المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مصيبة السجن والحديث عن المظلومين: - موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني

[ياسر الحمداني]

فهرس الكتاب

- ‌[مَقَالَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني]

- ‌أَصُونُ كَرَامَتي مِنْ قَبْلِ قُوتي

- ‌أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُول

- ‌إِعْصَار كَاتْرِينَا

- ‌إِنْقَاذُ السُّودَان؛ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان

- ‌الإِسْلَامُ هُوَ الحَلّ، وَلَيْسَ الإِرْهَابُ هُوَ الحَلّ

- ‌الْبَهَائِيَّة، وَادعَاءُ الأُلُوهِيَّة

- ‌الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان:

- ‌الدِّينُ النَّصِيحَة:

- ‌الشَّيْطَانُ الأَكْبَرُ

- ‌الفَنَّانَاتُ التَّائِبَاتُ

- ‌{أَرَاذِلُ الشُّعَرَاء}

- ‌الحُلْمُ الجَمِيل:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتجْوِيدِه:

- ‌فَضْلُ حِفْظِ الحَدِيثِ النَّبَوِيّ:

- ‌ فَضْلُ بِنَاءِ المَسَاجِد **

- ‌فُقَرَاء، لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌فِقْهُ الحَجِّ وَرَوْحَانِيَّاتُه:

- ‌قَصَائِدُ ابْتِهَالِيَّة:

- ‌لُغَتُنَا الجَمِيلَة:

- ‌مَقَامَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌أَنْقِذُونَا بِالتَّغْيِير؛ فَإِنَّا في الرَّمَقِ الأَخِير:

- ‌إِيرَان؛ بَينَ المِطْرَقَةِ وَالسِّنْدَان

- ‌الأَمِينُ غَيرُ الأَمِين

- ‌الإِرْهَابُ وَالأَسْبَابُ المُؤَدِّيَةُ إِلَيْه

- ‌الحَاكِمُ بِأَمْرِ الشَّيْطَان

- ‌الشَّاعِرُ المَغْرُور

- ‌الْفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالرُّوتِينُ في الدُّوَلِ المُتَخَلِّفَة

- ‌الْقِطَطُ السِّمَان

- ‌الْكُلُّ شِعَارُهُ نَفْسِي نَفْسِي

- ‌المَوْهُوبُونَ وَالمَوْهُومُون

- ‌بَعْضَ الَاهْتِمَام؛ يَا هَيْئَةَ النَّقْلِ الْعَامّ

- ‌ثَمَانِ سَنَوَات؛ يَا وَزَارَةَ الاتِّصَالات

- ‌جَمَاعَةُ الإِخْوَانِ المحْظُوظَة

- ‌دُورُ " النَّشْل

- ‌شَبَابُنَا وَالْقُدْوَةُ في عُيُونِهِمْ

- ‌شُعَرَاءُ الْفُكَاهَة؛ بَيْنَ الجِدِّيَّةِ وَالتَّفَاهَة

- ‌صَنَادِيقُ شَفَّافَة، وَنُفُوسٌ غَيرُ شَفَّافَة

- ‌ ضَاعَتِ الأَخْلَاق؛ فَضَاقَتِ الأَرْزَاق

- ‌فَتَيَاتُ المَدَارِس، وَتَحَرُّشُ الأَبَالِس

- ‌قَتَلُواْ بِدَاخِلِنَا فَرْحَةَ الْعِيد

- ‌قَصِيدَةً مِنْ نَار؛ لِمَنْ يَتَّهِمُني بِسَرِقَةِ الأَشْعَار

- ‌قَنَاةٌ فَضَائِيَّةٌ تَلْفِتُ الأَنْظَار؛ بِالطَّعْنِ في نَسَبِ النَّبيِّ المخْتَار

- ‌مَتى سَيُنْصَفُ الضَّعِيف؛ في عَهْدِكَ يَا دُكْتُور نَظِيف

- ‌مُوَسْوِسُونَ لَكِنْ ظُرَفَاء

- ‌يَتْرُكُونَ المُشَرِّفِين؛ وَيُقَدِّمُونَ " المُقْرِفِين

- ‌يحْفَظُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَيَعْمَلُ بَنَّاءً

- ‌أَشْعَار بَدِيعِ الزَّمَانِ الحَمَدَاني:

- ‌فَضْلُ الشِّعْر وَالشُّعَرَاء

- ‌مخْتَارَاتٌ مِنْ دِيوَاني:

- ‌الحَمَاسَةُ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌إِهْدَاءُ الحَمَاسَةِ الحَمَدَانِيَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ الحَمَاسَة:

- ‌بَحْرُ الخَفِيف:

- ‌بَحْرُ الْبَسِيط:

- ‌بَحْرُ الرَّجَز:

- ‌بَحْرُ الرَّمَل:

- ‌بَحْرُ الوَافِر:

- ‌بَحْرُ المُتَدَارَك:

- ‌بَحْرُ المُتَقَارِب:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 2]:

- ‌[بَحْرُ الكَامِلِ وَالطَّوِيل ـ 3]:

- ‌مجْزُوءُ الرَّمَل:

- ‌مجْزُوءُ الرَّجَز:

- ‌مجْزُوءُ الْوَافِر:

- ‌مجْزُوءُ الْكَامِل:

- ‌مُخَلَّعُ الْبَسِيط:

- ‌[مَنهُوكُ الرَّجَز

- ‌كِتَابُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌مُقَدِّمَةُ الرِّضَا بِالقَلِيل

- ‌تَمْهِيدُ الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌الفَقِيرُ الصَّابِر:

- ‌الرِّضَا بِالقَلِيل:

- ‌عَفَافُ النَّفْس:

- ‌كِتَابُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌مُقَدِّمَةُ فَقْدِ الأَحِبَّة:

- ‌كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظَاً:

- ‌أَحْكَامُ الجَنَائِز:

- ‌فَقْدُ الأَحِبَّة:

- ‌وَفَاةُ الحَبِيب:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومِ المُسْلِمِين:

- ‌مُصِيبَةُ المَرَض:

- ‌مُصِيبَةُ السِّجْنِ وَالحَدِيثُ عَنِ المَظْلُومين:

- ‌هُمُومُ المُسْلِمِين:

- ‌كِتَابُ هُمُومِ العُلَمَاء

- ‌مُقَدِّمَةُ هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌هُمُومُ العُلَمَاء:

- ‌[كِتَابُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌[مُقَدِّمَةُ قَصَائِدِ الأَطْفَال]:

- ‌أَرْشِيفُ الحَمَدَاني:

- ‌انحِرَافُ الشَّبَاب:

- ‌البَيْتُ السَّعِيد

- ‌أَدَبُ الحِوَارِ في الإِسْلَام:

- ‌{الأَدَبُ مَعَ اللهِ وَرَسُولِهِ

- ‌ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجْ:

- ‌الدِّينُ الحَقّ:

- ‌الطِّيبَةُ في الإِسْلَام:

- ‌الْعِلْمُ وَالتَّعْلِيم:

- ‌العَمَلُ وَالكَسْب:

- ‌الكِبْرُ وَالغُرُور

- ‌المَمْلَكَةُ العَادِلَة:

- ‌بِرُّ الوَالِدَين:

- ‌نُزْهَةٌ في لِسَانِ الْعَرَب:

- ‌تَرْجَمَةُ الذَّهَبيّ؛ بِأُسْلُوبٍ أَدَبيّ [

- ‌حَالُ المُسْلِمِين:

- ‌رِجَالٌ أَسْلَمُواْ عَلَى يَدِ الرَّسُول:

- ‌فَوَائِدُ الصَّوْم:

- ‌زُهْدِيَّات:

- ‌(طَوَارِئُ خَطَابِيَّة)

- ‌فَضَائِلُ الصَّحَابَة:

- ‌مَدِينَةُ كُوسُوفُو:

- ‌مُعَلَّقَاتُ الأَدَبِ الإِسْلَامِيّ:

- ‌فَهْرَسَةُ سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء

الفصل: ‌مصيبة السجن والحديث عن المظلومين:

‌مُصِيبَةُ السِّجْنِ وَالحَدِيثُ عَنِ المَظْلُومين:

=======================

فَمِنْ سَالِفِ الأَيَّامِ وَالظُّلْمُ في الوَرَى * فَمَا مَاتَ مَظْلُومٌ وَلَا عَاشَ ظَالِمُ

{المُتَنَبيِّ بِتَصَرُّف}

وَكَمَا قَالُواْ في الأَمْثَال: المجْرِمُ وَاحِدٌ، وَالمُتَّهَمُونَ عَشْرَة 00!!

تَأَمَّلتُ في هَذِي الحَيَاةِ فَلَمْ أَجِدْ * سِوَى صَوْتِ مَظْلُومٍ وَطُغْيَانِ ظَالِمِ

وَذِي قُوَّةٍ يَسْطُو بِنَابٍ وَمخْلَبٍ * عَلَى كُلِّ ذِي ضَعْفٍ وَدِيعٍ مُسَالِمِ

حَيَاةٌ مِنَ الْغَابِ اسْتَعَارَتْ شَرِيعَةً * فَلَا يَلْتَقِي فِيهَا الضَّعِيفُ بِرَاحِمِ

وَمَنْ ضَمَّ في جَنْبَيْهِ قَلْبَ نَعَامَةٍ * فَلَا يَنْتَظِرْ إِلَاّ وُثُوبَ الضَّرَاغِمِ

ص: 5130

الخَوْفُ وَالرُّعْبُ الَّذِي رَآهُ الصَّحَابَةُ في مَهْدِ الإِسْلَام، وَالاِضْطِهَادُ الَّذِي تَعَرَّضُواْ لَهُ:

الخَوْفُ مِنَ الظَّالمِينَ لَا شَيْءَ فِيه؛ فَقَدْ خَافَهُمْ أَنْبيَاءُ الله: فَهَذَا مُوسَى عليه السلام قَدْ حَكَى اللهُ عَنهُ قَوْلَهُ: {فَرَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ}

[الشُّعَرَاء: 21]

ص: 5131

وَهَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " لَقَدْ ضَرَبُواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ غُشِيَ عَلَيْهِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَجَعَلَ يُنَادِي وَيَقُول: وَيْلَكُمْ؛ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله؟!

قَالُواْ: مَن هَذَا 00؟

قَالُواْ: هَذَا ابْنُ أَبي قُحَافَةَ المجْنُون " 0

[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4424]

ص: 5132

وَهَؤُلَاءِ هُمْ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:

عَن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اكْتُبُواْ لي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلَامِ مِنَ النَّاس " 00؟

فَكَتَبْنَا لَهُ أَلفَاً وَخَمْسَمِاْئَةِ رَجُل، فَقُلْنَا: نَخَافُ وَنحْنُ أَلفٌ وَخَمْسُمِاْئَة؟!

فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا؛ حَتىِّ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُوَ خَائِف " 0

[رَوَاهُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3060 / فَتْح]

ص: 5133

عَن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه قَال:

" كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:

" أَحْصُواْ لي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلَام " 00؟ فَقُلْنَا:

يَا رَسُولَ الله؛ أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِاْئَةِ إِلى السَّبْعِمِاْئَة 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّكُمْ لَا تَدْرُون، لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا " 0

فَابْتُلِيَنَا؛ حَتىَّ جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَاّ سِرَّاً " 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 149 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5134

عَن خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَال:

" شَكَوْنَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظِلِّ الكَعْبَة، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا 00؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا 00؟

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُل، فَيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالمِنْشَار، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْن، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لحْمِهِ وَعَظْمِه، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِه، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْر؛ حَتىَّ يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلى حَضْرَمَوْت، لَا يَخَافُ إِلَاّ اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِه، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون "0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6943 / فَتْح]

أَيْ لَا يَخَافُ اللُّصُوصَ لِوَفْرَةِ الإِيمَانِ في قُلُوبِ النَّاس 0

ص: 5135

شَكْوَى مَن عَاصَرُواْ الحَجَّاج

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" اصْبِرُواْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَاّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتىَّ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 7068 / فَتْح]

ص: 5136

وَرُوِيَ عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الوَازِعِ أَنَّهُ قَال: حَدَّثَني شَيْخٌ مِنْ بَني مُرَّةَ قَال: قَدِمْتُ الكُوفَةَ، فَأُخْبِرْتُ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ ـ وَكَانَ عَزِيزَاً في قَوْمِهِ فَذَلّ ـ فَقُلْتُ: إِنَّ فِيهِ لَمُعْتَبَرَاً؛ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ محْبُوسٌ في دَارِهِ الَّتي قَدْ كَانَ بَنى، وَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ قَدْ تَغَيَّرَ مِنَ العَذَابِ وَالضَّرْب، وَإِذَا هُوَ في قُشَاشٍ ـ أَيْ في زَبَلٍ ـ فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ يَا بِلَال؛ لَقَدْ رَأَيْتُكَ وَأَنْتَ تَمُرُّ بِنَا؛ تُمْسِكُ بِأَنْفِكَ مِن غَيْرِ غُبَار، وَأَنْتَ في حَالِكَ هَذَا اليَوْم 00!!

ص: 5137

فَقَالَ مِمَّن أَنْت 00؟

فَقُلْتُ: مِنْ بَني مُرَّةَ بْنِ عَبَّاد 00

فَقَال: أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثَاً عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِه 00؟

قُلْتُ هَاتِ، قَال: حَدَّثَني أَبي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: " لَا يُصِيبُ عَبْدَاً نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا؛ إِلَاّ بِذَنْب، وَمَا يَعْفُو اللهُ عَنْهُ أَكْثَر " 00

وَقَرَأَ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} {الشُّورَى/30}

[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: (3252)، وَلَكِن حَسَّنَهُ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 7732]

ص: 5138

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ اللهَ لَيُمْلي لِلظَّالِم، حَتىَّ إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " 00 ثُمَّ قَرَأَ صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد} {هُود/102}

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (4686 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2583 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5139

مَا احْتَمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ظُلْمِ المُشْرِكِين

عَن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَا أُوذِيَ أَحَدٌ مَا أُوذِيتُ في الله " 0 [حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (10505)، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَة]

ص: 5140

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" لَقَدْ أُخِفْتُ في اللهِ وَمَا يخَافُ أَحَد، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَد، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَينِ يَوْمٍ وَلَيْلَة؛ وَمَا لي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِد ـ أَيْ إِنْسَان ـ إِلَاّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَال " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 9256، وَصَحَّحَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 2472، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ]

ص: 5141

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْت، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوس؛ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أَيُّكُمْ يجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَني فُلَان؛ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ محَمَّدٍ إِذَا سَجَد 00؟

ص: 5142

فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِه، فَنَظَرَ حَتىَّ سَجَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَينَ كَتِفَيْه، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْني شَيْئَاً، لَوْ كَانَ لي مَنَعَة ـ أَيْ لَوْ أَنَّ لي قُوَّةً وَعِزَّةً في قَوْمِي لَمَنَعْتُهُمْ ـ فَجَعَلُواْ يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ ـ أَيْ يَمِيلُ ـ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَه، حَتىَّ جَاءتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِه؛ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ ثمَّ قَال: " اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ؛ وَكَانُواْ يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ في ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَة، ثمَّ سَمَّى: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبي جَهْل

ص: 5143

، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَة، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَة، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَة، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَف، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبي مُعَيْط، وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يُحْفَظْ " 00 فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه؛ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى في القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْر " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (240 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1794 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5144

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى: عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَيْضَاً قَال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَة، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ في مجَالِسِهِمْ؛ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلىَ هَذَا المُرَائِي؛ أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلى جَزُورِ آلِ فُلَان، فَيَعْمِدُ إِلى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتىَّ إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَينَ كَتِفَيْه 00؟

ص: 5145

فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَينَ كَتِفَيْه، وَثَبَتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدَاً؛ فَضَحِكُواْ حَتىَّ مَالَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِك؛ فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلى فَاطِمَةَ رضي الله عنها وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ ـ أَيْ بِنْتٌ صَغِيرَة ـ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدَاً حَتىَّ أَلقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَال:

ص: 5146

" اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْش، اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْش، اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْش، ثمَّ سَمَّى: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَام ـ أَيْ أَبي جَهْل ـ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَة، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَة، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَة، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَف، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبي مُعَيْط، وَعُمَارَةَ بْنِ الوَلِيد " 00 فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْر، ثمَّ سُحِبُواْ إِلىَ القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْر " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(520 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1794 / عَبْد البَاقِي]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:

ص: 5147

" إِنَّ المَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُواْ في الحِجْر، فَتَعَاقَدُواْ بِاللَاّتِ وَالعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الأُخْرَى، وَنَائِلَةَ وَإِسَاف: لَوْ قَدْ رَأَيْنَا محَمَّدَاً لَقَدْ قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتىَّ نَقْتُلَه، فَأَقْبَلَتِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَبْكِي حَتىَّ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ المَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَاقَدُواْ عَلَيْك: لَوْ قَدْ رَأَوْكَ لَقَدْ قَامُواْ إِلَيْكَ فَقَتَلُوك، فَلَيْسَ مِنهُمْ رَجُلٌ إِلَاّ قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِك؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا بُنَيَّة؛ أَرِيني وَضُوءَاً " 0

ص: 5148

فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمُ المَسْجِد، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُواْ: هَا هُوَ ذَا، وَخَفَضُواْ أَبْصَارَهُمْ، وَسَقَطَتْ أَذْقَانُهُمْ في صُدُورِهِمْ وَعَقِرُواْ في مجَالِسِهِمْ ـ أَيْ أُسْكِتُواْ وَخَرَسُواْ ـ فَلَمْ يَرْفَعُواْ إِلَيْهِ بَصَرَاً، وَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ مِنهُمْ رَجُل؛ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ قَامَ عَلَى رُءوسِهِمْ، فَأَخَذَ صلى الله عليه وسلم قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَقَال:

" شَاهَتِ الوُجُوه " 00 ثُمَّ حَصَبَهُمْ بِهَا، فَمَا أَصَابَ رَجُلاً مِنهُمْ مِنْ ذَلِكَ الحَصَى حَصَاةٌ إِلَاّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرَاً " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْمَيْ: 2762، 3485، رَوَاهُ الإِمَامَانِ الحَاكِمُ وَأَحْمَد]

ص: 5149

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرَ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا تُوُفيَ أَبُو طَالِب؛ خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلى الطَّائِفِ مَاشِيَاً عَلَى قَدَمَيْه، يَدْعُوهُمْ إِلى الإِسْلَامِ فَلَمْ يجِيبُوه؛ فَانْصَرَفَ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَينِ ثمَّ قَال:" اللهُمَّ إِنيِّ أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتي، وَقِلَّةَ حِيلَتي، وَهَوَاني عَلَى النَّاس، أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين؛ إِلى مَنْ تَكِلُني 00 إِلى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُني 00؟!

أَمْ إِلى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي 00؟!

ص: 5150

إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالي، وَلَكِن عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَات، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنيَا وَالآخِرَة؛ أَنْ يَنزِلَ بيَ غَضَبُك، أَوْ يحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُك، لَكَ العُتْبى حَتىَّ تَرْضَى، وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِك " 0

[قَالَ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع ": فِيهِ مُدَلِّسٌ ثِقَة، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَات 0 ص: (35/ 6)، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ]

وَمَعْنى إِلى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُني: أَيْ إِلى مُسْتَقبَلٍ مُوحِشٍ مُظْلِمٍ يَعْبَسُ في وَجْهِي 0

بَعْضُ الأَهْوَال؛ الَّتي رَآهَا النَّبي دَانيَال

ص: 5151

ذَكَرَ عَلَيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّ بُخْتُنَصَّرَ أُتِيَ بِدَانيَالَ النَّبيِّ عليه السلام؛ فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ في جُبّ، وَأَضْرَى أَسَدَيْنِ ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَه، ثمَّ فَتَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّام فَوَجَدَهُ قَائِمَا يُصَلِّي، وَالأَسَدَانِ في نَاحِيَةِ الجُبِّ لَمْ يَعْرِضَا لَه، فَقَالَ لَهُ: مَا قُلْتَ حِينَ دُفِعَا عِلَيْك 00؟

ص: 5152

قَالَ عليه السلام: قلْتُ الحَمْدُ لله الَّذِي لَا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَه، والحَمْدُ لله الَّذِي لَا يخِيبُ مَنْ رَجَاه، والحَمْدُ لله الَّذي لَا يَكِلُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه إِلى غَيرِه، والحَمْدُ لله الَّذي هُوَ ثِقَتُنَا حينَ تَنْقَطِعُ عَنَّا الحِيَل، والحَمْدُ لله الَّذي هُوَ رَجَاؤُنَا حينَ يَسُوءُ ظَنُّنَا بِأَعْمَالِنَا، والحَمْدُ لله الَّذي يَكْشِفُ عَنَّا ضُرَّنَا بَعْدَ كُرْبَتِنَا، والحَمْدُ للهِ الَّذِي يجْزِي بِالإِحْسَانِ إِحْسَانَا، والحَمْدُ للهِ الَّذِي يجْزِي بِالصَّبرِ نجَاة " 0

[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين " بِالبَابِ العِشْرِين]

حَتىَّ سَيِّدُنَا سَعْدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ عَلَى فُرُوسِيَّتِهِ لَمْ يَنْجُ مِنَ الظَّالمِين

ص: 5153

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَال: شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدَاً إِلى عُمَرَ رضي الله عنه؛ فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارَاً؛ فَشَكَوْا، حَتىَّ ذَكَرُواْ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَال: يَا أَبَا إِسْحَاق؛ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي؛ قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَمَّا أَنَا وَاللهِ؛ فَإِنيِّ كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاةَ العِشَاءِ فَأَرْكُدُ في الأُولَيَين ـ أَيْ أُبْطِئُ ـ وَأُخِفُّ في الأُخْرَيَين؛ قَالَ ـ أَيْ عُمَرُ رضي الله عنه: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاق؛ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أَوْ رِجَالاً إِلى الكُوفَة؛ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَة، وَلَمْ يَدَعْ

ص: 5154

مَسْجِدَاً إِلَاّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفَاً، حَتىَّ دَخَلَ مَسْجِدَاً لِبَني عَبْس؛ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَة، يُكْنى أَبَا سَعْدَةَ قَال: أَمَا إِذْ نَشَدْتَنَا؛ فَإِنَّ سَعْدَاً كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّة ـ أَيْ يَبْعَثُنَا وَيَقْعُدُ هُوَ ـ وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّة، وَلَا يَعْدِلُ في القَضِيَّة؛ قَالَ سَعْد: أَمَا وَاللهِ؛ لأَدْعُوَنَّ بِثَلَاث: اللهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبَاً، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً؛ فَأَطِل عُمْرَه، وَأَطِل فَقْرَه، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَن؛ وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُول: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُون، أَصَابَتْني دَعْوَةُ سَعْد، قَالَ عَبْدُ المَلِك ـ أَحَدُ رُوَاةِ الحَدِيثِ مِن أَهْلِ الْكُوفَة: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى

ص: 5155

عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبر، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي في الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنّ " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(755 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 453 / عَبْد البَاقِي]

التُّهَمُ الَّتي يُمْنى بِهَا الضُّعَفَاء

عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ العَرَب، وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ في المَسْجِد ـ أَيْ خَيْمَةٌ صَغِيرَة ـ فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُ عِنْدَنَا، فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ:

وَيَوْمُ وِشَاحٍ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا * أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجَانِي

ص: 5156

قَالَ عُرْوَةُ رضي الله عنه: فَلَمَّا أَكْثَرَتْ؛ قَالَتْ لهَا عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَمَا يَوْمُ الوِشَاح 00؟

قَالَتْ: خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلي وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِن أَدَم، فَسَقَطَ مِنْهَا، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الحُدَيَّا ـ أَيِ الحِدَأَةُ أَوِ البُومَة ـ وَهِيَ تحْسِبُهُ لحمَاً، فَأَخَذَتْهُ؛ فَاتَّهَمُوني بِهِ؛ فَعَذَّبُوني حَتىَّ بَلَغَ مِن أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُواْ في قُبُلِي، فَبَيْنَا هُمْ حَوْلي، وَأَنَا في كَرْبي؛ إِذْ أَقْبَلَتِ الحُدَيَّا حَتىَّ وَازَتْ بِرُءوسِنَا ثمَّ القَتْهُ، فَأَخَذُوه؛ فَقُلْتُ لهُمْ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُوني بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَة " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3835 / فَتْح]

ص: 5157

التُّهْمَةُ الَّتي مُنِيَتْ بِهَا أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها في عِرْضِهَا

عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْني الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتَ بِه؛ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيَّ خَطِيبَاً؛ فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ بمَا هُوَ أَهْلُهُ ثمَّ قَال:" أَمَّا بَعْد؛ أَشِيرُواْ عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُواْ أَهْلي ـ أَيِ اتَّهَمُوهُمْ في شَرَفِهِمْ وَعِفَّتِهِمْ ـ وَايْمُ الله؛ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوء، وَأَبَنُوهُمْ بمَنْ 00؟!

ص: 5158

وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتي قَطُّ إِلَاّ وَأَنَا حَاضِر، وَلَا غِبْتُ في سَفَرٍ إِلَاّ غَابَ مَعِي " 00 فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَال: ائْذَنْ لي يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَني الخَزْرَج ـ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُل ـ فَقَالَ كَذَبْت؛ أَمَا وَاللهِ أَنْ لَوْ كَانُواْ مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ؛ حَتىَّ كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ شَرٌّ في المَسْجِدِ وَمَا عَلِمْتُ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ اليَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَح، فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَح؛ فَقُلْتُ: أَيْ أُمّ؛ تَسُبِّينَ ابْنَكِ 00؟!

ص: 5159

وَسَكَتَتْ، ثمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعَسَ مِسْطَح؛ فَقُلْتُ لهَا: أَيْ أُمّ؛ أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ 00؟!

فَسَكَتَتْ، ثمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ: تَعَسَ مِسْطَح؛ فَانْتَهَرْتُهَا؛ فَقَالَتْ وَاللهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَا فِيكِ؛ فَقُلْتُ في أَيِّ شَأْني 00؟ فَبَقَرَتْ ليَ الحَدِيث؛ فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا 00؟!

قَالَتْ نَعَمْ وَاللهِ؛ فَرَجَعْتُ إِلى بَيْتي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلاً وَلَا كَثِيرَاً، وَوُعِكْتُ؛ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْسِلْني إِلى بَيْتِ أَبي؛ فَأَرْسَلَ مَعِي الغُلَام؛ فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ ـ أَيْ أُمَّهَا ـ في السُّفْل، وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأ، فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّة 00؟!

ص: 5160

فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لهَا الحَدِيث؛ وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنيِّ؛ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّة؛ خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْن؛ فَإِنَّهُ وَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ إِلَاّ حَسَدْنهَا وَقِيلَ فِيهَا 00 وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنيِّ، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبي 00؟

قَالَتْ نَعَمْ، قُلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟

قَالَتْ نَعَمْ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْت؛ فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتي وَهُوَ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأ؛ فَنَزَلَ فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُهَا 00؟

ص: 5161

قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا؛ فَفَاضَتْ عَيْنَاه؛ قَالَ رضي الله عنه: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّة؛ إِلَاّ رَجَعْتِ إِلىَ بَيْتِكِ؛ فَرَجَعْت، وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتي، فَسَأَلَ عَنيِّ خَادِمَتي فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبَاً، إِلَاّ أَنهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتىَّ تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا، وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اصْدُقِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ حَتىَّ أَسْقَطُواْ لهَا بِهِ ـ أَيْ زَجَرُوهَا ـ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ الله؛ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَاّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ ـ أَيْ مَا عَلِمْتُ عِرْضَهَا إِلَاّ خَالِصَاً نَاصِعَاً ـ وَبَلَغَ الأَمْرُ

ص: 5162

إِلى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ ـ أَيْ نمَى الحَدِيثُ إِلى صَفْوَانَ بْنِ المُعَطَّلِ السُّلَمِيّ ـ فَقَالَ رضي الله عنه: سُبْحَانَ اللهِ؛ وَاللهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ ـ أَيْ سَوْأَةً لأُنْثَى قَطّ ـ فَقُتِلَ شَهِيدَاً في سَبِيلِ الله، وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي،

ص: 5163

فَلَمْ يَزَالَا حَتىَّ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَلَّى العَصْر، ثمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَني أَبَوَا يَ عَنْ يَمِيني وَعَنْ شِمَالي، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَال: أَمَّا بَعْد، يَا عَائِشَة؛ إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءَاً أَوْ ظَلَمْتِ؛ فَتُوبي إِلى الله؛ فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِن عِبَادِه، وَقَدْ جَاءتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَهِيَ جَالِسَةٌ بِالبَاب؛ فَقُلْتُ: أَلَاّ تَسْتَحْيِي مِن هَذِهِ المَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئَاً؛ فَوَعَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ ظَلَّ يُذَكِّرُهَا بِاللهِ وَيَسْتَتِيبُهَا ـ فَالتَفَتُّ إِلى أَبي فَقُلْتُ لَهُ أَجِبْهُ؛ قَالَ فَمَاذَا أَقُول 00؟!

فَالتَفَتُّ إِلى أُمِّي فَقُلْتُ أَجِيبِيه؛ فَقَالَتْ أَقُولُ مَاذَا 00؟!

