الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهواء. وغالب نظمي في التحريض على اتباع الكتاب والسنة لأنهما يكشفان عن كل مدلهمة ودجنة، وفي ذم التقليد الشؤوم، والابتداع المذموم.
حسبي بسنة أحمد متمسكا
…
عن كل قول في الجدال ملفق
أورد أدلتها على أهل الهوى
…
إن شئت أن تلهو بلحية أحمق
واترك مقالا حادثا متجددا
…
من محدث متشدق متفيهق
ودع اللطيف وما به قد لفقوا
…
فهو الكثيف لدى الخبير المتقي
ودع الملقب حكمة فحكيمها
…
أبدا إلى طرق الضلالة يرتقي
من مؤلفاته: 'فتح البيان في مقاصد القرآن' و'الدين الخالص' و'قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر' و'الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد' و'الروضة الندية شرح الدرر البهية للشوكاني' وغيرها كثير. توفي رحمه الله سنة سبع وثلاثمائة وألف.
موقفه من المبتدعة:
- هذا الإمام كان من ملوك الهند الذين من الله عليهم بالهداية إلى الإسلام عموما، وإلى السلفية خصوصا. يقول الشيخ عاصم في مقدمة كتاب قطف الثمر: كان الشيخ حريصا أشد الحرص على العقيدة الصافية والدعوة إلى الكتاب والسنة وذم التقليد والجمود، كما تدل على ذلك سيرته ومؤلفاته. وكتابه العظيم 'الدين الخالص' يشهد له بذلك.
والمصنف رحمه الله كان أشعريا كما هو معروف لدى أهل العلم، وكتابه 'فتح البيان في مقاصد القرآن' يدل على ذلك، ولقد يسر الله له الحج عام خمس وثمانين ومائتين وألف. ولابد أنه التقى بعلماء أهل السنة في
سفرته
…
وفي عام تسع وثمانين وألف ومائتين، صنف المؤلف رسالته 'قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر' واستفاد من نصيحة الشيخ العلامة حمد بن عتيق -التي تقدم ذكرها في مواقف الشيخ حمد- وانكب على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واغترف من كتبهما وكتب غيرهما من أهل السنة، وحث على ذلك. (1)
التعليق:
يستفاد من هذا أن الشيخ كان على طريقة المؤولة ثم رجع إلى عقيدة السلف رحمه الله.
آثاره السلفية:
1 -
'قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر'، وهو يشبه إلى حد ما كتاب الواسطية لشيخ الإسلام. وقد طبع بتحقيق الشيخ عاصم.
2 -
'الدين الخالص' وهو كتاب جيد فيه فوائد عظيمة، على هنات فيه في التوسل، وعدم التنظيم في السياق، وقد طبع.
3 -
'الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة في اتباع السنة'.
4 -
'الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى'.
5 -
'قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل' ذكر هذه الكتب الثلاثة الأخيرة الشيخ عاصم في المقدمة.
من طيب أقواله:
(1) قطف الثمر (12).
- قال عقب قول الله عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} (1) الآية: وفي هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله، وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدى بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه، هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله، للقطع بأنهم لم يعبدوهم، بل أطاعوهم. وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا، وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة والتمرة بالتمرة والماء بالماء.
فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما، وطلبه للعمل منهم بما دلا عليه وأفاداه، فعملتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق ولم تعضد بعضد الدين، ونصوص الكتاب والسنة تنادي بأبلغ نداء وتصوت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه، فأعرتموها آذانا صما وقلوبا غلفا، وأفهاما مريضة وعقولا مهيضة وأذهانا كليلة وخواطر عليلة، وأنشدتم بلسان الحال:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
…
غويت وإن ترشد غزية أرشد
فدعوا أرشدكم الله وإياي كتبا كتبها لكم الأموات من أسلافكم،
(1) التوبة الآية (31).
واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم، ومتعبدهم ومتعبدكم، ومعبودهم ومعبودكم، واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم وقدوتهم وقدوتكم، وهو الإمام الأول محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
دعوا كل قول عند قول محمد
…
فما آمن في دينه كمخاطر
اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل، اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب وأوضح لنا منهج الهداية. (1)
- وقال في الدين الخالص عند قوله تعالى: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)} (2) أي تخافون ما نزل بكم من العذاب إلى قوله: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)} (3).
