيْه، وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالأَذَى، حَتىَّ قَال صلى الله عليه وسلم:
" لَقَدْ مَكَثْتُ أَنَا وَصَاحِبي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمَاً وَلَيْلَة، وَمَا طَعَامُنا إِلَاّ البرِير ـ أَيْ ثَمَرُ شَجَرِ الآرَاك: أَيِ السِّوَاك، وَقِيلَ الآرَاكُ نَفْسُه ـ حَتىَّ قَدِمْنَا المَدِينَةَ عَلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَار، فَوَاسَوْنَا في طَعَامِهِمْ، وَعِظَمُ طَعَامِهِمْ هَذَا ـ أَيْ وَمُعْظَمُه ـ التَّمْر، وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ اللَّحْمَ وَالخبْزَ لأَطْعَمْتُكُمُوه، وَلَكِنْ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُدْرِكُواْ زَمَانَاً تَلْبِسُونَ فِيهِ مِثْلَ أَسْتَارِ الكَعْبة، وَيُغْدَى عَلَيْكُمْ وَيُرَاحُ بِالجِفَان، أَنْتُمْ ـ أَيِ اليَوْمَ ـ خَيرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ؛ أَنْتُمُ اليَوْمَ إِخْوَان، وَأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ بِرَقْم: 4290، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 2486]
الجفان: جَمْعُ جَفنَة، وَهِيَ القَصْعَةُ الَّتي يُوضَعُ فِيهَا الطَّعَام 0
بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي يَا سَيِّدِي رَسُولَ الله؛ كَأَنَّكَ تَنْظُرُ بِعَينِ النُّبُوَّةِ إِلى حَالِ أُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِك 00!!
وَسُبْحَانَ القَائِل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِن هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} {النَّجْم: 3}
الحَالُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ المَسْجِدُ النَّبَوِيّ
عَن أَبي سَلَمَةَ بِنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنهم أَنَّهُ قَال: " جَاءتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ؛ حَتىَّ سَالَ السَّقْف ـ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْل ـ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاة؛ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ في المَاءِ وَالطِّين؛ حَتىَّ رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ في جَبْهَتِهِ صلى الله عليه وسلم " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 669 / فَتْح]
فَقْرُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضِيقُ بَيْتِه
وَعَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كُنْتُ أَمُدُّ رِجْلي في قِبْلَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَني فَرَفَعْتُهَا، فَإِذَا قَامَ مَدَدْتُهَا " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1209 / فَتْح]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ في قِبْلَتِه، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَني فَقَبَضْتُ رِجْلَيّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيح " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (513)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 512]
رَوَى حُرَيْثُ بْنُ السَّائِب عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " كُنْتُ أَدْخُلُ بُيُوتَ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَتَنَاوَلُ سُقُفَهَا بِيَدِي " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 450]
انْظُرْ إِلى ضِيقِ بَيْتِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَارِنهُ بِسَعَةِ بُيُوتِ أُمَّتِه، وَمَعَ ذَلِكَ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا 00!!
الإِضَاءةُ في بَيْتِ النَّبيِّ ** صلى الله عليه وسلم **
يَا مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الحَيَاةَ بِدُونِ كَهْرَبَاء: هَلَاّ ذَكَرْتَ بُيُوتَ الأَنْبِيَاء 00؟!
هَلَاّ تَفَكَّرْتَ في بَيْتِ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام، وَكَيْفَ كَانَتْ تَمُرُّ عَلَيْهِ اللَّيَالي وَالأَيَّام، وَهُوَ يخَيِّمُ في جَنَبَاتِهِ الظَّلَام 00؟!
تَقُولُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها: " لَوْ كَانَ عِنْدَنَا دُهْنُ مِصْبَاحٍ لأَكَلْنَاه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " التَّرْغِيب " بِرَقْم: 3276]
حَدَّثَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
" كَانَتْ تَأْتي عَلَيْنَا أَرْبَعُونَ لَيْلَةً؛ مَا يُوقَدُ في بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِصْبَاحٌ وَلَا غَيْرُه "[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7080]
عَن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، وَعَلَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا؛ فَلَمَّا رَأَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَا تَلْقَى قَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْس؛ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُك " 00 أَيْ لَا تَتَكَلَّفِي الحِجَابَ مِنهُ
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ وَفي الإِرْوَاءِ بِرَقْمَيْ: 4106، 1799]
عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الحِلْيَةَ وَالحَرِيرَ وَيَقُول: " إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسُوهَا في الدُّنيَا " 0
[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 5486]
**كَيْفَ كَانَ صلى الله عليه وسلم أَحْيَانَاً**
**يُصَلِّي جَالِسَاً مِنْ شِدَّةِ الجُوع**
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " دَخَلتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي جَالِسَاً؛ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله، أَرَاكَ تُصَلِّي جَالسَاً فَمَا أَصَابَك 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الجُوعُ يَا أَبَا هُرَيْرَة " 00 فَبَكَيْت، فَقَالَ " لَا تَبْكِ يَا أَبَا هُرَيْرَة؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الحِسَابِ يَوْمَ القِيَامَة، لَا تُصِيبُ الجَائِعَ إِذَا احْتَسَبَ في دَارِ الدُّنيَا " 0
[احْتَسَبَ: أَيْ وَثِقَ في أَجْرِهِ وَحِسَابِه، وَحُسْنِ ثَوَابِه 0 رَوَاه ابْنُ الخَطِيبِ وَأَبُو نُعَيمٍ وَالبَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: (10425)، وَهُوَ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 18628]
وَكانَت أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَقُول: " إِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمْتَلِئْ قَطُّ شِبْعَاً، وَرُبمَا بَكَيْتُ رَحْمَةً مِمَّا أَرَى بِهِ مِنَ الجُوع؛ فَأَمْسَحُ بَطْنَهُ بِيَدِي وَأَقُول: نَفْسِي لَكَ الفِدَاء، لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدُّنيَا بقَدْرِ مَا يُقَوِّيكَ وَيَمْنَعُكَ مِنَ الجُوع 00؟!
فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم: " يَا عَائِشَة: إِخْوَاني مِن أُولي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ قَدْ صَبرُواْ عَلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِن هَذَا، مَضَواْ عَلَى حَالهِمْ فَقَدِمُواْ عَلَى رَبِّهِمْ فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُم؛
فَأَجِدُنِي أَسْتَحِيي إِنْ تَرَفَّهْتُ في مَعِيشَتي أَنْ يُقَصِّرَ بي غَدَاً دُونَهُمْ، فَالَّصَّبرُ أَيَّامَاً يَسِيرَة: أَحَبُّ إِليَّ مِن أَنْ يَنْقُصَ حَظِّي غَدَاً في الآخِرَة، وَمَا مِنْ شَيْء أَحَبُّ إِليَّ مِنَ اللُّحُوقِ بِأَصْحَابي وَإِخْوَاني "؛ قَالتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَة:
فَوَاللهِ مَا اسْتَكمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ جُمُعَةً حَتىَّ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْه " 0 [أَخرَجَه أَبُو مُوسَى المدَنِي: أَحَدُ شُيُوخِ الإِمَامِ البُخَارِيّ، الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ ": 962]
عَنْ مَسْرُوقٍ الهَمَدَانيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " يَا عَائِشَة: إِنَّ اللهَ جل جلاله لَمْ يَرْضَ مِن أُولي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ إِلَاّ بِالصَّبرِ عَلَى مَكْرُوهِهَا، وَالصَّبرِ عَنْ محْبوبِهَا، ثُمَّ لَمْ يَرْضَ مِنيِّ إِلَاّ أَنْ يُكَلِّفَني ما كَلَّفَهُمْ؛ فَقَالَ جل جلاله:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُل} {الأَحْقَاف: 35} " 0
[ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِه 0 طَبْعَةُ دَارِ الفِكْر 0 بَيرُوت 0 ص: 173/ 4]
جُوعُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِاليَوْمَينِ وَالثَّلَاثَة
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَال:
" أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُهُ مُتَغَيرَاً؛ فَقُلْتُ بِأَبي أَنْتَ مَا لي أَرَاكَ مُتَغَيرَاً 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا دَخَلَ جَوْفي مَا يَدْخُلُ جَوْفَ ذَاتِ كَبِدٍ مُنْذُ ثَلَاث " فَذَهَبْتُ فَإِذَا يَهُودِيٌّ يَسْقِي إِبِلاً لَهُ، فَسَقَيْتُ لَهُ عَلَى كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَة، فَجَمَعْتُ تَمْرَاً، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" مِن أَيْنَ لَكَ يَا كَعْب " 00؟
فَأَخْبرْتُهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" أَتحِبُّني يَا كَعْب " 00؟
قُلْتُ بِأَبي أَنْتَ نَعَمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْلِ إِلى مَعَادِنِهِ ـ أَيْ إِلى مُسْتَقَرِّه ـ وَإِنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلَاء؛ فَأَعِدَّ لَهُ تجْفَافَاً " 00 أَيْ عُدَّةً 0
فَفَقَدَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " مَا فَعَلَ كَعْب " 00؟
قَالُواْ مَرِيض؛ فَخَرَجَ يَمْشِي حَتىَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَه:
" أَبْشِرْ يَا كَعْب " 00 فَقَالَتْ أُمُّه: هَنِيئَاً لَكَ الجَنَّةُ يَا كَعْب؛ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن هَذِهِ المُتَأَلِّيَةُ عَلَى اللهِ عز وجل " 00؟
قُلتُ هِيَ أُمِّي يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا يُدْرِيكِ يَا أُمَّ كَعْب 00؟ لَعَلَّ كَعْبَاً قَالَ مَا لَا يَنْفَعُه، وَمَنَعَ مَا لَا يُغْنِيه " 0
[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: إِسْنَادُهُ جَيِّد، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 3103، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط]
وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها جَاءتْ بِكِسْرَةٍ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " مَا هَذَا " 00؟
قَالَتْ قُرْصٌ خَبَزْتُهُ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتىَّ آتِيَكَ بهَذِهِ الكِسْرَة، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَمَا إِنَّهُ أَوَّلُ طَعَامٍ دَخَلَ فَمَ أَبِيكِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّام " 0
[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (312/ 10)، وَصَحَّحَهُ حَمْزَةُ الزَّيْنُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 13156، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في " الكَبِيرِ " بِرَقْم: 750، وَهُوَ في الإِحْيَاء: (963)، وَفي " الشُّعَب " بِرَقْم: 10430]
وَعَن عِمْرَانَ بنِ الحُصَينِ رضي الله عنه قَال: " كَانَتْ لي منْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلَةٌ وَجَاه؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا عِمْرَان، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا مَنزِلَةً وَجَاهَاً؛ فَهَلْ لَكَ في عِيَادةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 00؟
قُلْتُ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله، فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتىَّ وَقَفَ بِبَاب فَاطِمَة، فَقَرَعَ صلى الله عليه وسلم البَابَ وَقَال:" السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُل " 00؟
قَالَتِ ادْخُلْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَنَا وَمَنْ مَعِي " 00؟
قالتْ رضي الله عنها: ومنْ مَعَكَ يَا رَسولَ الله 00؟
قَالَ عِمْرَان؛ فَارْتَدَتْ حِجَابَهَا ثُم أَذِنَتْ لَه، فَدَخَلَ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" السَّلَامُ عَليْكمْ يا ابْنَتَاه، كَيْفَ أَصْبَحْت " 00؟
قَالَتْ: أَصبَحْتُ وَاللهِ وَجِعَةً يَا رَسُولَ الله، وَزَادَني وَجَعَاً عَلى مَا بي؛ أَنِّي لَسْتُ أَقْدِر عَلي طَعَامٍ آكُلُه، فَقَدْ أَضَرَّ بيَ الجوع؛ فَبَكَى صلى الله عليه وسلم وَقَال:" لَا تجْزَعِي يَا ابْنَتَاه؛ فَوَاللهِ ما ذُقْتُ طعَامَاً مُنْذُ ثَلَاثٍ وَإِني لأَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْكِ، وَلوْ سَأَلْتُ رَبي لأَطْعَمَني، وَلَكِني آثَرْتُ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا، ثمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى مَنْكِبِهَا وَقَالَ لهَا: أَبْشِرِي؛ فَوَاللهِ إِنَّكَ لَسَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّة " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَابُ فَضِيلَةِ الفَقْر: 1554]
وَعَنِ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعَاً مِنْ خُبْزِ بُرّ، حَتىَّ مَضَى لِسَبِيلِه "
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: (2970)، وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: 5637]
وَعَنِ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: " مَا شَبِعَ آلُ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ البرِّ ـ أَيِ القَمْحِ ـ ثَلَاثَاً، حَتىَّ مَضَى لِسَبِيلِه " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2970]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال:
" مَا شَبِعَ آلُ محًمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتىَّ قُبِض " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (5374)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2970]
عَن أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: " مَا شَبِعَ آلُ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتىَّ قُبِض " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2970]
مَعَ العِلْمِ أَنَّ خُبْزَ الشَّعِير: أَقَلُّ في الجَوْدَةِ مِن خُبْزٍ القَمْحِ بِكَثِير 00!!
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ اللَّيَاليَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِيَاً وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً " 0
[صَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2303، وَالأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ وَفي مُخْتَصَرِ الشَّمَائِلِ بِرَقْمَيْ: 2360، 126]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " وَالَّذِي نَفْسُ أَبي هُرَيْرَةَ بِيَدِه: مَا أَشْبَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعَاً مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ ـ أَيْ قَمْحٍ ـ حَتىَّ فَارَقَ الدُّنْيَا "
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2976]
عَن أَبي حَازِمٍ رحمه الله قال: " سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيَّ رضي الله عنه فَقُلْتُ:
هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ 00؟ [الدَّقِيقُ المَنخُولُ جَيِّدَاً 0 الْفَاخِر]
قَالَ سَهْلٌ رضي الله عنه: مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ مِن حِينِ ابْتَعَثَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا حَتىَّ قَبَضَهُ، فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ لَكُمْ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنَاخِل 00؟
قَالَ رضي الله عنه: مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنخُلاً مِن حِينِ ابْتَعَثَهُ حَتىَّ قَبَضَهُ؛ فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنخُول 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: كُنَّا نَطْحَنُهُ " 0
[قَالَ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين 0 ح / ر: 6347]
حَتىَّ الخُبزُ وَالزَّيْتُ لَمْ يَشْبَعْ صلى الله عليه وسلم مِنهُمَا
عَن أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
" لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ في يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْن "
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ (فُؤَاد عَبْد البَاقِي) بِرَقْم: 2974]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ شِبْعَتَيْنِ في يَوْمٍ حَتىَّ مَاتَ صلى الله عليه وسلم " 0
[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 6371]
حَدَّثَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
" مَا أَكَلَ محَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم في يَوْمٍ أَكْلَتَيْنِ إِلَاّ إِحْدَاهُمَا تَمْر " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7078]
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَينَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّة ـ أَيْ مَشْوِيَّة ـ فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ رضي الله عنه وَقَال: " خَرَجَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنيَا وَلَمْ يَشْبَع مِن خُبزِ الشَّعِير " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 5414]
فَيَا مَنْ لَا تَنْفَدُ مِنْ بَيْتِكَ اللَّحْمَة؛ انْظُرْ إِلى الْفَقِيرِ بِعَينِ الرَّحْمَة، وَتَذَكَّرْ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله؛ مِنَ الْفَقْرِ وَالحِرْمَانِ وَالمُعَانَاة: عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه قَال: " كُنَّا نَأْتي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه وَخَبَّازُهُ قَائِم، قَالَ رضي الله عنه: كُلُواْ؛ فَمَا أَعْلَمُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَغِيفَاً مُرَقَّقَاً حَتىَّ لَحِقَ بِالله، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطَاً بِعَيْنِهِ قَطّ " 0
[سَمِيطَاً: أَيْ مَشْوِيَّةً 0 رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 5421 / فَتْح]
حَتىَّ التَّمْرُ الرَّدِيءُ لَمْ يجِدْهُ صلى الله عليه وسلم لِيَسُدَّ بِهِ جُوعَهُ
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَال: ذَكَرَ عُمَرُ رضي الله عنه مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنَ الدُّنيَا فَقَالَ رضي الله عنه: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَظَلُّ اليَوْمَ يَتَلَوَّى؛ مَا يجِدُ دَقَلاً ـ أَيْ تَمْرَاً رَدِيئَاً ـ يمْلأُ بِهِ بَطنَه " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ (فُؤَاد عَبْد البَاقِي) بِرَقْم: 2978]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنيِّ لأَنْقَلِبُ إِلى أَهْلي؛ فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا ثمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2432 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1070 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَقَدْ أُخِفْتُ في اللهِ وَمَا يخَافُ أَحَد، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَد، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَينِ يَوْمٍ وَلَيْلَة؛ وَمَا لي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ؛ إِلَاّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَال " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 9256، وَصَحَّحَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2472، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ]
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " إِلَاّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَال ":
أَيْ إِلَاّ مَا يُهْدِيهِ لَنَا الجِيرَان 00!!
هَذَا هُوَ طَعَامُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أَكْثَرِ أَيَّامِه
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَكَلَ خَشِنَاً، وَلَبِسَ خَشِنَاً " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7925]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَال: " كُنْتُ جَالِسَاً في دَارِي، فَمَرَّ بي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِليّ، فَقُمْتُ إِلَيْه، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا، حَتىَّ أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ فَدَخَل، ثمَّ أَذِنَ لي، فَدَخَلْتُ الحِجَابَ عَلَيْهَا فَقَال: " هَلْ مِنْ غَدَاء " 00؟!
فَقَالُواْ نَعَمْ، فَأُتيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبيٍّ ـ أَيْ عَلَى صَحْنٍ ـ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُرْصَاً فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْه، وَأَخَذَ قُرْصَاً آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْن، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيّ، ثمَّ قَال:" هَلْ مِن أُدْم "؟
قَالُواْ لا، إِلَاّ شَيْءٌ مِنْ خَلّ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:((هَاتُوه، فَنِعْمَ الأُدْمُ هُوَ)) 00!!
[وَالأُدْمُ: هُوَ مَا يُغْمَسُ بِالخُبز 0 الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2052 / عَبْد البَاقِي]
عَنْ قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَال:
" مَا عَلِمْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عَلَى سُكُرُّجَةٍ قَطّ ـ أَيْ لَمْ يَأْكُلْ مخَلَّلاً قَطّ ـ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطّ ـ أَيِ رُقَاقٌ ـ وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قَطّ " 00!!
[وَالخِوَانُ أَيِ المِنْضَدَة، أَيْ مَا كَانَ يَأْكُلُ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ عَلَى الأَرْض 0 الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 5386]
كَيْفَ كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يجِدُ حَتىَّ ثمَنَ الثَّوْبِ الَّذِي يحْتَاجُ إِلَيْه
عَن أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَ عَلَى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ غَلِيظَانِ ـ أَيْ بُرْدَتَانِ غَلِيظَتَان ـ فَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَعَدَ فَعَرِقَ ثَقُلَا عَلَيه؛ فَقدِمَ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ لِفُلَانٍ الْيَهُودِيّ ـ أَيْ قَافِلَةٌ لَهُ فِيهَا ثِيَاب ـ فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِليْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنهُ ثَوْبَينِ إِلى المَيْسَرَة؛ فَأَرْسَلَ صلى الله عليه وسلم إِلَيْه؛ فَقَالَ ـ أَيِ الْيَهُودِيّ: قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيد، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَالي أَوْ بِدَرَاهِمِي؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " كَذَبَ 00 قَدْ عَلِمَ أَنيِّ مِن أَتْقَاهُمْ للهِ وَآدَاهُمْ لِلأَمَانَة " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ الإِمَامَينِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ بِرَقْمَيْ: 1213، 4628]
عَاشَ وَمَاتَ صلى الله عليه وسلم فَقِيرَاً
عَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثٌ مِنَ الدَّهْر: إِلَاّ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي لَهُ " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7881]
عَن عَمْرِو بنِ الحَارِثِ الخُزَاعِيِّ أَخِي أُمِّ المؤْمِنِينَ جُويرِيَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارَاً وَلَا دِرْهَمَاً، وَلَا عَبْدَاً وَلَا أَمَةً، إِلَاّ بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا وَسِلَاحَه، وَأَرْضَاً جَعَلَهَا لَابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَة "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 4461]
وَفي رِوَايَةٍ: " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمَاً وَلَا دِينَارَاً، وَلَا عَبْدَاً وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئَاً، إِلَاّ بَغْلتَهُ البَيْضَاءَ وَسِلَاحَه، وَأَرْضَاً جَعَلَهَا صَدَقَة " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 2739]
عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيرِ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلى أَبي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنّ؛ فَقَالَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6730 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1758 / عَبْد البَاقِي]
وَعَن أُمِّ المُؤمِنِينَ عائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا في بَيْتي مِنْ شَيْءٍ يأْكُلُهُ ذُو كَبِد، إِلَاّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي ـ أَيْ إِلَاّ نِصْفُ وَسَقٍ في كُوَّةٍ لَنَا ـ فَأَكَلْتُ مِنهُ حَتىَّ طَالَ عَلَيّ ـ أَيْ حَتىَّ اسْتَطَلْتُ بَقَاءهُ ـ فَكِلْتُهُ فَفَني " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (3097)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2973]
عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيرِ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
" تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَنَا شَطْرٌ مِنْ شَعِير، فَأَكَلْنَا مِنْهُ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ قُلْتُ لِلْجَارِيَةِ كِيلِيهِ فَكَالَتْهُ؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ فَنيَ؛ قَالَتْ: فَلَوْ كُنَّا تَرَكْنَاهُ لأَكَلْنَا مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 2467]
وَهَذَا هُوَ كَنْزُ الفُقَرَاءِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ الأَغْنِيَاء: إِنَّهُ البَرَكَة 00
انْظُرْ يَرْحَمُكَ الله؛ ظَلَّتْ تَأْكُلُ مِنهُ زَمَانَاً، حَتىَّ طَالَ ذَلِكَ عَليْهَا؛ فَتَعَجَّبَتُ مِن عَدَمِ نَفَادِه فَكَالَتهُ ـ أَيْ وَزَنَتهُ ـ فَنَفَد 00!!
مَاتَ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ في ثَلَاثِينَ صَاعَاً مِنْ شَعِير
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعَاً مِنْ شَعِير " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2916 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1603 / عَبْد البَاقِي]
حَدَّثَ قَتَادَةُ رحمه الله عَن أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " رَهَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِرْعَاً لَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِدِينَار؛ فَمَا وَجَدَ مَا يَفْتَكُّهَا بِهِ حَتىَّ مَات " 0
[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 5937]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:
" قُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَلَى ثَلاثِينَ صَاعَاً مِنْ شَعِير؛ أَخَذَهَا رِزْقَاً لِعِيَالِه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2109، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
وَرَوَى الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ عَن أَبي رَافِعٍ رضي الله عنه خَادِمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" جَاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَيْف، فَلَمْ يجِدْ عِنْدَهُ مَا يُصْلحُه؛ فَأَرْسَلَني إلى رَجُلٍ منْ يَهُودِ خَيْبر، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" قُلْ لهُ: يَقُولُ لَكَ محَمَّد: أَسْلِفْني أَوْ بِعْني دَقِيقَاً إِلي هِلَالِ رَجَب " 00
فَأَتَيْتُهُ فَقَال: لَا وَاللهِ إِلَاّ بِرَهْن، فَأَخْبرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَال:
" أَمَا وَاللهِ إِنيِّ لأَمِينٌ في أَهلِ السَّمَاء، أَمِينٌ في أَهْلِ الأَرْض، وَلوْ بَاعَني أَوْ أَسْلَفَني لأَدَّيْت إِلَيْه، اذْهَبْ بِدِرْعِي هَذَا فَارْهِنه " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانِي في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (1337)، الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ ": 1550]
فَحَسْبُكَ أَخِي الفَقِيرَ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الفُقَرَاء، وَأَنَّ الفَقْرَ مِنْ صِفَاتِ الأَنْبِيَاء 00!!
مَاتَ الرَّسُولُ وَلَمْ يُوَرِّثْ دِرْهَمَا
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتي دِينَارَاً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلي؛ فَهُوَ صَدَقَةٌ " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6729 / فَتْح]
يَا أُمَّةَ الإِسْلَامِ هَذَا دِينُكُمْ * وَنَبِيُّكُمْ فَتَمَسَّكُواْ وَتَوَحَّدُواْ
إِحْسَاسُ جِيرَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بحَالِهِ في بَيْتِه
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه: " ابْنَ أُخْتي: إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلى الهِلَالِ ثمَّ الهِلَال، ثَلَاثَةِ أَهِلَّةٍ في شَهْرَيْن، وَمَا أُوقِدَتْ في أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَار:[أَيْ لَمْ نَطْبُخْ فِيهَا]؛ فَقُلْتُ يَا خَالَة، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ 00؟!