ص: 5164

فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاه؛ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْت: أَمَّا بَعْد؛ فَوَاللهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنيِّ لَمْ أَفْعَلْ ـ وَاللهُ عز وجل يَشْهَدُ أَنيِّ لَصَادِقَة ـ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ؛ لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَإِنْ قُلْتُ إِنيِّ قَدْ فَعَلْتُ ـ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنيِّ لَمْ أَفْعَلْ ـ لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا 00 وَإِنيِّ وَاللهِ مَا أَجِدُ لي وَلَكُمْ مَثَلاً، وَالتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ إِلَاّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَال: فَصَبْرٌ جمِيل، وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون، وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَاعَتِه؛ فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنيِّ لأَتَبَيَّنُ

ص: 5165

السُّرُورَ في وَجْهِه، وَهُوَ يمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُول: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ؛ فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ ـ وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبَاً ـ فَقَالَ لي أَبَوَاي: قُومِي إِلَيْه؛ فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحمَدُهُ وَلَا أَحمَدُكُمَا، وَلَكِن أَحمَدُ اللهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءتي؛ لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوه، يَقُولُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُول: أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْش؛ فَعَصَمَهَا اللهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلَاّ خَيرَاً، وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَة؛ فَهَلَكَتْ فِيمَن هَلَك، وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيه؛ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِت، وَالمُنَافِقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ

ص: 5166

وَيجْمَعُه ـ أَيْ يُذِيعُهُ وَيُفْشِيهِ وَيَسْتَخْبِرُ عَنهُ لِيُعَرِّفَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ـ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ، هُوَ وَحَمْنَة؛ فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحَاً بِنَافِعَةٍ أَبَدَاً؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَة} 00 يَعْني أَبَا بَكْر 0

{أَنْ يُؤْتُواْ أُولِي القُرْبى وَالمَسَاكِين} 00 يَعْني مِسْطَحَاً 0

إِلى قَوْلِهِ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم} {النُّور/22}

حَتىَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: بَلَى وَاللهِ يَا رَبَّنَا؛ إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بمَا كَانَ يَصْنَع "

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (4757 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2770 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5167

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَآخَرِينَ عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُواْ، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ؛ قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَني طَائِفَةً مِن حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصَاً، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَني عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضَاً: زَعَمُواْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يخْرُجَ سَفَرَاً أَقْرَعَ بَينَ أَزْوَاجِه، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا في غَزَاةٍ

ص: 5168

غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَأَنَا أُحمَلُ في هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيه، فَسِرْنَا حَتىَّ إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِينَة؛ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيل؛ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُواْ بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتىَّ جَاوَزْتُ الجَيْش، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْني أَقْبَلْتُ إِلى الرَّحْل، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَع؛ فَرَجَعْتُ فَالتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَني ابْتِغَاؤُه؛ فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لي فَاحْتَمَلُواْ هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَب، وَهُمْ يحْسِبُونَ أَنيِّ فِيه ـ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافَاً لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ

ص: 5169

اللَّحْم، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَام ـ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الهَوْدَج؛ فَاحْتَمَلُوه، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنّ، فَبَعَثُواْ الجَمَلَ وَسَارُواْ، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَد؛ فَأَمَمْتُ مَنْزِلي الَّذِي كُنْتُ بِهِ ـ أَيْ قَصَدْتُه ـ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَني فَيَرْجِعُونَ إِليّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ: غَلَبَتْني عَيْنَايَ فَنِمْت، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْش، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِم، فَأَتَاني، وَكَانَ يَرَاني قَبْلَ الحِجَاب؛ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَه، فَوَطِئَ يَدَهَا

ص: 5170

فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بيَ الرَّاحِلَة، حَتىَّ أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُواْ مُعَرِّسِينَ في نحْرِ الظَّهِيرَة، فَهَلَكَ مَن هَلَك، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُول؛ فَقَدِمْنَا المَدِينَة؛ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرَاً، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْك، وَيَرِيبُني في وَجَعِي أَنيِّ لَا أَرَى مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَض، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:

" كَيْفَ تِيكُمْ " 00؟

ص: 5171

لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِك، حَتىَّ نَقِهْتُ؛ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ مُتَبَرَّزِنَا، لَا نخْرُجُ إِلَاّ لَيْلاً إِلىَ لَيْل، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبَاً مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ أَوْ في التَّنَزُّه ـ أَيْ في الصَّحْرَاء، أَوْ في الأَمَاكِنِ الْبَعِيدَة ـ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبي رُهْمٍ نمْشِي، فَعَثَرَتْ في مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَح؛ فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ؛ أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرَاً 00؟! فَقَالَتْ: يَا هَنَتَاه ـ أَيْ يَا هَذِهِ ـ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُواْ 00؟

ص: 5172

فَأَخْبَرَتْني بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْك؛ فَازْدَدْتُ مَرَضَاً عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلى بَيْتي؛ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ فَقَال:" كَيْفَ تِيكُمْ " 00؟

فَقُلْتُ: ائْذَنْ لي إِلى أَبَوَيّ ـ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَن أَسْتَيْقِنَ الخَبرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ـ فَأَذِنَ لي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاس 00؟

فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّة؛ هَوِّني عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْن؛ فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِر؛ إِلَاّ أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله، وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا 00!!

ص: 5173

فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتىَّ أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لي دَمْع، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْم، ثمَّ أَصْبَحْت، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْي؛ يَسْتَشِيرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِه؛ فَأَمَّا أُسَامَة: فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ لهُمْ؛ فَقَالَ أُسَامَة: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَا نَعْلَمُ وَاللهِ إِلَاّ خَيْرَاً، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْك، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِير، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْك؛ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فَقَال:

" يَا بَرِيرَة؛ هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئَاً يَرِيبُك " 00؟

ص: 5174

فَقَالَتْ بَرِيرَة: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ؛ إِنْ رَأَيْتُ مِنهَا أَمْرَاً أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا قَطّ ـ أَيْ مَا رَأَيْتُ مِنهَا أَمْرَاً أُنْكِرُهُ عَلَيْهَا قَطّ ـ أَكْثَرَ مِن أَنهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنّ؛ تَنَامُ عَنِ العَجِينِ فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُه، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُول؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ يَعْذُرُني مِنْ رَجُلٍ بَلَغَني أَذَاهُ في أَهْلي ـ أَيْ مَنْ يَرْفَعُ عَنيِّ الحَرَجَ بِشَأْنِه ـ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلي إِلَاّ خَيْرَاً، وَقَدْ ذَكَرُواْ رَجُلاً؛ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَاّ خَيْرَاً، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلي إِلَاّ مَعِي " 00

ص: 5175

فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ أَنَا وَاللهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَه، وَإِنْ كَانَ مِن إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَك؛ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ـ وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَج، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحَاً، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّة ـ فَقَالَ رضي الله عنه وَغَفَرَ لَهُ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِك؛ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَال: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِين؛ فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتىَّ هَمُّواْ ـ أَيْ كَادُواْ أَنْ يَشْتَبِكُواْ بِالأَيْدِي ـ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى

ص: 5176

المِنْبَر؛ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتىَّ سَكَتُواْ، وَسَكَتَ صلى الله عليه وسلم، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْم؛ فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمَاً؛ حَتىَّ أَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي 00

فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي؛ إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَس، وَلَمْ يجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا ـ وَقَدْ مَكَثَ شَهْرَاً لَا يُوحَى إِلَيْهِ في شَأْني شَيْء ـ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَال:

ص: 5177

" يَا عَائِشَة؛ فَإِنَّهُ بَلَغَني عَنْكِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبي إِلَيْه؛ فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْه " 0

ص: 5178

فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ؛ قَلَصَ دَمْعِي حَتىَّ مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَة، وَقُلْتُ لأَبي: أَجِبْ عَنيِّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ رضي الله عنه: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبي عَنيِّ رَسُولَ اللهِ فِيمَا قَال؛ قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرَاً مِنَ القُرْآن؛ فَقُلْتُ: إِنيِّ وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاس، وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِه، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنيِّ بَرِيئَةٌ ـ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنيِّ لَبَرِيئَةٌ ـ لَا

ص: 5179

تُصَدِّقُونَني بِذَلِك، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ ـ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنيِّ بَرِيئَةٌ ـ لَتُصَدِّقُنَّني؛ وَاللهِ مَا أَجِدُ لي وَلَكُمْ مَثَلاً؛ إِلَاّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَال: فَصَبْرٌ جمِيل، وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَني الله، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزَّلَ في شَأْني وَحْيٌ، وَلأَنَا أَحْقَرُ في نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ في أَمْرِي، وَلَكِنيِّ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُني الله، فَوَاللهِ مَا رَامَ مجْلِسَهُ

ص: 5180

وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِن أَهْلِ البَيْتِ حَتىَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْي؛ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاء ـ أَيِ الشِّدَّة ـ حَتىَّ إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ في يَوْمٍ شَاتٍ؛ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْحَك، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لي:

" يَا عَائِشَة؛ احْمَدِي اللهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ الله " 0 فَقَالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَا وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحمَدُ إِلَاّ الله؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى:

ص: 5181

{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُ واْ بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرَّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم {11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيرَاً وَقَالُواْ هَذَا إِفْكٌ مُبِين {12} لَوْلَا جَاءُ واْ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُون {13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ في الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ في مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيم {14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيم {15} وَلَوْلَا

ص: 5182

إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم {16} يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَدَاً إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِين {17} وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم {18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون {19} وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَّحِيم {20} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِن أَحَدٍ أَبَدَاً وَلَكِنَّ اللهَ

ص: 5183

يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم} {النُّور}

ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا:

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المحْصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُواْ في الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم {23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون {24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِين {25} الخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم}

ص: 5184

فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا في بَرَاءَ تي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق ـ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ ـ وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئَاً أَبَدَاً بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَة؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى:

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُواْ أُولِي القُرْبى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم} {النُّور/22}

ص: 5185

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللهِ إِنيِّ لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي؛ فَرَجَعَ إِلى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْه، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَن أَمْرِي فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" يَا زَيْنَب؛ مَا عَلِمْتِ 00؟ مَا رَأَيْتِ " 00؟

فَقَالَتْ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ الله؛ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي؛ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَاّ خَيْرَاً؛ وَهِيَ الَّتي كَانَتْ تُسَامِيني فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَع " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2661 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2770 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5186

عَن أُمِّ رُومَانَ أُمِّ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَان؛ إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهِيَ تَقُول: فَعَلَ اللهُ بِفُلَانٍ وَفَعَل؛ فَقُلْتُ لِمَ 00؟!

قَالَتْ: إِنَّهُ نَمَى ذِكْرَ الحَدِيثِ ـ أَيْ أَذَاعَهُ ـ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَيُّ حَدِيث 00؟

فَأَخْبَرَتْهَا؛ قَالَتْ ـ أَيْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم 00؟

قَالَتْ نَعَمْ؛ فَخَرَّتْ ـ أَيْ عَائِشَةُ رضي الله عنها مَغْشِيَّاً عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلَاّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِض ـ أَيْ حُمَّى شَدِيدَةٍ يُصَاحِبُهَا رِعْدَة ـ فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لِهَذِهِ 00؟

ص: 5187

قُلْتُ: حُمَّى أَخَذَتْهَا مِن أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِه؛ فَقَعَدَتْ ـ أَيْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِن حَلَفْتُ لَا تُصَدِّقُونَني، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ لَا تَعْذِرُونَني؛ فَمَثَلي وَمَثَلُكُمْ: كَمَثَلِ يَعْقُوبَ عليه السلام وَبَنِيه؛ فَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون؛ فَانْصَرَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَنْزَلَ اللهُ مَا أَنْزَلَ فَأَخْبَرَهَا " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3388 / فَتْح]

ص: 5188

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتىَّ إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْش؛ انْقَطَعَ عِقْدٌ لي؛ فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَه، وَلَيْسُواْ عَلَى مَاء وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء ـ أَيْ لَمْ يَنْزِلُواْ عَلَى عَينِ مَاءٍ وَلَا مَعَهُمْ مَاء ـ فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالُواْ: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَة 00

ص: 5189

أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ مَعَه، وَلَيْسُواْ عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء؛ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَام، فَقَالَ رضي الله عنه: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ وَلَيْسُواْ عَلَى مَاء، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء؛ فَعَاتَبَني وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُول، وَجَعَلَ يَطْعَنُني بِيَدِهِ في خَاصِرَتي؛ فَلَا يمْنَعُني مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَاّ مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ أَصْبَحَ عَلَى غَيرِ مَاء؛ فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّم؛ فَتَيَمَّمُواْ؛ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْر رَضِيَ

ص: 5190

اللهُ عَنهُ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبي بَكْر، فَقَالَتْ عَائِشَة: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْه؛ فَوَجَدْنَا العِقْدَ تحْتَه " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (3672 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 367 / عَبْد البَاقِي]

يَقُولُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ رضي الله عنه:

" كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُول: إِنَّهُ الَّذِي قَال:

فَإِنَّ أَبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي * لِعِرْضِ محَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (4141 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2770 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5191

الظُّلْمُ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَهُ الْكُتَّابُ وَالأُدَبَاءُ وَالدُّعَاةُ في الدُّوَلِ النَّامِيَة

عَن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلَاّ شِدَّةً " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8359]

لَقَدْ عَرَفْتُمُوني كَاتِبَاً، لَمْ أَكُ يَوْمَاً مُشَاغِبَاً، إِلى أَن حَدَثَ عَلَى غَيرِ الْعَادَة؛ وَجَرَتْ بَينَ وَالِدِي وَبَينَ أَحَدِ المجْرِمِينَ مُشَادَّةٌ حَادَّة؛ وَلأَنَّ هَذَا المجْرِمَ تَرْبِطُهُ عَلَاقَةٌ بِأَحَدِ وُلَاةِ الأَمْر، كَانَ مِنَ السَّهْلِ أَنْ يَزُورَني زُوَّارُ الْفَجْر؛ فَأُخِذْتُ مِنْ بَيْتي أَنَا وَأَخِي الثَّانِيَةَ صَبَاحَاً في جُنحِ الظَّلَام، وَكَأَنَّنَا الجَنَاحُ الأَيمَنُ لأَيمَنَ الظَّوَاهْرِي أَوْ لِعَبْد الله عَزَّام، أَوْ مِنْ مُتَأَصِّلِي الإِجْرَام، كَمَا تَفْعَلُ تَمَامَاً إِسْرَائِيلُ مَعَ المَطْلُوبِين، وَجَمَعُواْ كُلَّ مَا طَالَتْهُ أَيْدِيهِمْ مِنْ دَفَاتِرَ وَدَوَاوِين، وَكُتُبٍ في الأَدَبِ وَالنَّحْوِ وَالدِّين، وَكَأَنَّ سَيبَوَيْهِ وَابْنَ زَيْدُون؛ مِنَ الخَارِجِينَ عِنْدَهُمْ عَلَى القَانُون؛ وَلَمْ

ص: 5192

فَقُلْتُ في نَفْسِي: إِنَّ لِهَذَا الغُرَابِ لَشَأْناً؛ فَقَعَدْتُ مِنهُ غيرَ بَعِيدٍ، وَقُلْتُ أَنْظُرُ حَالَهُ العَجِيب، فَبَيْنَمَا شَمْسُ الأَصِيلِ قَدْ آذَنَتْ بِالمَغِيبِ؛ إِذْ بَعَثَ اللهُ غُرَابَاً يَبْحَثُ في الأَرْض، فَأَعْطَى ذَلِكَ الغُرَابَ العَاجِزَ كِسْرَةً مِنَ الخُبْز، كَانَ يَقْضِمُ عَلَيْهَا بِفَمِه؛ فَقُلْتُ في نَفْسِي: وَاللهِ إِنَّ الَّذِي رَزَقَ هَذَا الغُرَابَ العَاجِز؛ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَني، فَرَجَعْتُ إِلى بَيْتي وَقَعَدْتُ فِيهِ كَمَا تَرَى 00!!!

هُنَا قَالَ لَه الحَكِيم، وَقَدِ اسْتَوْعَبَ تمَامَاً مَا سَمِعَ: وَلِمَ اخْتَرْتَ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ الغُرَابَ العَاجِز؟! وَلِمَ تخْتَرْ أَنْ تَكُونَ الغُرَابَ القَوِيّ 00؟!!

ص: 5193

" وَمَاذَا يُضِيرُكُمْ مَا دُمْتُ لَا أَكْتُبُ في السِّيَاسَة " 00؟!

فَكَانُواْ كُلَّمَا قُلْتُ لهُمْ ذَلِك؛ يَشْتَدُّونَ في ضَرْبي وَيَقُولُونَ لي: أَتُرِيدُ أَنْ تُصْبِحَ أَنِيس مَنْصُور، أَمْ يُوسُف إِدْرِيس؟ يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا 00؟!

وَمِمَّا شَفَّني وَجْدَاً كَرِيمٌ * يُحَاوِلُ قَهْرَهُ قِرْدٌ زَنِيمُ

{ابْنُ حَيُّوس بِتَصَرُّف}

وَتَرَكُوني في الحَجْزِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ عَلَى البَلَاطِ في شَهْرِ طُوبَة؛ حَتىَّ أُصِبْتُ في أَضْلُعِي بِالرُّطُوبَة، ثُمَّ أَخْرَجُوني بَعْدَ حَجْزٍ طَوِيل؛ حَتىَّ يَتَأَكَّدُواْ مِنْ زَوَالِ لَوْنِ الكَدَمَاتِ مِنْ جَسَدِيَ النَّحِيل، إِلَاّ أَنَّ أُصْبُعِي كَانَتْ قَدْ كُسِرَتْ وَأُصِيبَتْ بِعَاهَةٍ مُسْتَدِيمَة؛ تَشْهَدُ عَلَى هَذِهِ الجَرِيمَة 00!!

ص: 5194

{وَلَا تحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون} {إِبْرَاهِيم: 42}

مَاذَا جَنَيْتَ عَلَيْهِمْ أَيُّهَا القَلَمُ * وَاللهِ مَا فِيكَ إِلَاّ النُّصْحُ وَالحِكَمُ

إِنيِّ لَيَحْزُنُني أَنْ يَسْجُنُوكَ وَهُمْ * لَوْلَاكَ في الأَرْضِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ قَدَمُ

قَالُواْ لَقَدْ ظَلَمُواْ بِالدِّينِ أَنْفُسَهُمْ * وَاللهُ يَشْهَدُ أَنَّ الظَّالِمِينَ هُمُ

فَإِنْ سَكَتْنَا يَظُنُّونَا نَكِيدُ لَهُمْ * وَإِنْ نَطَقْنَا يَقُولُواْ فِتْنَةٌ عَمَمُ

{البَيْتَانِ الأَوَّلَانِ لِشَاعِرٍ لَا أَعْرِفُه، أَمَّا الآخَرَانِ فَلِحَافِظ إِبْرَاهِيم}

أَفَكُلَّمَا بَاحَ الضَّعِيفُ بِأَنَّةٍ أَمْسَى إِلى مَعْنى التَّعَصُّبِ يُنْسَبُ

فَاجْعَلْ شِعَارَكَ رَحْمَةً وَمَوَدَّةً إِنَّ القُلُوبَ بمِثْلِ هَذَا تُكْسَبُ

{حَافِظ إِبْرَاهِيم}

ص: 5195

وَأَثْنَاءَ تِلْكَ المحْنَةِ الشَّدِيدَة: قُمْتُ بِكِتَابَةِ هَذِهِ الْقَصِيدَة، وَكَمَا قَدْ قَالُواْ في الأَمْثَالِ السَّائِرَة: النَّائِحَةُ الثَّكْلَى لَيْسَتْ كَالمُسْتَأْجَرَة:

إِلىَ كَمْ بِمِصْرَ أَنَا أُظْلَمُ * إِلىَ كَمْ حُقُوقِي بِهَا تُهْضَمُ

إِلىَ كَمْ أُهَانُ وَأَكْظِمُ غَيْظِي * كَأَنيَ أَخْرَسُ أَوْ أَبْكَمُ

تَزِيدُ هُمُومِي وَلَا تَنْقُصُ * وَيَقْسُو زَمَاني وَلَا يَرْحَمُ

إِلى كَمْ يُعَذَّبُ في مِصْرَ مِثْلِي * وَيَطْغَى اللَّئِيمُ وَيَسْتَحْكِمُ

فَحَقُّ المُوَاطِنِ أَمْسَى مُبَاحَاً * لِمَنْ لَا يَفِيقُ وَلا يَنْدَمُ

وَقَوْلُ الحَقِيقَةِ أَصْبَحَ مُرَّاً * وَمَنْ قَالهَا رُبَّمَا يُعْدَمُ

أَمِثْلِيَ إِصْبَعُهُ يُكْسَرُ * وَمِثْلِي عَلَى وَجْهِهِ يُلْطَمُ

وَمَاذَا جَنَيْنَا لِيُجْنى عَلَيْنَا * وَنُضْرَبَ حَتىَّ يَسِيلَ الدَّمُ

ص: 5196

وَفي أَيْنَ في بَلَدٍ مُسْلِمٍ * وَشَعْبٍ يَقُولُ أَنَا مُسْلِمُ

فَخُضْنَا السِّيَاسَةَ نُؤْذَى وَإِنْ * تَرَكْنَا السِّيَاسَةَ لَا نَسْلَمُ

فَيَا رَبِّ رُحْمَاكَ إِنَّا ضِعَافٌ * وَأَنْتَ بِأَحْوَالِنَا أَعْلَمُ

وَخَلِّصْ عِبَادَكَ مِنْ ظُلْمِ بَعْضٍ * فَبَعْضُ عِبَادِكَ لَا يَرْحَمُ

كَمِثْلِ الثَّعَابِينِ في عَضِّهَا * وَمِثْلِ التَّمَاسِيحِ إِذْ تَلْقَمُ

إِلىَ مَنْ سَنَلْجَأُ يَا رَبِّ إِلَاّ * إِلَيْكَ فَخُذْ حَقَّنَا مِنهُمُ

إِلى مَتى هَذَا الإِرْهَابُ وَالتَّخْوِيف، وَمَتى يُنْصَفُ الضَّعِيف؛ في عَهْدِكَ يَا دُكْتُور نَظِيف 00؟

ص: 5197

مَاذَا يَفْعَلُ المُوَاطِنُ وَهُوَ المحْدُودُ الدَّخْل؛ إِنْ كَانَتْ أَقْسَامُ الشُّرْطَةِ لَا تَقُومُ بِالْفَصْل؛ إِلَاّ لِصَالِحِ مَنْ يَمُدُّ لَهُمْ حِبَالَ الْوَصْل، هَلْ يَتَحَمَّلُ المُوَاطِنُ إِيذَاءهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْل؛ الَّذِي يُطَيِّرُ الْعَقْل، أَمْ يَلْجَأُ لِلْقَتْل، مَاذَا تُرِيدُونَ مِنَ المَظْلُومِ الَّذِي تَحَمَّلَ كُلَّ هَذَا الحِمْل 00؟!

لَنْ يُصَدِّقَ الشَّعْبُ أَنَّ الإِصْلَاحَ في الخُطَّة؛ إِنْ لَمْ يَبْدَأْ مِن أَقْسَامِ الشُّرْطَة 0

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَدَّعِي أَنَّا في أَحْسَنِ حَال، وَأَنَّ الْوَضْعَ عَالُ الْعَال 00

مِثْلُ الَّتي ذَهَبَتْ تُكَاتِمُ حَمْلَهَا وَالضَّرْعُ حَافِلْ

{ابْنُ الرُّومِيِّ بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

ص: 5198

أَوْ كَالسُّلَحْفَاةِ الَّتي تَكْتَفِي بِإِدْخَالِ رَأَسِهَا في جِسْمِهِمَا إِذَا مَا أَحَسَّتْ بِالخَطَر، لَقَدْ سَأَلْتُهُ يَوْمَاً:

أَلَا يُرْضِيكَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْكُمْ هَذَا الحَقُّ المَسْلُوب؛ الَّذِي حَدَثَ بِسَبَبِهِ كُلُّ هَذَا النِّزَاعِ الطَّوِيل 00؟!

فَقَال: هَبْ أَنَّهُ كَانَ يُرْضِينَا: كَيْفَ نَنْسَى أَنَا وَأَبي وَأَخِي مَا فُعِلَ فِينَا؟

ص: 5199

وَهَبْ أَنَّهُ عَادَ إِلَيْنَا؛ فَمَنْ يُعِيدُ كَرَامَتَنَا إِلَيْنَا، وَيَرُدُّ حُقُوقَنَا وَهَيْبَتَنَا عَلَيْنَا، هَيْبَتَنَا الَّتي ضَاعَتْ بَينَ النَّاس، وَمِن أَيْنَ لَنَا تحْقِيقُ الأَمْنِ وَالأَمَان، بَعِيدَاً عَن هَذَا المَكَان 00!!

أَصْبَحْتُ مِثْلَ الشُّعْلَةِ * وَتَرَكْتُ حُبَّ الْعُزْلَةِ

لَمْ أَنْجُ رَغْمَ تَسَاهُلِي * مِنْ شَرِّ أَمْنِ الدَّوْلَةِ

إِيذَاؤُهُمْ لِلْخَلْقِ لَا * يَحْتَاجُ أَيَّ أَدِلَّةِ

{يَاسِر الحَمَدَاني}

ص: 5200

{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُون} {المُطَفِّفِين/4}

فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار 00 وَلَا تَفُوتُني طَبْعَاً أَشْهَرُ قَصِيدَةٍ كُتِبَتْ مِنْ وَرَاءِ الْقُضْبَان: قَالَهَا الشَّاعِرُ هَاشِم الرِّفَاعِي؛ رَدَّاً رِسَالَةٍ تَلَقَّاهَا مِنْ مُعْتَقَلٍ سِيَاسِيٍّ حَكَمَ الطُّغَاةُ عَلَيْهِ بِالإِعْدَام؛ طَلَبَ مِنَ الشَّاعِرِ فيهَا أَنْ يُوَاسِيَ أَبَاه؛ فَكَتَبَ هَذِهِ القَصِيدَةَ عَلَى لِسَانِ ابْنِهِ قَائِلاً:

ص: 5201

أَبَتَاهُ مَاذَا قَدْ يخُطُّ بَنَاني وَالسَّوْطُ وَالجَلَاّدُ مُنْتَظِرَانِ

هَذَا الكِتَابُ إِلَيْكَ مِنْ زِنْزَانَةٍ * مَوْبُوءةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرَانِ

لَمْ تَبْقَ إِلَاّ لَيْلَةٌ أَحْيى بِهَا * وَأُحِسُّ أَنَّ ظَلَامَهَا أَكْفَاني

سَتَمُرُّ يَا أَبَتَاهُ لَسْتُ أَشُكُّ في * هَذَا وَتحْمِلُ بَعْدَهَا جُثْمَاني

اللَّيْلُ مِن حَوْلي هُدُوءٌ قَاتِلٌ * وَالذِّكْرَيَاتُ تَمُرُّ في وِجْدَاني

ص: 5202

وَيهُدُّني فَزَعِي فَأَنْشُدُ هَدْأَتي * في بِضْعِ آيَاتٍ مِنَ القُرْآنِ

وَالنَّفسُ بَينَ جَوَانِحِي خَفَّاقَةٌ * الخَوْفُ دَبَّ بِهَا فَهَزَّ كِيَاني

قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بِالإِلَهِ وَلَمْ أَذُقْ * إِلَاّ أَخِيرَاً لَذَّةَ الإِيمَانِ

وَمُعَذَّبٍ سَمِعَ الدُّجَى أَنَّاتِهِ * مُتَعَلِّلاً بِالصَّبرِ وَالسُّلْوَانِ

يَسْتَعْمِلُ الأَشْرَارُ في تَعْذِيبِهِ * مَا فَاقَ كُلَّ وَسَائِلِ الشَّيْطَانِ

شُكْرَاً لهُمْ أَنَاْ لَا أُرِيدُ طَعَامَهُمْ * فَليَرْفَعُوهُ فَلَسْتُ بِالجَوْعَانِ

هَذَا الطَّعَامُ المُرُّ مَا صَنَعَتهُ لي * أُمِّي وَلَا وَضَعُوهُ فَوْقَ خِوَانِ

مَدُّواْ إِليَّ بِهِ يَدَاً مَصْبُوغَةً * بِدَمِي وَهَذَا غَايَةُ الإِحْسَانِ

إِنَّ السُّجُونَ وَلَوْ طَلَوْ جُدْرَانَهَا * بِالمِسْكِ فَهْيَ كَرِيهَةُ الْبُنيَانِ

ص: 5203

وَالصَّمْتُ يَقْطَعُهُ رَنِينُ سَلَاسِلٍ * عَبِثَتْ بِهِنَّ أَصَابِعُ السَّجَّانِ

مِنْ كُوَّةٍ بِالبَابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ * وَيَعُودُ في أَمْنٍ إِلى الدَّوَرَانِ

أَنَاْ لَا أُحِسُّ بِأَيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ * مَاذَا جَنى فَتَمَسَّهُ أَضْغَاني

هُوَ طَيِّبُ الأَخْلَاقِ مِثْلُكَ يَا أَبي * لَمْ يَبْدُ في ظَمَأٍ إِلى العُدْوَانِ

فَلَرُبَّمَا وَهُوَ المُرَوِّعُ سِحْنَةً * لَوْ كَانَ مِثْلِي شَاعِرَاً لَرَثَاني

إِنَّ السَّجِينَ قُيُودُهُ لَوْ أَنَّهَا * ذَهَبٌ فَلَا يَرْتَاحُ لِلسَّجَّانِ

وَعَلَى الجِدَارِ تُطِلُّ نَافِذَةٌ بِهَا * مَعْنى الحَيَاةِ غَلِيظَةُ القُضْبَانِ

فَلَطَالَمَا شَارَفتُهَا مُتَأَمِّلاً * في الثَّائِرِينَ عَلَى الأَسَى اليَقْظَانِ

فَأَرَى وُجُومَاً في الوُجُوهِ مُصَوِّرَاً * مَا في قُلُوبِ النَّاسِ مِن غَلَيَانِ