قال أهل العلم: هذا داخل في جملة ما استنكروه، وهكذا يقول المقلدة لأهل الاتباع والمبتدعة لأهل السنة كأنهم هم. (4)
- ومنها قوله: ومن السنة هجران أهل البدع، ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين والسنة، وكل محدثة في الدين بدعة، وترك النظر في
(1) فتح البيان (5/ 286 - 287).
(2)
الأعراف الآية (65).
(3)
الأعراف الآية (70).
(4)
الدين الخالص (1/ 20 - 21).
كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم، في أصول الدين وفروعه، كالرافضة، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمرجئة، والكرامية، والمعتزلة، فهذه فرق الضلالة وطرائق البدع.
والاختلاف في الفروع شائع، كما في الطوائف الأربعة، والمختلفون فيه محمودون متابعون على اجتهادهم، من لم يخالف النص، واختلافهم رحمة واسعة، إذا كان مبنيا على أدلة الكتاب والسنة كاختلاف الصحابة فيما بينهم، وهم أسوة الأمة واتفاقهم حجة عند قوم.
ثم من طريقهم اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، والمشي على ظاهر السنة وواضحها، واتباع سبل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» إلى قوله: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» (1) ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله تعالى كما قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)} (2) وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم من هدي كل أحد سواه، سموا أهل الكتاب والسنة وأهل الحديث والآثار. (3)
- ومنها قوله: هذه جملة مختصرة من الكتاب والسنة، وآثار السلف فالزمها وما كان مثلها، مما صح عن الله ورسوله، وصالح سلف الأمة بما
(1) أخرجه: أحمد (1/ 435) والنسائي في الكبرى (6/ 343/11174 - 11175) والدارمي (1/ 67 - 68) وابن أبي عاصم (1/ 13/17) وابن حبان (1/ 180 - 181/ 6 - 7 [الإحسان]) والحاكم (2/ 318) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(2)
النساء الآية (122).
(3)
قطف الثمر (ص.142 - 144).
حصل من الاتفاق عليه من خيار الأمة، ودع أقوال من عداهم محقورا مهجورا، مبعدا مدحورا، مذموما ملوما، وإن اغتر كثير من المتأخرين بأقوالهم، وجنحوا إلى اتباعهم، فلا تغتر بكثرة أهل الباطل فقد قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} (1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء» (2) رواه مسلم.
ولنعم ما قيل:
إن القلوب يد الباري تقلبها
…
من يضلل الله لا تهديه موعظة فهذه غربة الإسلام أنت بها
…
فاسأل الله توفيقا وتثبيتا
وإن هديت فبالأخبار أنبيتا
فكن صبورا ولو في الله أوذيتا
فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والأثر، وأصحاب الرواية، وحملة العلم النبوي، فمن خالف شيئا من هذه، أو طعن فيهم، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
وما ذكرته من العقائد ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوه ليحفظه، ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئا فشيئا، ومن فضل الله على قلب الإنسان إن شرحه في أول نشوه للإيمان، من غير حاجة إلى حجة وبرهان، فلا بد من إثباته في نفس الصبي والعامي حتى يترسخ ولا يتزلزل. (3)
(1) سبأ الآية (13).
(2)
مسلم (1/ 130/145) وابن ماجه (2/ 1319 - 1320/ 3986) عن أبي هريرة. وفي الباب عن أنس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم.
(3)
قطف الثمر (154 - 155).
- ومنها قوله: وإنما يضل أكثر الخلف من تركهم العمل بآيات الله البينات والسنة وتطلبهم غيرها، قال الله تعالى:{كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)} (1).
فليحذر من ذلك كل الحذر من عدم القنوع بما قنع به السلف من حجج الله، فيا له من تخويف شديد، ووعيد عظيم.
وإنما يعرف الحق من جمع خمسة أوصاف: أعظمها الإخلاص، والفهم، والإنصاف، ورابعها وهو أقلها وجودا وأكثرها فقدانا: الحرص على معرفة الحق وشدة الدعوة إلى ذلك.
