المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقفه من المبتدعة: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - جـ ٩

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من الرافضة:

- ‌ موقفه من الخوارج:

- ‌ موقفه من المرجئة:

- ‌ موقفه من القدرية:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌موقف السلف من محمد بن عبد الله بن محمد بن فيروز (1216 ه

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌التجاني وضلاله (1230 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌عثمان بن محمد بن أحمد بن سند (1250 ه

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقف السلف من الدجال الكذاب أحمد زيني دحلان (1304 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين والصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌حسن عبد الرحمن السني البحيري المصري (1326 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌أبو شعيب الدكّاليّ (1356 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌مبارك بن محمد الميلي (1364 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌محمد عبد الله المدني (1371 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌عبد الرحمن بن يوسف الإفريقي (1377 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌عبد الرحمن الكمالي (1379 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌محمد البشير الإبراهيمي (1385 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌محمد بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم (1387 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌ موقفه من الجهمية:

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من الصوفية:

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المرجئة:

الفصل: ‌موقفه من المبتدعة:

محب الدين الخطيب (1)(1389 هـ)

الشيخ محب الدين بن أبي الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب. ولد بدمشق سنة ثلاث وثلاثمائة وألف من الهجرة، وتعلم بها، ثم رحل إلى صنعاء ثم إلى مصر (القاهرة) شاغلا مناصب مختلفة، آخرها محررا في جريدة الأهرام، وأصدر مجلته "الزهراء" و"الفتح"، وتولى تحرير "مجلة الأزهر" وأنشأ المطبعة السلفية ومكتبتها، فنشر عددا كبيرا من كتب التراث الإسلامي.

توفي رحمه الله سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وألف.

‌موقفه من المبتدعة:

كانت له أيادي بيضاء في نشر العقيدة السلفية والدفاع عنها، يظهر ذلك في تعاليقه الجيدة على المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي.

ومن آثاره السلفية:

1 -

'الغارة على العالم الإسلامي'.

2 -

وله تعاليق غنية بالفوائد والدرر.

- قال في مقدمته على 'العواصم' لابن العربي: والتاريخ الصادق لا يريد من أحد أن يرفع لأحد لواء الثناء والتقدير، لكنه يريد من كل من يتحدث عن رجاله أن يذكر لهم حسناتهم على قدرها، وأن يتقى الله في ذكر سيئاتهم فلا يبالغ فيها ولا ينخدع بما افتراه المغرضون من أكاذيبها.

نحن المسلمين لا نعتقد العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من

(1) الأعلام (5/ 282) والمستدرك على معجم المؤلفين (576 - 577).

ص: 497

ادعى العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كاذب. فالإنسان إنسان، يصدر عنه ما يصدر عن الإنسان، فيكون منه الحق والخير، ويكون منه الباطل والشر. وقد يكون الحق والخير في إنسان بنطاق واسع فيعد من أهل الحق والخير، ولا يمنع هذا من أن تكون له هفوات. وقد يكون الباطل والشر في إنسان آخر بنطاق واسع، فيعد من أهل الباطل والشر، ولا يمنع هذا من أن تبدر منه بوادر صالحات في بعض الأوقات.

يجب على من يتحدث عن أهل الحق والخير إذا علم لهم هفوات، أن لا ينسى ما غلب عليهم من الحق والخير، فلا يكفر ذلك كله من أجل تلك الهفوات. ويجب على من يتحدث عن أهل الباطل والشر إذا علم لهم بوادر صالحات، أن لا يوهم الناس أنها من الصالحات من أجل تلك الشوارد الشاذة من أعمالهم الصالحات. (1)

- قال في مقدمته على كتاب 'مختصر التحفة الاثني عشرية': والمسلمون الأولون -الذين تولى الهادي الأعظم صلى الله عليه وسلم تربيتهم وتوجيههم وإعدادهم للاضطلاع بمهمة الإسلام العظمى- كانوا المثل الكامل للعمل بالإسلام: في إيمانهم، وطاعتهم لله، وأخلاقهم الكريمة، وسياستهم الحكيمة، وفتوحهم الرحيمة، وتكوينهم المجتمع الإسلامي الصالح، والدولة الإنسانية المثالية. وقد كافأهم الله على ذلك بانتشار رسالته على أيديهم، وذيوع دعوته بين الأمم اقتداء بهم، واتباعا لهم. ولما تخطت رسالة الإسلام حدود الجزيرة العربية المباركة -فدخلت العراق وإيران شرقا، والشام شمالا، ومصر وإفريقية غربا-

(1) مقدمة العواصم (46 - 47).