ص: 5204

نَفْسُ الشُّعُورِ لَدَى الجَمِيعِ وَإِن هُمُ * كَتَمُواْ لأَنَّ المَوْتَ في الإِعْلَانِ

أَوَكُلُّ حُرٍّ يَرْفُضُ اسْتِعْبَادَهُمْ * يُمْسِي لَدَيْهِمْ خَائِنَ الأَوْطَانِ

خَدَعُواْ المُوَاطِنَ بِالتَّوَدُّدِ عِنْدَمَا * لَبِسُواْ مُسُوحَ الزُّهْدِ وَالرُّهْبَانِ

المَالُ أَفْنَوْهُ فَإِنْ سُئِلُواْ ادَّعَواْ * إِنْفَاقَهُ في الدَّعْمِ وَالعُمْرَانِ

وَيَدُورُ هَمْسٌ في الجَوَانحِ مَا الَّذِي * بِالثَّوْرَةِ الحَمْقَاءِ قَدْ أَغْرَاني

أَوَلَمْ يَكُن خَيرَاً لِنَفْسِيَ أَن أُرَى * بَينَ الْقَطِيعِ أَسِيرُ في إِذْعَانِ

مَا ضَرَّني لَوْ أَنْ سَكَتُّ وَكُلَّمَا * غَلَبَ الأَسَى بَالَغْتُ في الكِتْمَانِ

هَذَا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئَاً * مَا ثَارَ في جَنْبيَّ مِنْ نِيرَانِ

وَالظُّلْمُ بَاقٍ لَنْ يَرِقَّ إِليَّ لَوْ * في يَوْمِ شَنْقِي مَرَّ بي وَرَآني

ص: 5205

هَذَا حَدِيثُ النَّفْسِ في أَعْمَاقِهَا * يُنْبِيكَ عَنْ وَحْشِيَّةِ الإِنْسَانِ

وَيَرُدُّ قَلْبي بَلْ تَمُوتُ لِغَايَةٍ * أَسْمَى مِنَ التَّصْفِيقِ لِلطُّغْيَانِ

دَمْعُ السَّجِينِ بمِصْرَ في أَغْلَالِهِ * وَدَمُ الشَّهِيدِ هُنَاكَ يَلْتَقِيَانِ

إِنَّ احْتِدَامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى * أُولى الخُطَى لإِثَارَةِ البرْكَانِ

فَيَمُوجُ يَقْتَلِعُ الطُّغَاةَ مُزَمْجِرَاً * أَقْوَى مِنَ الجَبرُوتِ وَالسُّلطَانِ

وَتَتَابُعُ القَطَرَاتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ * سَيْلٌ مِنَ الأَمْطَارِ كَالفَيَضَانِ

كَمْ مِنْ ظَلُومٍ غَاشِمٍ قَدْ نَالَهُ * مِنْ شَعْبِهِ مَا لَيْسَ في الحُسْبَانِ

فَارُوقُ مَنْ مِنَّا تخَيَّلَ أَنَّهُ * مُتَنَازِلٌ يَوْمَاً عَنِ السُّلطَانِ

أَنَاْ لَسْتُ أَدْرِي هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي * أَمْ سَوْفَ يَطْوِيهَا دُجَى النِّسْيَانِ

ص: 5206

أَوْ أَنَّهُ سَيُقَالُ عَنيِّ خَائِنٌ * بَاعَ البِلَادَ لأَجْلِ مَالٍ فَانِ

كُلُّ الَّذِي أَدْرِيهِ أَنَّ تجَرُّعِي * كَأْسَ المَظَالِمِ لَيْسَ في إِمْكَاني

أَهْوَى الحَيَاةَ كَرِيمَةً لَا قَيْدَ لَا * إِرْهَابَ لَا اسْتِخْفَافَ بِالإِنْسَانِ

فَإِذَا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي * يَغْلِي دَمُ الأَحْرَارِ في وِجْدَاني

أَبَتَاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّبَاحُ عَلَى الوَرَى * وَأَضَاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكَانِ

وَاسْتَقبَلَ العُصْفُورُ بَينَ غُصُونِهِ * يَوْمَاً جَدِيدَاً مُشْرِقَ الأَلوَانِ

سَأَكُونُ وَقْتَئِذٍ هُنَا مُتَعَلِّقَاً * في الحَبْلِ مَشْدُودَاً عَلَى العِيدَانِ

أَنَاْ لَا أُرِيدُكَ أَنْ تَعِيشَ محَطَّمَاً * أَوْ عُرْضَةَ الآلَامِ وَالأَشْجَانِ

إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلَالِهِ * قَدْ سِيقَ نحْوَ المَوْتِ غَيرَ مُدَانِ

ص: 5207

وَاذْكُرْ كَلَامَكَ لي وَمَا عَلَّمْتَني * وَأَنَا صَغِيرٌ عَن هَوَى الأَوْطَانِ

وَإِذَا سمِعْتَ نَشِيجَ أُمِّيَ في الدُّجَى * تَبْكِي شَبَابَاً ضَاعَ في الرَّيْعَانِ

وَتُكَاتِمُ الأَحْزَانَ في أَعْمَاقِهَا * وَعُيُونُهَا عَجَزَتْ عَنِ الْكِتْمَانِ

اطْلُبْ لَدَيْهَا الصَّفْحَ عَنيَ إِنَّني * لَا أَبْتَغِي مِنهَا سِوَى الرُّضْوَانِ

لَا زَالَ في سَمْعِي تَرِنُّ وَصِيَّةٌ * كَانَتْ تُرَدِّدُهَا عَلَى آذَاني

أَبُنيَّ أَيَّامِي غَدَتْ مَعْدُودَةً * لَمْ يَبْقَ لي جَلَدٌ عَلَى الأَحْزَانِ

فَأَذِقْ فُؤَادِي فَرْحَةً بِالبَحْثِ عَن * بِنْتِ الحَلَالِ وَدَعْكَ مِن عِصْيَاني

هَذَا هُوَ الحُلْمُ الَّذِي عَاشَتْ لَهُ * يَا حُسْنَ أَحْلَامٍ لهَا وَأَمَاني

غَزَلَتْ خُيُوطَ السَّعْدِ نَاعِمَةً وَلَمْ * يَكُنِ انْتِقَاضُ الغَزْلِ في الحُسْبَانِ

ص: 5208

هَذَا الَّذِي سَطَّرْتُهُ لَكَ يَا أَبي * بَعْضُ الَّذِي يَجْرِي بِفِكْرِي الْعَاني

لَكِن إِذَا انْتَصَرَ الضِّيَاءوَمُزِّقَتْ * بِيَدِ الإِلَهِ شَرِيعَةُ القُرْصَانِ

فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبرُ هِمَّتي * مَنْ كَانَ في الدُّنيَا حَلِيفَ هَوَانِ

وَإِلى لِقَاءٍ تحْتَ ظِلٍّ عَدَالَةٍ * قُدْسِيَّةِ الأَحْكَامِ وَالمِيزَانِ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

لَقَدْ كَثُرَتِ السُّجُونُ وَالمُعْتَقَلاتُ في هَذَا الزَّمَان، الَّذِي عَمَّ فِيهِ الظُّلْمُ وَالطُّغْيَان، وَكَأَنَّهُمْ يَسْتَكْثِرُونَ عَلَى النَّاسِ نِعْمَةَ الحُرِّيَّة؛ حَتىَّ كَادُواْ يَكْتُبُونَ عَلَى أَبْوَابِ السُّجُون: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنهَا تُخْرَجُون 00 وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون 00!!

ص: 5209

وَمَا تحْلُو السُّجُونُ لِسَاكِنِيهَا * وَلَو فُرِشَتْ بِأَنوَاعِ الدِّمَقْسِ

{الدِّمَقْسُ هُوَ الحَرِير 0 وَالْبَيْتُ لِلشَّاعِر الْعَبْقَرِيّ / نَبِيه سَلامَة}

لَيْتَهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الحِفَاظَ عَلَى أَمْنِ الْبِلَاد؛ لَيْسَ بِإِيذَاءِ الْعِبَاد 00

لَيْتَ شِعْرِي: هَلْ يَتَقَرَّبُونَ إِلى اللهِ بِإِيذَاءِ النَّاس 0

يَتَّهِمُونَ الشَّبَابَ بِقِلَّةِ الاِنْتِمَاء؛ وَأَفْعَالهُمْ تَقْتُلُ كُلَّ انْتِمَاء؛ أَيْنَ العَدَالَةُ الَّتي تُعِيدُ حَقَّ هَؤُلَاء، إِنَّ القَضِيَّةَ تُنْظَرُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ أَمَامَ القَضَاء، وَيَبْدُو أَنَّ صُدُورَ الحُكْمِ لَنْ يَكُونَ وَهُمْ أَحْيَاء 00!!

صَدَقَ أَحَدُ الكُتَّابِ عِنْدَمَا قَال:

" الَّذِي نَفْعَلُهُ في أَنْفُسِنَا؛ أَشَدُّ مِمَّا يَفْعَلُهُ فِينَا أَعْدَاؤُنَا " 0

ص: 5210

{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِن هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيَّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرَاً} {النِّسَاء/75} {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِن عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُون} {المُؤْمِنُون/107}

{إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرَّاً وَمُقَامَا} {الفُرْقَان/66}

وَكَمَا نَقُولُ في أَمْثَالِنَا المِصْرِيَّة:

" أَيُّ حَسَنَةٍ أَذْكُرُهَا لَكِ يَا بَصَلَة، وَكُلُّ قَطْمَةٍ بِدَمْعَة " 00؟!

أَبَيْتُ جِوَارَهَا أَرْضَا * بِغَيرِ الظُّلْمِ لَا تَرْضَى

بِلَادٌ ظُلْمُهَا أَمْسَى * عَلَى أَبْنَائِهَا فَرْضَا

فَلَوْ عَرَضَ الزَّمَانُ عَلَى * رِجَالِ بِلَادِنَا عَرْضَا

وَقَالَ مَنَحْتُكُمْ يَا قَوْ * مُ طُولَ الأَرْضِ وَالعَرْضَا

بِشَرْطٍ وَاحِدٍ أَنْ لَا * يُنَازِعَ بَعْضُكُمْ بَعْضَا

ص: 5211

لَكَانَ جَوَابهُمْ في صَوْ * تِ رَجُلٍ وَاحِدٍ رَفْضَا

نَظَرْتُ فَلمْ أَجِدْ في مِصْـ * ـرَ إِلَاّ الحِقْدَ وَالبُغْضَا

فَدَاءُ عَدَائِنَا اسْتَعْصَى * وَبَيْتُ إِخَائِنَا انْقَضَّا

وَشَرُّ بَلائِنَا حَسَدٌ * يَمُضُّ نُفُوسَنَا مَضَّا

يُصَافِحُني الأَسَى ضَمَّاً * وَيَلْثُمُني الضَّنى عَضَّا

عَجِيبٌ أَنَّني مَيْتٌ * وَعيْنيَ لَمْ تَذُقْ غَمْضَا

أَأَمْطَرَتِ السَّمَا سُمَّاً * فَأَمْسَى رَوْضُنَا رَمْضَا

مَسَكْتُ يَدَ الإِخَاءِ فَمَا * وَجَدْتُ بِقَلْبِهِ نَبْضَا

هُمُومٌ في نَوَاحِي الصَّدْرِ * يَزْحَمُ بَعْضُهَا بعْضَا

فَقَلْبي صَارَ مُسْتَشْفَى * وَكُلُّ جَوَارِحِي مَرْضَى

{الشَّاعِرُ القَرَوِي / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

وَأَذْكُرُ أَنيِّ كَتَبْتُ هَذَا الْبَيْتَ في الحَجْزِ أُوَاسِي بِهِ نَفْسِي 00

ص: 5212

وَمَا صَبَّرَ المَرْءَ اللَّبِيبَ كَنَفْسِهِ * وَالمَرْءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصَّالِح:

{لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَة}

أَرَى الضِّيقَ مِن خَيْرِ البَشَائِرِ بِالفَرَجْ * وَيُوسُفُ لَوْ لَمْ يَدْخُلِ السِّجْنَ مَا خَرَجْ

{يَاسِر الحَمَدَاني}

فَالخُرُوجُ مِنَ المَصَائِبِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَسْبِقَهُ دُخُولٌ فِيهَا 00 وَلَوْلَا الظُّلْمَةُ لَمَا عَرَفْنَا النُّور؛ فَكُنْتُ كَثِيرَاً مَا أَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ ابْنِ زَيْدُون:

وَلَا يَفْرَحِ الأَعْدَاءُ أَنِّيَ في السِّجْنِ * أَرَى الحَبْسَ زَادَ الشَّمْسَ حُسْنَاً عَلَىحُسْنِ

فَيَكْفِي بِأَنيِّ صِرْتُ كَالسَّيْفِ في الجَفْنِ * أَوِ المِسْكِ في كِيسٍ أَوِ الصَّقْرِ في الوَكْنِ

وَكُنْتُ أَتَرَنَّمُ بِقَوْلِ الْقَائِل:

لَقَدْ أَعْلَيْتَ قَدْرَ السِّجْنِ حَتىَّ * أَحَبَّ السِّجْنَ أَصْحَابُ القُصُورِ

ص: 5213

فَصَبرَاً يَا صَدِيقِي لَيْسَ يَخْلُو * ظَلَامُ اللَّيْلِ مِنْ نُورِ البُدُورِ

وَإِنْ تَكُ قَدْ حُبِسْتَ وَأَنْتَ حُرٌّ * فَكَمْ في الحَبْسِ مِن أَسَدٍ هَصُورٍ

وَفي الأَقْفَاصِ هَلْ أَبْصَرْتَ طَيرَاً * سِوَى النَّوْعِ المُغَرِّدِ في الطُّيُورِ

وَمَا في صُحْبَةِ الأَشْرَارِ عَيْبٌ * عَلَى الدَّاعِي إِلى تَرْكِ الشُّرُورِ

وَحَسْبُكَ حُبُّ أَهْلِ الفَضْلِ فَخْرَاً * وَحَسْبُ عِدَاكَ تَأْنِيبُ الضَّمِيرِ

كَبِيرُ القَوْمِ أَكْبرُهُمْ خُطُوبَاً * لِذَاكَ رُمِيتَ بِالخَطْبِ الكَبِيرِ

*********

ص: 5214

لَقَدْ جَاوَزَ الظَّالِمُونَ المَدَىَ * وَسَدُّواْ عَلَيْنَا سَبِيلَ الهُدَى

وَآذَواْ عِبَادَكَ يَا رَبَّنَا * وَفي الأَرْضِ كَمْ أَغْلَقُواْ مَسْجِدَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني 0 بِاسْتِثْنَاءِ المِصْرَاعِ الأَوَّلِ مِنَ الْبَيْتِ الأَوَّل}

لَمَّا قُدِّمَ سُقْرَاطُ لِيُنَفَّذَ فِيهِ حُكْمُ الإِعْدَام ـ وَكَانَ مُوَحِّدَاً ـ بَكَتِ امْرَأَتُه؛ فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ 00؟

قَالَتْ: لأَنَّكَ تُقْتَلُ مَظْلُومَاً؛ فَقَالَ لهَا: أَهَذَا خَيرٌ أَمْ أَن أُقْتَلَ ظَالِمَاً 00؟!

ص: 5215

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال: " إِنَّكُمْ في زَمَانٍ: الْقَائِلُ فِيهِ بِالحَقِّ خَيْرٌ مِنَ الصَّامِت، وَالْقَائِمُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِد، وَإِنَّ بَعْدَكُمْ زَمَانَاً: الصَّامِتُ فِيهِ خَيرٌ مِنَ النَّاطِق، وَالْقَاعِدُ فِيهِ خَيرٌ مِنَ الْقَائِم " 00 فَقَالَ رَجُل: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؛ كَيْفَ يَكُونُ أَمْرٌ مِن أَخَذَ بِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُدَىً، وَمَن أَخَذَ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ كَانَ ضَلَالَة 00؟!

قَالَ رضي الله عنه: قَدْ فَعَلْتُمُوه اعْتَبِرُواْ ذَلِكَ بِرَجُلَينِ مَرَّا بِقَوْمٍ يَعْمَلُونَ بِالمَعَاصِي؛ فَأَنْكَرَ كِلَاهُمَا؛ وَصَمَتَ أَحَدُكُمَا ـ أَيِ الْيَوْمَ ـ فَسَلِم، وَتَكَلَّمَ الآخَرُ فَقَال: إِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ وَتَفْعَلُون؛ فَأَخَذُوه وَذَهَبُواْ بِهِ إِلىَ ذِي سُلْطَانِهِمْ؛ فَلَمْ يَزَالُواْ بِهِ حَتىَّ أَخَذَ بِأَخْذِهِ وَعَمِلَ بِعَمَلِه " 0

[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 8327]

ص: 5216

شِعْرٌ يُفَتِّتُ الضُّلُوع؛ لِشَاعِرٍ ضَلِيع

وَمِن أَرَقَّ مَا قِيلَ في ظُلْمِ الأَدِيبِ وَالصَّدِيق؛ قَوْلُ شَاعِرِنَا هَذَا الرَّقِيق / هَاشِمٍ الرِّفَاعِي:

مَضَى لِلنَّوْمِ سُمَّارُ * قَدِ افْتَقَدَتهُمُ الدَّارُ

فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُمْ نَثْرٌ * وَلَا أَدَبٌ وَأَشْعَارُ

فَعُدْتُ بمُهْجَةٍ حَرَّى * وَقَلْبٍ مِلْؤُهُ النَارُ

وَحَوْلي مِنْ سُكُونِ اللَّيْ * ـلِ وَالأَوْهَامِ أَسْتَارُ

تُعَذِّبُني أَحَاسِيسٌ * لَهَا في القَلْبِ أَظْفَارُ

وَفي رَأْسِي خَيَالَاتٌ * تَمُوجُ بِهِ وَأَفكَارُ

ص: 5218

كَذَلِكَ في رُبَا الوَادِي * يَذُوقُ المُرَّ أَحْرَارُ

وَلِذَا كُنْتُ كُلَّمَا أَهَلَّ عَلَيَّ الرَّبِيع؛ أَتَمَثَّلُ بِهَذَا الشِّعْرِ الْبَدِيع؛ الَّذِي تَرَاهُ عَينُ المحْزُون؛ لَا كَمَا تَرَاهُ الْعُيُون، وَلَكِنْ كَمَا يحُسُّهُ المَظْلُومُون؛ الْقَابِعُونَ في غَيَاهِبِ السُّجُون، يَتَعَرَّضُونَ لِلْبَطْشِ وَالعَذَابِ الهُون:

رَبِيعٌ أَظَلَّتْهُ لَيَالٍ سُودُ * وَمَاتَ لَهُ فَوْقَ الشِّفَاهِ نَشِيدُ

فَلَا النِّيلُ بَسَّامَاً بِيَوْمِ وُرُودِهِ * وَلَا عِيدُهُ بَينَ المَصَائِبِ عِيدُ

وَأَصْبَحَ إِنْشَادُ البَلَابِلِ صَرْخَةً * مِنَ الظُّلْمِ في الوَادِي لَهَا تَرْدِيدُ

وَأَصْبَحَ تَغْرِيدُ الطُّيُورِ تَوَجُّعَاً * لِكُلِّ بَرِيءٍ أَثْقَلَتْهُ قُيُودُ

وَسَاقِيَةٍ بَاتَتْ تَئِنُّ فَخِلْتُهَا * عَلَى مِصْرَ بِالدَّمْعِ الغَزِيرِ تَجُودُ

ص: 5219

ثَلَاثَةُ أَعْوَامٍ رَأَيْنَا خِلالَهَا * لَيَاليَ كَالخَرُّوبِ أَغْلَبُهَا سُودُ

وَذُقْنَا مِنَ الإِرْهَابِ مَا لَا نُطِيقُهُ * وَلَيْسَ لَهُ مَهْمَا يَطُولُ حُدُودُ

أَفي مِصْرَ نحْيى اليَوْمَ أَمْ في جَهَنَّمٍ * فَقَدْ نَضِجَتْ مِنَّا بِمِصْرَ جُلُودُ

بِنَا مِنْ زُكَامِ الظُّلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ * يُشَمُّ نَسِيمٌ أَوْ تُشَمُّ وُرُودُ

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ نَعِيشُ لِمَرَّةٍ * وَلَيْسَ لِبَطْشِ الحَاكِمِينَ وُجُودُ

حَلُمْنَا بِأَنْ نَحْيى بِمَنأَىً عَنِ الأَذَى * فَحَطَّ بِنَا في مِصْرَ مِنهُ مَزِيدُ

وَلَوْ كَانَ ظُلْمَاً يَنْتَهِي خَفَّ أَمْرُهُ * وَلَكِنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ تجْدِيدُ

ص: 5220

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:

" كَانَ أَوَّلَ مَن أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَة: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِر، وَأُمُّهُ سُمَيَّة، وَصُهَيْب، وَبِلَال، وَالمِقْدَاد رضي الله عنهم، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبي طَالِب، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ،

ص: 5221

وَأَمَّا سَائِرُهُمْ: فَأَخَذَهُمُ المُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ في الشَّمْس، فَمَا مِنهُمْ أَحَدٌ إِلَاَّ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُواْ، إِلَاَّ بِلَالٌ رضي الله عنه فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ في اللهِ عز وجل وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ؛ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُواْ يَطُوفُونَ بِهِ في شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ رضي الله عنه أَحَدٌ أَحَد " 0

[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ وَفي صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 150]

ص: 5222

وَمِمَّا قُلْتُهُ أَنَا في المُوَاسَاةِ قَوْلي لِصَدِيقٍ لي يُقَالُ لَهُ خَالِدٌ سُجِنَ أَحَدَ عَشَرَ عَامَاً في سُجُونِ مِصْر، وَكُنْتُ أَعْرِفُ عَنهُ الاِعْتِدَالَ في الْفِكْر؛ فَقُلْتُ لَهُ مُوَاسِيَاً بَعْدَ الخُرُوج:

لَا تَبْتَئِسْ يَا خَالِدُ * هَذَا نِظَامٌ فَاسِدُ

الْبَطْشُ فِيهِ سَيِّدٌ * وَالظُّلْمُ فِيهِ سَائِدُ

كَمْ أُقْفِلَتْ بمَزَاعِمِ الإِرْهَابِ فِيهِ مَسَاجِدُ

زَمَنُ الخِلَافَةِ يَا صَدِيقِي عَنْ قَرِيبٍ عَائِدُ

فَتَجَلَّدْ أَمَامَ جَلَاّدِيك؛ فَكَمَا يَقُولُون: " السِّجْنُ لِلأَشِدَّاء " 00؛ وَاسْتَعْذِبِ التَّعْذِيب؛ حَتىَّ يَأْتِيَكَ اللهُ بِالْفَرَجِ القَرِيب، فَفِي كُلِّ شِبْرٍ جُوَانْتَانَامُو، وَفي كُلِّ وَادٍ أَبُو غُرِيب؛ وَحَذَارِ أَنْ تَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتهَا 00 {بِئْسَ الَاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان} {الحُجُرَات/11}

ص: 5223

وَلَوْ كَانَ السِّجْنُ في سَبِيلِ الحَقِّ عَارَاً عَلَى الخَلْق؛ لَمَا ابْتُلِيَ بِهِ نَبيُّ اللهِ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ عليه السلام 0

كُنْ ثَابِتَاً مِثْلَ الجَبَلْ * مَهْمَا تُوَاجِهُ يَا بَطَلْ

لَا تَنْدُبَنَّ مُصِيبَةً أَوْ تَبْكِيَنَّ عَلَى طَلَلْ

أَوْ تَيْأَسَنَّ لِعَثْرَةٍ فَالْيَأْسُ مِفْتَاحُ الْفَشَلْ

وَكَأَنَّني بِكَ عَنْ قَرِيبٍ سَوْفَ تَرْفُلُ في الحُلَلْ

{يَاسِر الحَمَدَاني}

فَتَصَبَّرْ عَلَى ظُلْمِ التَّحْقِيقَات، وَعَلَى مَا فِيهَا مِنَ الاِسْتِفْزَازِ وَالمُضَايَقَات

ص: 5224

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" مَوْقِفُ سَاعَةٍ في سَبِيلِ الله؛ خَيرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الحَجَرِ الأَسْوَد " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 6636، 1068، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيح الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان]

فَتَجَلَّدْ أَيُّهَا الْبَطَل، وَكُنْ عَلَى أَمَل، وَتحَلَّ بِالثَّبَاتِ وَاليَقِينِ بِالصَّبْر، وَبَدَلاً مِن أَنْ تَنْظُرَ لِلبَدْرِ وَهُوَ يَصِيرُ إِلى المِحَاقِ انْظُرْ إِلى المِحَاقِ وَهُوَ يَصِيرُ إِلى بَدْر 0

ص: 5225

أَيُّهَا المَظْلُومُ صَبْرَاً * إِنَّ بَعْدَ العُسْرِ يُسْرَاً

{وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون} {الشُّعَرَاء/227}

أَجْرُ المَظْلُومِين، وَمَنْ يُعَذَّبُونَ في السُّجُون

عَن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه قَال: " كَيْفَ بِكُمْ إِذَا سُئِلْتُمُ الحَقَّ فَأَعْطَيْتُمُوه، وَإِذَا سَأَلْتُمْ حَقَّكُمْ فَمُنِعْتُمُوه 00؟

قَالُواْ: نَصْبر؛ قَالَ رضي الله عنه: دَخَلْتُمُوهَا وَرَبِّ الْكَعْبَة " 0

أَيِ الجَنَّة، جَعَلَنَا اللهُ مِن أَهْلِهَا 0 [قَالَ الإِمَامَان / الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وَالذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِم]

ص: 5226

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَال: " كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَطَلَعَتِ الشَّمْس؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" يَأْتي اللهَ قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ كَنُورِ الشَّمْس " 0

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَحْنُ هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟

ص: 5227

قَالَ صلى الله عليه وسلم:" لَا، وَلَكُمْ خَيرٌ كَثِير، وَلَكِنَّهُمُ الفُقَرَاءُ وَالمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ مِن أَقْطَارِ الأَرْض، طُوبَى لِلْغُرَبَاء، طُوبَى لِلْغُرَبَاء، طُوبَى لِلْغُرَبَاء " 0

فَقِيل: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ الله 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم:" نَاسٌ صَالحُونَ في نَاسِ سَوْءٍ كَثِير، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ "

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في التَّرْغِيب بِرَقْم: (3188)، وَوَثَّقَهُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع ص: (285/ 10)، رَوَاهُ أَحْمَدُ بِرَقْم: 6775]

مَنْزِلَةُ الضُّعَفَاءِ وَالمَظْلُومِينَ عِنْدَ الله

وَهَذِهِ بُشْرَى لِلضُّعَفَاءِ المُسْتَضْعَفِينَ وَالمَظْلُومِين، الَّذِينَ ظُلِمُواْ وَلَمْ يَنْتَصِرُواْ:

ص: 5228

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" رُبَّ أَشْعَثٍ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2262 / عَبْد البَاقِي]

عَن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:" أَلَا أُخْبرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّة: كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّف، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه، أَلَا أُخْبرُكُمْ بِأَهْلِ النَّار: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبر "

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (4918 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2853 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5229

عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:

" يَا سُرَاقَة؛ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّار 00؟

قَالَ رضي الله عنه: بَلَى يَا رَسُولَ الله؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" أَمَّا أَهْلُ النَّار: فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر، وَأَمَّا أَهْلُ الجَنَّة: الضُّعَفَاءُ المَغْلُوبُون "

[صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (2529، 1741)، وَقَالَ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم،

وَحَسَّنَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في مجْمَعِ الزَّوَائِدِ ص: (265/ 10)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ وَأَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 17135]

ص: 5230

الجَعْظَرِيّ: هُوَ الفَظُّ الغَلِيظ، وَالجَوَّاظ: هُوَ عَظِيمُ الجِسْم 0

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّة 00؟

قَالُواْ: بَلَى يَا رَسُولَ الله؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" الضُّعَفَاءُ المَظْلُومُون " 0

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ النَّار " 0

قَالُواْ: بَلَى يَا رَسُولَ الله؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ شَدِيدٍ جَعْظَرِيّ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 932، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

ص: 5231

" أَلَا أُخْبِرُكَ عَنْ مُلُوكِ الجَنَّة " 00؟

قُلْتُ: بَلَى؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:" رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعَفٌ ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَه " 0

[ذَكَرَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: (1741)، وَضَعَّفَهُ في " سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ " بِرَقْم: 4115]

عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ الله 00؟

الفَظُّ المُسْتَكْبِر، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بخَيْرِ عِبَادِ الله: الضَّعِيفُ المُسْتَضْعَف " 0

[وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَعِ وَقَالَ فِيهِ محَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ وَقَدْ وُثِّقَ عَلَى ضَعْفِه، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِرَقْم: 22947]

ص: 5232

وَذُو الطِّمْرَيْن: أَيْ ذُو الثَّوْبَيْنِ القَدِيمَينِ 0

وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ لَيْسَتْ دَعْوَةً لِلضَّعْفِ كَمَا يُفَسِّرُهَا الْعَلْمَانِيُّونَ وَمَن عَلَى شَاكِلَتِهِمْ، وَإِنمَا هِيَ بُشْرَى يَسُوقُهَا اللهُ سبحانه وتعالى لِضُعَفَاءِ المُسْلِمِينَ أَيْنَمَا وُجِدُواْ جَبرَاً لخَوَاطِرِهِمْ 0

ص: 5233

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَنْ قَاتَلَ في سَبِيلِ اللهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ ـ أَيْ وَلَوْ قَدْرَ مَا بَينَ الحَلْبَتَينِ مِنَ الوَقْت ـ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة، وَمَنْ سَأَلَ اللهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقَاً ثمَّ مَاتَ أَوْ قُتِل؛ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيد، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحَاً في سَبِيلِ اللهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً؛ فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ، لَوْنُهَا لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ وَرِيحُهَا رِيحُ المِسْك، وَمَنْ خَرَجَ بِهِ خُرَاجٌ في سَبِيلِ الله؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ طَابَعَ الشُّهَدَاء " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 2541]