والبدع قد كثرت، والمحدثات قد عمت البلوى بالإشراك، وكثر الدعاء إليها، والتعويل عليها، وطلاب الحق اليوم شبه طلابه في أيام الفترة وهم سلمان الفارسي، وزيد بن عمرو بن نفيل، وأضرابهما، فإنهم قدوة لطالب الحق، وفيهم له أعظم أسوة لما حرصوا على الحق، وبذلوا الجهد في طلبه حتى بلغهم الله إليه، وأوقفهم عليه، وفازوا من بين العوالم الجمة. فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة، وكم عمي عنه من طلبه في زمن النبوة، فاعتبر بذلك، واقتد بأولئك الكرام، فإن الحق ما زال مصونا عزيزا نفيسا كريما، لا ينال مع الإضراب عن طلبه، وعدم التشوق والإشراف إلى سببه، ولا يهجم على البطالين المعرضين، ولا يناجي أشباه الأنعام الضالين.
ما أعظم المصاب بالغفلة، والاغترار بطول المهلة، فليعرف مريد الحق
(1) البقرة الآية (211).
قدر ما هو طالبه، فإنه طالب لأعلى المراتب {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (1){خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} (2) فليس في الوجود بأسره أعز من الإيمان بالله وكتبه ورسله، ومتابعتها ومعرفة ما جاؤوا به، إلا تطلب ذلك أهون الطلب، فإن طلبة الدنيا وزخارفها الفانية يرتكبون الأخطاء والمتالف الكبار، وينفق أحدهم غضارة عمره، ونضارة شبابه، وإبان أيامه فيها، وهي لا تحصل لهم على حسب المراد، فكيف بما هو أبقى وخير منها؟ ولم يرفعوا له رأسا ولم يبنوا لها أساسا.
وإنما أطلنا القول، لأني أعلم بالضرورة في نفسي وغيري: أن جهل الحقائق أكثرها إنما سببه عدم الاهتمام بمعرفتها على الإنصاف، وترك الاعتساف، لا عدم الفهم والإدراك، فإن من اهتم بشيء أدركه، فكيف لا يفهم طالب الحق مقاصد الأنبياء والمرسلين والسلف الصالحين، مع الاهتمام فيه، وبذل الجهد فيه، وحسن القصد، ولطف أرحم الراحمين؟
ولا ينبغي لطالب الحق والصواب أن يصغي إلى من يصده عن كتب الله، وما أنزل فيها من الهدى والنور والرحمة، لطفا للمؤمنين ونعمة للشاكرين، وليحذر كل الحذر من زخرفتهم وتشكيكهم، وليعتبر بقول الله لرسوله المعصوم {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية (3) ويا
(1) الإسراء الآية (19).
(2)
البقرة الآية (63).
(3)
الإسراء الآية (73).
لها من موعظة موقظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولا يستوحش من ظفر بالحق بكثرة المخالفين، وليوطن نفسه على الصبر واليقين، نسأل الله تعالى أن يرحم غربتنا في الحق ويهدي ضالنا ولا يردنا من أبواب رجائه ودعائه وطلبه ورحمته محرومين.
وخامسها -وهو أصعبها-: المشاركة في العلم والتمييز والفهم والدراية حتى يتمكن من معرفة الحق ومقدار ما يقف عليه فيرغب فيه من غير تقليد، لأنه لا يعرف المقادير إلا ذو بصر نافذ، وفهم ماض، فإن عرضت له محنة، لم يتطير بطلب الحق، فيكون ممن يعبد الله على حرف، وليثق بمواعيد الله وقرب الفرج، قال تعالى:{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)} (1){فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} (2) وليعلم يقينا أنه تعالى مع الصابرين والصادقين والمحسنين، وأن الله سبحانه ناصر من ينصره، وذاكر من يذكره، وإن سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور عائد على متبعيه، ونصره شامل لناصريه.
وقد أمر الله تعالى بالمعاونة على البر والتقوى، وصح الترغيب في الدعاء إلى الحق والخير، وأن الداعي إلى ذلك يؤتى مثل أجور من اتبعه (3)، ومن أحيى نفسا
(1) النمل الآية (79).
(2)
الروم الآية (60).
(3)
إشارة إلى حديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء
…
» الحديث. أخرجه: أحمد (4/ 357) ومسلم (4/ 2059 - 2060/ 2674) والترمذي (5/ 42 - 43/ 2675) والنسائي (5/ 79 - 80/ 2553) وابن ماجه (1/ 74/203) عن جرير بن عبد الله.
وأخرجه: ابن ماجه (1/ 75/207) عن أبي جحيفة.