قَالَتِ الأَسْوَدَان: التَّمْرُ وَالمَاء، إِلَاّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَار، كَانَتْ لهُمْ مَنَائِح ـ أَيْ إِبِل ـ وَكَانُواْ يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم:(2567)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2973]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال:
" جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنيِّ مجْهُود ـ أَيْ جَائِعٌ في غَايَةِ الإِعْيَاء ـ فَأَرْسَلَ إِلى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ؛ مَا عِنْدِي إِلَاّ مَاء، ثمَّ أَرْسَلَ إِلى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِك، حَتىَّ قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِك: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَا مَاء؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رحمه الله " 00؟
فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ الله؛ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلى رَحْلِهِ فَقَالَ لَامْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَكِ شَيْء 00؟
قَالَتْ لَا إِلَاّ قُوتُ صِبْيَاني؛ قَالَ رضي الله عنه: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْء، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُل، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلى السِّرَاجِ حَتىَّ تُطْفِئِيه، فَقَعَدُواْ وَأَكَلَ الضَّيْف، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَة " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4889 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2054 / عَبْد البَاقِي]
غَيرَ أَنَّ الإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رضي الله عنه قَالَ رِوَايَتِه: " فَبَاتَا طَاوِيَين " 00 وَأَجْمَعَتِ الرِّوَايَتَانِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الحَادِثَةَ هِيَ الَّتي نَزَلَ فِيهَا قَوْلُهُ تَعَالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} {الحَشْر/9} [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (3798 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2054 / عَبْد البَاقِي]
آلُ البَيْت: وَقَدْ أَخْرَجَهُمُ الجُوعُ مِنَ البَيْت
أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ يَوْمَا فَقَال:
" أَيْنَ أَبْنَائِي " 00 يَعْني حَسَنَاً وَحُسَيْنَا 00؟
قَالَتْ: أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ في بَيْتِنَا شَيْءٌ يَذُوقُهُ ذَائِق؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَذْهَبُ بهِمَا؛ فَإِني أَتخَوَّف أَنْ يَبْكِيَا عَلَيْكِ وَليْسَ عِنْدَكِ شَيْء، فَذَهَبَ إِلى فُلَانٍ اليَهُودِيّ، فَتَوَجَّهَ إِلَيهِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهمَا يَلْعَبَان في مَشْرَبَة ـ أَيْ في حَوْضِ مَاءٍ صَغِير ـ بَينَ أَيْدِيهِمَا فَضْلٌ مِنْ تَمْر،
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا عَليّ: أَلَا تَقْلِبُ ابْنيَّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ الحَرّ ـ أَيْ أَلَا تَنْقَلِبُ بِهِمَا إِلى البَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ الحَرّ " 00 قَالَ عَلِيّ: أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ في بَيْتِنَا شَيْء؛ فَلَوْ جَلَسْتَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتىَّ أَجْمَعَ لِفَاطِمَةَ تَمَرَات، وَالحَاصِلُ ـ أَيْ وَقَعَدَ ـ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ اجْتَمَعَ لِفَاطِمَةَ شَيْءٌ مِنْ تمْر، فَجَعَلَهُ في صُرَّتِهِ ثُمَّ أَقْبَل، فَحَمَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدَهمَا وَعَليٌّ الآخَرَ حَتىَّ أَقْلَبَهُمَا " 0 [حَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص:(316/ 10)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في " الكَبِيرِ " بِرَقْم: 1040]
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه يَتَذَكَّرُ جُوعَ أَصْحَابِهِ وَيَبْكِي
عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه أُتيَ بِطَعَام، وَكَانَ صَائِمَاً فَقَال:" قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرَاً مِنيِّ؛ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَاّ بُرْدَة، وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنيِّ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَا بُرْدَة، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا في حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَابِ الكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ المَال بِرَقْم: 1274]
وَفي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ رضي الله عنه: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتىَّ تَرَكَ الطَّعَام " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في كِتَابِ الجَنَائِزِ بَابِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلَا ثَوْبٌ وَاحِد بِرَقْم: 1275]
عَن أَبي إِسْحَقَ الْفَزَارِيِّ عَن حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ رضي الله عنه عَن خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ أَنَّهُ قال: " لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِأُجُورِنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَبْنَا بَعْدَهُ مِنَ الدُّنيَا " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 5644]
الحِرْمَانُ الَّذِي رَآهُ الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبي بَكْرٍ وَعُمَر؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَة " 00؟!
قَالَا الجُوعُ يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه: لأَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُواْ " 00 فَقَامُواْ مَعَه، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ في بَيْتِه، فَلَمَّا رَأَتْهُ المَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبَاً وَأَهْلاً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَيْنَ فُلَان " 00؟
قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ المَاء ـ أَيْ يَبْحَثُ لَنَا عَنْ مَاءٍ عَذْب ـ إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيّ، فَنَظَرَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَال: الحَمْدُ للهِ؛ مَا أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافَاً مِنيِّ، فَانْطَلَقَ فَجَاءهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَب ـ وَالبُسْرُ هُوَ التَّمْرُ الأَخْضَرُ أَوَّلَ مَا يُؤْكَل ـ فَقَالَ كُلُواْ مِنْ هَذِه، وَأَخَذَ المُدْيَةَ ـ أَيِ السِّكِّينَ ـ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِيَّاكَ وَالحَلُوب " فَذَبَحَ لهُمْ، فَأَكَلُواْ مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ العِذْقِ وَشَرِبُواْ، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُواْ وَرَوُواْ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَبي بَكْرٍ وَعُمَر: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه:
لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ القِيَامَة؛ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوع، ثمَّ لَمْ تَرْجِعُواْ حَتىَّ أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيم " 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2038]
انْظُرْ ـ يَرْحَمُكَ اللهُ ـ كَيْفَ عَدَّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الوَجْبَهَ المُشْبِعَةَ نَعِيمَاً يُسْأَلُ عَنهُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَة؛ كَمْ أَكَلْنَا مِنْ وَجْبَاتٍ مُشْبِعَاتٍ لَمْ نُؤَدِّ شُكْرَهَا 00؟!!
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى مُطَوَّلَةٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في سَاعَةٍ لَا يخْرُجُ فِيهَا وَلَا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَد، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْر، فَقَال صلى الله عليه وسلم: " مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْر " 00؟
فَقَالَ رضي الله عنه: خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْظُرُ في وَجْهِهِ وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْه ـ أَيْ وَرَجَاءَ التَّسْلِيمَ عَلَيْه ـ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَر " 00؟
قَالَ الجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِك " 00
فَانْطَلَقُواْ إِلى مَنْزِلِ أَبي الهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ الأَنْصَارِيّ، وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاء، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَم ـ أَيْ يَرْعَوْنَ ذَلِك ـ فَلَمْ يجِدُوه، فَقَالُواْ لَامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُك 00؟
فَقَالَت: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا المَاء، فَلَمْ يَلْبَثُواْ أَنْ جَاءَ أَبُو الهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا ـ أَيْ يحْمِلُهَا ـ فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَيْ يُعَانِقُهُ ـ وَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّه، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلى حَدِيقَتِهِ فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطَاً ـ أَيْ يجْلِسُونَ عَلَيْه ـ ثمَّ انْطَلَقَ إِلى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بِقِنْوٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِه " 00؟!
فَقَالَ يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُواْ أَوْ قَالَ تَخَيَّرُواْ، مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِه، فَأَكَلُواْ وَشَرِبُواْ مِنْ ذَلِكَ المَاء، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَة؛ ظِلٌّ بَارِد، وَرُطَبٌ طَيِّب، وَمَاءٌ بَارِد " 00 فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامَاً، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ ـ أَيِ الَّتي تُرْضِع ـ فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقَاً ـ أَيْ نَاقَةً ـ أَوْ جَدْيَاً، فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُواْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" هَلْ لَكَ خَادِم " 00؟
قَالَ رضي الله عنه لَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا " 00 فَأُتيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِث، فَأَتَاهُ أَبُو الهَيْثَم، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْ مِنْهُمَا، فَقَالَ يَا نَبيَّ اللهِ اخْتَرْ لي، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَن، خُذْ هَذَا؛ فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي، وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفَا " 00
فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ إِلى امْرَأَتِه، فَأَخْبرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتِ امْرَأَتُه: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ أَنْ تَعْتِقَه؛ قَالَ رضي الله عنه: فَهُوَ عَتِيق، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِك:" إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيَّاً وَلَا خَلِيفَةً إِلَا وَلَهُ بِطَانَتَان: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ المُنْكَر ـ أَيْ إِشَارَةً إِلى زَوْجَتِهِ الصَّالحَة ـ وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالاً ـ أَيْ لَا تُقَصِّرُ في إِهْلَاكِه ـ وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السَّوءِ فَقَدْ وُقِي " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2369]
وَفي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَال:
" فَاتَني العِشَاءُ ذَاتَ لَيْلَة؛ فَأَتَيْتُ أَهْلِي، فَقُلْتُ هَلْ عِنْدَكُمْ عَشَاء 00؟
قَالُواْ لَا وَاللهِ مَا عِنْدَنا عَشَاء؛ فَاضْطَجَعتُ عَلَى فِرَاشِي فَلَمْ يَأْتِني النَّومُ مِنَ الجُوع؛ فَقُلتُ لَوْ خَرَجْتُ إِلى المَسْجِدِ فَصَليْتُ وَتَعَلَّلتُ حَتىَّ أُصْبَح، فَخَرَجْتُ إِلى المَسْجِدِ فَصَليْتُ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ تَسَانَدْتُ إِلى نَاحِيَةٍ بِالمَسْجِد، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ فَقَالَ مَن هَذَا 00؟!
قُلْتُ أَبُو بَكْر؛ قَالَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَة 00؟!
فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ فَقَال: وَاللهِ مَا أَخْرَجَني إِلَاّ الَّذِي أَخْرَجَك، وَجَلَسَ إِلى جَنْبي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْكَرَنَا؛ فَقَالَ " مَن هَذَا " 00؟!
فَبَادَرَني عُمَرُ فَقَال: هَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَة " 00؟!
فَذَكَرَ عُمَرُ الَّذِي كَان، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" وَأَنَا وَاللهِ مَا أَخْرَجَني إِلَاّ الَّذِي أَخْرَجَكُمَا؛ فَانْطَلِقُواْ بِنَا إِلى الوَافِفِيِّ أَبي الهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ فَعَلَّنَا نجِدُ عِنْدَهُ شَيْئَاً يُطْعِمُنَا "
فَخَرَجْنَا نمْشِي، وَانْطَلقْنَا إِلى الحَائِطِ في القَمَر ـ أَيْ إِلى البُسْتَانِ في ضَوْءِ القَمَر ـ فَقَرَعْنَا البَابَ فَقَالَتِ المَرأَةُ مَن هَذَا 00؟!
فَقَالَ عُمَر: هَذَا رَسُولُ اللهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر؛ فَفَتَحَتِ البَابَ فَدَخَلْنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَيْنَ زَوْجُك "؟
قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعذبُ لنَا مِنَ المَاء، مِن حُشِّ ـ أَيْ بِئْرِ ـ بَني حَارِثَة، الآنَ يَأْتِيكُمْ، فَجَاءَ يحْمِلُ قِرْبَة، حَتىَّ أَتَى بِهَا نخْلة، وَعَلَّقَهَا عَلَى كِرْنَافَةٍ مِنْ كَرَانِفِهَا، ثمَّ أَقبَلَ عَلَيْنَا وَقَال: مَرْحَبَاً وَأَهْلاً، مَا زَارَ نَاسٌ أَحَدَاً قَطُّ مِثْلَ مَنْ زَارَني، ثُمَّ قَطَعَ لَنَا عِذْقَاً فَأَتَانَا بِه، فَجَعَلنَا نَنْتَقِي مِنهُ في القَمَرِ وَنَأْكُل، ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَال في الغَنَم؛ فَقَال صلى الله عليه وسلم:" إِيَّاكَ وَالحَلُوب " 00
فَأَخَذَ شَاةً فَذَبحَهَا وَسَلَخَهَا، وَقَالَ لَامْرَأَتهِ قُومِي، فَطَبَخَتْ وَخَبَزَتْ، وَجَعَلَتْ تَقْطَعُ في القِدْرِ مِنَ اللَّحْمِ وَتُوقِدُ تحْتَهَا، حَتىَّ بَلَغَ الخُبزُ وَاللَّحْم ـ أَيْ طَابَ وَاسْتَوَى ـ فَثَرَّدَ ـ أَيْ فَتَّ وَصَنَعَ ثَرِيدَاً ـ وَغَرَفَ لنَا عَلَيْهِ مِنَ المَرَقِ وَاللَّحْم، ثُمَّ أَتَانَا بِهِ فَوَضَعَه بَين أَيْدِينَا، فَأَكَلْنَا حَتىَّ شَبِعْنَا، ثمَّ قَامَ إِلى القِرْبَةِ وَقَدْ شَفَّفَتْهَا الرِّيحُ فَبرَدَتْ، فَصَبَّ في الإِنَاء، ثمَّ نَاوَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرِب، ثُمَّ نَاوَلَني فَشَربْت، ثُمَّ نَاوَلَ عُمَرَ فَشَرِب، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " الحَمْدُ لله؛ خَرَجْنَا لَمْ يُخْرِجْنَا إِلَاّ الجُوع، ثمَّ رَجَعْنَا وَقَدْ أَصَبْنَا هَذَا، لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَ
القِيَامَةِ عَن هَذَا النَّعِيم " 00
ثمَّ قَالَ لِلوَاقِفِيّ ـ أَيْ أَبي الهَيْثَمِ التَّيِّهَان:
" أَمَا لَكَ خَادِم يَسْقِيكَ المَاء " 00؟!
قَالَ لَا واللهِ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِذَا أَتَانَا سَبيٌ؛ فَأْتِنَا حَتىَّ نَأْمُرَ لَكَ بخَادِم " 00
فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَاّ يَسِيرَاً حَتىَّ أَتَاهُ سَبي، فَأَتَاهُ الوَاقِفِيّ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:" مَا جَاءَ بِك " 00؟!
قَالَ يَا رَسُولَ الله، وَعْدُكَ الَّذِي وَعَدْتَني، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" هَذَا سَبيٌ، فَقُمْ فَاخْتَرْ منه " 00
فَقَالَ ـ أَيِ الوَاقِفِيّ ـ كُن أَنْتَ تَخْتَارُ لي يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" خُذْ هَذَا الغُلَامَ وَأَحْسِن إِلَيْه " 00 فَأَخَذَهُ وَانْطَلقَ بِهِ إِلى امْرَأَتِه؛ فَقَالَتْ مَا هَذَا 00؟!
فَقَصَّ عَلَيْهَا القِصَّة، فَقَالَتْ فَأَيَّ شَيْءٍ قُلْتَ لَه 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: قُلتُ لَهُ كُن أَنْتَ الَّذِي تخْتَارُ لي، فَقَالتِ المَرْأَةُ: أَحْسَنْت، وَقَالَ لَكَ أَحْسِن إِليْه؛ فَأَحْسِن إِلَيْه، فَقَالَ رضي الله عنه: وَمَا الإِحْسَانُ إِليْه 00؟!
قَالَتْ رضي الله عنها: أَن تُعْتِقَه؛ فَقَال: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ الله "
[أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَابنُ مَرْدَوَيْه 0 وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 18618]
وَبَعْد: فَهَذِهِ رِوَايَةُ أَبي بَكْرٍ ـ وَكَمَا رَأَيْنَا كَانَتْ لَيْلاً ـ وَلَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَن عُمَرَ إِلَاّ أَنَّهَا كَانَتْ نهَارَاً، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ في قَوْلِ مُسْلِمٍ في يَوْمٍ أَوْ لَيْلَة، أَوْ رُبَّمَا نَفْسُ الحَادِثَةِ تَكَرَّرَتْ مَرَّتَين:
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الظَّهِيرة، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ في المَسْجِد، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَة " 00؟!
فَقَال: أَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكَ يَا رَسُولَ الله، فَجَاءَ عُمَر رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:
" مَا أَخْرَجَكَ يَا ابْنَ الخَطَّاب " 00؟!
قال: أَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَقَعَدَ صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ يحَدِّثُهُمَا، ثُمَّ قَال:" هَلْ بِكُمَا قُوَّة؛ تَنْطَلِقَانِ إِلى هَذَا النَّخْلِ فَتُصِيبَانِ طَعَامَاً وَشَرَابَاً وَظِلَاّ " 00؟
قَالُواْ نعمْ؛ فَقالَ صلى الله عليه وسلم: " سِيرُواْ بِنَا إِلى مَنزِلِ أَبِي الهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ الأَنْصَارِيّ " 00
فَتَقَدَّمَ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ثَلَاثَ مَرَّات، وَأُمُّ الهَيْثَمِ وَرَاءَ البَابِ تَسْمَعُ الكَلَام، فَلَمَّا أَن أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِف؛ خَرَجَتْ أُمُّ الهَيْثَمِ خَلفَهُ فَقَالتْ: قدْ سَمِعْتُ وَاللهِ تَسْلِيمَكَ يَا رَسُولَ الله، وَلَكِن أَرَدْتُ أَنْ تَزِيدَنَا منْ صَلَاتِكَ ـ أَيْ مِنْ دُعَائِكَ وَتَسْلِيمَكَ ـ فَقَالَ لهَا صلى الله عليه وسلم:" خَيرَاً، أَيْنَ أَبُو الهَيْثَم " 00؟
قَالَتْ: هُوَ قَرِيبٌ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لنَا المَاء، ادْخُلُوا فَإِنَّهُ يَأْتي السَّاعَةَ إِنْ شَاءَ الله، فَبَسَطَتْ لَهُمْ بسَاطَاً تحْتَ شَجَرَة، فَجَاءَ أَبُو الهَيْثَم، وَفَرِحَ بِهِمْ وَقَرَّتْ عَيْنُه، فَصَعَدَ عَلَى نخْلَةٍ فَصَرَمَ ـ أَيْ قَطَفَ ـ عِذْقَاً، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" حَسْبُكَ يَا أَبَا الهَيْثَم " 00 قَالَ رضي الله عنه:
يَا رَسُولَ الله، تَأْكُلُونَ منْ رُطَبِهِ وَمِنْ بُسْرِه، ثمَّ أَتَاهُمْ بِمَاءٍ فَشَرِبُواْ عَلَيْه؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنه " 00 وَقَامَ أَبُو الهَيْثَمِ لِيَذْبَحَ لهُمْ شَاة، فقالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:
" إِيَّاكَ وَاللَّبُون " 00 وَقَامَتْ أُمُّ الهَيْثَمِ تَعْجِنُ لَهُمْ وَتخْبِز، وَوَضَعُواْ رُؤُوسَهُمْ لِلقَائِلَة، فَانْتَبَهواْ وَقَدْ أَدْرَكَ طَعَامُهُمْ ـ أَيْ طَابَ وَاسْتَوَى ـ فَوُضِعَ الطَّعَامُ بَينَ أَيْدِيهِمْ فَأُكَلُواْ وَشَبِعُواْ، وَحَمِدُواْ الله سبحانه وتعالى، وَرَدَّتْ عَلَيْهِمْ أَمُّ الهيْثَمِ بَقِيَّةَ العِذْقِ فَأَكَلُواْ مِنْ رُطَبِه، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا لهُمْ بخَير، ثمَّ قَالَ لأَبي الهَيْثَم: إِذَا بَلَغَكَ أَنْ قَدْ أَتَانا رَقِيقٌ فَأْتِنَا، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الهَيْثَم: لَوْ دَعَوْتَ لَنَا 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُون، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَار، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلَائِكَة " قَالَ أَبُو الهيْثَم: فَلَمَّا بَلَغَني أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَقِيقٌ أَتَيْتُه، فَأَعْطَانِي رَأْسَاً، فَكَاتَبْتُهُ عَلَى أَرْبَعينَ أَلْفَ دِرْهَم، فَمَا رَأَيْتُ رَأْسَاً أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنه " 0 [الإِمَامُ البَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالبَيْهَقِيّ 0 وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 18621]
وَالمُكَاتَبَة: أَنْ يَدْفَعَ العَبْدُ إِلى سَيِّدِهِ قَدْرَاً مِنَ المَالِ يَتَّفِقَانِ عَلَيْه؛ في نَظِيرِ أَنْ يُعْتِقَه 0
صُورَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم مِنَ الفَقْر
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:
" كُنَّا جُلُوسَاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْه، ثمَّ أَدْبَرَ الأَنْصَارِيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" يَا أَخَا الأَنْصَار، كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَة " 00؟
فَقَالَ صَالِح ـ أَيْ بخَير ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ " 00؟
فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَه، وَنحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ وَلَا قَلَانِسُ وَلَا قُمُص، نَمْشِي في تِلْكَ السِّبَاخِ حَتىَّ جِئْنَاه، فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِه، حَتىَّ دَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَه " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 925]
وَالقَلَنْسُوَة: مِنْ مَلَابِسِ الرَّأْسِ كَالطَّوَاقِي الثَّخِينَةِ، كَالَّتي تَكُونُ مُلْصَقَةً بِأَقْفَاءِ المَلَابِس 0
الحِرْمَانُ الَّذِي رَآهُ أَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين رضي الله عنهم أَجْمَعِين
عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّحَابَةُ عَن أَشْيَاءَ يَشْتَهُونهَا وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا: فَقَالُواْ: أَلَنَا فِيهَا أَجْر 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" فَفِيمَ تُؤْجَرُونَ إِذَا لَمْ تُؤْجَرُواْ عَلَى ذَلِك " 00؟!
[الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في الزُّهْدِ الكَبِيرِ بِرَقْم: (425)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 16656]
وَرَوَى الطَّبَرَانيُّ عَن عَصَمَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنهُمْ سَأَلُوهُ فَقَالُواْ: " يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى الفَوَاكِهَ في السُّوقِ فَنَشْتَهِيهَا وَلَيْسَ مَعَنَا نَاضٍ نَشْتَرِي بِه ـ أَيْ وَلَيْسَ مَعَنَا دِرْهَمٌ نَشْتَرِي بِه ـ فَهَلْ لَنَا في ذَلِكَ أَجْر 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَهَلِ الأَجْرُ إِلَاّ في ذَلِك "؟!
[ضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (18/ 5)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ، وَالحَدِيثُ في الكَنْزِ بِرَقْم: 16657]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: " مَا شَبِعْنَا حَتىَّ فَتَحْنَا خَيْبَر " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4243 / فَتْح]
الحِرْمَانُ الَّذِي رَآهُ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَة
عَن محَمَّدِ بْنِ سيرينَ عَن أَبِي هرَيرَةَ رضي الله عنه قال:
" لَقَدْ رَأَيْتُني وَإِني لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيَّاً عَلَيّ، فَيَجِيءُ الجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيَرَى أَنيِّ مجْنُونٌ وَمَا بيَ مِنْ جُنُون، مَا بيَ إِلَاّ الجُوع " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 7324]
وَعَن أَبي حَازِمٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" أَصَابَني جَهْدٌ شَدِيد ـ أَيْ تَعَبٌ شَدِيدٌ مِنْ شِدَّةِ الجُوع ـ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيّ ـ أَيْ دَخَلَ دَارَهُ وَذَكَّرَني بهَا مِنْ دَاخِلِ الدَّار ـ فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ لِوَجْهِيَ مِنَ الجَهْدِ وَالجُوع، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي،
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 5375]
فَقُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْك 00؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا هُرَيْرَة " 00؟
فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَقَامَني، وَعَرَفَ الَّذِي بي؛ فَانْطَلَقَ بي إِلى رَحْلِهِ فَأَمَرَ لي بِعُسٍّ مِنْ لَبَن، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثمَّ قَال:" عُدْ يَا أَبَا هِرّ " 00 فَعُدْتُ فَشَرِبْت، ثمَّ قَالَ " عُدْ " 00 فَعُدْتُ فَشَرِبْت، حَتىَّ اسْتَوَى بَطْني فَصَارَ كَالقَدَح ـ أَيْ مَلآنَاً ـ فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِن أَمْرِي، وَقُلْتُ لَهُ: فَوَلَّى اللهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَر، وَاللهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ وَلأَنَا أَقْرَأُ لهَا مِنْكَ، قَالَ عُمَر: وَاللهِ لأَن أَكُونَ أَدْخَلْتُك؛ أَحَبُّ إِليَّ مِن أَنْ يَكُونَ لي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ "
وَعَنْ مجَاهِدٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" آللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ ـ أَيْ وَاللهِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ ـ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوع ـ أَيْ يَنْبَطِحُ عَلَى الأَرْضِ وَهُوَ يَضْغَطُ عَلَى كَبِدِهِ بِوَرِكِهِ مِنْ شِدَّةِ الجُوع ـ وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْني مِنَ الجُوع، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمَاً عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْر، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَاّ لِيُشْبِعَني: فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بي عُمَر، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَاّ لِيُشْبِعَني: فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بي أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآني، وَعَرَفَ مَا في نَفْسِي وَمَا في وَجْهِي، ثمَّ قَال:
" يَا أَبَا هِرّ " 00 قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ الحَقْ ـ أَيِ اتْبَعْني ـ وَمَضَى، فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ـ أَيْ فَاسْتَأْذَنَ لي ـ فَأُذِنَ لي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنَاً في قَدَح، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" مِن أَيْنَ هَذَا اللَّبَن " 00؟
قَالُواْ: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَة، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَبَا هِرّ " 00؟
قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الحَقْ إِلى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لي " 00 وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلَام، لَا يَأْوُونَ إِلى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَد، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئَاً، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا؛ فَسَاءَ ني ذَلِكَ ـ أَيْ لِكَثْرَتِهِمْ وَقِلَّةِ مَا عِنْدَنَا مِنَ اللَّبن ـ فَقُلْتُ ـ أَيْ في نَفْسِي ـ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّة 00؟!
كُنْتُ أَحَقَّ أَنَا أَن أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ ـ أَيْ أَهْلُ الصُّفَّة ـ أَمَرَني فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ: وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَني مِنْ هَذَا اللَّبَن؟!