ص: 5234

وَرَوَى الإِمَامُ النَّسَائِيُّ الحَدِيثَ نَفْسَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَيْضَاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيرَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا:

" لَوْنُهَا كَالزَّعْفَرَانِ وَرِيحُهَا كَالمِسْك، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحَاً في سَبِيلِ اللهِ فَعَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاء " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ " بِرَقْم: 3141]

وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقْرِنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:

" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيد " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4096، كَمَا صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 2780]

ص: 5235

عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَال:

" أَيُّمَا رَجُلٍ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمَاً فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد " 0

[الإِمَامُ الغَزَاليُّ في " الإِحْيَاءِ " طَبْعَةِ دَارِ الوَثَائِقِ المِصْرِيَّةِ في " كِتَابِ الصَّبرِ وَالشُّكْر " ص: 1479]

وَبَعْدَ أَنِ انْتَهَيْنَا مِنَ الحِدِيثِ عَنِ المَظْلُومِين؛ نَنْتَقِلُ إِلى شَكْوَى المَظْلُومِ إِلى رَبِّ العَالَمِين 0

مَعْرِفَةُ اللهِ تَعَالى عِنْدَ الشَّدَائِد

يَقُولُ سبحانه وتعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} {الأَنعَام/43}

وَقَالَ أَيْضَاً: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المحْسِنِين} {الأَعْرَاف/56}

ص: 5236

يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ في كِتَابِهِ القَيِّم / عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين:

" وَقَدْ ذَمَّ سُبْحَانَهُ مَنْ لَمْ يَتَضَرَّعْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَكِنْ لَهُ وَقْتَ البَلَاء؛ قَالَ تبارك وتعالى:

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} {المُؤْمِنُون/76}

وَالعَبْدُ أَضْعَفُ مِن أَنْ يَتَجَلَّدَ عَلَى رَبِّه " 0

[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين " بِالبَابِ التَّاسِع]

إِذَا المَرْءُ لَمْ يَرْكَن إِلى اللهِ في الَّذِي * يحَاذِرُهُ مِنْ دَهْرِهِ فَهْوَ خَاسِرُ

وَإِن هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهَ نَاصِرَاً * فَلَيْسَ لَهُ في غُرْبَةِ الحَقِّ نَاصِرُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ محْمُود سَامِي البَارُودِي}

ص: 5237

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " رَحِمَ اللهُ يُوسُف؛ لَوْلَا الْكَلِمَةُ الَّتي قَالَهَا: [اذْكُرْني عِنْدَ رَبِّكَ] مَا لَبِثَ في السِّجْنِ مَا لَبِثَ " 0

[حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ بِرَقْم: 6206]

فَدَعْ كُلَّ طَاغِيَةٍ لِلزَّمَانِ * فَإِنَّ الزَّمَانَ يُقِيمُ الصَّعَرْ

ص: 5238

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " لَمَّا رَفَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَال: " اللهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيد، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَام، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبي رَبِيعَة، وَالمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَر، اللهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُف " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6200 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 675 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5239

المُؤْمِنُ يحْسِنُ الظَّنَّ بِالله؛ مَهْمَا رَأَى مِنَ المُعَانَاة

عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّ العِزَّةِ جل جلاله أَنَّهُ قَال:

" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني "0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2675 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5240

وَيُرْوَى أَنَّ سُلْطَانَ صَقَلِّيَّةَ أَرِقَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَمُنِعَ النَّوْم؛ فَأَرْسَلَ إِلى قَائِدِ البَحْرِ وَقَالَ لَهُ: أَنْفِذِ الآنَ مَرْكَبَاً إِلى إِفْرِيقْيَةَ يَأْتُوني بِأَخْبَارِهَا؛ فَعَمِدَ القَائِدُ إِلى أَحَدِ الصَّيَّادِينَ وَأَرْسَلَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحُواْ إِذَا بِالمَرْكَبِ في مَوْضِعِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَبرَحْ؛ فَقَالَ المَلِكُ لِقَائِدِ البَحْر: أَلَيْسَ قَدْ فَعَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِه؟

ص: 5241

قَالَ نَعَمْ، قَدِ امْتَثَلْتُ أَمْرَكَ وَأَنْفَذْتُ مَرْكَبَاً فَرَجَعَ بَعْدَ سَاعَةٍ وَسَيُحَدِّثُكَ الصَّيَّادُ الَّذِي بَعَثْتُهُ بِالمَرْكَب، فَأَمَرَ المَلِكُ بِإِحْضَارِه، فَجَاءَ وَمَعَهُ رَجُل، فَقَالَ لَهُ المَلِك: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَذْهَبَ حَيْثُ أُمِرْت 00؟

قَال: ذَهَبْتُ بِالمَرْكَب، فَبَيْنَمَا أَنَا في جَوْفِ اللَّيْلِ وَالرِّجَالُ يجَدِّفُونَ إِذَا بِصَوْتٍ يَقُول: يَا اللهُ يَا اللهُ يَا غِيَاثَ المُسْتَغِيثِينَ يُكَرِّرُهَا مِرَارَاً، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ صَوْتُهُ في أَسْمَاعِنَا نَادَيْنَاهُ لَبَّيْكَ لَبَّيْك، وَهُوَ يُنَادِي يَا اللهُ يَا اللهُ يَا غِيَاثَ المُسْتَغِيثِين، فَجَدَّفْنَا بِالمَرْكَبِ نحْوَ الصَّوْت، فَلَقِينَا هَذَا الرَّجُلَ غَرِيقَاً في آخِرِ رَمَقٍ مِنَ الحَيَاة، فَأَخْرَجْنَاهُ عَلَى سَطْحِ المَرْكَبِ وَسَأَلْنَاهُ عَن حَالِهِ فَقَال:

ص: 5242

كُنَّا مُقْلِعِينَ مِن إِفْرِيقْيَة، فَغَرِقَتْ سَفِينَتُنَا مُنْذُ أَيَّامٍ وَأَشْرَفْتُ عَلَى المَوْت، وَمَا زِلْتُ أَصِيحُ حَتىَّ أَتَانيَ الغَوْثُ مِنْ نَاحِيَتِكُم؛ فَسُبْحَانَ مَن أَسْهَرَ سُلْطَانَاً وَأَرَّقَهُ في قَصْرِهِ؛ لِغَرِيقٍ في البَحْرِ حَتىَّ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ الثَّلَاث: ظُلْمَةِ اللَّيْل، وَظُلْمَةِ البَحْر، وَظُلْمَةِ الوِحْدَة، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا إِلَهَ غَيرُهُ وَلَا مَعْبُودَ سِوَاه 0 [الأَبْشِيهِيُّ في " المُسْتَطْرَفِ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مُسْتَظْرَف " بِالبَابِ السَّابِعِ وَالخَمْسِينَ في مَنَاقِبِ الصَّالحِين]

ص: 5243

وَللهِ دَرُّ الْقَائِل:

فَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّوَاطِيرِ نَامُواْ * فَإِنَّ الَّذِي في السَّمَا لَمْ يَنَمْ

{عِصَام الْغَزَالي بِتَصَرُّف}

وَالنَّوَاطِير: أَيْ وُلَاةُ الأَمْرِ وَرِجَالِ الأَمْن، وَالْبَيْتُ يُشِيرُ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ إِلى بَيْتٍ شَهِيرٍ لِلْمُتَنَبيِّ يَقُولُ فِيه:

نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصْرٍ عَنْ ثَعَالِبِهَا * حَتىَّ بَشِمْنَ وَمَا تَفْنى العَنَاقِيدُ

ص: 5244

جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِم

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فَيَقُول:

" وَانْصُرْني عَلَى مَنْ ظَلَمَني، وَأَرِني مِنهُ ثَأْرِي " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 649، 650]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُول:

" اللهُمَّ أَعِنيِّ وَلَا تُعِن عَلَيّ، وَانْصُرْني وَلَا تَنْصُرْ عَلَيّ، وَيَسِّرِ الهُدَى ليّ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 664]

ص: 5245

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً زَادَ صلى الله عليه وسلم فِيهَا قَوْلَه: " وَانْصُرْني عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيّ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 665]

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمَاً قَال: " اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: 1537، حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 19719]

ص: 5246

رَوَى الحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" إِذَا كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ إِمَامٌ يخَافُ تَغَطْرُسَهُ أَوْ ظُلْمَهُ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيم؛ كُنْ لي جَارَاً مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَأَحْزَابِهِ مِن خَلَائِقِك؛ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنهُمْ أَوْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُك، وَجَلَّ ثَنَاؤُك، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْت " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيب ح0ر: 2237، وَفي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 707]

ص: 5247

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:

" إِذَا أَتَيْتَ سُلْطَانَاً مَهِيبَاً تَخَافُ أَنْ يَسْطُوَ بِكَ فَقُلْ: اللهُ أَكْبَر، اللهُ أَعَزُّ مِن خَلْقِهِ جَمِيعَاً، اللهُ أَعَزُّ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَر، وَأَعُوذُ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ، المُمْسِكِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ أَنْ يَقَعْنَ عَلَى الأَرْضِ إِلَاّ بِإِذْنِه؛ مِنْ شَرِّ عَبْدِكَ فُلَانٍ وَجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْس، اللهُمَّ كُنْ لي جَارَاً مِنْ شَرِّهِمْ، جَلَّ ثَنَاؤُك، وَعَزَّ جَارُك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَلَا إِلَهَ غَيرُك، ثَلَاثَ مَرَّات " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيب ح 0 ر: 2237، وَفي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 708]

ص: 5248

وَهَذِهِ بِشَارَةٌ لِلْمَظْلُومِين:

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَات: دَعْوَةُ الصَّائِم، وَدَعْوَةُ المُسَافِر، وَدَعْوَةُ المَظْلُوم " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 3030، رَوَاهُ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ بِرَقْم: 3594]

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنّ: دَعْوَةُ المَظْلُوم، وَدَعْوَةُ المُسَافِر، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 7501، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 481، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

ص: 5249

فَكُن عَلَى يَقِين، أَنَّ اللهَ سَيَنْصُرُكَ وَلَوْ بَعْدَ حِين 00

عَن خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " اتَّقُواْ دَعْوَةَ المَظْلُوم؛ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَام، يَقُولُ اللهُ جل جلاله: وَعِزَّتي وَجَلَالي؛ لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِين " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (117، 870)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]

ص: 5250

حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:

{حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل} {آلِ عِمْرَان/173}

قَالهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ في النَّار، وَقَالهَا محَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُواْ:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانَاً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل} {آلِ عِمْرَان/173} [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4563 / فَتْح]

وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً أَنَّهُ قَال:

" كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ في النَّار: حَسْبيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 4564 / فَتْح]

ص: 5251

مِنْ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الظَّالِمِين: عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الخَنْدَق: " مَلأَ اللهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارَاً كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الوُسْطَى حَتىَّ غَابَتِ الشَّمْس " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (4111 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 627 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5252

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال:

" بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِين؛ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُور، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتىَّ جَاءتْ فَاطِمَة رضي الله عنها، فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِك، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

ص: 5253

" اللهُمَّ عَلَيْكَ المَلأَ مِنْ قُرَيْش 00 اللهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَة، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَة، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبي مُعَيْط، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَف، أَوْ أُبيَّ بْنَ خَلَف " 00 فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُواْ يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُواْ في بِئْر، غَيْرَ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلاً ضَخْمَاً؛ فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى في البِئْر " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم:(3185 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1794 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5254

حَدَّثَ عِكْرِمَةُ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: " مَرَّ أَبُو جَهْلٍ بِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي؛ فَقَالَ قَال قَبَّحَهُ الله: أَلَمْ أَنهَكَ عَن أَنْ تُصَلِّيَ يَا محَمَّد؛ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا بِهَا أَحَدٌ أَكْثَرُ نَادِيَاً مِنيِّ؛ فَانْتَهَرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛

ص: 5255

فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام:

{فَلْيَدْعُ نَادِيَه {17} سَنَدْعُو الزَّبَانِيَة} {العَلَق}

وَاللهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَاب " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 3349، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3809]

ص: 5256

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً قَالَ فِيهَا: " كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ المَقَام؛ فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ بْنُ هِشَامٍ فَقَال: يَا محَمَّد؛ أَلَمْ أَنْهَكَ عَن هَذَا 00؟

وَتَوَعَّدَهُ فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتَهَرَه؛ فَقَال: يَا محَمَّد؛ بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُني 00؟!

أَمَا وَاللهِ إِنيِّ لأَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيَاً؛ فَأَنْزَلَ اللهُ جل جلاله:

{فَلْيَدْعُ نَادِيَه {17} سَنَدْعُو الزَّبَانِيَة} {العَلَق}

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه:

ص: 5257

" لَوْ دَعَا نَادِيَه؛ أَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَاعَتِه " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 3045، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم: 275]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال: " قَالَ أَبُو جَهْل: لَئِنْ رَأَيْتُ محَمَّدَاً يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِه؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: " لَوْ فَعَلَ لأَخَذَتْهُ المَلَائِكَةُ عِيَانَاً " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 3483، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِه]

ص: 5258

وَإِنْ تُهَاجِرْ فَلَقَدْ هَاجَرَ قَبْلَكَ خَلِيلُ اللهِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَمِنْ بَعْدِهِ هَاجَرَ المُصْطَفَى عليه الصلاة والسلام 0

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بِسَارَّة، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ المُلُوك، أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَة، فَقِيلَ ـ أَيْ قِيلَ لِهَذَا المَلِك ـ دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِن أَحْسَنِ النِّسَاء؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيم؛ مَن هَذِهِ الَّتي مَعَك 00؟

ص: 5260

قَالَ أُخْتي ـ أَيْ لأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوْجَتي لَقَتَلَهُ طَمَعَاً فِيهَا ـ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَقَال: لَا تُكَذِّبي حَدِيثِي، فَإِنيِّ أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتي، وَاللهِ إِن عَلَى الأَرْضِ ـ أَيْ مَا عَلَى الأَرْضِ ـ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُك، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْه، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتْ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِك، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَاّ عَلَى زَوْجِي؛ فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الكَافِر؛ فَغُطَّ حَتىَّ رَكَضَ بِرِجْلِه ـ وَقَالَتْ في رِوَايَةٍ: اللهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ ـ فَأُرْسِلَ، ثمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي وَتَقُول: اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِك، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَا عَلَى زَوْجِي؛ فَلَا تُسَلِّطْ

ص: 5261

عَلَيَّ هَذَا الكَافِر؛ فَغُطَّ حَتىَّ رَكَضَ بِرِجْلِه، فَقَالَتْ: اللهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ؛ فَأُرْسِلَ في الثَّانِيَةِ أَوْ في الثَّالِثَة، فَقَالَ وَاللهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِليَّ إِلَاّ شَيْطَانَاً؛ أَرْجِعُوهَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وَأَعْطُوهَا آجَر ـ أَيْ هَاجَر ـ فَرَجَعَتْ إِلى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللهَ كَبَتَ الكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَة " 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2217 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2371 / عَبْد البَاقِي]

لَا تَصْبُوَنَّ إِلى وَطَن فِيهِ تُضَامُ وَتُمْتَهَن

وَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُقِيمَ بِحَيْثُ يَغْشَاكَ الدَّرَن

وَارْحَلْ عَنِ الدَّارِ الَّتي قَدْ تَعْتَرِيكَ بِهَا المحَن

وَطُفِ البِلَادَ فَأَيُّهَا أَرْضَاكَ فَاخْترْهُ سَكَن

ص: 5262

{الحَرِيرِي صَاحِبُ المَقَامَات}

أَمْ صَرَّ الغَزْوُ عَلَيْكَ إِسْتَه 00؟!

لَا يَسْكُنُ المَرْءُ في أَرْضٍ يُهَانُ بِهَا * إِلَاّ مِنَ العَجْزِ أَوْ مِنْ قِلَّةِ الحِيَلِ

*********

وَفي الأَرْضِ مَنأَىً لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى * وَفِيهَا لِمَنْ عَانىَ مِنَ الظُّلْمِ مخْرَجُ

{الشَّنْفَرَى بِتَصَرُّف}

عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتىَّ تَنْقَطِعَ التَّوْبَة، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتىَّ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (13426، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ بِرَقْم: 16463/إِحْيَاءُ التُّرَاث]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَقْدَانَ السَّعْدِيِّ رضي الله عنه قَال:

ص: 5263

" وَفَدْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في وَفْد، كُلُّنَا يَطْلُبُ حَاجَةً، وَكُنْتُ آخِرَهُمْ دُخُولاً عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ إِنيِّ تَرَكْتُ مَن خَلْفِي وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّار " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: (9349)، وَصَحَّحَهُ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: (4172)، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

الدُّعَاءُ عِنْدَ الْكَرْب

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال:

" كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُول:

ص: 5264

" لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيم، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيم "

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6346 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2730 / عَبْد البَاقِي]

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَيْضَاً قَال:

" كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ الكَرْب:

" لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ العَلِيمُ الحَلِيم، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيم، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 7426 / فَتْح]

ص: 5265

عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهَا: " أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ في الْكَرْب: اللهُ اللهُ رَبيِّ لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: 1525]

وَفي حَدِيثٍ آخَرَ عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها أَيْضَاً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَن أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ أَوْ سَقَمٌ أَوْ شِدَّةٌ فَقَال: اللهُ رَبيِّ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ كُشِفَ ذَلِكَ عَنهُ "[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (6040)، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ]

ص: 5266

عَن أَبي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو؛ فَلَا تَكِلْني إِلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَين، وَأَصْلِحْ لي شَأْنِي كُلَّه، لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْت " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَفي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْمَيْ: 121، 701، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِرَقْم: 5090]

ص: 5267

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَال: " يَا حَيُّ يَا قَيُّوم؛ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيث " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: (4777، 3182)، رَوَاهُ الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ]

ص: 5268

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال: كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ بِهِ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ قَال: " يَا حَيُّ يَا قَيُّوم؛ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيث " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (8922)، رَوَاهُ الحَاكِم]

ص: 5269

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " دُعَاءُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا بِهِ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوت: لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنيِّ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين، إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطُّ إِلَاّ اسْتُجِيبَ لَه " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْمَيْ: 123، 3505]

ص: 5270

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ؛ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرْبٌ أَوْ بَلَاءٌ مِن أَمْرِ الدُّنيَا دَعَا بِهِ فَفُرِّجَ عَنهُ 00؟

دُعَاءُ ذِي النُّون: لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنيِّ كُنْتُ مِنَ الظَّالمِين " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " الجَامِعِ " بِرَقْم: (4370)، أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَك]

ص: 5271

{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبَاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى في الظُّلُمَاتِ أَن لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنيِّ كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين} {الأَنْبِيَاء/87}

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه في مَعْنىَ هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَة:

" ظُلْمَةُ اللَّيْل، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الحُوت، وَظُلْمَةُ الْبَحْر " 0

[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3445]

ص: 5272

" هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى اسْمِ اللهِ الأَعْظَم، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى 00؟

الدَّعْوَةُ الَّتي دَعَا بِهَا يُونُس: حَيْثُ نَادَاهُ في الظُّلُمَاتِ الثَّلَاث: لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنيِّ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين " 00

فَقَال رَجُل: يَا رَسُولَ الله، هَلْ كَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِلمُؤْمِنِينَ عَامَّة 00؟

فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ عز وجل:

{وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ} {الأَنْبِيَاء/88}

[ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " التَّرْغِيب " بِرَقْم: (1023، 1149)، وَالحَدِيثُ في " المُسْتَدْرَكِ " بِرَقْم: 1865]

ص: 5273

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَن: اللهُمَّ إِنيِّ عَبْدُك، وَابْنُ عَبْدِك، وَابْنُ أَمَتِك، نَاصِيَتي بِيَدِك، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُك، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُك، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك؛ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَك، أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِك، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدَاً مِن خَلْقِك، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَك: أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْني، وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَاّ أَذْهَبَ اللهُ عز وجل هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحَاً " 00 قَالُواْ: يَا رَسُولَ الله؛ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الكَلِمَات؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ "

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحَةِ وَفي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ بِرَقْمَيْ: (199، 124)، وَالْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَد، وَالأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان]

ص: 5274

عَن أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه عَن عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَخْتَلِفُ إِلىَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه في حَاجَةٍ لَهُ ، فَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ في حَاجَتِه ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ رضي الله عنه فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْه؛ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ رضي الله عنه: ائْتِ المِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ، ثُمَّ ائْتِ المَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْن ، ثُمَّ قُل: اللَّهُمَّ إِنيِّ أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبيِّ الرَّحْمَة 00 يَا محَمَّد؛ إِنيِّ أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلىَ رَبِّكَ جل جلاله فَيَقْضِي لي حَاجَتي 00 وَتَذْكُرُ حَاجَتَك ، وَرُحْ إِليَّ حَتىَّ أَرُوحَ مَعَك ، فَانْطَلَقَ الرَّجُل ، فَصَنَعَ مَا قَالَ لَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه ،

ص: 5275

ثمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ رضي الله عنه ، فَجَاءَ الْبَوَّابُ حَتىَّ أَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَة [أَيِ الْفِرَاش]، وَقَال: حَاجَتُك؟ فَذَكَرَ حَاجَتَهُ ، فَقَضَاهَا لَهُ ، ثمَّ قَالَ رضي الله عنه لَهُ: مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حَتىَّ كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَة ، وَقَالَ لَهُ رضي الله عنه: مَا كَانَتْ لَكَ مِن حَاجَةٍ فَأْتِنَا ، ثمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِن عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ رضي الله عنه؛ فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرَاً ، مَا كَانَ يَنْظُرُ في حَاجَتي وَلَا يَلْتَفِتُ إِليَّ حَتىَّ كَلَّمْتَهُ فيَّ؛ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: وَاللهِ مَا كَلَّمْتُهُ، وَلَكِنْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِه؛ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

ص: 5276

" أَفَتَصْبِر " 00؟

قَال: يَا رَسُولَ الله؛ إِنَّهُ لَيْسَ لي قَائِدٌ ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:

" ائْتِ المِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْن ، ثُمَّ ادْعُ بِهَذِهِ الدَّعَوَات " 0

قَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: فَوَاللهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَطَالَ بِنَا الحَدِيثُ حَتىَّ دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ قَطّ " 0 [صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 17242، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ في الصَّغِيرِ وَاللَّفْظُ لَهُ]

ص: 5277

عَن أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:

" إِنيِّ أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْك؛ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنهَا 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: مَا شِئْت؛ قَالَ رضي الله عنه: الرُّبُع 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك "؛ قَالَ رضي الله عنه: النِّصْف 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم:

" مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك "؛ قَالَ رضي الله عنه: الثُّلُثَين 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك "؛ قَالَ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ الله؛ أَجْعَلُهَا كُلَّهَا لَك 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذَنْ تُكْفَى هَمَّك، وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُك " 0

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3578]

ص: 5278

مِنْ رَوَائِعِ دَعَوَاتِ الدُّعَاةِ الصَّالحِين، وَالأُدَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ المجِيدِين

مِنَ الدَعَوَاتِ الَّتي كُنْتُ أَدْعُو بِهَا في المحَنِ قَوْلي:

اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ ضَالاًّ فَاهْدِني وَإِنْ كُنْتُ عَلَى هُدَىً فَأَعِنيِّ، وَاجْعَلْني عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّكَ كَمَا أَنْتَ عِنْدَ حُسْنِ ظَنيِّ 00!!

فَكَمْ قَدْ حُرِمْنَا وَكَمْ قَدْ ظلِمْنَا * إِلى أَنْ نَسِينَا مَذَاقَ السَّعَادَة

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 5279

نَشْكُو للَّهِ مَوَاجِعَنَا * الظُّلْمُ أَقَضَّ مَضَاجِعَنَا

قَدْ مَلأَتْ لَيْلاً وَنَهَارَاً * صَرَخَاتُ النَّاسِ مَسَامِعَنَا

في كُلِّ طَرِيقٍ نَسْلُكُهُ * نَتَخَيَّلُ فِيهِ مَصَارِعَنَا

مِنْ زَمَنٍ نَبْكِي لَمْ يَمْسَحْ * أَحَدٌ في مِصْرَ مَدَامِعَنَا

فَمَتى الإِعْلَامُ سَيُنْصِفُنَا * كَيْ نَأْخُذَ فِيهِ مَوَاقِعَنَا

{يَاسِر الحَمَدَاني}

فَيَا رَبِّ لَا تُغْلِقْ في وَجْهِي بَابَك، وَلَا تَقْطَعْ عَنيِّ أَسْبَابَك 00

ص: 5280

يَا مَن إِلَيْهِ المُشْتَكَى * أَشْكُو لِمَن إِلَاّ لَكَا

ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ حَتىَّ لَمْ أَجِدْ لي مَسْلَكَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

يَا كَاشِفَ الضُّرّ، يَا مَنْ لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم؛

إِنيِّ مَسَّنيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين، فَلَا تَجْعَلْني بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيَّا، فَبي مِنَ المَصَائِب؛ مَا لَوْ حُمِّلَ لِلْجِبَالِ لأَبَيْنَ أَنْ يحْمِلْنَهَا 00!!

ص: 5281

شَكَوْتُ هُمُومِي إِلى اللهِ رَبيِّ * فَقَدْ ضَاقَ مِنْ كَثْرَةِ الهَمِّ قَلْبي

وَبَلَّتْ دُمُوعِي رِدَائِي وَثَوْبي * فَيَا رَبِّ فَرِّجْ هُمُومِي وَكَرْبي

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ غَاضِبَاً عَلَيَّ فَارْضَ عَنيِّ، وَإِنْ كُنْتَ رَاضِيَاً عَنيِّ فَأَرْضِني!!

ص: 5282

يَا رَبِّ عَامِلْني بجُودِكَ لَا بِمَا كَسَبَتْ يَدِي

إِنيِّ جَعَلْتُكَ وِجْهَتي يَا ذَا الجَلَالِ وَمَقْصِدِي

أَنَاْ مَا بَغَيْتُ وَلَا اعْتَدَيْتُ وَلَا أَعَنْتُ المُعْتَدِي

إِنْ كُنْتُ حِدْتُ عَنِ الطَّرِيقِ فَإِنَّني لَمْ أَبْعُدِ

ذَلِّلْ لِعَبْدِكَ كُلَّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ وَمُعَقَّدِ

قَدْ طَالَ صَبرِي في الحَيَاةِ عَلَى الأَذَى وَتجَلُّدِي

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

إِلَهِي لَا تُعَذِّبْني فَإِنيِّ * مُقِرٌّ بِالَّذِي قَدْ كَانَ مِنيِّ

{أَبُو العَتَاهِيَة}

ص: 5283

أَعْلَمُ رَبِّي أَنِّي لَا أَسْتَحِقّ، وَلَكِنَّ الكَرِيمَ يُعْطِي حَتىَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقّ 00!!

إِلَهِي أَقِلْ عَثْرَةَ العَاثِرِ * فَمَا أَجْمَلَ الْعَفْوَ بِالْقَادِرِ

بَلِيتُ فَأَبْقِ عَلَى سَائِرِي * فَإِنِّيَ في الرَّمَقِ الآخِرِ

{ابْنُ الرُّومِيِّ بِتَصَرُّف}

اللهُمَّ أَصْلِحْ الحَاكِمِينَ وَحَكِّمِ الصَّالحِين، وَانْصِفِ المَظْلُومِينَ وَأَهْلِكِ الظَّالِمِين 00!!

ص: 5284

اللهُمَّ إِنيِّ نَاشَدْتُكَ بِكُلِّ دَمْعَةِ أَسَىً ذَرَفْتُهَا أَنْ تُفَرِّجَ عَنيِّ مَا أَنَا فِيه؛ تَخَلَّى عَنَّا النَّاسُ فَلَا تَتَخَلَّ عَنَّا!!

وَلَمَّا قَسَا قَلْبي وَضَاقَتْ مَذَاهِبي * جَعَلتُ رَجَائِي نحْوَ عَفْوِكَ سُلَّمَا

{الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

أَنْتَ رُكْنيَ الرَّكِين، وَأَنْتَ حَبْلِيَ المَتِين، إِلَيْكَ أَلجَأُ وَبِكَ أَسْتَعِين 00!!

يَا مَن أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ * وَمَن أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ

لَا يجْبرُ النَّاسُ عَظْمَا أَنْتَ كَاسِرُهُ * وَلَا يُصِيبُونَ عَظْمَا أَنْتَ جَابِرُهُ

{المُتَنَبيِّ}

يَا خَفِيَّ الأَلْطَاف؛ نجِّنَا مِمَّا نخَاف 0

إِلَهِي لَيْسَ لي إِلَاّكَ عَوْنَاً * فَكُن عَوْني عَلَى هَذَا الزَّمَانِ

*********

ص: 5285

عَظُمَتْ مَصَائِبُنَا عَلَى أَنْ نَصْبرَا * وَيَصُونُنَا إِيمَانُنَا أَنْ نَضْجَرَا

فَانْصِفْ عِبَادَكَ مِن عِبَادِكَ رَبَّنَا * وَاخْسِفْ بِكُلِّ مَنِ افْتَرَى وَتجَبَّرَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِين} {الأَعْرَاف/89}

مَنْ يَنْصُرُ العَبْدَ إِن خَذَلَهُ مَوْلَاهُ 00؟

سَامحْني يَا رَبّ؛ فَلَقَدْ طَالَ صَبرُنَا حَتىَّ ضَاقَ صَدْرُنَا 00

يَفِيضُ لِسَانُ المَرْءِ إِنْ ضَاقَ صَدْرُهُ * وَيَطْفَحُ مَا بِالقِدْرِ وَالقِدْرُ مُفْعَمُ

{محْمُود غُنَيْم}

فَاجْعَلْ لَنَا مِن هَذَا الهَمِّ فَرَجَا، وَمِن هَذَا الضِّيقِ مخْرَجَا 00!!

