الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأقصى، بويع بفاس سنة ست ومائتين وألف من الهجرة، بعد وفاة أخيه يزيد ابن محمد إثر معركته مع أخيه هشام.
قال الكتاني: كان من نوادر ملوك البيت العلوي في الاشتغال بالعلم وإيثار أهله بالاعتبار. وقال صاحب الاستقصا: وأما الدين والتقوى، فذلك شعاره الذي يمتاز به، ومذهبه الذي يدين الله به، من أداء الفريضة لوقتها المختار حضرا وسفرا، وقيام رمضان وإحياء لياليه. وقال أيضا: وكانت القبائل في دولته قد تمولت ونمت مواشيها وكثرت الخيرات لديها من عدله وحسن سيرته. وكان رحمه الله في أواخر أيامه قد سئم الحياة ومل العيش، وأراد أن يترك أمور البلاد لابن أخيه المولى عبد الرحمن بن هشام، وأن يتجرد لعبادة ربه حتى يأتيه اليقين. وفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف، مرض السلطان مرضا أدى إلى وفاته بعد أن عهد كتابة بالإمارة للمولى عبد الرحمن، ودفن رحمه الله بباب آيلان من مراكش.
موقفه من المبتدعة:
كان هذا الملك من أعقل ملوك أهل زمانه، وأذكاهم وأعلمهم وأفضلهم. حيث إن الملوك الآخرين لما وصلتهم خطابات أمير الرياض والحرمين الشريفين، تسرعوا في الرد عليه، والهجوم بألسنة علمائهم وكتابهم، في وصفه بالمروق والخروج عن الدين، ولكن هذا الملك الفاضل أرسل ابنه الأمير إبراهيم إلى الحج لمشاهدة الحال، فجهزه وأرسل معه مجموعة من العلماء والعقلاء، فذهب الأمير والمرافقون فوجدوا من الخير والحق، ما كان مصورا خلافه في أذهانهم، فرجعوا مقتنعين بالدعوة السلفية بعد المناظرات
التي جرت في الحجاز والاستفسارات التي كانت نتيجتها معرفة الحق الواضح.
- قال صاحب الاستقصا (1): وفي هذه المدة أيضا، وصل كتاب عبد الله بن سعود الوهابي النابع من جزيرة العرب المتغلب على الحرمين الشريفين. المظهر لمذهبه بهما إلى فاس المحروسة.
- وقال (2): ولما استولى ابن سعود على الحرمين الشريفين، بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب، يدعو الناس إلى اتباع مذهبه والتمسك بدعوته، ولما وصل كتابه إلى تونس بعث مفتيها نسخة منه إلى علماء فاس، فتصدى للجواب عنه الشيخ العلامة الأديب أبو الفيض حمدون ابن الحاج.
قال صاحب الجيش العرمرم: كان تصدى الشيخ أبو الفيض لذلك الجواب بأمر السلطان وعلى لسانه، وذهب بجوابه ولده المولى إبراهيم بن سليمان حين سافر للحج.
قال صاحب الاستقصا: وهذا يقتضي أن كتاب ابن سعود ورد على السلطان المولى سليمان بالقصد الأول، لا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس والله تعالى أعلم.
- وجاء في الفكر السامي: ومن خطبه، خطبته في ردع رعيته عن بدع المواسم التي تجعل للصالحين، نقلتها بلفظها في كتاب برهان الحق. وكان
(1)(8/ 119).
(2)
(8/ 120).