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُواْ، فَاسْتَأْذَنُواْ فَأُذِنَ لهُمْ، وَأَخَذُواْ مجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْت، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" يَا أَبَا هِرّ " 00 قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " خُذْ فَأَعْطِهِمْ " فَأَخَذْتُ القَدَح، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتىَّ يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَح، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتىَّ يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَح، حَتىَّ انْتَهَيْتُ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ؛ فَأَخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِليَّ فَتَبَسَّم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَبَا هِرّ " 00 قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " بَقِيتُ أَنَا وَأَنْت " 00 قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" اقْعُدْ فَاشْرَبْ " فَقَعَدْتُ فَشَرِبْت، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" اشْرَبْ " 00 فَشَرِبْت، فَمَا زَالَ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:" اشْرَبْ " حَتىَّ قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكَاً، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" فَأَرِني " ـ أَيْ فَأَعْطِني ـ فَأَعْطَيْتُهُ القَدَح، فَحَمِدَ اللهَ وَسَمَّى، وَشَرِبَ الفَضْلَة " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 6452]
الجُوعُ وَالحِرْمَانُ الَّذِي رَآهُ الصَّحَابَةُ ** رضي الله عنهم **
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَال: " بَيْنَمَا نحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تحْمِلُ طَعَامَاً، فَالْتَفَتُواْ إِلَيْهَا حَتىَّ مَا بَقِيَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة:
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لهْوَاً انْفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَا} {الجُمُعَة/11} " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (936)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 863]
عَنِ المِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَال: " أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لي، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الجَهْدِ ـ أَيْ مِنَ الجُوعِ وَالمِقْدَاد ـ فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ لِنَنْزِلَ ضُيُوفَاً عَلَيْهِمْ ـ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا؛ فَأَتَيْنَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقَ بِنَا إِلى أَهْلِهِ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ أَعْنُز، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " احْتَلِبُواْ هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا " 00 فَكُنَّا نحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَه، وَنَرْفَعُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نَصِيبَه، فَيَجِيءُ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ
تَسْلِيمَاً لَا يُوقِظُ نَائِمَاً وَيُسْمِعُ اليَقْظَان، ثمَّ يَأْتي المَسْجِدَ فَيُصَلِّي، ثمَّ يَأْتي شَرَابَهُ فَيَشْرَب، فَأَتَاني الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبي فَقَال: محَمَّدٌ يَأْتي الأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ، مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلى هَذِهِ الجُرْعَة؛ فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ ـ أَيْ نَزَلَتْ ـ في بَطْني؛ وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيل؛ نَدَّمَني الشَّيْطَانُ فَقَال: وَيْحَك؛ مَا صَنَعْت 00؟
أَشَرِبْتَ شَرَابَ محَمَّد؛ فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِك؛ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُك 00؟
وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَاي، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُني النَّوْم، وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْت، فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّم، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى شَرَابَه، فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئَا؛ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السَّمَاء؛ فَقُلْتُ الآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِك، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" اللهُمَّ أَطْعِمْ مَن أَطْعَمَني، وَاسْقِ مَنْ سَقَاني " 00 فَعَمَدْتُ إِلى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَيّ، وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلى الأَعْنُز، أَيُّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ
لِيُطْعِمَهُ فَيُصِيبَ دَعْوَتَهُ فَيُطْعِمَهُ الله عز وجل فَإِذَا هِيَ حَافِلَة ـ أَيْ مُمْتَلِئَةُ الضُّرُوع ـ وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنّ؛ فَعَمَدْتُ إِلى إِنَاءٍ لآلِ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا كَانُواْ يَطْمَعُونَ أَنْ يحْتَلِبُواْ فِيه ـ أَيْ لِكِبَرِهِ وَسَعَتِه ـ فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتىَّ عَلَتْهُ رَغْوَة، فَجِئْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:" أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَة " 00؟
قُلْتُ يَا رَسُولَ الله؛ اشْرَبْ، فَشَرِبَ ثمَّ نَاوَلَني، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ اشْرَبْ؛ فَشَرِبَ ثمَّ نَاوَلَني، فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَوِيَ وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ؛ ضَحِكْتُ حَتىَّ أُلْقِيتُ إِلى الأَرْض؛ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَاد " 00 فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ كَانَ مِن أَمْرِي كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلْتُ كَذَا؛ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" مَا هَذِهِ إِلَاّ رَحمَةٌ مِنَ الله؛ أَفَلَا كُنْتَ آذَنْتَني فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا " 00؟
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ؛ مَا أُبَالي إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَن أَصَابهَا مِنَ النَّاس " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2055 / عَبْد البَاقِي]
الحِرْمَانُ الَّذِي رَآهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ
قَالَ أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاط: " بَعَثَتْ أُخْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهَا اللهُ بِجِرَابٍ مَعِي إِلىَ سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّة، فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكَنَان [هُوَ مَا نُسَمِّيهِ في مِصْرَ بِالْكِشْك] فَقَدِمْتُ، فَسَأَلْتُ عَنهُ؛ فَقِيلَ لي: رُبَّمَا قَعَدَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ مِمَّا يَلِي الحَنَّاطِين؛ فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِيَاً، فَسلَّمْتُ عَلَيْه، فَلَمْ يُسَائِلْني تِلْكَ المُسَاءلَة، وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُه؛ فَقُلْتُ: إِنَّ أُخْتَكَ بَعثَتْ مَعِي بِجِرَاب؛ فَاسْتَوَى جَالِسَاً وَقَال: عَجِّلْ بِهَا؛ فَكَلَّمْتُهُ في ذَلِكَ فَقَال: يَا أَبَا شِهَابٍ لَا تَلُمْني؛ فَلِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَذُقْ فِيهَا ذوَاقَاً؛ فَعَذَرْتُه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 246/ 7]
الحِرْمَانُ الَّذِي رَآهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
حَدَّثَ حَرْملَةُ بْنُ يحْيىَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ مُشِيرَاً إِلىَ خُبْز الشَّعِير: " هَذَا طَعَامِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 462/ 8]
خَيرُ طَعَامِ الصَّحَابَة
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لهَا مَزْرَعَة، فَكَانَتْ تَأْخُذُ جُذُورَ نَبَاتِ السَّلْق، فَتَجْعَلُهُ في قِدْر، ثمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا، يَقُولُ سَهْل:" وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُه، وَكُنَّا نَتَمَنىَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِك " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 938]
وَالسَّلْقُ نَبَاتٌ أَخْضَرُ مُتَطَفِّلٌ شَأْنُهُ شَأْنُ الرِّجْلَة: البَقْلَةِ الحَمْقَاء 0
وَعَن أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال؛ يَصِفُ طَعَامَ الصَّحَابَةِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُمْ يحْفِرُونَ الخَنْدَقَ: " يُؤْتَوْنَ بمِلْءِ كَفٍّ مِنَ الشَّعِير؛ فَيُصْنَعُ لهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ ـ أَيْ بِقِطْعَةِ دُهْنٍ مُتَغَيِّرَةِ الرَّائِحَة ـ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ القَوْم، وَالقَوْمُ جِيَاع، وَهِيَ بَشِعَةٌ في الحَلْق، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِن " 00!!
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4100 / فَتْح]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَنِ الصَّلَاةِ في ثَوْبٍ وَاحِد 00؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَان " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (358)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 515]
عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ رضي الله عنه قَال:
" صَلَّى جَابِرٌ رضي الله عنه في إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاه، وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى المِشْجَب، قَالَ لَهُ قَائِل: تُصَلِّي في إِزَارٍ وَاحِد 00؟!
فَقَال: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَاني أَحْمَقٌ مِثْلُك؛ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم " 0
[المِشْجَبُ وَالشِّجَاب: هَمَا عِيدَانٌ تُنْصَبُ لِتَعْلِيقِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا أَوِ الْقُلَل، كَالشَّمَّاعَة 0 رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 352 / فَتْح]
حَدَّثَ مُعَلَّى الْوَرَّاقُ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ رحمه الله أَنَّهُ قَال:
" خَلَطْتُ دَقِيقِي بِالرَّمَاد؛ فَضَعُفْتُ عَنِ الصَّلَاة " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 365/ 5]
انْظُرْ: هَذَا هُوَ كُلُّ مَا يَشْغَلُه؛ لَا الأَمْرَاضُ الَّتي يُمْكِنُ أَنْ تُصِيبَ مَنْ يَأْكُلُه 00!!
إِحْسَاسُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِفُقَرَاءِ المُسْلِمِين
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى بالنَّاسِ يخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلَاة، مِنَ الخَصَاصَةِ ـ أَيْ مِنَ الفَقْرِ وَالجُوع ـ وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّة؛ حَتىَّ يَقُولَ الأَعْرَاب: هَؤُلَاءِ مجَانِين، فَإِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَال:
" لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ الله؛ لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُواْ فَاقَةً وَحَاجَة " 00 وَفَاقَةً: أَيْ فَقرَاً 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانِيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 5265، 2169، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2368، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان]
عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُ لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بِخَمِيلَةٍ وَوِسَادَةٍ مِن أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيف، وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْن؛ فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها ذَاتَ يَوْم: وَاللهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتىَّ لَقَدْ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي ـ أَيْ أَصَابَني بَرْدٌ مِنْ سِقَايَةِ المَاء ـ وَقَدْ جَاءَ اللهُ أَبَاكِ بِسَبي؛ فَاذْهَبي فَاسْتَخْدِمِيهِ ـ أَيِ اطْلُبي مِنهُ خَادِمَاً ـ فَقَالَتْ: وَأَنَا وَاللهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتىَّ مَجَلَتْ يَدَاي ـ أَيْ تَفَقَّأَتَا ـ فَأَتَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " مَا جَاءَ بِكِ أَيْ بُنَيَّة " 00؟
قَالَتْ رضي الله عنها: جِئْتُ لأُسَلِّمَ عَلَيْكَ وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ وَرَجَعَتْ؛ فَقَالَ ـ أَيْ زَوْجُهَا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: مَا فَعَلْتِ 00؟
قَالَت: اسْتَحْيَيْتُ أَن أَسْأَلَهُ؛ فَأَتَيْنَاهُ جَمِيعَاً، فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: يَا رَسُولَ الله؛ وَاللهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتىَّ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: قَدْ طَحَنْتُ حَتىَّ مَجَلَتْ يَدَاي، وَقَدْ جَاءكَ اللهُ بِسَبيٍ وَسَعَة؛ فَأَخْدِمْنَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" وَاللهِ لَا أُعْطِيكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَى بُطُونُهُمْ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنيِّ أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 596، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
كَيْفَ كَانَ أَحْيَانَاً طَعَامُهُمْ رضي الله عنهم في اليَوْمِ تَمْرَة
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال: " خَرَجْنَا وَنحْنُ ثَلَاثُ مِاْئَة، نحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنيَ زَادُنَا، حَتىَّ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ في كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَة، قَالَ رَجُل: يَا أَبَا عَبْدِ الله، وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُل 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا، حَتىَّ أَتَيْنَا البَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ البَحْر؛ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمَاً مَا أَحْبَبْنَا " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم:(2983)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 1935]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَيْضَاً قَال: " سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا في كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَة، فَكَانَ يَمَصُّهَا ثمَّ يَصُرُّهَا في ثَوْبِه، وَكُنَّا نخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأْكُلُ ـ أَيْ أَوْرَاقَ الشَّجَر ـ حَتىَّ قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، فَأُقْسِمُ أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمَاً؛ فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُه ـ أَيْ نُسْنِدُهُ كَمَا يُسْنَدُ مَن أَشْرَفَ عَلَى المَوْت ـ فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا فَأُعْطِيَهَا " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3014 / عَبْد البَاقِي]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَيْضَاً قَال:
" بَعَثنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عبَيْدَةَ نَتَلقَّى عِيرَاً لِقُرَيْش، وَزَوَّدَنَا جِرَابَاً مِنْ تمْرٍ لَمْ يجِدْ لَنَا غَيرَه، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تمْرَة تمْرَة ـ أَيْ يُعْطِينَا كُلَّ وَاحِدٍ تَمْرَة ـ فَقِيلَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بهَا 00؟!!
قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبيّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ المَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلى اللَّيْل، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الخَبَط [أَيْ وَرَقَ الشَّجَرِ]، ثمَّ نَبُلُّهُ بِالمَاءِ فَنَأْكُلُه، وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ البَحْر، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْم، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى العَنْبَر،
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَيْتَة، ثمَّ قَال: لَا بَلْ نحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ وَفي سَبِيلِ الله، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُواْ، فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرَاً، وَنحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ حَتىَّ سَمِنَّا، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ ـ أَيْ مِنْ نُقرَةِ عَيْنِهِ ـ بِالقِلَالِ الدُّهْن، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الفِدَرَ ـ أَيْ قِطَعَ اللَّحْمِ ـ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْر، فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ في وَقْبِ عَيْنِه، وَأَخَذَ ضِلَعَاً مِن أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تحْتِهَا ـ وَفي رِوَايَةٍ: نَظَرَ إِلى أَطْوَلِ رَجُلٍ في الجَيْشِ وَأَطْوَلِ جمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ فَمَرَّ تحْتَه ـ وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لحْمِهِ وَشَائِق
[أَيْ مَلَّحْنَاهُ وَجَفَّفْنَاهُ وَاتخَذْنَاهُ زَادَاً] فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَة؛ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا " 00 فَأَرْسَلْنَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَه " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: (1935)، وَالبُخَارِيُّ نَحْوَهِ بِرَقْم: 4360، 4361، 4362 / فَتْح]
كَيْفَ كَانَ بَعْضُهُمْ رضي الله عنهم يَمُوتُ وَلَا يُوجَدُ لَهُ كَفَن
عَن خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَال: " هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ الله، وَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى الله، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِن أَجْرِهِ شَيْئَا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْر،
قُتِلَ يَوْمَ أُحُد، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إِلَاّ نَمِرَة ـ أَيْ عَبَاءةً ـ كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ؛ خَرَجَتْ رِجْلَاه، فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُه؛ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِهَا، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِن إِذْخِر، وَمِنَّا مَن أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا " 0
يَهْدِبهَا: أَيْ يُهَذِّبهَا، وَالإِذْخِر: نَبَاتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَة 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 3914]
وَعَن خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَال: " هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَبِيلِ الله، نَبْتَغِي وَجْهَ الله، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى الله، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِن أَجْرِهِ شَيْئَا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْر، قُتِلَ يَوْمَ أُحُد، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيه؛ إِلَاّ نَمِرَة ـ أَيْ عَبَاءةٌ ـ فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِه؛ خَرَجَتْ رِجْلَاه، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْه؛ خَرَجَ رَأْسُه؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَه، وَاجْعَلُواْ عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِر " 00
وَمِنَّا مَن أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُه، فَهُوَ يَهْدِبُهَا " 00 أَيْ: يُهَذِّبُهَا وَيُشَذِّبُهَا 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 940]
إِحْسَاسُ الغَنيِّ بِالفَقِير
عَنْ نَافِعٍ قَال: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه لَا يَأْكُلُ حَتىَّ يُؤْتَى بمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 5393 / فَتْح]
وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:
" واللهِ لَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامَاً، وَصَحِبْنَا طَوَائِف؛ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنهُمْ لَيُمْسِي وَعِنْدَهُ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَكْفِيه، وَلوْ شَاءَ لأَكَلَه، فَيَقُول: وَاللهِ لَا أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ في بَطْني، حَتىَّ أَجْعَلَ بَعْضَهُ لله؛ فَيَتَصَدَّقُ بِبَعْضِه، وَاللهِ لَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامَاً وَصَحِبْنَا طَوَائِفَ: مَا كَانُواْ يُبَالُونَ أَشَرَّقَتِ الدُّنيَا أَمْ غَرَّبَتْ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُه: لَهِيَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يَمْشُونَ عَلَيْه " 0
[الحِليَةُ لأَبي نُعَيم 0 دَارُ الكِتَابِ العَرَبي 0 بَيرُوت 0 ص: 272/ 6]
وَعَن عَبْدِ اللهِ المُزَنيِّ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، وَاللهِ إِنيِّ لأُحِبُّك؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" انْظُرْ مَاذَا تَقُول " 00 قَالَ وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّك، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" انْظُرْ مَاذَا تَقُول "
قَالَ وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلَاثَ مَرَّات؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِنْ كُنْتَ تُحِبُّني؛ فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تَجْفَافَاً [أَيْ عُدَّةً] فَإِنَّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلى مَنْ يحِبُّني، مِنَ السَّيْلِ إِلى مُنْتَهَاه "[صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْن0المُسْتَدْرَك: 7944، وَهُوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 16646، وَفي الشُّعَبِ بِرَقْم: 1471]
وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:
" أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَال: إِنِّي أُحِبُّك؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اسْتَعِدَّ لِلْفَاقَة " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (274/ 10)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ البَزَّار]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ شَكَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَه؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" اصْبرْ أَبَا سَعِيد؛ فَإِنَّ الْفَقْرَ إِلى مَنْ يحِبُّني مِنْكُمْ؛ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ عَلَى أَعْلَى الوَادِي، وَمِن أَعْلَى الجَبَلِ إِلى أَسْفَلِه " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ بِرَقم: 2828، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح: 274/ 10، رَوَاهُ أَحْمَد]
وَعَن أَبي الحُوَارِيِّ عَن أَبي سُلَيْمَانَ رضي الله عنه قَال:
" الجُوعُ عِنْدَ اللهِ في خَزَائِنِه، لَا يُعْطِيهِ إِلَاّ مَن أَحَبّ " 00!!
[رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في " الشُّعَبِ " بِرَقْم: 5714، وَأَوْرَدَهُ الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ ": 963، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِليَةُ]
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اللَّهُمَّ مَن آمَنَ بِكَ، وَشَهِدَ أَنيِّ رَسُولُك: فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَك، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَك، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَنيِّ رَسُولُك: َفلَا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَك، وَلَا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَك، وَأَكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّنيَا " 0 [صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 208، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2191، 1338]
كَيْفَ كَانُواْ يَكْرَهُونَ الغِنى لِمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ ثَوَابِ الفَقْرِ يَوْمَ القِيَامَة
وَصَفَ أَحَدُ الحُكَمَاءِ الزَّاهِدَ فَقَال:
" إِذَا جَاعَ لَيْلَةً؛ سَأَلَ اللهَ أَنْ يجْعَلهَا لَيْلَتَين " 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةُ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة الأُولى 0 بَابُ فَضِيلَةِ الجُوعِ وَذَمِّ الشِّبَع: 964]
وَرَجَعَ فَتحٌ المَوْصِلِي إِلى أَهْلِهِ بَعْدَ العَتَمَةِ وَكَانَ صَائِمَاً، فَقَالَ عَشُّوني 00؟
قالُواْ: مَا عِنْدَنَا مِنْ شَيْءٍ نُعَشِّيكَ بِه، قَال: فَمَا لَكُمْ جُلُوسٌ في الظُّلْمَة 00؟!
قَالُواْ: مَا عِنْدَنَا زَيْتٌ نُسْرِجُ به؛ وَالحَاصِلُ ـ أَيْ وَقَعَدَ ـ يَبْكِي مِنَ الفَرَحِ فَقَال:
" يَا إِلهِي: مِثْلِي يُتْرَكُ بِلَا عَشَاءٍ وَلَا سِرَاج 00؟! بِأَيِّ يَدٍ كَانَتْ مِنيِّ إِلَيْك ـ أَيْ بِأَيِّ طَاعَةٍ بَلَغْتَ بي مِن أَجْلِهَا هَذِهِ المَنْزِلَة؟! فَمَا زَالَ يَبْكِي إِلى الصُّبْح " 0 [البَيْهَقِيُّ في الشُّعَب: 10119]
قَالَ الإِمَامُ الغَزَاليّ رضي الله عنه: " كَانَ لَنَا جَارٌ إِذَا أَمْسَى وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ أَمْسَى فَرِحَاً، وَإِذَا أَمْسَى وَعِنْدَهُمْ شيْءٌ أَمْسَى مَغْمُومَاً؛ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُه: يَا فُلَان، خَالَفْتَ النَّاس؟!
فَقَالَ لَهَا: أَفْرَحُ لأَنيِّ أُمْسِي وَأَنَا لي بِآلِ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أُسْوَة، وَإِذَا كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ أُصْبِحُ مَغْمُومَاً؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِآلِ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أُسْوَة " 0 [الحَدِيثُ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: 10120، وَفي " الإِحْيَاءِ " بَابُ ذَمِّ الغِنى وَمَدْحِ الفَقْر: 1171]
وَكَانَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رضي الله عنه يَقُولُ لِنَفْسِه: أَيَّ شَيْء تخَافِين 00 أَتخَافِين أَنْ تجُوعِي؟!
لَا تخَافي؛ أَنْتِ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِك، إِنَّمَا يجُوعُ محَمَّدٌ وَأَصْحَابُه 00!!
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ الطَبْعَة الأُولى لِدَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة بَابُ فَضِيلَةِ الجُوع: 963]
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الحَارِثِ رضي الله عنه:
" مَا سَأَلتُ أَحَدَاً قَطُّ شَيْئَاً إِلَاّ سَرِيَّاً السَّقْطِيّ؛ لأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدِي زُهْدُهُ في الدُّنيَا: فَهُوَ يَفْرَحُ بخُرُوجِ الشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ وَيَتَبرَّمُ بِبَقَائِهِ عِنْدَه؛ فَأَكُونَ عَوْنَاً لَهُ عَلَى مَا يحِبّ " 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَابُ آدَابِ الفَقِيرِ في قَبُولِ العَطَاء 0 دَارُ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّة: 1565]
بَعَثَ عَمَرُ رضي الله عنه إِلى أُمِّ المُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ بِعَطَائِهَا فَقَالتْ: مَا هَذَا؟
قَالواْ: بَعَثَ إِلَيْكِ بِهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب؛ قَالتْ: غَفَرَ اللهُ لهُ، ثُمَّ اسْتَلَمَتْ سِتْرَاً كَانَ لَهَا، فَقَطَّعَتْهُ وَجَعَلَتْهُ صُرَرَاً، وَقَسَّمَتهُ في أَهْلِ بَيْتِهَا وَرَحِمِهَا وَأَيْتَامِهَا، ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالتْ:
" اللهُمَّ لَا يُدْرِكْني عَطَاءُ عُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا؛ فَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لحَاقَاً بِه " 0 [الإِمَامُ الغَزَاليُّ في الإِحْيَاءِ بَابِ ذَمِّ المَال: (1133)، الحِليَةُ لأَبي نُعَيم 0 طَبْعَةُ دَارِ الكِتَابِ العَرَبي ص: 54/ 2]
كَيْفَ كَانُواْ يَفْرَحُونَ بِالبَلَاء
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: " دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَك؛ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْه، فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَينَ يَدِي فَوْقَ اللِّحَاف، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَشَدَّهَا عَلَيْك!!
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّا ـ أَيْ مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ ـ كَذَلِك، يُضَعَّفُ لَنَا البَلَاء، وَيُضَعَّفُ لَنَا الأَجْر " قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً 00؟
قَالَ الأَنْبِيَاء، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ مَنْ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " ثمَّ الصَّالحُون؛ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالفَقْر؛ حَتىَّ مَا يجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَاّ العَبَاءةَ يحْوِيهَا ـ أَيْ يَمْلِكُهَا ـ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاء " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (4024)، وَفي " الصَّحِيحَةِ " بِرَقْم: 144]
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: " لَا يَبلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الإِيمَان: حَتىَّ يَعُدَّ الْبَلَاءَ نِعمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً، وَحَتىَّ لَا يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى عِبَادَةِ الله " 0
[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 435/ 8]
أَبُو الدَّرْدَاء، وَحَيَاةُ الفُقَرَاء
عَن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ وَرَاءكُمْ عَقَبَةً كَؤُودَاً، لَا يَجُوزُهَا المُثْقَلُون " 0
وَفي رِوَايَةٍ: " لَا يَنْجُو مِنهَا إِلَاّ كُلُّ مُخِفّ " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيبِ وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2001، 2480]
يَعْني أَنَّ الدُّنيَا كَالعَقَبَةِ المُرْتَفِعَة: مَن خَفَّفَ حِمْلَهُ اجْتَازَهَا، وَمَن أَثْقَلَ حِمْلَهُ عَجَزَ عَنْ صُعُودِهَا، أَوْ كَالبَحْر: مَن خَفَّفَ حِمْلَهُ اجْتَازَهُ وَمَن أَثْقَلَ حِمْلَهُ غَرِق 00
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:
" إِنَّكُمْ في زَمَانٍ، يُغْبَطُ الرَّجُلُ فِيهِ عَلَى كَثْرَةِ مَالِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِه، وَسَيَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ؛ يُغْبَطُ الرَّجُلُ فِيهِ عَلَى قِلَّةِ عِيَالِه " 0 [قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيح 0 ص: (285/ 7)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِيرِ]
صَفْحَةٌ مِنَ المَجَاعَاتِ الَّتي مَرَّ بِهَا المُسْلِمُونَ في الدَّوْلَةِ الْفَاطِمِيَّةِ وَالأَيُّوبِيَّة
ضَرَبَ أَرْضَ مِصْرَ قَحْطٌ وَمجَاعَةٌ في عَهْدِ الخَلِيفَةِ الْعُبَيْدِيِّ المُسْتَنْصِرِ بِالله؛ حَتىَّ أَكَلَ النَّاسُ الجِيَفَ بَلْ وَلُحُومَ الآدَمِيِّيِنَ وَالْقِطَطَ وَالْكِلَاب، وَكَانَ مِن أَغْرَبِ عَمَّا أَفْضَى إِلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ في تِلْكَ الْفَتْرَةِ مَا قَرَأْنَاهُ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ لِلإِمَامِ الذَّهَبيِّ حَيْثُ قَال:" خَرَجَتِ امْرَأَة وَبِيَدِهَا مُدُّ لُؤْلُؤ لِتَشْتَرِيَ بِهِ مُدَّ قَمْح؛ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا أَحَد؛ فَرَمَتْهُ وَقَالَتْ: مَا نَفَعْتَني وَقْتَ الحَاجَة؛ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ يَلْتَقِطُه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 191/ 15، 316/ 18]
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ في نَفْسِ الْفَتْرَةِ أَيْضَاً: اشْتَدَّ الْغلَاءُ حَتىَّ حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَكَلَتْ رَغِيفَاً بِأَلْفِ دِينَار، بَاعَتْ مَا قِيمَتُهُ أَلفُ دِينَارٍ بِثَلَاثمِاْئَةِ دِينَار؛ فَاشْتَرَتْ بِهَا جُوَالِقَ قَمْح؛ فَانْتَهَبَهُ النَّاس؛ فَنَهَبَتْ هِيَ مِنهُ فَحَصَلَ لَهَا مَا خَبَزَ رَغِيفَاً " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 192/ 15]
وَفي عَهْدِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ ضَرَبَ المَدِينَةَ قَحْطٌ شَدِيدٌ حَتىَّ أَكَلُواْ الجِيَف؛ حَتىَّ قِيلَ إِنَّ رَجُلاً مَاتَ في الحَبْسِ فَأَكَلُوه " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 190/ 23]
النِّعْمَةُ قَدْ تَكُونُ بَلَاءً، وَالبَلَاءُ قَدْ يَكُونُ نِعْمَة
إِنَّ الغِنى لَيْسَ مُكَافَأَةً مِنَ اللهِ يُعْطِيهَا مَن أَحَبّ، وَإِلَاّ كَانَ أَوْلى النَّاسِ بهَذَا الحُبِّ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، كَمَا أَنَّ الفَقرَ لَيْسَ غَضَبَاً يُسَلِّطُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ كَلَاّ 00
فَالغِنى قَدْ يَكُونُ نِقْمَةً، وَالفَقْرُ قَدْ يَكُونُ نِعْمَة 00!!
يَعْتَرِضُونَ عَلَى الفَقْرِ {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيرَاً لأَسْمَعَهُمْ} {الأَنفَال: 23}
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبُّ العِزَّةِ جل جلاله أَنَّهُ قَال: " إِنَّ مِن عِبَادِي المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَاّ الفَقْر، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِك، وَإِنَّ مِن عِبَادِي المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَاّ الغِنى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِك " 0 [ضَعَّفَهُ الأَلبَانيُّ في الضَّعِيفِ بِرَقْم: 75، وَابْنُ الجَوْزِيِّ في العِلَلَ المُتَنَاهِيَة: 45/ 1]
فَبِرَغْمِ أَنَّ الفَقْرَ مُذْ كَان، عَدُوُّ الإِنْسَان، إِلَاّ أَنَّهُ هُنَا: قَامَ مَقَامَ الصَّدِيقِ في المَنْفَعَة 00!!
وَلَرُبَّمَا انْتَفَعَ الفَتى بِعَدُوِّهِ * كَالسُّمِّ أَحْيَانَاً يَكُونُ دَوَاءَا
{الطِّغْرَائِيّ}
وَرُبَّ امْرِئٍ إِذَا قُلْتَ لَهُ: " قَلِيلٌ يَكْفِيكَ خَيرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُطْغِيكَ " قَال: " لَن أَتْرُكَ الطُّغْيَانَ يَسْتَبِدُّ بي، وَلكِنْ سَأُنْفِقُ مِنهُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين 00؟!