يَا رَبِّ هَيِّئْ لَنَا مِن أَمْرِنَا رَشَدَا * فَكَمْ تَعِبْنَا وَلَمْ نَرْبحْ سِوَى التَّعَبِ

ص: 5286

وَكَمْ حُقُوقٍ لَنَا ضَاعَتْ بِلَا عِوَضٍ * وَكَمْ ظُلِمْنَا بِلَا ذَنْبٍ وَلَا سَبَبِ

مَا كُنْتُ آمُلُ أَنْ يَمْتَدَّ بي زَمَني * حَتىَّ يُشَاتِمَني قِرْدٌ بِلَا ذَنَبِ

مَنْ لِلأَدِيبِ سِوَاكَ يَصُونُ هَيْبَتَهُ * في ظِلِّ جِيلٍ بِلَا دِينٍ وَلَا أَدَبِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني 0 بِاسْتِثْنَاءِ المِصْرَاعِ الثَّاني مِنَ الْبَيْتِ الأَوَّلِ فَهُوَ لِشَاعِرٍ آخَر}

مَاذَا تَبَقَّى لَنَا يَا رَبِّ مَا تَرَكَتْ * فِينَا المَصَائِبُ عَظْمَاً غَيرَ مَكْسُورِ

لَيْسَ بَعْدَ المَوْتِ مَوْتُ

فَلَا تَتْرُكَنيِّ في الوَبَالِ كَأَنَّني * إِلى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ القَارُ أَجْرَبُ

{النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ بِتَصَرُّفٍ يَسِير}

رَبَّنَا لَا تحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا 00!!

ص: 5287

وَلَا تَترُكْنَا يَا رَبِّ كَاليَتَامَى الَّذِينَ مَاتَتْ أُمُّهُمْ، وَسُجِنَ أَبُوهُمْ 00!!

يَا رَبِّ لَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا؛ فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا 00؟!!

حَتىَّ مَتى يَا رَبِّ نَبْقَى هَكَذَا * وَنَظَلُّ نحْتَمِلُ الأَذَى مِنْ ذَا وَذَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

{فَهَلْ إِلىَ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيل} {غَافِر/11}

ضَاقَتْ عَلَيْنَا الأَرْضُ بمَا رَحُبَت، وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنَ الحُلْقُومِ وَالحُلْقُومُ خَرَج؛ فَعَجِّلِ اللهُمَّ بِالفَرَج 00!!

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} {يُونُس/85}

{وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئَاً} {المَائِدَة/41}

فَمَا لي ظُلِمْتُ وَمَا لي حُرِمْتُ * وَضُيِّعْتُ في زُمْرَةِ الضَّائِعِينَا

ص: 5288

أَشْكُو بَثِّي وَحُزْني إِلى الله، رَبِّ لَقَدْ نَزَلَتْ بي هُمُومٌ تَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُوْلي القُوَّة، وَأَنَا ضَعِيفٌ لَا حَوْلَ لي وَلَا قُوَّة؛ فَأَخْرِجْني مِن غَيَابَةِ الهُمُوم؛ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم 00!!

أَلَمْ يَأْنِ لهَذَا الجَرِيح ـ الَّذِي تَعْصِفُ بِهِ رِيح، وَتَقْذِفُهُ رِيح ـ أَلَمْ يَأْنِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِيح 00؟!!

اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنيِّ صَلَوَاتِي وَدَعَوَاتي، وَخَلِّصْني مِنَ الهُمُومِ الَّتي أَفْسَدَتْ عَلَيَّ حَيَاتي 00!!

عَصَيْنَا وَأَجْرَمْنَا فَعَاقَبْتَ عَادِلاً * وَحَكَّمْتَ فِينَا اليَوْمَ مَنْ لَيْسَ يَرْحَمُ

*********

تَرَفَّقْ أَيُّهَا المَوْلى عَلَيْنَا * فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالجَانِي عِتَابُ

{المُتَنَبيِّ}

بِكَ أَسْتَجِيرُ وَمَنْ يُجِيرُ سِوَاكَا * فَارْحَمْ ضَعِيفَاً يحْتَمِي بحِمَاكَا

ص: 5289

يَا رَبِّ تُبْتُ إِلَيْكَ فَاقْبَلْ تَوْبَتي * أَنْتَ المجِيبُ لِكُلِّ مَنْ نَادَاكَا

اللهُمَّ اجْعَلهُ ابْتِلَاءً لَا غَضَبَاً 00 وَإِنْ كَانَ ابْتِلَاءً فَأَنَا رَاضٍ لأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى محَبَّتِك، وَلَكِن عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لي، وَإِنْ كَانَ غَضَبَاً فَأَنَا رَاضٍ لأَنَّهُ بِذُنُوبي، وَلَكِن عَفْوُكَ أَوْسَعُ لي 00!!

يَهُونُ جَمْرُ الغَضَى؛ إِنْ نِلْتُ مِنْكَ الرِّضَى 00

فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاةُ مَرِيرَةٌ * وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وَلَيْتَ الَّذِي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ * وَبَيْني وَبَينَ العَالَمِينَ خَرَابُ

إِذَا نِلْتُ مِنْكَ الْوُدَّ فَالكُلُّ هَينٌ * وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابُ تُرَابُ

{أَبُو فِرَاسٍ الحَمَدَانيّ، بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الأَخِيرِ فَهْوَ لِلْمُتَنَبيّ}

ص: 5290

أَعُوذُ بِكَ اللهُمَّ مِنَ الخَوْفِ إِلَاّ مِنْك، وَمِنَ الذُّلِّ إِلَاّ لَك، وَمِنَ الاِفْتِقَارِ إِلَاّ إِلَيْك 00

محْنَةُ أَبي أَيُّوبَ الْكَاتِب

أَلَا تَعْرِفُ حِكَايَةَ أَبي أَيُّوبَ الكَاتِب 00؟

كَانَ قَدْ سُجِنَ وَطَالَ بِهِ السِّجْن؛ فَكَتَبَ إِلى أَخِيهِ الحَسَنِ بْنِ وَهْبٍ يَشْكُو لَهُ ظُلْمَةَ السِّجْن؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَخُوه:

اصْبِرْ أَبَا أَيُّوبَ صَبْرَاً طَيِبَاً * فَإِذَا جَزِعْتَ عَنِ الهُمُومِ فَمَنْ لهَا

فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو أَيُّوب:

صَبَّرْتَني وَوَعَظْتَني وَأَنَا لهَا * وَسَتَنْجَلِي بَلْ لَا أَقُولُ لَعَلَّهَا

فَلَمْ تَمْضِ سِوَى أَيَّامٍ مَعْدُودَات؛ حَتىَّ أَظهَرَ اللهُ بَرَاءتَهُ وَأُفْرِجَ عَنهُ، وَخَرَجَ في مَوْكِبٍ عَظِيمٍ شَهِدَهُ كُلُّ العُلَمَاءِ وَالأَعْيَان، وَكَانَ يَوْمَاً مَشْهُودَا 00

ص: 5291

[الْقِصَّةُ ذَكَرَهَا التَّنُوخِيُّ في كِتَابِ الفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّة، وَالطَّرْطُوشِيُّ في سِرَاجِ المُلُوك 0 بِتَصَرُّف]

فَاحْتَسِبِ اللهَ فِيمَا أَصَابَك 00 وَاعْمَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين} {البَقَرَة/153}

ص: 5292

المَصَائِبُ الأُخْرَى:

===========

كَلَامٌ كَاللُّجَين؛ لِلإِمَامِ الحُسَين

لَمَّا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِأَرْضِ العِرَاق؛ فَزِعَ النَّاسُ إِلىَ الإِمَامِ الحُسَينِ رضي الله عنه؛ فَقَالَ لهُمْ:

" مَا أَحْسَنَ مَا صَنَعَ بِكُمْ رَبُّكُمْ؛ أَقْلَعَ المُذْنِبُ وَأَنْفَقَ المُمْسِك " 0

[ابْنُ عَبْدِ رَبِّه في العِقدِ الفَرِيد 0 طَبْعَةِ دَارِ الكُتُبِ العِلمِيَّة 0 بَيرُوت 0 ص: 143/ 3]

فَأَحْسَنُ شَيْءٍ في المَصَائِبِ أَنَّهَا * تُذَكِّرُنَا بِاللهِ عِنْدَ نُزُولِهَا

عَن أَبي إِدْرِيسَ الخَوْلَانيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " كُلُّ شَيْءٍ أَسَاءَ المُؤْمِنَ فَهْوَ مُصِيبَة "0 [ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الضَّعِيفَةِ بِرَقْم: 4113، رَوَاهُ ابْنُ السُّنيّ]

ص: 5293

إِنَّ المَصَائِبَ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى المَالِ فَحَسْب؛ فَالفَتَاةُ الَّتي تحِبُّهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا غَيْرُكَ مِنَ المَصَائِب، وَالصَّفقَةُ الَّتي تَنْتَظِرُهَا ثمَّ تَطِيرُ مِنْ يَدِكَ مِنَ المَصَائِب، وَالْوَظِيفَةُ المَرْمُوقَةُ الَّتي تَفْقِدُهَا مِنَ المَصَائِب!!

وَقِسْ عَلَى هَذَا كُلَّ الأُمُور 0

الزَّلَازِلُ وَالْكَوَارِثُ وَالْفَيَضَانَات

عَن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " أُمَّتي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَة، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ في الآخِرَة، عَذَابُهَا في الدُّنْيَا: الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْل " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ بِأَرْقَام: 1396، 959، 4278]

ص: 5294

وَمِمَّا قِيلَ في الْفَيَضَانَاتِ قَوْلُ شَاعِرِنَا الرَّقِيق / هَاشِم الرِّفَاعِي؛ في فَيَضَانٍ أَصَابَ قِنَا:

أَكَانَ فَنَاءُ الكَوْنِ مَبْدَؤُهُ قِنَا * قِنَا يَا إِلَهِي خَافِيَاتِ الْعَوَاقِبِ

وَهَلْ تِلكَ لِليَوْمِ العَظِيمِ دَلَائِلٌ * سَيَتْبَعُهَا بَعْدُ انْتِثَارُ الكَوَاكِبِ

فَلَمْ أَدْرِ هَلْ سَيْلُ المِيَاهِ الَّذِي بَدَا * يُهَدِّدُنَا أَمْ ذَاكَ سَيْلُ المَصائِبِ

قِنَا هَلْ رَأَيْتِ الحَشْرَ كَيْفَ لِهَوْلِهِ * يَفِرُّ الفَتى عَنْ صَحْبِهِ وَالأَقَارِبِ

قَضَواْ لَيْلَهُمْ قَدْ كَحَّلَ النَّوْمُ جَفْنَهُمْ * عَلَى أَمَلٍ بِالخَيْرِ لَا بِالنَّوَائِبِ

وَكَادُواْ وَهَوْلُ النَّائِبَاتِ يَلُفُّهُمْ * عَلَيْهِمْ تَضِيقُ الأَرْضُ ذَاتُ المَنَاكِبِ

حَنَانَيْكَ رَبَّ العَالَمِينَ فَقَدْ كَفَى * لَنَا وَلَهُمْ مَا قَدْ بَدَا مِنْ مَتَاعِبِ

ص: 5295

فَلَيْسَ لَهُمْ مِن أَمْرِكَ اليَوْمَ عَاصِمٌ * سِوَى رَحْمَةٍ تَجْلُو ظَلَامَ الغَيَاهِبِ

وَمَا قَوْمُ نُوحٍ هُمْ فَمَا بَالُ مَوْتهِمْ * عَلَى يَدِ طُوفَانٍ مِنَ المَاءِ سَاكِبِ

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ تمَثَّلتُ بِهِمَا في الزِّلزَالِ الَّذِي ضَرَبَ كَابُولَ فَأَهْلَكَ قُرَىً بِأَكْمَلِهَا:

أَكَابُولُ هَلْ حَانَ وَقتُ النُّشُورِ * وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالهَا

وَهَلْ بَعَثَ اللهُ مَنْ في القُبُورِ * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثقَالهَا

أَمَّا الزَّلَازِلُ فَمِن أَجْمَلِ وَأَرَقَّ مَا قِيلَ فِيهَا قَوْلُ الْقَائِل:

مَا زُلْزِلَتْ مِصْرُ مِنْ كَيْدٍ أُرِيدَ بِهَا * وَإِنَّمَا رَقَصَتْ مِنْ شِعْرِنَا طَرَبَا

ص: 5296

حَتىَّ دُوَارُ الْبَحْرِ فِيهِ أَجْر

عَن أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: " المَائِدُ في الْبَحْر ـ أَيْ رَاكِبُهُ ـ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْء: لَهُ أَجْرُ شَهِيد، وَالْغَرِق: لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْن " 0

[حَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " بِرَقْم: 2493]

ص: 5297

فَضْلُ الصَّبرِ عَلَى جَارِ السَّوْء

عَن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" ثَلَاثَةٌ يحِبُّهُمْ اللهُ عز وجل، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللهُ عز وجل " 00

قُلْتُ: مَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يحِبُّهُمْ اللهُ عز وجل 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " رَجُلٌ غَزَا في سَبِيلِ الله، فَلَقِيَ العَدُوَّ مجَاهِدَاً محْتَسِبَاً، فَقَاتَلَ حَتىَّ قُتِل، وَأَنْتُمْ تجِدُونَ في كِتَابِ اللهِ عز وجل:

{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفَّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوص} {الصَّف/4}

وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيحْتَسِبُه؛ حَتىَّ يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بمَوْتٍ أَوْ حَيَاة 00

ص: 5298

وَرَجُلٌ يَكُونُ مَعَ قَوْمٍ، فَيَسِيرُونَ حَتىَّ يَشُقَّ عَلَيْهِمُ الكَرَى أَوْ النُّعَاس:[أَيْ يَغْشَاهُمُ النُّعَاس وَيَغْلِبُهُمْ]، فَيَنْزِلُونَ في آخِرِ اللَّيْل؛ فَيَقُومُ إِلىَ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِه 00

قُلْتُ: مَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمْ الله 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: الفَخُورُ المُخْتَال، وَأَنْتُمْ تجِدُونَ في كِتَابِ اللهِ عز وجل:

{إِنَّ اللهَ لَا يحِبُّ كُلَّ مخْتَالٍ فَخُورٍ} {لُقْمَان/18}

وَالبَخِيلُ المَنَّان، وَالتَّاجِرُ وَالبَيَّاعُ الحَلَاّف " 0

[صَحَّحَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في المُسْنَدِ بِرَقْم: 21340، وَصَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الجَامِعِ بِرَقْم: 5385، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ]

ص: 5299

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: " جَاءَ رَجُلٌ إِلىَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَه؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اذْهَبْ فَاصْبِرْ " 0

فَأَتَاهُ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلَاثَاً؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ في الطَّرِيق " 0

فَطَرَحَ مَتَاعَهُ في الطَّرِيق؛ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَه؛ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَل؛ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَه: ارْجِعْ؛ لَا تَرَى مِنيِّ شَيْئَاً تَكْرَهُه " 0

[قَالَ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُد: حَسَنٌ صَحِيح 0 ح / ر: 5153]

ص: 5300

وَعَن أَبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَال: " جَاءَ رَجُلٌ إِلىَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَه؛ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " اطْرَحْ مَتَاعَكَ في الطَّرِيق " 0

فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ بِهِ فَيَلْعَنُونَهُ ـ أَيْ يَلْعَنُونَ ذَلِكَ الجَارَ الجَائِر ـ فَجَاءَ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ مَا لَقِيتُ مِنَ النَّاس ـ أَيْ مَا أَكْثَرَ مَا لَقِيتُ مِنَ النَّاس ـ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَمَا لَقِيتَهُ مِنهُمْ " 00؟ قَالَ يَلْعَنُونَني؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَقَدْ لَعَنَكَ اللهُ قَبْلَ النَّاس " 0

[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم]

ص: 5301

لَقَدْ لَقِيتُ في مِصْرَ عَذَابَاً مخْتَلِفَاً أَلْوَانُه، وَأًسْمِعْتُ مِنَ النَّاسِ أَذَىً كَثِيرَا؛ وَلِذَا كُنْتُ كَثِيرَاً مَا أُرَدِّدُ هَذَيْنِ البَيْتَين:

حَتىَّ مَتى يَا رَبِّ أَبْقَى هَكَذَا * وَأَظَلُّ أَحْتَمِلُ الأَذَى مِنْ ذَا وَذَا

قَوْمٌ لَوِ الشَّيْطَانُ أَبْصَرَ فِعْلَهُمْ * لَاحْتَاطَ خَوْفَاً مِنهُمُ وَتَعَوَّذَا

{يَاسِر الحَمَدَاني}

ص: 5302

المُصِيبَةُ في المَالِ وَالتِّجَارَة

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" لَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في جَسَدِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِه: حَتىَّ يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة "[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِرَقْم: 494، كَمَا صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 7846]

ص: 5303

عَنْ لجْلَاجٍ العَامِرِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ العَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِه؛ ابْتَلَاهُ اللهُ في جَسَدِه، أَوْ في مَالِه، أَوْ في وَلَدِه، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِك؛ حَتىَّ يُبَلِّغَهُ المَنْزِلَةَ الَّتي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ تَعَالى " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ " برَقْم: 3090]

ص: 5304

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " مَن أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ بِمَالِهِ أَوْ في نَفْسِه، فَكَتَمَهَا وَلَمْ يَشْكُهَا إِلىَ النَّاس؛ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَه " 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في " المجْمَع " ص: (256/ 10)، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في " الأَوْسَطِ " بِرَقْم: 6570]

وَقَالَ ثَابِت: أُصِيبَ عَبْدُ اللهِ بْن مُطَرِّف بمُصِيبَةٍ، فرَأَيْتُهُ أَحْسَنَ النَّاسِ عَزَاءً وَصَبرَاً؛ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَال: يَا أَبَا محَمَّد: أَتَأْمُرُني أَن أُرِيَ الشَّيطَانَ مِنْ نَفْسِي مَا يَسُرُّه 00؟!

ص: 5305

وَاللهِ يَا أَبَا محَمَّد؛ لَوْ كَانَتْ ليَ الدُّنيَا كُلُّهَا، ثمَّ أَخَذَهَا اللهُ مِنيِّ، ثمَّ سَقَاني يَوْمَ القِيَامَةِ شَرْبَةَ مَاء؛ رَأَيْتُها ثمَنَاً لِتِلْكَ الشَّرْبَة " 0

[ابْنُ القَيِّمِ في " عُدَّةِ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةِ الشَّاكِرِين " بِالبَابِ الخَامِسَ عَشَر]

وَقَدْ قِيلَ في المَأْثُورَات: " مَنْ بَلَغَ غَايَةَ مَا يحِبّ؛ فَليَتَوَقَّعْ غَايَةَ مَا يَكرَه "!!

أَلَا تُرِيدُ أَنْ تَصْعَدَ المَلَائِكَةُ إِلى بَارِئِهَا فَتَقُولَ لَه: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرَاً نِعْمَ العَبْد؟

وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ مَعَك؛ أَلَيْسَ اللهُ مَعَ الصَّابِرِين 00؟!

ص: 5306

كَانَ سَيِّدُنَا مُوسَى عليه السلام يمُرُّ في طَرِيقِهِ بِعَبْدٍ صَالح، كَانَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ وَجَدَهُ يُصَلِّي، فَمَرَّ بِهِ يَوْمَاً فَوَجَدَهُ مُمَزَّقَاً كُلَّ مُمَزَّق؛ فَقَالَ عليه السلام: يَا رَبّ؛ عَبْدُكَ فُلَانٌ تَتْرُكُهُ يحْدُثُ لَهُ هَذَا وَأَنْتَ تَسْمَعُ وَتَرَى 00؟!

قَالَ جل جلاله: يَا مُوسَى؛ إِنَّهُ طَلَبَ مَنزِلَةً مَا كَانَ لِيُدْرِكَهَا بِغَيرِ هَذَا 00!!

فَتَقَبَّلِ البَلَاءَ بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَكُلُّهُ تَكْفِيرٌ لِسَيِّئَاتِك 00

ص: 5307

وَاصْنَعْ كَذَلِكَ الأَعْرَابيِّ الأَحْدَب، الَّذِي جِيءَ بِهِ لِيُجْلَد، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِين: وَاللهِ لأَضرِبَنَّكَ حَتىَّ يَزُولَ حَدَبُك ـ وَالحَدَبُ هُوَ انحِنَاءُ الظَّهْرِ وَتَقَوُّسُه ـ فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابيّ: وَأَنَا وَاللهِ لأَصْبِرَنَّ صَبْرَ مَنْ يَرْجُو زَوَالَ حَدَبِه 0

مُصِيبَةُ مَن أُكِلَ حَقُّه

ص: 5308

عَن خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَال: كُنْتُ قَيْنَاً في الجَاهِلِيَّةِ ـ أَيْ حَدَّادَاً ـ وَكَانَ لي عَلَى العَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِم؛ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَال: لَا أَقْضِيكَ حَتىَّ تَكْفُرَ بمُحَمَّد، فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ يُمِيتَكَ اللهُ ثُمَّ يَبْعَثَك، قَالَ ـ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ مَا يَسْتَحِقّ: فَدَعْني حَتىَّ أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَأُوتَى مَالاً وَوَلَدَاً ثُمَّ أَقْضِيَك؛ فَنَزَلَتْ:

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدَاً {77} أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدَا {78} كَلَاّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدَّا} {مَرْيم}

ص: 5309

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (2425 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2795 / عَبْد البَاقِي]

قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْس: " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْتَصِفُونَ مِنْ ثَلَاثَة: حَلِيمٌ مِن أَحْمَق، وَبَرٌّ مِنْ فَاجِر، وَشَرِيفٌ مِنْ دَنيء " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ في " شُعَبِ الإِيمَانِ " بِرَقْم: 8460]

مُصِيبَةُ فَقْدِ الشَّيْء

المَرْءُ يجْمَعُ وَالزَّمَانُ يُفَرِّقُ * وَيَظَلُّ يَرْقَعُ وَالخُطُوبُ تُمَزِّقُ

{صَالحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوس}

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالى:

{وَإِنْ تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} {البَقَرَة/284}

ص: 5310

وَعَنْ قَوْلِهِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءَاً يُجْزَ بِهِ} {النِّسَاء/123} 00؟

فَقَالَتْ رضي الله عنها: مَا سَأَلَني عَنهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

" هَذِهِ مُعَاتَبَةُ اللهِ العَبْدَ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنَ الحُمَّى وَالنَّكْبَة، حَتىَّ البِضَاعَةُ يَضَعُهَا في كُمِّ قَمِيصِهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا؛ حَتىَّ إِنَّ العَبْدَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يخْرُجُ التِّبْرُ الأَحْمَرُ مِنَ الكِير " 0 [ضَعَّفَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في " سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ " بِرَقْم: (2991)، رَوَاهُ أَحْمَد 0 الكَنْز: 8647]

سَمَاحَةُ الصَّالحِين

ص: 5311

فَلَا تُضَيِّعْ وَقْتَكَ في البُكَاءِ عَلَى اللَّبَنِ المَسْكُوب؛ فَلَيْسَ كُلُّ مَا انْكَسَرَ يمْكِنُ إِصْلَاحُه 00!!

يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّالحِينَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَاً وَفي كُمِّهِ صُرَّةٌ فَافْتَقَدَهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ أُخِذَتْ مِنْ كُمِّهِ فَقَال: بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهَا؛ لَعَلَّهُ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنيِّ 00!!

مِنْ نَوَادِرِ الشُّعَرَاءِ وَالأُدَبَاءِ في المَفْقُودَات

مِن أَظْرَفِ مَا قِيلَ في المَفْقُودَاتِ قَوْلُ شَاعِرِنَا الْعَظِيم / محْمُود غُنِيم؛ في سَاعَةٍ فُقِدَتْ مِنهُ، فَاسْتَخْدَمَ التَّوْرِيَةَ قَائِلاً:

يَا سَاعَةً مَا أَنْتِ أَوَّلَ سَاعَةٍ * ضَيَّعْتُهَا في أُولَيَاتِ حَيَاتي

مَا دُمْتُ ضَيَّعْتُ السِّنِينَ فَمَا أَنَا * بِمُعَاتِبٍ نَفْسِي عَلَى السَّاعَاتِ

{محْمُود غُنَيْم}

ص: 5312

وَأَذْكُرُ أَنيِّ قَدْ ضَاعَتْ مِنيِّ مجْمُوعَةُ أَوْرَاقٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِي؛ فَكُنْتُ كُلَّمَا اشْتَدَّ إِلَيْهَا حَنِيني، وَأَعْيَاني الْبَحْثُ عَنهَا تَمَثَّلْتُ بِهَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَة:

{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرَاً مِنْهَا إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُون} {القَلَم/32}

فَإِذَا مَا طَرَقَني طَارِقٌ مِنَ الجَزَعِ فَيَئِسْتُ مِنْ رُجُوعِهَا؛ قُلْتُ لِنَفْسِي: لَا تهْتَمِّي وَلَا تحْزَني 00

فَمَنْ سَرَّهُ أَلَا يَرَى مَا يَسُوئُهُ * فَلَا يَتَّخِذْ شَيْئَاً يخَافُ لَهُ فَقْدَا

{ابْنُ الرُّومِي}

وَلَمْ أَزَلْ عَلَى أَمَل 00

لَعَلَّ يَدَ الأَيَّامِ تجْمَعُ بَيْنَنَا * وَتَرْحَمُ أَكْبَادَاً تَكَادُ تَذُوبُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

ص: 5313

وَكَثِيرَاً مَا كُنْتُ أَقُول: اللهُمَّ يَا مَنْ جَمَعْتَ بَينَ يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ؛ اجْمَعْ بَيْني وَبَينَ مَا ضَاعَ مِنيِّ 0

وَقَدْ يجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ بَعْدَمَا * يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لَا تَلَاقِيَا

{قَيْسُ بْنُ المُلَوَّحِ الْعَامِرِيّ 0 بِتَصَرُّف، بِاسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ الحَادِيَ عَشَرَ فَهُوَ لجَمِيل بُثَيْنَة}

وَهَذِهِ مُذَكِّرَاتٌ وَحَوَاشٍ كُنْتُ وَضَعْتُهَا عَلَى رِسَالَةِ قَطْرِ النَّدَى وَبَلِّ الصَّدَى لَابْنِ هِشَام، جَاءَتْ إِلى بَيْتي بَعْضُ قُوَى الظُّلْمِ وَالطُّغْيَان، وَذَهَبُواْ بِهَا في خَبر كَان، وَكَأَنَّ سِيبَوَيْهِ وَابْنَ هِشَام؛ مِنَ المَطْلُوبِينَ أَوِ الهَارِبِينَ مِنَ الأَحْكَام 00!!

