الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العربي سالما إلى الآن والحمد لله؛ لأنه يدافع عن الحق. (1)
موقفه من الصوفية:
يتجلى ذلك في المناظرة حول التيجانية بينه وبين الشيخ محمد تقي الدين الهلالي وهذه حكايتها.
- قال محمد تقي الدين الهلالي (2) بعد مقدمة بين فيها كرم ضيافة الشيخ محمد بن العربي العلوي له، وأنه لما سمعه وجلساءه يطعنون في الطرق الصوفية غضب وهمَّ بالخروج: ولم تخف حالي على الشيخ فقال لي: أراك منقبضا فما سبب انقباضك؟ فقلت: سببه أنكم انتقلتم من الطعن في الطريقة الكتانية إلى الطعن في الطريقة التجانية، وأنا تجاني لا يجوز لي أن أجلس في مجلس أسمع فيه الطعن في شيخي وطريقته. فقال لي: لا بأس عليك أنا أيضا كنت تجانيا؛ فخرجت من الطريقة التجانية لما ظهر لي بطلانها (3)، فإن كنت تريد أن تتمسك بهذه الطريقة على جهل وتقليد فلك علي ألا تسمع بعد الآن في مجلسي انتقادا لها أو طعنا فيها، وإن كنت تريد أن تسلك مسلك أهل العلم فهلم إلى المناظرة؛ فإن ظهرت علي رجعت إلى الطريقة، وإن ظهرت عليك خرجت منها، كما فعلت أنا، فأخذتني النخوة، ولم أرض أن أعترف أني أتمسك بها على جهل، فقلت:
(1) ذكر ذلك أيضا أحمد بناني في مقال له بمجلة الإيمان العدد 10 سنة 1964م (ص.11) بعنوان: (جوانب من شخصية شيخنا ابن العربي العلوي)، ونقله عنه أحمد أزمي في مجلة دعوة الحق العدد 5 سنة 2001م.
(2)
الهدية الهادية إلى الفرقة التجانية (ص.17 - 20).
(3)
كان ذلك حين مناظرة الشيخ أبي شعيب الدكالي له بمثل ما ناظر به هو محمد تقي الدين الهلالي في هذه المناظرة، ثم قراءته لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية 'الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان'.
قبلت المناظرة.
قال الشيخ: أريد أن أناظرك في مسألة واحدة إن ثبتت ثبتت الطريقة كلها، وإن بطلت بطلت الطريقة كلها، قلت: ما هي؟ قال: ادعاء التجاني أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما وأعطاه هذه الطريقة بما فيها من الفضائل، فإن ثبتت رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأخذه منه فأنت على حق وأنا على باطل، والرجوع إلى الحق حق، وإن بطل ادعاؤه ذلك فأنا على حق وأنت على باطل، فيجب عليك أن تترك الباطل وتتمسك بالحق. ثم قال: تبدأ أنت أو أبدأ أنا؟ فقلت: ابدأ أنت. فقال: عندي أدلة كل واحد منها كاف في إبطال دعوى التجاني. قلت: هات ما عندك وعلي الجواب.
فقال: الأول: أن أول خلاف وقع بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان بسبب الخلافة، قالت الأنصار للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير. وقال المهاجرون: إن العرب لا تذعن إلا لهذا الحي من قريش (1) ووقع نزاع شديد بين الفريقين حتى شغلهم عن دفن النبي صلى الله عليه وسلم فبقي ثلاثة أيام بلا دفن صلاة الله وسلامه عليه. فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم ويقول: الخليفة فلان، فينتهي النزاع؟ كيف يترك هذا الأمر العظيم؟ لو كان يكلم أحدا يقظة بعد موته لكلم أصحابه وأصلح بينهم وذلك أهم من ظهوره للشيخ التجاني بعد مضي ألف ومائتي سنة، ولماذا ظهر؟ ليقول له: أنت من الآمنين ومن أحبك من الآمنين ومن أخذ وردك يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب هو
(1) أحمد (1/ 55 - 56) والبخاري (12/ 174 - 176/ 6830) ومسلم (3/ 1317/1691) وأبو داود (4/ 582 - 583/ 4418) والنسائي في الكبرى (4/ 273/7156) وابن ماجه (2/ 853/2553) عن ابن عباس
والده وأولاده وأزواجه لا الحفدة. فكيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم الظهور يقظة والكلام لأفضل الناس بعده في أهم الأمور، ويظهر لرجل لا يساويهم في الفضل ولا يقاربهم لأمر غير مهم.
فقلت له: إن الشيخ رضي الله عنه قد أجاب عن هذا الاعتراض في حياته، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقي الخاص للخاص والعام للعام في حياته، أما بعد وفاته فقد انقطع إلقاء العام للعام وبقي إلقاء الخاص للخاص لم ينقطع بوفاته، وهذا الذي ألقاه إلى شيخنا من إعطاء الورد والفضائل هو من الخاص للخاص.
