الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عبد الحفيظ الفاسي: أوحد علماء عصره وأشهر علماء المغرب في وقته، من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، إمام في علوم الحديث والسنة
…
متظاهر بالعمل بالحديث والتمذهب به قولاً وعملاً داعية إليه ناصر له
…
(1)
توفي ليلة السبت الثامن جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف للهجرة.
موقفه من المبتدعة:
- قال عبد الله الجراري: ففي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة قدم إلى المغرب ويمم فاس، وحظي بالتجلة والإكرام عند السلطان المرحوم المولى عبد الحفيظ، وقد حصل له من الشفوف والحظوة لديه ما عزّ نظيره، وتهافت عليه علماء فاس وطلبتها وأعيانها، وأقبلوا عليه باعتناء كبير، في هذا الظرف شمّر عن ساعد الجدّ لمحاربة البدع ونصر السنة، ومقاومة الخرافات والأباطيل. (2)
- وقال: كان ينادي بردّ الناس إلى الكتاب والسنة، ويحضّهم على اتباع مذهب السلف الصالح ونبذ ما يؤدّي إلى الخلاف وما ينشأ عنه من الحيرة والدوران في منعرجات الطرق، لأن الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا أمتاً؛ هو طريق السنة والكتاب. (3)
(1) رياض الجنة (2/ 142).
(2)
المحدث الحافظ (ص.9 - 10).
(3)
المحدث الحافظ (ص.80).
- وقال: فكان الشيخ الدكالي -طيب الله ثراه- يحمل حملات شعواء رافعاً مشعل المقاومة ذائداً في إخلاص وإيمان عن الحنيفية السمحة صابراً على ما وجه إليه من معارضة المتطرفين من أهل الزوايا. (1)
- ومن نماذج انتصاره للسنة وتحرره من التعصب المذهبي أن علماء فاس طلبوا من السلطان عبد الحفيظ أن يسدل الشيخ يديه في الصلاة، فقال الأمير للشيخ: العلماء طلبوا مني أن تسدل، فأجابه بقوله: أطلب منك أن تطلب منهم أن يطلبوا منك أن عسكرك يصلي. ومسألة السدل والقبض تعد من المسائل المفروغ منها والمؤلف فيها تآليف ما بين محبذ للأول ورادّ للثاني والعكس، والمعوّل عليه في السنة هو القبض الذي وردت في شأنه أحاديث وثبتت طرقها -التي أنافت على الثلاثين طريقاً- في غير ما مسند من المساند فلا أطيل بجلبها.
ومما ذكره لنا الشيخ الدكالي في أحد مجالسه الحديثية أن طالباً طرح عليه سؤالاً في الموضوع قائلاً: إن السدل وارد في السنة، أجابه الشيخ قائلاً: إن وجدت السدل في السنة فسأكافئك على ذلك، وللحين ذهب الطالب للبحث في كتب السنة يتصفح أبوابها، وبينما هو كذلك إذ فاجأه باب نصه (باب السدل)، وعن عجل طوى الكتاب وأسرع يريد الشيخ، وبعد الاتصال به ذكر له أن السدل موجود وهاهو ذا في الكتاب، فقال له: اقرأ عليّ ففتح الكتاب وأخذ يقرأ، فإذا بلفظ النص (باب سدل الثوب) وسُقِطَ
(1) المحدث الحافظ (ص.14).
في يد الطالب الذي ذهب حلمه أدراج الرياح. (1)
- وقال الجراري أيضاً: وسلفيّته الصالحة المشبعة بأفكاره التحررية، وآرائه المنطقية التي كونت منه رجل المقاومة لكل ما يمت بسبب إلى الشعوذة والشعبذة، وما كان يبدو من بعض الطوائف من غلوّ وانحراف عن الجادّة، مما قد يبرأ منه الشيخ المنتسب إليه، ذلك وأكثر ما حفز الاستعمار الغاشم لعزله عن الوظيفة كانتقام من حريته المطبوعة، ورغم ذلك فما زاده العزل إلا تفرغاً لأداء الرسالة التي تحملها منذ شبابه الأول، فكان من فينة لأخرى ينتقل من بلد لآخر، ومن مدينة لقرية يبث الوعي واليقظة، وينشر السلفيّة الداعية إلى التحرر والانعتاق من بوائق التقليد الأعمى، ورواسب التحجّر والجمود اللذين بليت بدائهما الفتان فترات وفترات، عشنا لحظات مريرة من مساوئها حتى كان بعض علمائنا رحمهم الله كَعُمي لا تكاد تتفتح عيونهم على آي الكتاب وبيان السنة، ولا عجب وقد حالت بينهم وبين الأصلين خرافات وأفكار ودعوات مغرضة أن لا ينظر فيهما بمنظار البحث والكشف عن أسرار من شأنها البعث على التنوير والتحرر من ربقة الجهل والضيق، ومع كل العراقيل التي كانت تنصب أمامه؛ مانعة له وصارفة إياه عما جبل عليه، أو خلق من أجله، فكل ميسّر لما خلق له؛ كان يجهد نفسه ويقف موقف المؤمن الصادق في أداء رسالته المقدسة مما كانت له نهضة مباركة عمّت المغرب وأطرافه مدناً وقرى. (2)
(1) المحدث الحافظ (ص.33 - 34).