مَا أَدْرَاكَ يَا مِسْكِين 00 {إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} {النَّحْل: 74}
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {وَمِنْهُم مَّن عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {75} فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَهُمْ مُعْرِضُون {76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقَاً في قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ {77} أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَاّمُ الغُيُوبِ} {التَّوْبَة}
{فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَاّ القَوْمُ الخَاسِرُون} {الأَعْرَاف: 99}
أَمَّا إِنِ احْتَجَّ محْتَجٌّ بِقَوْلِهِ جل جلاله في نَفْسِ الحَدِيثِ السَّابِق: " وَإِنَّ مِن عِبَادِي المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَاّ الغِنى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِك " 0
فَمَا أَدْرَاكَ أَنَّ اللهَ أَرَادَ بِالغِنى إِصْلَاحَك؟ فَرُبمَا أَغْنَاكَ لِتُفْسِدَ في الأَرْضِ وَاللهُ لَا يحِبُّ الفَسَاد؛ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ جل جلاله: {إِنمَا نمْلِي لهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثمَاً} {آل عِمْرَان: 178}
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اللهُمَّ مَن آمَنَ بِكَ وَشَهِدَ أَنيِّ رَسُولُك؛ فَحبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَك، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَك، وَأَقلِلْ لهُ مِنَ الدُّنيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ وَيَشْهَدْ أَنيِّ رَسُولُك؛ فَلَا تحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَك، وَلَا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَك، وَكَثِّرْ لَهُ مِنَ الدُّنيَا " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (286/ 10)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ]
وَعَن أَنَسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً؛ أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا، وَأَمَّا المُؤْمِن: فَإِنَّ اللهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَة، وَيُعْقِبُهُ رِزْقَاً في الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2808 / عَبْد البَاقِي]
قَالَ سبحانه وتعالى في سُورَةِ الوَاقِعَةِ عَن أَصْحَابِ الشِّمَال:
{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَال {41} في سَمُومٍ وَحَمِيم {42} وَظِلٍّ مِنْ يحْمُوم {43} لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيم {44} إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُترَفِين} {الوَاقِعَة}
وَعِنْدَمَا تَكَلَّمَ اللهُ عَنِ الإِفْسَادِ في الأَرْضِ ذَكَرَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ المُتْرَفِين فَقَالَ جل جلاله:
{الإِسْرَاء: 16}
الغِنى قَدْ يَكُونُ اسْتِدْرَاجَاً مِنَ الله
عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي العَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يحِبّ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاج " 00 ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتىَّ إِذَا فَرِحُواْ بمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} {الأَنعَام: 44}
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَة بِرَقْمَيْ: 561، 413، وَحَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 17311]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّهُ لَيَأْتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَة؛ اقْرَأُواْ:
{فَلَا نُقِيمُ لهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنَا} {الكَهْف/105} [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (4729)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 2785]
إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً ابْتَلَاه
قَدْ يُنعِمُ اللهُ بِالبَلْوَى وَإِن عَظُمَتْ * وَيَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ النَّاسِ بِالنِّعَمِ
{أَبُو تَمَّام}
وَسُبْحَانَ القَائِل: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبيِّ أَكْرَمَن {15} وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {16} كَلَاّ} {الفَجْر}
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ في هَذِهِ الآيَة: " يَقُولُ جل جلاله مُنْكِرَاً عَلَى الإِنْسَانِ في اعْتِقَادِهِ إِذَا وَسَّعَ اللهُ جل جلاله عَلَيْهِ في الرِّزْقِ لِيَخْتَبرَهُ في ذَلِك؛ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللهِ إِكْرَامٌ لَه، وَلَيْسَ كَذَلِك 00
وَإِذَا ابْتَلَاهُ اللهُ وَامْتَحَنَهُ، وَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ: أَيْ ضَيَّقَهُ؛ يَعْتَقِدُ العَبْدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللهِ إِهَانَةٌ لَهُ، ثُمَّ قَالَ جل جلاله:" كَلَاّ " 00 أَي لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَم، لَا في هَذَا وَلَا في ذَاك؛ فَإِنَّ اللهَ جل جلاله يُعْطِي المَالَ مَن أَحَبَّ وَمَنْ لَا يحِبّ " 0
[ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ لِسُورَةِ الفَجْر 0 طَبْعَةُ دَارِ الفِكْر 0 بَيرُوت: 510/ 4]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يحِبُّ وَمَنْ لَا يحِبّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَاّ لمَن أَحَبّ، فَمَن أَعْطَاهُ اللهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّه، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه؛ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتىَّ يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُه، وَلَا يُؤْمِنُ حَتىَّ يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَه " 00
قَالُواْ: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبيَّ الله 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " غَشَمُهُ وَظُلْمُه، وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالاً مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ؛ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيه، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ فَيُقْبَلَ مِنْه، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ؛ إِلَاّ كَانَ زَادَهُ إِلى النَّار؛ إِنَّ اللهَ عز وجل: لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالحَسَن، إِنَّ الخَبِيثَ لَا يَمْحُو الخَبِيث " 0
[قَالَ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَفي بَعْضِهِمْ خِلَاف: 228/ 10، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 7301، رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَأَحْمَدُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 3490، وَالبَيْهَقِيُّ في " الشُّعَب " بِرَقْم: 5524]
إِقْبَالُ الدُّنيَا عَلَى العَبْدِ لَيْسَ لِرِضَى اللهِ عَلَيْه
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال ـ حِينَ فَتَحَ اللهُ عَلَى المُسْلِمِينَ مَمْلَكَةَ الفُرْسِ بِمَا فِيهَا مِنْ قُصُورٍ وَخَزَائِن: " اللهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَكَ كَانَ يحِبُّ أَنْ يُصِيبَ مَالاً، فَيُنْفِقَهُ في سَبِيلِكَ وَعَلَى عِبَادِكَ، فَزَوَيْتَ ذَلِكَ عَنهُ نَظَرَاً مِنْكَ لَهُ وَاخْتِيَارَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَكْرَاً مِنْكَ بِعُمَر، ثُمَّ بَكَى وَتَلَا قَوْلَهُ جل جلاله:{أَيحْسَبُونَ أَنَّمَا نمِدُّهُمْ بِهِ مِن أَمْوَالٍ وَبَنِينَ {55} نُسَارِعُ لهُمْ في الخَيرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُون} {المُؤْمِنُون}
[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " بِالبَابِ الثَّالِثِ وَالعِشْرِين، البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ بِرَقْم: 12815]
إِنَّ اللهَ جل جلاله قَدْ يَرْضَى عَن عَبْدِهِ؛ فَيَحْرِمُهُ في الدُّنيَا لِيُعْطِيَهُ في الآخِرَة، وَقَدْ يَغْضَبُ عَلَى عَبْدِهِ؛ فَيُعْطِيهُ في الدُّنيَا لِيَحْرِمَهُ في الآخِرَة؛ فَلَا تَنْظُرَنَّ إِلى الغَنيِّ فَتَسْتَكْثِرَ عَليْهِ مِنَ النِّعَم؛ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن أَيْنَ اكْتَسَبَهَا 00؟ وَفِيمَا أَنْفَقَهَا 00؟
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ؛ فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَه، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَينَ عَيْنَيْه، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَاّ مَا كُتِبَ لَه، وَمَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ نِيَّتَه؛ جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَه، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلْبِه، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ " 0 [صَحَّحهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: (4105)، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 680]
وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَه، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَة، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْه، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَه، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَاّ مَا قُدِّرَ لَه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: (2465)، وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 11456، 949]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَنْ جَعَلَ الهُمُومَ هَمَّاً وَاحِدَاً: هَمَّ المَعَاد؛ كَفَاهُ اللهُ هَمَّ دُنْيَاه، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الهُمُومُ في أَحْوَالِ الدُّنْيَا؛ لَمْ يُبَالِ اللهُ في أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَك " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (11134)، كَمَا حَسَّنَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْمَيْ: 257، 4106]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ {15} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآَخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} {هُود}
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ رضي الله عنه عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في هَذِهِ الآيَة:
" كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَة، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامَاً وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ ـ أَيْ وَلَدَتْ ـ قَال: هَذَا دِينٌ صَالِح، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُه: قَالَ هَذَا دِينُ سَوء " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 4742]
لَا حِيلَةَ في الرِّزْق
وَمِن عَجَائِبِ الرِّزْقِ وَالأَجَل؛ أَنَّ كِلَاهمَا لَا تَنْفَعُ فِيهِ الحِيَل، فَلَا حِيلَةَ في الرِّزقِ وَلَا شَفَاعَةَ في المَوْت؛ وَإِلَاّ مَاتَ عَاجِزُ الرَّأْيِ مِنْ قِلَّةِ الحِيلَة، وَلَمَا انهَالَتْ عَلَى أَهْلِ الحُمْقِ وَالفِسْقِ شَآبِيبُه!!
فَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى القَضَاءِ وَحُكْمِهِ * بُؤْسُ اللَّبِيبِ وَطِيبُ عَيْشِ الأَحْمَقِ
{الإِمَامُ الشَّافِعِيّ}
الرِّزْقُ يَتْرُكُ طَرْقَ بَابِ أُولي النُّهَى * وَيَبِيتُ بَوَّابَاً بِبَابِ الأَحْمَقِ
*********
فَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ * وَاللهُ يَعْلَمُ حَيْثُ يجْعَلُ رِزْقَهُ
{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}
وَلَوْ كَانَتِ الأَرْزَاقُ بِالعَقْلِ قَدْرُهَا * هَلَكْنَ إِذَنْ مِنْ جَهْلِهِنَّ البَهَائِمُ
مَلِكُ المُلُوكِ إِذَا وَهَبْ * لَا تَسْأَلَنَّ عَنِ السَّبَبْ
فَسُبْحَانَ مَنْ يُدَبِّرُ شُؤُونَ عِبَادِهِ وَيُقَسِّمُ أَرْزَاقَهُمْ، حَتىَّ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِالأَرْزَاق؛ لَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْء، وَلَوْ أُذِنَ لَهُ لَقَال:
لَا الأَمْرُ أَمْرِي وَلَا التَّدْبِيرُ تَدْبِيرِي * وَلَا الأُمُورُ الَّتي تجْرِي بِتَقْدِيرِي
تَبَارَكْتَ يَا رَبّ 00
فَمَا شِئْتَ يَجْرِي وَإِنْ لَمْ أَشَأْ * وَمَا شِئْتُ ما لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُن
فَسُبْحَانَ رَبِّى عَلَى حِكْمَةٍ * يحَارُ لَهَا كُلُّ إِنْسٍ وَجِنّ
*********
حِوَارٌ بَينَ العَقْلِ وَالحَظّ
وَمِمَّا قِيلَ في ذَلِكَ مِنَ الأَمْثَالِ وَالأَسَاطِير:
" اسْتَأْذَنَ العَقْلُ عَلَى الحَظِّ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ؛ فَقَال العَقْل: لِمَ لَمْ تَأْذَنْ لي 00؟!
قَالَ الحَظّ: لأَنَّكَ تحْتَاجُ إِليَّ وَلَا أَحْتَاجُ إِلَيْك " 0
[لمَيْدَانيُّ في " مجْمَعِ الأَمْثَالِ " بِطَبْعَةِ دَارِ المَعْرِفَة 0 بَيرُوت 0 ص: 459/ 2]
وَالنَّاسُ في طَلَبِ المَعَاشِ وَإِنَّمَا * بِالحَظِّ يُرْزَقُ مِنهُمُ مَنْ يُرْزَقُ
كَمْ ضَيِّقٍ في العَقْلِ رِزْقُهُ وَاسِعٌ * كَمْ وَاسِعٍ في العَقْلِ رِزْقُهُ ضَيِّقُ
{صَالحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوس}
يَا طَالِبَ الرِّزْقِ لَيْسَ الرِّزْقُ بِالحِيلِ * الرِّزْقُ في اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ مَعَ الأَجَلِ
فَلَوْ صَبَرْنَا لَكَانَ الرِّزْقُ يَطْلُبُنَا * لَكِنَّهُ خُلِقَ الإِنْسَانُ مِن عَجَلِ
*********
فَلوْ كَانَتِ الأَرْزَاقُ تَأْتِي بِقُوَّةٍ * لَمَا أَكَلَ العُصْفُورُ شَيْئَاً مَعَ النَّسْرِ
الطُّيُورُ وَالبَهَائِمُ تَعْمَل، وَابْنُ آدَمَ يُرِيدُ أَنْ يُرْزَقَ مِن غَيرِ أَنْ يَعْمَل
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَعْمَلُ حَطَّابَاً، يَكُدُّ وَيَتْعَبُ وَيَعْرَق؛ لِيَأْتيَ آخِرَ اليَوْمِ إِلى أَوْلَادِهِ بِالقُوتِ وَقَدْ هَدَّهُ التَّعَب، فَمَكَثَ أَيَّامَاً لَا يخْرُجُ إِلى عَمَلِه؛ حَتىَّ جَاعَ أَوْلَادُهُ وَبَدَتْ عَلَيْهِمْ أَمَارَاتُ الفَاقَةِ وَالجُوع؛ فَشَكَا أَقْرِبَاؤُهُ إِلى رَجُلٍ حَكِيمٍ كَانَ يَتَرَدَّدُ عَلَيْه، فَأَتَاهُ وَقَالَ لَه: مَا الَّذِي أَقْعَدَكَ في البَيْتِ يَا فُلَان 00؟!
قَالَ كُنْتُ أَحْتَطِبُ ذَاتَ يَوْمٍ كَعَادَتي، فَرَأَيْتُ في أَحَدِ الأَمَاكِنِ البَعِيدَةِ عَنِ العُمْرَان، غرَابَاً جَنَاحَاهُ مَكْسُورَان، مُقَطَّعَ السِّيقَان، عَاجِزاً عَنِ الطَّيرَان، يَبْدُو كَالمَيِّتِ وَمَا هُوَ بِمَيِّت، لَكِني كُنْتُ عَلَى يَقِينٍ مِن أَنَّهُ سَيَمُوتُ إِن عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، فَمَضَى بي مِنَ الأَيَّامِ مَا مَضَى، ثمَّ أَتَيْتُ إِلى ذَلِكَ المَكَان؛ فَقُلتُ أَنْظُرُ مَا فَعَلَ الغُرَاب، فَوَجَدْتُهُ كَمَا هُوَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ لَمْ يمُتْ؛
فَقُلْتُ في نَفْسِي: إِنَّ لِهَذَا الغُرَابِ لَشَأْناً؛ فَقَعَدْتُ مِنهُ غيرَ بَعِيدٍ، وَقُلْتُ أَنْظُرُ حَالَهُ العَجِيب، فَبَيْنَمَا شَمْسُ الأَصِيلِ قَدْ آذَنَتْ بِالمَغِيبِ؛ إِذْ بَعَثَ اللهُ غُرَابَاً يَبْحَثُ في الأَرْض، فَأَعْطَى ذَلِكَ الغُرَابَ العَاجِزَ كِسْرَةً مِنَ الخُبْز، كَانَ يَقْضِمُ عَلَيْهَا بِفَمِه؛ فَقُلْتُ في نَفْسِي: وَاللهِ إِنَّ الَّذِي رَزَقَ هَذَا الغُرَابَ العَاجِز؛ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَني، فَرَجَعْتُ إِلى بَيْتي وَقَعَدْتُ فِيهِ كَمَا تَرَى 00!!!
هُنَا قَالَ لَه الحَكِيم، وَقَدِ اسْتَوْعَبَ تمَامَاً مَا سَمِعَ: وَلِمَ اخْتَرْتَ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ الغُرَابَ العَاجِز؟! وَلِمَ تخْتَرْ أَنْ تَكُونَ الغُرَابَ القَوِيّ 00؟!!
شَاعِرٌ وَأَمِير
أَمَا تَرَيْنَ الدُّجَى لُمَّتْ غَدَائِرُهُ * سُودَاً فَحَوَّلَهَا نُورُ الضُّحَى شُقُرَا
وَالرِّيحُ تَنْفُخُ نَايَاتِ الْغُصُونِ عَلَى * سَمْعِ الْوُرُودِ فَتُخْرِجُهُ نَدَىً عَطِرَا
إِيَّاكِ أَنْ تَجْعَلِي في الحُبِّ خَمْرَتَنَا * خَلاًّ أَوَ انْ تَجْعَلِي فِرْدَوْسَنَا سَقَرَا
{الشَّاعِرُ الْقَرَوِيّ / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
إِنيِّ امْرُؤٌ مُغْرَمٌ بِالحُسْنِ يَا قَمَرِي * لَا حَظَّ لي مِنهُ إِلَاّ لَذَّةَ النَّظَرِ
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
وَكُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ كَالْبَشَرِ * فَصِرْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلٍ مِنَ الشَّجَرِ
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
لَا دَرَّ دَرُّ بَيَاضِ الشَّيْبِ إِنَّ لَهُ * في أَعْيُنِ الغِيدِ مِثْلَ الوَخْزِ بِالإِبَرِ
°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°
قَالَ بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَاكَ إِلَاّ قَدْ سَعَيْتَ لَهُ؛ فَكَرِهَ عُرْوَةُ أَنْ يُكَذِّبَ شِعْرَه؛ فَخَرَجَ مِن عِنْدِه، فَأَرْسَلَ الخَلِيفَةُ في إِثْرِهِ رَسُولاً يَلْحَقُ بِهِ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلفِ دِينَار، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُول قَالَ لَهُ عُرْوَة: قُل لأَمِيرِ المُؤْمِنِين: الأَمْرُ عَلَى مَا قُلْتُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَدْ سَعَيْتُ إِلَيْهِ فَأَعْيَتْني مُطَالَبَتي، وَقَعَدْتُ عَنهُ فَأَتَاني بِلَا تَعَبِ 00!!
[الأَبْشِيهِيُّ في " المُسْتَطْرَفِ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مُسْتَظْرَف " بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف 0 الفَصْلُ الثَّاني في القَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ الله]
فَمَهْمَا زِدْتَ في طَلَبِكْ * فَرِزْقُكَ سَوْفَ يَلْحَقُ بِكْ
وَشَكَا رَجُلٌ إِلى أَحَدِ الصَّالحِينَ كَثْرَةَ عِيَالِهِ فَقَالَ لَه: انْظُرْ مِن عِيَالِكَ مَنْ كَانَ رِزْقُهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ فَحَوِّلهُ إِلى مَنزِلي00!!
وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِر
وَأُصِيبَ أَعْرَابيٌّ في نَاقَتِهِ الَّتي مِنهَا قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِه؛ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلى السَّمَاءِ وَقَال: أَيْ رَبّ، رِزْقِي أَنَا وَعِيَالي عَلَيْك؛ فَاصْنَعْ مَا شِئْت 00!!
وَيَرْحَمُ اللهُ مَنْ قَال:
حَتىَّ مَتى أَنْتَ في حِلٍّ وَتَرْحَالِ * وَطُولِ سَعْيٍ وَإِدْبَارٍ وَإِقبَالِ
وَلَوْ قَنِعْتَ أَتَاكَ الرِّزْقُ في دَعَةٍ * إِنَّ الغِنى في القُنُوعِ وَلَيْسَ في المَالِ
فَدَعْ أُمُورَكَ تجْرِي في أَعِنَّتِهَا * وَلَا تَبِيتَنَّ إِلَا خَاليَ البَالِ
مَا بَينَ غَمْضَةِ عَينٍ وَانْتِبَاهَتِهَا * يُبَدِّلُ اللهُ مِن حَالٍ إِلى حَالِ
لَوْ كَانَ المَالُ يَنْفَعُ في كُلِّ شَيْءٍ لَنَفَعَتْ قَارُونَ أَمْوَالُه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ، وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُولي القُوَّة إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يحِبُّ الفَرِحِين {76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْك، وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ في الأَرْض؛ إِنَّ اللهَ لَا يحِبُّ المُفْسِدِين {77} قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي، أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمْعَا، وَلَا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المجْرِمُون {78} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ في زِينَتِه، قَالَ الذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا
يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيم {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً، وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ الصَّابِرُون {80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِين {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمِنْ يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقْدِر، لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لخَسَفَ بِنَا، وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الكَافِرُون {82} تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوَّاً في الأَرْضِ وَلَا فَسَادَا، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين} {القَصَص}
فَيَا إِخْوَانِي حَفِظَكُمُ اللهُ؛ لَوْ كَانَ المَالُ يَنْفَعُ في كُلِّ شَيْءٍ لنَفَعَتْ قَارُونَ أَمْوَالُهُ حِينَ خَسَفَ اللهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ عِنْدَمَا طَغَى وَبَغَى 00!!
أَحْفَادُ قَارُون
وَلَا زَالَتْ تَعِيشُ بَيْنَنَا بَقِيَّةٌ مِن أَبْنَاءِ قَارُون، يَأْكُلُونَ مَا تَشْتَهِي النُّفُوس، وَيَلْبِسُون أَحْسَنَ مَلْبُوس، وَيُعَلِّقُونَ فَقْرَ النَّاسِ عَلَى أَوْتَادٍ؛ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا في السَّمَاء 00!!
إِنِ اسْتَوَواْ فَسِكِّين، وَإِنِ اعْوَجُّواْ فَمِنْجَل، يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَل 00!!
وَذَلِكَ لأَنَّهُمُ اتخَذُواْ الدُّنيَا مُسْتَعْمَرَة، وَلَمْ يَتَّخِذُوهَا قَنْطَرَة، إِلى بَرِّ الآخِرَة 0
يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ في كِتَابِهِ القَيِّم / عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين:
" وَقَدْ عُرِضَتْ الدُّنيَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بحَذَافِيرِهَا، فَوَكَزَهَا في صَدْرِهَا بِاليَدَينِ وَردَّهَا عَلَى عَقِبَيْهَا، ثمَّ عُرِضتْ بعْدهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَعَرَّضَتْ لهُمْ؛ فَمِنهُمْ مَنْ سَلَكَ سَبيلَهُ وَأَمَاطَهَا عَنهُ وَهُمُ القَلِيل، وَمِنهُمْ مَنِ استَعْرَضَهَا وَقَالَ مَا فِيكِ 00؟
قَالَتْ فيَّ الحَلَالُ وَالشُّبهَةُ وَالمَكرُوهُ وَالحَرَام 00 فَقَالُواْ: هَاتي حَلَالَكِ وَلَا حَاجَةَ لَنَا في البَاقِي، فَأَخَذُواْ حَلَالَهَا، ثمَّ تَعَرَّضَتْ لِمَنْ بَعدَهُمْ، فَطَلَبُواْ حَلَالَهَا فَلَمْ يَجِدُوه، فَطَلَبُواْ مَكرُوهَهَا وَشُبَهَهَا فَقَالَتْ: قَدْ أَخَذَهُ مَنْ قَبلَكُمْ، فَقَالواْ: هَاتي حَرَامَكِ، فَأَخَذُوه، فَطَلَبَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ فَقَالَتْ: هُوَ في أَيْدِي الظَّلَمَةِ قَدِ اسْتَأَثَرواْ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَتَحَيَّلواْ عَلَى تحْصِيلِهِ مِنهُمْ بِالرَّغبَةِ وَالرَّهبَة؛ فَلَا يمُدُّ فَاجِرٌ يَدَهُ إِلى شَيْءٍ مِنَ الحرَام؛ إِلَاّ وَجَدَ أَفْجَرَ مِنهُ وَأَقْوَى قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْه " 00!!
[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِينَ " بِالبَابِ الثَّالِثِ وَالعِشْرِين]
عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ـ قَالَهَا صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَاً ـ ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ؛ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُون ـ أَيْ يَشْهَدُونَ وَلَيْسُواْ أَهْلاً لِلشَّهَادَة ـ وَيخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُون، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَن " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6428، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2535، وَالحَدِيثُ في الكَنْزِ بِرَقْم: 32453، 32457]
يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُون: أَيْ يَشْهَدُونَ وَلَيْسُواْ أَهْلاً لِلشَّهَادَة، أَوْ يَعْرِضُونَ الشَّهَادَةَ مِن غَيرِ أَنْ يُطْلَبَ مِنهُمْ 0
وَهَذِهِ الفِئَةُ مِنْ شِرَارِ الأَغْنِيَاء، سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْت ـ أَيِ الكَسْبِ الحَرَام ـ عَصَا مُوسَى الْتِهَامَا، وَحُوتُ يُونُسَ الْتِقَامَا 00!!
أَيَشْتَكِي الفَقْرَ غَادِينَا وَرَائِحُنَا * وَنحْنُ نمْشِى عَلَى أَرْضٍ مِنَ الذَّهَبِ
رَحِمَ اللهُ الفارُوقَ عُمَر، الَّذِي مَا كَانَ يَشْبَعُ وَفي المُسْلِمِينَ جَائِع، وَلَا يَكْتَسِي وَفي المسْلِمِينَ حُفاةٌ عُرَاةٌ مُشرَّدُونَ بِالشَّوَارِع، يَنَامُونَ عَلى الأَرْصِفَة، أَجْسَادُهُمْ عَارِيَة، وَبُطُونُهُمْ خَاوِيَة، وَثِيَابُهُمْ بَالِيَة، فَالأَثْرِيَاءُ اليَوْمَ يَزْدَادُونَ ثَرَاءً، وَالفُقَرَاءُ يَزْدَادُونَ فَقْرَاً 00!!
قَوْمٌ يَبْحَثُونَ عَنِ المَلَالِيمِ وَلَا يجِدُونَهَا، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ المَلَايِينُ وَيُبَدِّدُونَهَا 00!!
فِئَةٌ تَبْحَثُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ عَنِ المَالِ مِنْ شِدَّةِ الفَاقَة، وَأُخْرَى تُرِيدُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ إِنْفَاقَة 00!!
تَبَّاً لهَا مِنْ دُنيَا 00 تحْرِمُ الفُقَرَاءَ وَتُعْطِي الأَغْنِيَاء 00!!
أَلَا إِنمَا الأَيَّامُ تجْرِي عَلَى الوَرَى * فَتَحْرِمُ ذَا كَدٍّ وَتُكْرِمُ مَنْ تَرَى
{محْمُود سَامِي البَارُودِي بِتَصَرُّف}
" فِيهْ نَاسْ بِتِتْعَبْ مِن غِيرْ مَا تِكْسَبْ * وِنَاسْ بِتِكْسَبْ مِن غِيرْ مَا تِتْعَبْ "
{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}
مَا النَّاسُ إِلَاّ عَامِلَانِ فَعَامِلٌ * قَدْ مَاتَ مِن عَطَشٍ وَآخَرُ يَغْرَقُ
{صَالحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوس}
جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ مِن عَهْدِ نُوحْ * شُعُوبٌ تجِيءوَأُخْرَى تَرُوحْ
وَدُنيَا تَضِجُّ بسُكَّانهَا * فَهَذَا يُغَني وَهَذَا يَنُوحْ
*********
فَمَتى بَنى بَانٍ حَقِيقَةَ أَمْرِنَا * جَعَلَ المَآتِمَ حَائِطَ الأَفْرَاحِ
{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}
يَقُولُ صَاحِبُ الإِحْيَاء، في أَمْثَالِ هَؤُلَاء، مِنَ الأَغْنِيَاءِ الأَغْبِيَاء:
" فَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ وَاللهِ اشْتَرَوا الأَمَانَةَ بِأَمْوَالهمْ، فَأَصَابُواْ آلَافَاً، مَاذَا صَنَعُواْ بِهَا 00؟!