ص: 498

كان ذلك سعادة للأخيار من أهل البلاد المفتوحة، وغذاء لعقولهم، وبهجة وحبورا تطمئن بهما قلوبهم. وشجى للأشرار منهم، وغصة في حلوقهم، ومبعث إحنة وغل تسممت بهما دماؤهم وأرواحهم. إن الأخيار من طبقات سالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، فالحسن البصري، وعبد الله بن المبارك، فمحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأندادهم وتلاميذهم، استقبلوا هداية الإسلام السليمة الأصيلة بأرواحهم وعقولهم، وفتحوا لها أبوابهم وصدورهم، وأحلوا لغتها محل لغاتهم، وعملوا بسننها بدلا من سننهم، ونسخوا بإيمانها كل ما كانوا -أو كان آباؤهم- عليه من قبل. فساهموا في حفظ كتاب الله وسنة رسوله الأعظم، وحرصوا على فهمهما كما كان يفهمهما أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله ابن مسعود ومعاذ بن جبل ومن ائتم بهم وسار على منهاجهم، حتى صاروا بنعمة الله إخوانا للمسلمين كصالحي المسلمين، وأئمة للمسلمين كسائر أئمة المسلمين. (1)

- وقال في مقدمة تحقيقه على كتاب 'المنتقى من منهاج الاعتدال' للذهبي رحمهما الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} (2).

(1) مقدمة مختصر التحفة الاثني عشرية.

(2)

المائدة الآية (8).

ص: 499

إن ظهور هذا الدين الإسلامي -على فترة من تاريخ الإنسانية- كان حادثا من أعظم أحداثها، بل هو أعظم أحداثها، فقد جاء لإقامة الحق: ما كان منه وما سيكون، فكل حق يواجهه البشر في ائتلافهم واختلافهم، وفي معاملاتهم وأقضيتهم وأحكامهم، وفي تفكيرهم وبحوثهم ودراساتهم وأنظمتهم، وفي تعاونهم على ما فيه خيرهم ومصالحهم: فهو من الإسلام. وحسب الإسلام مكانة في تاريخ التشريع أن يسميه الله "دين الحق"{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} (1)، وكل ما وافق العدل والقسط فالإسلام يدعو أهله إلى أن يقوموا به، وأن يشهد كل واحد منهم بما يعلمه منه، وأن يعملوا جميعا على بسط سلطان العدل ونشر لوائه في دار الإسلام وفي سائر آفاق الأرض كاملا وافيا بأقصى ما يستطيعونه، ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم، فالحق والعدل وإقامتهما والشهادة بهما عنصر الإسلام الأول، وخلقه المقدم، والسمة التي يجب أن يتميز بها أهله في طيبة قلب وصفاء فطرة وطهارة نفس وإيثار لما فيه مرضاة الخالق وطمأنينة الخلق. والعدل في نظام الإسلام من التقوى، والتقوى ميزان التفاضل بين المسلمين، والله خبير بأهلها وبمن ينحرف عنها، لا تخفى عليه منهم خافية.

وهذه الصورة المشرقة لهذا الإسلام الجميل هي التي تولى خاتم رسل الله تربية أصحابه عليها، وإعدادهم ليخلفوه في دعوة الإنسانية إليها، ولم يودع صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا ويغمض بصره وراء سجف بيت عائشة أم المؤمنين المطل على مسجده الشريف ليلتحق

(1) التوبة الآية (33).

ص: 500

بالرفيق الأعلى؛ إلا بعد أن أقر الله عينيه الكريمتين باجتماع الصفوة المختارة منهم صفوفا كالبنيان المرصوص، مسلمين أنفسهم وقلوبهم لله عز وجل في عبادته وطاعته، خلف خليفته فيهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قال فيه وفي صنوه عمر بن الخطاب أخوهما علي بن أبي طالب وهو يخطب على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. وفي مثل لمح البصر -بعد فاجعة الإسلام والمسلمين بفراق أكرم خلق الله على الله- لم هؤلاء البررة الأخيار شعثهم في جزيرتهم المباركة، ووحدوا صفوفهم العامة للجهاد، كما وحدوا في أيام احتضار الرسول صلى الله عليه وسلم صفوفهم للصلاة، فسارت رايات أبي بكر متوجهة إلى العراق والشام حاملة أمانات الرسالة المحمدية إلى أمم الأرض أدناها فأدناها، وسرعان ما كافأهم الله على جهادهم الصادق بالنصر الموعود، فترددت أصداء دعوة "حي على الفلاح" في الآفاق التي خفقت فيها رايات قواد الخليفة الأول: أبي عبيدة، وخالد، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وكان هؤلاء للشعوب التي اتصلوا بها معلمين ودعاة وأصحاب رسالة من الله ورسوله إلى البلاد التي عرفت أقدارهم؛ وفتحت أبوابها وقلوب أهلها لتعليمهم وتوجيههم. وبعد أن قرت عينا أبي بكر بنصر الله في بلاد الرافدين وربوع الشام اختاره الله لمجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأخرى، كما اختاره لصحبته في الدنيا، فأخذ دفة القيادة في سفينة الإسلام خليفته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر بشهادة أخيهما أبي الحسن رضي الله عنهم جميعا.