ص: 5314

فَكُنْتُ أَتَعَجَّبُ لِهَذِهِ الْعُقُول؛ وَأَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَقُول:

رُدُّواْ عَلَيَّ قَبِيحَاً عِنْدَكُمْ حَسَنَاً * عِنْدِي أَرَى مَا ازْدَرَيْتُمْ مِنهُ كُبَّارَا

{ابْنُ الرُّومِي}

{عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَني بِهِمْ جَمِيعَا} {يُوسُف/83}

{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِير} {الشُّورَى/29}

ص: 5315

الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ ضَالَّتي

عَن أَبي القَاسِمِ بْنِ حُبَيْشٍ قَال: لَقَدْ جَرَتْ في هَذِهِ الدَّار ـ وَأَشَارَ إِلى دَارٍ قَرِيبَة ـ قِصَّةٌ عَجِيبَة، قَال: " كَانَ يَسْكُنُ في هَذِهِ الدَّارِ رَجُلٌ مِن التُّجَّار، مِمَّنْ يُسَافِرُ إِلى الكُوفَةِ في تجَارَةِ الخَزّ ـ أَيِ الحَرِير ـ فَاتَّفَقَ أَنْ جَعَلَ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنَ الخَزِّ في خُرْج ـ أَيْ في كِيسَينِ مُتَدَلِّيَينِ عَلَى ظَهْرِ حِمَار ـ وَسَارَ مَعَ القَافِلَة، فَلَمَّا نَزَلَتِ القَافِلَة؛ أَرَادَ إِنْزَالَ الخُرْجِ عَنِ الحِمَار،

ص: 5316

فَثَقُلَ عَلَيْه؛ فَأَمَرَ إِنْسَانَاً هُنَاكَ فَأَعَانَهُ عَلَى إِنْزَالِه، ثُمَّ جَلَسَ يَأْكُل، فَاسْتَدْعَى ذَلِكَ الإِنْسَانَ لِيَأْكُلَ مَعَه، فَسَأَلَهُ عَن أَمْرِه؛ فَأَخْبرَهُ أَنَّهُ مِن أَهْلِ الكُوفَة، وَأَنَّهُ خَرَجَ لحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ، بِغَيرِ زَادٍ وَلَا نَفَقَة؛ فَقَالَ لَهُ الرَّجُل: أَنَاْ تَاجِرٌ مِنَ المَوْصِل، فَكُنْ رَفِيقِي؛ تَخْدُمُني وَآنَسُ بِكَ في طَرِيقِي، وَنَفَقَتُكَ وَمُؤْنَتُكَ عَلَيّ 00؟

ص: 5317

فَقَالَ لَهُ الرَّجُل: وَأَنَا أَيْضَاً أَخْتَارُ صُحْبَتَك، وَأَرْغَبُ في مُرَافَقَتِك؛ فَسَارَ مَعَه في سَفَرِهِ وَخَدَمَهُ أَحْسَنَ خِدْمَة، إِلىَ أَنْ وَصَلَا إِلىَ تِكْرِيت، فَنزَلَتِ القَافِلَةُ خَارِجَ المَدِينَة، وَدَخَلَ النَّاسُ إِلى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، فَقَالَ التَّاجِرُ لِذَلِكَ الرَّجُل: احْفَظْ حَوَائِجَنَا حَتىَّ أَدْخُلَ المَدِينَةَ وَأَشْتَرِيَ مَا نحْتَاجُ إِلَيْه،

ص: 5318

ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةَ وَقَضَى جَمِيعَ حَوَائِجِه، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يجِدِ القَافِلَةَ وَلَا الْغُلَام؛ فَظَنَّ أَنَّ الْغُلَامَ رَحَلَ مَعَ القَافِلَة؛ فَلَمْ يَزَلْ يَسِيرُ وَيُجِدُّ في السَّيرِ إِلى أَن أَدْرَكَ القَافِلَةَ بَعْدَ جَهْدٍ عَظِيم، فَسَأَلهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ فَقَالُواْ: مَا رَأَيْنَاهُ وَلَا جَاءَ مَعَنَا، وَلَكِنَّهُ رَحَلَ عَلَى أَثَرِكَ حِينَ أَطَلْتَ المَغِيب، فَظَنَنَّا أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِذَلِك، فَكَرَّ الرَّجُلُ رَاجِعَاً إِلى تِكْرِيت، وَسَأَلَ عَنِ الرَّجُلِ فَلَمْ يجِدْ لَهُ أَثَرَاً، وَلَا سَمِعَ لَهُ خَبرَاً، فَيَئِسَ مِنهُ وَرَجَعَ إِلىَ المَوْصِل ـ بَلَدِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنهُ ـ مَسْلُوبَ المَال، وَصَلَهَا نهَارَاً فَقِيرَاً جَائِعَاً حَرَضَاً مِنْ شِدَّةِ الإِعْيَاء، فَاسْتَحَى أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارَاً فَيُشْمِتَ بِهِ

ص: 5319

الأَعْدَاء 00

وَلَقَدْ تَمُرُّ عَلَى الفَتى نَكَبَاتُهُ * فَتَهُونُ غَيْرَ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ

{ابْنُ أَبي عُيَيْنَة}

فَاسْتَخْفَى إِلىَ اللَّيْلِ ثُمَّ عَادَ إِلىَ دَارِهِ في الدُّجَى؛ لِئَلَاّ يَسُوءَ الصَّدِيقَ أَوْ يَسُرَّ الْعِدَى 00

فَطَرَقَ البَابَ فَقِيلَ مَن هَذَا 00؟

ص: 5320

قَالَ فُلَان ـ يَعْني نَفْسَه ـ فَأَظْهَرُواْ لَهُ سُرُورَاً عَظِيمَاً وَحَاجَةً إِلَيْه، وَقَالُواْ الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ في هَذَا الوَقْت؛ فَإِنَّكَ أَخَذْتَ مَالَكَ مَعَكَ وَمَا تَرَكْتَ لَنَا نَفَقَةً كَافِيَة، وَأَطَلْتَ سَفَرَكَ وَاحْتَجْنَا إِلى مَالٍ فَلَمْ نجِدْ، وَقَدْ وَضَعَتِ امْرَأَتُكَ اللَّيْلَة، وَاللهِ مَا وَجَدْنَا مَا نَشْتَرِي بِهِ شَيْئَاً لِلنُّفَسَاء، فَأْتِنَا بِدَقِيقٍ وَدُهْنٍ نُسْرِجُ بِه، فَإِنَّهُ لَا سِرَاجَ عِنْدَنَا، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ ذَلِكَ ازْدَادَ غَمَّا عَلَى غَمّ، وَكَرِهَ أَنْ يخْبرَهُمْ بحَالِهِ فَيُحْزِنهُمْ بِذَلِك، فَأَخَذَ وِعَاءً لِلدُّهْنِ وَوِعَاءً لِلدَّقِيق، وَخَرَجَ إِلى حَانُوتٍ أَمَامَ دَارِه، وَكَانَ فِيهِ رَجُلٌ يَبِيعُ الدَّقِيقَ وَالزَّيْتَ وَالعَسَل، وَكَانَ التَّاجِرُ قَدْ أَطْفَأَ

ص: 5321

سِرَاجَهُ وَأَغْلَقَ حَانُوتَهُ وَنَام، فَنَادَاهُ فَعَرَفَه، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَانَقَهُ وَحَمِدَ اللهَ عَلَى سَلَامَتِه، فَقَالَ لَهُ افْتَحْ حَانُوتَكَ وَأَعْطِنَا مَا نحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَقِيقٍ وَعَسَلٍ وَدُهْن، فَنزَلَ البَائِعُ إِلى حَانُوتِهِ وَأَوْقَدَ المِصْبَاحَ وَوَقَفَ يَكِيلُ لَهُ مَا طَلَبَ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ حَانَتْ مِنَ التَّاجِرِ التِفَاتَةٌ في الحَانُوت، فَرَأَى خُرْجَهُ الَّذِي هَرَبَ بِهِ خَادِمُه؛ فَلَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ أَنْ وَثَبَ إِلَيْهِ وَالتَزَمَهُ وَقَال: ادْفَعْ إِليَّ مَالي يَا عَدُوَّ الله، فَقَالَ لَهُ التَّاجِر: مَا هَذَا يَا فُلَان 00؟!

ص: 5322

قَالَ هَذَا خُرْجِي، هَرَبَ بِهِ خَادِمِي وَأَخَذَ حِمَارِي وَجَمِيعَ مَالي، فَقَالَ التَّاجِر: وَاللهِ مَا لي بِذَلِكَ مِن عِلْم، غَيرَ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ عَلَيَّ بَعْدَ العِشَاء؛ يَشْتَرِي مِنيِّ الْعَشَاء، وَأَعْطَاني هَذَا الخُرْجَ فَجَعَلْتُهُ في حَانُوتي وَدِيعَةً إِلى أَنْ يُصْبِح، وَالحِمَارُ في دَارِي وَالرَّجُلُ في المَسْجِدِ نَائِم،

فَحَمَلَا الخُرْجَ وَمَضَيَا إِلىَ الرَّجُل، فَإِذَا الرَّجُلُ نَائِمٌ في المَسْجِد، فَوَكَزَهُ التَّاجِرُ المَوْصِلِيُّ صَاحِبُ المَالِ بِرِجْلِهِ، فَقَامَ الرَّجُلُ فَزِعَاً، فقال لَهُ التَّاجِرُ المَوْصِلِيّ: أَيْنَ مَالي يَا خَائِن 00؟

قَالَ هَا هُوَ في خُرْجِك، وَاللهِ مَا أَخَذْتُ مِنهُ خَرْدَلَة، قَالَ فَأَيْنَ الحِمَارُ وَآلَتُه 00؟

ص: 5323

قَالَ هُوَ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي مَعَكَ، فَسَأَلَهُ التَّاجِرُ أَيْنَ كُنْت 00؟!

ص: 5324

فَقَالَ الرَّجُل: قَدِ انْتَظَرْتُكَ طَوِيلاً فَلَمْ تَجِئْ، حَتىَّ هَمَّتِ القَافِلَةُ بِالمَسِير، فَاسْتَأْذَنْتُهُمْ أَن أَنْطَلِقَ في أَثَرِكَ فَلَمْ أَعْثُرْ عَلَيْك، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا القَافِلَةُ قَدْ سَارَتْ؛ فَعُدْتُ أَدْرَاجِيَ حَتىَّ أُؤَدِّيَ الأَمَانَةَ إِلى أَهْلِ بَيْتِك، فَوَصَلْتُ إِلى المَوْصِلِ في ظُلْمَةِ اللَّيْل، فَقُلْتُ أَنَامُ في المَسْجِدِ إِلى الصُّبْحِ ثُمَّ أَمْضِي لأَهْلِ بَيْتِك 00 فَعَفَا عَنهُ التَّاجِرُ المَوْصِلِيُّ وَخَلَّى سَبِيلَه، ثمَّ مَضَى بخُرْجِهِ إِلى دَارِهِ؛ فَوَجَدَ مَتَاعَهُ سَالِمَاً، فَوَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ وَأَخْبرَهُمْ بِقِصَّتِهِ؛ فَازْدَادُواْ سُرُورَاً وَفَرَحَاً، وَتَبرَّكُواْ بِذَلِكَ المَوْلُود، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَخِيبُ قَاصِدًه، وَلَا يَنْسَى مَنْ يَعْبُدُه 00!!

ص: 5325

[الأَبْشِيهِيُّ في كِتَابِ " المُسْتَطْرَفِ في كُلِّ فَنٍّ مُسْتَظْرَف " بِالبَابِ السَّابِعِ وَالخَمْسِين: بَابِ اليُسْرِ بَعْدَ العُسْرِ بِتَصَرُّفٍ يَسِير]

سُبْحَانَ مَنْ بَدَّلَ حُسْنَاً بَعْدَ سُوء

حَكَى أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ في كِتَابِهِ " سِرَاجِ المُلُوكِ " عَن أَحَدِ الصَّالحِينَ قَال:

ص: 5326

" كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ أَبي حَفْصٍ جُزْءً امِنَ الحَدِيث، في حَانُوتِ رَجُلٍ عَطَّار، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُ في الحَانُوت؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الطَّوَّافِين، مِمَّنْ يَبِيعُ العِطْرَ في طَبَقٍ يحْمِلُهُ عَلَى يَدِه، فَدَفَعَ إِلَيْهِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَه: أَعْطِني بهَا أَشْيَاءَ سَمَّاهَا لَهُ مِنَ العِطْر، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَأَخَذَهَا، ثُمَّ هَمَّ العَطَّارُ بِالقِيَامِ لِشَأْنِه؛ فَسَقَطَ الطَّبَقُ مِنْ يَدِهِ فَانْسَكَبَ جَمِيعُ مَا فِيه، فَبَكَى وَجَزِعَ حَتىَّ رَحِمْنَاه؛ فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ لِصَاحِبِ الحَانُوت: لَعَلَّكَ تُعِينُهُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الأَشْيَاء 00؟

ص: 5327

فَقَالَ سَمْعَاً وَطَاعَة، فَنزَلَ وَأَعْطَى الرَّجُلَ الطَّوَّافَ مَا قَدَرَ عَلَيْه، وَأَقْبَلَ الشَّيْخُ عَلَيْهِ يُصَبِّرُهُ وَيَقُولُ لَه: لَا تَجْزَعْ، إِنَّ أَمْرَ الدُّنيَا أَيْسَرُ مِنْ ذَلِك، فَقَالَ الطَّوَّاف: أَيُّهَا الشَّيْخ؛

ص: 5328

لَيْسَ جَزَعِي لِضَيَاعِ مَا ضَاع، لَقَدْ عَلِمَ اللهُ جل جلاله أَنيِّ كُنْتُ في القَافِلَةِ الفُلَانِيَّة، فَضَاعَ لي هِمْيَانٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَار، وَمَعَهَا فُصُوصٌ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ فَمَا جَزِعْت؛ حَيْثُ كَانَ لَدَيَّ مِنْ رَأْسِ المَالِ مَا يَصْلُحُ بِهِ حَالي، وَأُنْفِقُ مِنهُ عَلَى عِيَالي، وَلَكِنْ وُلِدَ لي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَد، فَاحْتَجْنَا لأُمِّهِ مَا يُحْتَاجُ لِلنُّفَسَاء، وَلَمْ يَكُن عِنْدِي بَعْدَ ذَهَابِ تجَارَتي غَيرُ مِاْئَةِ دِرْهَم، فَخَشِيتُ أَن أَشْتَرِيَ بهَا حَاجَةَ النُّفَسَاءِ فَأَبْقَى بِلَا رَأْسِ مَال، وَأَنَا قَدْ صِرْتُ شَيْخَاً كَبِيرَاً لَا أَقْدِرُ عَلَى الكَسْب؛

ص: 5329

فَقُلْتُ في نَفْسِي: أَشْتَرِي بِهَا شَيْئَاً مِنَ العِطْر، فَأَطُوفُ بِهِ صَدْرَ النَّهَارِ عَسَى أَنْ يُرْبحَني اللهُ شَيْئَاً أَسُدُّ بِهِ حَاجَتي، وَأُنْفِقُ مِنهُ عَلَى زَوْجَتي، وَيَبْقَى رَأْسُ المَالِ كَمَا هُوَ، فَاشْتَرَيْتُ هَذَا العِطْر، فَحِينَ انْسَكَبَ الطَّبَقُ عَلِمْتُ أَنَّه لَمْ يَبْقَ لي إِلَا الفِرَارُ مِنهُم؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَدَّى إِلى جَزَعِي، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الجُنْدِ جَالِسَاً إِلى جَانِبي يَسْمَعُ الحَدِيث، فَقَالَ لأَبي حَفْص: يَا سَيِّدِي، أُرِيدُ أَنْ تَأْتيَ بهَذَا الرَّجُلِ إِلى مَنزِلي، فَأَتَيْنَاهُ فَأَدْخَلَنَاهُ إِلى مَنزِلِه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الطَّوَّافِ وَقَالَ لَه: عَجِبْتُ مِنْ جَزَعِك 00؟!

فَأَعَادَ عَلَيْهِ القِصَّة، فَقَالَ لَهُ الجُنْدِيّ: وَكُنْتَ في تِلْكَ القَافِلَة 00؟

ص: 5330

قَالَ نَعَمْ، وَكَانَ مَعِي فِيهَا فُلَانٌ وَفُلَان، فَعَلِمَ الجُنْدِيُّ صِحَّةَ قَوْلِهِ فَقَالَ لَهُ: وَمَا عَلَامَةُ هِمْيَانِك؟

وَفي أَيِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ مِنْك 00؟

فَوَصَفَ لَهُ المَكَانَ وَالعَلَامَة، فَقَالَ لَهُ الجُنْدِيّ: إِذَا رَأَيْتَهُ تَعْرِفُه 00؟

ص: 5331

قَالَ نَعَمْ، فَأَخْرَجَ الجُنْدِيُّ لَهُ هِمْيَانَاً وَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيْه، فَصَاحَ الشَّيْخُ حِينَ رَآهُ وَقَال: هَذَا هِمْيَاني وَاللهِ، وَعَلَامَةُ صِحَّةِ قَوْلي؛ أَنَّ فِيهِ مِنَ الفُصُوصِ كَيْتَ وَكَيْت، فَفَتَحُواْ الهِمْيَانَ فَوَجَدُوهُ كَمَا ذَكَر، فَسَجَدَ الرَّجُلُ للهِ شُكْرَاً، ثمَّ قَامَ فَقَبَّلَ رَأْسَ الجُنْدِيِّ وَشَكَرَهُ عَلَى أَمَانَتِه، وَعَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضَ المَالِ فَقَال: خُذْ مَالَكَ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيه، فَقَالَ الطَّوَّاف: إِنَّ هَذِهِ الفُصُوصَ قِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَأَكْثَر، فَخُذْهَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِذَلِك 00؟

ص: 5332

فَقَالَ الجُنْدِيّ: مَا كُنْتُ لآخُذَ عَلَى أَمَانَتي أَجْرَاً، وَلَقَدْ تحَسَّسْتُ الأَخْبَار؛ رَجَاءَ أَن أَسْمَعَ مَنْ يُنْشُدُهَا فَلَمْ أَجِدْ، فَتَرَكْتُهَا كَمَا هِيَ حَتىَّ يَأْتيَ صَاحِبُهَا، وَهَا أَنْتَ ذَا قَدْ أَتَيْت، وَأَبى أَنْ يَأْخُذَ شَيْئَا، فَأَخَذَ الطَّوَّافُ هِمْيَانَهُ وَمَضَى، وَهُوَ في غَايَةِ السُّرُورِ وَالرِّضَى، فَسُبْحَانَ الله 00 دَخَلَ الطَّوَّافُ وَهُوَ مِنَ الفُقَرَاءِ المَسَاكِين، وَخَرَجَ وَهُوَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ المَتْرَفِين "0

[الأَبْشِيهِيُّ في كِتَابِ " المُسْتَطْرَف " بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف، البَابُ السَّابِعُ وَالخَمْسُون: بَابِ اليُسْرِ بَعْدَ العُسْرِ]

مُصِيبَةُ العَزْل

ص: 5333

مِن أَطْرَفِ مَا قِيلَ في الْعَزْلِ قَوْلُهُمْ في رَجُلٍ صَالحٍ كَانَ بَارَّاً بِالنَّاسِ قَاضِيَاً لحَوَائِجِهِمْ، فَعَزَلُوهُ وَجَاءُ واْ كَالعَادَةِ بِرَجُلِ سَوْء، فَنَدِمَ عَلَيْهِ أَحَدُ الأُدَبَاءِ الَّذِينَ كَانَ يحْسِنُ إِلَيْهِمْ فَقَال:

رَاحَ الَّذِي كُنَّا نَعِيشُ بِفَضْلِهِ بَيْنَ الوَرَىرَ

وَأَتَى الَّذِينَ حَيَاتُهُمْ وَوُجُودُهُمْ مِثْلُ الخَرَا

مُصِيبَةُ رَفْضِ الشَّابِّ عِنْدَ التَّقَدُّمِ لخِطْبَةِ فَتَاة

الحُبُّ أَعْظَمُ مَا يُبْلَى بِهِ الرَّجُلُ * وَالشِّعْرُ عَوْنٌ لِمَنْ ضَاقَتْ بِهِ الحِيَلُ

{الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ بِتَصَرُّف}

ص: 5334

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَال:

" تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ رضي الله عنه وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ مِن خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأَوْقَصِ رضي الله عنها، وَأَوْصَى إِلى أَخِيهِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه، وَهُمَا خَالَاي، فَمَضَيْتُ إِلى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه أَخْطُبُ ابْنَةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه؛ فَزَوَّجَنِيهَا، وَدَخَلَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَة ـ يَعْني إِلى أُمِّهَا ـ فَأَرْغَبَهَا في المَالِ فَحَطَّتْ إِلَيْه، وَحَطَّتِ الجَارِيَةُ إِلى هَوَى أُمِّهَا؛ فَأَبَيَا ـ أَيْ رَفَضَا خِطْبَتي ـ حَتىَّ ارْتَفَعَ أَمْرُهُمَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُون: يَا رَسُولَ الله؛ ابْنَةُ أَخِي أَوْصَى بِهَا إِلَيّ، فَزَوَّجْتُهَا ابْنَ عَمَّتِهَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه، فَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا في الصَّلَاحِ وَلَا في الكَفَاءة، وَلَكِنَّهَا امْرَأَة ـ أَيْ نَاقِصَةُ عَقْل ـ وَإِنَّمَا حَطَّتْ إِلى هَوَى أُمِّهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" هِيَ يَتِيمَةٌ وَلَا تُنْكَحُ إِلَاّ بِإِذْنِهَا " 0

فَانْتُزِعَتْ وَاللهِ مِنيِّ بَعْدَ أَنْ مَلَكْتُهَا، فَزَوَّجُوهَا المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَة " 0

[صَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6136، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد، وَالحَاكِمُ بِاخْتِصَارٍ وَقَالَ فِيهِ الذَّهَبيّ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين]

ص: 5335

لَقَدْ سَعَيْتُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ لِلزَّوَاجِ مِنْ فَتَاةٍ أَحْبَبْتُهَا حُبَّاً جَمَّاً وَتَمَنَّيْتُهَا لِنَفْسِي؛ فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذَلِك، وَحِيلَ بَيْني وَبَينَ مَا أَتَمَنَّاه؛ وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي لَا يُحْمَدُ عَلَى مَكْرُوهٍ سِوَاه 00!!

وَلأَنَّ مَنْ رَأَى بَلْوَى غَيرِهِ هَانَتْ عَلَيْهِ بَلْوَاه؛ قَرَّرْتُ أَخِيرَاً بَعْدَمَا تَرَدَّدْتُ كَثِيرَاً أَن أَذْكُرَ قِصَّتي؛ عَلَّهَا تُهَوِّنُ عَلَى مَنِ اسْتَبَدَّتْ بِهِ الأَحْزَان، وَأَفْضَى بِهِ الأَمْرُ إِلى الحِرْمَان؛ فَيَجِدَ فِيهَا السُّلْوَان:

ـ أَمَّا البِنْتُ الأُولى: فَكَانَتْ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا السِّعْدَة، بِمَرْكَزِ فَاقُّوسٍ بمُحَافَظَةِ الشَّرْقِيَّة:

تِلْكَ الفَتَاةُ تَرَبَّعَتْ عَلَى عَرْشِ قَلْبي، وَكُلَّمَا قُلْتُ أَنْسَاهَا تجَدَّدَتْ ذِكْرَاهَا 00!!

ص: 5336

لَا أَقُولُ أَنهَا كَانَتْ فَاتِنَة، إِلَاّ أَنِّي عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْتُ فَتَاةً مِثْلَهَا، لَمْ تُعْجِبْني أَوَّلَ مَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ بَدَأَ التَّحَوُّلُ حِينَمَا ذَهَبْتُ لِرُؤْيَتِهَا وَسَمِعْتُ كَلَامَهَا، أَدَبٌ جَمّ، وَاتِّزَانٌ تَامّ، وَهُدُوءٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، فَهِمْتُ بِهَا وَأَحْبَبْتُهَا حُبَّاً شَدِيدَاً؛ وَلِذَا عِنْدَمَا بَلَغَني تَرَدُّدُ أَهْلِهَا بَعْدَ مُوَافَقَتِهَا حَزِنْتُ حُزْنَاً شَدِيدَاً، وَعِنْدَمَا قَالَ ليَ الصَّدِيقُ الوَسِيطُ لَدَيَّ أَجْمَلُ مِنهَا؛ قُلْتُ لَهُ: قَدْ يُوجَدُ أَجْمَلُ مِنهَا، أَمَّا أَكْثَرُ مِنهَا اتِّزَانَاً وَرَزَانَةً فَلَا أَظُنّ، ثُمَّ انْتَهَى الأَمْرُ إِلى عَدَمِ مُوَافَقَتِهَا؛ فَقُلْتُ:

ص: 5337

{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرَاً مِنْهَا إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} {القَلَم: 32}

اللهُمَّ أْجُرْني خَيرَاً في مُصِيبَتي فِيهَا وَاخْلُفْ لي خَيرَاً مِنهَا 00!!

يَبْدُو أَنَّ الْوَقَارَ وَالَاتِّزَانَ لَيْسَا كُلَّ شَيْءٍ في الفَتَاة، وَأَنَّ رَزَانَةَ القَوْل؛ لَا تَعْني حِكْمَةَ العَقْل، وَأَنَّ الأَهْلَ وَالأَصْل؛ يَلْعَبَانِ دَوْرَاً كَبِيرَاً في اخْتِيَارِ الفَتَاة 00

ـ أَمَّا البِنْتُ الثَّانِيَة: فَكَانَتْ مِنْ " مُطُول " بمَرْكَزِ إِطْسَا محَافَظَةِ الفَيُّوم، أَحْبَبْتُهَا حُبَّاً جَمَّاً، وَلَمَّا عَلِمَتْ هِيَ أَنيِّ تَقَدَّمْتُ إِلى وَالِدِهَا وَرَفَض؛ سَاءهَا ذَلِكَ وَقَالَتْ: لِمَ رَدَّهُ أَبي 00؟!

ص: 5338

وَحَاوَلْتُ مَرَّةً أُخْرَى دُونَ جَدْوَى، وَكَانَ السَّبَب: لَمْ تُعْجِبْهُ غُرْفَةُ النَّوْم؛ حَيْثُ اشْتَرَتْ لي وَالِدَتي غُرْفَةً مُسْتَعْمَلَةً فَأَصْلَحْتُهَا وَطَلَيْتُهَا طِلَاءً حَسَنَاً، وَلَمْ يَكُنْ بِاسْتِطَاعَتي شِرَاءُ غُرْفَةٍ جَدِيدَة؛ فَضَاعَتْ مِنيِّ وَتَزَوَّجَهَا غَيرِي 00!!

لَمْ يُخْطِئْ وَاللهِ سَمِيرٌ الْقَاضِي / الشَّاعِرُ المَشْهُور؛ عِنْدَمَا قَالَ مُنَدِّدَاً بِغَلَاءِ المُهُور:

أُحِبُّ أَنَا لَيْلَى وَلَيْلَى تحِبُّني * وَلَكِن أَبُو لَيْلَى عَنِيدٌ وَمُفْتَرِ

فَيَطْلُبُ مَهْرَاً لَا سَبِيلَ لِدَفْعِهِ * وَيَقْصِمُ ظَهْرِي عِنْدَ ذِكْرِ المُؤَخَّرِ

أَيَرْفُضُني عَمِّي لأَنِّي مُوَظَّفٌ * وَأُنْفِقُ أَمْوَالي عَلَى حُسْنِ مَظْهَرِي

وَعَمِّيَ جَزَّارٌ وَيَمْلِكُ مَطْعَمَاً * وَيَأْكُلُ بُفْتِيكَاً وَيَأْكُلُ جَمْبرِيِ

ص: 5339

يَقِيسُ نجَاحَ المَرْءِ بِالمَالِ وَحْدَهُ * وَلَوْ جَمَعَ الأَمْوَالَ مِن أَيِّ مَصْدَرِ

أَيَهْزَأُ بي عَمِّي وَيَكْرَهُ سِيرَتي * وَيَبْحَثُ عَنْ زَوْجٍ ثَرِيٍّ وَفَنْجَرِي

وَقَدْ قَالَ إِنيِّ لَسْتُ أَمْلِكُ مَنْزِلاً * وَأَسْكُنُ في بَيْتٍ قَدِيمٍ مُؤَجَّرِ

وَلَا أَحْمِلُ المحْمُولَ كَالنَّاسِ في يَدِي * وَلَا مَالَ عِنْدِي كَيْ أَبِيعَ وَأَشْتَرِيرِ

وَيَزْعُمُ عَمِّي أَنَّني صِرْتُ صَائِعَاً * وَيَغْضَبُ جِدَّاً عِنْدَ رُؤْيَةِ مَنْظَرِيرِ

تجَاهَلَ أَخْلَاقِي وَعِلْمِي وَحِكْمَتي * وَقَالَ بِأَنيِّ فَاشِلٌ غَيرُ عَبْقَرِيرِ

وَمَا كَانَ مِنهُمْ بَعْدَ طُولِ تَرَدُّدِي * سِوَى أَنَّ لَيْلَى زَوَّجُوهَا لِسَمْكَرِيرِ

ـ وَالثَّالِثَةُ كَانَتْ مِنْ بَني سوِيف، ظَلَّ أَبُوهَا يُعْطِيني الأَمَلَ حَتىَّ قَضَى حَاجَتَهُ وَلَمْ يَقْضِ حَاجَتي 0

ص: 5340

ـ وَالرَّابِعَةُ رَأَيْتُهَا فَأَعْجَبَتْني وَأَعْجَبَني هُدُوؤُهَا، فَسَأَلْتُ عَنهَا قَدْرَ مَا أَمْكَنَني فَأَرْضَاني مَا سَمِعْت، وَالِدُهَا إِنْسَانٌ مُتَدَيِّن، إِلَاّ أَنَّهُ رَفَضَ سَامحَهُ اللهُ بِدُونِ أَنْ يُبْدِيَ أَسْبَابَ الرَّفْض 0

ص: 5341

ـ أَمَّا الخَامِسَةُ فَكَانَتْ تمُرُّ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ في مَكَانِ عَمَلِي لِقُرْبِهِ مِنْ مَكَانِ عَمَلِهَا، رَأَيْتُهَا فَأَعْجَبَني جَمَالُهَا وَسَيْرُهَا، ثُمَّ اخْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ، حَتىَّ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَيْتُهَا وَعَرَفْتُ مَكَانَ عَمَلِهَا، وَأَرَدْتُ التَّقَدُّمَ إِلَيْهَا، إِلَاّ أَنيِّ لَمْ أَجِدْ مَنْ يُمَهِّدُ لي، لَا سِيَّمَا أَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ في مَكَانٍ حَسَّاس، لَيْتَني وَجَدْتُ عَلَى الخَيرِ أَعْوَانَاً كَمَا يجِدُ غَيرِي عَلَى الشَّرِّ أَعْوَانَا 00!!

ص: 5342

ـ أَمَّا السَّادِسَةُ فَكَانَتْ مِن عِزْبَة رَحِيل، بمَرْكَز أَبشِوَايَ بمحَافَظَةِ الفَيُّوم: وَوَافَقَتْ عَلَى الزَّوَاجِ وَوَافَقَ أَهْلُهَا، إِلَاّ أَنَّ أُمَّهَا سَامحَهَا اللهُ رَفَضَتْ ذَهَابهَا إِلى القَاهِرَة؛ فَانْتَهَتْ فِكْرَةُ الزَّوَاجِ إِلى لَا شَيْء!!