فقال: أنا لا أسلم أن في الشريعة خاصا وعاما، لأن أحكام الشرع خمسة، وهذا الورد وفضائله إن كان من الدين فلا بد أن يدخل في الأحكام الخمسة لأنه عمل أعد الله لعامله ثوابا، فهو إما واجب أو مستحب، ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى بين لأمته جميع الواجبات والمستحبات، وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب أنه قيل له: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم معشر أهل البيت بشيء؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا فهما يعطاه الرجل في كتاب الله وإلا ما في هذه الصحيفة، ففتحوها فإذا فيها العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر (1). فكيف لا يخص النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته وخلفاءه بشيء ثم يخص رجلا في آخر الزمان بما يتنافى مع أحكام الكتاب والسنة.
فقلت: إن الشيخ عالم بالكتاب والسنة وفي جوابه مقنع لمن أراد أن
(1) أخرجه: أحمد (1/ 79) والبخاري (12/ 303/6903) والترمذي (4/ 17/1412) والنسائي (8/ 392/4758) وابن ماجه (2/ 887/2658).
يقنع.
قال: احفظ هذا. الأمر الثاني: اختلاف أبي بكر مع فاطمة رضي الله عنهما على الميراث، فلا يخفى أن فاطمة طلبت من أبي بكر الصديق رضي الله عنه حقها من ميراث أبيها، واحتجت عليه بأنه إذا مات هو يرثه أبناؤه، فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر الصديق بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركنا صدقة» (1). وقد حضر ذلك جماعة من الصحابة فبقيت فاطمة الزهراء مغاضبة لأبي بكر حتى ماتت بعد ستة أشهر بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم. فهذان حبيبان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: «فاطمة بضعة مني يسوؤني ما ساءها» (2) أو كما قال عليه الصلاة والسلام وصرح بأن أبا بكر الصديق أحب الناس إليه، وقال:«ما أحد أمن علي في نفس ولا مال من أبي بكر الصديق» (3) رواه البخاري. وهذه المغاضبة التي وقعت بين أبي بكر وفاطمة، تسوء النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان يظهر لأحد بعد وفاته لغرض من الأغراض لظهر لأبي بكر الصديق وقال له: إني رجعت عن عما قلته في حياتي فأعطها حقها من الميراث، أو لظهر لفاطمة وقال لها: يا ابنتي لا تغضبي على أبي بكر، فإنه لم يفعل إلا ما أمرته به.
(1) أخرجه: أحمد (1/ 7 - 8) والبخاري (6/ 242/3092 - 3093) ومسلم (3/ 1381 - 1382/ 1759 [54]) وأبو داود (3/ 376 - 377/ 2969) عن أبي بكر.
(2)
أحمد (4/ 326) والبخاري (7/ 106 - 107/ 3729) ومسلم (4/ 1902/2449) وأبو داود (2/ 556 - 557/ 2069) وابن ماجه (1/ 644/1999) عن المسور بن مخرمة.
(3)
أحمد (3/ 18) والبخاري (1/ 734/466) ومسلم (4/ 1854 - 1855/ 2382) والترمذي (5/ 568/3660) والنسائي في الكبرى (5/ 35/8103) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فقلت له: ليس عندي من الجواب إلا ما سمعت.
قال: احفظ هذا. الأمر الثالث: الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة، وعلي بن أبي طالب من جهة أخرى، واشتد النزاع حتى وقعت حرب الجمل في البصرة، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين وعقر جمل عائشة، فكيف يهون على النبي صلى الله عليه وسلم سفك هذه الدماء ووقوع هذا الشر بين المسلمين بل بين أخص الناس به، وهو يستطيع أن يحقن هذه الدماء بكلمة واحدة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في آخر سورة التوبة برأفته ورحمته بالمؤمنين وأنه يشق عليه كل ما يصيبهم من العنت وذلك قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} (1).
فقلت له: ليس عندي من الجواب إلا ما سمعت، وظهوره وكلامه للشيخ التجاني فضل من الله، والله يؤتي فضله من يشاء.
قال: احفظ هذا وفكر فيه. الأمر الرابع: خلاف علي مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر النبي صلى الله عليه وسلم لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقنت تلك الدماء.
فقلت: الجواب هو ما سمعت.
فقال لي: احفظ هذا وفكر فيه، فإني أرجو أنك بعد التفكير ترجع إلى الحق
…
والأمر الخامس: النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية، وقد قتل في
(1) التوبة الآية (128)
الحرب التي وقعت بينهما خلق كثير، منهم عمار بن ياسر، فكيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم الظهور لأفضل الناس بعده، وفي ظهوره هذه المصالح المهمة من جمع كلمة المسلمين وإصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم، وهو خير المصلحين العاملين بقوله تعالى:{وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (1) وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} (2) ثم يظهر للشيخ التجاني في آخر الزمان لغرض غير مهم وهو في نفسه غير معقول، لأنه مضاد لنصوص الكتاب والسنة.