ومضت قافلة الإسلام في طريقها ترعاها عين الله التي لا تنام، فواصلت كتائب الدعوة المحمدية

ص: 501

سيرها إلى وادي النيل، ومنها إلى شمال إفريقية، كما توغلت أخواتها في مملكة كسرى إلى أقصى آفاقها، حتى إذا تآمرت على الدم العمري الشريف مكايد اليهودية والمجوسية، واختار الله إليه مثال العدالة في الأرض: يسر له مجاورة صاحبيه، فارتضى المسلمون للخلافة المحمدية عليهم أطيبهم نفسا وأرحمهم قلبا وأنداهم يدا وأحفظهم للقرآن وأصبرهم على بلاء الزمان: صهر نبيهم على كريمتيه، ولو كان له صلى الله عليه وسلم ابنة ثالثة لآثره بها، فكان عثمان لهؤلاء الصفوة البررة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا مخلصا، ولأبنائهم أبا مشفقا، وكانت الأمة مدة خلافته في أرخى عيش وأسعد مجتمع، كما شهد بذلك عالمان من كبار التابعين: الحسن البصري وصنوه ابن سيرين، بينما كانت رايات ذي النورين بأيدي المجاهدين الأبطال من رجاله تخفق في آفاق قفقاسيا وما وراء الباب مما كان قواد الأكاسرة وأبطالهم لا يطمعون في الوصول إليه. وهكذا عرفت أمم المشرق وأمم المغرب هذا الإسلام من سيرة الصحابة وعدلهم، ورفقهم وحزمهم واستقامتهم على طريق الحق الذي قامت به السماوات والأرض، وبذلك تحقق فيهم قول صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم:«خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (1)

وهذا الحديث الشريف من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإسلام لم ير زمان سعادة وعزة واستقامة على الحق والخير كالذي رآه في زمان الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان،

(1) أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية (4/ 172) عن عمر بن الخطاب واستغربه. وقد صح الحديث بلفظ «خير الناس قرني

» من حديث ابن مسعود أخرجه: أحمد (1/ 334) والبخاري (5/ 324/2652) ومسلم (4/ 1963/2533 [212]) والترمذي (5/ 652/3859) والنسائي في الكبرى (3/ 494 - 495/ 6031) وابن ماجه (2/ 791/2362).

ص: 502

وتحديد ذلك إلى نهاية الدولة الأموية، وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس الذين تربوا في البيئة الأموية. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج7صلى الله عليه وسلم4): اتفقوا -أي اتفق أئمة الإسلام- أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود سنة 220هـ، ثم ظهرت البدع، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا.

هذه المدة التي تنبأ عنها خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم ونعتها بأنها "خير القرون" وكان ذلك من أعلام نبوته، هي عصور الإسلام الذهبية التي لم ير الإسلام أعظم منها بركة، ولا أعز منها لأهله رفعة وسلطانا، ولا أصدق من جهاد قادتها جهادا، ولا أوسع من دعوتها إلى الله في أوسع الآفاق من أرض الله، وفيها انتشر حفظة القرآن في أنحاء المعمورة ورحل شباب التابعين إلى كل بقعة فيها صحابي يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من سنته السنية ليتلقوها عنه قبل أن تموت بموته، ثم رحل تابعوهم إلى كل بقعة فيها أحد من كبار التابعين يحفظ شيئا عن الصحابة ليحملوا عنه ما حمله عن شيوخه من الصحابة، وهكذا وصلت أمانة السنة إلى رجال التدوين -من أمثال مالك وأحمد وشيوخهم ومعاصريهم وتلاميذهم- غضة يفوح منها عبق النبوة، هدية من الأمناء الحافظين إلى الأمناء الحافظين، فكان من ذلك أثمن تراث للمسلمين بعد كتاب الله عز وجل، فبهمة هؤلاء حفظ الله لنا هذه الكنوز، وبسيوفهم فتح الله للإسلام هذه الممالك، وبدعوتهم المباركة نشر الله دعوة الإسلام، فكان لنا اليوم هذا العالم الإسلامي بأوطانه وشعوبه وما فيه من علوم وعلماء كانوا في عصور الإسلام الأولى ملح الأرض وزينة الدنيا،

ص: 503

وبصلاحهم وعودتهم إلى الله في أيامنا والأيام الآتية سيعود إن شاء الله لهذا الإسلام مجده وسلطانه، وستحيا بنهضتهم أنظمته وسننه، وما ذلك على الله بعزيز.

