الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)} (1).
ومع أن هذا شرك في توحيدهم، فإنهم لا يساوون المؤمنين في حبهم وتعظيمهم، قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (2).اهـ (3)
- وقال رحمه الله في حديثه عن أنواع التوسل: النوع الثاني: التوسل إلى الله بذوات المخلوقين وجاههم. فهذا: الصواب أنه لا يحل، لأنه لا يتقرب إلى الله إلا بما شرع، وهذا ليس بمشروع. وأيضا فذوات المخلوقين، وإن كان لهم عند الله مقام وقدر وجاه، فهذا ليس لغيرهم، وليس التوسل بهم سببا لشفاعتهم للمتوسل عند الله. ولم يجعله الله من الأمور المقربة إليه، وليس ذلك إلا توسلا بما من الله به على المتوسل، فتعين أنه لا يجوز.
النوع الثالث: ما يسميه المشركون توسلا، وهو التقرب إلى المخلوقين بالدعاء والخوف والرجاء والطمع، ونحو ذلك. فهذا وإن سموه توسلا، فهو توسل إلى الشيطان لا إلى الرحمن، وهو الشرك الأكبر الذي لا يغفر لصاحبه إن لم يتب. والله أعلم. (4)
موقفه من الجهمية:
قال رحمه الله: وقعت مناظرة بيني وبين رجل من الفضلاء، ولكنه
(1) الشعراء الآيتان (96و97).
(2)
البقرة الآية (165).
(3)
الفتاوى السعدية (20 - 21).
(4)
الفتاوى السعدية (24).
يميل إلى مذهب المتكلمين المنحرفين الذين يقولون بأن العقل يقدم على النصوص الشرعية إذا تعارضت، وأنه يجب تأويل النصوص حتى تتفق مع العقل في مسألة الاستواء والنزول الإلهي ونحوها تبعا لأسلافه، فقلت له: -حين أوَّل، بل حَرَّفَ نصوص الشرع من جنس التحريفات التي يقولها المتكلمون من الجهمية، ومن وافقهم من الأشعرية ولو في بعض الصفات- الموجه إليه الخطاب في هذا المقام أحد رجلين:
إما رجل لا يعترف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه؛ فهذا يتكلم معه في الأصل في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبيان براهينها القوية الظاهرة الكثيرة، فأعيذك بالله أن تكون هذا الرجل، بل أعرف أنك من أعظم من يكفره ولا يعتقد إسلامه.
والرجل الثاني: من يعلم أن محمدا رسول الله حقا، وأنه صادق وما جاء به ثابت لا ريب فيه، وأنه إذا أخبرنا بشيء نجزم بثبوت ما أخبرنا به، وأنت لا شك تقول بهذا؛ ومن قال بهذا، فإنه يمتنع عنده أن يجعل العقل مقدما على خبر الرسول الصحيح الثابت، فإيمانك بالرسول وتصديقك له في كل ما أخبر به يوجب عليك أن تقدم قوله وخبره على كل شيء، عقل أو غير عقل.
ثم اعلم يا أخي مع ذلك أنه لا يمكن أن يوجد معقول صحيح مسلم فيه عند عقلاء الناس يعارض ما جاء به الرسول، فمدلول كلام الرسول صدق في أخباره، عدل في أوامره ونواهيه، وإذا أصررت أن العقل الذي تدعيه يناقض هذه النصوص، فهذه دعوى يتمكن كل مبطل من قولها، ولا
تغني شيئا باتفاق الناس، فإن عقول أهل الحق المثبتين ما أثبته الله ورسوله كلها متفقة على معنى ما قاله الله ورسوله خاضعة لذلك، مهتدية به، قد ازدادت عقولهم قوة وهداية حين استنارت بالوحي، فلا يرضى عاقل أن يقدم عليها آراء المتكلمين المتهافتة المتناقضة المبنية على الخيالات والتوهمات.
فقال: ليس عندي شك في صدق الرسول وثبوت خبره، ولكني لا أفهم من الاستواء إلا من جنس استواء الملوك على عروشهم، ولا من النزول إلا نزول المخلوقين من أعلى إلى أسفل، والله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين.
فقلت له: إننا لم نثبت استواء مثل استواء المخلوق، ولا نزولا كنزوله، وإنما نثبت ما أثبته الله منها ومن غيرها على وجه يليق بعظمة الله ويناسب كماله، مع اعتقادنا أن الله ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن النقائص وعن مماثلة المخلوقين، فعلينا أن ننتهي إلى الكتاب والسنة، ولا نتجاوز ذلك، فالاستواء معلوم والكيف مجهول، والنزول معلوم والكيف مجهول.
فسكت هذا المتأول، وسكوته يدل على أحد أمرين: إما رجوع إلى الصواب، وإما عجز عن نصر باطله، ولكنه تعصب ورضي بالبقاء عليه، وهو الظاهر، إذ لو رجع لصرح لمناظره بذلك.
واعلم أن التأويل الذي قبله أهل العلم هو الذي يقصد به بيان مراد المتكلم، فإن لم يكن كذلك، كان من باب التحريف لا من باب التفسير، وتأويلات أهل البدع لبدعهم هي من هذا الباب. (1)
(1) مجموع الفوائد (116 - 118).