فلم يجد عندي جوابا غير ما تقدم ولكني لم أسلم له.
فقال لي: فكر في هذه الأدلة وسنتباحث في المجلس الآخر، فعقدنا بعد هذا المجلس سبعة مجالس، كل منها كان يستمر من بعد صلاة المغرب إلى ما بعد العشاء بكثير، وحينئذ أيقنت أنني كنت على ضلال.
- قال عبد السلام بن سودة (3): ومن أفعاله المذكورة صرخته الكبرى في وجه الطوائف الضالة مثل الطائفة المنسوبة للشيخ مَحمد -فتحا- بن عيسى والطائفة المنسوبة للشيخ علي بن حمدوش، وغيرهما من الطوائف الذين كانوا يفعلون أفعالا لا يقبلها الشرع؛ مثل الشطح في الأسواق والأزقة على نغمات المزامير والطبول، وأكل اللحم النيئ، وضرب الرؤوس بشواقر، وجعل النار في أفواههم، إلى غير ذلك من الموبقات. فقد سعى بكل جهوده لقطع دابر
(1) الأنفال الآية (1).
(2)
الحجرات الآية (10).
(3)
سل النصال (ص.196).
ذلك من المغرب، ولم يهمل السعي وراءه حتى صدر الأمر بمنعه من جلالة الملك محمد الخامس، عام أربعة وخمسين وثلاثمائة وألف، وأراح الله من ذلك البلاد والعباد. ومناقبه في هذا الباب لا تعد. وإن شئت قلت بلا مداهنة ولا محاباة إنه هو الرجل الأول الذي غرس البذرة الأولى للسلفية في الشعب.
وقال الحسن العرائشي: إن حلقات هذا الشيخ كانت تهدف أساسا لمواجهة أدعياء المشيخة وتطهير الدين من الخرافات والخزعبلات التي ألصقها به هؤلاء المشعوذون الذين ربطوا مصيرهم بمصير الاستعمار. (1)
ومنع الفرقة العيساوية بفاس من التوجه إلى ضريح شيخهم بمكناس لإقامة الرقص والشطح الصوفي. (2)
عبد الرحمن النتيفي (3)(1385 هـ)
الشيخ الإمام عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم النتيفي الجعفري، ينتهي نسبه إلى محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعلي الزينبي هو ابن زينب بنت فاطمة الزهراء بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ولد الشيخ عام ثلاث وثلاثمائة وألف للهجرة بقرية المقاديد بقبيلة هنتيفة، وحفظ القرآن في صغره. وفي عام أربع عشرة وثلاثمائة وألف للهجرة بدأ بقراءة العلم على جمع من الشيوخ منهم: بوشعيب البهلولي. وسافر إلى فاس عام ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة وأخذ عن عدة مشايخ كالفاطمي الشرايبي ومحمد التهامي كنون ومحمد بن جعفر الكتاني وغيرهم. وفارق فاس عام خمس وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة وقصد مراكش معرجا على الدار البيضاء فحضر موقعة تدارت التي تم على إثرها احتلال المدينة. وبعد الوقعة قصد الشيخ خنيفرة عاصمة قبائل زايان بالأطلس المتوسط فأقام بها وأنشأ مدرسة للعلم تخرج على يده جماعات كثيرة من أهل العلم كأخيه قاضي مراكش جعفر محمد النتيفي والفقيه عباس المعداني وغيرهما. حج البيت الحرام عام تسع وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة وعاد من رحلته الحجازية عام ثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة. ورجع إلى خنيفرة فمكث فيها لنشر العلم وإحياء الإسلام والسنة في تلك القبائل البربرية الذين كانوا أبعد عن الإسلام بجفاء طبعهم فنفع الله به العباد والبلاد. خرج من خنيفرة بعد احتلال الفرنسيين الكفرة لها وقصد قبائل أيت عمو ودخل فاس عام
(1) مجلة دعوة الحق العدد 5 سنة 2001م مقال لأحمد أزمي.
(2)
المصدر السابق.
(3)
مختصر ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمن النتيفي الجعفري لابنه الفقيه حسن بن عبد الرحمن النتيفي الجعفري.
ست وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة فمكث فيها سنتين يدرس بالقرويين إلى عام سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة وفي آخر تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة فارق فاس. ودخل المدينة القديمة البيضاء عام إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة واتخذ بها مدرسة. وقصدته أفواج من أنحاء المغرب للقراءة عليه، والإقامة بمنزله وتحت نفقته.
وأنشأ بالمدينة الجديدة من البيضاء مدرسة سماها (السنة) لتمييز منهاج دروسها وتعليمها. للشيخ رحمه الله باع طويل في العلم، أصيب بفقد البصر وكان قوي الذاكرة، ولم يكن متقيدا بمذهب معين بل يدور مع الدليل أين ما دار.