الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصحيح منها هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك يعتقدون أن كل أحد من الصحابة ليس معصوماً عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم إن صدر، حتى أنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، ولهم من الحسنات التي تمحو سيئات ما ليس لمن بعدهم، وكلهم عدول بتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
موقفه من الصوفية:
- قال رحمه الله: ومن أصول السنة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات والتأثيرات، كالمأثور عن سلف الأمة وأئمتها وسالف الأمم في سورة الكهف وسورة مريم وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة.
والكشف والكرامة ليس بحجة في أحكام الشريعة المطهرة، وخاصة فيما يخالف ظاهر الكتاب والسنة. ولا يمتاز صاحب الولاية والكرامة عن آحاد المسلمين في شيء من الزي والعمل والقول، ولا يختص بالنذر وغيره مما ينبغي لله سبحانه. (2)
موقفه من الجهمية:
من مواقفه رحمه الله الطيبة قوله:
(1) قطف الثمر (ص.97).
(2)
قطف الثمر (99). وقد أدرح في فصوله كلام ابن تيمية وخصوصا الواسطية.
- فمذهبنا مذهب السلف: إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك والشافعي والثوري والأوزاعي وابن المبارك والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم. فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة رضي الله عنه، فإن الاعتقاد الثابت عنه، موافق لاعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة، قال الإمام أحمد:"لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتجاوز القرآن والحديث" وهكذا مذهب سائرهم، فنتبع في ذلك سبيل السلف الماضين، الذين هم أعلم الأئمة بهذا الشأن، نفيا وإثباتا، وهم أشد تعظيما لله وتنزيها له عما لا يليق بحاله، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يقال هي ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا يعرف المراد منها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني بل هي آيات بينات، دالة على أشرف المعاني وأجلها، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم.
والإيمان إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم، كذلك فكان الباب عندهم بابا واحدا، قد اطمأنت به قلوبهم، كذلك وسكنت إليه نفوسهم، فأنسوا من صفات كماله ونعوت جلاله مما استوحش منه الجاهلون المعطلون، وسكنت قلوبهم إلى ما نفر منه الجاحدون المتكلمون، وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات،
فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فكذا صفاته لا تشبه الصفات، فما جاءهم من الصفات عن المعصوم تلقوه بالقبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار، لعلمهم بأنه صفة من لا تشبيه لذاته ولا لصفاته، وأن ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق لا تشابه بينهم في المعنى الحقيقي، إذ صفات القديم بخلاف صفات الحادث، وليس بين صفاته وصفات خلقه إلا موافقة اللفظ للفظ. والله سبحانه وتعالى قد أخبر أن في الجنة لحما ولبنا وعسلا وماء وحريرا وذهبا، وقال ابن عباس:"ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء" فإذا كانت هذه المخلوقات الفانية ليست مثل هذه الموجودة، مع اتفاقهما في الأسماء فالخالق جل وعلا أعظم علوا، وأعلى مباينة لخلقه، من مباينة المخلوق للخالق وإن اتفقت الأسماء. وأيضا فقد سمى الله سبحانه نفسه حيا عليما سميعا بصيرا ملكا رؤوفا رحيما، وسمى بعض مخلوقاته حيا وبعضها عليما، وبعضها سميعا بصيرا، وبعضها رؤوفا رحيما، وليس الحي كالحي، ولا العليم كالعليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، ولا الرؤوف الرحيم كالرؤوف الرحيم. (1)
- وقوله: ومن ظن أن نصوص الصفات لا يعقل معناها، ولا يدرى ما أراد الله تعالى ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها، وإن لها تأويلا وتوجيها لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة} {الم} و {كهيعص} وظن أن هذه طريقة السلف، ولم
(1) قطف الثمر (47 - 49).
يكونوا يعرفون حقيقة قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1) وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (2).
وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (3) ونحو ذلك. فهذا الظان، من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علما وأفقههم فهما، وأحسنهم عملا، وأتبعهم سننا. ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ عظيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها. (4)
- وقوله: ومن قال: يخلو العرش عند النزول، أو لا يخلو، فقد أتى بقول مبتدع، ورأي مخترع، وكل ما وصف به الرسول ربه من الأحاديث الصحاح، التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمان به كقوله صلى الله عليه وسلم:«لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته» (5) متفق عليه. وضحكه تعالى إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، فيدخلان الجنة (6) رواه الشيخان، وقوله: «حتى
(1) الزمر الآية (67).
(2)
ص الآية (75).
(3)
طه الآية (5).
(4)
قطف الثمر (53 - 54).
(5)
تقدم تخريجه. انظر مواقف ابن قدامة صاحب المغني سنة (620هـ).
(6)
أحمد (2/ 244؛464) والبخاري (6/ 49/2826) ومسلم (3/ 1504/1890) والنسائي (6/ 346/3166) وابن ماجه (1/ 68/191) كلهم من طرق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة
…
» الحديث.