وَسَّعُواْ بهَا دُورَهُمْ، وَضَيَّقُواْ قُبُورَهُمْ، أَسْمَنُواْ بَرَاذِينَهُمْ، وَأَهزَلُواْ دِينَهُمْ ـ بَرَاذِينُهُمْ أَيْ بِغَالهُمْ ـ وَأَتعَبُواْ أَنْفُسَهُمْ بِالغُدُوِّ وَالرَّوَاح إِلى بَابِ السُّلطَان، يَتَعَرَّضُونَ للبَلَاء، وهُمْ مِنَ اللهِ في عَافِيَة، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: تَبِيعُني أَرْضَ كَذَا؛ وَأَزِيدُكَ كَذَا وَكَذَا 00؟
يَتَّكِئُ عَلَى شِمَالِه، وَيَأْكُلُ مِن غَيرِ مَالِه، حَدِيثُهُ سُخْرَة، وَمَالُهُ حَرَام، حَتىَّ إِذَا أَخَذَتْهُ الكِظَّةُ ـ أَيِ التُّخْمَةُ ـ وَنَزَلَتْ بِهِ البِطْنَة؛ قَالَ يَا غُلَام؛ ائْتِني بِشَيْءٍ أَهْضِمُ بِهِ طَعَامِي،
يا لُكَع 00 أَطَعَامَكَ تَهْضِمُ أَمْ دِينَك 00؟!
أَيْنَ حَقُّ الفَقِير، أَيْنَ حَقُّ الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِين، أَيْنَ حَقُّ اليَتِيمِ الَّذِي أَوْصَاكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ خَيْرَا "؟
[الإِحْيَاءُ بَابُ فَوَائِدِ الجُوع: 969]
الحَدِيثُ عَنِ الفَقِيرِ وَالمحْتَاج؛ يَتَسَبَّبُ لِبَعْضِ الأَغْنِيَاءِ في إِزْعَاج
كُلُواْ وَاشْرَبُواْ أَيُّها الأَغْنيَاءُ * وَإِنْ مَلأَ السِّكَكَ الجَائِعُون
وَلَا تَلْبِسُواْ الثَّوْبَ إِلَاّ جَدِيدَاً * وَإِنْ لَبِسَ الخِرَقَ البَائِسُون
وَحُوطُواْ قُصُورَكُمُ بِالرِّجَالِ * وَحُوطُواْ رِجَالَكُمُ بِالحُصُون
فَلَا يَنْظُرُواْ لِلجِيَاعِ الضِّيَاعِ * وَلَا يَنْظُرُواْ للَّذِي تَصْنَعُون
وَإِنْ سَاءَكُمْ أَنهُمْ في الوُجُودِ * وَأَزْعَجَكُمْ أَنَّهُمْ يَصْرُخُون
مُرُواْ فَتَصُولَ الجنُودُ عَلَيْهِمْ * تُعَلِّمُهُمْ كَيْفَ فَتْكُ المَنُون
فَهُمْ مُعْتَدُونَ وَهُمْ مجْرِمُونَ * وَهُمْ مُقْلِقُونَ وَهُمْ مُزْعِجُون
إِذَا الجُنْدُ لَمْ يَحْرُسُوكُمْ وَأَنْتُمْ * كِرَامُ البِلَادِ فَمَنْ يحْرُسُون
وَإِن هُمُ لَمْ يَقْتُلُواْ الأَشْقِيَاءَ * فَيَا لَيْتَ شِعْرِيَ مَنْ يَقْتُلُون
وَلَا يُحْزِنَنَّكُمُ مَوْتهُمْ * فَإِنَّهُمُ لِلشَّقَا يُخْلَقُون
وَيَا فُقَرَاءُ لِمَاذَا التَّشَكِّي * دَعُواْ الأَغْنِيَاءَ وَمَا يَكْنِزُون
فَكَنزُ القَنَاعَةِ يَكْفِيكُمُ * أَلَا تَسْتَحُونَ أَلَا تخْجَلُون
{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي بِتَصَرُّف}
فُقَرَاء، لَكِنْ ظُرَفَاء
وَاسْتمِعْ مَعِي لِهَذَا الشَّاعِرِ الَّذِي بَلَغَ مِنْْ فَرْطِ قَنَاعَتِهِ أَنْ مَدَحَ الفَقْرَ عَلَى عِلَاتِهِ وَذَمَّ الْغِنى فَقَال:
أَقُولُ لنَفْسِي وَيحَكِ المَالُ نَافعٌ * فَتُقْسِمُ أَنَّ الأَجْرَ وَالزُّهْدَ أَنْفَعُ
لَعَمْرُكَ مَهْمَا يَرْتَفِعْ صَاحِبُ الغِنى * فَإِنَّ أُولي الإِخْلَاصِ وَالزُّهْدِ أَرْفَعُ
بَلْ وَصَارَ يَفْخَرُ ـ رَغْمَ فَقْرِهِ ـ عَلَى الغَنيِّ وَيَقُولُ لَه:
أَرَدْتَ عَلَيَّ تَفْتَخِرُ * بمَالِكَ أَنْتَ غَبيُّ
فَأَنْتَ إِلَيْهِ مفْتَقِرُ * وَأَنَا عَنهُ غَنيُّ
{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}
غَنيٌّ بِلَا مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ * وَليْسَ الغِنى إِلَاّ عَنِ الشَّيْءِ لَا بِهِ
مَنْ كَثُرَ مَالُهُ؛ كَثُرَتْ همُومُه
إِنَّ مَنْ كَثُرَ مَالُه؛ كَثُرَتْ همُومُه 00 كَمْ مِن غَنيٍّ عِنْدَهُ الأَمْوَالُ أَكْوَام، وَعَيْنُهُ لَا تَنَام 00!!
وَالسَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ لَيْسَتْ في المَال، إِنمَا هِيَ في رَاحَةِ البَال، وَاسْمَعُواْ مَعِي ـ يَا أَهْلَ العُقُول ـ لهَذَا الشَّاعِرِ مَاذَا يَقُول:
إِني نَظَرْتُ إِلى الحَمَائِمِ في الرُّبَى * فَعَجِبْتُ مِن حَالِ الأَنَامِ وَحَالِهَا
فَغَبطْتُهَا في أَمْنِهَا وَسَلَامِهَا * وَوَدِدْتُ لَوْ أُعْطِيتُ رَاحَةَ بَالِهَا
وَجَعَلْتُ مَذْهَبَهَا لِنَفْسِيَ مَذْهَبَاً * وَنَسَجْتُ أَخْلَاقِي عَلَى مِنوَالِهَا
رَاحَةُ البَال: خَيرٌ مِنْ كَثْرَةِ المَال
وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَال: " اخْتَارَ الفُقَرَاء؛ ثَلَاثَةَ أَشْيَاء، وَاخْتَارَ الأَغْنِيَاء؛ ثَلَاثَة أَشْيَاء، اخْتَارَ الفُقَرَاء: رَاحَةَ البَدَن، وَفَرَاغَ القَلْب، وَخِفَّةَ الحِسَاب، وَاخْتَارَ الأَغْنِيَاء: تَعَبَ البَدَن، وَشُغْلَ القَلْب، وَشِدَّةَ الحِسَاب " 0
[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " بَابِ فَضِيلَةِ الفَقرِ عَلَى الغِني: 1561]
فَرَاحَة البَال؛ ثَرْوَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِمَال، أَبْصَرَهَا ذَلِكَ الشَّاعِرُ فَقَال:
وَطَائِرٌ صَغِيرْ * يجْلِسُ فَوْقَ العُشّ
كَأَنَّهُ أَمِيرْ * يجْلِسُ فَوْقَ العَرْش
*********
لَا أَحَدَ يَقَعُ مِنْ فَوْقِ الحَصِيرَة
وَمَا أَظْرَفَ قَوْلِ هَذَا الأَعْرَابيّ:
خَرَجْتُ مِنَ المَنَازِلِ وَالقِبَابِ * فَلَمْ يَصْعُبْ عَلَي أَحَدٍ حِجَابِي
وَمَا حَاسَبْتُ يَوْمَاً قَهْرَمَانَاً * محَاسَبَةً فَغَالَطَ في حِسَابِي
وَلَا خِفْتُ الذِّئَابَ عَلَى نِعَاجِي * وَلَا خِفْتُ اللُّصُوصَ عَلَى دوابِّي
فَمَنزِليَ الفَضَاءوَسَقْفُ بَيْتي * سَمَاءُ اللهِ أَوْ قِطَعُ السَّحَابِ
فَأَنْتَ إِذَا أَرَدْتَ دَخَلْتَ بَيْتي * وَأَنْتَ إِذَا أَرَدْتَ قَرَعْتَ بَابِي
فَهَذَا هُوَ حَالُ الفَقِير 00 يَبِيتُ مِلْءَ جُفُونِهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يخَافُ عَلَيْه 00!!
وَصَدَقَ مَنْ قَالَ في الأَمْثَال: " لَا أَحَدَ يَقَعُ مِنْ فَوْقِ الحَصِيرَة " 00 أَيْ مَا جَلَبَ المَضَرَّة؛ إِلَاّ النَّوْمُ عَلَى الأَسِرَّة: وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّرَفِ وَالرَّفَاهِيَة، وَالفَخْفَخَةِ المُغَالِيَة 00!!
صَعَالِيكُ الشُّعَرَاء
وَقَالَ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ؛ في بَائِسٍ مِنَ البُؤَسَاء:
شَاعِرٌ مِنْ يَوْمِهِ صِفْرُ اليَدِ * غَارِقٌ في دَيْنِهِ لِلأَبَدِ
مَنْ رَآهُ قَالَ كَمْ ثَرْوَتُهُ * وَهْيَ صِفْرٌ عَنْ شِمَالِ العَدَدِ
يُنْفِقُ في يَوْمِهِ مَا عِنْدَهُ * تَارِكَاً للهِ تَدْبِيرَ الغَدِ
{محَمَّدٌ الأَسْمَر}
وَبَاتَ أَعْرَابِيٌّ هُوَ وَكَلبُهُ جَائِعَيْن، حَتىَّ عَوَى كَلْبُهُ طِوَالَ اللَّيْلِ مِنْ شِدَّةِ الجُوع، وَمَعَ ذَلِكَ رَأَى في نَفْسِهِ أَمِيرَاً لِلمُؤْمِنِينَ فَأَنْشَأَ يَقُول:
تَشَكَّى إِليَّ الكَلبُ شِدَّةَ مَا بِهِ * وَبي مِثْلُ مَا بِالكَلْبِ أَوْ بيَ أَكْثَرُ
كَأَنيِّ أَمِيرُ المُؤْمِنِِينَ مِنَ الغِنى * وَأَنْتَ كَأَنَّكَ حِينَ تَسْأَلُ جَعْفَرُ
أَيْ بِرَغْمِ فَقْرِنَا وَجُوعِنَا؛ فَإِنَّكَ جَعَلْتَني مِن حَيْثُ لَا تَدْرِي أَمِيرَاً لِلْمُؤمِنِين؛ بِرَفْعِكَ إِليَّ حَاجَتَك، كَمَا يَرْفَعُ النَّاسُ حَوَائِجَهُمْ إِلَيْه " 0
البُحْتُرِيُّ الشَّاعِر
وَتُذَكِّرُنِي هَذِهِ الحَادِثَةُ أَيْضَاً؛ بحَادِثَةٍ مُشَابِهَةٍ حَدَثَتْ مَعَ البُحْتُرِيِّ الشَّاعِر:
كَانَ بِالصَّحْرَاءِ وَقَدِ اشْتَدَّ بِهِ الجُوع، وَبِيَدِهِ حَرْبَة، يَنْتَظِرُ أَنْ يَتَعَطَّفَ عَلَيْهِ غَزَالٌ فَيَقْتُلَهُ وَيَأْكُلَه، فَطَلَعَ عَلَيْهِ ذِئْبٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَه، فَقَالَ في نَفْسِهِ: أَنَا جَائِعٌ أُرِيدُ غَزَالاً آكُلُه، وَأَنْتَ يَا ذِئْبُ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَني 00؟!
فَطَعَنَهُ بِالحَرْبَةِ فَأَنْفَذَه، ثُمَّ رَقَّ إِلَيْهِ بَعْدَ قَتْلِهِ فَرَثَاهُ قَائِلاً:
طَوَاهُ الطِّوَى حَتىَّ لَقَدْ مَلَّ عَيْشَهُ * فَمَا فِيهِ إِلَاّ العَظْمُ وَالرُّوحُ وَالجِلدُ
رَآنِي وَبِي مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ مَا بِهِ * بِبَيْدَاءَ لَمْ تُعْرَفْ بِهَا عِيشَةٌ رَغْدُ
فَمَا ازْدَادَ إِلَاّ جُرْأَةً وَصَرَامَةً * وَأَيْقَنْتُ أَنَّ الأَمْرَ مِنهُ هُوَ الجِدُّ
فَأَعْلَنْتُهَا حَرْبَاً ضَرُوسَاً وَصَيْحَةً * وَلَمْ يُثْنِني عَنهُ وَعِيدٌ وَلَا وَعْدُ
وَأَوْغَرْتُهُ رُمحِي فَجَاءَ بِمَقْتَلٍ * كَمَا كَوْكَبٍ يَنْقَضُّ وَاللَّيْلُ مُسْوَدُّ
{البُحْتُرُيّ}
فَخَرَّ مُضَرَّجَاً بِدَمٍ كَأَنيِّ * هَدَمْتُ بِهِ بِنَاءً مُشْمَخِرَّا
وَقُلْتُ لَهُ يَعَزُّ عَلَيَّ أَنيِّ * قَتَلْتُ أَخِي مجَالَدَةً وَفَخْرَا
وَلَكِنْ رُمْتَ شَيْئَاً لَمْ يَرُمْهُ * سِوَاكَ فَلَمْ أُطِقْ يَا لَيْثُ صَبْرَا
عِلَاجُ الفَقْرِ مِنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّة
أَوَّلاً بِالتَّقْوَى:
وَهِيَ مخَافَةُ اللهِ تَعَالى وَمُرَاقَبَتُهُ وَاتِّقَاءُ غَضَبِه، وَقُلْتُ بِأَنَّ فِيهَا عِلَاجَاً لِلْفَقْرِ لأَنَّ اللهَ جل جلاله يَقُول:
عَن أَبي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَال: " جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتْلُو هَذِهِ الآيَة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مخْرَجَا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرَا} {الطَّلَاق}
ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا ذَرّ؛ لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُواْ بِهَا لَكَفَتْهُمْ " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3819]
عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا مُطِرَ قَوْمٌ إلَا بِرَحْمَة، وَلَا قُحِطُواْ إِلَاّ بِسَخْطَة " 0
[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الضَّعِيفِ " وَفي " الضَّعِيفَةِ " بِرَقْم: (4467)، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 21592]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّ العِزَّةِ جل جلاله أَنَّهُ قَال: " لَوْ أَنَّ عِبَادِي أَطَاعُوني: لأَسْقَيْتُهُمُ المَطَرَ بِاللَّيْل، وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ بِالنَّهَار، وَلَمَا أَسْمَعْتُهُمْ صَوْتَ الرَّعْد "
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 8695، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِين، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنّ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتىَّ يُعْلِنُوا بِهَا؛ إِلَاّ فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُون، وَالأَوْجَاعُ الَّتي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِلَاّ أُخِذُوا بِالسِّنِين؛ وَشِدَّةِ المَئُونَة، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَاّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاء، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُواْ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ؛ إِلَاّ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّاً مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُواْ بَعْضَ مَا في أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ الله، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ الله؛ إِلَاّ جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 4019]
فَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَصْنَعْ لَهُ * وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لَا يحْتَسِبْ
وَخَيرُ مَثَلٍ لَنَا في ذَلِكَ الصَّحَابَة، انْظُرْ كَيْفَ صَبرُواْ عَلَى الْفَقْرِ حَتىَّ أَنعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِالْغِنى 00
عَن أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ فَيحْتَالُ أَحَدُنَا حَتىَّ يَجِيءَ بِالمُدّ ـ أَيْ لَا يَجِيءُ بِهِ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنْفُس ـ وَإِنَّ لأَحَدِهِمُ اليَوْمَ مِائَةَ أَلْف "
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4669 / فَتْح]
قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ رحمه الله في " سُنَنِهِ ": " شَبَّرْتُ قِثَّاءةً بِمِصْرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شِبْرَاً، وَرَأَيْتُ أُتْرُجَّةً عَلَى بَعِيرٍ بِقِطْعَتَيْن، قُطِّعَتْ وَصُيِّرَتْ عَلَى مِثْلِ عِدْلَيْن " 00 أَيْ خُرْجَين 0
[الإِمَامُ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ في " سُنَنِهِ " بِرَقْم: 1599]
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ إِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي * سَيَأْتِيكَ بِالأَرْزَاقِ مِن حَيْثُ لَا تَدْرِي
وَكَيْفَ تخَافُ الفَقْرَ وَاللهُ رَازِقٌ * وَقَدْ رَزَقَ الإِنْسَانَ وَالحُوتَ في البَحْرِ
وَلَوْ كَانَتِ الأَرْزَاقُ تَأْتِي بِقُوَّةٍ * لَمَا أَكَلَ العُصْفُورُ شَيْئَاً مَعَ النَّسْرِ
*********
هَلْ آيَةُ الدُّخَان؛ في آخِرِ الزَّمَان، أَمْ هِيَ شَيْءٌ قَدْ كَان
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:
" إِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارَاً قَال: " اللهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُف " 0
فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ ـ أَيْ أَبَادَتْ ـ كُلَّ شَيْء؛ حَتىَّ أَكَلُواْ الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَالجِيَف، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الجُوع؛ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَال: يَا محَمَّد، إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِم، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُواْ؛ فَادْعُ اللهَ لهُمْ 00
يَقُولُ عَبْدُ اللهُ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قَالَ اللهُ تَعَالى:
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ {10} يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ {11} رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ {12} أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ {13} ثُمَّ تَوَلَّواْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ {14} إِنَّا كَاشِفُو العَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ {15} يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} {الدُّخَان}
فَالبَطْشَةُ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالبَطْشَة، وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّوم " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1007]
وَاللِّزَامُ اخْتُلِفَ في تَفْسِيرِه، وَمِن أَرْجَحِ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ؛ القَتْلُ الَّذِي كَانَ في المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْر، وَيُرَجِّحُ هَذَا عِنْدِي؛ الحَدِيثُ التَّالي، وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى:
{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً} {الفُرْقَان/77}
عَنْ مَسْرُوقٍ الهَمَدَانيِّ قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ في كِنْدَة ـ أَيْ في اليَمَنِ ـ فَقَال: يجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ المُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، يَأْخُذُ المُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَام؛ فَفَزِعْنَا، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَكَانَ مُتَّكِئَاً؛ فَغَضِبَ فَجَلَسَ فَقَال: مَن عَلِمَ؛ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَلْيَقُلْ: اللهُ أَعْلَم؛ فَإِنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ يَقُولَ لمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَم، فَإِنَّ اللهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِن أَجْر، وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} {ص}
وَإِنَّ قُرَيْشَاً أَبْطَأُواْ عَنِ الإِسْلَام؛ فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام؛ فَقَال:
" اللهُمَّ أَعِنيِّ عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُف " 00 فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ ـ أَيْ قَحْطٌ ـ حَتىَّ هَلَكُواْ فِيهَا، وَأَكَلُواْ المَيْتَةَ وَالعِظَام، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَان؛ فَجَاءهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَال: يَا محَمَّد، جِئْتَ تَأْمُرُنَا بِصِلَةِ الرَّحِم، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُواْ؛ فَادْعُ الله، فَقَرَأَ صلى الله عليه وسلم:
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ {10} يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ {11} رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ {12} أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ {13} ثمَّ تَوَلَّواْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مجْنُونٌ {14} إِنَّا كَاشِفُو العَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} {الدُّخَان}
يَقُولُ ابْنُ مَسْعُود: أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الآخِرَةِ إِذَا جَاء 00؟!