ـ أَمَّا السَّابِعَةُ فَكَانَتْ تِلْمِيذَةً مَعِي في مَدْرَسَة " نَبِيلِ الوَقَّادِ الاِبْتِدَائِيَّة " 0

ص: 5343

كَانَ يجْمَعُنَا كُلَّ يَوْمٍ طَرِيقٌ وَاحِد، كَمَا جَمَعَتْنَا مَدْرَسَةٌ وَاحِدَة، كَانَتْ تَأْلَفُني لِدَرَجَةِ أَنهَا كَانَتْ تَكْتُبُ بِالطَّبَاشِيرِ اسْمِي عَلَى جُدْرَانِ الطَّرِيق، وَكُنْتُ أُحِبُّهَا لِدَرَجَةِ أَنِّي لَمْ أَنْسَ وَقَدْ مَرَّ عَلَى افْتِرَاقِنَا أَكْثَرُ مِن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَة؛ رَائِحَةَ المَنَادِيلِ الَّتي كَانَتْ تحِبُّهَا، رَأَيْتُهَا مُنْذُ عَامَينِ وَقَدْ كَبرَتْ، إِلَاّ أَنَّهَا كَانَتْ بِرُفْقَةِ صَدِيقَاتِهَا فَاسْتَحْيَيْتُ أَن أُحَدِّثَهَا، وَعَلَى الرَّغْمِ مِن عَدَمِ تَأَكُّدِي مِنهَا؛ إِلَاّ أَنيِّ ظَلَلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ أَكْثرَ مِن عِشْرِينَ مَرَّة؛ طَمَعَاً في رُؤْيَتِهَا فَلَمْ أَرَهَا 0

ـ أَمَّا الثَّامِنَةُ وَالأَخِيرَة: فَقَدْ كَانَتْ مِنْ مَرْكَز أَشْمُون بِمُحَافَظَةِ المُنُوفِيَّة:

ص: 5344

كَانَ ظُهُورُهَا في حَيَاتي بمَحْضِ الصُّدْفَة، حَيْثُ كُنْتُ هُنَاكَ بِصَدَدِ البَحْثِ عَن عَرُوسٍ فَلَمْ أُوَفَّقْ، وَبَيْنَمَا أَنَا بِسَبِيلِ التَّأَهُّبِ لِلرَّحِيلِ إِذْ بَصُرْتُ بهَا فَوَقَعَتْ في قَلْبي؛ فَسَأَلْتُ عَنهَا 00؟

فَقِيلَ لي إِنَّهَا مخْطُوبَة، فَعُدْتُ إِلى أَهْلِي بِالقَاهِرَةِ وَحَاوَلْتُ أَن أَتَنَاسَاهَا وَلَكِنْ دُونَ فَائِدَة، وَكُنْتُ أَسْأَلُ بَينَ الحِينِ وَالحِينِ عَن أَخْبَارِهَا 00

لَعَلَّ يَدَ الأَيَّامِ تجْمَعُ بَيْنَنَا * وَتَرْحَمُ أَكْبَادَاً تَكَادُ تَذُوبُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

حَتىَّ بَدَأْتُ الَانْشِغَالَ بِطَبْعِ أُولَيَاتِ مُؤَلَّفَاتي، وَمَرَّ بي مِنَ الشُّهُورِ مَا مَرّ، ثمَّ سَأَلْتُ عَنهَا 00؟

ص: 5345

فَقِيلَ لي: لَقَدْ فُسِخَتْ خِطْبَتُهَا مُنْذُ أَسَابِيع، فَأَخَذْتُ وَالِدَتي وَسَافَرْنَا في أَوَّلِ قِطَار، وَمَا أَن هَبَطَتْ أَقْدَامُنَا أَرْضَ القَرْيَةِ حَتىَّ سَأَلْنَا عَن أَخْبَارِهَا 00؟

فَقِيلَ لَنَا: لَقَدْ خُطِبَتْ يَوْمَ الخَمِيسِ المَاضِي 00!!

فَعُدْتُ في حَالٍ يُرْثَى لهَا، وَكَمَا أَنَّ أَحْلَى الرَّجَاءِ الرَّجَاءُ بَعْدَ اليَأْس؛ فَأَمَرُّ اليَأْسِ اليَأْسُ بَعْدَ الرَّجَاء!!

ثمَّ عَلِمْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بِانْفِسَاخِ تِلْكَ الخِطْبَةِ الأَخِيرَة ـ حَيْثُ كَانَتْ هَدَاهَا اللهُ لَا يُعْجِبُهَا أَحَد ـ فَطَلَبْتُهَا مِنْ وَالِدِهَا؛ فَطَلَبَ إِمْهَالَهُ فَتْرَة؛ ثُمَّ كَانَ الرَّفْضُ الَّذِي يُقَطِّعُ الْفُؤَاد، وَيُمَزِّقُ الأَكْبَاد 00

ص: 5346

وَالشَّاعِرُ وَحْدَهُ دُونَاً عَنِ النَّاسِ كَافَّة؛ إِذَا أَحَبَّ أَحَبَّ حُبَّاً كَبِيرَا، وَإِذَا حَزِنَ حَزِنَ حُزْنَاً مَرِيرَا، سُبْحَانَ الله؛ الَّتي تُقَدِّرُكَ لَا تُعْجِبُك، وَالَّتي تُعْجِبُكَ لَا تُقَدِّرُك 00!!

أَنَاْ لَمْ أَنْسَ يَوْمَاً أَنيِّ تَقَدَّمْتُ لِفَتَاةٍ في مِصْر: مُطَلَّقَة، وَعَرْجَاء، وَلَا تَقْرَأْ وَلَا تَكْتُب، وَسُبْحَانَ الله؛ رَفَضُواْ، رَغْمَ أَنيِّ كُنْتُ مُؤَلِّفَاً آنَذَاكَ وَلي أَعْمَالٌ مَطْبُوعَةٌ وَعِنْدِي شَقَّة، وَلَكِن هَكَذَا الدُّنيَا:

إِذَا أَقْبَلَتْ بَاضَ الحَمَامُ عَلَى الوَتَدْ * وَإِن أَدْبَرَتْ بَصَقَ الحِمَارُ عَلَى الأَسَدْ

لَقَدْ عَرَكَنَا الزَّمَان، وَجَرَّعَنَا الحِرْمَان؛ حَتىَّ رَوَّضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى الأَحْزَان 00

ص: 5347

كَمْ إِنَّهُ لمَرِيرٌ جِدَّاً أَنْ تخْتَارَ فَتَاةً؛ ثمَّ تَكْتَشِفُ أَنَّكَ قَدْ أَسَأْتَ اخْتِيَارَك، وَالأَمَرُّ مِنهُ أَنْ لَا تجِدَ الفَتَاةَ البَدِيلَةَ الَّتي تَرُدُّ بِهَا اعْتِبَارَك 00!!

إِنَّهُ لَشُعُورٌ قَاتِلٌ أَنْ تَشْعُرَ أَنَّكَ إِنْسَانٌ غَيرُ مَرْغُوبٍ فِيه 00!!

كَأَنَّكَ مَطْلِيٌّ بِهِ القَارُ أَجْرَبُ

{النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيّ}

لَمْ أَكُنِ الشَّابَّ الَّذِي إِنْ سَارَ اهْتَزَّتْ لَهُ الأَرْكَان، وَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِالبَنَان، وَالبَنَاتُ يُعْجِبُهُنَّ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الشُّبَّان، فَفَتَاةُ هَذَا الجِيل: لَمْ تَعُدْ تَبْحَثُ عَنِ الشَّابِّ الأَصِيل، أَوِ الْعَالِمِ الجَلِيل، وَإِنَّمَا لَهَا مَآرِبُ أُخْرَى مِنْ دُونِ ذَلِك 00

ص: 5348

وَنَعُودُ فَنَقُول: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مُصِيبَتَنَا في دُنيَانَا وَلَمْ يجْعَلْهَا في دِينِنَا؛ فَغَيرُنَا أَعْطَاهُ اللهُ مَا حَرَمَنَا، وَلَكِن حَرَمَهُ مِمَّا أَعْطَانَا: حَرَمَهُ مِنَ الخَير، حَرَمَهُ مِنَ الدِّين، حَرَمَهُ مِن أَعْمَالِ البرّ 00

لَا يُصَلِّي، وَإِنْ صَلَّى لَا يُزَكِّي، وَإِنْ زَكَّى فِرِئَاءَ النَّاس، فَالحَمْدُ للهِ عَلَى مَا وَهَب، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَا سَلَب 00!!

وَسُبْحَانَ الله؛ لَوْلَا هَذِهِ الأَحْزَانُ الْعَمِيقَة؛ مَا كُنْتُ كَتَبْتُ هَذِهِ المَقَالَةَ الرَّقِيقَة:

الحُلْمُ الجَمِيل

ص: 5349

إِنَّهُ بِحَقٍّ حُلْمٌ جَمِيل، وَلَكِنْ لَا يَعِيبُهُ إِلَاّ أَنَّهُ مُسْتَحِيل: إِنَّهُ البَحْثُ عَنْ شَرِيكَةِ الحَيَاة، لَقَدْ أَصْبَحَ أَمْرَاً صَعْبَاً في هَذَا الزَّمَان 00 نَشْرُ مُؤَلَّفَاتي، وَالبَحْثُ عَنْ شَرِيكَةِ حَيَاتي: لَقِيتُ الأَمَرَّيْنِ في هَذَيْنِ الأَمْرَيْن 00 قَدْ يَقُولُ قَائِل: لَا تَبْتَئِسْ وَلَا تحْزَن، إِنَّهَا فَقَطْ مَسْأَلَة وَقْت، أَنْتَ مُؤَلِّفٌ وَأَدِيبٌ كَبِير، وَحَصُلْتَ عَلَى الكَثِيرِ وَالكَثِير؛ مِنَ الإِعْجَابِ وَالتَّقْدِير، وَنُشِرَتْ لَكَ في الصُّحُفِ مَقَالَات، وَطُبِعَتْ لَكَ عِدَّةُ مُؤَلَّفَات، وَأَصْبَحَ لَكَ مُعْجَبُونَ وَمُعْجَبَات، وَسَتَجِدُ بَدَلَ الفَتَاةِ عَشْرَ فَتَيَات!!

ص: 5350

لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا تَظُنُّ يَا صَاحِبي؛ فَالمُعْجَبَاتُ قَلِيلَات، وَيَكُنَّ إِمَّا مخْطُوبَات، أَوْ مُتَزَوِّجَات، أَوْ لَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِنَّ المُوَاصَفَات، إِنَّ فَتَاةَ هَذَا الجِيل؛ قَدْ تَغَيرَتْ كَثِيرَاً عَنْ فَتَاةِ الزَّمَنِ الجَمِيل؛ الَّتي كَانَ فَتى أَحْلَامِهَا زَعِيمَاً مُنَاضِلاً، أَوْ أَدِيبَاً فَاضِلاً، أَمَّا فَتَاةُ هَذِهِ الأَيَّام؛ فَكُلُّ مَا يَهُمُّهَا المُوضَةُ وَمُشَاهَدَةُ الأَفْلَام؛ وَفَتى أَحْلَامِهَا شَابٌّ عَلَى شَاكِلَة [فُلَان] لَاعِبِ الكُرَةِ الشَّهِير، أَوْ [فُلَان] المُغَنيِّ أَوِ المُمَثِّلِ الْكَبِير 00!!

سَارَتْ مُغَرِّبةً وَسِرْتُ مُشَرِّقَاً * شَتَّانَ بَينَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ

ص: 5351

دَعْني غَارِقَاً في أَحْلَامِي يَا فَتى؛ فَالأَحْلَامُ وَإِنْ كَانَتْ ضَرْبَاً مِنَ الخَيَال: إِلَاّ أَنهَا أَفْضَلُ مِنَ الوَاقِعِ عَلَى كُلِّ حَال 00 فَدَعْني وَحْدِي:

أَحْيى عَلَى أَمَلِي وَكَمْ مِنْ شَاعِرٍ * يحْيى كَمَا أَحْيى عَلَى الأَوْهَامِ

وَإِذَا الحَقِيقَةُ أَعْجَزَتْكَ فَرُبَّمَا * أَدْرَكْتَ مَا أَعْيَاكَ بِالأَحْلَامِ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر أَوْ محْمُود غُنيم}

وَلَا عَيْبَ في الأَحْلَامْ * إِلَاّ أَنَّهَا أَحْلَامْ

فَالحُبُّ الحَقِيقِي لَا * يُوجَدُ إِلَاّ في الأَفلَامْ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 5352

إِنَّ الخَطَأَ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ أَكْثَرُ الفَتَيَاتِ عِنْدَ الزَّوَاج؛ أَنهُنَّ يَبْحَثْنَ عَنِ السَّعَادَةِ في الزَّوْجِ الغَنيّ، أَوْ صَاحِبِ المَنْصِبِ أَوِ المَشْهُور، وَيَنْسَونَ أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قَسَّمَ المَوَاهِبَ كَمَا قَسَّمَ الأَرْزَاق؛ فَالقَلْبُ الطَّيِّبُ نِعْمَة، حُرِمَ مِنهَا كَثِيرٌ مِن أَصْحَابِ النُّقُودِ وَالنُّفُوذ، وَالمُرُوءَ ةُ نِعْمَة، حُرِمَ مِنهَا كَثِيرٌ مِن أَصْحَابِ النُّقُودِ وَالنُّفُوذ، وَالدِّينُ أَكْبَرُ النِّعَم: حُرِمَ مِنهُ كَثِيرٌ مِن أَصْحَابِ النُّقُودِ وَالنُّفُوذ!!

لَقَدْ أَصْبَحَتِ المَادَّةُ هِيَ كُلَّ شَيْءٍ في الحَيَاة، لَعِبَتْ بِالرُّءوس؛ فَغَيرَتِ النُّفُوس 00!!

كَلِمَةٌ لِلشَّيْخ كِشْك عَنْ سَيْطَرَةِ المَال

ص: 5353

يَرْحَمُ اللهُ فَضِيلَةَ الشَّيْخ عَبْد الحَمِيد كِشْك؛ حَيْثُ كَانَ يَقُول:

" لَقَدْ لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلهَا 00 إِنَّني أَقُولهَا بِبَالِغِ الأَسَى: لَقَدْ أَصْبَحَتِ الحَيَاةُ هِيَ المَادَّةَ وَالمَادَّةُ هِيَ الحَيَاة، وَأَصْبَحَ النَّاسُ إِذَا رَ أَوُاْ الجُنَيْهَ يَقُولُونَ لَهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} [فَضِيلَةُ الشَّيْخ / عَبْدِ الحَمِيد كِشْك في " الخُطَبُ المِنْبَرِيَّةُ " ص: 111/ 5]

ص: 5354

تجِدُ الأُمَّ مِن هَؤُلَاءِ إِذَا مَا تَقَدَّمَ لَابْنَتِهَا شَابّ؛ تَسْأَلُ أَوَّلَ مَا تَسْأَل: مَيْسُورُ الحَالِ هُوَ أَمْ مَسْتُورُ الحَال 00؟! فَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الحَالِ تُسَرُّحُهُ سَرَاحَاً جمِيلَا، وَرُبمَا تُعْطِيهَا لِرَجُلٍ في سِنِّ أَبِيهَا كَثِيرِ العِيَال؛ لمجَرَّدِ أَنَّهُ رَجُل أَعْمَال، صَاحِبُ نُفُوذٍ أَوْ مَال، وَرُبمَا أَيْضَاً يَكُونُ مُتَزَوِّجَاً عَلَيْهَا، فَتَقُولُ لَا ضَيْرَ فَالشَّرْعُ حَلَّلَ لَهُ أَرْبَعَاً، إِنَّهُ يَلْعَبُ بِالمَلَايِين 00 وَإِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعَى 00!!

المَالُ حَلَّلَ كُلَّ غَيْرِ محَلَّلٍ * حَتىَّ زَوَاجَ الشِّيْبِ بِالأَبْكَارِ

سَحَرَ القُلُوبَ فرُبَّ أُمٍّ قَلْبُهَا * مِنْ سِحْرِهِ حَجَرٌ مِنَ الأَحْجَارِ

دَفَعَتْ بُنَيَّتَهَا لأَشْأَمِ مَضْجَعٍ * وَرَمَتْ بِهَا في وَحْشَةٍ وضِرارِ

ص: 5355

وَتَعَلَّلَتْ بِالشَّرْعِ جَاهِلَةً بِهِ * مَا كَانَ شَرْعُ اللهِ بالجَزَّارِ

{أَمِيرُ الشُّعَرَاء / أَحْمَد شَوْقِي}

قِصَّةٌ أَغْرَبُ مِنَ الخَيَال

ص: 5356

لَقَدْ قَرَأْتُ بإحْدَى الصُّحُفِ حَادثَةً أَغْرَبَ مِنَ الخَيَال، نُشِرَتْ عَنْ فَتَاةٍ رَائِعَةِ الحُسْنِ وَالجَمَال، كَانَ أَهْلُهَا كُلَّمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهَا شَابٌّ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ رَفَضُوهُ لِرِقَّةِ الحَال، حَتىَّ أَتَاهَا " المَخْفي المُنْتَظَر " بِالسَّيَّارَةِ الشَّبَح، وَشَالِيهٍ في رَفَح، ومَلَايِينَ إنْ تَعُدُّوهَا لَا تحْصُوهَا، وَنحْنُ نَعْرِفُ مَدَى ما لَدَى النِّسَاءِ مِنَ الْوَلَعِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرْث؛ وَلَعَلَّنَا نَذْكُرُ بَلْقِيسَ مَلِكَةَ سَبَأَ الَّتي كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى المُلُوكِ بمُلْكِهَا؛ مَا أَنْ رَأَتْ قُصُورَ سُلَيْمَانَ وَمُلْكَهُ وَقَالَ لهَا إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ حَتىَّ قَالَتْ: رَبِّ إِنيِّ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُليْمَانَ للهِ رَبِّ العَالمِين

ص: 5357

00!!

فَوَافَقَ أَهْلُ تِلْكَ الفَتَاةِ على الزَّوَاج سَرِيعَاً، هَلْ تُصَدِّقونَ أَنَّ هَذَا الخَبِيثَ كَانَ يَعْرِضُهَا عَلَى رِجَالِ الأَعْمَال؛ لُزُومَ تخْلِيصِ المَسَائِلِ وَتَسْلِيكِ الأُمُور 00!!

وَالمَعْنى وَاضِحٌ طَبْعَاً، مَنْ تَرضَى لِنَفْسِهَا أَنْ تُصْبِحَ هَكَذَا 00؟!

إِنَّ المجْتَمَعَ الَّذِي يجِدُ فِيهِ أَمْثَالُ هَؤُلَاء؛ السَّعَادَةَ وَالهَنَاء؛ لَيْسَ عَجِيبَاً أَنْ يجِدَ فِيهِ أَمْثَاليَ التَّعَاسَةَ وَالشَّقَاء

لَيْتَ الفَتَاةَ المِصْرِيَّةَ كَمَا تُقَدِّرُ المَظَاهِرَ وَالمَادِّيَّات؛ تُقَدِّرُ المَبَادِئَ وَالقِيَمَ النَّبِيلَة، فَمِنْ سُوءِ الحَظِّ أَنَّ الجَمِيلَةَ لَيْسَتْ أَصِيلَة، وَأَنَّ الأَصِيلَةَ لَيْسَتْ جَمِيلَة 00!!

ص: 5358

لَيْتَهَا تَعْرِفُ أَنَّ الحُبَّ يُسْعِدُ بِلَا مَال، أَمَّا المالُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْعِدَ بِلَا حُبّ؛ فَلَوْ كَانَ المَالُ يَنْفَعُ في كُلِّ شَيْءٍ لَنَفَعَتْ قَارُونَ أَمْوَالُه، وَلَوْ كَانَ المَالُ هُوَ كُلَّ شَيْءٍ لَقَبِلْنَا لِبَنَاتِنَا فِرْعَوْنَ وَهَامَان، وَرَفَضْنَا مُوسَى بْنَ عِمْرَان 00!!

كَمْ كُنْتُ أَتمَنىَّ فَتَاةً: عَاقِلَةً وَجَمِيلَةً وَأَصِيلَة، لِدَرَجَةٍ تجْعَلُني أَتَسَاءَ ل: مَا الذِي أَعْجَبَني فِيهَا؟!

هَلْ أَصْلُهَا، أَمْ شَكْلُهَا، أَمْ عَقْلُهَا، أَمْ كُلُّهَا 00؟!!

ص: 5359

فَتَاةً: تَقِفُ بجَانبي وَأَنَا لَا أَزَالُ في بِدَايَةِ الطَّرِيق، طَرِيقِ الإِصْلَاح، بِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ وَالْكِفَاح، وَالشَّوْكِ وَالعَذَاب، لَا فَتَاةً تَأْتِيني بَعْدَ وُصُوليَ إِلى المجْدِ لِتَقُولَ إِنيِّ مُعْجَبَةٌ بِكَ وَبِأُسْلُوبِكَ الجَذَّاب!!

فَتَاةً حَسْنَاء، تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء، أَجِدُ فِيهَا الأُمَّ الحَنُون، وَالَابْنَ البَارّ، وَالتِّلمِيذَ المُؤَدَّب، وَقَبْلَ كُلِّ هَذَا وَذَاكَ الزَّوْجَةَ الوَفِيَّة 00!!

فَتَاةً: أَجِدُ فِيهَا القَلْبَ الكَبِير، وَالعَقْلَ الكَبِير، وَأَلْقَى مِنهَا كُلَّ احْترَامٍ وَتَقْدِير00!!

تِلْكَ هِيَ الَّتي أَنْتَظِرُهَا عَلَى أَحَرِّ مِنْ جَمْرِ الغَضَى، وَسَأَجْعَلُ يَوْمَ مجِيئِهَا عِيدَاً 00!!

ص: 5360

فَإِنَّ امْرَأَةً وَاحِدَةً: قَدْ تُسْعِدُ الرَّجُلَ طِيلَةَ حَيَاتِه، وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ: قَدْ تُتعِسُهُ طِيلَةَ حَيَاتِه 00!!

لَسْتُ الرَّجُلَ الَّذِي يَجْعَلُ مَصِيرَهُ مُتَوَقِّفَاً عَلَى مَصِيرِ امْرَأَةٍ قَدْ تُضَيِّعُه، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ أَنَّ وَرَاءَ كُلِّ رَجُلٍ عَظِيمٍ امْرَأَةً تَدْفَعُه؛ فَالجَمَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُ كُلَّ شَيْء: إِلَاّ أَنَّهُ أَهَمُّ شَيْءٍ بَعْدَ الدِّين 00

ذَكَرَهُ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنْ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا؛ فَقَالَ تَعَالى:

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْث} {آلِ عِمْرَان}

وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

ص: 5361

" حُبِّبَ إِليَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ: النِّسَاءُ وَالطِّيب، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْني في الصَّلَاة " 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ بِرَقْم: 3124، رَوَاهُ الإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ بِرَقْم: 13232]

عِنْدَمَا تَبْكِي الشُّمُوعُ بِالدُّمُوع

وَالمُؤْلِمُ أَنيِّ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ تِلْكَ الفَتَاةَ قَدْ تَكُونُ مَوْجُودَةً، بَلْ وَقَرِيبَةً جِدَّاً مِنيِّ، وَلَكِنْ لَيْتَ شِعْرِي؛ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهَا 00؟!

أَيْنَ أَنْتِ يَا مُهْجَةَ القَلْبِ وَبَهْجَةَ الرُّوح 00؟

فَبِالصَّبْرِ أَسْلُو عَنْكِ لَا بِالتَّجَلُّدِ

فَمَا صَبْرِي بِاخْتِيَارِي * لَكِن حُكْمُ الَانْتِظَارِي

أَمَّا صَبْرِي فَأَحْلَاهُ * أَمَرُّ مِنَ الصَّبَّارِ

{فِكْرَةٌ لأَحَدِ الشُّعَرَاءِ قُمْتُ بِتَطْوِيرِهَا وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا}

ص: 5362

وَمَا كَانَ لِلأَحْزَانِ لَوْلَاكِ مَسْلَكٌ * إِلى القَلْبِ لَكِنَّ الهَوَى لِلضَّنى جِسْرُ

{أَبُو فِرَاسٍ الحَمَدَانيّ}

وَللهِ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ إِذْ يَقُول:

وَلَمَّا رَأَيْتُ العَيْنَ فَاضَتْ جُفُونُهَا * بِدَمْعٍ عَلَى الخَدَّيْنِ أَحْمَرَ قَانِ

تَبَيَّنْتُ أَنيِّ بِالصَّبَابَةِ هَالِكٌ * وَأَنَّ هَلَاكِي مُرْجَأٌ لأَوَانِ

جَعَلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ حُكْمَهُ * وَعَرَّافِ نجْدٍ إِن هُمَا شَفَيَاني

فَقَالَا شَفَاكَ اللهُ وَاللهِ مَا لَنَا * بِمَا حُمِّلَتْ مِنْكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ

فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْلَمَانِهَا * وَلَا سُقْيَةٍ إِلَاّ وَقَدْ سَقَيَاني

وَمَا شَفَيَا الدَّاءَ الَّذِي بيَ كُلَّهُ * وَلَا ادَّخَرَا نُصْحَاً وَلَا أَلَوَاني

كَوَتْ كَبِدِي مِن حُبِّ عَفْراءَ لَوْعَةٌ * فَعَيْنَايَ مِنْ وَجْدِي بِهَا تَكِفَانِ

ص: 5363

كَأَنَّ قَطَاةً عُلِّقَتْ بجَنَاحِهَا * عَلَى كَبِدِي مِنْ شِدَّةِ الخَفَقَانِ

فَعَفْرَاءُ أَرْجَى النَّاسِ عِنْدِي مَوَدَّةً * وَعَفْرَاءُ عَنيِّ المُعْرِضُ المُتَوَاني

وَكُنْتُ وَإِيَّاهَا عَلَى رَفْرَفِ المُنى * لَنَا أَمَلٌ نَلْهُو بِهِ وَأَمَانِ

إِلى أَنْ دَهَتْنَا لِلْفِرَاقِ نَوَائِبٌ * فَصِرْتُ أَخَا هَمٍّ وَنَضْوَ هَوَانِ

وَإِنيِّ لأَهْوَى الحَشْرَ إِنْ قِيلَ إِنَّني * وَعَفْرَاءَ يَوْمَ الحَشْرِ مُلْتَقِيَانِ

فَيَا لَيْتَ كُلَّ اثْنَينِ بَيْنَهُمَا هَوَىً * مِنَ النَّاسِ وَالأَنعَامِ يَلْتَقِيَانِ

فَيَقْضِي حَبِيبٌ مِن حَبِيبٍ لُبَانَةً * وَيَرْعَاهُمَا رَبي مِنَ الحَدَثَانِ

{عُرْوَةُ بْنُ حِزَام 0 بِاسْتِثْنَاءِ الأَبْيَات 1، 2، 10، 11: فَهِيَ لهَاشِمٍ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

ص: 5364

يَلْتَقِيَانِ بِزَوَاجٍ شَرْعِيٍّ طَبْعَاً، آهٍ ثُمَّ آهٍ ثُمَّ آه؛ تَعَبٌ كُلُّهَا الحَيَاة 00

لَوْ كُلُّ مَا يَتَمَنىَّ المَرْءُ يُدْرِكُهُ * مَا كُنْتَ تَلْقَى امْرَأً في الكَوْنِ مَهْمُومَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

يَبْدُو أَنَّنَا خُلِقْنَا لِنُسْعِدَ الآخَرِينَ لَا لِنَسْعَد 00!!

كَمُطْرِبَةٍ تُشْجِي الأَنَامَ بِصَوْتِهَا * وَقَدْ حَمَلَتْ بَينَ الضُّلُوعِ مَآسِيَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

وَللهِ دَرُّ القَائِل:

لَا تحْسَبُواْ أَنَّ رَقْصِي بَيْنَكُمْ طَرَبَاً * فَالطَّيْرُ يَرْقُصُ مَذْبُوحَاً مِنَ الأَلَمِ

حَقَّاً وَاللهِ: " أَوَّلُ مَا يَضِيعُ العَالِمُ بَينَ أَهْلِه " 00!!

فَأَتْعَسُ الخَلْقِ حَظَّاً صَاحِبُ القَلَمِ * وَذُو المَبَادِئِ وَالأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ

لِكُلِّ ذِي مَبْدَأٍ في عَيْشِهِ أَمَلٌ * وَكُلُّ ذِي أَمَلٍ سَيَعِيشُ ذَا أَلَمِ

ص: 5365

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

ثَلَاثَةُ أَعْوَامٍ وَأَنَا أَبحَثُ عَنْ تِلْكَ الفَتَاةِ حَتىَّ تَأَكَّدْتُ في النِّهَايَةِ أَنِّي أَسِيرُ في أَحَدِ طَرِيقَيْن: إِمَّا طَرِيقٍ مَسْدُود، أَوْ طَرِيقٍ لَيْسَ لَهُ آخِر00!!

فَلَقَدْ تَأَكَّدَ لي أَنيِّ حَتىَّ أَصِلَ إِلى مَا أُرِيد؛ فَإِنيِّ أَحْتَاجُ إِلى شَيْئَين: إِلى مَالِ قَارُون، وَإِلى عُمْرِ سَيِّدِنَا نُوح 00!!

بَعْدَمَا قَطَعْنَا الأَرْضَا * كُلَّهَا طُولاً وَعَرْضَا

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

بحَثْنَا في المُدُنِ وَفي القُرَى؛ حَتىَّ بَلَغْنَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا 00!!

فَقَدْ طَوَّفْتُ بِالآفَاقِ حَتىَّ * رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالإِيَابِ

{امْرُؤُ القَيْس}

ضَاقَتْ عَلَيَّ بِوُسْعِهَا الآفَاقُ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني}

ص: 5366

خَلِيلَيَ إِن أَجْزَعْ فَقَدْ ظَهَرَ العُذْرُ * وَإِن أَسْتَطِعْ صَبْرَاً فَمِنْ شِيمَتي الصَّبْرُ

فَشَرَّقْتُ حَتىَّ لَمْ أَجِدْ بَعْدُ مَشْرِقَاً * وَغَرَّبْتُ حَتىَّ قِيلَ هَذَا هُوَ الخِضْرُ

{البَيْتُ الأَوَّلُ لاِبْنِ زَيْدُون، وَالأَخِيرُ لأَبي الحَسَنِ التُّهَامِي}

كَرَحَّالَةٍ طَافَ المَدَائِنَ وَالقُرَى * كَسَتْهُ يَدُ الأَيَّامِ حُلَّةَ خَائِبِ

يَبْدُو أَنَّ السَّعَادَةَ خُلِقَتْ لِغَيرِنَا وَلَمْ تخْلَقْ لَنَا 00 بِيئَةٌ وَبِيئَة، وَمَعَادِنُ رَدِيئَة 00!!