وكما أن أبناء السراة وأهل السعة يرثون عن آبائهم أملاكهم وأموالهم فتكون لهم بذلك العزة والمكانة في الدنيا، إلا أن يخدعهم عنها قرناء السوء فيوهموهم أن سعادتهم ومتعتهم في تبديدها والتفريط بها. كذلك هذا المجد الإسلامي الذي ورثناه عن الصحابة والتابعين لا نعلم لأمة من أمم الأرض مجدا يضارعه في مواريث الإنسانية، وأثمن هذا الميراث وأعظمه قدسية وبركة اهتمام أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بجمع القرآن، وتوحيد تلاوته، وحفظه في المصاحف، ولو أن كل مسلم على وجه الأرض دعا لهم بالرحمة والرضا وعظيم المثوبة آناء الليل وأطراف النهار على ما أحسنوا به إلى المسلمين من هذا العمل العظيم لما وفيناهم ما في أعناقنا من منة لهم، سيتولى الله عنا حسن مكافأتهم عليها، ثم من أعظم كنوز هذا الميراث العظيم عناية كل صحابي بصيانة ما حفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديثه وخطبه وسيرته وتصرفاته وتشريعه في أمره ونهيه وإقراره، فأدوا رحمهم الله ورضي عنهم- هذه الأمانة إلى إخوانهم وأبنائهم والتابعين لهم بإحسان بما لم يعهد مثله عن أصحاب نبي غيره من الأنبياء السابقين، فكان ذلك من أعظم مواريث الإنسانية كلها في الأخلاق والتشريع وتكوين الأمم الاجتماعي والتقريب بين البشر في طبقاتهم وأجناسهم وأوطانهم وألوانهم، ولا يغمط جيل الصحابة فيما قاموا به للإنسانية من ذلك إلا ظالم يغالط في الحق إن كان غير مسلم،

ص: 504

أو زنديق يبطن للإسلام غير الذي يظهره لأهله إن كان من المنتسبين إليه. وميراثنا الثالث من المواريث التي صارت إلينا عن الصحابة حسن عرضهم هذا الإسلام على الأمم ممثلا بأخلاقهم الإسلامية السليمة وأعمالهم الجليلة الرحيمة، فحببوه بذلك إلى الناس، وعرفوهم به من طريق القدوة والأسوة، فكان ذلك سبب دخول الأمم في الإسلام إلى أقصى آفاق المعمورة المعروفة في أزمنتهم.

وهذه الفضيلة قد شارك عمال الخلفاء الراشدين فيها من جاهد بعدهم من الصحابة والتابعين تحت رايات الخلفاء من قريش الذين كان من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا التنويه بهم في حديث جابر بن سمرة في الصحيحين (1)، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في قباء عن جهاد معاوية رضي الله عنه في البحر، ورؤياه الثانية يومئذ عن حملة ابنه في حصار القسطنطينية (2)،

وهؤلاء الخلفاء من قريش الذين ورد النص عنهم في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة هم الذين جاهدوا وجاهد رجالهم تحت كل كوكب، وطووا آفاق الأرض يحملون هذه الدعوة إلى أقاصي المعمور من بلاد آسيا وإفريقية

(1) وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة» . ثم قال كلمة لم أفهمها. فقلت لأبي: ما قاله؟ فقال: «كلهم من قريش» . أخرجه: أحمد (5/ 86،87،88،90) والبخاري (13/ 261/7222، 7223) ومسلم (3/ 1452 - 1453/ 1821 [7]) واللفظ له. وأبو داود (4/ 471 - 472/ 4279،4280) والترمذي (4/ 434/2223) من طرق عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.

(2)

البخاري (6/ 127/2924) عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحة حمص وهو في بناء له ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: قلت يا رسول الله: أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا» . قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا في البحر، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر. وقد حدث أنس بن مالك عن أم حرام هذا الحديث أتم من هذا السياق ..

ص: 505