ثمَّ عَادُواْ إِلى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:
{يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} {الدُّخَان: 16}
يَوْمَ بَدْر، وَ {لِزَامَاً} يَوْمَ بَدْر " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(4774 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2798 / عَبْد البَاقِي]
عَنْ مَسْرُوقٍ رضي الله عنه قَال:
" بَيْنَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ في المَسْجِدِ الأَعْظَمِ قَال: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَة؛ نَزَلَ دُخَانٌ مِنَ السَّمَاء؛ فَأَخَذَ بِأَسْمَاعِ المُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَأَخَذَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَام؛ قَالَ مَسْرُوقٌ رضي الله عنه: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ مُتَّكِئَاً فَاسْتَوَى جَالِسَاً؛ فَأَنْشَأَ يُحَدِّث، فَقَالَ رضي الله عنه: يَا أَيُّهَا النَّاس؛ مَنْ سُئِلَ مِنْكُمْ عَن عِلْمٍ هُوَ عِنْدَهُ فَلْيَقُلْ بِه، فَإِنْ لَمْ يَكُن عِنْدَهُ فَلْيَقُلْ: اللهُ أَعْلَم؛ فَإِنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا تَعْلَم: اللهُ أَعْلَم؛ إِنَّ اللهَ عز وجل قَالَ لِنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِن أَجْرٍ وَمَا
أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِين} {ص}
إِنَّ قُرَيْشَاً لَمَّا غَلَبُواْ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْه؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " اللهُمَّ أَعِنيِّ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُف " 0
فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُواْ فِيهَا العِظَامَ وَالمَيْتَةَ مِنَ الجَهْد؛ حَتىَّ جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى بَيْنَهُ وَبَينَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجُوع؛ فَقَالُواْ: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُون} {الدُّخَان}
فَقِيلَ لَهُ ـ أَيْ قَالَ اللهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُواْ؛ فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُواْ؛ فَانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِين {10} يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم {11} رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُون {12} أَنىَّ لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُبِين {13} ثمَّ تَوَلَّواْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مجْنُون {14} إِنَّا كَاشِفُو العَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُون {15} يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبرَى إِنَّا مُنْتَقِمُون} {الدُّخَان}
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه: " فَلَوْ كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُشِفَ عَنْهُمْ "[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 4104، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]
لَاحِظْ يَرْحَمُكَ الله؛ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يُنْكِرْ آيَةَ الدُّخَان، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ فَقَطْ؛ أَنْ تَكُونَ هِيَ المَقْصُودَةَ بِهَذِهِ الآيَة، لَا سِيَّمَا أَنَّهُ تُوجَدُ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ تَنُصُّ عَلَى ثُبُوتِ مجِيءِ الدُّخَان، في آخِرِ الزَّمَان
إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمَ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُه
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَزِيدُ في العُمْرِ إِلَاّ البرّ، وَلَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَاّ الدُّعَاء، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمَ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُه " 0
[حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4022، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 731]
الغَلَاءُ غَضَبٌ مِنَ الله
عَن عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللهَ جل جلاله إِذَا غَضِبَ عَلَى أُمَّةٍ لَمْ يُنزِلْ بهَا عَذَابَ خَسْفٍ وَلَا مَسْخ، غَلَتْ أَسْعَارُهَا، وَتحْبَسُ أَمْطَارُهَا، وَيَلِي عَلَيْهَا أَشْرَارُهَا " 0
[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الضَّعِيفِ " بِرَقْم: (1549)، رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرْ، وَهُوَ في " الْكَنْزِ " بِرَقْم: 21597]
وَفي رِوَايَةٍ: " غَلَتْ أَسْعَارُهَا وَقَصُرَتْ أَعْمَارُهَا " 0
[ضَعَّفَهَا الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الضَّعِيفَةِ بِرَقْم: (1837)، وَرَوَاهَا الدَّيْلَمِيُّ في الفِرْدَوْس، وَهِيَ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 21611]
ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق
يَرْحَمُ اللهُ فَضِيلَةَ الشَّيْخ عَبْدِ الحَمِيد كِشْك؛ حَيْثُ كَانَ كَثِيرَاً مَا يَقُولُ في خُطَبِهِ المِنْبرِيَّة:
" ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق " 0
[الشِّيخ عَبْدُ الحَمِيد كِشْك في الخُطَبُ المِنْبرِيَّةِ]
ثَانِيَاً بِالَاسْتِغْفَار:
وَذَلِكَ بِاسْتِنْبَاطِهِ مِنَ الحَدِيثِ السَّابِق، فَمَا دَامَتِ الذُّنُوبُ تُضَيِّقُ الأَرْزَاق؛ فَتَوْسِيعُهَا يَكُونُ بِالتَّوْبَةِ وَالَاسْتِغْفَار، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ جل جلاله:{اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارَا {10} يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارَا {11} وَيمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيجْعَلْ لَكُمْ أَنهَارَا} {نُوح}
وَسَمَاءٌ مِدْرَار: أَيْ كَثِيرَةُ الأَمْطَار 0
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَن أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَار؛ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجَاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرَجَاً، وَرَزَقَهُ مِن حَيْثُ لَا يَحْتَسِب " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2234، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
فَإِنْ كُنتَ في نِعْمَةٍ فَارْعَهَا * فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
{الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب}
أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير}
{الشُّورَى: 30}
وَقَوْلَهُ جل جلاله: {فَأَهْلَكنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} {الأَنعام: 6}
ثَالِثَاً بِالدُّعَاء:
لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَاّ الدُّعَاء
هَكَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم في الحَدِيثِ سَالِفِ الذِّكْرِ أَيْضَاً 0
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبر، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يخْطُب، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمَاً فَقَال: يَا رَسُولَ الله، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُل؛ فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا 00؟
فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَال: " اللهُمَّ اسْقِنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا " 00 قَالَ أَنَس:
وَلَا وَاللهِ، مَا نَرَى في السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً ـ أَيْ وَلَا قِطْعَةً ـ وَلَا شَيْئَاً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ ـ أَيْ جَبَلٍ بِالمَدِينَة ـ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَار، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْس ـ أَيْ مُسْتَدِيرَةً كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَر ـ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاء انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّاً ـ أَيْ سِتَّ لَيَاليَ وَأَيَّام ـ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ في الجُمُعَةِ المُقْبِلَة، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُب، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمَاً فَقَال: يَا رَسُولَ الله، هَلَكَتِ الأَمْوَال، وَانْقَطَعَتِ السُّبُل؛ فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا 00؟
فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَال: " اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ ـ أَيْ عَلَى التِّلَالِ وَالجِبَال ـ وَالآجَامِ وَالظِّرَاب ـ أَيِ الغَابَاتِ وَالمُرْتَفَعَات ـ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَر " 00 فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نمْشِي في الشَّمْس " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (1013)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 897]
وَفي رِوَايَةٍ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَة؛ إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، قُحِطَ المَطَر ـ أَيِ احْتُبِسَ ـ فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا 00؟
فَدَعَا فَمُطِرْنَا، فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلى مَنَازِلِنَا ـ أَيْ مِنْ شِدَّةِ المَطَر ـ فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلى الجُمُعَةِ المُقْبِلَة؛ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا 00؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا " 00 فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينَاً وَشِمَالاً، يُمْطَرُونَ ـ أَيْ سُكَّانُ المُدُنِ المجَاوِرَة ـ وَلَا يُمْطَرُ أَهْلُ المَدِينَة " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1015]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُل؛ فَدَعَا فَمُطِرْنَا مِنَ الجُمُعَةِ إِلى الجُمُعَة، ثُمَّ جَاءَ فَقَال: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُل، وَهَلَكَتِ المَوَاشِي فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا؛ فَقَامَ صلى الله عليه وسلم فَقَال:" اللهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَاب، وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَر " 00 فَانْجَابَتْ عَنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْب " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1016]
وَانْجَابَتِ انْجِيَابَ الثَّوْب: أَيِ انْسَحَبَتْ كَمَا يُسْحَبُ الثَّوْبُ مِنْ فَوْقِ الشَّيْءِ المُغَطَّى 0
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ ـ أَيْ شِدَّةٌ وَقَحْطٌ ـ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَة؛ قَامَ أَعْرَابيٌّ فَقَال:
يَا رَسُولَ الله، هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَال؛ فَادْعُ اللهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا 00؟
فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَمَا في السَّمَاءِ قَزَعَة ـ أَيْ قِطْعَةُ سَحَاب ـ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الجِبَال، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتىَّ رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لحْيَتِه، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفي الغَد، وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابيّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، تَهَدَّمَ البِنَاءوَغَرِقَ المَال؛ فَادْعُ اللهَ لَنَا 00؟
فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَال: " اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا " 00 فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاء؛ إِلَا تَفَرَّجَتْ، حَتىَّ صَارَتِ المَدِينَةُ في مِثْلِ الجَوْبَة " 0
[وَالجَوْبَةُ: هِيَ الفَجْوَةُ وَالفَرَاغُ يَكُونُ حَوْلَ الشَّيْء 0 الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1033]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: " أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابيٌّ مِن أَهْلِ البَدْوِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، هَلَكَتِ المَاشِيَة، هَلَكَ العِيَال، هَلَكَ النَّاس، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُون، فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتىَّ مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتىَّ كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلى نَبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ المُسَافِر، وَمُنِعَ الطَّرِيق " 0 [بَشِقَ المُسَافِر: أَيْ لَقِيَ عَنَاءً وَمَشَقَّة 0 البُخَارِيُّ في فَتْحِ البَارِي بِرَقْم: 1029]
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " شَكَا النَّاسُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَر؛ فَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ في المُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمَاً يَخْرُجُونَ فِيه، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْس، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبرِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ عز وجل ثمَّ قَال: " إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللهُ عز وجل أَنْ تَدْعُوه، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ " 00 ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين، الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، مَلِكِ يَوْمِ الدِّين، لَا
إِلَهَ إِلَاّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيد، اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ الْغَنيُّ وَنحْنُ الْفُقَرَاء؛ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْث، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغَاً إِلى حِين " 00 ثمَّ رَفَعَ يَدَيْه، فَلَمْ يَزَلْ في الرَّفْعِ حَتىَّ بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ حَوَّلَ إِلى النَّاسِ ظَهْرَه، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْن؛ فَأَنْشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ الله، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتىَّ سَالَتِ السُّيُول، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلى الْكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَال: " أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِير، وَأَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه "
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الْكَلِمِ الطَّيِّبِ " بِرَقْم: 152، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 1173]
وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضَاً في فَضْلِ الدُّعَاء، وَأَثَرِهِ في الأَرْزَاق؛ هَذَا الحَدِيثُ التَّالي:
عَن أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " خَرَجَ نَبيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي، فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إِلى السَّمَاءِ فَقَال:
ارْجِعُواْ فَقَدِ اسْتُجِيبَ لَكُمْ مِن أَجْلِ هَذِهِ النَّمْلَة " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في المِشْكَاةِ بِرَقْم: 1510، وَالحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 1215، وَهْوَ في الكَنْزِ بِرَقْم: 21589]
عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَال: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول، وَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَال: اسْتَسْقِ اللهَ لمُضَر؛ فَقَال صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّكَ لجَرِيء، أَلِمُضَر " 00؟
قَالَ يَا رَسُولَ الله، اسْتَنْصَرْتَ اللهَ عز وجل فَنَصَرَك، وَدَعَوْتَ اللهَ عز وجل فَأَجَابَك؛ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ يَقُول:" اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثَاً مُغِيثَاً، مَرِيعَاً مَرِيئَاً، طَبَقَاً غَدَقَاً، عَاجِلاً غَيْرَ رَائِث، نَافِعَاً غَيرَ ضَارّ " 00 فَأُحْيُوا ـ أَيْ فَمُطِرُواْ ـ فَمَا لَبِثُوا أَن أَتَوْهُ فَشَكَواْ إِلَيْهِ كَثْرَةَ المَطَرِ فَقَالُواْ: قَدْ تهَدَّمَتْ الْبُيُوت؛ فَرَفَعَ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَال: " اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا؛ فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَقَطَّعُ يَمِينَاً وَشِمَالاً " 0
[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: (1269)، وَالحَدِيثُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 27689]
وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ قَحْطٌ فَخَرَجَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي اللهَ فَقَال:
" اللهُمَّ صَاحَتْ بِلَادُنَا، وَاغْبرَّت أَرْضُنَا، وَهَامَتْ دَوَابُّنَا، اللهُمَّ مُنزَلَ البرَكَاتِ مِن أَمَاكِنِهَا، وَنَاشِرَ الرَّحْمَةِ مِن مَعَادِنِهَا بِالغَيْثِ المُغِيث، أَنْتَ المُسْتَغْفَرُ لِلآثَام؛ فَنَسْتَغْفِرُكَ للجَمَّاتِ مِنْ ذُنُوبِنَا ـ أَيِ العَظِيمِ مِنهَا ـ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ مِن عِظَمِ خَطَايَانَا، اللهُمَّ أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارَاً، وَاكْفَاً مَغْزُورَاً ـ أَيْ تَهْطِلُ غَزِيرَةً ـ مِنْ تحْتِ عَرْشِك، من حَيْثُ يَنْفَعُنَا غَيْثَاً مغيثَاً دَارِعَاً رَائِعَاً مُمْرِعَاً ـ أَيْ يَعُمُّنَا فَنَرْتَعَ فِيهِ وَنَمْرَع ـ طَبَقَاً غَدَقَاً خِصْبَاً، تُسْرِعُ لنَا بِهِ النَّبَات، وَتُكثِرُ لنَا بِهِ البرَكَات، وَتَقْبَلُ بِهِ الخَيرَات، اللهُمَّ أَنْتَ قُلْتَ في كِتَابِك:{وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ}
{الأَنبِيَاء: 30}
اللهُمَّ فَلَا حَيَاة لِشَيْءٍ خُلِقَ مِنَ المَاء إِلَاّ بِالمَاء، اللهُمَّ وقَدْ قَنِط النَّاسُ وَسَاءَ ظَنُّهُمْ، وَهَامَتْ بَهَائِمُهُمْ وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكْلَى عَلَى أَوْلَادِهَا، إِذْ حَبَسْتَ عَنَّا قَطْرَ السَّمَاءِ فَدَقَّ لِذَلِكَ عَظْمُهَا، وَذَهَبَ لحْمُهَا، وَذَابَ شَحْمُهَا؛ اللهُمَّ ارْحَمْ أَنِينَ الآنَّة، وَحَنِينَ الحَآنَّة، وَمَنْ لَا يحْمِلُ رِزْقَهُ غَيرُك، اللهُمَّ ارْحَمِ البَهَائِمَ الحَائِمَة، وَالأَنعَامَ السَّائِمَة، وَالأَطْفَالَ الصَّائِمَة، اللهُمَّ ارحَمِ المشَايِخَ الرُّكَّع، وَالأَطْفَالَ الرُّضَّع، وَالبَهَائِمَ الرُّتَّع، اللهُمَّ زِدْنَا قُوَّةً إِلى قُوَّتِنَا، وَلَا تَرُدَّنَا محْرُومِين، إِنَّك سَمِيعُ الدُّعَاء، بِرَحْمَتكَ يَا أَرْحَمْ الرَّاحِمِين " 0
[ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 21600]
صَلَاةُ الَاسْتِسْقَاء
عَن أَبي إِسْحَاقَ الهَمَدَانيِّ رضي الله عنه قَال: " خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ، وَخَرَجَ مَعَهُ البَرَاءُ بْنُ عَازِب، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنهم، فَاسْتَسْقَى صلى الله عليه وسلم فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْه، عَلَى غَيرِ مِنْبر، فَاسْتَغْفَرَ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يجْهَرُ بِالقِرَاءة، وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1022]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَال: " خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلى القِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءهُ ـ أَيْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى مِنْكَبَيْه ـ ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءةِ "
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1024]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَاّ في الَاسْتِسْقَاء، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتىَّ يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (3565 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 895 / عَبْد البَاقِي]
وَثَبُتَ عَنهُ أَيْضَاً صلى الله عليه وسلم جَوَازُ محَازَاةِ الوَجْهِ لِلْكَفَّين 00
عَن عُمَيْرٍ الغِفَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَائِمَاً يَدْعُو يَسْتَسْقِي، رَافِعَاً يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَه " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 1168]
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنه قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَسْقَى قَال:
" اللهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَك، وَانْشُرْ رَحْمَتَك، وَأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّت " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: (1176)، كَمَا حَسَّنَهُ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 4666]
إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَاب
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الحَاجَةِ خَرَجَ إِلى البَرِيَّة ـ أَيْ إِلى الصَّحْرَاء ـ فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ قَامَتْ إِلى الرَّحَى فَوَضَعَتْهَا، وَإِلى التَّنُّورِ فَسَجَرَتْهُ ثمَّ قَالَتْ: اللهُمَّ ارْزُقْنَا؛ فَنَظَرَتْ فَإِذَا الجَفْنَةُ قَدْ امْتَلأَتْ، وَذَهَبَتْ إِلى التَّنُّورِ فَوَجَدَتْهُ مُمْتَلِئَاً، فَرَجَعَ الزَّوْجُ قَال: أَصَبْتُمْ بَعْدِي شَيْئَاً 00؟
قَالَتِ امْرَأَتُهُ: نَعَمْ، مِنْ رَبِّنَا، قَامَ إِلى الرَّحَى، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
" أَمَا إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْهَا؛ لَمْ تَزَلْ تَدُورُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَة " 00 وَفي رِوَايَةِ البزَّارِ أَنهَا قَالَتْ: " اللهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَطْحَنُ وَمَا نَعْجنُ وَنخْبز؛ فَإذَا الجَفْنَةُ مَلأَى خُبْزَاً، وَالرَّحَا تَطْحَن، وَالتَّنُّورُ مَلأَى " 0
[وَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: (256/ 10)، وَأَخْرَجَهُ البَزَّارُ وَأَحْمَدُ في مُسْنَدِه: (10280)، وَالبَيْهَقِيُّ بِنَحْوِهِ في الشُّعَبِ بِرَقْم: (1339)، أَمَّا الرِّوَايَةُ الأُخْرَى فَانْفَرَدَ بِهَا البزَّارُ وَالطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ، وَوَثَّقَهَا الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع: 256/ 10]
رَابِعَاً بِالتَّوَكُّل:
وَهُوَ الَاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ وَالَاسْتِعَانَةُ بِهِ في طَلَبِ الرِّزْقِ وَفي الصِّعَاب، مَعَ الأَخْذِ بِالأَسْبَاب 0
عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِه؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْر، تَغْدُو خِمَاصَاً، وَتَرُوحُ بِطَانَا " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَةَ بِرَقْمَيْ: 2344، 4164، وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 5254، 310، رَوَاهُ أَحْمَد]
خِمَاصَاً: أَيْ خَاوِيَةَ الْبُطُون، وَبِطَانَاً: أَيْ ممْتَلِئَةً شِبْعَاً 0
خَامِسَاً بِصِلَةِ الرَّحِم:
حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رحمه الله عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِه [أَيْ يُوَسَّعَ رِزْقُه]، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِه [أَيْ يَطُولَ عُمُرُه]: فَلْيَصِلْ رَحِمَه " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (5985 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2557 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" مَن أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ في عُمْرِه، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ في رِزْقِه: فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْه، وَلْيَصِلْ رَحِمَه " 0
[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في تحْقِيقِهِ لِلْمُسْنَدِ بِرَقْم: 13401]
سَادِسَاً بِالجِهَاد:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الجَعْدِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلى يَوْمِ القِيَامَة " 0 [الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ / فَتْح بِرَقْم: 2850، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ / عَبْد البَاقِي بِرَقْم: 1873]
هَذَا الْفَصْلُ بمَثَابَةِ بُشْرَى؛ لأَهْلِ الجُوعِ وَالحِرْمَان، إِنْ تحَلَّوْ بِالرِّضَا وَالصَّبرِ وَالسُّلْوَان:
خَطَبَ عُتْبَةُ بن غَزْوَانَ رضي الله عنه خُطْبَةً ـ وَكَانَ أَمِيرَاً عَلَى الْبَصْرَة ـ قَالَ في آخِرِهَا: " وَلَقَدْ رَأَيْتُني وَإِنيِّ لَسَابِعُ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَاّ وَرَقُ الشَّجَر؛ حَتىَّ قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، وَإِنيِّ التَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْني وَبَينَ سَعْدِ بْن أَبي وَقَّاص، فَارِسِ الإِسْلَام، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا، وَمَا أَصْبَحَ مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ حَيَّاً؛ إِلَاّ أَصْبَحَ أَمِيرَ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَار، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَن أَكُونَ في نَفْسِي عَظِيمَاً وَعِنْدَ اللهِ صَغِيرَاً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَاّ تَنَاقَصَتْ، حَتىَّ يَكُونَ عَاقِبَتُهَا مُلْكَاً، وَسَتُجَرِّبُونَ أَوْ سَتَبْلُونَ الأُمَرَاءَ بَعْدِي "[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في مخْتَصَرِ الشَّمَائِلِ بِرَقْم: 116]
الرَّخَاءُ الَّذِي سَيَشْهَدُهُ المُسْلِمُونَ في زَمَنِ المَهْدِي المُنْتَظَر
عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَال:
" بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الفَاقَة، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيل؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا عَدِيّ؛ هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَة " 00؟
قُلْتُ لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ؛ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ ـ أَيِ المَرْأَةَ ـ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتىَّ تَطُوفَ بِالكَعْبَة؛ لَا تَخَافُ أَحَدَاً إِلَاّ الله "!!
قُلْتُ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُواْ البِلَادَ 00؟ [أَيْ مَلأُوهَا شَرَّاً]
" وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ؛ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى " 00 قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُز 00؟
قَالَ: " كِسْرَى بْنِ هُرْمُز، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ؛ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّة، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْه؛ فَلَا يَجِدُ أَحَدَاً يَقْبَلُهُ مِنْه، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَه، فَلَيَقُولَنَّ لَهُ سبحانه وتعالى: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَك 00؟
فَيَقُولُ بَلَى، فَيَقُولُ سبحانه وتعالى: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْك 00؟
فَيَقُولُ بَلَى؛ فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَاّ جَهَنَّم، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَاّ جَهَنَّم "
قَالَ عَدِيّ: " فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتىَّ تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَاّ اللهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُز، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبيُّ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: " يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ 000 "
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3595 / فَتْح]
عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " فَإِنيِّ لَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الفَاقَة؛ فَإِنَّ اللهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ، حَتىَّ تَسِيرَ الظَّعِينَةُ ـ أَيِ المَرْأَةُ ـ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالحِيرَةِ أَوْ أَكْثَر؛ مَا تخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السَّرَق "
يَقُولُ عَدِيُّ بْنُ حَاتم: فَجَعَلْتُ أَقُولُ في نَفْسِي: فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيِّيءٍ " 00!!
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " صَحِيحِ الجَامِعِ " بِرَقْم: (8147)، وَفي " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 2953]
وَطَيِّئٌ بَلْدَةُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيّ، وَالحِيرَةُ مَوْضِعٌ قُرْبَ الكُوفَةِ بِالعِرَاق
أَسْأَلُ اللهَ تبارك وتعالى أَنْ يَقِيَنَا شَرَّ فِتْنَةِ الغِنى يَوْمَئِذٍ 0
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" إِنَّكُمْ مَنْصُورُون، وَمُصِيبُون، وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ؛ فَمَن أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَأْمُرْ بِالمَعْرُوف " 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: 2257]
عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلَاّ شِدَّة، وَلَا المَالُ إِلَاّ إِفَاضَة " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8359]
عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ العَوَّامِ رضي الله عنه قَال:
لَمَّا نَزَلَتْ: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم} {التَّكَاثُر/8}
قَالَ الزُّبَيْر رضي الله عنه: أَيْ رَسُولَ الله؛ أَيُّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَعْني هُمَا الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالمَاء؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَمَا إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُون " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 1405، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا، أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّة، فَيَجِيءُ القَاتِلُ فَيَقُول: في هَذَا قَتَلْت، وَيَجِيءُ القَاطِعُ فَيَقُول: في هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُول: في هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئَاً " 0
[رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1013 / عَبْد البَاقِي]
وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتىَّ يَكْثُرَ المَالُ وَيَفِيض، حَتىَّ يخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِه؛ فَلَا يَجِدُ أَحَدَاً يَقْبَلُهَا مِنْه، وَحَتىَّ تَعُودَ أَرْضُ العَرَبِ مُرُوجَاً وَأَنهَارَا " 00 أَيْ حَدَائِقَ وَأَنهَارَا 0 [الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: (157)، وَالحَدِيثُ في " المُسْنَدِ " بِرَقْم: 9129]
عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَيَأْتِينَّ عَلَى النَّاسِ زَمَان؛ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَب؛ ثمَّ لَا يجِدُ أَحَدَاً يَأْخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ؛ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاء " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (1414 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1012 / عَبْد البَاقِي]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا، أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّة، فَيَجِيءُ القَاتِلُ فَيَقُول: في هَذَا قَتَلْت، وَيَجِيءُ القَاطِعُ فَيَقُول: في هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُول: في هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئَا " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1013 / عَبْد البَاقِي]
عَن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الخُزَاعِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" تَصَدَّقُواْ؛ فَسَيَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ: يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ: [أَيْ يَبْحَثُ عَن أَحَدٍ يَقْبَلُهَا]؛ فَيَقُولُ الرَّجُل: لَوْ جِئْتَ بهَا بِالأَمْسِ لقَبِلْتُهَا مِنْك، فَأَمَّا اليَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لي فِيهَا " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1424 / فَتْح]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتىَّ يَكْثُرَ فِيكُمُ المَال، فَيَفِيضَ حَتىَّ يُهِمَّ رَبَّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ: [أَيْ يَحْمِلُ هَمَّ إِخْرَاجِهَا]، وَحَتىَّ يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْه: لا أَرَبَ لي " 00 أَيْ لا حَاجَةَ لي فِيه 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1412 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1012/ 157]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " يَكُونُ في أُمَّتي المَهْدِيّ، إِنْ قَصَّرَ فَسَبْعٌ وَإِلَاّ فَتِسْع، فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتي نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطّ، تُؤْتَى أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُ شَيْئَاً، وَالمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوس ـ أَيْ أَكْوَام ـ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِني؛ فَيَقُولُ خُذْ " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 4083]
وَلَسَوْفَ يَسْتَمِرُّ هَذَا الرَّخَاءُ بَعْدَ المَهْدِيِّ رضي الله عنه؛ وَحَتىَّ مَوْتِ المَسِيحِ عليه السلام 0
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَاّت ـ أَيْ أَبْنَاءُ أُمَّهَاتٍ مِنْ رَجُلٍ وَاحِد ـ أُمَّهَاتُهُمْ شَتىَّ وَدِينُهُمْ وَاحِد، وَأَنَا أَوْلى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَم؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْني وَبَيْنَهُ نَبيّ، وَإِنَّهُ نَازِل، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوه: رَجُلاً مَرْبُوعَاً إِلى الحُمْرَةِ وَالبَيَاض، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَان، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَل، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِير، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلى الإِسْلَام، فَيُهْلِكُ اللهُ في زَمَانِهِ المِلَلَ كُلَّهَا إِلَاّ الإِسْلَام، وَيُهْلِكُ اللهُ في زَمَانِهِ المَسِيحَ الدَّجَّال، وَتَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْض ـ
أَيِ الأَمْنُ وَالسَّكِينَة ـ حَتىَّ تَرْتَعَ الأُسُودُ مَعَ الإِبِل، وَالنِّمَارُ مَعَ البَقَر، وَالذِّئَابُ مَعَ الغَنَم، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَة، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُون " 0
[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَقَالَ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في قِصَّةِ المَسِيحِ الدَّجَّال: إِسْنَادُهُ صَحِيح، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
وَلَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّخَاءُ إِلَاّ في الخِلَافَةِ العَادِلَة، الَّتي تَكُونُ في آخِرِ الزَّمَان، وَالَّتي لَا تَكُونُ إِلَاّ بَعْدَ خُرُوجِ الجَيْشِ الَّذِي يُرِيدُ هَدْمَ الكَعْبَة، وَالَّذِي لَا يَكُونُ إِلَاّ بَعْدَ مُوَاجَهَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ وَقِتَالٍ عَنِيف، بَينَ المُسْلِمِينَ وَتحَالُفِ الغَرْبِ الْكَافِر، يخْرُجُ لَهُ جَيْشٌ مُسْلِم ـ كَمَا في صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِم ـ جُنْدُهُ مِن خَيرِ أَجْنَادِ الأَرْض، وَلَا يَفْرَحُ المِصْرِيُّونَ كَثِيرَاً؛ فَهَذَا الشَّرَفُ المُعَظَّم، وَهَذَا الجَيْشُ العَرَمْرَم؛ سَيَخْرُجُ مِنَ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّة، وَبِالتَّحْدِيدِ مِنَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَة، أَحْفَادِ الأَنْصَار، بَيَّضَ اللهُ وُجُوهَهُمْ وَأَسْكَنَهُمُْ الجَنَّةَ مَعَ الأَبْرَار 0
[ارْجِعْ إِلى كِتَابي المُسَمَّى بِهُمُومِ المُسْلِمِين، بَابِ مَلَاحِمِ آخِرِ الزَّمَانِ وَقِصَّةِ خُرُوجِ المَهْدِي]
بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الأَحْدَاثِ الجِسَام، سَوْفَ تَكْثُرُ الأَمْوَالُ في أُمَّةِ الإِسْلَام، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِن خَيرِ هَذِهِ الأَيَّام، وَنَعُوذُ بِكَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الآثَام 00
نَصِيحَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَغْنِيَاء
وَلَا يَفُوتُني أَن أُبَيِّنَ لِلأَغْنِيَاءِ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلى مَرْضَاةِ اللهِ وَالفَوْزِ بِثَوَابِه، وَالنَّجَاةِ مِن عَذَابِه؛ لِذَا سَوَفَ أَسُوقُ إِلَيْهِمْ هَذَيْنِ الحَدِيثَينِ العَظِيمَين؛ لِنَعْلَمَ أَنَّ رَحْمَةَ اللهِ وَاسِعَة، وَأَنَّ الغَنيَّ بِإِمْكَانِهِ رَغْمَ غِنَاهُ أَنْ يُدْرِكَ الدَّرَجَاتِ العُلَى:
عَن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَرَّةِ المَدِينَة ـ أَيْ في أَرْضٍ بِالمَدِينَةِ ذَاتِ حِجَارَةٍ سُود ـ فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُد، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا ذَرّ " 00 قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا يَسُرُّني أَنَّ عِنْدِيَ مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبَاً، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ؛ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَار، إِلَاّ شَيْئَاً أَرْصُدُهُ لِدَيْن، إِلَاّ أَن أَقُولَ ـ أَيْ أَفْعَلَ ـ بِهِ في عِبَادِ اللهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ـ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِه ـ ثمَّ مَشَى فَقَال: إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَة، إِلَاّ مَنْ قَالَ ـ أَيْ فَعَلَ ـ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا 00 عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِن خَلْفِه ـ أَيْ تَصَدَّقَ بِه يَمِينَاً وَشِمَالاً ـ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، ثُمَّ قَالَ لي: مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ حَتىَّ آتِيَك " 00 ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حَتىَّ تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتَاً قَدِ ارْتَفَع؛ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِضَ
لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لي:" لَا تَبرَحْ حَتىَّ آتِيَكَ " فَلَمْ أَبْرَحْ حَتىَّ أَتَاني، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَاً تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَه 00؟!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَهَلْ سَمِعْتَه " 00؟
قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" ذَاكَ جِبرِيل، أَتَاني فَقَال: مَنْ مَاتَ مِن أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئَاً؛ دَخَلَ الجَنَّة " 00 قُلْتُ وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَق 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَق " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6444)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 991]
عَن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: " خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالي، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي وَحْدَه، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَان، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَد؛ فَجَعَلْتُ أَمْشِي في ظِلِّ القَمَر، فَالْتَفَتَ فَرَآني؛ فَقَالَ " مَنْ هَذَا " 00؟!
قُلْتُ أَبُو ذَرٍّ جَعَلَني اللهُ فِدَاءَك، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" يَا أَبَا ذَرّ، تَعَال " 00 فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَال:
" إِنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَة، إِلَا مَن أَعْطَاهُ اللهُ خَيرَاً، فَنَفَحَ فِيهِ ـ أَيْ تَصَدَّقَ مِنهُ ـ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَينَ يَدَيْهِ وَوَرَاءه، وَعَمِلَ فِيهِ خَيرَاً " 00 فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ لي:
" اجْلِسْ هَا هُنَا " 00 يَقُولُ أَبُو ذَر: فَأَجْلَسَني في قَاعٍ ـ أَيْ وَادٍ وَاسِعٍ مُنخَفِضٍ ـ حَوْلَهُ حِجَارَة، فَقَالَ لي:" اجْلِسْ هَا هُنَا حَتىَّ أَرْجِعَ إِلَيْك " 00 فَانْطَلَقَ في الحَرَّةِ حَتىَّ لَا أَرَاه، فَلَبِثَ عَنيِّ فَأَطَالَ اللُّبْث، ثمَّ إِني سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُول:" وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنى "؟!
فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتىَّ قُلْتُ: يَا نَبيَّ الله، جَعَلَني اللهُ فِدَاءَك، مَنْ تُكَلِّمُ في جَانِبِ الحَرَّة 00؟
مَا سَمِعْتُ أَحَدَاً يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئَاً 00؟!
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " ذَلِكَ جِبْرِيلُ عليه السلام، عَرَضَ لي في جَانِبِ الحَرَّةِ ـ أَيْ تِلْكَ الأَرْضِ ـ قَال:
بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئَاً دَخَلَ الجَنَّة، قُلْتُ يَا جِبْرِيل، وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنى؟!
قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنى 00؟! قَالَ عليه السلام نَعَمْ، وَإِنْ شَرِبَ الخَمْر " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6443)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 991]
وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " مَا يَسُرُّني أَنَّ لي أُحُدَاً ذَهَبَاً، تَأْتي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ ـ أَيْ لَيْلَةٌ ثَالِثَةٌ ـ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَار، إِلَاّ دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 991]
عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَال: " جَلَسْتُ إِلى مَلإٍ مِنْ قُرَيْش، فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالهَيْئَة، حَتىَّ قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثمَّ قَال: بَشِّرِ الكَانِزِينَ بِرَضْفٍ ـ أَيْ بحِجَارَةٍ ـ يُحْمَى عَلَيْهِ في نَارِ جَهَنَّم، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ، حَتىَّ يخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ ـ أَيْ مِنْ لَوْحِ كَتِفِه ـ وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتىَّ يخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ، يَتَزَلْزَل، ثمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلى سَارِيَة ـ أَيْ عَمُودٍ مِن أَعْمِدَةِ المَسْجِد ـ وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْه، وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا أُرَى القَوْمَ إِلَاّ قَدْ كَرِهُواْ الَّذِي قُلْت 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئَا؛ قَالَ لي خَلِيلي 00 قُلْتُ مَنْ خَلِيلُك 00؟
قَال: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم 00: " يَا أَبَا ذَرّ؛ أَتُبْصِرُ أُحُدَاً " 00؟
فَنَظَرْتُ إِلى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ ـ أَيْ أُبْصِرُهُ وَهُوَ جِهَةَ الشَّمْس ـ وَأَنَا أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرْسِلُني في حَاجَةٍ لَه، قُلْتُ نَعَمْ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا أُحِبُّ أَنَّ لي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبَاً، أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَاّ ثَلَاثَةَ دَنَانِير " 00 وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُون، إِنَّمَا يجْمَعُونَ الدُّنْيَا، لَا وَاللهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا، وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِين، حَتىَّ أَلْقَى الله " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: 1048]
عَن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: انْتَهَيْتُ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ في ظِلِّ الكَعْبَة، فَلَمَّا رَآني قَال:
" هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الكَعْبَة " 00 فَجِئْتُ حَتىَّ جَلَسْت، فَلَمْ أَتَقَارَّ ـ أَيْ فَلَمْ أَسْتَقِرَّ ـ أَنْ قُمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله، فِدَاكَ أَبي وَأُمِّي ـ أَيْ أَفْدِيكَ بِأَبي وَأُمِّي ـ مَنْ هُمْ 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالَا، إِلَاّ مَنْ قَالَ ـ أَيْ فَعَلَ ـ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ـ أَيْ أَنْفَقَهُ ـ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِه، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا؛ إِلَاّ جَاءتْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَه، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتىَّ يُقْضَى بَيْنَ النَّاس " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 990]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَوْ كَانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبَاً: لَسَرَّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ؛ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْء، إِلَاّ شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْن " 0
[الإِمَامُ البُخَارِيُّ في " فَتْحِ البَارِي " بِرَقْم: (6445)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 991] عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَال: " قَدِمْتُ المَدِينَة، فَبَيْنَا أَنَا في حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْش؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ أَخْشَنُ الجَسَدِ أَخْشَنُ الوَجْه، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَال:
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 992]
بَشِّرِ الكَانِزِينَ بِرَضْفٍ ـ أَيْ حِجَارَةٍ ـ يُحْمَى عَلَيْهِ في نَارِ جَهَنَّم، فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ، حَتىَّ يخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيْه ـ أَيْ مِنْ لَوْحِ كَتِفِهِ النَّاتِئِ في ظَهْرِهِ مِنَ الخَلْف ـ
وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْه، حَتىَّ يخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ، يَتَزَلْزَل، فَوَضَعَ القَوْمُ رُءوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدَاً مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئَا ـ أَيْ رَدَّ عَلَيْه ـ فَأَدْبَرَ وَاتَّبَعْتُه، حَتىَّ جَلَسَ إِلى سَارِيَة ـ أَيْ إِلى عَمُودٍ مِن أَعْمِدَةِ المَسْجِد ـ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَاّ كَرِهُواْ مَا قُلْتَ لهُمْ 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئَا، إِنَّ خَلِيليَ أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم دَعَاني فَأَجَبْتُه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَتَرَى أُحُدَاً " 00؟
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْس، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُني في حَاجَةٍ لَه، فَقُلْتُ أَرَاه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا يَسُرُّني أَنَّ لي مِثْلَهُ ذَهَبَاً، أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَاّ ثَلَاثَةَ دَنَانِير " 00 ثمَّ هَؤُلَاءِ يجْمَعُونَ الدُّنْيَا لَا يَعْقِلُونَ شَيْئَا، قُلْتُ ـ أَيِ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْس: مَا لَكَ وَلإِخْوَتِكَ مِنْ قُرَيْشٍ لَا تَعْتَرِيهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ 00؟!
قَالَ لَا وَرَبِّك، لَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِين، حَتىَّ أَلحَقَ بِاللهِ وَرَسُولِه " 00!!
وَمِنْ سِيَاقِ الحَدِيثِ وَبَعْضِ عِبَارَاتِه، وَالرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ لَهُ يَتَّضِحُ لَنَا: أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ هُوَ أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيّ، الرَّاوِي العُمْدَةُ لِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا، وَتُؤَيِّدُني في ذَلِكَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَة:
عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَال: كُنْتُ في نَفَرٍ مِنْ قُرَيْش، فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُول:
" بَشِّرِ الكَانِزِينَ بِكَيٍّ في ظُهُورِهِمْ، يخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ، وَبِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ، يخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ " 00 ثمَّ تَنَحَّى فَقَعَد، قُلْتُ مَنْ هَذَا 00؟!
قَالُواْ: هَذَا أَبُو ذَرّ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُ قُبَيْل 00؟!
قَالَ رضي الله عنه: مَا قُلْتُ إِلَاّ شَيْئَاً قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: مَا تَقُولُ في هَذَا العَطَاء 00؟
قَالَ رضي الله عنه: خُذْهُ؛ فَإِنَّ فِيهِ اليَوْمَ مَعُونَة، فَإِذَا كَانَ ثَمَنَاً لِدِينِكَ فَدَعْه " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في نُسْخَةِ " فُؤَاد عَبْد البَاقِي " بِرَقْم: 992]
غَنِيَّانِ وَفَقِيرَانِ في مَوْقِفِ الحِسَاب
عَنِ الإِمَامِ عَليٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " تُوُفِّيَ غَنِيَّانِ وَفَقِيرَان، فَقَالَ اللهُ جل جلاله لأَحَدِ الغَنِيَّين: مَا قَدَّمْتَ لنَفْسِكَ وَمَا تَرَكْتَ لِعيَالِك 00؟
فَقَالَ يَا رَبّ: خَلَقْتَني وَإِيَّاهُمْ سَوَاءً، وَتَكَفَّلْتَ بِرِزْق كُلِّ دَابَّة، وَقُلْتَ:
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضَاً حَسَنَاً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافَاً كَثِيرَة} {البَقَرَة: 245}
فَقَدَّمْتُ لِهَذَا، وَعَلِمْتُ أَنَّكَ رَازِقٌ عِيَالي مِنْ بَعْدِي؛ فَقَالَ لَهُ جل جلاله: اذْهَبْ؛ فَلَوْ تَعْلمُ مَالَكَ عِنْدِي لَضَحِكْتَ كَثِيرَاً وَلبَكَيْتَ قَلِيلاً، ثُمَّ قَالَ لِلغَنيِّ الآخَر: مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ وَمَا تَرَكْتَ لِعِيَالِك 00؟
فَقَالَ يَا رَبّ؛ كَانَ لي عِيَالٌ تخَوَّفْتُ عَليْهِمُ العَيْلَة، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ أَخْلُقْكَ وَإِيَّاهُمْ سَوَاءً، وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِ كُلِّ دَابَّة 00؟!
قَالَ بَلَى، وَلَكِنْ تخَوَّفْتُ عَلَيْهِمُ العَيْلَة ـ أَيِ الفَقْر ـ فَيَقُولُ جل جلاله لَهُ: قَدْ أَصَابَهُمْ مَا حَذَرْتَ عَلَيْهِمْ، فَاذْهَبْ، فَلوْ تَعْلَمُ مَالَكَ عِنْدِي؛ لَضَحِكْتَ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتَ كَثِيرَا، ثمَّ قَالَ لأَحَدِ الفَقِيرَين: مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ وَمَا تَرَكْتَ لِعيَالِك 00؟
فَقَالَ يَا رَبّ: قَدْ خَلَقْتَني صَحِيحَاً فَصِيحَاً، وَعَلَّمْتَني أَسْمَاءَكَ وَدُعَاءَك، وَلوْ كُنْتَ أَكْثَرْتَ لي؛ لخَشِيتُ أَنْ يُشْغِلَني عَنْ طَاعَتِك، قَدْ رَضِيتُ عَنْكَ يَا رَبّ؛ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: وَأَنَا رَاضٍ عَنْكَ فَاذْهَبْ، فَلَوْ تَعْلَمُ مَالَكَ عِنْدِي؛ لَضَحِكْتَ كَثِيرَاً وَلبَكَيْتَ قَلِيلَا، وَقِيلَ لِلفَقِيرِ الآخَر: مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ وَمَا تَرَكْتَ لعِيَالِك 00؟
فَقَالَ يَا رَبّ، مَا أَعْطَيْتَني شَيْئَاً تَسْأَلُني عَنه؛ فَيَقُولُ لَهُ اللهُ جل جلاله: أَلَمْ أَخْلُقْكَ صَحِيحَاً فَصِيحَاً، وَخَلَقْتُكَ سَمِيعَاً بَصِيرَا، وَقُلْتُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكمْ 00؟!
فَيَقُولُ بَلَى يَا رَبّ، وَلَكِني نَسِيت؛ فَيَقُولُ لَهُ اللهُ جل جلاله: وَأَنَا أَنْسَاكَ اليَوْمَ فَاذْهَبْ؛ فَلَوْ تَعْلَمُ مَالَكَ عِنْدِي؛ لَضَحِكْتَ قَلِيلاً وَلبَكَيْتَ كَثِيرَا " 0
[ضَعَّفَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَعِ " ص: (123/ 3)، أَخْرَجَهُ الطَّبرَانيُّ، وَالحَدِيثُ في " الكَنْزِ " بِرَقْم: 17109]
جَانِبٌ مِن حَيَاةِ البُؤَسَاء
وَهَذِهِ مجْمُوعَةٌ مِنَ القِصَصِ الوَاقِعِيَّة، الَّتي تَعْكِسُ جَانِبَاً مِن حَيَاةِ بَعْضِ الفُقَرَاءِ المُعَذَّبِينَ في الأَرْض، الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدَا، حَتىَّ نَشْعُرَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الهُمُومِ وَالأَحْزَان، وَالجُوعِ وَالحِرْمَان، وَالذُّلِّ وَالهَوَان: الَّذِي تَقْشَعِرُّ مِنهُ الأَبْدَان، وَتَشِيبُ لَهُ الوُلدَان 00!!
وَمنَعَّمٍ لَمْ يَلْقَ إِلَاّ لَذَّةً * في طَيِّهَا شَجَنٌ مِنَ الأَشْجَانِ
{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}
لَوْ وَجَدَ الوَاحِدُ مِنهُمْ مَا يَأْكُلُهُ في يَوْمِهِ؛ لَنَغَّصَ عَلَيْهِ طَعَامَهُ الخَوْفُ مِنَ غَدِهِ وَالتَّفْكِيرُ فِيه 00!!
وَصَدَقَ مَنْ قَال:
" لَئِنْ كَانَ بِالأَمْسِ ذِكْرُ الأَمْواتِ حَيَاةَ القُلُوب؛ فَقَدْ صَارَ اليَوْمَ ذِكْرُ الأَحْيَاءِ مَمَاتَ القُلُوب "
وَالنَّاسُ صِنْفَانِ مَوْتَي في حَيَاتِهِمُ * وَآخَرُونَ بِبَطْنِ الأَرْضِ أَحْيَاءُ
{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}
صَدَقَتْ لَعَمْرِي نُبُوءةُ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم:
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتىَّ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُول: يَا لَيْتَني مَكَانَه " 0
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (7115 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2907/ 157/ عَبْد البَاقِي]
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه: لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا؛ حَتىَّ يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبر، فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَني كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبْر؛ وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ ـ أَيْ دَاء ـ إِلَاّ البَلَاء " 0
[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2907/ 157/ عَبْد البَاقِي]
قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ حَدَثَتْ مَعَ الشَّيْخ كِشْك رحمه الله
اسْتَمِعْ إِلى الشَّيْخِ رحمه الله وَهْوَ يحْكِيهَا بِنَفْسِهِ عَلَى المِنْبرِ فَيَقُول:
" وَاللهِ لَقَدْ فَتَّ في عَضُدِيَ الأَسَى؛ عِنْدَمَا أَرْسَلَتْ إِليَّ أُسْرَةٌ مُسْلِمَةٌ تَدْعُوني لِزِيَارَتِهَا، وَرَبُّ هَذِهِ الأُسْرَةِ رَجُلٌ طَرِيحُ الفِرَاش، وَكُنْتُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الأُسْرَةَ بحَاجَةٍ إِلى طَبِيب، لَكِنَّهَا لَا تجِدُ مَا تُعْطِيهِ لِلطَّبِيب؛ فَصَحِبْتُ مَعِي طَبِيبَاً مُسْلِمَاً، وَذَهَبْنَا لِعِيَادَةِ هَذَا الرَّجُل، الأُسْرَةُ مُكَوَّنَةٌ مِنْ سَبْعَةِ أَفرَادٍ يَعِيشُونَ في حُجْرَةٍ وَاحِدَة، دَخَلنَا عَلَى المَرِيضِ فَحَيَّيْنَاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلَامِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا؛ فَأَعَدْنَا عَلَيْهِ الكَلَامَ وَأَلقَيْنَا عليه السلام فَرَدَّ بِصُورَةٍ غَيرِ مَفْهُومَة، وَهُوَ لَا يَكَادُ يُسْمِعُنَا ممَّا كَانَ يخَالِطُهَا مِنَ البُكَاء، فَسَأَلنَا: لِمَ يَرُدُّ هَكَذَا 00؟!
فَقَالُواْ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ أُصِيبَ بِضَغْطٍ في الدَّم، ثُمَّ تَفَاقَمَ الأَمْرُ فَأُصِيبَ بِشَلَلٍ نِصْفِيٍّ في الفَم؛ فَقَدَ إِثْرِهِ الكَلَام؛ وَلِذَا يَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ المُتَعَثِّرَة، فَسَأَلَهُمُ الطَّبِيب: لمَاذَا لَمْ تُعْطُوهُ دَوَاءَ ارْتِفَاعِ ضَغْطِ الدَّم 00؟!
فَقَالُواْ بِلِسَانِ الأَسَى: ظَلَلْنَا نُعْطِيهِ الدَّوَاءَ حَوْلَينِ كَامِلَين، فَقَالَ لهُمْ: وَمُنْذُ كَمْ وَهُوَ مَرِيض 00؟
قَالُواْ: مُنْذُ أَرْبَعِ سَنَوَات، فَسَأَلهُمْ عَنْ سَبَبِ الَانْقِطَاع؛ حَتىَّ آلَ بِهِ الأَمْرُ إِلى هَذِهِ الحَالَةِ الحَرِجَة: مِنَ الشَّلَلِ وَفُقْدَانِ الكَلَام 00؟!
فَقَالُواْ بِبَالِغِ الأَسَف: وَاللهِ مَا بخِلْنَا عَلَيْه، وَلَقَدْ بِعْنَا مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مِن أَثَاثِ البَيْت، حَتىَّ عَجَزْنَا عَنِ مُوَاصَلَةِ العِلَاج؛ لأَنَّا لَا نمْلِكُ ثمَنَ الدَّوَاء 00!!
مَنِ المَسْئُولُ عَن هَؤُلَاء 00؟!!
ثُمَّ انخَرَطَ الشَّيخُ وَالنَّاسُ في البُكَاء " 0
وَسُبْحَانَ الله 00 مَنْ لَا يَمْلِكُ ثَمَنَ اللُّقْمَة؛ فَكَيْفَ يَمْلِكُ ثَمَنَ الدَّوَاء 00؟! [الشِّيخ عَبْدُ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبِ المِنْبرِيَّةِ " بِتَصَرُّف 0 ص: 164/ 3]
قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ حَدَثَتْ مَعَ الشَّيْخِ الشَّعْرَاوِي رحمه الله
وَهَذِهِ قِصَّةٌ ذَكَرَهَا الشِّيخ الشَّعْرَاوِي في تَفسِيرِهِ لِلآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ فَقَال:
" عِنْدَمَا كُنَّا طَلَبَةً في الجَامِعَة؛ رَأَى أَحَدُنَا شَيْخَاً كَبِيرَاً طَاعِنَاً في السِّنِّ كَفِيفَ البَصَر، يُرِيدُ أَنْ يَعْبرَ الطَّرِيقَ مُعَرِّضَاً حَيَاتَهُ لِلخَطَر؛ فَذَهَبَ إِلَيْهِ هَذَا الصَّدِيقُ الرَّفِيق، وَعَبرَ بِهِ الطَّرِيق، ثُمَّ سَأَلَهُ قَائِلاً:
أَيْنَ تُرِيدُ يَا جَدِّي 00؟
قَال: أَرِيدُ البَيْتَ الفُلَانيّ، فَقَامَ هَذَا الشَّابُّ بِتَوْصِيلَهِ إِلى حَيْثُ يُرِيد، حَتىَّ أَوْقَفَهُ عَلَى بَابِ الشَّقَّةِ الَّتي يُرِيدُهَا، وَقَبْلَ أَنْ يَضْغَطَ لَهُ عَلَى الجَرَس؛ أَخْرَجَ مِنْ جَيْبِهِ عَشْرَةَ جُنَيْهَاتٍ وَوَضَعَهَا في يَدِ الرَّجُل؛ فَإِذَا بِهِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلى السَّمَاءِ وَيَقُول:" أَلَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ أَبَدَا " 00؟
ثُمَّ قَالَ لِهَذَا الشَّابّ: خُذْ بِيَدِي يَا بُنيَّ إِلى المَكَانِ الَّذِي رَأَيْتَني فِيهِ أَوَّلَ مَرَّة وَلَمْ يَطْرُقِ البَاب، وَكَأَنَّهُ مَا ذَهَبَ إِلى هُنَاكَ إِلَاّ لِيَقْترِضَ هَذَا المَبْلَغ 00!!
[الإِمَامُ الشَّعْرَاوِيُّ في " تَفسِيرُ " للآيَةِ " 3 " مِنْ سُورَةِ الأَحْزَاب بِاخْتِصَار]
بَعْضُ نَوَادِرِ الْفُقَرَاء
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ رضي الله عنه قَال: " كُنْتُ امْرَأً أُصِيبُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيرِي، فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ خِفْتُ أَن أُصِيبَ مِنْ امْرَأَتي شَيْئَاً يُتَابَعُ بي حَتىَّ أُصْبِح ـ أَيْ فَيَسْتَمِرُّ بيَ الجِمَاعُ حَتىَّ الصُّبْح ـ فَظَاهَرْتُ مِنْهَا حَتىَّ يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَان، فَبَيْنَا هِيَ تَخْدُمُني ذَاتَ لَيْلَةٍ؛ إِذْ تَكَشَّفَ لي مِنْهَا شَيْء؛ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَوْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْتُ إِلى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ الخَبر، وَقُلْتُ امْشُوا مَعِي إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَالُوا لَا وَاللهِ؛ فَانْطَلَقْتُ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَة " 00؟
ـ أَيْ تَتَحَمَّلُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ يَا سَلَمَة ـ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ الله 00 مَرَّتَينِ وَأَنَا صَابِرٌ لأَمْرِ الله؛ فَاحْكُمْ فيَّ مَا أَرَاكَ الله؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " حَرِّرْ رَقَبَة " 00 قُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا: وَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتي؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَين " 00 قَالَ رضي الله عنه:
وَهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَاّ مِنَ الصِّيَام 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَأَطْعِمْ وَسْقَاً مِنْ تَمْرٍ بَينَ سِتِّينَ مِسْكِينَاً " 00 قُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ؛ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَام؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَانْطَلِقْ إِلى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَني زُرَيْق، فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْك؛ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينَاً، وَسْقَاً مِنْ تَمْر، وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا " 00
فَرَجَعْتُ إِلى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضِّيقَ وَسُوءَالرَّأْي، وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْي، وَقَدْ أَمَرَني أَوْ أَمَرَ لي بِصَدَقَتِكُمْ " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 2213]
وَفي رِوَايَةٍ أَخْرَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَال: " فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاه، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةِ عَشَرَ صَاعَاً، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " تَصَدَّقْ بِهَذَا " 00 قَالَ يَا رَسُولَ الله؛ عَلَى أَفْقَرَ مِنيِّ وَمِن أَهْلِي 00؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُك " 0
[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 2217]
عَن عَبْدِ اللهِ الهَوْزَنِيِّ قَال: لَقِيتُ بِلَالاً مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَلَب، فَقُلْتُ يَا بِلَال؛ حَدِّثْني كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟
قَالَ رضي الله عنه: مَا كَانَ لَهُ شَيْء، كُنْتُ أَنَا الَّذِي أَلي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الإِنْسَانُ مُسْلِمَاً فَرَآهُ عَارِيَاً؛ يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي لَهُ الْبُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُه، حَتىَّ اعْتَرَضَني رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فَقَال: يَا بِلَال؛ إِنَّ عِنْدِي سَعَةً؛ فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِن أَحَدٍ إِلَاّ مِنيِّ فَفَعَلْت، فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ؛ تَوَضَّأْتُ ثمَّ قُمْتُ لأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاة، فَإِذَا المُشْرِكُ قَدْ أَقْبَلَ في عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّار، فَلَمَّا أَنْ رَآني قَالَ يَا حَبَشِيّ؛ قُلْتُ يَا لَبَّاه، فَتَجَهَّمَني وَقَالَ لي قَوْلَا غَلِيظَاً ـ أَيِ اسْتَقْبَلَني بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَقَالَ لي قَوْلَا غَلِيظَاً ـ وَقَالَ لي:
أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَينَ الشَّهْر 00؟
قُلْتُ قَرِيب، قَال: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَع ـ أَيْ أَرْبَعُ لَيَالٍ ـ فَآخُذُكَ بِالَّذِي عَلَيْك؛ فَأَرُدُّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِك؛ فَأَخَذَ في نَفْسِي مَا يَأْخُذُ في أَنْفُسِ النَّاس ـ أَيْ دَخَلَني الخَوْفُ مِمَّا سَمِعْت ـ حَتىَّ إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى أَهْلِه، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله؛ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ المُشْرِكَ الَّذِي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ قَالَ لي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنيِّ، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي؛ فَأْذَنْ لي أَنْ آبَقَ إِلى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُواْ ـ أَيْ فَأْذَنْ لي في الهُرُوبِ إِلى إِخْوَانِنَا الَّذِينَ أَسْلَمُواْ
بِالمَدِينَة ـ حَتىَّ يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مَا يَقْضِي عَنيِّ، فَخَرَجْتُ حَتىَّ إِذَا أَتَيْتُ مَنْزِلي؛ فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابي وَنَعْلِي وَمِجَنيِّ عِنْدَ رَأْسِي، حَتىَّ إِذَا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الأَوَّلِ أَرَدْتُ أَن أَنْطَلِق؛ فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو:" يَا بِلَال، أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم " 00 فَانْطَلَقْتُ حَتىَّ أَتَيْتُه، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ مُنَاخَاتٌ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنّ، فَاسْتَأْذَنْتُ؛ فَقَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَبْشِرْ؛ فَقَدْ جَاءَكَ اللهُ بِقَضَائِك " 00 ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَلَمْ تَرَ الرَّكَائِبَ المُنَاخَاتِ الأَرْبَع " 00؟
فَقُلْتُ بَلَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنّ، فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامَاً، أَهْدَاهُنَّ إِليَّ عَظِيمُ فَدَك؛ فَاقْبِضْهُنَّ وَاقْضِ دَيْنَك " 00 فَفَعَلْت، فَذَكَرَ الحَدِيثَ 000
ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلى المَسْجِد، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ في المَسْجِد، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا فَعَلَ مَا قِبَلَك " 00؟
قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَبْقَ شَيْء ـ أَيْ مِنَ الدَّيْن ـ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" أَفَضَلَ شَيْء " 00 قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" انْظُرْ أَنْ تُرِيحَني مِنْهُ؛ فَإِنيِّ لَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِن أَهْلِي حَتىَّ تُرِيحَني مِنْه " 00 فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعَتَمَةَ دَعَاني فَقَال:
" مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَك " 00؟
قُلْتُ هُوَ مَعِي، لَمْ يَأْتِنَا أَحَد ـ أَيْ مِنَ السَّائِلِينَ أَوْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِين ـ فَبَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ وَقَصَّ الحَدِيث، حَتىَّ إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ ـ أَيْ مِنَ الْغَدِ ـ دَعَاني قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَك " 00؟
قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللهُ مِنْهُ يَا رَسُولَ الله؛ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ سبحانه وتعالى؛ شَفَقَاً مِن أَنْ يُدْرِكَهُ المَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِك " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 3055]
التَّاجِرُ المَوْصِلِيّ
وَعَن أَبي القَاسِمِ بْنِ حُبَيْشٍ قَال: لَقَدْ جَرَتْ في هَذِهِ الدَّار ـ وَأَشَارَ إِلى دَار ـ قَضِيَّةٌ عَجِيبَة: " كَانَ يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّار؛ رَجُلٌ مِن التُّجَّار، مِمَّنْ يُسَافِرُ إِلى الكُوفَةِ في تجَارَةِ الخَزّ ـ أَيِ الحَرِير ـ فَاتَّفَقَ أَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنَ الخَزِّ في خُرْج ـ أَيْ في كِيسَينِ مُتَدَلِّيَينِ عَلَى ظَهْرِ حِمَار ـ وَسَارَ مَعَ القَافِلَة، فَلَمَّا نَزَلَتِ القَافِلَة؛ أَرَادَ إِنْزَالَ الخُرْجِ عَنِ الحِمَارِ، فَثَقُلَ عَلَيْه؛ فَرَآهُ شَابٌّ كَانَ بجَانِبِهِ فَأَعَانَه عَلَى إِنْزَالِه، ثُمَّ جَلَسَ يَأْكُل، فَاسْتَدْعَى ذَلِكَ الشَّابَّ لِيَأْكُلَ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ عَن أَمْرِه؛ فَأَخْبرَهُ أَنَّهُ مِن أَهْلِ الكُوفَة، وَأَنَّهُ خَرَجَ لحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ بِغَيرِ نَفَقَةٍ وَلَا زَاد،
فَقَالَ لَهُ الرَّجُل: أَنَا تَاجِرٌ مِنَ المَوْصِل، فَكُنْ رَفِيقِي؛ آنَسُ بِكَ وَتُعِينُني عَلَى سَفَرِي، وَنَفَقَتُكَ وَمُؤْنَتُكَ عَلَيّ 00؟
فَقَالَ لَهُ الشَّابّ: وَأَنَا أَيْضَاً أَخْتَارُ صُحْبَتَكَ، وَأَرْغَبُ في مُرَافَقَتِك، فَسَارَ مَعَه في سَفَرِهِ وَخَدَمَهُ أَحْسَنَ خِدْمَة، إِلى أَنْ وَصَلَا إِلى تِكْرِيت، فَنزَلَتِ القَافِلَةُ خَارِجَ المَدِينَة، وَدَخَلَ النَّاسُ إِلى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، فَقَالَ التَّاجِرُ لِذَلِكَ الرَّجُل: احْفَظْ حَوَائِجَنَا حَتىَّ أَدْخُلَ المَدِينَةَ وَأَشْتَرِيَ مَا نحْتَاجُ إِلَيْه، فَدَخَلَ المَدِينَةَ وَقَضَى جَمِيعَ حَوَائِجِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يجِدِ القَافِلَةَ وَلَا الشَّابّ؛ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمَّا رَحَلَتْ القَافِلَةُ رَحَلَ مَعَهُمْ؛ فَلَمْ يَزَلْ يَسِيرُ وَيُجِدُّ في السَّيرِ إِلى أَن
أَدْرَكَ القَافِلَةَ بَعْدَ جَهْدٍ عَظِيم، فَسَأَلهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ فَقَالُواْ: مَا رَأَيْنَاهُ وَلَا جَاءَ مَعَنَا، وَلَكِنَّهُ رَحَلَ عَلَى أَثَرِكَ حِينَ أَطَلْتَ المَغِيب، فَظَنَنَّا أَنَّكَ أَمَرْتَهُ، فَكَرَّ الرَّجُلُ رَاجِعَاً إِلى تِكْرِيت، وَسَأَلَ في الطَّرِيقِ عَنِ الشَّابِّ فَلَمْ يجِدْ لَهُ أَثَرَاً، وَلَا سَمِعَ لَهُ خَبرَاً، فَيَئِسَ مِنهُ وَرَجَعَ إِلى المَوْصِل ـ بَلَدِهِ ـ مَسْلُوبَ المَال، فَوَصَلَهَا نَهَارَاً فَقِيرَاً جَائِعَاً حَرَضَاً في شِدَّةِ الإِعْيَاء، فَاسْتَحْيَا أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارَاً فَتَشْمَتَ بِهِ الأَعْدَاء، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَمَاتَتِهِمْ 00
كُلُّ المَصَائِبِ قَدْ تَمُرُّ عَلَى الفَتى * فَتَهُونُ غَيرَ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ
وَخَشِيَ أَنْ يحْزَنَ الصَّدِيقُ إِذَا رَآهُ عَلَى تِلْكَ الحَالَة؛ فَاسْتَخْفَى إِلى اللَّيْلِ ثُمَّ عَادَ إِلى دَارِه، فَطَرَقَ البَابَ فَقِيلَ مَن هَذَا 00؟
قَالَ فُلَان ـ يَعْني نَفْسَه ـ فَأَظْهَرُواْ لَهُ سُرُورَاً عَظِيمَاً بِمَقْدِمِه، وَقَالُواْ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ في هَذَا الوَقْت؛ فَإِنَّكَ أَخَذْتَ مَالَكَ مَعَكَ وَمَا تَرَكْتَ لَنَا نَفَقَةً كَافِيَة، وَأَطَلْتَ سَفَرَكَ وَاحْتَجْنَا إِلى مَالٍ فَلَمْ نجِدْ، وَقَدْ وَضَعَتْ زَوْجَتُكَ اليَوْم، وَاللهِ مَا وَجَدْنَا مَا نَشْتَرِي بِهِ شَيْئَاً لِلنُّفَسَاء، فَأْتِنَا بِدَقِيقٍ وَدُهْنٍ نُسْرِجُ بِهِ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ لَا سِرَاجَ عِنْدَنَا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ ازْدَادَ غَمَّا عَلَى غَمّ، وَكَرِهَ أَنْ يخْبرَهُمْ بحَالِهِ فَيُحْزِنَهُمْ بِذَلِك، فَأَخَذَ وِعَاءً لِلدُّهْن، وَوِعَاءً لِلدَّقِيق، وَخَرَجَ إِلى حَانُوتٍ أَمَامَ دَارِه، وَكَانَ فِيهِ رَجُلٌ يَبِيعُ الدَّقِيقَ وَالزَّيْتَ وَالعَسَل، وَكَانَ البَائِعُ قَدْ أَطْفَأَ
سِرَاجَهُ وَأَغْلَقَ حَانُوتَهُ وَنَام، فَنَادَاهُ فَعَرَفَه، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَانَقَهُ وَحَمِدَ اللهَ عَلَى سَلَامَتِه، فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ حَانُوتَكَ وَأَعْطِنَا مَا نحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَقِيقٍ وَعَسَلٍ وَدُهْن، فَنزَلَ البَائِعُ إِلى حَانُوتِهِ وَأَوْقَدَ المِصْبَاح، وَوَقَفَ يَزِنُ لَهُ مَا طَلَب، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ حَانَتْ مِنَ التَّاجِرِ الْتِفَاتَة، فَرَأَى خُرْجَهُ الَّذِي هَرَبَ بِهِ خَادِمُه، فَلَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ أَنِ انْقَضَّ عَلَيْهِ وَقَال: ادْفَعْ إِليَّ مَالي يَا عَدُوَّ الله، فَقَالَ لَهُ البَائِعُ مَا هَذَا يَا فُلَان 00؟!