لي في الهَوَى قَلْبٌ حَزِين * قَدْ بَاتَ يُدْمِيهِ الأَنِين

كُتِبَ الشَّقَاءُ لَهُ وَكَمْ * سَعِدَتْ قُلُوبُ العَاشِقِين

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي}

قَطَعْتُكَ يَا رَبِيعَ العُمْرِ مَهْمُومَاً بِأَتْرَاحِي

وَلَمْ أَمْلأْ كَغَيرِي مِنْ نَعِيمِ العَيْشِ أَقْدَاحِي

نهَارِي كُلُّهُ تَعَبٌ وَلَيْلِي كُلُّهُ صَاحِي

ص: 5367

قَطَعْتُكَ يَا رَبِيعَ العُمْرِ لَمْ أَعْرِفْ بِكَ الحُبَّا

فَمَا أَسْعَدْتَ لي رُوحَاً وَلَا أَحْيَيْتَ لي قَلْبَا

مَضَى السُّعَدَاءُ كُلُّهُمُ وَلَمْ أُدْرِكْ لَهُمْ رَكْبَا

وَمَا ذَاقَ المُنى قَلْبي وَغَيرِي عَبَّهَا عَبَّا

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي}

كَأَنَّ الغَنيَّ فَقَطْ هُوَ الَّذِي مِن حَقِّهِ أَنْ يَقْطِفَ مَا شَاءَ مِنَ الوُرُود، أَمَّا الفَقِيرُ فَلَوْ شَمَّ وَرْدَةً؛ لَقِيلَ لَهُ قَدْ جَاوَزْتَ الحُدُود 00!!

لَا تحْرِمَنِّيَ يَا رَبيِّ مِنِ امْرَأَةٍ * عَيْني تَقَرُّ بِهَا في الخَلْقِ وَالخُلُقِ

أَنْسَى بِهَا مُرَّ مَا قَدْ مَرَّ مِنْ محَنٍ * وَيَكْتَسِي العُودُ بَعْدَ الجَدْبِ بِالوَرَقِ

{يَاسِرٌ الحَمَدَاني 0 بِاسْتِثْنَاءِ المِصْرَاعِ الأَخِيرِ مِنَ الْبَيْتِ الثَّاني فَهُوَ لأَبي محْجَن}

ص: 5368

لَعَلَّ يَدَ الأَيَّامِ تجْمَعُ بَيْنَنَا * وَتَرْحَمُ أَكْبَادَاً تَكَادُ تَذُوبُ

{محَمَّدٌ الأَسْمَر}

{رَبِّ لَا تَذَرْني فَرْدَاً وَأَنْتَ خَيرُ الوَارِثِين} {الأَنْبِيَاء/89}

تَقَبَّلْ مِنيِّ دَعَوَاتي، وَحَقِّقْ لي أُمْنِيَّاتي، وَخَلِّصْني مِنَ الهُمُومِ الَّتي أَفْسَدَتْ عَلَيَّ حَيَاتي 00

اللهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ إِلى يَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيه؛ اجْمَعْ بَيْني وَبَينَ ضَالَّتي، اللهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ إِلى يَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيه؛ اجْمَعْ بَيْني وَبَينَ ضَالَّتي، اللهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ إِلى يَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيه؛ اجْمَعْ بَيْني وَبَينَ ضَالَّتي 00!!

ص: 5369

حَيَاةُ العُزَّاب: أَصْبَحَتْ في عَذَاب؛ فَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ زَوْجَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّاب، وَأَنْتَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِير، وَبحَالِ الشَّبَابِ بَصِير، وَأَنْتَ نِعْمَ المَوْلى وَنِعْمَ النَّصِير 0

عَاقِبَةُ الصَّبرِ الجَمِيل

وَلَمْ أَزَلْ عَلَى تِلْكَ الحَالِ حَتىَّ عَثَرْتُ في بَعْضِ قُرَى الفَيُّومِ عَلَى فَتَاةٍ طَيِّبَةً مِنْ أَصْلٍ طَيِّب، بَيْضَاءَ مِن غَيرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى، كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيّ 00!!

قَدْ حَارَ فِكْرِي وَشِعْرِي فِيكِ يَا أَمَلِي * مِن أَيِّ جَوْهَرَةٍ قَدْ صَاغَكِ اللهُاهُ

سُبْحَانَ مَنْ نَظَمَ الدُّنيَا وَجَمَّلَهَا * بَيْتَاً مِنَ الشِّعْرِ في عَيْنَيْكِ مَعْنَاهُ

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي أَوْ محَمَّدٌ الأَسْمَر}

ص: 5370

وَبَلَغَ مِنْ سَعَادَتي بِهَا أَنْ كَتَبْتُ هَذِهِ الْقِطْعَةَ الزَّجَلِيَّةَ عَلَى لحْن:" يَلَّلَا نْقَضِّي أَجَازَة سَعِيدَة "

وَ " خَلِيلٌ " المَذْكُورَةُ فيهَا: هِيَ اسْمُ البَلْدَةِ الَّتي مِنهَا تِلْكَ الفَتَاة 0

وَالعَمُّ عَبْد الرّحِيم وَامْرَأَتُهُ المَذْكُورَانِ همَا اللَّذَانِ سَعَيَا لي في هَذِهِ الزِّيجَةِ الَّتي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ تَكُونَ مُبَارَكَة 0

ص: 5371

أَمَّا عَطِيَّةُ فَهْوَ فَتىً نَزَلْتُ البَلْدَةَ فَلَمْ أَجِدْ لِلنَّاسِ حَدِيثَاً إِلَاّ عَنهُ وَعَنْ قِصَّةِ زَوَاجِه، فَسَأَلتُهُمْ عَن أَمْرِهِ فَقَالُواْ: لَقَدْ تَبَلَتْ عَقْلَهُ فَتَاةٌ لَطِيفَةٌ بِشَعْرِهَا الطَّوِيل، وَخَصْرِهَا النَّحِيل؛ حَتىَّ تَزَوَّجَهَا، وَكَانَ يحِبُّهَا حُبَّاً جَمَّا؛ لِدَرَجَةِ أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَقُولُ لَهُ أَيْقِظْ زَوْجَتَكَ حَتىَّ تُسَاعِدَني في حَلْبِ البَهَائِمِ وَالَاعْتِنَاءِ بهَا فَيَقُول:" أَنَا امْرَأَتي لَا تَسْتَيْقِظُ قَبْلَ الحَادِيَةَ عَشْرة، أَتُرِيدِينَ لهَذِهِ اليَدِ البَيْضَاءِ أَنْ تحْمِلَ القَاذُورَات " 00؟!

فَلَمَّا أَن عَوَّدَهَا مِنهُ ذَلِك؛ تَمَرَّدَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِك؛ فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ الطَّبِيعِيَّةُ أَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا!!

ص: 5372

" عَرُوسِتْنَا قَمَرْ مِلَالي * وِمِترَبِّيَّة عَالغَالي "

" شُوفْتَهَا وِاتْغَيرْ حَالي * وِجَرَالي اللِّي جَرَالي "

" غَاليَة عَلَيَّا غَاليَة عَلَيَّا * وَاغْلَى عَنْدِي مِن عِنَيَّا "

" دَانَا لَفِّيتِ الدُّنيَا دِيَّة * مَا لْقِيتْشِي زَيِّكْ يَا صَبِيَّة "

" جَمِيلَة وْأَمُّورَة وْحِلوَة * وَتِسْتَاهِلْ مِلْيُون غِنوَة "

" زَيِّ اخْوَاتْهَا نجْوَى وْنَشْوَى * وِأَجْمَلْ مِنهُمْ شِوَيَّة "

" جِسْمِ مِتقَسِّمْ تَقسِيمْ * وِالرُّوحْ أَحْلَى مْنِ النَّسِيمْ "

" وِالعُيُونْ زَيِّ البرْسِيمْ * بَايِنْ فِيهَا سَلَامْةِ النِّيَّة "

" طَيِّبَة وْقَنُوعَة جِدَّاً * وَبَاحِبَّهَا جِدَّاً جِدَّاً "

" وِأَصِيلَة أَبَّاً عَنْ جِدَّاً * رَبِّنَا يخَلِّيهَا لِيَّا "

" كُلَّهَا رِقَّة وْإِحْسَاسْ * وِبِتْحِبِّ تْسَاعِدِ النَّاسْ "

ص: 5373

" وِشَايْلَاني فُوقِ الرَّاسْ * رَبِّنَا يُسْترْ عَلَيَّا "

" يَا أَبْيَضْ يَا أَبْيَضَاني * كُلِّ أَوْصَافَكْ عَجْبَاني "

" نَسِّيتْني هُمُومي وْأَحْزَاني * وِالمَتَاعِبْ وِالأَسِيَّة "

" دَا انَا مْشِيتْ مِشْوَارْ طَوِيلْ * أَدَوَّرْ عَلَى بِيتْ أَصِيلْ "

" جِيتْ وَحَطِّيتْ في خَلِيلْ * مَرَاكْبي وِمَرَاسِيَّا "

" وِانْسِي شْوَيَّة يَا جَمِيلَة * إِنِّي عَرِيسِكِ اللِّيلَة "

" وِاعْتبرِيني وَاحِدْ مِالعِيلَة * هَيْقُولْ لِكِ الكِلمَة الجَايَّة "

" جُوزِكِ ان قَدِّمْلِكْ لُقْمَة * كُلِيهَا وِارْضِي بِالقِسْمَة "

" مِشْ لَازِمْ كُلِّ يُومْ لحْمَة * مَالُه الفُولْ مَالْهَا الطَّعَمِيَّة "

" وِعَشَانْ رَبِّنَا يْبَارِكْ * صُوني أَسْرَارُه وْأَسْرَارِكْ "

" لَا تِشْكِي لجَارْتِكْ وَلَا جَارِكْ * أَحْوَالكُمُ العَائِلِيَّة "

ص: 5374

" عَلَى قَدِّ مَا تِقْدَرِي حِبِّيهْ * وِاوْعِي فْيُومْ تِزَعَّلِيهْ "

" أَوْ تِتْنَمْرَدِي عَلِيهْ * لَاحْسَن يِعْمِلْ زَيِّ عَطِيَّة "

" وِآخِرْ حَاجَة هَاقُولْهَالِكْ * خَلِّيهَا دَايْمَاً في بَالِكْ "

" أَوِّلْ مَا اللهْ يْعَدِّلْهَالِكْ * صَلِّي وْصُومِي يَا صَبِيَّة "

" أَنَا مِشْ غَاوِي غَنَاوِي * وَلَا بَاقْعُدْ عَالقَهَاوِي "

" دَا أَنَا شَاعِرْ وِهَاوِي * وِالكِتَابَة عَنْدِي غِيَّة "

" بَادْعُوكْ يَا رَبِّ الأَرْبَابْ * تُرْزُقْ زَيِّي كِدَة الشَّبَابْ "

" دَه حَيَاةِ العُزَّابْ عَذَابْ * وِجَرَّبْنَا العُزُوبِيَّة "

" وِشُكْرَاً لِلمَعَازِيمْ * وِلعَمِّ عَبْدِ الرِّحِيمْ "

" الرَّجِلِ الشَّهْمِ الكَرِيمْ * وِامْرَاتُه السِّتِّ بَدْرِيَّة "

وَهَكَذَا أَرَادَ اللهُ إِسْعَادَنَا، بَعْدَمَا أَحْرَقَ الحُزْنُ أَكْبَادَنَا 00!!

ص: 5375

فَقَرَّتْ عُيُونٌ كَانَ أَسْخَنَهَا البُكَا * وَسُرَّتْ قُلُوبٌ كَانَ أَضْنى بِهَا الحُزْنُ

{ابْنُ زَيْدُون بِتَصَرُّف}

إِلى رَبْوَةِ البِشْرِ يَا يَاسِرُ * فَقَدْ ضَاقَ بِالوِحْدَةِ الشَّاعِرُ

دَعِ الشِّعْرَ يَذْكُرُ فَضْلَ الزَّوَاجِ * وَيَكْشِفُ عَنْ سِرِّهِ الخَاطِرُ

فَتَغْبِطُنَا في السَّمَاءِ النُّجُومُ * وَيحْسُدُنَا القَمَرُ السَّاهِرُ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

يَا حَبَّذَا الأَمْسُ * في ظِلَالِ الكُرُومْ * وَنَشْوَةِ السَّمَرْ

إِذْ نَامَتِ الشَّمْسُ * وَقَامَتِ النُّجُومْ * تُغَازِلُ القَمَرْ

لَا زِلْتُ أَبحَثُ في المَدَائِنِ وَالقُرَى * حَتىَّ رَمَتْني الغَادَةُ الحَسْنَاءُ

{هَاشِمٌ الرِّفَاعِي بِتَصَرُّف}

وَفَاضَتْ عَلَى ثَغْرِ الحَزِينِ ابْتِسَامَةٌ * تخَبرُ أَنَّ الحُزْنَ لَيْسَ بِدَائِمِ

ص: 5376

وَأُطْلِقَتِ البَسَمَاتُ بَعْدَ احْتِبَاسِهَا * فَأَسْمَعَتِ الأَكْوَانَ سَجْعَ الحَمَائِمِ

فَلَمْ يَبْقَ فِينَا بَاسِمٌ غَيرَ دَامِعٍ * وَلَمْ يَبْقَ فِينَا دَامِعٌ غَيرَ بَاسِمِ

الآنَ أَلْفَتِ الخَيْلُ فُرْسَانَهَا 00

قَدْ عِشْتُ في الدُّنيَا بِقَلْبٍ يَابِسٍ * حَتىَّ لَقِيتُ أَحِبَّتي فَاخْضَوْضَرَا

{إِيلِيَّا أَبُو مَاضِي}

اليَوْمَ تَمَّ لَنَا الَّذِي لَوْ لَمْ يَكُنْ * قَدْ تَمَّ مَا ذَاعَتْ لَنَا أَسْرَارُ

أَنَا لَا أَقُولُ لَقَدْ ظَفِرْتُ بِدُرَّةٍ * إِنَّ الجَوَاهِرَ كُلَّهَا أَحْجَارُ

{الْبَيْتُ الأَوَّلُ لِلشَّاعِر // رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي، وَأَمَّا الآخَر: فَأَظُنُّهُ لِشَوْقِي}

عِنْدَئِذٍ فَقَطْ:

أَحْسَسْتُ بِالرَّاحَةِ الكُبرَى كَأَنيَ قَدْ * أَلْقَيْتُ في الْبَحْرِ عَنيِّ كُلَّ آثَامِي

{الشَّاعِرُ القَرَوِي / رَشِيد سَلِيمٌ الخُورِي}

ص: 5377

فَلكَمْ سَهِرْتُ لَيَالِيَاً وَلَيَالِيَاً * حَتىَّ رَأَيْتُكِ يَا هِلَالَ زَمَاني

وَلَوْلَا العَزِيزُ الْغَفَّار، وَمُقَدِّرِ الأَقْدَار؛ لَمَا صَارَ لهَذَا الصُّعْلُوكِ زَوْجَةٌ وَلَا دَار 00!!

فَالحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين؛ الَّذِي وَبِرَغْمِ سُنَنِهِ في ابْتِلَاءِ الدُّعَاةِ وَالمُصْلِحِين؛ فَإِنَّهُ يَغْمُرُنَا بجُودِهِ بَينَ الحِينِ وَالحِين 0

اللهُمَّ كَمَا قَرَّتْ بهَا عَيْني فَأَقِرَّ بي عَيْنَهَا، وَكَمَا أَسْعَدَتْني فَأَعِنيِّ عَلَى إِسْعَادِهَا 00!!

ص: 5378

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِنَشْرِ مُؤَلَّفَاتي؛ فَلَمْ يَكَدْ يمْضِي عَلَى زَوَاجِنَا عَامٌ حَتىَّ تَبَنَّتْ مُؤَلَّفَاتي أَكْبرُ دُورِ النَّشْر؛ وَمِمَّا هُوَ جَدِيرٌ بِالذِّكْر: أَنْ يَتَزَامَنَ نَشْرُ أَوَّلِ كِتَابٍ لي مَعَ أَوَّلِ مَوْلُودٍ لي مِن هَذِهِ البِنْتِ الطَّيِّبَة؛ فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي أَبْدَلَني سَعَادَةً مِنْ بَعْدِ بُؤْس، وَيُسْرَاً مِنْ بَعْدِ عُسْر، فَلَهُ سبحانه وتعالى الحَمْدُ وَالشُّكْر 00!!

وَلِذَا أَقُولُ في نِهَايَةِ هَذَا المَوْضُوع؛ لِكُلِّ قَلْبٍ مَوْجُوع: تَمَاسَكْ وَلَا تَذْرِفِ الدُّمُوع 00

لأَنْ تحِبَّ فَتَاةً وَلَا تَتَزَوَّجُهَا فَيَبْقَى الأَمَل؛ أَهْوَنُ بِكَثِيرٍ مِن أَنْ تَتَزَوَّجَ فَتَاةً لَا تحِبُّهَا فَيَنْقَطِعَ الأَمَل 00!!

ص: 5379

وَاعْلَمْ يَا بُنيَّ أَنَّ الفَتَاةَ الَّتي لَا تحِسُّ بِالحُبِّ وَتُقَدِّرُه؛ لَا تَسْتَحِقُّ هَذَا الحُبَّ وَلَا هَذَا التَّقْدِير، بَلْ وَلَا تَسْتَحِقُّ حَتىَّ النَّدَمَ عَلَيْهَا 00!!

فَإِذَا تَقَدَّمْتَ أَيُّهَا الأَخُ الصَّالحُ إِلى فَتَاةٍ وَرَفَضَتْكَ فَلَا تحْزَنْ عَلَى نَفْسِكَ وَلَكِنِ احْزَن عَلَيْهَا؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةً لَمَا رَفَضَتْ إِنْسَانَاً مِثْلَك؛ فَالفَتَاةُ الَّتي تَرْفُضُ إِنْسَانَاً صَالحَاً: فَتَاةٌ غَيرُ صَالحَة؛ فَالإِنْسَانُ الكَرِيمُ لَا تَرْفُضُهُ أَبَدَاً فَتَاةٌ كَرِيمَة، وَالفَتَاةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ كَرِيمَة؛ فَلَيْسَتْ لَهَا قِيمَة، فَاحْمَدِ اللهَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَك 00

ص: 5380

وَاعْلَمْ أَنَّ النَّدَمَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا فَاتَنَا وَلَمْ نَطْلُبْهُ، وَلَيْسَ عَلَى مَا طَلَبْنَاهُ وَفَاتَنَا؛ فَلَا تَنْدَمْ عَلَى مَنْ بَاعَك، وَانْدَمْ عَلَى مَنِ اشْترَاك 00!!

وَكَذَلِكَ إِذَا رَفَضَكَ أَهْلُهَا؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَبِدَّ بِكَ الهُمُوم، وَاعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ الهَمِّ لَا تَدُوم 00!!

فَمَنْ يَبْكِي لِكُلَّ مُصِيبَةٍ مَرَّتْ بِهِ تَعِبَا

{عِصَام الْغَزَالي بِتَصَرُّف}

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقَدِّرُ الصَّالحِينَ إِلَاّ الصَّالحُونَ مِثْلُهُمْ 00 وَلَكِن أَيْنَ الصَّالحُونَ في هَذَا الزَّمَان 00؟!

فَأَكْثَرُ المُتَدَيِّنِينَ الآن: إِمَّا مُتَعَصِّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَلِيئَةٌ بِالْبَغْضَاء، وَإِمَّا مُتَسَيِّبُونَ قُلُوبُهُمْ هَوَاء 00!!

ص: 5381

اللهُمَّ أَعِنْ شَبَابَ المُسْلِمِينَ غَيْرَ القَادِرِينَ عَلَى الزَّوَاجِ يَا رَبَّ العَالَمِين، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين 00

بَشَائِرُ آخِرِ الزَّمَان

وَأَخْتِمُ هَذَا الفَصْلَ بِهَذَيْنِ الحَدِيثَينِ عَلَى سَبِيلِ الْبُشْرَى؛ لِمُوَاسَاةِ مَن حُرِمَ في شَأْنِ الزَّوَاج:

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

ص: 5382

" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتىَّ تَتَّخَذُ المَسَاجِدُ طُرُقَاً، وَحَتىَّ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ بِالمَعْرِفَة، وَحَتىَّ تَتَّجِرَ المَرْأَةُ وَزَوْجُهَا، وَحَتىَّ تَغْلُوَ الخَيْلُ وَالنِّسَاء، ثمَّ تَرْخُصُ فَلَا تَغْلُو إِلى يَوْمِ القِيَامَة "[صَحَّحَهُ الإِمَامَان / الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وَالذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ وَالطَّبرَانيُّ في الْكَبِير]

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَكْثُرَ الجَهْل، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْر، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرَ النِّسَاء؛ حَتىَّ يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِد " 0

ص: 5383

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 5231 / فَتْح]

عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْم، وَيَظْهَرَ الجَهْل، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الخَمْر، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ وَتَبْقَى النِّسَاء؛ حَتىَّ يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِد " 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2671 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5384

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:

" إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْر، وَالَّتي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاء، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَان، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْم، وَمَا في الجَنَّةِ أَعْزَب " 0

[زُمْرَة: أَيْ فَوْج، وَالْفَوْج: هُوَ الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاس 0 رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2834 / عَبْد البَاقِي]

ص: 5385

عَنْ ثَوْبَانَ الصَّحَابيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " إِنَّ حَوْضِي: مَا بَيْنَ عَدْنَ إِلى أَيْلَة [أَيْ مَا بَينَ اليَمَنِ وَفِلَسْطِين] أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَن، وَأَحْلَى مِنَ العَسَل، أَكَاوِيبُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاء، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدَا، وَأَوَّلُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ: فُقَرَاءُ المُهَاجِرِين: الدُّنْسُ ثِيَابَاً ـ أَيِ الَِّذِينَ كَانُواْ في الدُّنيَا مُتَّسِخَةً ثِيَابُهُمْ فَقْرَاً ـ وَالشُّعْثُ رُءُوسًا، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ المُنَعَّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ السُّدَد "

[صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيصِ بِرَقْم: (7374)، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنيِ الإِمَامَينِ ابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ بِرَقمَيْ: 4303، 2444]

ص: 5386

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " حَوْضِي: كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّان، أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْج، وَأَحْلَى مِنَ العَسَل، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ المِسْك، أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاء، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودًا: صَعَالِيكُ المُهَاجِرِين " 00 قَالَ قَائِل: وَمَن هُمْ يَا رَسُولَ الله 00؟

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الشَّعِثَةُ رُءوسُهُمْ، الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمْ، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، لَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَد، وَلَا يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَات، الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يَأْخُذُونَ الَّذِي لَهُمْ " 0

[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: (6162)، وَالْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2060، 1082]

ص: 5387

مُصِيبَةُ عَدَمِ الإِنْجَابِ أَوْ تَأَخُّرِه

كُن عَلَى أَمَلٍ كَبِيرٍ في الْكَرِيمِ الرَّزَّاق؛ وَإِنْ ضَاقَتْ عَلَيْكَ الآفَاق؛ فَقَدْ يَرْزُقُكَ مِثْلَمَا رَزَقَ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتَهُ الْعَقِيمَ بِإِسْحَاق 00

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المُكْرَمِين {24} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَامَاً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُون {25} فَرَاغَ إِلىَ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِين {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُون {27} فَأَوْجَسَ مِنهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيم {28} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيم {29} قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الحَكِيمُ العَلِيم {30} قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المُرْسَلُون {31} قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلىَ قَوْمٍ مُجْرِمِين {32} لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِين} {الذَّارِيَات}

ص: 5388

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوب {71} قَالَتْ يَا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيب {72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِن أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيد {73} فَلَمَّا ذَهَبَ عَن إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا في قَوْمِ لُوط {74} إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ {75} يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَن هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود} {هُود}

ص: 5389

حَدَّثَ عِكْرِمَةُ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في شَرْحِ هَذِهِ الآيَات: " كَانَتْ سَارَةُ رضي الله عنها بِنْتَ تِسْعِينَ سَنَة، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ مِاْئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَة، فَلَمَّا ذَهَبَ عَن إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ [بِسَبَبِ أَنَّ أَيْدِيَهُمْ لَمْ تَمْتَدَّ إِلىَ الطَّعَام]، وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِإِسْحَاق، وَأَمِنَ مِمَّنْ كَانَ يَخَافُهُ قَال: الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاق؛ إِنَّ رَبيِّ لَسَمِيعُ الدُّعَاء؛ فَجَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام إِلىَ سَارَةَ بِالْبُشْرَى فَقَال: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ يُقَالُ لَهُ إِسْحَاق،

ص: 5390

وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوب، فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا عَجَبَاً؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا:{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} {الذَّارِيَات/29}

وَقَالَتْ: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيب {72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِن أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيد} {هُود} " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4042]

ص: 5391

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ في قِصَّةِ مَرْيَمَ رضي الله عنها: " كَفَلَهَا زَكَرِيَّا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا المحْرَابَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا عِنَبَاً في مِكْتَلٍ في غَيرِ حِينِه؛ قَالَ زَكَرِيَّا عليه السلام: أَنىَّ لَكِ هَذَا؟

قَالَتْ: هُوَ مِن عِنْدِ الله؛ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَاب؛ قَالَ عليه السلام: إِنَّ الَّذِي يَرْزُقُكِ الْعِنَبَ في غَيرِ حِينِهِ: لَقَادِرٌ أَنْ يَرْزُقَني مِنَ الْعَاقِرِ الْكَبِيرِ الْعَقِيمِ وَلَدَاً؛ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّه؛ فَلَمَّا بُشِّرَ بِيَحْيى قَالَ عليه السلام: رَبِّ اجْعَلْ لي آيَةً؛ قَالَ عز وجل:

{آيَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيَّا} {مَرْيم/10}

ص: 5392

قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رضي الله عنه: يُعْتَقَلُ لِسَانُكَ مِن غَيرِ مَرَضٍ وَأَنْتَ سَوِيّ " 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3150]

فَعَلَيْكَ بِقَوْلِ زَكَرِيَّا عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} {آلِ عِمْرَان/38}

وَبِقَوْلِهِ في مَوْضِعٍ آخَر: {رَبِّ لَا تَذَرْني فَرْدَاً وَأَنْتَ خَيرُ الوَارِثِين}

{الأَنْبِيَاء/89}

ص: 5393

وَقَوْلِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ في سُورَةِ الْفُرْقَان: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامَا} {الفُرْقَان/74}

مَالِكُ بْنُ دِينَار

بَيْنَمَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَوْمَاً جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: يَا أَبَا يحيى، ادْعُ لَامْرَأَةٍ حُبْلَى مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ قَدْ أَصْبَحَتْ في كَرْبٍ شَدِيد 00؟

فَغَضِبَ مَالِكٌ وَأَطْبَقَ المُصْحَفَ ثُمَّ قَال: مَا يَرَى هَؤُلَاء: إِلَاّ أَنَّا أَنْبِيَاء!!

ص: 5394

ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَال: اللهُمَّ هَذِهِ المَرْأَةُ إِنْ كَانَ رِيحَاً فَأَخْرِجْهُ عَنهَا السَّاعَة، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَأَبْدِلهَا بِهَا غُلَامَاً؛ فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الكِتَاب، وَرَفَعَ مَالِكٌ يَدَهُ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُم، وَجَاءَ الرَّسُولُ إِلى الرَّجُلِ فَقَالَ أَدْرِكِ امْرَأَتَك، فَذَهَبَ الرَّجُل، فَمَا حَطَّ مَالِكٌ يَدَهُ حَتىَّ دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْ بَابِ المَسْجِدِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ غُلَامٌ جَعْدٌ قَطَطُ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِين، قَدِ اسْتَوَتْ أَسْنَانُهُ وَمَا قُطِعَ سَرَرُه 00!!

[رَوَاهُ الدَّارُ قَطْنيُّ في سُنَنِه، وَالإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ بِرَقْم: 15334]

ص: 5395

حَدَّثَ مَعْنٌ عَنِ الوَاقِدِيِّ عَنْ محَمَّدُ بْنِ الضَّحَّاكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

" حَمَلَتْ أُمُّ مَالِكٍ بِمَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ سنِين " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 56/ 8]

" وَثَبَتَ هَذَا الحَمْلُ الطَّوِيلُ أَيْضَاً لاِمْرَأَةِ محَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ وَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ حَيْثُ حَمَلْنَ أَرْبَعَ سِنِين، كَمَا ثَبَتَ عَن أُمِّ الإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهَا حَمَلَتْهُ حَوْلَينِ كَامِلَين " 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 319، 320/ 6]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار} {الرَّعْد/8}

ص: 5396

وَرُوِيَ أَيْضَاً أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ إِنيِّ غِبْتُ عَنِ امْرَأَتي سَنَتَينِ فَجِئْتُ وَهِيَ حُبْلَى، فَشَاوَرَ عُمَرُ النَّاسَ في رَجْمِهَا 00؟

فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَل: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيل؛ فَلَيْسَ لَكَ عَلَى مَا في بَطْنِهَا مِنْ سَبِيل، اتْرُكْهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ حَتىَّ تَضَعَ حَمْلَهَا، فَتَرَكَهَا فَوَضَعَتْ غُلَامَاً قَدْ خَرَجَتْ ثِنيَتَاه، فَعَرَفَ الرَّجُلُ الشَّبَهَ فَقَال: ابْني وَرَبِّ الكَعْبَة، فَقَالَ عُمَر: عَجَزَتِ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَ مُعَاذ، لَوْلَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَر 0 [الإِمَامُ القُرْطُبيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَة]

ص: 5397