(2)
المحدث الحافظ (ص.82).
- وقال: كانت دروس الشيخ فتحاً جديداً، ونوراً مبيناً أزال كل السدود المانعة من فهم الكتاب المقدس فهماً صحيحاً، وبالتالي أزاح عن الأذهان جميع ما كان يدور في قرارتها من أوهام وخرافات: إننا لا نقدر على الخوض في أحاديث الرسول وآثاره فراراً من الوقوع في التحريف واللحن وكل ما يدعو للافتراء والكذب، إنها لأفكار هي إلى التحجر والجمود أمسّ منها بالتفتح والانطلاق، ولكن جهاد الشيخ وثباته في الدعوة إلى الله بنشر السنة، ودراسة الكتاب رغم مضايقات ومضايقات، رفعت جميع تلك الخيالات، وانفسح المجال للفكر يعمل في طهارة ونضج، متحرراً من قيود الأوهام، وخيالات الأحلام التي كانت طاغية على بعض العقول المثقفة. (1)
- قال عبد الحفيظ الفاسي: عارف بأصول الدين الصحيحة الخالية من البدع والعقائد الزائغة، شديد على المدعين قامع لأهل الأهواء والمبتدعين، سيف الله القاطع على رقابهم. (2)
- وقال الرحالي الفاروقي: فقد كان هذا الشيخ رحمه الله علماً من أعلام المغرب الشاهقة، وفذاً من الأفذاذ الذين يفتخر بهم في ميادين المعرفة والإصلاح، وفي خدمة الكتاب والسنة ورفع رايتهما ونشر معانيهما وإقامة أحكامهما، بل كان يعتبر من الرعيل الأول في المغرب الذين أخذوا على أنفسهم إحياء العقيدة السلفية وبعث الروح الإسلامية الصحيحة في النفوس
(1) المحدث الحافظ (ص.102).
(2)
رياض الجنة (2/ 142).
باعتماد وحي الكتاب العزيز ووحي سنة الذي لا ينطق عن الهوى، ونبذ ما سوى ذلك من الأقوال الموهومة والعقائد المشبوهة والخرافات المدسوسة التي أخرت سير المسلمين وشوهت سمعة الإسلام
…
وكان ينادي في كثير من دروسه باعتبار المعرفة الصحيحة أساساً للحضارة الإسلامية واعتبار العقيدة السلفية التي جاء به الكتاب والسنة حصناً من الأمراض الوثنية، وكان رحمه الله حربا على البدعة لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ويحمل حملات عنيفة ضد العقيدة المخلوطة بالشك والشرك، ويوصي بترك الزيارة التي تفضي إلى إفساد العقيدة وإبطال الركن الأول من أركان الإسلام، كما كان رحمه الله يوحي إلى العامة بقراءة توحيد ابن أبي زيد القيرواني. (1)
- وقال عبد الله كنون: قام الشيخ أبو شعيب الدكالي بدعوته التي كان لها غايتان شريفتان: الأولى إحياء علم الحديث ونشره على نطاق واسع، لما كان فيه من رسوخ القدم، وقوة العارضة، والمشاركة في علومه، والحفظ والإتقان
…
والثانية -وهي بيت القصيد- الأخذ بالسنة والعلم بها في العقائد والعبادات؛ فقد جهر في ذلك بدعوة الحق، ودل على النهج القويم، والصراط المستقيم، بالبرهان الساطع والحجة الناصعة، وندد بالخرافات والأوهام، وأطاح بالدعاوي الباطلة والأقوال الواهية، وبين وجه الصواب في كل مسألة مسألة من مسائل الخلاف الفقهي، وأقنع خصوم الدعوة قبل أنصارها بما لم يجدوا فيه دفعا ولا له ردا، وهكذا حدث تحول كبير في مفهوم الاجتهاد
(1) شيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي في رحاب مدينة مراكش الفيحاء لمحمد رياض (ص.51 - 52).