شديد الإنكار لمثل هذه البدع واقفا مع السنة شديد التحري. (1)
- قال عبد الحفيظ الفاسي: وأمر بقطع المواسم التي هي كعبة المبتدعة والفاسقين، وكتب رسالته المشهورة، وأمر سائر خطباء إيالته بالخطبة بها على سائر المنابر إرشادا للناس لاتباع السنن ومجانبة البدع، ولولا مقاومة مشايخ الزوايا من أهل عصره له؛ وبَثهم الفتنة في كافة المغرب وتعضيد من خرج عليه من قرابته وغيرهم؛ واشتغاله بمقاتلتهم وإنكاره أمامهم، لولا كل ذلك لعمت دعوته الإصلاحية كافة المغرب، ولكن بوجودهم ذهبت مساعيه أدراج الرياح، فذهبت فكرة الإصلاح ونصرة مذهب السلف بموته. (2)
- وفي الاستقصا: بعد كلامه على حج الأمير إبراهيم بن سليمان وبيان ما شاهدوه من الأمير ابن سعود وأتباعه من اتباعهم للسنة المحمدية قال: إن السلطان المولى سليمان رحمه الله، كان يرى شيئا من ذلك، ولأجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة. (3)
ونص الخطبة قد نشره عبد السلام السرغيني في رسالته 'المسامرة'، وعبد الله كنون في 'النبوغ المغربي'، وإبراهيم الكتاني، ثم محمد تقي الدين الهلالي في رسالة صغيرة مطبوعة مستقلة، وقبلهم أبو القاسم الزياني في 'الترجمانة الكبرى' وهو مطبوع متدوال.
(1)(2/ 297).
(2)
الآيات البينات (ص.301).
(3)
(8/ 123).
وهذا نصها: (الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة. وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة. وحفظ ملة نبيه الكريم، وصفيه الرؤوف الرحيم من الإضاعة إلى قيام الساعة، وجعل التأسي به أنفع الوسائل النافعة، أحمده حمدا ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه، وأشكره شكرا يقصر عنه لسان البراعة، وأستمد معونته بلسان المذلة والضراعة. وأصلي على محمد رسوله المخصوص بمقام الشفاعة، على العموم والإشاعة، والرضى عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسب الاستطاعة.
أما بعد:
أيها الناس، شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم. فإن الله قد استرعانا جماعتكم، وأوجب لنا طاعتكم. وحذرنا إضاعتكم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1)، سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (2). ولهذا نرثي لغفلتكم أو عدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم،
(1) النساء الآية (59).
(2)
الحج الآية (41).
وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم. وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا لله إسراركم وإعلانكم.
واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها. وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها. وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون. وافترقوا أوزاعا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} (1). وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال، زينه الشيطان لأوليائه، فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من عيساوة وجلالة وغيرهم، من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يترقبون للهوهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات، وكل ذلك حرام ممنوع، والإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع.
فأنشدكم الله عباد الله هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه سيد الشهداء موسما؟ وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الأرسال صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع
(1) الكهف الآيتان (103و104).
الصحابة والآل موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين؟ ثم أنشدكم الله، هل زخرفت على عهد رسول الله المساجد؟ أو زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد؟ كأني بكم تقولون في نحو هذه المواسم المذكورة وزخرفة أضرحة الصالحين، وغير ذلك من أنواع الابتداع حسبنا الاقتداء والاتباع، {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} (1) وهذه المقالة قالها الجاحدون، هيهات هيهات لما توعدون. وقد رد الله مقالهم ووبخهم وما أقالهم، فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين وأهل الصلاح والدين، «خير القرون قرني» (2) الحديث. وبالضرورة أنه لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها. فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الدين قد سجل، ووعد الله بإكماله قد عجل، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3). قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحضرة الصحابة رضي الله عنهم:(أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت الفرائض، وتركتم على الجادة؛ فلا تميلوا بالناس يمينا ولا شمالا). فليس في دين الله ولا في ما شرع نبي الله أن يتقرب بغناء ولا شطح.
والذكر الذي أمر الله به
(1) الزخرف الآية (23).
(2)
أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية (4/ 172) من طريق إسحاق بن إبراهيم صاحب البان قال ثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عمر بن الخطاب به. قال أبو نعيم عقبه: غريب من حديث الأعمش لم يروه عنه إلا إسحاق. وهو في الصحيحين بلفظ: «خير الناس قرني
…
».
(3)
المائدة الآية (3).
وحث عليه ومدح الذاكرين به، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه سنة السلف وطريقة صالح الخلف، فمن قال بغير طريقهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (1). {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} (2). فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟ أأمنا من مكر الله؟ أم تلبيسا على عباد الله؟ أم منابذة لمن النواصي بيده؟ أم غرورا لمن الرجوع بعد إليه؟ فتوبوا واعتبروا وغيروا المناكر واستغفروا، فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع. ما بين العاصي والمداهن المطيع، أفيزين لكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم؟ أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم؟ فتوبوا إلى رب الأرباب، {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} (3). ومن أراد منكم التقرب بصدقة أو وفق لمعروف أو إطعام أو نفقة، فعلى من
(1) النساء الآية (105).