قَالَ هَذَا خُرْجِي، هَرَبَ بِهِ خَادِمِي وَأَخَذَ حِمَارِي وَجَمِيعَ مَالي، فَقَالَ البَائِع: وَاللهِ مَا لي عِلْم، غَيرَ أَنَّ رَجُلاً وَرَدَ عَلَيَّ بَعْدَ العِشَاءِ وَاشْتَرَى مِنيِّ عَشَاءه، وَأَعْطَاني هَذَا الخُرْجَ فَجَعَلْتُهُ في حَانُوتي وَدِيعَةً إِلى أَنْ يُصْبِح، وَالحِمَارُ في دَارِي، وَالرَّجُلُ في المَسْجِدِ نَائِم، فَحَمَلَا الخُرْجَ وَمَضَيَا إِلى الرَّجُل، فَإِذَا الشَّابُّ نَائِمٌ في المَسْجِد، فَوَكَزَهُ التَّاجِرُ المَوْصِلِيُّ صَاحِبُ المَالِ بِرِجْلِه، فَقَامَ الشَّابُّ فَزِعَاً، فقال لَهُ التَّاجِرُ المَوْصِلِيّ: أَيْنَ مَالي يَا خَائِن 00؟
قَالَ هَا هُوَ في خُرْجِك، فَوَاللهِ مَا أَخَذْتُ مِنهُ ذَرَّة، قَالَ فَأَيْنَ الحِمَارُ وَآلَتُه 00؟
قَالَ هُوَ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي مَعَك، فَسَأَلَهُ التَّاجِرُ أَيْنَ كُنْت 00!؟ قَالَ الرَّجُل:
لَقَدِ انْتَظَرْنَاكَ طَوِيلاً فَلَمْ تجِئْ، حَتىَّ هَمَّتِ القَافِلَةُ بِمُوَاصَلَةِ السَّير، فَانْطَلَقْتُ في أَثَرِكَ فَلَمْ أَعْثُرْ عَلَيْك، ثمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا القَافِلَةُ قَدْ سَارَتْ؛ فَعُدْتُ أَدْرَاجِيَ حَتىَّ أُؤَدِّيَ الأَمَانَةَ إِلى أَهْلِ بَيْتِك،
فَوَصَلْتُ إِلى المَوْصِلِ في ظُلْمَةِ اللَّيْل، فَقُلْتُ أَنَامُ في المَسْجِدِ إِلى الصُّبْحِ ثمَّ أَمْضِي لأَهْلِ بَيْتِك، فَعَفَا عَنهُ التَّاجِرُ المَوْصِلِيُّ وَخَلَّى سَبِيلَه، ثُمَّ مَضَى بخُرْجِهِ إِلى دَارِهِ فَوَجَدَ مَتَاعَهُ سَالِمَاً، فَوَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ وَأَخْبرَهُمْ بِقِصَّتِهِ؛ فَازْدَادُواْ سُرُورَاً عَلَى سُرُور، وَتَبرَّكُواْ بِذَلِكَ المَوْلُود، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يخِيبُ مَنْ يَقْصِدُه، وَلَا يَنْسَى مَنْ يَعْبُدُه " 0
[الأَبْشِيهِيُّ في كِتَابِ " المُسْتَطْرَف " بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف، البَابُ السَّابِعُ وَالخَمْسُون: بَابِ اليُسْرِ بَعْدَ العُسْرِ]
ارْحَمُواْ عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلّ
وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ في كِتَابِهِ " سِرَاجِ المُلُوكِ " عَن أَحَدِ الصَّالحِينَ قَال:
" كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ أَبي حَفْصٍ جُزْءً امِنَ الحَدِيث، في حَانُوتِ رَجُلٍ عَطَّار، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُ في الحَانُوت؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الطَّوَّافِين، مِمَّنْ يَبِيعُ العِطْرَ في طَبَقٍ يحْمِلُهُ عَلَى يَدِه، فَدَفَعَ إِلَيْهِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَه: أَعْطِني بهَا أَشْيَاءَ سَمَّاهَا لَهُ مِنَ العِطْر، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَأَخَذَهَا، ثُمَّ هَمَّ العَطَّارُ بِالقِيَامِ لِشَأْنِه؛ فَسَقَطَ الطَّبَقُ مِنْ يَدِه، فَانْسَكَبَ جَمِيعُ مَا فِيه، فَبَكَى وَجَزِعَ حَتىَّ رَحِمْنَاه؛ فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ لِصَاحِبِ الحَانُوت: لَعَلَّكَ تُعِينُهُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الأَشْيَاء 00؟
فَقَالَ سَمْعَاً وَطَاعَة، فَنزَلَ وَجَمَعَ لَهُ مَا قَدَرَ عَلَى جَمْعِه، وَأَقْبَلَ الشَّيْخُ عَلَى الطَّوَّافِ يُصَبِّرُهُ وَيَقُولُ لَه: لَا تجْزَعْ، إِنَّ أَمْرَ الدُّنيَا أَيْسَرُ مِنْ ذَلِك، فَقَالَ الطَّوَّاف: أَيُّهَا الشَّيْخ، لَيْسَ جَزَعِي لِضَيَاعِ مَا ضَاع، لَقَدْ عَلِمَ اللهُ جل جلاله أَني كُنْتُ في القَافِلَةِ الفُلَانِيَّة، فَضَاعَ لي هِمْيَانٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَار، وَمَعَهَا فُصُوصٌ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ فَمَا جَزِعْت؛ حَيْثُ كَانَ لَدَيَّ مِنْ رَأْسِ المَالِ مَا يَصْلُحُ بِهِ حَالي، وَأُنْفِقُ مِنهُ عَلَى عِيَالي، وَلَكِنْ وُلِدَ لي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَد، فَاحْتَجْنَا لأُمِّهِ مَا يُحْتَاجُ لِلنُّفَسَاء، وَلَمْ يَكُن عِنْدِي بَعْدَ ذَهَابِ تجَارَتي غَيرُ مِاْئَةِ دِرْهَم، فَخَشِيتُ أَن أَشْتَرِيَ بهَا حَاجَةَ
النُّفَسَاءِ فَأَبْقَى بِلَا رَأْسِ مَال، وَأَنَا قَدْ صِرْتُ شَيْخَاً كَبِيرَاً لَا أَقْدِرُ عَلَى الكَسْب؛
فَقُلْتُ في نَفْسِي: أَشْتَرِي بِهَا شَيْئَاً مِنَ العِطْر، فَأَطُوفُ بِهِ صَدْرَ النَّهَارِ عَسَى أَنْ يُرْبحَني اللهُ شَيْئَاً أَسُدُّ بِهِ رَمَقَ زَوْجَتي، وَيَبْقَى رَأْسُ المَالِ كَمَا هُوَ، فَاشْتَرَيْتُ هَذَا العِطْر، فَحِينَ انْسَكَبَ الطَّبَقُ عَلِمْتُ أَنَّه لَمْ يَبْقَ لي إِلَا الفِرَارُ مِنهُم؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَدَّى إِلى جَزَعِي، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الجُنْدِ جَالِسَاً إِلى جَانِبي يَسْمَعُ الحَدِيث، فَقَالَ لأَبي حَفْص: يَا سَيِّدِي، أُرِيدُ أَنْ تَأْتيَ بهَذَا الرَّجُلِ إِلى مَنزِلي، فَأَتَيْنَاهُ فَأَدْخَلَنَا إِلى مَنزِلِه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الطَّوَّافِ وَقَالَ لَه: عَجِبْتُ مِنْ جَزَعِك 00؟!
فَأَعَادَ عَلَيْهِ القِصَّة، فَقَالَ لَهُ الجُنْدِيّ: وَكُنْتَ في تِلْكَ القَافِلَة 00؟
قَالَ نَعَمْ، وَكَانَ مَعِي فِيهَا فُلَانٌ وَفُلَان، فَعَلِمَ الجُنْدِيُّ صِحَّةَ قَوْلِه؛ فَقَالَ لَهُ: وَمَا عَلَامَةُ هِمْيَانِك؟
وَفي أَيِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ مِنْك 00؟
فَوَصَفَ لَهُ المَكَانَ وَالعَلَامَة، فَقَالَ لَهُ الجُنْدِيّ: إِذَا رَأَيْتَهُ تَعْرِفُه 00؟
قَالَ نَعَمْ، فَأَخْرَجَ الجُنْدِيُّ لَهُ هِمْيَانَاً وَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيْه، فَصَاحَ الشَّيْخُ حِينَ رَآهُ وَقَال: هَذَا هِمْيَاني وَاللهِ، وَعَلَامَةُ صِحَّةِ قَوْلي؛ أَنَّ فِيهِ مِنَ الفُصُوصِ كَيْتَ وَكَيْت، فَفَتَحَ الهِمْيَانَ فَوَجَدَهُ كَمَا ذَكَر، فَسَجَدَ الرَّجُلُ للهِ شُكْرَاً، ثمَّ قَامَ فَقَبَّلَ رَأْسَ الجُنْدِيِّ وَشَكَرَهُ عَلَى أَمَانَتِه، وَعَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضَ المَالِ فَقَال: خُذْ مَالَكَ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيه، فَقَالَ الطَّوَّاف: إِنَّ هَذِهِ الفُصُوصَ قِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَأَكْثَر، فَخُذْهَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِذَلِك 00؟
فَقَالَ الجُنْدِيّ: مَا كُنْتُ لآخُذَ عَلَى أَمَانَتي أَجْرَاً، وَلَقَدْ تحَسَّسْتُ الأَخْبَار؛ رَجَاءَ أَن أَسْمَعَ مَنْ يُنْشِدُهَا فَلَمْ أَجِدْ، فَتَرَكْتُهَا كَمَا هِيَ، حَتىَّ يَأْتيَ صَاحِبُهَا، وَهَا أَنْتَ ذَا قَدْ أَتَيْت، وَأَبى أَنْ يَأْخُذَ شَيْئَا، ثمَّ دَفَعَهَا لِلطَّوَّافِ كَامِلَةً فَأَخَذَهَا وَمَضَى، فَسُبْحَانَ الله 00 دَخَلَ الطَّوَّافُ وَهُوَ مِنَ الفُقَرَاءِ المَسَاكِين، وَخَرَجَ وَهُوَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ المَتْرَفِين، وَكَانَ رَبُّك قَدِيرَا " 0 [الأَبْشِيهِيُّ في كِتَابِ " المُسْتَطْرَف " بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف، البَابُ السَّابِعُ وَالخَمْسُون: بَابِ اليُسْرِ بَعْدَ العُسْرِ]
جَاءَ في دُرَّةِ الْغَوَّاصِ لأَبي محَمَّدٍ الْقَاسِمِ بْنِ عَلِيٍّ الحَرِيرِيِّ صَاحِبِ المَقَامَاتِ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ المُبَرِّدَ رَوَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَأَلَ أَبَا عُثْمَانَ المَازِنيَّ في قِرَاءَةِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ عَنهُ، وَبَذَلَ لَهُ مِاْئَةَ دِينَارٍ في تَدْرِيسِهِ إِيَّاه؛ فَامْتَنَعَ المَازِنيُّ رحمه الله مِنْ ذَلِك؛ فَقَالَ لَهُ المُبَرِّد: جُعِلْتُ فِدَاك؛ أَتَرُدُّ هَذِهِ النَّفَقَةَ مَعَ فَاقَتِكَ وَاحْتِيَاجِكَ إِلَيْهَا 00؟!
فَقَالَ لَهُ المَازِنيّ: هَذَا الْكِتَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِمِاْئَةِ حَدِيث، وَكَذَا آيَةً مِنْ كِتَابِ الله جَلَّ وَعَلَا؛ فَلَسْتُ أَرَى أَن أُمَكِّنَ مِنهَا ذِمِّيَّاً؛ غَيْرَةً عَلَى كِتَابِ الله تبارك وتعالى وَحَمِيَّةً لَهُ 00!!
فَاتَّفَقَ أَن غَنَّتْ جَارِيَةٌ بِحَضْرَةِ الْوَاثِقِ مِنْ شِعْرِ الْعَرْجِيّ:
أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلاً * أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَاخْتَلَفَ مَنْ بِالحَضْرَةِ في إِعْرَابِ رَجُلاً؛ فَمِنهُمْ مَنْ نَصَبَهُ وَجَعَلَهُ اسْمَ إِنَّ، وَمِنهُمْ مَنْ رَفَعَهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا، وَالجَارِيَةُ مُصِرَّةٌ عَلَى أَنَّ شَيْخَهَا أَبَا عُثْمَانَ المَازِنيَّ لَقَّنَهَا إِيَّاهُ بِالنَّصْب؛ فَأَمَرَ الْوَاثِقَ بِإِشْخَاصِهِ؛ قَالَ أَبُو المَازِنيّ: فَلَمَّا مَثُلْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَال: مِمَّنِ الرَّجُل 00؟
قُلْتُ: مِنْ مَازِنٍ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، قَال: أَيِّ المَوَازِن 00؟
قُلْتُ: مَنْ مَازِنِ رَبِيعَة؛ فَكَلَّمَني بِكَلَامِ قَوْمِي وَقَال: بِاسْمُكَ 00؟
لأَنَّهُمْ يَقْلِبُونَ المِيمَ بَاءً وَالْبَاءَ مِيمَاً إِذَا كَانَتْ في الاِسْتِفْهَامِ أَوْ في الأَسْمَاء؛ فَكَرِهْتُ أَن أُجِيبَهُ عَلَى لُغَةِ قَوْمِي [لأَنَّ اسْمَهُ بَكْر]؛ لِئَلَاّ أُوَاجِهَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِالمَكْر؛ فَقُلْتُ: بَكْرٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَفَطِنَ لِمَا قَصَدْتُهُ فَأَعْجَبَهُ مِنيِّ ذَلِك، ثُمَّ قَال: مَا تَقُولُ في قَوْلِ الشَّاعِر:
أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلاً * أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
أَتَرْفَعُ رَجُلاً أَمْ تَنْصِبُهُ 00؟
فَقُلْتُ: الْوَجْهُ: النَّصْبُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَالَ وَلِمَ 00؟!
فَقُلْتُ: إِنَّ " مُصَابَكُمْ " مَصْدَرٌ بِمَعْنىَ إِصَابَتَكُمْ؛ فَأَخَذَ الزَّيْدِيُّ في مُعَارَضَتي؛ فَقُلْتُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: إِنَّ ضَرْبَكَ زَيْدَاً ظُلْمٌ فَالرَّجُلُ مَفْعُولُ " مُصَابَكُمْ "؛ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِهِ؛ فَاسْتَحْسَنَهُ الْوَاثِقُ وَأَمَرَ لي بِأَلْفِ دِينَار؛ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ المُبَرِّد: فَلَمَّا عَادَ المَازِنيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ إِلىَ الْبَصْرَةِ قَالَ لي: كَيْفَ رَأَيْتَ 00؟ رَدَدْنَا للهِ مِاْئَةً؛ فَعَوَّضَنَا أَلْفَاً " 0
[ابْنُ حَجَّةَ الحَمَوِيُّ في ثَمَرَاتِ الأَوْرَاق]
رَوَى ابْنُ النَّجَّارِ عَن أَبي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَصْرٍ التَّيْمِيِّ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْقَادِرِ الجِيلَانيَّ يَقُول: " بَلَغَتْ بي الضَّائِقَةُ في الْغِلَاءِ إِلىَ أَنْ بَقِيْتُ أَيَّامَاً لَا آكُلُ طَعَامَاً، بَلْ أَتَّبَّعُ المَنْبُوذَات؛ فَخَرَجْتُ يَوْمَاً إِلىَ الشَّطّ؛ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَني الْفُقَرَاء، فَضَعُفْتُ وَعَجَزْتُ عَنِ التَّمَاسُك؛ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَاً وَقَعَدْتُ وَكِدْتُ أُصَافِحُ المَوْت، فَدَخَلَ شَابٌّ أَعْجَمِيٌّ وَمَعَهُ خُبْزٌ وَشِوَاء، وَجَلَسَ يَأْكُل، فَكُنْتُ أَكَادُ كُلَّمَا رَفَعَ لُقْمَةً أَن أَفْتَحَ فَمِي؛ فَالْتَفَتَ فَرَآني؛ فَقَال: " بِاسْمِ الله ": [أَيْ كُلْ مَعِي] فَأَبَيْتُ، فَأَقْسَمَ عَلَيَّ؛
فَأَكَلْتُ مُقَصِّرَاً، وَأَخَذَ يَسْأَلُني: مَا شُغْلُكَ وَمِن أَيْنَ أَنْت 00؟
فَقُلْتُ: مُتَفَقِّهٌ مِنْ جِيلَان؛ قَال: وَأَنَا مِنْ جِيلَان، فَهَلْ تَعْرِفُ لي شَابَّاً جِيلَانِيَّاً اسْمُهُ عَبْدُ الْقَادِر، يُعْرَفُ بِسِبْطِ أَبي عَبْدِ اللهِ الصَّوْمعِيِّ الزَّاهِد؟
فَقُلْتُ: أَنَا هُو؛ فَاضْطَّرَبَ لِذَلِكَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَال: وَاللهِ يَا أَخِي لَقَدْ وَصلْتُ إِلىَ بَغْدَادَ وَمعِي بَقِيَّةُ نَفَقَةٍ لي؛ فَسَأَلْتُ عَنْكَ فَلَمْ يُرْشِدْني أَحَد،
إِلىَ أَنْ نَفِذَتْ نَفَقَتي، وَبَقِيتُ بَعْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا أَجِدُ ثَمَنَ قُوتي إِلَاَّ مِنْ مَالِك؛ فَلَمَّا كَانَ هَذَا اليَوْمُ الرَّابِعُ قُلْتُ: قَدْ تجَاوَزَتْني ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَحَلَّتْ ليَ المَيْتَة، فَأَخَذْتُ مِنْ وَدِيعَتِكَ ثَمَنَ هَذَا الخُبْزِ وَالشِّوَاء؛ فُكُلْ طَيِّبَاً فَإِنَّمَا هُوَ لَكَ وَأَنَا ضَيْفُكَ الآن؛ فَقُلْتُ: وَمَا ذَاك 00؟!
قَال: أُمُّكَ وَجَّهَتْ مَعِي ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ لأُسْلِمَهَا إِلَيْك، وَاللهِ مَا خُنْتُكَ فِيهَا إِلىَ اليَوْم؛ فَسَكَّنْتُهُ وَطَيَّبْتُ نَفْسَهُ وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ مِنهَا شَيْئَا " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 445/ 20]
وَقَالَ الإِمَامُ الحَافِظُ محَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيِّ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ: " أَقَمْتُ بِتَنِّيسَ مُدَّةً [وَهِيَ جَزِيرَةٌ صَغِيرَةٌ كَانَتْ آنَذَاكَ تَقَعُ شَمَالَ دِمْيَاطَ بِالْقُرْبِ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْر] عَلَى أَبي محَمَّدٍ بنِ الحَدَّادِ وَنُظَرَائِه، فَضَاق بي ـ أَيْ مَرَرْتُ بِضَائِقَةٍ شَدِيدَة ـ فَلَمْ يَبْقَ مَعِي غَيْرُ دِرْهَمٍ، وَكُنْت أَحْتَاجُ إِلىَ حِبْرٍ وَكَاغَد ـ الْكَاغَدُ نَوْعٌ مِنَ الأَلْوَاحِ الْوَرَقِيَّةِ كَانَ يُكْتَبُ عَلَيْهِ آنَذَاك ـ فَتَرَدَّدْتُ في صَرْفِهِ في الحِبْرِ أَوِ الْكَاغَدِ أَوِ الخُبْز،
وَمَضَى عَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَطْعَمْ فِيهَا؛ فَلَمَّا كَانَ بُكْرَةَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ قُلْتُ في نَفْسِي: لَوْ كَانَ ليَ الْيَوْمَ كَاغَدٌ: لَمْ يُمْكِنيِّ أَن أَكْتُبَ مِنَ الجُوع، فَجَعَلْتُ الدِّرْهَمَ في فَمِي، وَخَرَجْتُ لأَشْتَرِيَ خُبْزَاً، فَبَلَعْتُهُ؛ وَوَقَعَ عَلَيَّ الضَّحِك؛ فَلَقِيَني صَدِيقٌ وَأَنَا أَضْحَكُ فَقَال: مَا أَضْحَكَك 00؟
قُلْتُ: خَيْر، فَأَلَحَّ عَلِيّ، وَأَبَيْتُ أَن أُخْبِرَهُ؛ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَتَصْدُقَنيِّ، فَأَخْبَرتُهُ؛ فَأَدْخَلَني مَنْزِلَهُ وَتَكَلَّفَ أَطْعِمَةً، فَلَمَّا خَرَجْنَا لِصَلَاةِ الظُّهْر؛ اجْتَمَع بِهِ بَعْضُ وُكَلَاءِ عَامِلِ تَنِّيسِ بْنِ قَادُوسَ فَسَأَلَهُ عَنيِّ [أَيْ سَأَلَ صَاحِبي عَنيِّ] 00؟
فَقَالَ هُوَ هَذَا، قَال: إِنَّ صَاحِبي [أَيْ رَيِّسِي صَاحِبُ تَنِّيس] مُنْذُ شَهْرٍ أَمَرَ بي أَن أُوَصِّلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهمَ قِيمَتُهَا رُبْعُ دِينَار، وَسَهَوْتُ عَنهُ، فَأَخَذَ مِنهُ ثَلَاثَمِاْئَة " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 368/ 19]
بَكَيْتُ وَصَارَتْ دُمُوعِيَ بَحْرَاً * وَلَنْ تُشْبِعَ الفُقَرَاءَ البُحُورْ
فَيَا آكِلَ الجَوْزِ وَاللَّوْزِ مَهْلاً * أَكَلْتَ اللُّبَابَ فَجُدْ بِالقُشُورْ
بُطُونُ خَزَائِنِكُمْ أُتْخِمَتْ * وَبَطْنُ الفَقِيرِ كَجَيْبِ الفَقِيرْ
نَعُوذُ بِكَ اللهُمَّ مِنْ فَقْرٍ يُذِلُّنَا، أَوْ غِنىً يُضِلُّنَا 00