(2)
يوسف الآية (108).
(3)
الزمر الآية (54).
ذكر الله في كتابه ووعدكم فيهم بجزيل ثوابه، كذوي الضرورة الغير الخافية، والمرضى الذين لستم بأولى منهم بالعافية، ففي مثل هذا تسد الذرائع وفيه تمتثل أوامر الشرائع.
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} (1)، ولا يتقرب إلى مالك النواصي بالبدع والمعاصي، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون والأتقياء المفلحون، أكل الحلال وقيام الليالي ومجاهدة النفس في حفظ الأحوال بالأقوال والأفعال، البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهتدى، وأمانة تُؤدى، وخُلُق على خُلُق القرآن يحذى، وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، وبيع النفس والمال من الله. {* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (2) الآية. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (3) الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، وتغيير الأحكام
(1) التوبة الآية (60).
(2)
التوبة الآية (111).
(3)
الأنعام الآية (153).
الشرعية بالبدع والأحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص. {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} (1) عن المقدام ابن معدي كرب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يجاء بالرجل يوم القيامة وبين يديه راية يحملها، وأناس يتبعونها فيسأل عنهم ويسألون عنه» (2)
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)} (3) فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلائف، أن يمنعوا هؤلاء الطوائف، من الحضور في المساجد وغيرها. ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، أو يعينهم على باطلهم. فإياكم ثم إياكم والبدع فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية، فمن المنقول عن الملل والمشهور في الأواخر والأول أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم، أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء، وحلت النقماء وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقعت بركة
(1) فاطر الآية (8).
(2)
أخرجه بلفظ: «لا يكون رجل على قوم إلا جاء يوم القيامة يقدمهم وهم يتبعونه يسأل عنهم ويسألون عنه» ابن أبي عاصم في السنة (2/ 523/1099) والطبراني في الكبير (20/ 275 - 276) من حديث المقدام بن معدي كرب .. وقال الهيثمي في المجمع (5/ 208): "رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف". بل هو في الكبير.
(3)
البقرة الآية (166).
الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد.
والأدب مع الله ثلاثة:
حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع، ومراعاتها في الضيق والاتساع، لا ما يفعله هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء. {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ أو قال: أوصنا، فقال:«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لمن ولي عليكم، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (2).
وها نحن عباد الله أرشدناكم وحذرناكم وأنذرناكم. فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه، وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
(1) آل عمران الآية (31).
(2)
انظر تخريجه في مواقف اللالكائي سنة (418هـ).
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (1).
التعليق:
يستفاد من هذا النص المبارك:
1 -
مدى تأثر هذا السلطان بالعقيدة السلفية.
2 -
قوة علمه وإدراكه في الاستدلال بالكتاب والسنة.
3 -
بيان الحالة التي كان عليها أهل ذلك الزمان من ترد في الخرافات والشركيات والطرق الصوفية.
4 -
اعتماده في الاستدلال على فعل السلف وفي مقدمتهم الصحابة.
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (2)(1242 هـ)
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ولد في مدينة الدرعية سنة خمس وستين ومائة وألف من الهجرة، وتفقه على أبيه وغيره. وبعد وفاة أبيه وشيخه، تصدى لنشر الدعوة السلفية والرد على المخالفين بالحجة والبرهان. كان ذا فهم جيد وحافظة قوية وذهن سيال وقريحة وقادة، وكان رحمه الله يعتبر المرجع الأساسي في الأعمال الدينية والشؤون الشرعية في المملكة السعودية في عهد ثلاثة أئمة من حكام آل سعود هم: الإمام عبد العزيز بن محمد وابنه سعود وحفيده عبد الله بن سعود.
(1) النور الآية (63).
(2)
علماء نجد (1/ 48 - 55) والأعلام (4/ 131) والدرر السنية (12/ 43 - 45).